اللغة العربية وتحديات النهوض الثقافي
بينما تؤكد براهين الحقائق التاريخية أن الارتباط الوثيق بين ازدهار اللغة العربية وانتشارها، بعد الفتوحات الإسلامية كان بسبب قوتها وقدرتها على إلهام العلماء والمفكرين والمخترعين والأدباء إيصال إنتاجهم بكل سهولة ويُسر في مجتمعات وبين حضارات غير عربية، فترسخت أصالة اللغة ومزاياها في ثروة مفرداتها، وتعدّد معانيها، وتنوع تعابيرها، فعبّرت بصدق وجلاء عن معدنها وجوهرها الأصيل.
كان للأمة العربية دور مهم وفعال في نشر اللغة العربية في أقاصي الشرق والغرب، بمشعل الدعوة الإسلامية ونورها الوهاج، على أسس العقيدة الراسخة، وقد تأثرت الشعوب غير العربية بما لهذه اللغة من قوة فكرية في الثقافة الإسلامية وعمق في أحكام وفقه الشريعة الإسلامية.
ويذكر أن التاريخ شهد للغة العربية انحسارًا وتراجعًا عمّا كانت عليه مع ازدهار الثورة الصناعية والعلمية في أوربا، وجموح الشعوب الإسلامية في الشرق على تعزيز شعبويتها ولغتها المحلية، والابتعاد عن اللغة العربية، وتأثير ذلك على الشعوب العربية في الانكفاء على أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتدهورة.
لكن التاريخ يشهد أيضًا، وينقل بأمانة، أن الأمة العربية استعادت في أواخر القرن التاسع عشر، قدرًا من مكانتها النهضوية الثقافية والعلمية والأدبية، في تزايد وتطور حركة التأليف والترجمة والطباعة والنشر.
ومنذ منتصف القرن العشرين فصاعدًا، اهتمت الجامعات العلمية العريقة في الغرب والشرق بتعليم اللغة العربية وإقامة مراكز للدراسات والبحوث في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، التي يمتد نشاطها إلى يومنا هذا.
تأثير ضعيف
إن تأثير اللغة العربية في تفعيل دور وأنشطة الحركة الثقافية في المجتمع بالزمن الراهن ليس بالمستوى المأمول، ومع الأسف تراجع وضعُف عما يجب أن يكون عليه الوضع السليم والطبيعي، استنادًا إلى ما تتمتع به اللغة من مزايا نوعية، كأداة فاعلة في تنشيط الثقافة والإنتاج الفكري، وتحصين الهوية العربية في نفوس الأفراد، خاصةً عند الأطفال والنشء الجديد والشباب، بما يميّزها من ثراء وغزارة في محتواها اللفظي والتعبيري، وسبب رئيس في إنتاج أروع المؤلفات والكتب والمطبوعات والدواوين.
إن واقع مشهد الثقافة في مجتمعنا المعاصر ناشط بالمجتهدين والمحافظين الغيورين على الثقافة المحلية والعربية، وهم فئة قليلة في عموم المجتمع، ونطلق عليهم نخبة محدودة، وربما هم في تزايد، إلا أن هذا الواقع لا يلبي الطموح المرغوب في توسيع وتنويع قاعدة الثقافة وزيادة أعداد المثقفين ذوي الفكر المتفتح والوعي المدرك والمعلومات الوافرة والسلوك المتمدن.
تحديات محلية
تعود الأسباب الواقعية إلى تراجع مكونات الثقافة المحلية، من محركها الأول، اللغة العربية، إلى الأسباب والمؤثرات المتعددة التي تمثّل تحديات تواجه اللغة والثقافة، وهي تحديات ذات شقين؛ محلي وخارجي، فالشق المحلي يعود إلى ضعف اهتمام الأسرة بتعليم مبادئ اللغة منذ مرحلة الطفولة، بداية بتعليم الحروف والكلمات إلى تركيب الجمل القصيرة والقراءة وفق ما هو مناسب للفئة العمرية، إلى جانب ضعف المستوى العلمي والمهاري ومستوى القدرات لمخرجات معلميها بشكل كبير، عما كان عليه الوضع في مراحل انطلاقة التعليم النظامي القديم وتعليم اللغة العربية في عقود الستينيات والسبعينيات وما سبقها في العصر الحديث.
كما أن غياب النموذج والقدوة والمرشد الأمثل للطلبة، في الترغيب بحب اللغة والتعويد على القراءة والاطلاع، بأساليب وطرائق جاذبة ومحفزة، إلى جانب غياب الدعم واتخاذ القرار اللازم، لوضع استراتيجية شاملة لمشروع دولة القراءة، وإثراء المكتبات كافة بالمقتنيات من الكتب والدوريات، خاصةً المجلدات التاريخية القيمة والمخطوطات النادرة في التراث العربي، وقصص الأطفال وكتيبات الناشئة وكتب الشباب الهادفة، التي من شأنها تشجيع القراءة ورفع حصيلة المعرفة وتحسين اللغة بحسن القراءة وتحسين الأسلوب وإنارة العقول وتهذيب النفوس، وغيرها من فوائد جمة. كل هذا أدى إلى تحديات تواجه اللغة.
تحديات خارجية
إن في توحد إمكانات وطاقات وموارد العرب البشرية والثقافية والدينية، قوة ضاربة تخشاها الكثير من الدول والأمم التي قامت واستفادت من معطيات الحضارة العربية الإسلامية وموارد العرب ومزايا موقعهم الجغرافي وثروة تراثهم المادي واللامادي.
لذا وضع العالم المتقدم تدابير سياسية وأيديولوجية لتفريق شمل الأمة العربية ومحاولة عزلها وإضعاف قوميتها وإضاعة فرص توحّدها وتعاونها، والتقليل من شأن مشاركتها الجماعية في العمل التنموي والبنائي للمجتمعات المتحررة والناهضة إلى العصر الحديث، عصر التقدم والتطور والتعايش السلمي، وبدأت المحاولات الناجحة إلى حد بعيد في تعمّد إضعاف اللغة العربية وتحجيم مكانتها ودورها في الإسهام الرئيس في صنع الثقافة العربية، وكان الاستعمار والهيمنة والتدخل السافر في شؤون الأمة العربية الداخلية، بتعمّد ضرب أعضاء الجسد الواحد من خلال إثارة الفتن والحضّ على العدوان ونشر عنصرية المذاهب والأديان بين العرب فيما بينهم وبين محيط إقليمهم الجغرافي.
وتلك كانت هجمة شرسة لجعل اللغة العربية متأخرة وضعيفة، وغير قادرة على استيعاب ومواكبة وتلبية واقع ومستقبل التقدم العلمي والتقني للدول الكبرى.
بينما انعكست هذه الحال بمؤثراتها السلبية على الثقافة المحلية وبالطبع على اللغة العربية وخصائصها الذاتية المنيعة للعرب، وبدأت تتبلور تحديات خارجية تواجه اللغة العربية والثقافة المحلية، وهي كالتالي:
- تعرّض اللغة العربية من خلال علاقتها وارتباطها الوثيق بالثقافة المحلية كما هو في الثقافة العربية والإسلامية، إلى حملة واسعة النطاق من التغريب، ومحاولات لتفتيت الهوية والانتماء للعروبة والاعتزاز باللغة العربية.
ولهذه القضية مظاهر جلية مؤسفة بما تتعرّض له لغتنا الجميلة والغنية من إساءة وإضعاف من خلال التشدق باللغة الإنجليزية لمن يجيدها، وحرص واهتمام عدد كبير من أولياء الأمور بإدخال أبنائهم المدارس الأجنبية التي تعتمد بالتعليم بشكل رئيس على اللغة الإنجليزية.
وتتباهى بعض الأسر بحصيلة ما يتمتع به أبناؤها من إجادة وطلاقة في الحديث باللغة الإنجليزية، في حين لا يوازي ذلك التباهي والاعتزاز بمدى تأسيس أبنائها على إجادة اللغة العربية، وفي واقع يعاني معظم طلبتنا ضعفًا شديدًا في قواعد الكتابة والتعبير والقراءة باللغة العربية.
- تأثير التقدم السريع والشامل المذهل في التكنولوجيا، واستخداماتها التي أصبحت اليوم في متناول اليد، سواء عبر الأجهزة والحواسيب أو الوسائط اللوحية المتعددة أو تلك المتمثلة في الهواتف المحمولة، والتي تتمتع بمزايا كثيرة للتواصل الاجتماعي وتناقل المعلومات والأخبار ونشر الصور والأفلام بسهولة وسرعة ودقة في نقل الرسائل والصور وغيرها.
وقد أدى هذا التأثير إلى تراجع القراءة عند فئة الأطفال والنشء والشباب بشكل كبير جدًا في مجتمعنا، والعزوف عن زيارة المكتبات، والاعتماد على الكتّاب كأحد أهم مصادر المعرفة ومكوّن رئيس للثقافة، التي لا ترفعها فقط المنشورات الإلكترونية من الكتب والدوريات والصحف والمدونات الشخصية، فالكتب كانت ولا تزال الرافد الرئيس للثقافة والعلوم والآداب، والكتب مكمن المعرفة وذاكرة الأمم بما تحمله من الإنتاج الفكري والتراثي عبر السنين.
تكنولوجيا المعلومات
يمثّل الاقتحام السريع لتكنولوجيا المعلومات على الكتب الورقية، أحد أهم التحديات التي يجب علينا في قطاعات التربية والتعليم والتنشئة الأسرية والمجتمعية، التعامل معها بحذر وذكاء، فالجيل الجديد مولع باستخدام البرامج الإلكترونية، ويتقن استخدامها ويعتمد عليها في الدراسة والتحصيل العلمي، ويتمكن فيها من البحث عن مصادر المعرفة والمطالعة السريعة والسهلة في الوصول إليها.
لذا، فإن المسؤولية والتحدي اللذين يواجهانا يكمنان في كيفية الترغيب والتحفيز لقراءة الكتب المناسبة لأعمار الأطفال والناشئة والشباب، وما يستهويهم من الكتب الهادفة والنافعة. وفي هذا الاتجاه علينا أن نحسن الرقابة والانتباه إلى أبنائنا، وإن كان بشكل تدريجي قابل للزيادة في الوقت والكم والنوع لما يطلعون عليه يوميًا من منشورات إلكترونية.
- إن أزمة اللغة العربية هي نتاج طبيعي لأزمة الوضع العربي الراهن، وتأثير انعكاساته السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية على الشعوب العربية، حيث تسود في أجزاء كبيرة من الصحاري والأرياف والمناطق البعيدة عن المدن، الجهل والفقر وضعف التواصل الثقافي والإعلامي ومحدودية تناقل المعرفة والمعلومات مع الآخرين (ناقلي الفكر والمعرفة) ومدى قدرة أهل المدن على التأثير الإيجابي في تحسين الأوضاع المعيشية والتعليمية والثقافية للمنفصلين عنها.
- إن من أهم التحديات الخارجية التي تواجه الأمة العربية بثقافتها المتعددة في الدول العربية، هو موضوع مواكبة العولمة، ويتمثّل هذا الأمر في كل مستويات الهرم الأممي للدول والشعوب العربية، وتفعيل مدى قدرتها وتأثيرها على العالم الآخر.
فاللغة العربية التي حباها الله بثروة هائلة في إمكانات تشكيل الحروف والجمل وصياغة التعبير والإنشاء وقدرة الإقناع والحجة، واستنادها على قاعدة صلبة من تاريخ عربي حافل بالعطاء والمجد الثقافي والعلمي في مختلف المجالات.
ومن أهم المهام التي علينا أن نوليها ونضعها في الاعتبار، تتركز في ماهية التخاطب والتحاور، عندما يصدر من فكر راجح وعلم منير وثقافة منفتحة، عندها نتمكن من توظيف واستثمار ما تتمتع به من مزايا وخصائص في الحوار اللائق والمقبول بين الأمم والشعوب على مختلف المستويات الرسمية والشعبية.
والواقع في المشهد الثقافي العربي يوضح أنه لم يتمكن بعد هذا الواقع، من النجاح في التعبير الصادق عن المزايا النوعية العالية للثقافة العربية الرصينة والمقومات التي صنعتها وشكّلتها عبر عصور مضت، ولازالت نسبة إسهاماته وتفاعله في العولمة الثقافية ضعيفة ومحدودة.
يذكر أن التعامل مع الثورة المعلوماتية والتكنولوجية يجب أن يتم بذكاء وانفتاح مدروس ومقنن ومنظم، فبعض الدول العربية تحقق نجاحًا عمليًا في إطلاق مشاريع ومبادرات تكنولوجية لتعريب اللغة المستخدمة واعتماد العربية فيها، وكانت الكويت رائدة في تعريب برامج الكمبيوتر المخصصة بشكل مباشر للأطفال والناشئة والشباب.
اللغة والحركة الثقافية
العلم قوة والأمم التي تمتلك القوة تحظى بالاحترام والتقدير، ومصدر علومنا نحن العرب في قدرة لغتنا العربية الرائعة، وعلينا مسؤولية تاريخية في نشر الثقافة العلمية العالمية القديمة والحديثة، في إصدارات عربية مترجمة مبسطة، تحاكي الصغار والشباب والكبار بهدف نشر الثقافة المجتمعية بروح عربية.
وهذا الهدف السامي سيسهم في جعل الجميع يفهمون واقعهم وحياتهم وما يحيط بهم من تطورات وأحداث وتقدّم علمي ومعرفي وتقني في عديد من الميادين الحضارية والإنسانية.
ومن المهم أن يقوم علماء اللغة وأعلامها باستخدام مختلف وسائل ومكونات مصطلحات اللغة لكي تتناسب مع واقع العالمية والانفتاح اللغوي، مثل وسائل التعريب والترجمة والاشتقاق والمجاز وإثراء المحتوى اللغوي العربي، حيث إن اللغة العربية من أقدم لغات شعوب الأرض، تناقلتها أجيال عبر أجيال محافظة على مخزون عربي ثريّ من الحضارة الإنسانية، وكلما زاد قدر الحفاظ على مكونات اللغة العربية الأصيلة في علوم اللغة وقواعد النحو والبلاغة والتعبير، وفنون اللغة العربية الجميلة في نظم الشعر وصياغة النثر والخطابة، أدت اللغة العربية دورها بفعالية وقوة.
لقد تأثر الغرب والشرق، إلى حد بعيد، باللغة العربية والمؤلفات والكتب، التي كتبت بعقول عربية يشار إليها بالبنان في شتى صنوف العلوم والمعارف، نهلوا منها لتتقدم شعوبهم ودولهم، واستفادوا منها في حركة الترجمة والتأليف والنشر والبحث العلمي.
ومن الأهمية بمكان للغة العربية أن يتضاعف زخم عطائها وإنتاجها للمؤلفات العلمية الحديثة والثقافة بشكل عام لمواصلة واستمرار العطاء دون انقطاع، كما نشهد ذلك حاليًا من وجود أزمة ثقافية في مستوى وكمّ ونوع الإنتاج باللغة العربية في المكتبات، والإسهام أكثر في ركْب التقدم الحضاري العالمي القائم على الثقافة والعلم والمعرفة، والمتسم بالانفتاح والتفاهم والتعاون العالمي.
وتؤكد حقائق التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر قدرة اللغة العربية على مجاراة الثورة التكنولوجية بتطويعها وتعريبها لتصبح لغة معتمدة في برامج الحاسوب، وتشكّل مصطلحاتها أداة استخدام نافعة وفعالة في استعمال الحاسوب بكل يُسر وسهولة، حتى انتشرت البرامج والحواسيب المعتمدة على اللغة العربية وتكاثرت.
واللغة العربية ملهمة العطاء والإبداع الثقافي لمن يتذوقها ويعجب بمفرداتها المعبّرة، ويتمكّن من إجادتها بالقدرة على استخدامها وتوظيفها في تدفّق أفكاره وتحسين أسلوبه وتحفيز إنتاجه.
اقتراحات مناسبة
تتدافع اقتراحات وحلول عدة لمعالجة قضية ومشكلات العلاقة الوطيدة بين اللغة العربية في حاضرها ونتاجها الثقافي، وسمات وملامح صورة الواقع الثقافي المحلي في الإطار العربي الذي نعيشه اليوم.
وعلينا إدراك الحقيقة وتأكيد الثوابت التي ترشدنا إلى وضع الحلول الناجحة، بكل شفافية وصراحة ووضوح.
وفيما يلي عرض مقترح للحلول التي نجدها مناسبة لمعالجة هذه القضية نوجزها في النقاط التالية:
- المستقبل يبدأ في الاهتمام والعناية المبكرة من أطفال الحاضر، والغرس الجيد في التربية والتعليم، يجنيه الجيل اللاحق بنتائج أفضل، وهكذا يتوالى بقدر العطاء والاهتمام المتكامل في عملية التربية والتعليم، ويندرج تحت عنوان الاهتمام والمثابرة في رفعة قدر ومكانة اللغة العربية، وتطوير مهارات أبنائنا في علم اللغة العربية، وذلك من خلال التوعية الأسرية وتحفيز الأطفال والناشئة على القراءة باختيار الموضوعات التي تعجبهم وتناسب ميولهم وأعمارهم، ومساعدتهم على القراءة العربية الصحيحة والفهم وأخذ العبر والقيم المستهدفة من قراءة القصص والكتب المفيدة، ورعاية وتشجيع لبوادر الظاهرة والمواهب الشابة في التميّز عن أقرانهم وإخوانهم في محيط الأسرة، من حيث تمكّنهم من الإجادة باللغة العربية قراءة وكتابة وتعبيرًا وقولًا.
- دور المدرسة في استكمال دور البيت والتعاون مع الأسرة في اكتشاف وتشجيع المواهب (استطرادًا للنقطة السابقة) والعمل معًا على احتضان ورعاية الأطفال والناشئة والشباب المتميزين. وقد سبق التطرق إلى ضرورة تطوير مناهج اللغة وتحديثها والتركيز على اللغة العربية في الأنشطة والمسابقات المدرسية، وإشراكها مع الفعاليات المجتمعية، إلى جانب تعويد الطلبة والطالبات وحثّهم بطرق محببة ومقنعة لهم على زيارة المكتبة المدرسية والمكتبات العامة بشكل دوري منتظم.
- حماية اللغة العربية هي حماية عن الكيان والوطن والهوية، والدفاع عنها هو دفاع مشروع عن المكتسبات والتراث والتاريخ الحضاري المشرف.
لذا على المؤسسات التعليمية، مثل الجامعات والكليات المتخصصة والمعاهد العليا، كما على المؤسسات الثقافية والمكتبات بجميع أنواعها، مسؤولية كبيرة في المشاركة المتعاونة والمستمرة بالعمل المخطط والمنظم لتطوير وتفعيل مستوى اللغة العربية، ورفع قدرها ومكانتها التاريخية إلى العصر الحاضر والمستقبل بأساليب حديثة تواكب الثورة التقنية والمعلوماتية وسعة نطاق مستخدميها، خاصة من فئة شبابنا وأطفالنا.
مسؤوليات مشتركة
في محصلة الختام نعود إلى نقطة البدء، فعلينا جميعًا مسؤولية مهمة وجديرة بالعناية والحرص الشديدين على تحقيقها على أرض الواقع، في ميادين المسؤولية التي يجب أن تصدر من الفرد والجماعة والدولة، وفي مقدمتها الاهتمام بإبراز تاريخ التراث العربي الإسلامي فكريًا ومعنويًا، والتركيز على التراث المادي الذي خلّفه لنا علماء العرب وأدباؤهم، المتحلّين بالقيم والسمات والأخلاق العربية الفاضلة، وهي منبع الإلهام في العطاء الثقافي، والبيئة الخصبة الحاضنة لمزيد من التحفيز على الثقافة وزيادة أعداد المثقفين في المجتمع، الذي يقوم على التسامح والتقارب والتفاهم ومشاعر الأخوّة والرغبة الأكيدة في زيادة حصيلة الوعي والإدراك والمعرفة عند الجميع.
على أن يتوازن هذا النموذج المثالي والقدوة الحسنة المحفزة للحراك الثقافي، مع الاهتمام أيضًا بالتراث الثقافي الوطني والأعمال الكويتية المتميزة، وإسهام رواد الثقافة والعلوم والآداب الكويتيين الكبير في العطاء للساحة الثقافية منذ وقت مبكر، مما دفع بهذه الجهود النهضوية لتوعية المجتمع وتنويره وتطلّع أبنائه للعلم والبحث عن المعرفة منذ القدم.
أما اللغة العربية فلها شأن عظيم لو اعتمد عليها أداة لتقوية ودعم التضامن العربي، فهي لغة خالدة تستمد قوتها من ديمومتها النابعة من القرآن الكريم.
إن في تطبيق واستخدام النشر اللهجات المحلية بين الدول العربية في مختلف المحافل والمؤتمرات واللقاءات، وعبر وسائل الإعلام والاتصال الجماعي، إضعاف وتفريق لشمل الناطقين المنتمين إلى عقيدة راسخة واعتزاز بلغة القرآن الكريم.
إنها لغة حيّة واندماجية مع اللغات الأخرى، قادرة على تلبية متطلبات الثقافة وآفاقها المستقبلية التي يمكن أن يستوعبها ويتأثر منها الغرب والشرق.
وستبقى لغة ذات جذور وأصول وفروع قوية، قادرة على مواجهة التحديات والتيارات المغرضة جميعًا .