ذكريات الكتاب الأول

ذكريات الكتاب الأول

كان كتاب «الصورة الفنيّة في التراث النقدي والبلاغي» هو أول كتاب أطبعه في حياتي العلمية، بعد أن انتهيتُ من الحصول على درجة الدكتوراه في يونيو 1973، وكنتُ قد حصلتُ قبل ذلك على درجة الماجستير سنة 1969 عن «الصورة الفنية عند شعراء الإحياء في مصر».  ولحُسن الحظ أنني لم أطبع أطروحة الماجستير هذه، وأنها لم ترَ النور إلا بالمصادفة البحتة. فقد كانت د. سهير القلماوي وقتها رئيسة مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتحرّجتُ في تقديم الكتاب إلى الهيئة التي ترأسها أستاذتي، لكن د. عبدالمحسن طه بدر ألحَّ عليَّ في أن أتقدم بالأطروحة للنشر، وتحدث مع د. القلماوي في ذلك الموضوع، الأمر الذي دفعها إلى أن تطلب منِّى تقديم الأطروحة إلى الهيئة، التي دفعت لي مقابلها مبلغ خمسة وثلاثين جنيهًا كاملة، مقابل نشر الكتاب الذي امتلكت الهيئة كل حقوق النشر فيه. 

 

تباطأت الهيئة في النشر بسبب البيروقراطية التي لا تزال تتحكّم بأغلب الأجهزة الحكومية في العالم العربي. 
ولحُسن الحظ كان انشغالي بأطروحة الدكتوراه كبيرًا، الأمر الذي ترتَّب عليه نسيان المخطوط النائم في أضابير هيئة الكتاب إلى اليوم، وكان هذا من حُسن حظي؛ ذلك لأن السنوات التي عملتُ فيها للانتهاء من أطروحة الدكتوراه وما تلاها من نشاطٍ علمي، شغلتني عن نشر أطروحة الماجستير، بل ودفعتني إلى تغيير رأيي فيما كتبتُه فيها. 
وأذكرُ أنني عندما كتبتُ هذه الأطروحة كنتُ واقعًا تحت تأثير أستاذي الراحل عبدالعزيز الأهواني، الذي كان يرى في مقدمة أحد كُتبه أن درس التراث العربي، خصوصًا في مراحله التقليدية، ينبغي ألّا يدرس بالطريقة الحديثة، فيبحث عن الجوانب الوجدانية فيه، أو كيفية تعبير الشاعر عن نفسيته أو عصره أو عن مجتمعه، بل الأفضل هو البحث عن علاقة هذا الشعر المتأخر بالتراث الشعري الذي سبقه. 
فقد كان الشِّعر العربي في عصوره التقليدية يتبع بعضه بعضًا، ويقلّد الشعراء اللاحقون السابقين، فضلًا عن أن الشعراء المتأخرين لم يعيشوا في عصورهم أو يتأثروا بالحياة حولهم، بل كانوا يتبارون في محاكاة دواوين الشعراء الأقدمين والتنافس معها، غير عابئين بالتعبير عن نفوسهم الفردية، ولا حتى بالتعبير عن بيئاتهم أو عصورهم. 
ولذلك لم يكن من همٍّ لشعر الغزل المتأخر سوى أن يُحاكي أو يتفوق على شعراء الغزل المبرزين، ابتداء من امرئ القيس إلى أبي نواس، وهو الأمر الذي ينطبق على غير الغزل من أغراض القصيدة القديمة التي ظلت تقليدية إلى عصر الإحياء. 

الإحياء الشعري
كان أستاذي الأهواني يرى في كتابه: «ابن سناء المُلك ومشكلة العقم والابتكار في الشعر»، أنه من الأفضل مع هذه الأوضاع، أن ندرس الشعر المتأخر بوصفه سبيكة تتركب من عناصر تعود بدورها إلى الشعر السابق عليها، ومن ثمّ فإن مبحث السرقات يكون له الأولوية في درس قصائد «الإحياء الشعري».
ومن المؤكد أن مصطلح «الإحياء الشعري» ذاته، يؤكد علاقة اللاحق بالسابق، وهي العلاقة التي كان يتغنَّى بها شعراء الإحياء من أمثال حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وأحمد نسيم في مصر، ومن أمثال الزهاوي والرصافي في العراق.
ولقد بلغ إعجابي بما طرحه أستاذي الأهواني في كتابه «ابن سناء المُلك»، درجة محاولة تطبيق منهجه على شعراء الإحياء بشكلٍ كاملٍ وشبه حَرفي. لكنني لم أنتبه لفرط حماستي لأطروحة أستاذي إلى أنني قد اقتصرتُ على دراسة الجانب التقليدي لدى شعراء الإحياء في مصر، بل إن تقبّلي لمصطلح «شعراء الإحياء» نفسه قد ضلّلني، فاقتصرتُ على الجانب التقليدي من شعر المدرسة التي امتدت بين 1798 إلى نهاية الحرب العالمية الأولى، والتي كانت وفاة أحمد شوقي في مصر عام 1932 بمنزلة النهاية الرسميّة لها. 
ومن الثورة على طريقة «الإحياء» ظهر التمرد على التقاليد، وانبثق شعر الوجدان الفردي موازيًا لظهور النزعة الليبرالية في الفكر العربي.

تأثير ملحوظ
كانت هذه المراجعة مِنِّى لأفكاري التي بنيتُ عليها أطروحتي للماجستير عائقًا يحول بيني وبين العجلة أو التحمّس لنشرها. ولذلك تركتُها في أضابير الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفي مخازن الرسائل الجامعية بمكتبة جامعة القاهرة، ولم أتحمّس لنشرها.
وعندما عرض علىَّ زميلي د. مصطفى 
لبيب - رحمه الله - أن ينشر أطروحة الدكتوراه عن «مفهوم الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي» وافقتُ على ذلك، وبالفعل ظهرت الطبعة الأولى من هذه الأطروحة عام 1974 عن دار الثقافة بالقاهرة. 
ولحُسن الحظ كان لصدورها تأثير ملحوظ في البلدان العربية، وخصوصًا في المغرب العربي؛ أعني تونس والمغرب على وجه التحديد. فقد كانت جديدة في مجالها، وأذكر أنني عندما ابتدأت العمل فيها سنة 1970، لم يكن هناك كتاب بالعربية عن «الصورة الشعرية» أو «الصورة الفنية»، سوى كتاب واحد هو «الصورة الأدبية» للراحل د. مصطفى ناصف، الذي أصدره سنة 1958. 
ومن المؤكد أن اهتمامي بمجال «الصورة الشعرية»، كان جزءًا من الاهتمام المبكر بضرورة تأكيد دراسة الجوانب الفنية في الشعر، الذي كنا ولا نزال نراه ديوان العرب،
ولم يكن الاهتمام قد تحوَّل منه إلى «زمن القص»، كما حدث بعد ذلك. وقد كانت الستينيات والسبعينيات هي «زمن الشعر»، الذي وصل فيه الشعراء المجددون من أمثال صلاح عبدالصبور (1931 - 1981)، وبدر شاكر السياب (1926 - 1964) وأدونيس (1930 - ...)، وعبدالوهاب البياتي (1926 - 1999) إلى ذروة إبداعهم الذي ظلّ متوهجًا إلى نهاية السبعينيات، خصوصًا بعد أن أُضيف إليه وهج شعر المقاومة الفلسطينية الذي مثَّله باقتدار محمود درويش (1941 - 2008).

فنّ لغويّ متميز
كان الاهتمام بالصورة الفنية الشعرية جزءًا من الاهتمام بفنية القصيدة أو الخصوصية النوعية الجمالية، التي يتميز بها الشعر من حيث هو بنية جمالية قائمة بنفسها، خصوصًا من حيث هي تركيب لغوي ينبني على الوزن والإيقاع من ناحية، وعلى دلالات الكلمات المترابطة في علاقات غير عادية، يصنعها الخيال من ناحية موازية.
وأذكرُ أنني بسبب إدراكي المبكِّر لهذه الأشياء، نشرتُ دراستي عن «تطور الوزن والإيقاع في شعر صلاح عبدالصبور»، في مجلة المجلة، (القاهرة، فبراير 1969م). وهي دراسة كنتُ قد أنهيتُها خلال السنة التمهيدية السابقة على التسجيل للماجستير سنة 1966، ونشرتُها بعد ذلك بـ «المجلة».
وأظن أن هذا الاهتمام هو ما جعلني أبدأ بالتركيز على الخصائص النوعية للشعر من حيث هو فن لغويّ متميز. وقد بدأتُ هذا المشروع بالتركيز على شعراء الإحياء؛ لأنهم البداية، لكنني قضيتُ سنوات الماجستير في دراسة صورهم الشعرية، بيد أنني في أثناء دراستي لصورهم الشعرية أدركتُ علاقاتهم الوثيقة بتراثهم الشعري، ومن ثمّ كان عليَّ أن أنتقل من شعراء الإحياء إلى أسلافهم القدماء، وأدرس مفهوم الصورة الشعرية أو الصورة الفنية كما كانت تسميها أستاذتي القلماوي، تعريبًا للمصطلح الإنجليزي Imagery. 
هكذا دخلتُ في عالم التراث العربي، أبحث عن مفاهيم الصورة الشعرية وأصل بينها وبين مفاهيم الخيال، فالعلاقة بين الصورة الشعرية والخيال الشعري واضحة على مستوى النقد الغربي، حتى في الاشتقاق. 

بين «الفنية» و«الأدبية»
فكلمة صورة Image التي تدلّ على Poetic image، التي تدل على الصورة الشعرية، لها علاقة وثيقة بكلمة Imagery، التي تدل على نوع الصورة الشعرية بوجهٍ عام، ولذلك كانت أستاذتي د. القلماوي تؤثر ترجمتها بـ «الصورة الفنية»، بينما يؤثر د. ناصف ترجمتها بـ «الصورة الأدبية».
وكنتُ أنا أقرب إلى ترجمة «الصورة الفنية» أكثر من ترجمة «الصورة الأدبية»؛ لأنني كنتُ أعلم - ولا أزال - أن هناك ما يسمّى بـ «الصورة الأدبية» أو «القلمية» التي يمكن أن يكتبها كبار الأدباء، أو النقادُ، أو المؤرخون عن هذا الكاتب أو ذاك، تحت عنوان «لوحة قلمية» أو «صورة أدبية». وهو معنى يبعدنا كثيرًا عن الصورة الشعرية التي تدل في اشتقاقاتها على الأصل الذي يصنعها، وهو الخيال، فكلمة Image ذات صلة بمصطلح الخيال Imagination. 
وكانت النتيجة أنني عملتُ بجد واجتهاد مدة خمس سنوات في قراءة التراث النقدي والبلاغي كله، لكن من منظورٍ جديدٍ، هو منظور العلاقة بينه وبين كتابات الفلاسفة والمتكلمين؛ ذلك لأني أدركتُ منذ البداية أن دراسة العلاقة بين الصورة الشعرية والخيال هي علاقة بالغة الأهمية، ولذلك كان عليَّ أن أعود إلى دراسة ما كتبه الفلاسفة عن الشعر وما كتبوه عن الخيال.
وأعتقد أن هذا الجانب كان مصدرًا للجدة في أطروحتي للدكتوراه، وهي الجدة التي لفتت إليها الأنظار مع جوانب أخرى كثيرة ظهر فيها تأثري بمدرسة النقد الجديد New criticism التي قادتني بدورها إلى دقائق الدرس البلاغي والنقدي في التراث العربي. 
وهو التراث الذي تتداخل علاقاته ودوائره وجوانبه التي لا ينفصل واحد منها عن غيره، فهو تراث متضافر الحلقات، متداخل الجوانب لا يمكن أن تدرس جانبًا فيه إلا ويقودك إلى غيره من الجوانب. 

حدث أدبي
لذلك كانت مناقشة أطروحتي للدكتوراه - فيما أذكر- بمنزلة حدث أدبي حضره كثير من المثقفين الكبار والصغار الذين أخذوا يعرفونني، خصوصًا بعد نشري مقالتي عن «تطور الوزن والإيقاع في شعر صلاح عبدالصبور»، التي لفتت الأنظار إلى حضوري باعتباري ناقدًا واعدًا في مجال الدرس الفني لجماليات الشعر والقراءة الفاحصة له على وجهِ التحديد.
ولذلك تحمّس صديقي الراحل مصطفى لبيب - وكان زميلًا لي، يعمل معيدًا في قسم الفلسفة، وكان يشارك أحد أقربائه في امتلاك دار صغيرة للنشر - لنشر أطروحتي للدكتوراه. وبالفعل قام بطبعها ونشرها، وما إن طُبعت أطروحة الدكتوراه حتى أخذت أيدي القرّاء تتداولها، خصوصًا في منطقة المغرب الكبير في تونس والمغرب الأقصى، كما سبق أن قلتُ.
ومن الطريف أن صديقي لبيب - يرحمه الله - لم يُعطني مليمًا واحدًا مكافأة على هذه الطبعة، وإنما أعطاني ما هو أهمّ من ذلك، ألا وهو عدد من المراجع الأساسية كنت أفتقدها، مثل الطبعة الأوربية لـ «الفهرست» لابن النديم، وغيرها من الطبعات الأوربية لعدد من أمّهات التراث العربي. 
وقد فرحتُ بهذه الكتب الأصول، وأنستني فرحة الحصول عليها أن أطالب صديقي لبيب بحقوق النشر. لكن سرعان ما عوَّض ذلك إقبال الناشرين على طبع هذا الكتاب الذي أذكر أنه طُبع ما يزيد على ست أو سبع مرات منذ أن ظهرت طبعة دار الثقافة سنة 1974، وتلتها طبعة دار المعارف سنة 1980، ثم طَبعتا دار التنوير سنة 1983 و1985، وظلت الطبعات تتوالى إلى أن ظهرت طبعة المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء عام 1992م. 

طبعات متكررة
الحق أنني لا أزال أذكر باعتزاز وفرح، طبعات كتاب «الصورة الفنية» المتكررة على امتداد الوطن العربي، بل لا أزال أذكر باسمًا أنني عثرتُ على طبعة مزورة من ناشر سوري نشرها دون أن أعلم، ووجدتُها تُباع في معرض الكويت الدولي للكتاب سنة 1985، فاشتريتُ منها نسخة، وحاولتُ أن أعلم مَنْ هو الناشر، فلم أعرفه إلى اليوم. 
ومن الأشياء التي لا أنساها، أن هذا الكتاب قد وجَّه تلميذتي وصديقتي العزيزة الراحلة ألفت الروبي، إلى أن تواصل الكشف في المناطق الجديدة المجهولة التي فتحتُ آفاقها في أطروحتي للدكتوراه، وقامت بعمل دكتوراه متميزة عن «نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين من الكِندي حتى ابن رشد»، وقد أصبحت أطروحتها كتابًا معروفًا ومهمًّا لا نزال نتداوله إلى اليوم.
الطريف أنني تركتُ مجال التراث البلاغي والنقدي كله عام 1977، حين ذهبتُ إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى، وقضيتُ عامًا كاملًا في دراسة المذاهب والاتجاهات النقدية الجديدة أو الحداثية، ابتداء من البنيوية اللغوية والبنيوية التوليدية مرورًا بمدرسة التفكيك لجاك دريدا، وليس انتهاء بنظريات ما بعد الاستعمار واتجاهاته التي هي تطوير لجهد المدرسة التاريخية الحديثة.
المُضحك في الأمر أنني أكتبُ عن ذكريات كتاب «الصورة الفنيّة»، وبحثتُ عن نسخة منه في بيتي، فلم أجد نسخة واحدة منه، وهو الأمر الذي دفعني إلى أن أحث الهيئة المصرية العامة للكتاب على إعادة طبعه من جديد.

مغايَرة ومخالَفة
ولا أزال، إلى اليوم، أذكر الساعات التي تمَّت فيها مناقشة هذا الكتاب بوصفه أطروحة للدكتوراه. وكانت لجنة المناقشة تتكون من ثلاثة من الأساتذة الذين أعتز بكل واحد منهم أشد الاعتزاز، وهم د. القلماوي بوصفها مشرفًة على الأطروحة، ود. عبدالقادر القُط بوصفه مُناقِشًا خارجيًّا، ود. حسين نصار بوصفه مُناقِشًا داخليًّا، إذ كان أستاذًا في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة.
وأذكر أنه كان حاضرًا في المناقشة د. عبدالغفار مكاوي، ود. عزالدين إسماعيل وغيرهم من الأساتذة والمثقفين، وكان مدرج 78، وهو أكبر مدرجات كلية الآداب بجامعة القاهرة مُزدحمًا بعشرات المثقفين الذين حضروا ليروا هذه المناقشة التي انطوت على نوعٍ من المغايرة والمخالفة التي كانت علامة على ظهور جيلٍ جديد واعد، ظهر نتيجة جهود الأجيال السابقة التي تمتد من الأساتذة المناقشين إلى الأساتذة السابقين عليهم من أساتذتهم الذين كان على رأسهم د. طه حسين والأستاذ أحمد أمين، وغيرهما من الأساتذة الكبار الذين أعدّ نفسي حفيدًا لهم.
ويعرف كثير من قُرائي أنني أصف نفسي بأني حفيد لطه حسين، فأساتذتي ابتداء من القلماوي مرورًا بنصار، وليس انتهاء بشكري عياد، كلهم تلامذة طه حسين أو أبناء الرأس، كما كان أمين الخولي يصف تلامذته بأنهم أبناء الرأس، لكي يُميِّزهم عن أبنائه بالدم، ولذلك فأنا ابن بالرأس لهؤلاء الأساتذة الكبار، وحفيد لجيل أساتذتهم الذين علَّمونا الكثير.
ولعل أهم ما علَّمونا إياه هو البحث عن الجديد في المنهج، وفي النظر إلى الأدب وطبيعته المتغيرة. وأحسبني مَدينًا لهم جميعًا بالقدرة على الانتقال عبر مراحل مُتعاقبة في الزمن، ولكن غير متناقضة في الاتجاه.

احتفال دولي
ويبقى أن أُضيف كلمة أخيرة عن أطروحة الماجستير، فقد عدتُ إليها عندما كنا نحتفل بمرور 50 عامًا على وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي، وكان ذلك سنة 1982، وكان احتفالًا دوليًّا في القاهرة، وكنتُ أيامها أشغل منصب نائب رئيس تحرير مجلة فصول. وقد أعددتُ لهذا المؤتمر القومي الضخم بحثًا بعنوان: «الشاعر الحكيم، قراءة في شعر الإحياء»، تغيّرت فيه نظرتي إلى أحمد شوقي، وقد قرأته مرة ثانية مؤكدًا على النمط الخاص به، الذي ينطبق على مَن يماثله من شعراء الإحياء، وهو المصطلح الذي كففتُ عن استخدامه؛ لأنّي أراه مُصطلحًا مُضلِّلًا يلهينا عن رؤية الجانب الجديد، واستبدلت به المصطلح القديم، وهو «شعراء النهضة».
وقد أضفتُ إلى هذا البحث بحثًا آخر عن «الأعمال الشعرية الكاملة لمحمود سامي البارودي من منظور مغاير»، لا يركّز على الجانب التقليدي وحده، بل على كلا الجانبين؛ القديم والجديد.
 ووصل بي الأمر إلى أن استغل النقد ما بعد الحداثي في إعادة النظر إلى شعر الإحياء، وكان ذلك في مقال بعنوان «التناصّ في الشعر الإحيائي» استخدمت فيه مفهوم جوليا كريستيفا عن هذا المفهوم الذي كان واعدًا في مطالع الثمانينيات. 
وقد أضفتُ هذه الأبحاث إلى أطروحتي القديمة للماجستير بعد تحويلها إلى مقالات مُعدَّلة تغيّرت صورتها في صياغات جديدة نشرتها هذه المجلة في عامي 1996 و1997، وقد نشر ذلك كله في كتاب بعنوان: «استعادة الماضي» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2001.
 لكن هذا الكتاب الذي هو تجديد لأطروحة الماجستير لم يلقَ من عناية القراء وانتباههم ما لقيته أطروحة الدكتوراه «مفهوم الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي»، التي لا يزال يطلبها منِّي القراء والناشرون على السواء. 
لذلك يظل كتاب: «مفهوم الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي» هو كتابي الأول الذي أُكنّ له الحب بوصفه الابن الأول، ونتيجة الحب الأول في الحلم. أعني الحب الذي وصفه أبو تمام بقوله:

نقِّلْ فؤادكَ حيثُ شئتَ من الهوى      
ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأوّلِ
كمْ منزلٍ في الأرضِ يألفُه الفتى
وحنينُه أبدًا لأوّلِ منزلِ ■