اللغة العربية وتحديات النهوض الثقافي

اللغة العربية  وتحديات النهوض الثقافي

بينما‭ ‬تؤكد‭ ‬براهين‭ ‬الحقائق‭ ‬التاريخية‭ ‬أن‭ ‬الارتباط‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬ازدهار‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وانتشارها،‭ ‬بعد‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬قوتها‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬إلهام‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرين‭ ‬والمخترعين‭ ‬والأدباء‭ ‬إيصال‭ ‬إنتاجهم‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬ويُسر‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬وبين‭ ‬حضارات‭ ‬غير‭ ‬عربية،‭ ‬فترسخت‭ ‬أصالة‭ ‬اللغة‭ ‬ومزاياها‭ ‬في‭ ‬ثروة‭ ‬مفرداتها،‭ ‬وتعدّد‭ ‬معانيها،‭ ‬وتنوع‭ ‬تعابيرها،‭ ‬فعبّرت‭ ‬بصدق‭ ‬وجلاء‭ ‬عن‭ ‬معدنها‭ ‬وجوهرها‭ ‬الأصيل‭.‬

كان‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬وفعال‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أقاصي‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬بمشعل‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ونورها‭ ‬الوهاج،‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬العقيدة‭ ‬الراسخة،‭ ‬وقد‭ ‬تأثرت‭ ‬الشعوب‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ ‬بما‭ ‬لهذه‭ ‬اللغة‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬فكرية‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وعمق‭ ‬في‭ ‬أحكام‭ ‬وفقه‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭. ‬

ويذكر‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬شهد‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬انحسارًا‭ ‬وتراجعًا‭ ‬عمّا‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬ازدهار‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬والعلمية‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬وجموح‭ ‬الشعوب‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬شعبويتها‭ ‬ولغتها‭ ‬المحلية،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وتأثير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الانكفاء‭ ‬على‭ ‬أوضاعها‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المتدهورة‭.‬

لكن‭ ‬التاريخ‭ ‬يشهد‭ ‬أيضًا،‭ ‬وينقل‭ ‬بأمانة،‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬استعادت‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬مكانتها‭ ‬النهضوية‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬والأدبية،‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬وتطور‭ ‬حركة‭ ‬التأليف‭ ‬والترجمة‭ ‬والطباعة‭ ‬والنشر‭.‬

ومنذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬فصاعدًا،‭ ‬اهتمت‭ ‬الجامعات‭ ‬العلمية‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬بتعليم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وإقامة‭ ‬مراكز‭ ‬للدراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬التي‭ ‬يمتد‭ ‬نشاطها‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

 

تأثير‭ ‬ضعيف

إن‭ ‬تأثير‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬وأنشطة‭ ‬الحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بالزمن‭ ‬الراهن‭ ‬ليس‭ ‬بالمستوى‭ ‬المأمول،‭ ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬تراجع‭ ‬وضعُف‭ ‬عما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬الوضع‭ ‬السليم‭ ‬والطبيعي،‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬اللغة‭ ‬من‭ ‬مزايا‭ ‬نوعية،‭ ‬كأداة‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬الثقافة‭ ‬والإنتاج‭ ‬الفكري،‭ ‬وتحصين‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الأفراد،‭ ‬خاصةً‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬والنشء‭ ‬الجديد‭ ‬والشباب،‭ ‬بما‭ ‬يميّزها‭ ‬من‭ ‬ثراء‭ ‬وغزارة‭ ‬في‭ ‬محتواها‭ ‬اللفظي‭ ‬والتعبيري،‭ ‬وسبب‭ ‬رئيس‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬أروع‭ ‬المؤلفات‭ ‬والكتب‭ ‬والمطبوعات‭ ‬والدواوين‭.‬

إن‭ ‬واقع‭ ‬مشهد‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬المعاصر‭ ‬ناشط‭ ‬بالمجتهدين‭ ‬والمحافظين‭ ‬الغيورين‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬المحلية‭ ‬والعربية،‭ ‬وهم‭ ‬فئة‭ ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬المجتمع،‭ ‬ونطلق‭ ‬عليهم‭ ‬نخبة‭ ‬محدودة،‭ ‬وربما‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬تزايد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬يلبي‭ ‬الطموح‭ ‬المرغوب‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬وتنويع‭ ‬قاعدة‭ ‬الثقافة‭ ‬وزيادة‭ ‬أعداد‭ ‬المثقفين‭ ‬ذوي‭ ‬الفكر‭ ‬المتفتح‭ ‬والوعي‭ ‬المدرك‭ ‬والمعلومات‭ ‬الوافرة‭ ‬والسلوك‭ ‬المتمدن‭.‬

 

تحديات‭ ‬محلية‭ ‬

تعود‭ ‬الأسباب‭ ‬الواقعية‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬مكونات‭ ‬الثقافة‭ ‬المحلية،‭ ‬من‭ ‬محركها‭ ‬الأول،‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬إلى‭ ‬الأسباب‭ ‬والمؤثرات‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬تمثّل‭ ‬تحديات‭ ‬تواجه‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة،‭ ‬وهي‭ ‬تحديات‭ ‬ذات‭ ‬شقين؛‭ ‬محلي‭ ‬وخارجي،‭ ‬فالشق‭ ‬المحلي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬اهتمام‭ ‬الأسرة‭ ‬بتعليم‭ ‬مبادئ‭ ‬اللغة‭ ‬منذ‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة،‭ ‬بداية‭ ‬بتعليم‭ ‬الحروف‭ ‬والكلمات‭ ‬إلى‭ ‬تركيب‭ ‬الجمل‭ ‬القصيرة‭ ‬والقراءة‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مناسب‭ ‬للفئة‭ ‬العمرية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ضعف‭ ‬المستوى‭ ‬العلمي‭ ‬والمهاري‭ ‬ومستوى‭ ‬القدرات‭ ‬لمخرجات‭ ‬معلميها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬انطلاقة‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي‭ ‬القديم‭ ‬وتعليم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عقود‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬وما‭ ‬سبقها‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬النموذج‭ ‬والقدوة‭ ‬والمرشد‭ ‬الأمثل‭ ‬للطلبة،‭ ‬في‭ ‬الترغيب‭ ‬بحب‭ ‬اللغة‭ ‬والتعويد‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬والاطلاع،‭ ‬بأساليب‭ ‬وطرائق‭ ‬جاذبة‭ ‬ومحفزة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬غياب‭ ‬الدعم‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬اللازم،‭ ‬لوضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة‭ ‬لمشروع‭ ‬دولة‭ ‬القراءة،‭ ‬وإثراء‭ ‬المكتبات‭ ‬كافة‭ ‬بالمقتنيات‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والدوريات،‭ ‬خاصةً‭ ‬المجلدات‭ ‬التاريخية‭ ‬القيمة‭ ‬والمخطوطات‭ ‬النادرة‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العربي،‭ ‬وقصص‭ ‬الأطفال‭ ‬وكتيبات‭ ‬الناشئة‭ ‬وكتب‭ ‬الشباب‭ ‬الهادفة،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تشجيع‭ ‬القراءة‭ ‬ورفع‭ ‬حصيلة‭ ‬المعرفة‭ ‬وتحسين‭ ‬اللغة‭ ‬بحسن‭ ‬القراءة‭ ‬وتحسين‭ ‬الأسلوب‭ ‬وإنارة‭ ‬العقول‭ ‬وتهذيب‭ ‬النفوس،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬فوائد‭ ‬جمة‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تحديات‭ ‬تواجه‭ ‬اللغة‭.‬

 

تحديات‭ ‬خارجية

‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬توحد‭ ‬إمكانات‭ ‬وطاقات‭ ‬وموارد‭ ‬العرب‭ ‬البشرية‭ ‬والثقافية‭ ‬والدينية،‭ ‬قوة‭ ‬ضاربة‭ ‬تخشاها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والأمم‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬واستفادت‭ ‬من‭ ‬معطيات‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬وموارد‭ ‬العرب‭ ‬ومزايا‭ ‬موقعهم‭ ‬الجغرافي‭ ‬وثروة‭ ‬تراثهم‭ ‬المادي‭ ‬واللامادي‭.‬

لذا‭ ‬وضع‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم‭ ‬تدابير‭ ‬سياسية‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬لتفريق‭ ‬شمل‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬ومحاولة‭ ‬عزلها‭ ‬وإضعاف‭ ‬قوميتها‭ ‬وإضاعة‭ ‬فرص‭ ‬توحّدها‭ ‬وتعاونها،‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬مشاركتها‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التنموي‭ ‬والبنائي‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المتحررة‭ ‬والناهضة‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬عصر‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي،‭ ‬وبدأت‭ ‬المحاولات‭ ‬الناجحة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬تعمّد‭ ‬إضعاف‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وتحجيم‭ ‬مكانتها‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬الإسهام‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬وكان‭ ‬الاستعمار‭ ‬والهيمنة‭ ‬والتدخل‭ ‬السافر‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬الداخلية،‭ ‬بتعمّد‭ ‬ضرب‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسد‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭ ‬والحضّ‭ ‬على‭ ‬العدوان‭ ‬ونشر‭ ‬عنصرية‭ ‬المذاهب‭ ‬والأديان‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬محيط‭ ‬إقليمهم‭ ‬الجغرافي‭.‬

وتلك‭ ‬كانت‭ ‬هجمة‭ ‬شرسة‭ ‬لجعل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬متأخرة‭ ‬وضعيفة،‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬ومواكبة‭ ‬وتلبية‭ ‬واقع‭ ‬ومستقبل‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والتقني‭ ‬للدول‭ ‬الكبرى‭.‬

بينما‭ ‬انعكست‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬بمؤثراتها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬المحلية‭ ‬وبالطبع‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وخصائصها‭ ‬الذاتية‭ ‬المنيعة‭ ‬للعرب،‭ ‬وبدأت‭ ‬تتبلور‭ ‬تحديات‭ ‬خارجية‭ ‬تواجه‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والثقافة‭ ‬المحلية،‭ ‬وهي‭ ‬كالتالي‭:‬

‭- ‬تعرّض‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬علاقتها‭ ‬وارتباطها‭ ‬الوثيق‭ ‬بالثقافة‭ ‬المحلية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬إلى‭ ‬حملة‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬من‭ ‬التغريب،‭ ‬ومحاولات‭ ‬لتفتيت‭ ‬الهوية‭ ‬والانتماء‭ ‬للعروبة‭ ‬والاعتزاز‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭.‬

ولهذه‭ ‬القضية‭ ‬مظاهر‭ ‬جلية‭ ‬مؤسفة‭ ‬بما‭ ‬تتعرّض‭ ‬له‭ ‬لغتنا‭ ‬الجميلة‭ ‬والغنية‭ ‬من‭ ‬إساءة‭ ‬وإضعاف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التشدق‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لمن‭ ‬يجيدها،‭ ‬وحرص‭ ‬واهتمام‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬بإدخال‭ ‬أبنائهم‭ ‬المدارس‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بالتعليم‭ ‬بشكل‭ ‬رئيس‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭.‬

وتتباهى‭ ‬بعض‭ ‬الأسر‭ ‬بحصيلة‭ ‬ما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬أبناؤها‭ ‬من‭ ‬إجادة‭ ‬وطلاقة‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يوازي‭ ‬ذلك‭ ‬التباهي‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بمدى‭ ‬تأسيس‭ ‬أبنائها‭ ‬على‭ ‬إجادة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬واقع‭ ‬يعاني‭ ‬معظم‭ ‬طلبتنا‭ ‬ضعفًا‭ ‬شديدًا‭ ‬في‭ ‬قواعد‭ ‬الكتابة‭ ‬والتعبير‭ ‬والقراءة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭.‬

‭- ‬تأثير‭ ‬التقدم‭ ‬السريع‭ ‬والشامل‭ ‬المذهل‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬واستخداماتها‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬اليد،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬الأجهزة‭ ‬والحواسيب‭ ‬أو‭ ‬الوسائط‭ ‬اللوحية‭ ‬المتعددة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة،‭ ‬والتي‭ ‬تتمتع‭ ‬بمزايا‭ ‬كثيرة‭ ‬للتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتناقل‭ ‬المعلومات‭ ‬والأخبار‭ ‬ونشر‭ ‬الصور‭ ‬والأفلام‭ ‬بسهولة‭ ‬وسرعة‭ ‬ودقة‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الرسائل‭ ‬والصور‭ ‬وغيرها‭.‬

وقد‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬القراءة‭ ‬عند‭ ‬فئة‭ ‬الأطفال‭ ‬والنشء‭ ‬والشباب‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬والعزوف‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬المكتبات،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الكتّاب‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬مصادر‭ ‬المعرفة‭ ‬ومكوّن‭ ‬رئيس‭ ‬للثقافة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترفعها‭ ‬فقط‭ ‬المنشورات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والدوريات‭ ‬والصحف‭ ‬والمدونات‭ ‬الشخصية،‭ ‬فالكتب‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الرافد‭ ‬الرئيس‭ ‬للثقافة‭ ‬والعلوم‭ ‬والآداب،‭ ‬والكتب‭ ‬مكمن‭ ‬المعرفة‭ ‬وذاكرة‭ ‬الأمم‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬والتراثي‭ ‬عبر‭ ‬السنين‭.‬

 

تكنولوجيا‭ ‬المعلومات

يمثّل‭ ‬الاقتحام‭ ‬السريع‭ ‬لتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬الورقية،‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬والتنشئة‭ ‬الأسرية‭ ‬والمجتمعية،‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بحذر‭ ‬وذكاء،‭ ‬فالجيل‭ ‬الجديد‭ ‬مولع‭ ‬باستخدام‭ ‬البرامج‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬ويتقن‭ ‬استخدامها‭ ‬ويعتمد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬والتحصيل‭ ‬العلمي،‭ ‬ويتمكن‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬المعرفة‭ ‬والمطالعة‭ ‬السريعة‭ ‬والسهلة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭.‬

لذا،‭ ‬فإن‭ ‬المسؤولية‭ ‬والتحدي‭ ‬اللذين‭ ‬يواجهانا‭ ‬يكمنان‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬الترغيب‭ ‬والتحفيز‭ ‬لقراءة‭ ‬الكتب‭ ‬المناسبة‭ ‬لأعمار‭ ‬الأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬والشباب،‭ ‬وما‭ ‬يستهويهم‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬الهادفة‭ ‬والنافعة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نحسن‭ ‬الرقابة‭ ‬والانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أبنائنا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭ ‬قابل‭ ‬للزيادة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬والكم‭ ‬والنوع‭ ‬لما‭ ‬يطلعون‭ ‬عليه‭ ‬يوميًا‭ ‬من‭ ‬منشورات‭ ‬إلكترونية‭. ‬

‭- ‬إن‭ ‬أزمة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬طبيعي‭ ‬لأزمة‭ ‬الوضع‭ ‬العربي‭ ‬الراهن،‭ ‬وتأثير‭ ‬انعكاساته‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتعليمية‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬تسود‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الصحاري‭ ‬والأرياف‭ ‬والمناطق‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬المدن،‭ ‬الجهل‭ ‬والفقر‭ ‬وضعف‭ ‬التواصل‭ ‬الثقافي‭ ‬والإعلامي‭ ‬ومحدودية‭ ‬تناقل‭ ‬المعرفة‭ ‬والمعلومات‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ (‬ناقلي‭ ‬الفكر‭ ‬والمعرفة‭) ‬ومدى‭ ‬قدرة‭ ‬أهل‭ ‬المدن‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والثقافية‭ ‬للمنفصلين‭ ‬عنها‭.‬

‭- ‬إن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬التحديات‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬بثقافتها‭ ‬المتعددة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬مواكبة‭ ‬العولمة،‭ ‬ويتمثّل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مستويات‭ ‬الهرم‭ ‬الأممي‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬وتفعيل‭ ‬مدى‭ ‬قدرتها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الآخر‭.‬

فاللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬حباها‭ ‬الله‭ ‬بثروة‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬إمكانات‭ ‬تشكيل‭ ‬الحروف‭ ‬والجمل‭ ‬وصياغة‭ ‬التعبير‭ ‬والإنشاء‭ ‬وقدرة‭ ‬الإقناع‭ ‬والحجة،‭ ‬واستنادها‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬صلبة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬عربي‭ ‬حافل‭ ‬بالعطاء‭ ‬والمجد‭ ‬الثقافي‭ ‬والعلمي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نوليها‭ ‬ونضعها‭ ‬في‭ ‬الاعتبار،‭ ‬تتركز‭ ‬في‭ ‬ماهية‭ ‬التخاطب‭ ‬والتحاور،‭ ‬عندما‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬راجح‭ ‬وعلم‭ ‬منير‭ ‬وثقافة‭ ‬منفتحة،‭ ‬عندها‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬واستثمار‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مزايا‭ ‬وخصائص‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬اللائق‭ ‬والمقبول‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬الرسمية‭ ‬والشعبية‭.‬

والواقع‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬يوضح‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬الصادق‭ ‬عن‭ ‬المزايا‭ ‬النوعية‭ ‬العالية‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الرصينة‭ ‬والمقومات‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬وشكّلتها‭ ‬عبر‭ ‬عصور‭ ‬مضت،‭ ‬ولازالت‭ ‬نسبة‭ ‬إسهاماته‭ ‬وتفاعله‭ ‬في‭ ‬العولمة‭ ‬الثقافية‭ ‬ضعيفة‭ ‬ومحدودة‭.‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬بذكاء‭ ‬وانفتاح‭ ‬مدروس‭ ‬ومقنن‭ ‬ومنظم،‭ ‬فبعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تحقق‭ ‬نجاحًا‭ ‬عمليًا‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬ومبادرات‭ ‬تكنولوجية‭ ‬لتعريب‭ ‬اللغة‭ ‬المستخدمة‭ ‬واعتماد‭ ‬العربية‭ ‬فيها،‭ ‬وكانت‭ ‬الكويت‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬تعريب‭ ‬برامج‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬المخصصة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬للأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬والشباب‭.‬

 

اللغة‭ ‬والحركة‭ ‬الثقافية

العلم‭ ‬قوة‭ ‬والأمم‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬القوة‭ ‬تحظى‭ ‬بالاحترام‭ ‬والتقدير،‭ ‬ومصدر‭ ‬علومنا‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية‭ ‬الرائعة،‭ ‬وعلينا‭ ‬مسؤولية‭ ‬تاريخية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة‭ ‬العلمية‭ ‬العالمية‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة،‭ ‬في‭ ‬إصدارات‭ ‬عربية‭ ‬مترجمة‭ ‬مبسطة،‭ ‬تحاكي‭ ‬الصغار‭ ‬والشباب‭ ‬والكبار‭ ‬بهدف‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة‭ ‬المجتمعية‭ ‬بروح‭ ‬عربية‭.‬

وهذا‭ ‬الهدف‭ ‬السامي‭ ‬سيسهم‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬الجميع‭ ‬يفهمون‭ ‬واقعهم‭ ‬وحياتهم‭ ‬وما‭ ‬يحيط‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬وأحداث‭ ‬وتقدّم‭ ‬علمي‭ ‬ومعرفي‭ ‬وتقني‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الميادين‭ ‬الحضارية‭ ‬والإنسانية‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬علماء‭ ‬اللغة‭ ‬وأعلامها‭ ‬باستخدام‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬ومكونات‭ ‬مصطلحات‭ ‬اللغة‭ ‬لكي‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬العالمية‭ ‬والانفتاح‭ ‬اللغوي،‭ ‬مثل‭ ‬وسائل‭ ‬التعريب‭ ‬والترجمة‭ ‬والاشتقاق‭ ‬والمجاز‭ ‬وإثراء‭ ‬المحتوى‭ ‬اللغوي‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬لغات‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض،‭ ‬تناقلتها‭ ‬أجيال‭ ‬عبر‭ ‬أجيال‭ ‬محافظة‭ ‬على‭ ‬مخزون‭ ‬عربي‭ ‬ثريّ‭ ‬من‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وكلما‭ ‬زاد‭ ‬قدر‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مكونات‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الأصيلة‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬اللغة‭ ‬وقواعد‭ ‬النحو‭ ‬والبلاغة‭ ‬والتعبير،‭ ‬وفنون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬الشعر‭ ‬وصياغة‭ ‬النثر‭ ‬والخطابة،‭ ‬أدت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬دورها‭ ‬بفعالية‭ ‬وقوة‭.‬

لقد‭ ‬تأثر‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد،‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬والمؤلفات‭ ‬والكتب،‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬بعقول‭ ‬عربية‭ ‬يشار‭ ‬إليها‭ ‬بالبنان‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬صنوف‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف،‭ ‬نهلوا‭ ‬منها‭ ‬لتتقدم‭ ‬شعوبهم‭ ‬ودولهم،‭ ‬واستفادوا‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬الترجمة‭ ‬والتأليف‭ ‬والنشر‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭.‬

ومن‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬يتضاعف‭ ‬زخم‭ ‬عطائها‭ ‬وإنتاجها‭ ‬للمؤلفات‭ ‬العلمية‭ ‬الحديثة‭ ‬والثقافة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬لمواصلة‭ ‬واستمرار‭ ‬العطاء‭ ‬دون‭ ‬انقطاع،‭ ‬كما‭ ‬نشهد‭ ‬ذلك‭ ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أزمة‭ ‬ثقافية‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬وكمّ‭ ‬ونوع‭ ‬الإنتاج‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المكتبات،‭ ‬والإسهام‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬ركْب‭ ‬التقدم‭ ‬الحضاري‭ ‬العالمي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬والعلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬والمتسم‭ ‬بالانفتاح‭ ‬والتفاهم‭ ‬والتعاون‭ ‬العالمي‭.‬

وتؤكد‭ ‬حقائق‭ ‬التطور‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬المعاصر‭ ‬قدرة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬مجاراة‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬بتطويعها‭ ‬وتعريبها‭ ‬لتصبح‭ ‬لغة‭ ‬معتمدة‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬الحاسوب،‭ ‬وتشكّل‭ ‬مصطلحاتها‭ ‬أداة‭ ‬استخدام‭ ‬نافعة‭ ‬وفعالة‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬الحاسوب‭ ‬بكل‭ ‬يُسر‭ ‬وسهولة،‭ ‬حتى‭ ‬انتشرت‭ ‬البرامج‭ ‬والحواسيب‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وتكاثرت‭.‬

واللغة‭ ‬العربية‭ ‬ملهمة‭ ‬العطاء‭ ‬والإبداع‭ ‬الثقافي‭ ‬لمن‭ ‬يتذوقها‭ ‬ويعجب‭ ‬بمفرداتها‭ ‬المعبّرة،‭ ‬ويتمكّن‭ ‬من‭ ‬إجادتها‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬استخدامها‭ ‬وتوظيفها‭ ‬في‭ ‬تدفّق‭ ‬أفكاره‭ ‬وتحسين‭ ‬أسلوبه‭ ‬وتحفيز‭ ‬إنتاجه‭. ‬

 

اقتراحات‭ ‬مناسبة‭ ‬

تتدافع‭ ‬اقتراحات‭ ‬وحلول‭ ‬عدة‭ ‬لمعالجة‭ ‬قضية‭ ‬ومشكلات‭ ‬العلاقة‭ ‬الوطيدة‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حاضرها‭ ‬ونتاجها‭ ‬الثقافي،‭ ‬وسمات‭ ‬وملامح‭ ‬صورة‭ ‬الواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭.‬

وعلينا‭ ‬إدراك‭ ‬الحقيقة‭ ‬وتأكيد‭ ‬الثوابت‭ ‬التي‭ ‬ترشدنا‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬الحلول‭ ‬الناجحة،‭ ‬بكل‭ ‬شفافية‭ ‬وصراحة‭ ‬ووضوح‭.‬

وفيما‭ ‬يلي‭ ‬عرض‭ ‬مقترح‭ ‬للحلول‭ ‬التي‭ ‬نجدها‭ ‬مناسبة‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬نوجزها‭ ‬في‭ ‬النقاط‭ ‬التالية‭:‬

‭- ‬المستقبل‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬والعناية‭ ‬المبكرة‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬الحاضر،‭ ‬والغرس‭ ‬الجيد‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬يجنيه‭ ‬الجيل‭ ‬اللاحق‭ ‬بنتائج‭ ‬أفضل،‭ ‬وهكذا‭ ‬يتوالى‭ ‬بقدر‭ ‬العطاء‭ ‬والاهتمام‭ ‬المتكامل‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬ويندرج‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬الاهتمام‭ ‬والمثابرة‭ ‬في‭ ‬رفعة‭ ‬قدر‭ ‬ومكانة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وتطوير‭ ‬مهارات‭ ‬أبنائنا‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوعية‭ ‬الأسرية‭ ‬وتحفيز‭ ‬الأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬باختيار‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تعجبهم‭ ‬وتناسب‭ ‬ميولهم‭ ‬وأعمارهم،‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬العربية‭ ‬الصحيحة‭ ‬والفهم‭ ‬وأخذ‭ ‬العبر‭ ‬والقيم‭ ‬المستهدفة‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬القصص‭ ‬والكتب‭ ‬المفيدة،‭ ‬ورعاية‭ ‬وتشجيع‭ ‬لبوادر‭ ‬الظاهرة‭ ‬والمواهب‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬التميّز‭ ‬عن‭ ‬أقرانهم‭ ‬وإخوانهم‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬الأسرة،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تمكّنهم‭ ‬من‭ ‬الإجادة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬قراءة‭ ‬وكتابة‭ ‬وتعبيرًا‭ ‬وقولًا‭.‬

‭- ‬دور‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬استكمال‭ ‬دور‭ ‬البيت‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬وتشجيع‭ ‬المواهب‭ (‬استطرادًا‭ ‬للنقطة‭ ‬السابقة‭) ‬والعمل‭ ‬معًا‭ ‬على‭ ‬احتضان‭ ‬ورعاية‭ ‬الأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬والشباب‭ ‬المتميزين‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬تطوير‭ ‬مناهج‭ ‬اللغة‭ ‬وتحديثها‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬والمسابقات‭ ‬المدرسية،‭ ‬وإشراكها‭ ‬مع‭ ‬الفعاليات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعويد‭ ‬الطلبة‭ ‬والطالبات‭ ‬وحثّهم‭ ‬بطرق‭ ‬محببة‭ ‬ومقنعة‭ ‬لهم‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬المكتبة‭ ‬المدرسية‭ ‬والمكتبات‭ ‬العامة‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬منتظم‭.‬

‭- ‬حماية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬حماية‭ ‬عن‭ ‬الكيان‭ ‬والوطن‭ ‬والهوية،‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬هو‭ ‬دفاع‭ ‬مشروع‭ ‬عن‭ ‬المكتسبات‭ ‬والتراث‭ ‬والتاريخ‭ ‬الحضاري‭ ‬المشرف‭.‬

لذا‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية،‭ ‬مثل‭ ‬الجامعات‭ ‬والكليات‭ ‬المتخصصة‭ ‬والمعاهد‭ ‬العليا،‭ ‬كما‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والمكتبات‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها،‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬المتعاونة‭ ‬والمستمرة‭ ‬بالعمل‭ ‬المخطط‭ ‬والمنظم‭ ‬لتطوير‭ ‬وتفعيل‭ ‬مستوى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ورفع‭ ‬قدرها‭ ‬ومكانتها‭ ‬التاريخية‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬بأساليب‭ ‬حديثة‭ ‬تواكب‭ ‬الثورة‭ ‬التقنية‭ ‬والمعلوماتية‭ ‬وسعة‭ ‬نطاق‭ ‬مستخدميها،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬شبابنا‭ ‬وأطفالنا‭.‬

 

مسؤوليات‭ ‬مشتركة

في‭ ‬محصلة‭ ‬الختام‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬البدء،‭ ‬فعلينا‭ ‬جميعًا‭ ‬مسؤولية‭ ‬مهمة‭ ‬وجديرة‭ ‬بالعناية‭ ‬والحرص‭ ‬الشديدين‭ ‬على‭ ‬تحقيقها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬المسؤولية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬الفرد‭ ‬والجماعة‭ ‬والدولة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الاهتمام‭ ‬بإبراز‭ ‬تاريخ‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬فكريًا‭ ‬ومعنويًا،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬المادي‭ ‬الذي‭ ‬خلّفه‭ ‬لنا‭ ‬علماء‭ ‬العرب‭ ‬وأدباؤهم،‭ ‬المتحلّين‭ ‬بالقيم‭ ‬والسمات‭ ‬والأخلاق‭ ‬العربية‭ ‬الفاضلة،‭ ‬وهي‭ ‬منبع‭ ‬الإلهام‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬الثقافي،‭ ‬والبيئة‭ ‬الخصبة‭ ‬الحاضنة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التحفيز‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬وزيادة‭ ‬أعداد‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬التسامح‭ ‬والتقارب‭ ‬والتفاهم‭ ‬ومشاعر‭ ‬الأخوّة‭ ‬والرغبة‭ ‬الأكيدة‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬حصيلة‭ ‬الوعي‭ ‬والإدراك‭ ‬والمعرفة‭ ‬عند‭ ‬الجميع‭.‬

على‭ ‬أن‭ ‬يتوازن‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬المثالي‭ ‬والقدوة‭ ‬الحسنة‭ ‬المحفزة‭ ‬للحراك‭ ‬الثقافي،‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬أيضًا‭ ‬بالتراث‭ ‬الثقافي‭ ‬الوطني‭ ‬والأعمال‭ ‬الكويتية‭ ‬المتميزة،‭ ‬وإسهام‭ ‬رواد‭ ‬الثقافة‭ ‬والعلوم‭ ‬والآداب‭ ‬الكويتيين‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬للساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بهذه‭ ‬الجهود‭ ‬النهضوية‭ ‬لتوعية‭ ‬المجتمع‭ ‬وتنويره‭ ‬وتطلّع‭ ‬أبنائه‭ ‬للعلم‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭.‬

أما‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬فلها‭ ‬شأن‭ ‬عظيم‭ ‬لو‭ ‬اعتمد‭ ‬عليها‭ ‬أداة‭ ‬لتقوية‭ ‬ودعم‭ ‬التضامن‭ ‬العربي،‭ ‬فهي‭ ‬لغة‭ ‬خالدة‭ ‬تستمد‭ ‬قوتها‭ ‬من‭ ‬ديمومتها‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭.‬

إن‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬واستخدام‭ ‬النشر‭ ‬اللهجات‭ ‬المحلية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المحافل‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬واللقاءات،‭ ‬وعبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والاتصال‭ ‬الجماعي،‭ ‬إضعاف‭ ‬وتفريق‭ ‬لشمل‭ ‬الناطقين‭ ‬المنتمين‭ ‬إلى‭ ‬عقيدة‭ ‬راسخة‭ ‬واعتزاز‭ ‬بلغة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭.‬

إنها‭ ‬لغة‭ ‬حيّة‭ ‬واندماجية‭ ‬مع‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تلبية‭ ‬متطلبات‭ ‬الثقافة‭ ‬وآفاقها‭ ‬المستقبلية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستوعبها‭ ‬ويتأثر‭ ‬منها‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭.‬

وستبقى‭ ‬لغة‭ ‬ذات‭ ‬جذور‭ ‬وأصول‭ ‬وفروع‭ ‬قوية،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬والتيارات‭ ‬المغرضة‭ ‬جميعًا‭ .