الكاتبان أولجا وهانكة يفوزان بـ «نوبل» في الأدب لعام 2019

الكاتبان أولجا وهانكة يفوزان بـ «نوبل» في الأدب لعام 2019

ظاهرة جديدة شهدتها جائزة نوبل في الأدب هذا العام، هي إعلان اسمَي كاتبين يفوزان بالجائزة، هما الكاتبة البولندية أولجا توكارتشوك، والكاتب النمساوي/ الألماني بيتر هانكة، وكمحاولة لإدراك الخطأ الخاص بحجب الجائزة في العام الماضي، فإن اسم أولجا سيوضع في قوائم الفائزين بالجائزة عن العام الفائت، حتى لا تكون القائمة خالية في تلك السنة، أما هانكة فهو الحاصل على الجائزة للعام الحالي، وعلى كلّ، فإن الجائزة منحت لكاتبين ينتميان تمامًا إلى لغتين أوربيتين متباينتين، وربما إلى ثقافتين متباعدتين.

 

الديوان الأول الذي نشرته أولجا عام 1989 بعنوان «مدن مرايا»، نشر في السنوات الأخيرة للسيادة السوفييتية على بولندا، وجاءت الأعمال التالية في ظل تحرير بولندا والانفصال عن المعسكر الشيوعي.
كما يلاحظ أن الكاتبين تميّزا بتعدّد وتنوّع النشاط في الكتابة، ولكل منهما علاقة قوية بالسينما، كما سنرى، وأولجا هي شاعرة وروائية وكاتبة سيناريو سينمائي مولودة في سولشوف القريبة من العاصمة وارسو في 29 يناير 1962،  تربّت في عصر السيطرة السوفييتية على بلادها، وكان عليها أن تدرس علم النفس في أثناء الثمانينيات، وهي السنوات التي شهدت ليش فاليسا الذي قاد عمّال الموانئ للتمرد، ولذا فإنها مارست الطب النفسي كعمل تطوعي في أثناء سنوات الدراسة، وكانت قد تخرّجت في جامعة وارسو عام 1985، وأبدت فخرًا دومًا بأنها تلميذة في مدرسة عالِم النفس كارل يونج، وهو ما انعكس بقوة في رواياتها، خصوصًا في أعمالها المنشورة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهي السنوات التي اعتزلت فيها مهنتها، لتتفرغ للعمل بالصحافة والأدب، كما أنها قرأت بإعجاب شديد أشعار ويليام بليك.

يوميات كتاب شعبي
أما روايتها الأولى «يوميات كتاب شعبي»، فقد صدرت عام 1993، أي بعد أن صارت بولندا بلدًا حرًّا يتطلع إلى مستقبل مزدهر، ثم جاءت رواية «إيرنا الزنتر» عام 1995، وبدا النجاح يدفعها أكثر للكتابة، فجاءت الأعمال كالتالي: «افتتاحية وأزمنة أخرى» (1996)، «بيت النهار، بيت الليل» (1998)، «الدمية واللؤلؤة» (2000)، «القرع على طبول متعددة» (2001)، و«القصص الأخيرة» (2004)، «قد عربتك واعبر جثث الموتى» (2009)، «آنا في مقابر العالم» (2006)، وهي الرواية التي كتبتها للسينما وأخرجتها المخرجة المعروفة آنجليسكا هولاند عام 2017، ثم نشرت رواية «طيران» (2007)، «لحظة الدب» (2012)، و«سيناريو يعقوب» (2014)، «الأطفال الخضر» (2016)، ثم «قصص غريبة» (2018).
في حياة الكاتبة كثير من الجوائز المحلية والعالمية، آخرها في عام 2018 جائزة بوكر مان عن روايتها الأخيرة، وتعتبر روايتها «آلبرجرين» درّة أعمالها، وهي عن مجموعة من البولنديين عاشوا عبر التاريخ، وتتبع مسيرتهم الترحالية عبر عدد من القرون بدأت في عام 1600 حتى عام 2006، وهم قوم لا يكفّون عن الترحال بحثًا عن بعضهم البعض، ليس فقط في بولندا، بل في أماكن متفرقة من غرب أوربا، سواء أمستردام أو  شمال فرنسا، وربما سان بطرسبورج في روسيا، وصولاً إلى نيويورك، إنها رحلة البحث عن الأصول والجذور، وقد استخدموا في تنقلاتهم مختلف وسائل الانتقال القديمة والحديثة التي نقلتهم إلى شتى الأماكن، ومن هنا جاء ثراء التنّوع.
وتشير الكاتبة إلى أن الالتقاء دومًا كان عبر الأحضان والهتافات والنهنهات، وكان المسافرون يعتبرون أن الرحيل هو رحلة للبحث عن الذات، ولذا كانوا يصحبون معهم حيواناتهم لتكون شاهدة على الأماكن والذكريات والبشر.
ومن أبرز الشخصيات فردريك روش وابنته شارلوتا، وآنجلو سليمان وزوجته جوزفينا، الذي حمل رسالة تحية إلى مستشار النمسا.

الأديب الكاميرا
أما بيتر هانكة الروائي النمساوي، فهو أيضًا كاتب مسرحي، ومخرج سينمائي، وكاتب سيناريو، مولود في جريفن، يطلقون عليه اسم «الأديب الكاميرا»، وذلك لدقّة تصويره لمشاعر الإنسان ولمظاهر الحياة اليومية التي تحوطه.
عاش في البداية بمدينة برلين الشرقية بين عامي 1944 إلى 1948، ثم عاد إلى جريفن، حصل على شهادته العليا عام 1959.
التقى بأعضاء مجموعة 47 وانضم إليهم، وفي الثمانينيات رحل إلى أماكن عدة حول العالم، وكتب نصوص رحلاته، وقد كتب عن الحرب العرقية في منطقة الصرب، منحازًا للعرب.
بدأ حياته ككاتب مسرحي عام 1964 بمسرحية «إثارة سخط الجمهور»، التي تنتمي إلى مسرح الطليعة الألماني الحديث، ثم توالت أعماله الروائية: «المعاناة الحادة للجنايني في لحظة عقاب» (1970)، «خطاب قصير الوداع طويل»، «اسكن برج عاجي»، و«الألم المختلف» (1972)، و«ساعة المشاعر الحقيقية» (1975)، و«حركات مزيفة» (1975)، «الشولاء» (1976)، «ثقل العالم» (1976)، «عودة بطيئة» (1979)، «قصة فيلم» (1982)، و«صيني الألم» (1983)، و«خريف كاتب» (1988)، «أجنحة الرغبة» (1987)، و«مقال حول التعب» (1989)، «عامي في فتحة شخص» (1994)، «رحلة شتوية»، «دون جواب» (2004)، «ملحوظات حول عمل يان قوس» (2005)، و»كامي» (2006)، و«في الطريق بالأمس» (2011)، و«أجمل أيام أرنجور»، و«ليلة مرواف» و«المعبد دوما» (2010)، و«عامي في عيون إنسان» (1997).
ومن مسرحياته: «غزو بحيرة كونستانس» (1971)، و«الدهاليز الزرقاء» (2013).

رواية الشولاء
تعتبر رواية «الشولاء» من درر أعمال الكاتب، وقد حوّلها بنفسه إلى سيناريو سينمائي لفيلم أخرجه بنفسه.
تدور الرواية حول موضوع كانت السينما مشغولة به في تلك الفترة، وهو عن امرأة تطلب الطلاق من زوجها دون إبداء الأسباب، وتترك له ابنها الصغير. إنها الآن حرّة، لكن هذه الحرية تغلّفها مشاعر رهيبة من وحدة الحياة المؤلمة التي تدفعها إلى أن تملأها بأسلوب أو بآخر في شقتها الصغيرة.
تبدأ الأحداث قبل خمس سنوات. تقول المرأة: «هناك صورة تشير إلى ذلك الزمن الذي كنت أعيشه في منزل جديد يقع في ضاحية تانوس بشمال فرانكفورت. إنها ضاحية مكفهرة، وكنت أنا قدمًا راسخة، وكانت المنازل بصفة عامة أشبه بصناديق مشيّدة فوق الشرفات الكبيرة، الواحدة فوق الأخرى، تختلط بالغابات التي وراء بعضها وعلى ارتفاع ألف متر.
هنا وهناك بعض الأنوار تشع من الصيادين، وأحيانًا امرأة تستطيع أن تتكشف العالم. يعود الرجال في ساعات متأخرة من أعمالهم، ليست السماء مكفهرّة تمامًا، لكنها تلقي بسحابات كبيرة، خلفها صندوق أشبه بالمنزل به امرأة وحيدة تتحرك هنا وهناك».
ويتحدث هانكة عن بطلته التي تعيش في وحدة: «ولأن الزمن طويل، فإنني أسرد التفاصيل، وأضع التصور الخارجي لفيلم أكثر من عامين.
هناك القصة تسكن رأسي. هناك نموذجان؛ صورة امرأة وحيدة في كل شيء، وطفل نائم دومًا. إنها تنظف في المطبخ الأطباق من بقايا الأطعمة. 
إنها تقف في مواجهة شجرة الصنوبر العالية، وتأكل من بقايا طبق صغير. الصورة الأخرى نصف امرأة مع طفل في يدها اليسرى. تذهب بعد الظهر إلى السينما، وفي نهاية الفيلم تنام على المقعد. إنها التفاصيل الطبيعية لقصّة فيلم، ليست قصة خيالية، ولا ارتجالًا، ولا دراما، لكنها أحداث نقية قدر الإمكان».

ساعة المشاعر الحقيقية
في العام نفسه الذي قدّم فيه هانكة روايته «الشولاء» قدّم رواية أخرى بعنوان: «ساعة المشاعر الحقيقية»، التي تتناول صفحة من حياة نمساوي يدعى جريجور كوشنج، ملحق صحفي بسفارة النمسا في باريس. يبدو كأنه يقوم بمغامرة حقيقية. يحلم ذات ليلة أنه قتل امرأة عجوزًا، لكنّ شعورًا ما ينتابه... إنه أشبه ببطل أقصوصة كافكا «مصير صرصور» يرى أن العالم متقلّب وأنه يمتلك مثقابًا، ومشرطًا».
عندما ينتبه كوشنج من حلمه الثقيل يعود إلى حياته العادية، كأن شيئًا لم يحدث: «سوف تتغير اليوم لأنك حاولت باستماتة أن تبدو لك نفس السمات التي تمتلكها دائمًا».
عليه أن يعيش طوال يومه وسط أسرة وعمل، ومغامرات عاطفية ووجبات طعام، ونزهات ولقاءات. 
ساعات طويلة داخل صيف باريس الحار. لقد تركته امرأته ستيفاني مع ابنتهما آنييس، ذلك الحيوان الصغير الحي. أما عشيقته بياتريس فهي حالمة شاعرة، ولا يكفّ السفير عن تسجيل بعض الملحوظات كي يرسلها هنا وهناك. 
وعليه أن يجد وسيلة أفضل للاتصال بالآخرين: «ليست لي هوية قومية... ربما أنني روح الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية، وكل الثورات الكبرى التي تعرفها».
وفي روايته «عودة بطيئة»، هناك رجل يدعى فالنتين، يعمل في وظيفة حسّاسة، لكنّه يشعر بأنه ليس في المكان المناسب، وأنه ليس في مجتمع ينشده، فيترك الشمال ويعود إلى أوربا لبضعة أشهر، ويتجه إلى الساحل الغربي للمحيط الهادي، الذي يسكنه منذ سنوات طويلة، ثم نيويورك... تحدث بعض الأمور، ويموت أشخاص مقربون إليه، ويردد: «على الجيولوجي أن يدرس بنائية الأرض، لا جود المشاعر» ■

 

من أغلفة روايات الكاتبة أولجا