التناص الأدبي في شِعر محمد الشهاوي قراءة في «تنويعات على وترِ الفجيعة»

التناص الأدبي في شِعر محمد الشهاوي قراءة في «تنويعات على وترِ الفجيعة»

التناص‭ ‬الأدبي‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الأسلوبية‭ ‬التي‭ ‬طاب‭ ‬للشاعر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬أَنْ‭ ‬يتمثّلها‭ ‬في‭ ‬نصه؛‭ ‬لأسباب‭ ‬فنية،‭ ‬ودلالية‭ ‬ولقد‭ ‬تمثّلت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬القديم‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق،‭ ‬وربما‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬آخر،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء‭ ‬أحيانًا‭ ‬يضمِّن‭ ‬قصيدته‭ ‬بيتًا‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬شاعر‭ ‬آخر‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬قليلاً‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬وكان‭ ‬الملحوظ‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬‮«‬ظرف‭ ‬الإشارة‮»‬‭ ‬و«حسن‭ ‬الالتفات‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كان‭ ‬مجال‭ ‬التضمين‭ ‬مقصورًا‭ ‬على‭ ‬الشعر‭  ‬العربي‭ ‬وحده،‭ ‬فكان‭ ‬الشاعر‭ ‬عندئذٍ‭ ‬يستمد‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬وحده‭ ‬ما‭ ‬يضمنه‭ ‬قصيدته،‭ ‬ولم‭ ‬ينشغل‭ ‬الشاعر‭  ‬وقتها‭ ‬بأكثر‭  ‬من‭ ‬أن‭ ‬تستتب‭ ‬للقصيدة‭ ‬معياريتها،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬يحدث،‭ ‬وظل‭ ‬يحدث‭ ‬بين‭ ‬الشعراء‭ ‬التقليديين‭ ‬حتى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬

وجد‭ ‬الشاعر‭ ‬المعاصر‭ - ‬الذي‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬وعيه‭ ‬أنه‭ ‬ثمرة‭ ‬الماضي‭ ‬كله،‭ ‬بكل‭ ‬حضاراته،‭ ‬وأنه‭ ‬صوت‭ ‬وسط‭ ‬آلاف‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬بين‭ ‬بعضها‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬تآلف‭ ‬وتجاوب‭ - ‬في‭ ‬أصوات‭ ‬الآخرين‭ ‬تأكيدًا‭ ‬لصوته‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتأكيدًا‭ ‬لوحدة‭ ‬التجربة‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

وهو‭ ‬حين‭ ‬يضمّن‭ ‬شعره‭ ‬كلامًا‭ ‬لآخرين‭ ‬بنصه‭ ‬فإنه‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬الأكيد‭ ‬بين‭ ‬أجزاء‭ ‬التاريخ‭ ‬الروحي‭ ‬والفكري‭ ‬للإنسانب،‭ ‬وتجلَّت‭ ‬مظاهر‭ ‬التناص‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬محمد‭ ‬الشهاوي‭ ‬في‭ ‬التناص‭ ‬مع‭ ‬الشعري‭ ‬والنثري،‭ ‬فتَنَاصَّ‭ ‬الشعري‭ ‬مع‭ ‬نظيره‭ ‬الشعري‭ ‬القديم‭ ‬والجديد،‭ ‬كما‭ ‬تَنَاصَّ‭ ‬مع‭ ‬النثري‭ ‬في‭ ‬الأمثال‭ ‬العربية،‭ ‬والأقوال‭ ‬والحكم‭ ‬المأثورة‭.‬

 

التناص‭ ‬مع‭ ‬الشعر

يعد‭ ‬النص‭ ‬عند‭ ‬الشهاوي‭ ‬عالمًا‭ ‬مفتوحًا‭ ‬على‭ ‬عوالم‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الشعري‭ ‬والنثري‭ ‬والديني،‭ ‬والتاريخي‭ ‬والأسطوري،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬بحال‭ ‬أن‭ ‬نفصل‭ ‬بين‭ ‬جميعها‭ ‬أو‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬قراءتنا‭ ‬له،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬الدراسة‭ ‬اقتضت‭ ‬التخصيص‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬التناص‭ ‬الأدبي‭. ‬

ومن‭ ‬قصائده‭ ‬التي‭ ‬احتملت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المرجعيات‭ ‬الأدبية‭ ‬التراثية‭ ‬والمعاصرة،‭ ‬قصيدته‭ ‬اتنويعاتٌ‭ ‬على‭ ‬وترِ‭ ‬الفجيعةب،‭ ‬حيث‭ ‬استدعى‭ ‬الشهاوي‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬الشعراء‭ ‬امرئ‭ ‬القيس،‭ ‬والنابغة‭ ‬الذبياني،‭ ‬والأخنس‭ ‬الجهني،‭ ‬وعنترة‭ ‬العبسي،‭ ‬والمتنبي،‭ ‬وأبي‭ ‬تمام،‭ ‬وعمران‭ ‬بن‭ ‬حطان،‭ ‬ثم‭ ‬هو‭ ‬يمزج‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬بالمعاصر‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬شوقي،‭ ‬وعلي‭ ‬محمود‭ ‬طه،‭ ‬وإيليا‭ ‬أبي‭ ‬ماضي،‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬النص‭ ‬ويجعل‭ ‬منه‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الفسيفساء‭.‬

وفيما‭ ‬يلي‭ ‬سنعرض‭ ‬لهذا‭ ‬الاستدعاء‭ ‬وحجمه،‭ ‬وكيف‭ ‬تعامل‭ ‬معه‭ ‬الشاعر‭. ‬

وقصيدته‭ ‬اتنويعات‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬الفجيعةب‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬شعرية‭ ‬خاصة‭ ‬جدًّا،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يوجد‭ ‬هناك‭ ‬نص‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬الثراء،‭ ‬وهذا‭ ‬التقاطع،‭ ‬وتلك‭ ‬الحميمية،‭ ‬وهذا‭ ‬التلاحم،‭ ‬فقد‭ ‬أُوتي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬بنصيب‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬بفرادته‭ ‬وتفرّده،‭ ‬وهو‭ ‬نص‭ ‬الحرب‭ ‬والفجيعة،‭ ‬والسطو‭ ‬والهزيمة،‭ ‬والفقد‭ ‬والضياع،‭ ‬هو‭ ‬نصٌّ‭ ‬يفسر‭ ‬الجديد‭ ‬بالقديم،‭ ‬والقديم‭ ‬بالجديد،‭ ‬ويربط‭ ‬بين‭ ‬الأحداث،‭ ‬ويجمع‭ ‬الشتات،‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬للإحياء‭ ‬وبعث‭ ‬الآمال،‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬بكاء،‭ ‬وتهكّم،‭ ‬وسخرية،‭ ‬وأمشاج‭ ‬أقوال‭ ‬تشبه‭ ‬الهذيان؛‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬قول‭ ‬أبي‭ ‬نواس‭: ‬اوداوني‭ ‬بالتي‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الداءب‭ ‬يقول‭ ‬الشهاوي‭:‬

 

هي‭ ‬الحربُ‭ ‬جرحي‭ ‬الجديدُ‭ ‬القديمْ

وقومٌ‭ ‬يهونُ‭ ‬بأعينِهم‭ ‬كلُّ‭ ‬شيءٍ

سوى‭ ‬أَلَقِ‭ ‬الصولجانْ‭!‬

هي‭ ‬الحربُ‭ ‬عاري‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يريمْ

وقرطبةٌ‭ ‬لم‭ ‬تزلْ‭ ‬تتزيَّا‭ ‬الهوانْ‭!‬

هي‭ ‬الحربُ‭ ‬والإخوةُ‭ ‬الفرقاءْ

 

ويستدعي‭ ‬من‭ ‬امرئ‭ ‬القيس‭ ‬مفتتح‭ ‬معلقته‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬مطلعها‭:‬

قفا‭ ‬نبك،‭ ‬من‭ ‬ذكرى‭ ‬حبيبٍ،‭ ‬ومنزلِ‭     

بسقط‭ ‬اللِّوى‭ ‬بين‭ ‬الدَّخول،‭ ‬فحوملِ

 

فيقول‭:‬

‮«‬قفا‭ ‬نبكِ‭ ‬من‭ ‬ذكرى‭ ‬حبيبٍ‭ ‬ومنزلِ‮»‬‭ 

ولا‭ ‬تسقياني‭ ‬اليومَ‭ ‬كأسَ‭ ‬التعلُّلِ

هي‭ ‬الأرضُ‭ ‬أُنثى‭ ‬لم‭ ‬يصنْها‭ ‬رجالُها‭ ‬

ولم‭ ‬يدفعوا‭ ‬عنهـــا‭ ‬يدَ‭ ‬المتطــفَّلِ

 

ثمَّ‭ ‬يستدعي‭ ‬من‭ ‬المعلّقة‭ ‬ذاتها‭ ‬الشطر‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬السادس‭ ‬والأربعين‭: ‬

ألا‭ ‬أيُّها‭ ‬الليلُ‭ ‬الطويلُ‭ ‬ألا‭ ‬انجلِ

بصبحٍ،‭ ‬وما‭ ‬الإصباح‭ ‬منكَ‭ ‬بأمثل

 

يقول‭ ‬الشهاوي‭:‬

‮«‬ألا‭ ‬أيُّها‭ ‬الليلُ‭ ‬الطويلُ‭ ‬ألا‭ ‬انجلِ‮»‬‭ ‬

ومزِّقْ‭ ‬بسيفِ‭ ‬الحقِّ‭ ‬كلَّ‭ ‬مضلِّلِ

وأظهرْ‭ ‬لعينِ‭ ‬الكونِ‭ ‬كلَّ‭ ‬خفيّةٍ‭ ‬

لعلّ‭ - ‬غدًا‭ - ‬ليلَ‭ ‬الأباطيلِ‭ ‬ينجلي‭!‬

 

استدعاء‭ ‬متعدد

ويستدعي‭ ‬مطلع‭ ‬معلّقة‭ ‬النابغة‭ ‬الذبياني،‭ ‬التي‭ ‬امتدح‭ ‬فيها‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬الحارث‭ ‬الأصغر،‭ ‬بن‭ ‬الحارث‭ ‬الأعرج،‭ ‬بن‭ ‬الحارث‭ ‬الأكبر،‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬شمر،‭ ‬حين‭ ‬هرب‭ ‬إلى‭ ‬الشام‭ ‬ونزل‭ ‬به‭:‬

 

كليني‭ ‬لهمٍّ،‭ ‬يا‭ ‬أُميمةُ،‭ ‬ناصبِ‭  

وليلٍ‭ ‬أُقاسيهِ،‭ ‬بطيءِ‭ ‬الكواكبِ

 

فيقول‭ ‬

‮«‬كليني‭ ‬لهمٍّ‭ ‬يا‭ ‬أميمةُ‭ ‬ناصبِ‮»‬

وعصرٌ‭ ‬أقاسيه‭ ‬كثير‭ ‬العجائبِ

كليني‭ ‬فإنّي‭ ‬قد‭ ‬بُلِيتُ‭ ‬بنكبةٍ

تذكَّرْتُ‭ ‬فيها‭ ‬اليوم‭ ‬كلَّ‭ ‬نوائبي‭!‬

 

وفي‭ ‬المقطع‭ ‬الثالث،‭ ‬عندما‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬شهداء‭ ‬1967م‭ ‬الذين‭ ‬خرجوا‭ ‬ولم‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭ ‬أو‭ ‬موتهم‭ ‬أحد،‭ ‬استدعى‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬قصة‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬تسأل‭ ‬عن‭ ‬زوجها،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬قتله‭ ‬صاحبه‭ ‬من‭ ‬جهينة‭:‬

 

على‭ ‬كل‭ ‬دربٍ‭ ‬غرابٌ‭ ‬وبومةْ

ووشمٌ‭ ‬لدارٍ‭ ‬قديمةْ

وسائلةٌ‭:‬

أين‭ ‬زوجي؟

وسائلةٌ‭:‬

أين‭ ‬أهلي؟

وسائلةٌ‭:‬

هل‭ ‬لأولادنا‭ ‬من‭ ‬رجوعْ؟

ثمَّ‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬الوافر‭ ‬والقافية‭ ‬النونية‭ ‬المضمومة؛‭ ‬ليختتم‭ ‬المقطع‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬القصيدة،‭ ‬ناسجًا‭ ‬على‭ ‬نول‭ ‬الجهني،‭ ‬يقول‭ ‬الشهاوي‭: ‬

 

أراها‭ ‬تقطّع‭ ‬الأيام‭ ‬بحثًا

وما‭ ‬غيرُ‭ ‬الرمال‭ ‬لها‭ ‬سفينُ

تراودها‭ ‬المُنى‭ ‬طوْرًا،‭ ‬وطـوْرًا

تساورها‭ ‬الوساوسُ‭ ‬والظنونُ

 

ويتكئ‭ ‬الشهاوي‭ ‬على‭ ‬قول‭ ‬الأخنس‭ ‬الجهني‭: ‬

تسائلُ‭ ‬عن‭ ‬حُصَيْنٍ‭ ‬كلَّ‭ ‬ركْبٍ

وعند‭ ‬جُهيْنَةَ‭ ‬الخبرُ‭ ‬اليقينُ‭!‬

 

فيقول‭:‬

كَصَخْرة‭ ‬إِذْ‭ ‬تُسائلُ‭ ‬فِي‭ ‬مَرَاحٍ‭ ‬

وأنْمَارٍ‭ ‬وعلمهُما‭ ‬ظُنُونُ‭ ‬

‮«‬تُسَائِلَ‭ ‬عن‭ ‬حُصَيْنٍ‭ ‬كُلَّ‭ ‬رَكْبٍ‭ ‬

وعنْدَ‭ ‬جُهَيْنَةَ‭ ‬الْخَبَرُ‭ ‬اليَقِينُ‮»‬

 

فيستدعي‭ ‬الشهاوي‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬سياقه‭ ‬الشعري،‭ ‬وزمانه،‭ ‬إلى‭ ‬سياق‭ ‬جديد‭ ‬وزمان‭ ‬جديد؛‭ ‬ليصبح‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬صخرة‭)‬،‭ ‬تسائل‭ ‬عن‭ ‬فقيدها،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ (‬حصين‭) ‬ضلَّ‭ ‬سبيله،‭ ‬أو‭ ‬قتل‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬التعرف‭ ‬عليه،‭ ‬أو‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬جسده،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خيانة،‭ ‬بل‭ ‬وأعظم‭ ‬وأفدح‭! ‬

 

استشراف‭ ‬القادم

ثمَّ‭ ‬يعود‭ ‬الشهاوي‭ ‬إلى‭ ‬بحره‭ ‬الأساسي‭ (‬المتقارب‭) ‬الذي‭ ‬نسج‭ ‬عليه‭ ‬نصه،‭ ‬ويفتتح‭ ‬المقطع‭ ‬الرابع‭ ‬باستشرافه‭ ‬للقادم،‭ ‬ولا‭ ‬يمر‭ ‬الموقف‭ ‬دون‭ ‬استدعاء‭ ‬جديد،‭ ‬فيتناص‭ ‬مع‭ ‬بيت‭ ‬المتنبي‭ ‬الشهير‭- ‬في‭ ‬المعنى‭ - ‬عن‭ ‬العيد‭:‬

يا‭ ‬كوابيسُ‭ ‬أقضَّتْ‭ ‬مضجعي

منذُ‭ ‬عام‭ ‬الحزن،‭ ‬كيف‭ ‬النوم‭ ‬مَرَّةْ؟

أقبل‭ ‬العيدُ‭ ‬كئيبًا‭ ‬شائهًا

مثل‭ ‬أيامي‭ ‬الكوابي‭ ‬المكفهرَّةْ‭ ‬

 

من‭ ‬قول‭ ‬المتنبي‭:‬

عيدٌ‭ ‬بأيَّة‭ ‬حالٍ‭ ‬عدت‭ ‬يا‭ ‬عيدُ

بما‭ ‬مضى‭ ‬أم‭ ‬لأمرٍ‭ ‬فيك‭ ‬تجديد

 

ثمَّ‭ ‬يتعانق‭ ‬مع‭ ‬المعاصر،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬ماضي‭:‬

لا‭ ‬تقلْ‭ ‬لي‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬ماضي‭: ‬ابتسمْ

وابكِ‭ - ‬إنْ‭ ‬شئتَ‭ - ‬معي‭ ‬همًّا‭ ‬وحسرةْ

أو‭ ‬فدعني‭ ‬وجراحي‭ ‬والأسى

فأنا‭ ‬شعبٌ‭ ‬أناخَ‭ ‬القهرُ‭ ‬ظهرَهْ‭!‬

ويتناص‭ ‬مع‭ ‬قصيدة‭ ‬علي‭ ‬محمود‭ ‬طه‭ (‬فلسطين‭) ‬ملتحمًا‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬الوزن‭ ‬والقافية،‭ ‬مُخَلِّصًا‭ ‬النص‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬سياقه،‭ ‬وداعمًا‭ ‬لسياق‭ ‬جديد‭ ‬فيه‭ ‬ملامح‭ ‬التهكم‭. ‬ليس‭ ‬التهكم‭ ‬لذات‭ ‬التهكم،‭ ‬وإنما‭ ‬للغصة‭ ‬والاحتقان‭ ‬والمرارة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الشعب‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭ ‬جرَّاء‭ ‬الهزائم،‭ ‬والتخاذل‭ ‬العربي‭:‬

 

أخي‭ ‬أيُّها‭ ‬العربيُّ‭ ‬الخليُّ

لتبكِ‭ ‬الكنيسةَ‭ ‬والمسجدَا

وأبلغْ‭ (‬يسوعًا‭) ‬بما‭ ‬قد‭ ‬دهانا

وأخبرْ‭ ‬بخيبتِنا‭ (‬أحمدَا‭)‬

ويمتد‭ ‬التناص‭ ‬مع‭ ‬النص‭ ‬المعاصر‭ (‬علي‭ ‬محمود‭ ‬طه‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬المقطع‭ ‬السادس،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬حدثين‭: ‬أحدهما‭ ‬سقوط‭ ‬الأندلس،‭ ‬والثاني‭ ‬سقوط‭ ‬سيناء،‭ ‬عروس‭ ‬الرمال‭:‬

ولكنَّني‭ ‬ــ‭ ‬يا‭ ‬أميرةَ‭ ‬حُبِّي،

ويا‭ ‬شهرَزادِ‭ ‬الليالي‭ ‬الطوالْ‭ ‬ــ

أقلِّبُ‭ ‬سِفْرَ‭ ‬انتكاساتِنا‭ (‬منذُ‭ ‬أندلسِ‭ ‬الدمعِ

حتَّى

سقوطِ‭ ‬عروسِ‭ ‬الرمالْ‭)‬

 

ثمَّ‭ ‬يُشير‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وهو‭ ‬يغني‭ ‬قصيدة‭ ‬علي‭ ‬محمود‭ ‬طه‭:‬

وأخمشُ‭ ‬وجهي‭ ‬إذا‭ ‬مطربٌ‭ ‬أنشدا‭:‬

طلعنا‭ ‬عليهم‭ ‬طلوعَ‭ ‬المنونِ

فطاروا‭ ‬هباءً‭ ‬وصاروا‭ ‬سُدى‭ ‬

     

عودة‭ ‬إلى‭ ‬العباسي

ثم‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬الشعري‭ ‬العباسي،‭ ‬فيستدعي‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬المتنبي‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬في‭ ‬هجاء‭ ‬ابن‭ ‬كيغلغ‭ ‬لما‭ ‬طلب‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬يمدحه،‭ ‬فاعتذر،‭ ‬فضيّق‭ ‬الطريق‭ ‬عليه،‭ ‬وهي‭ ‬تتضمن‭ ‬مدحًا‭ ‬لأبي‭ ‬العشائر‭: ‬

 

ذو‭ ‬العقل‭ ‬يشقى‭ ‬في‭ ‬النعيم‭ ‬بعقله

وأخو‭ ‬الجهالة‭ ‬في‭ ‬الشقاوة‭ ‬ينعمُ

ومن‭ ‬البليّة‭ ‬عذْلُ‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يرْعَوي‭   

عن‭ ‬جهله‭ ‬وخطاب‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬

 

يقول‭ ‬الشهاوي‭:‬

‮«‬ذو‭ ‬العقل‭ ‬يشقي‭ ‬في‭ ‬النعيم‭ ‬بعقله

وأخو‭ ‬الجهالةِ‭ ‬في‭ ‬الشقاوةِ‭ ‬ينعمُ‮»‬

ومن‭ ‬الحماقة‭ ‬عذل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يرعوي

عن‭ ‬غيِّه،‭ ‬وخطاب‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يفهمُ‭!‬

 

ثمَّ‭ ‬يمزج‭ ‬بين‭ ‬الشعري‭ ‬والحدث‭ ‬القرآني،‭ ‬فيستدعي‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬القرآني‭ ‬حكاية‭ ‬امرأة‭ ‬العزيز،‭ ‬وكيف‭ ‬أنَّ‭ ‬النسوة‭ ‬قطعن‭ ‬أيديهنَّ‭. ‬والشهاوي‭ ‬يأخذ‭ ‬الحكاية،‭ ‬ويطوّعها‭ ‬لزمان‭ ‬النص‭ ‬الشعري،‭ ‬فيجعل‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬ممتدًّا‭ ‬ومستمرًا،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬ظلم،‭ ‬وقبح‭ ‬وخيانة‭:‬

 

فأبصرُ‭ ‬وجهَكَ‭ - ‬يا‭ ‬زمنَ‭ ‬الأغنيات‭ -‬

على‭ ‬صفحة‭ ‬الماءِ‭... ‬أعجبُ

كيف‭ ‬تملّككَ‭ ‬الزَّهوُ‭ ‬يومًا؟

وكيف‭ ‬دعوتَ‭ ‬نساءَ‭ ‬المدينةِ

كيما‭ ‬تَراهُنَّ‭ ‬يَقْطَعْنَ‭ ‬أيْديَهُنَّ

وهُنَّ‭ ‬يشاهِدْنَ‭ ‬سحنتَكَ

‭ ‬الخادعةْ؟

 

ثمَّ‭ ‬هو‭ ‬يتناص‭ ‬مع‭ ‬قول‭ ‬شوقي،‭ ‬هازئًا‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الهزيمة‭:‬

 

وما‭ ‬نيل‭ ‬المطالب‭ ‬بالتمنِّي‭    

ولكن‭ ‬تؤخذ‭ ‬الدنيا‭ ‬غلابا

 

فيقول

‮«‬وما‭ ‬نيل‭ ‬المطالب‭ ‬بالتمنِّي

ولكن‭ ‬تؤخذ‭ ‬الدنيا‭ ‬غلابا‮»‬

وما‭ ‬نال‭ ‬الهزيمةَ‭ ‬غيرُ‭ ‬شعب

يرى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ناعقة‭ ‬صوابَا‭!‬

 

ويستدعي‭ ‬من‭ ‬معلّقة‭ ‬عنترة‭ ‬قوله،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬االكاملب‭:‬

يا‭ ‬دار‭ ‬عبلةَ‭ ‬بالجِواءِ‭ ‬تكلَّمِي

وعِمِي‭ ‬صَبَاحًا‭ ‬دَارَ‭ ‬عبلةَ‭ ‬واسْلَمِي

 

وقوله‭:‬

ولقد‭ ‬ذكرتُكِ‭ ‬والرماح‭ ‬نواهلٌ‭  

مني،‭ ‬وبيض‭ ‬الهند‭ ‬تقطر‭ ‬من‭ ‬دمي

 

يقول‭ ‬الشهاوي،‭ ‬وهو‭ ‬يطوّع‭ ‬النص‭ ‬للحالة‭ ‬ذاتها،‭ ‬عازفًا‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬الفجيعة،‭ ‬فيأتي‭ ‬شعره‭ ‬بين‭ ‬الحسرة،‭ ‬والألم،‭ ‬والاحتقان،‭ ‬والتهكم‭ ‬والسخرية،‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬الحزن‭ ‬التي‭ ‬تتخبط‭ ‬فيها‭ ‬أحوال‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬بين‭ ‬اليأس‭ ‬والأمل‭. ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬تستدعي‭ ‬كل‭ ‬مفردات‭ ‬الخيبة،‭ ‬وتدعو‭ ‬مواقف‭ ‬المدح،‭ ‬ثمَّ‭ ‬تحيلها‭ ‬إلى‭ ‬هجاء،‭ ‬وضجر‭ ‬وتهكّم‭:‬

 

يا‭ ‬دارَ‭ ‬عبلة‭ (‬حيث‭ ‬كنتِ‭) ‬تكلمي

وصِفِي‭ ‬لنا‭ ‬يومَ‭ ‬اللقاءِ‭ ‬الأسحمِ

لا‭ ‬تكتمي‭ ‬سرًّا،‭ ‬فما‭ ‬أضحى‭ ‬لنا

‭- ‬يا‭ ‬دار‭- ‬سرٌّ‭ ‬لم‭ ‬يُذع‭ ‬كي‭ ‬تكتمي

قلبي‭ ‬عليك‭ ‬وأنتِ‭ ‬في‭ ‬كفِّ‭ ‬اللظى

مسبيةٌ‭! ‬وحِماكِ‭ ‬مطلولُ‭ ‬الدمِ

‮«‬ولقد‭ ‬ذكرتك‭ ‬والرماح‭ ‬نواهلٌ

منّي‭! ‬وبيضُ‭ ‬الهند‮»‬‭ ‬تطحنُ‭ ‬أعظمي

 

ويستدعي‭ ‬الشهاوي‭ ‬قول‭ ‬عمران‭ ‬بن‭ ‬حطان،‭ ‬في‭ ‬هجاء‭ ‬الحجاج‭: ‬

 

أَسَدٌ‭ ‬عَلَيَّ‭ ‬وَفِي‭ ‬الْحُرُوبِ‭ ‬نَعَامَـــةٌ

فَتْخَــــاءُ‭ ‬تَنْفُرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬صَفِيـــرِ‭ ‬الصَّافرِ

 

فيقول‭:‬

‮«‬أسدٌ‭ ‬عليّ‭ ‬وفي‭ ‬الحـروب‭ ‬نعامةٌ‮»‬

يا‭ ‬ويحَ‭ ‬ويحِكَ‭ ‬كيف‭ ‬ذاك‭ ‬يكــونُ

يا‭ ‬أيُّها‭ ‬المُقْعِي‭ ‬عــلى‭ ‬أبوابنا

متحفِّزًا‭ ‬وبِكَفِّه‭ ‬السِّكينُ

أظَنَنْتَ‭ ‬أن‭ ‬حـدودنا‭ ‬انتقلت‭ ‬هنا

فأتيتَ‭ ‬تكفيها‭ ‬العِدَى‭ ‬وتَصُونُ؟

 

ويريد‭ ‬الشهاوي‭ ‬أن‭ ‬يرسل‭ ‬رسالة‭ ‬للقيادة‭ ‬فحواها‭: ‬قدرت‭ ‬علينا‭ ‬ولم‭ ‬تقدر‭ ‬على‭ ‬أعدائنا،‭ ‬تركت‭ ‬الحدود‭ ‬الخارجية،‭ ‬وظننت‭ ‬أنَّ‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬تركتهم‭ ‬يتربصون‭ ‬بنا‭ ‬وجئت‭ ‬تتلصص‭ ‬علينا‭.‬

 

ثُمَّ‭ ‬يستدعي‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬العباسي‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬أبي‭ ‬تمام،‭ ‬وهو‭ ‬يرثي‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬حُميد‭ ‬الطائي‭:‬

كذا‭ ‬فلْيجِلَّ‭ ‬الخطبُ‭ ‬ولْيفْدَحِ‭ ‬الأمرُ

فليسَ‭ ‬لعيْن‭ ‬لمْ‭ ‬يَفِضْ‭ ‬ماؤُها‭ ‬عُذْرُ

 

ثمَّ‭ ‬يبني‭ ‬الشهاوي‭ ‬على‭ ‬الوزن‭ ‬نفسه،‭ ‬لكنه‭ ‬يرثي‭ ‬وطنًا،‭ ‬ويبكي‭ ‬مجدًا‭:‬

 

‮«‬كذا‭ ‬فليجلّ‭ ‬الخطبُ‭ ‬وليفدح‭ ‬الأمْرُ‮»‬

ويجثمْ‭ ‬على‭ ‬أنفاسنا‭ ‬القاتُ‭ ‬والسُّكْرُ

كذا‭ ‬فلْتَصِرْ‭ ‬تلك‭ ‬البلادُ‭ ‬طريدةً

تُداهمُها‭ ‬الأمراضُ‭ ‬والجهلُ‭ ‬والفقْرُ

 

التناصّ‭ ‬مع‭ ‬النثر

ومثلما‭ ‬امتدت‭ ‬ثقافة‭ ‬الشهاوي‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬العصور‭ ‬الأدبية،‭ ‬واستوعبت‭ ‬قصيدته‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬الشعرية،‭ ‬ظهر‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استدعاءاته‭ ‬لأقوال‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬الجاهلي‭ ‬حتى‭ ‬مطلع‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬مرورًا‭ ‬بالشعراء‭ ‬الأمويين‭ ‬والعباسيين‭ ‬والأندلسيين‭ ‬وغيرهم؛‭ ‬فقد‭ ‬استدعى‭ ‬نصه‭ ‬الأقوال‭ ‬المأثورة،‭ ‬من‭ ‬الأمثال‭ ‬والحكم‭ ‬المشهورة،‭ ‬وسوف‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬المثل‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الشهاوي،‭ ‬بوصفه‭ ‬بنية‭ ‬ضمن‭ ‬بنى‭ ‬النص‭.‬

عُرف‭ ‬المثل‭ ‬عند‭ ‬العرب،‭ ‬ورُبَّما‭ ‬كانت‭ ‬جذوره‭ ‬الأُولى‭ ‬هناك،‭ ‬وجاء‭ ‬انظمًا‭ ‬ونثرًا،‭ ‬وأفضله‭ ‬أوجزه،‭ ‬وأحكمه‭ ‬أصدقهب،‭ ‬وقد‭ ‬اجتمع‭ ‬للمثل‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يجتمع‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬القول،‭ ‬فهو‭ ‬منبثق‭ ‬عن‭ ‬واقعة‭ ‬أصلية‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يتمثّله‭ ‬الشعراء‭ ‬والخطباء‭ ‬والحكماء‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬مشابهة‭ ‬لقصته‭ ‬الأولى‭. ‬

وتعد‭ ‬بنية‭ ‬المثل‭ ‬بنية‭ ‬قائمة‭ ‬بذاتها‭ ‬مكتملة‭ ‬الأركان،‭ ‬فهي‭ ‬صياغة‭ ‬مختصرة‭ ‬لقصة‭ ‬قصيرة‭ ‬غالبًا،‭ ‬امتازت‭ ‬بشعرية‭ ‬عالية‭ ‬مستمدة‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬الحدث‭. ‬والمثل‭ ‬قبل‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬سياقه‭ ‬الشعري،‭ ‬لديه‭ ‬قرابة‭ ‬شعرية؛‭ ‬لما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬إيجازٍ،‭ ‬وأُسلوبية‭. ‬

وكان‭ ‬للأمثال‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬الشهاوي‭ ‬النصيب‭ ‬الأوفر،‭ ‬حيث‭ ‬صارت‭ ‬تمثّل‭ ‬بنية‭ ‬أسلوبية‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬الأمثال‭ ‬التي‭ ‬استدعاها‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬قولهم‭ ‬اأَجْبَنُ‭ ‬مِنْ‭ ‬نَعَامةٍب‭.‬

االنعامة‭: ‬واحدة‭ ‬النَّعام‭... ‬والنَّعامُ‭ ‬يوصف‭ ‬بالجُبْن‭ ‬كثيرًا‭. ‬ويقال‭ ‬إنَّ‭ ‬النَّعامَةَ‭ ‬إذا‭ ‬خافت‭ ‬من‭ ‬موضع‭ ‬لا‭ ‬ترجع‭ ‬إليه‭ ‬أبدًا‭. ‬وقال‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬الحَجَّاج‭:‬

 

أَسَدٌ‭ ‬عَلَيَّ‭ ‬وَفِى‭ ‬الْحُرُوبِ‭ ‬نَعَامَـــةٌ

فَتْخَــــاءُ‭ ‬تَنْفُرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬صَفِيـــرِ‭ ‬الصَّافرِ

 

وقد‭ ‬استدعى‭ ‬الشهاوي‭ ‬هذا‭ ‬المثل،‭ ‬مضمنًا‭ ‬الشطر‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬السابق‭ ‬لعمران‭ ‬بن‭ ‬حطان‭:‬

‭ ‬

يعذبني‭ ‬أنَّ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬جدارًا‭ ‬من‭ ‬الرصدِ

يعرف‭ ‬كل‭ ‬اللغاتْ

ويحفظ‭ ‬أسماء‭ ‬أصحابنا‭ ‬والسماتْ

ولا‭ ‬يستحي‭ ‬أن‭ ‬يقاسمنا‭ ‬المرقدا

‮«‬أسدٌ‭ ‬عليّ‭ ‬وفي‭ ‬الحـروب‭ ‬نعامةٌ‮»‬

 

عِنْدَ‭ ‬جُهَيْنَةَ‭ ‬الْخَبَرُ‭ ‬الْيَقِينُ

ويستدعي‭ ‬الشهاوي‭ ‬المثل‭ ‬العربي‭ ‬اعِنْدَ‭ ‬جُهَيْنَةَ‭ ‬الْخَبَرُ‭ ‬الْيَقِينُب؛‭ ‬ليرمز‭ ‬للمرأة‭ ‬المصرية،‭ ‬وهي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬أخيها‭ ‬أو‭ ‬زوجها‭ ‬أو‭ ‬ابنها‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1967م،‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭:‬

 

أراها‭ ‬تقطع‭ ‬الأيام‭ ‬بحثًا

وما‭ ‬غيرُ‭ ‬الرمال‭ ‬لها‭ ‬سفينُ

‭...‬

‮«‬تسائلُ‭ ‬عن‭ ‬حُصَيْنٍ‭ ‬كلَّ‭ ‬ركْبٍ

وعند‭ ‬جُهيْنَةَ‭ ‬الخبرُ‭ ‬اليقينُ‮»‬‭!‬

 

وقصة‭ ‬المثل‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬العربي‭ ‬تحكي‭ ‬مقتل‭ ‬حصين‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شريكه‭ ‬من‭ ‬جهينة،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تضمينات‭ ‬الشهاوي‭ ‬الشعرية،‭ ‬والأبيات‭ ‬للأخنس‭ ‬الجهني‭. ‬

 

‭ ‬من‭ ‬الأقوال‭ ‬المأثورة

ومثلما‭ ‬اتكأ‭ ‬الشهاوي‭ ‬على‭ ‬المثل‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬لغة‭ ‬النص‭ ‬الشعري‭ ‬ورؤاه،‭ ‬اتخذ‭ ‬من‭ ‬الأقوال‭ ‬المأثورة‭ ‬تفسيرًا‭ ‬لكثيرٍ‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬المعاصرة،‭ ‬أو‭ ‬تأنيبًا،‭ ‬أو‭ ‬عصيانًا،‭ ‬أو‭ ‬استبعادًا‭ ‬واستنكارًا‭:‬

‭ ‬

هيهات‭ ‬هيهات؛‭ ‬إن‭ ‬الخرق‭ ‬متّسع

وكل‭ ‬ما‭ ‬ندّعي‭ ‬ضربٌ‭ ‬من‭ ‬الهربِ

ويا‭ ‬ربوع‭ ‬الهوى‭ ‬إني‭ ‬لذو‭ ‬وَلَهٍ

بكل‭ ‬ظبي‭ ‬أغنّ‭ ‬طاهر‭ ‬وأبي

 

وفيه‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬قول‭ ‬أنس‭ ‬بن‭ ‬العباس‭ ‬بن‭ ‬مرداس،‭ ‬وقيل‭ ‬لأبي‭ ‬عامر‭ ‬جد‭ ‬العباس‭ ‬بن‭ ‬مرداس‭: ‬

 

‭ ‬لا‭ ‬نسبَ‭ ‬اليوم‭ ‬ولا‭ ‬خلّة‭ ‬

اتسع‭ ‬الخرق‭ ‬على‭ ‬الراقعِ

 

ونستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إِنَّ‭ ‬لغة‭ ‬الشهاوي‭ ‬هي‭ ‬خلاصة‭ ‬قراءاته‭ ‬العريضة‭ ‬ومحفوظاته‭ ‬الكثيرة‭ ‬وفهمه‭ ‬الدقيق‭ ‬لكلِّ‭ ‬ما‭ ‬تفتحت‭ ‬عليه‭ ‬عيناه،‭ ‬فبقدر‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬من‭ ‬تعالقات‭ ‬نصيّة‭ ‬مع‭ ‬الكتب‭ ‬السماوية،‭ ‬والحديث‭ ‬النبوي‭ ‬والسيرة‭ ‬النبوية،‭ ‬والأقوال‭ ‬الصوفية،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬والأساطير،‭ ‬والحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬عامة،‭ ‬والشعر،‭ ‬والمأثور‭ ‬من‭ ‬الأمثال‭ ‬والحكم‭ ‬خاصة؛‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أبقت‭ ‬كلُّ‭ ‬هذه‭ ‬التعالقات‭ ‬من‭ ‬تأثيرٍ‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬النص‭ ‬عنده‭ .