رسائل وديع فلسطين

رسائل وديع فلسطين

«نشر  رسائل الكُتَّاب، أي رسائلهم الخاصة، يُنظر إليه من جهات مختلفة. فيقال: إنها كتابات فيها خصوصيات، ونفض كتمات صدر، وأشياء من عفو الخاطر، ما تأنّى فيها الكاتب، ولا تروَّى طويلا، فلا تحل إذاعتها في الناس. 
ويُقال: بل تحلُّ، فهي رسائل أصبحت في يد التأريخ، ثم يختلف رأي القائلين بالنشر، فبعضٌ يرى نشرها بحذافيرها، وبعضٌ يرى نشر  أشياء منها وطيّ أشياء، وبعضٌ يرى التريُّثَ في النشر حتى ينقضي زمن المعاصرة.
هذا، وليس ببعيد منّا يوم نقول فيه «أدب رسائل»، كما نقول اليوم «أدب مذكّرات»، و«أدب اعترافات»، فإن الناس يشوقهم حب الكشف إلى كل مغطّى»!
(أمين نخلة)

 

ولد‭ ‬وديع‭ ‬فلسطين‭ ‬سنة‭ ‬1923‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أخميم‭ ‬بمحافظة‭ ‬سوهاج‭ ‬في‭ ‬صعيد‭ ‬مصر،‭ ‬وهو‭ ‬قبطي‭. ‬وكانوا‭ ‬إذا‭ ‬ولد‭ ‬لهم‭ ‬صبي‭ ‬يفتحون‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬يختارون‭ ‬منه‭ ‬اسمًا،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬اسم‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬كنيته‭.‬

ومما‭ ‬يذكره‭ ‬أن‭ ‬محققًا‭ ‬في‭ ‬المباحث‭ ‬زمن‭ ‬الثورة‭ ‬المصرية‭ ‬سأله‭: ‬امتى‭ ‬شرّفت‭ ‬مصرب؟‭ ‬أجابه‭: ‬امنذ‭ ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬سنة،‭ ‬أنا‭ ‬صعيدي‭ ‬وقبطي‭ ‬وفرعوني،‭ ‬وجدي‭ ‬الأكبر‭ ‬رمسيس‭ ‬الثاني‭!‬ب‭.‬

سجن‭ ‬زمن‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ضد‭ ‬الثورة‭ ‬المصرية‭ ‬إنما‭ ‬كان‭ ‬ضد‭ ‬العسكر،‭ ‬لذلك‭ ‬نقم‭ ‬على‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬كما‭ ‬نقم‭ ‬على‭ ‬معمّر‭ ‬القذّافي‭ ‬الذي‭ ‬أمهله‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬ليخرج‭ ‬من‭ ‬ليبيا،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬عند‭ ‬بدء‭ ‬ثورة‭ ‬الفاتح‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬1969‭. ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬ينتسب‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حزب‭.‬

كان‭ ‬والده‭ ‬موظفًا‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬السودان،‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬سنة‭ ‬1930،‭ ‬لكنه‭ ‬توفي‭ ‬سنة‭ ‬1931،‭ ‬فاعتنت‭ ‬والدته‭ ‬بتربيته‭ ‬وتأمين‭ ‬التعليم‭ ‬له‭. ‬درس‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬وتخرّج‭ ‬سنة‭ ‬1942‭ ‬حائزًا‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬والصحافة‭.‬

‭ ‬عمل‭ ‬بالصحافة‭ ‬في‭ ‬االأهرامب،‭ ‬واالمقطّمب،‭ ‬واالمقتطفب‭ ‬وسواها‭. ‬كما‭ ‬درّس‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مادة‭ ‬الصحافة‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1948‭ ‬إلى‭ ‬1957‭. ‬وعمل‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬أرامكو،‭ ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬قبل‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭.‬

 

متعدد‭ ‬المواهب

‭ ‬هو‭ ‬كاتب‭ ‬ومترجم‭ ‬متعدد‭ ‬المواهب،‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬وأدب‭ ‬الرسائل،‭ ‬ونشر‭ ‬مقالات‭ ‬أدبية‭ ‬في‭ ‬كبريات‭ ‬المجلات‭ ‬والصحف‭ ‬العربية،‭ ‬ومنها‭ ‬االعربيب‭.‬

وبسبب‭ ‬اسم‭ ‬أسرته‭ ‬افلسطينب‭ ‬كانت‭ ‬الرسائل‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه‭ ‬ترسل‭ ‬أولًا‭ ‬إلى‭ ‬غزة،‭ ‬ومنها‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭.‬

ساعده‭ ‬أستاذه‭ ‬فؤاد‭ ‬صروف‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬عمل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬االأهرامب،‭ ‬حيث‭ ‬تعرّف‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬االشوامب،‭ ‬أي‭ ‬اللبنانيين‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ثم‭ ‬لبّى‭ ‬دعوة‭ ‬كريم‭ ‬ثابت‭ ‬باشا‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬ادار‭ ‬المقتطف‭ ‬والمقطّمب،‭ ‬حيث‭ ‬رحّب‭ ‬به‭ ‬ثلاثة‭ ‬باشوات‭ ‬وكلهم‭ ‬من‭ ‬االشوامب؛‭ ‬الدكتور‭ ‬فارس‭ ‬نمر‭ ‬باشا،‭ ‬وخليل‭ ‬ثابت‭ ‬باشا،‭ ‬وابنه‭ ‬كريم‭ ‬ثابت‭ ‬باشا‭.‬

حياته‭ ‬المديدة‭ ‬كانت‭ ‬مليئة‭ ‬بالتجارب‭ ‬والأحداث‭ ‬المثيرة‭ ‬والمثابرة‭ ‬والعمل‭ ‬الجاد،‭ ‬وقد‭ ‬أقام‭ ‬شبكة‭ ‬علاقات‭ ‬وصداقات‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬ورجال‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المهجر‭. ‬ولعله‭ ‬المصري‭ ‬الأكثر‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بأدب‭ ‬المهجر‭ ‬وأدبائه‭.‬

وهو‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬مجمعي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬السوري‭ ‬والأردني،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬المصري‭.‬

 

مع‭ ‬خليل‭ ‬مطران

 

رافق‭ ‬شاعر‭ ‬القطرين‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ (‬1872‭ - ‬1949‭) ‬في‭ ‬سنواته‭ ‬الأخيرة‭. ‬وأذكر‭ ‬أني‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أضع‭ ‬رسالة‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬عن‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ ‬في‭ ‬أوسط‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كنت‭ ‬ألتقي‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الجامعة،‭ ‬الأستاذ‭ ‬فؤاد‭ ‬صرّوف،‭ ‬وأسأله‭ ‬عن‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أسير‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬حَرَم‭ ‬الجامعة‭ ‬ومطران‭ ‬ثالثنا‭. ‬وقد‭ ‬أعطاني‭ ‬عنوان‭ ‬وديع‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬مطران‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬حياته‭.‬

كتبت‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬وديع‭ ‬أطلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يفيدني‭ ‬عنه‭. ‬فكتب‭ ‬لي‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يزور‭ ‬مطران‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬وكان‭ ‬مريضًا‭ ‬طريح‭ ‬الفراش،‭ ‬فجاء‭ ‬وفد‭ ‬يمثّل‭ ‬إحدى‭ ‬الجمعيات‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬مطران‭ ‬نظم‭ ‬قصيدة‭ ‬تساعد‭ ‬الجمعية‭ ‬على‭ ‬استدرار‭ ‬عطف‭ ‬الناس‭ ‬لجمع‭ ‬بعض‭ ‬المبالغ‭ ‬المالية‭. ‬فاعتذر‭ ‬مطران‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬نظم‭ ‬قصيدة‭ ‬بسبب‭ ‬المرض،‭ ‬لكنه‭ ‬تناول‭ ‬عشرة‭ ‬جنيهات‭ ‬ووضعها‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬وقدّمها‭ ‬إليهم‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬القصيدة،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬ضائقة‭ ‬مالية،‭ ‬وقال‭ ‬لوديع‭ ‬بعد‭ ‬انصرافهم‭: ‬لا‭ ‬يتركونني‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الرّمق‭ ‬الأخير‭.‬

وكان‭ ‬مطران‭ ‬يردد‭ ‬قول‭ ‬ابن‭ ‬الدُمينَة‭ ‬الرائع‭:‬

 

ولي‭ ‬كبدٌ‭ ‬مقروحةٌ‭ ‬من‭ ‬يبيعني

بها‭ ‬كبدًا‭ ‬ليست‭ ‬بذات‭ ‬قُروحِ؟

أباها‭ ‬عليّ‭ ‬الناسُ‭ ‬لا‭ ‬يشترونها

ومن‭ ‬يشتري‭ ‬ذا‭ ‬علّةٍ‭ ‬بصحيحِ؟

 

الشوام‭ ‬والصحافة‭ ‬المصرية

يقول‭ ‬وديع‭ ‬فلسطين‭ ‬عن‭ ‬مساهمة‭ ‬اللبنانيين‭ (‬الشوام‭) ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

اوالمعروف‭ ‬أن‭ ‬الشوام‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬أنشأوا‭ ‬أكبر‭ ‬دُور‭ ‬للصحافة‭ ‬والنشر‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭: ‬دار‭ ‬المقتطف‭ ‬والمقطّم‭ ‬التي‭ ‬هجرناها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬عندما‭ ‬ناصبتنا‭ ‬الثورة‭ ‬العداء‭. ‬

ودار‭ ‬الأهرام‭ ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬سليم‭ ‬وبشارة‭ ‬تقلا‭ ‬سنة‭ ‬1875،‭ ‬والتي‭ ‬آلت‭ ‬ملكيتها‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬جبرائيل‭ ‬تقلا‭ ‬باشا‭ ‬إلى‭ ‬نجله‭ ‬بشارة،‭ ‬وهذا‭ ‬تنازل‭ ‬بعد‭ ‬التأميم‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬حقوقه،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬ورثة‭. ‬ودار‭ ‬الهلال‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬المعتقد‭ ‬بعد‭ ‬التأميم‭ ‬أن‭ ‬تؤول‭ ‬ملكيتها‭ ‬إلى‭ ‬حفيد‭ ‬جرجي‭ ‬زيدان،‭ ‬وهو‭ ‬زميلنا‭ ‬إميل‭ ‬سمعان،‭ ‬لكن‭ ‬الحفيد‭ ‬كان‭ ‬مهووسًا‭ ‬برياضة‭ ‬اليوغا‭ ‬الهندية،‭ ‬فهاجر‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬وعاش‭ ‬هناك‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬فقير‭ ‬هندي،‭ ‬وعند‭ ‬وفاته‭ ‬منذ‭ ‬بضع‭ ‬سنين،‭ ‬أُحرق‭ ‬جثمانه‭ ‬وفقًا‭ ‬للمناسك‭ ‬الهندوسية‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬دار‭ ‬المعارف‭ ‬التي‭ ‬عوملت‭ ‬بعد‭ ‬التأميم‭ ‬بأنها‭ ‬دار‭ ‬صحفية‭ ‬بسبب‭ ‬مجلة‭ ‬اأكتوبرب‭ ‬التي‭ ‬أُلحقت‭ ‬بها،‭ ‬فقد‭ ‬ارتأى‭ ‬المسؤولون‭ ‬عنها‭ ‬بعد‭ ‬التأميم‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬صاحبها‭ ‬شفيق‭ ‬متري،‭ ‬لكي‭ ‬يلاحق‭ ‬المطابع‭ ‬والعمال‭ ‬مقابل‭ ‬انفقةب‭ ‬شهرية،‭ ‬قدرها‭ ‬مئة‭ ‬جنيه،‭ ‬وليست‭ ‬مرتبًا‭ ‬أو‭ ‬مكافأة‭. ‬وعندما‭ ‬التقيت‭ ‬به‭ ‬للمرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬أخبرني‭ ‬أنه‭ ‬توجّه‭ ‬إلى‭ ‬مدير‭ ‬الدار،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬كيف‭ ‬أعيش‭ ‬بمئة‭ ‬جنيه‭ ‬في‭ ‬الشهر،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬أجرة‭ ‬الشقة‭ ‬التي‭ ‬أقيم‭ ‬فيها‭ ‬مئة‭ ‬جنيه؟‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬المدير‭: ‬احمِد‭ ‬ربك‭ ‬لأننا‭ ‬أبقينا‭ ‬عليك‭. ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هاجر‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬للِّحاق‭ ‬بنجله‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬هاشيت‭ ‬لطباعة‭ ‬القواميس‭.‬

ولأن‭ ‬كريم‭ ‬ثابت‭ ‬باشا‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رئاسة‭ ‬تحرير‭ ‬االمقطّمب‭ ‬مستشارًا‭ ‬صحفيًا‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬فاروق،‭ ‬فقد‭ ‬تمت‭ ‬محاكمته‭ ‬مرتين‭ ‬أمام‭ ‬محاكم‭ ‬استثنائية،‭ ‬وحُكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬ومصادرة‭ ‬أملاكه‭ ‬حتى‭ ‬أثاث‭ ‬بيته‭. ‬فقامت‭ ‬زوجته‭ ‬ذ‭ ‬وهي‭ ‬ابنة‭ ‬الصحفي‭ ‬اللبناني‭ ‬سليم‭ ‬سركيس‭ ‬ذ‭ ‬بشراء‭ ‬هذا‭ ‬الأثاث‭ ‬مرتينب‭.‬

 

شاهد‭ ‬على‭ ‬العصر

وديع‭ ‬فلسطين‭ ‬صاحب‭ ‬أسلوب‭ ‬ماتع‭ ‬شيّق،‭ ‬ويزيد‭ ‬في‭ ‬نكهته‭ ‬أنه‭ ‬يورد‭ ‬بعض‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬سواه،‭ ‬فيسجلها‭ ‬لنا‭ ‬لتكون‭ ‬بمنزلة‭ ‬يد‭ ‬جديدة‭ ‬نحفظها‭ ‬له‭ ‬ومأثرة‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬مآثره،‭ ‬وما‭ ‬أكثرها،‭ ‬فقد‭ ‬أعاد‭ ‬إلى‭ ‬الأدب‭ ‬رونقه‭ ‬واعتباره‭. ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يسجل‭ ‬االقفشاتب‭ ‬والفكاهات‭ ‬والمداعبات‭ ‬والنوادر‭ ‬التي‭ ‬يُطلقها‭ ‬بعض‭ ‬الأدباء‭ ‬والصحفيين،‭ ‬فهو‭ ‬شاهدٌ‭ ‬على‭ ‬عصره‭ ‬وأعلامِ‭ ‬عصره‭.‬

يقول‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬أجرتها‭ ‬معه‭ ‬جريدة‭ ‬مصرية‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬6‭/ ‬4‭/ ‬2015‭: ‬اوجدت‭ ‬أني‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬وكانوا‭ ‬يرحّبون‭ ‬بي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وكرّموني‭ ‬بكل‭ ‬الأشكال‭. ‬فمجالي‭ ‬الحيوي‭ ‬عربي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬مصري،‭ ‬حتى‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬لي‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬أقلّ‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربيةب‭.‬

ويضيف‭: ‬االبريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬ألغى‭ ‬القيمة‭ ‬الوثائقية‭ ‬للرسائل،‭ ‬فعندي‭ ‬مثلًا‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬العقاد‭ ‬مكتوبة‭ ‬بخط‭ ‬يده،‭ ‬ولو‭ ‬أنه‭ ‬استعان‭ ‬بالكمبيوتر‭ ‬في‭ ‬كتابتها‭ ‬لفقدت‭ ‬قيمتها‭ ‬الوثائقية‭. ‬ولأنني‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬سنة‭ ‬أبعث‭ ‬برسائل‭ ‬مكتوبة‭ ‬بخط‭ ‬اليد‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا،‭ ‬ففي‭ ‬وسع‭ ‬مقتنيها‭ ‬أن‭ ‬يعتبروها‭ ‬وثائق‭ ‬أدبية‭ ‬أصيلةب‭.‬

وفي‭ ‬مقابلة‭ ‬أجرتها‭ ‬معه‭ ‬جريدة‭ ‬الأهرام‭ ‬في‭ ‬1‭/‬4‭/‬2011‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬خاتمتها‭ ‬جوابًا‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تنشر‭ ‬مذكراتك؟‭: ‬الأن‭ ‬حياتي‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬أمجاد‭ ‬تدخل‭ ‬التاريخ‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬فضائحب‭.‬

مع‭ ‬الأسف،‭ ‬فإن‭ ‬أدب‭ ‬الرسائل‭ ‬بات‭ ‬مهددًا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الحديثة،‭ ‬مثل‭ ‬الإنترنت‭ ‬والإيميل‭ ‬والسكيب‭ ‬وفيسبوك‭ ‬والفيديو،‭ ‬وما‭ ‬شاكل‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬حلّت‭ ‬محل‭ ‬الرسائل‭ ‬المكتوبة‭ ‬بالقلم،‭ ‬وكادت‭ ‬تقضي‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬أدبية‭ ‬وتاريخية‭.‬

وكنت‭ ‬قرأت‭ ‬رأيًا‭ ‬لأحد‭ ‬كبار‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬حَمَلة‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل،‭ ‬يقول‭: ‬اإنَ‭ ‬الإنترنت‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الاكتشافات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تعلّم‭ ‬الإنسان‭ ‬الكسلب‭!‬

 

رسائل‭ ‬وديع‭ ‬إليّ

عدد‭ ‬رسائل‭ ‬وديع‭ ‬فلسطين‭ ‬إليّ‭ ‬150‭ ‬رسالة،‭ ‬الأولى‭ ‬مؤرّخة‭ ‬في‭ ‬24‭/‬8‭/‬1997،‭ ‬والأخيرة‭ ‬مؤرّخة‭ ‬في‭ ‬28‭/‬2‭/‬2015‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬18‭ ‬سنة‭. ‬وقد‭ ‬توقّف‭ ‬بعدها‭ ‬عن‭ ‬كتابة‭ ‬الرسائل‭ ‬لأسباب‭ ‬صحية‭. ‬كل‭ ‬رسالة‭ ‬على‭ ‬صفحتين‭ ‬ممتلئتين‭ ‬تمامًا‭.‬

كانت‭ ‬له‭ ‬آراء‭ ‬حرة‭ ‬يعلنها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬وجل،‭ ‬وهو‭ ‬كان‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬1952‭ ‬قد‭ ‬آثر‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬رجال‭ ‬السياسة،‭ ‬ويلتزم‭ ‬منزله‭ ‬ويعيش‭ ‬في‭ ‬الظل‭. ‬ويكتب‭ ‬مقالاته‭ ‬وينشرها‭ ‬ويتراسل‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه،‭ ‬وهم‭ ‬كُثُر،‭ ‬وفي‭ ‬رسائله‭ ‬إليهم‭ ‬ينفث‭ ‬عن‭ ‬غضبه‭ ‬وحقده‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬ورجالاتها‭ ‬الذين‭ ‬أفسدوا‭ ‬مصر‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬كنز‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬والأخبار‭ ‬الجريئة‭ ‬والصادقة‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬اليوم‭ ‬وأمس‭. ‬وهي‭ ‬تتضمن‭ ‬انتقادات‭ ‬لكبار‭ ‬الأدباء‭ ‬ورجال‭ ‬السياسة،‭ ‬وتدلل‭ ‬على‭ ‬ضحالة‭ ‬معلوماتهم‭ ‬وسخف‭ ‬آراء‭ ‬بعضهم‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬ينشرها‭ ‬بالصحف‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬رسائله‭ ‬يقول‭ ‬معلقًا‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬طابع‭ ‬بريدي‭ ‬احتفالًا‭ ‬بمئوية‭ ‬مجلة‭ ‬الهلال‭ ‬سنة‭ ‬1992‭:‬

اوعندما‭ ‬احتفلت‭ ‬دار‭ ‬الهلال‭ ‬بمرور‭ ‬مئة‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬إنشائها،‭ ‬أصدرت‭ ‬هيئة‭ ‬البريد‭ ‬عندنا‭ ‬طابعًا‭ ‬تذكاريًّا‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬عليه‭ ‬عبارة‭ ‬االهلالب‭ ‬فقط،‭ ‬وكان‭ ‬الأوقع‭ ‬أن‭ ‬تنشر‭ ‬عليه‭ ‬صورة‭ ‬جرجي‭ ‬زيدان‭. ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬اتجاه‭ ‬عندنا‭ ‬بإلغاء‭ ‬دور‭ ‬الشوام‭ ‬في‭ ‬الثقافة،‭ ‬واعتبارهم‭ ‬دخلاء‭ ‬لا‭ ‬تصح‭ ‬الحفاوة‭ ‬بهمب‭.‬

وفي‭ ‬أخرى‭ ‬يقول‭: ‬اتمت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مصادرة‭ ‬كتاب‭ ‬النبي‭ ‬لجبران،‭ ‬بدعوى‭ ‬احتوائه‭ ‬على‭ ‬هرطقات‭!‬ب‭.‬

 

ذكريات‭ ‬طريفة‭ 

ومن‭ ‬طريف‭ ‬ما‭ ‬يذكر‭ ‬أنه‭ ‬اعندما‭ ‬كنت‭ ‬أحرر‭ ‬جريدة‭ ‬المقطّم‭ ‬كنا‭ ‬نستعين‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬خرّيجي‭ ‬الأزهر‭ ‬لتصحيح‭ ‬تجارب‭ ‬المقالات‭ ‬والأخبار‭. ‬وحدث‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬ورد‭ ‬اسم‭ ‬الزعيم‭ ‬الصيني‭ ‬شو‭ ‬إن‭ ‬لاي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مقال‭ ‬لي،‭ ‬وعندما‭ ‬طُبعت‭ ‬الجريدة‭ ‬لاحظت‭ ‬أن‭ ‬اسمه‭ ‬قد‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬اشو‭ ‬إن‭ ‬لايًاب،‭ ‬وعندما‭ ‬استفسرت‭ ‬من‭ ‬المصحح‭ ‬الأزهري‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬التحريف‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الايًاب‭ ‬هي‭ ‬اسم‭ ‬إنّ،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬نصبها‭!‬ب

وفي‭ ‬رسالته‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الأخيرة‭ ‬يقول‭:‬

افالقلم‭ ‬لم‭ ‬يفارقني‭ ‬ولو‭ ‬يومًا‭ ‬واحدًا‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬عامًا‭ ‬طوالًا،‭ ‬وكنت‭ ‬أوافي‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬الأدبية‭ ‬بمقالاتي‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أسفاري‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬شملت‭ ‬عشرين‭ ‬بلدًا،‭ ‬ومنها‭ ‬مقالات‭ ‬عن‭ ‬زيارتي‭ ‬الأولى‭ ‬للبنان‭ ‬وإعجابي‭ ‬بالحريات‭ ‬الشاملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن،‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬عبدالناصر‭ ‬على‭ ‬أنفاسنا‭.. ‬وقد‭ ‬احتُفل‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬بعيد‭ ‬ميلاد‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬بدأت‭ ‬التدهور‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مرافقها‭ ‬منذ‭ ‬عهده‭ .. ‬ولست‭ ‬أقول‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬عبدالناصر‭ ‬اعتقلني‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ثورته،‭ ‬لكنه‭ ‬حكم‭ ‬مجرّد‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬معايشتي‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬للحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬والعهد‭ ‬الحالي‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬مضطرًا‭ ‬إلى‭ ‬البدء‭ ‬من‭ ‬الصفر،‭ ‬لأن‭ ‬خراب‭ ‬مصر‭ ‬كان‭ ‬إنجاز‭ ‬عبدالناصر‭ ‬الوحيدب‭.‬

أمر‭ ‬آخر‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬ألفت‭ ‬إليه،‭ ‬في‭ ‬3‭/‬12‭/‬2014‭ ‬كتب‭ ‬لي‭ ‬وديع‭ ‬رسالة‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬إنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬المهجري‭ ‬رشيد‭ ‬سليم‭ ‬الخوري،‭ ‬الملقّب‭ ‬بالقروي‭ (‬1887‭ - ‬1984‭)‬،‭ ‬قد‭ ‬أرسل‭ ‬له‭ ‬قصيدة‭ ‬في‭ ‬مدح‭ ‬القذافي‭ ‬لكي‭ ‬ينشرها،‭ ‬لكنه‭ ‬مزّقها‭ ‬شرّ‭ ‬تمزيق،‭ ‬وقال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭: ‬ابمجرّد‭ ‬فض‭ ‬رسالته‭ ‬التي‭ ‬تلقيتها‭ ‬وأنا‭ ‬أحزم‭ ‬أمتعتي‭ ‬لمغادرة‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬48‭ ‬ساعة،‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أوامر‭ ‬حكومة‭ ‬القذافي،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تفسير،‭ ‬رغبت‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬كلام‭ ‬في‭ ‬مدح‭ ‬القذافي‭ ‬الذي‭ ‬أثبتت‭ ‬الأيام‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬رئيسًا‭ ‬هزليًّا‭ ‬وعارًا‭ ‬على‭ ‬بلاده‭ ‬وعلى‭ ‬العرب‭ ‬جميعًاب‭.‬

 

قصيدة‭ ‬القروي

راجعت‭ ‬ديوان‭ ‬الشاعر‭ ‬القروي،‭ ‬ووجدت‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬يتكلم‭ ‬عنها‭ ‬وديع‭ ‬عنوانها‭ ‬اعلى‭ ‬إثر‭ ‬الثورة‭ ‬الليبيةب،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬بيتًا؛‭ ‬ستة‭ ‬عن‭ ‬ليبيا،‭ ‬ولم‭ ‬يأتِ‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬اسم‭ ‬القذافي‭.‬

يقول‭ ‬في‭ ‬مطلعها‭:‬

 

ليبيا‭ ‬يا‭ ‬معقلَ‭ ‬العُربِ‭ ‬الجديدا

زدتِ‭ ‬أعيادَ‭ ‬شقيقاتكِ‭ ‬عيدا

مرحبًا‭ ‬بالثورة‭ ‬البيضاء‭ ‬لا

جرّدت‭ ‬سيفًا‭ ‬ولا‭ ‬حزّت‭ ‬وريدا

 

وأربعة‭ ‬وعشرون‭ ‬بيتًا‭ ‬يخاطب‭ ‬فيها‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬ملك‭ ‬السعودية،‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬تأميم‭ ‬النفط،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭. ‬ثم‭ ‬يخاطب‭ ‬الفدائي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ويُهاجم‭ ‬أمريكا‭ ‬بتسعة‭ ‬أبيات‭. ‬والشاعر‭ ‬يمدح‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إراقة‭ ‬نقطة‭ ‬دم‭ ‬ولا‭ ‬يمدح‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بها‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العقيد‭ ‬القذافي‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بثورة‭ ‬الفاتح‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬سنة‭ ‬1969‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬إنصاف‭ ‬الفقراء‭.‬

كنت‭ ‬أواسط‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أزور‭ ‬طرابلس‭ ‬مع‭ ‬وفد‭ ‬من‭ ‬أساتذة‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وقد‭ ‬مررنا‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬كان‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‭ ‬احي‭ ‬التَنَكب‭ ‬يسكنه‭ ‬الفقراء،‭ ‬فقد‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬بنايات‭ ‬حديثة‭ ‬أعطيت‭ ‬لهم‭ ‬مجانًا‭ ‬ليسكنوها‭. ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬بمشاريع‭ ‬عديدة‭ ‬وبنى‭ ‬جامعة،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يحمله‭ ‬رأسه،‭ ‬فقد‭ ‬تحوّل‭ ‬هو‭ ‬وأولاده‭ ‬إلى‭ ‬كابوس،‭ ‬إذ‭ ‬أهدر‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الأزلام‭ ‬والثوار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬ومدّهم‭ ‬بالسلاح‭ ‬والمال،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬ليبية‭ ‬حديثة‭. ‬أسس‭ ‬اجماهيريةب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مؤسسات‭. ‬ولعل‭ ‬الحسنة‭ ‬الوحيدة‭ ‬أنه‭ ‬ظل‭ ‬اعقيدًاب‭ ‬ولم‭ ‬يُرفِّع‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬امارشالب‭. ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬زيّن‭ ‬صدره‭ ‬بالأوسمة‭!‬

قضى‭ ‬على‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬من‭ ‬الشعب،‭ ‬ولذلك‭ ‬بتنا‭ ‬نشهد‭ ‬الفوضى‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬اليوم‭. ‬فلو‭ ‬بقي‭ ‬حكم‭ ‬السنوسي‭ ‬لكانت‭ ‬ليبيا‭ ‬اليوم‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭.‬

 

حضور‭ ‬الرسائل‭ ‬

مما‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬وديع‭ ‬قد‭ ‬ترك‭ ‬كمًّا‭ ‬هائلًا‭ ‬من‭ ‬الرسائل،‭ ‬وذلك‭ ‬لكثرة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬أصدقاء‭ ‬من‭ ‬أدباء‭ ‬وشعراء‭ ‬وباحثين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الاغتراب،‭ ‬وذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬وقتًا‭ ‬وجهدًا‭ ‬لكتابتها‭.‬

ولا‭ ‬أعرف‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أحدًا‭ ‬كتب‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أمين‭ ‬الريحاني‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬رسالة،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصفها‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬ولم‭ ‬تُنشر‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

وبعد،‭ ‬فقد‭ ‬نشرت‭ ‬ادار‭ ‬الجديدب‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬بعض‭ ‬رسائل‭ ‬وديع‭. ‬وأترك‭ ‬للقراء‭ ‬إبداء‭ ‬آرائهم‭ ‬فيها،‭ ‬آملَا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إيجابية،‭ ‬وأن‭ ‬يكونوا‭ ‬قد‭ ‬وجدوا‭ ‬فيها‭ ‬متعة‭ ‬وفائدة‭.‬

أما‭ ‬أنا‭ ‬فيكفيني‭ ‬ما‭ ‬قمت‭ ‬به‭ ‬تجاه‭ ‬صديقي‭ ‬الذي‭ ‬استمرت‭ ‬صلتي‭ ‬به‭ ‬سنوات‭ ‬طوالًا،‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬أبرزت‭ ‬الجانب‭ ‬الشخصي‭ ‬من‭ ‬وديع‭ ‬فلسطين‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤلفاته،‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬رسائله‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كشف‭ ‬ذاتي‭. ‬إنها‭ ‬وقفة‭ ‬مع‭ ‬الحقيقة‭ ‬كتبها‭ ‬بعفوية‭ ‬بصدق‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مجاملة،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬وجل‭.‬

والحقيقة‭ ‬المؤكدة‭ ‬أن‭ ‬وديع‭ ‬فلسطين‭ ‬يزداد‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬رسائله‭ ‬حضورًا‭.‬