أسـرار قوائـم الطعـام

أسـرار  قوائـم الطعـام

هل سبق لك الدخول إلى أحد المطاعم بهدف تناول طبق أرز بالخضار، مثلًا، لينتهي بك الأمر بطلب قطعة من الستيك مع البطاطا؟ 
من المحتمل أن هذا الأمر لم يحدث بالمصادفة، بل كان لأصحاب المطعم يد في ذلك، سواء كان مطعمًا راقيًا أو آخر للوجبات السريعة، فإن أصحاب المطاعم لديهم طرق ذكية للتأثير على اختياراتنا. وقد وجدت دراسة أسكتلندية أن الزبائن ينفقون 23 في المئة أكثر عندما يتم تشغيل موسيقى ناعمة في الخلفية، كما أن الجدران الحُمر تحفّز الشهية، ثم هناك قوائم الطعام التي يأمل أصحاب المطاعم من خلالها التأثير على زبائنهم بشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة. 

 

قائمة الطعام التي تقدّم لنا في المطاعم هي أكثر من مجرد قائمة عشوائية من الأطباق، فهي أول إعلان يقع في يد الزبائن للتعريف عن المطعم الذي يقصدونه. 
في مقالة نُشرت في مجلة Restaurant Hospitality بعنوان «الوصايا العشر لوضع قائمة الطعام»، كتب الاستشاري في مجال المطاعم، ألن إتش كيلسون، أن «هناك فرصة لكل صاحب مطعم بالفعل لوضع إعلان في يد كل زبون قبل أن يقرر المبلغ المالي الذي سينفقه في مطعمه». 
ومثلها مثل الإعلانات، تحتوي القوائم على كثير من الرسائل المموهة، كما أنها مصممة بعناية لإقناعنا باتخاذ قرارات معيّنة، في الغالب تلك التي ستجعلنا في النهاية ننفق المزيد من المال، ونرغب في العودة مجددًا إلى المطعم نفسه.
وقد أصبحت عملية وضع القوائم تعتمـــد على فرع من المعرفة يعرف بـ «هندسة قوائم الطعام» الذي يرتكز على العلم والأبحاث، حيث يعمل المختصون فيــــه على عناصر عدة يحرصون على أن تتضمنها قوائم الطعام، من شكلها الخارجي إلى كل تفصيل فيها، وحتى وزنها الذي ربما يكون أول شــــيء يلاحظه الزبائن عند التقاطها، إذ إن قوائـــــم الطعام ذات الوزن الأثقل توحي بأن المطعم رفيع المستوى، وكذلك إذا كانت مصنوعة من الجلد أو أي مادة ثمينة أخرى. 

تحديد الخيارات والرقم الذهبي
أول ما يحاول واضعــــو قوائم الطعــــام العمــــل عليه تحديد الخيارات المتوافرة، وتشيــــر الأبحاث التي أجراها مدير مختبر الأغذية والعلامات التجارية في جامعة كورنيل الأمريكية، مؤلف كتاب «الأكل الطائش... لماذا نأكل أكثر مما نعتقد؟»، براين وانسينك، إلى أن الشخص العادي يتخذ أكثر من 200 قرار بشأن الغذاء كل يوم، وإن الكثير منها يتّخذ من دون وعي، بما في ذلك الخيارات التي تتم من خلال قراءة قوائم الطعام.
ومن هذا المنطلق تعتمد الكثيــــر من قـــوائم الطعــــام علـــى النظــــرية النفسيـــة المعروفــــة باسم «مفارقة الاختيار»، التي تقول إنه كلما زادت الخيارات المتاحة أمامنا زاد شعـورنا بالقلق، لذلك تحاول معظــم المطاعم اعتمــــاد ما يعرف بـ «الرقم الذهبـــــي» الذي هو سبعــــة خيارات لكل فئة طعام، أي سبعــــة مقبلات، وسبعة أطبـــاق من اللحوم، وسبعــــة أطبـــاق من السلطة... إلخ. 
يقول أحد المختصين في هندسة قوائم الطعام، الذي عمل في ذلك المجال على مدى 34 عامًا، غريغ راب، إنه: «عندما ندرج أكثر من سبعة خيارات سيشعر الضيف بالحيرة والارتباك. وعندما يشعر بالارتباك، فإنه عادةً ما يعود إلى اختيـــار طبق كان قد تناوله سابقًا». 
وعلى الرغم من أنه لا ضرر في ذلك، لكن قائمة الطعام المصممــــة تصميمًا جيدًا عليها أن تغري الزبائن لتجربة أشياء مختلفــــة قلـــيلًا (وأكثر تكلفة قليلًا)، كما أن الفكرة من تحديد واختصار الخيارات هي السرعة، لأنه كما يقول راب، أيضًا: «يقضــــي العمـــلاء دقائــــق قليلــــة فقط في النظر إلى القائمة، ولهــــذا نحــــن نريدهم أن يستفيدوا من هذا الوقت بشكل فعال. فإذا كان بإمكانهم العثــــور على طلب ما بسرعة، فمن الممكن أن يقضوا وقتًا إضافيًا في النظر إلى طلبات أخرى في القائمة قد يريدون طلبها».

الأفخاخ داخل القوائم
تستخدم بعض المطاعم الأفخاخ التي من شأنها أن توجّه الزبائن نحو اختيارات معيّنة، فعلى سبيل المثال قد تضع بعض القوائم طبقًا باهظ الثمن في الجزء العلوي من القائمة، بحيث تبدو الأطباق الأخرى التي تليه بأسعار معقولة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأبحاث أظهرت أن الزبائن لا يميلون إلى طلب الأطباق الأغلى ولا الأقل ثمنًا، لكنّهم يفضلون اختيار ما هو في الوسط. كذلك يحدث في بعض المطاعم أنها قد تزيد إلى طبق مربح صفات فاتحة للشهية، وتضع ترتيبه قريبًا من طبق أقل ربحية مع وصف أقل، فيؤدي هذا التباين إلى إغراء الزبون لطلب الطبق المربح.
من جهة أخرى، يستمد تصميم القوائم بعض الإلهام من تصميم الصحف التي تضع أهم المقالات في الجزء العلوي الأيمن من الصفحة الأولى، حيث تميل العيون إلى الانجذاب، إذ إن الجزء الأيمن العلوي هو النقطة التي أول ما ينظر إليها الشخص في ورقة بيضاء أو في مجلة.
ومن هنا نجد أن قوائم الطعام تضع في هذه الزاوية الأطباق التي تحقق أعلى الأرباح أو عروضها الخاصة، ثم تضع المقبلات في أعلى اليسار والسلطات تحتها.
أو قد يتم وضع تخطيط منقط أو مربع حول أصناف معيّنة أو إحاطتها بمساحة بيضاء لجعلها أكثر بروزًا، أو تمييزها برموز أو علامات مختلفة، لأنها قد تكون نوعًا جديدًا من الأطباق، أو أطباقًا موسمية تحضر في فترة معيّنة من السنة لكي تجذب انتباه الزبائن نحو اختيارها بعينها.

محاولات في عدم إبراز الأسعار
هناك قانون ثابت في جميع قوائم الطعام ينصّ على أنه ما لم يكن هناك مطعـم يريد تخويف زوّاره يجــــب الابتعـــاد عن إبــــراز الأسعار بشتّى الطرق. فعادة ما تكــــون الأسعــــار في نهاية وصف كل طبق، حيث لا يتم تمييـــزها بأيّ شكل من الأشكال، كما أنه من الضروري عدم كتابة رمز الدولار أو الجنيه أو أي رمز لأي عملة أخرى مطلقًا بجوار السعـــر، فالكتابة يجب أن تقتصر على الرقم فقط، لأن وجود الرمز يمكن أن يؤدي إلى ما يعرف بـ «ألم الدفع». 
يقول المستشار في مجال المطاعم، الخبير في علم النفس المتعلق بتصميم قوائم الطعام، أرون ألين: «إن علامة الدولار تمثّل شيئًا مؤلمًا يذكّر المستهلكين بأنهم سينفقون أموالهم. لكن مجرد ذكر السعر في صورة رقم غير مقترن بعلامة الدولار، أو حتى كتابته بالأحرف، يمكن أن يخفّف هذا النوع من الألم».
وفيما يخص الأسعار أيضًا، ومن أشهر الحيل المتبعة تخفيض ثمن الطعام سنتًا واحدًا، مما يجعل طبقًا ثمنه خمسة دولارات و99 سنتًا يبدو أرخص في نظر الزبائن من ستة دولارات كاملة.

رسائل بواسطة الكلمات والألوان
من أسرار قوائم الطعام تلك التي تدخل في عدد الكلمات المستخدمة في وصف أطباق معيّنة، فعندما حلل الأستاذ في علم اللغويات الحاسوبية بجامعة ستانفورد الأمريكية دان جورافسكي، كلمات وأسعار ما يقرب من 650 صنفًا من الطعام، في 6.500 قائمة طعام، وجد أنه كلّما استخدمت كلمات أكثر لوصف صنف ما من الطعام، ازداد سعر هذا الصنف مقارنة بذكر اسمه فقط من دون أوصاف.
لكن، مع ذلك، ليست الكلمات وحدها هي التي ترسل إشارات معيّنـــة، فالألـــــوان المستخدمة أيضًا تحمل تأثيرًا ما. فلا شك في أن الألوان تساهم في استحضار المشاعر والسلوك المحفّز، إذ هناك ألوان محددة، مثل اللون الأخضر الذي يستخدم غالبًا ليوحي بأن الطعام المقدم صحي وطازج، كما يستخدم اللون البرتقالي في بعض الأحيان للفت الانتباه ويحفّز اللون الأحمر الشهية. وكم مرة لاحظــــنا عدد المطاعم التي تستخدم اللونين الأحمر والأصفـــر معًا في علامتها التجــــارية؟ يقــــول آلان: «إن هذين اللونيـــــن معًا هما أفضـــــل مزيج يستــــخدم فيما يختص بالطعام».

قوائم الطعام المستقبلية
مع الاهتمام المتزايد بالطعام، ومع دخول العصر الرقمي، ومع تحوّل كثير من طلبات المطاعم إلى الطاولات التفاعلية داخل المطاعم التي توضع فوقها شاشات رقمية لاختيار وطلب الطعام المفضل أو عبر الإنترنت، أصبحت قوائم الطعام تتخذ أهمية أكبر. 
فمن خلال العالم الرقمي، أصبح بإمكان قوائم الطعام الاستفادة من التقنيات الجديدة المتاحة لعرض محتوياتها بالفيديو واستخدام تقنيات الرسوم المتحركة. وهناك من يعتقد بأن قوائم الطعام المستقبلية ستكون أكثر تعقيدًا مما نظن، حتى أنها قد تكون مصممة لتعرف ما نريد أن نطلبه قبل أن نعرفه نحن، كما أن وسائل الذكاء الاصطناعي قد تأخذ هذا الأمر إلى مستويات أبعد من ذلك، بحيث يمكنها أن تستكشف خياراتنا السابقة التي قمنا بها في مطاعم زرناها سابقًا، وتقترح علينا الطعام الذي يمكننا اختياره.
وهكذا، في المرة التالية التي نلتقط فيها قائمة الطعام في مطعمنا المختار، أو حتى عندما نطّلع عليها عبر الإنترنت، علينا، بدلًا من اتخاذ قراراتنا على الفور، الأخذ بعين الاعتبار الخفايا السيكولوجية التي تدخل في تصميمها ربما نستطيع أن نتجنب الأفخاخ التي تنصبها لنا، والتي لا تكون في مصلحتنا في كثير من الأحيان ■