للثقافة قائد أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد مؤسس النهضة الثقافيه الحديثة

للثقافة قائد  أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد مؤسس النهضة الثقافيه الحديثة

في يوم أليم وحزين، فُجعت الأمتان العربية والإسلامية والعالم أجمع بوفاة المغفور له بإذن الله تعالى، سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي لم يكن فقط أميرًا لدولة الكويت، بل قائدًا للعمل الإنساني الدولي، وزعيمًا حكيمًا ومحنّكًا في العمل السياسي والدبلوماسي البنّاء من أجل ترسيخ وتدعيم السلام والتعايش الإنساني والتسامح والتعاون الدولي.
 ففي يوم التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي، رحل قائد ركب التنمية والرخاء والخير والعطاء عن عالمنا إلى جوار ربه، رحمه الله وأناله خير الجزاء، على صنائع المعروف التي أرسى أركانها في مختلف مناحي الحياة بدولة الكويت وفي الكثير من البلاد العربية الاسلامية، وإذ نسأل الله لسمو أميرنا الراحل واسع المغفرة والرحمة والرضوان، وأن يكون مثواه الأخير فسيح الجنان، فإن منطلق دعوانا فيما قدّمه بحرص شديد وإنجاز فعّال، لتلك الأعمال الجليلة في خدمة الإنسانية والجهود المتفانية في مشاريع الخير، والتضامن مع الشعوب المتطلعة إلى مدّ يد العون والغوث والمساعدة إلى المنكوبين والمعوزين والمحتاجين للحياة البشرية الكريمة.
أسس الحاكم الخامس عشر لدولة الكويت، سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد (2006 - 2020) لحياة ثقافية وإعلامية جديدة لدولة الكويت، قوامها الاعتماد على الإرث الإصلاحي والتنويري المبكر في المجتمع الكويتي، باتجاهات فكرية جديدة ومتفتحة، مقبلة على نور العلم ونشر المعرفة وتذوق الآداب الرصينة والفنون الأصيلة.

معاصرة الجيل الثاني
مع تلقيه العلم في ريعان شبابه (يرحمه الله) وهو في العقد الثالث من القرن الماضي، كانت البلاد تزدهر في حركة الثقافة والأدب وإحياء التراث العربي الأصيل، ما بين إنشاء المدارس النظامية الأولى في الكويت، إلى إنشاء المكتبة الأهلية (1923)، لتكون أول مكتبة عامة في الخليج والجزيرة العربية، وإنشاء النادي الأدبي (1924) وتوالى إصدار الصحف والمجلات الكويتية، التي تنامت في مناخ واسع من حرية الرأي والفكر، والتي انطلقت بشكل مكثف مع نهاية العقد الرابع وبداية العقد الخامس من القرن الماضي، مثل إصدارات مجلات البعثة (1947)، التي صدرت عن بيت الطلبة الكويتيين في القاهرة، وكاظمة (1948)، ومجلة الرائد 1952 لنادي المعلمين، ومجلة الإيمان، لسان حال النادي الثقافي القومي (1953)، ومجلة الإرشاد الإسلامي (1952)، ومجلات أخرى كثيرة.
  عاش - يرحمه الله - وترعرع ونشأ في هذا المحيط الثقافي والأدبي المعطاء والمزدهر، على أيادي الجيل الثاني من المفكرين والأدباء والمثقفين اليقظين من أبناء الكويت في القرن الماضي، وفي هذه المحطة الزمنية، عاصر سمو أمير البلاد الراحل، الجيل الثاني أمثال المرحومين: عبدالعزيز حسين التركيت، ويوسف بن عيسى القناعي، وأحمد زين السقاف، وعبدالرزاق البصير، وحمد الرجيب، وعبدالله الرومي، وعبدالعزيز الصرعاوي، وأحمد العدواني، وفهد الدويري، ويعقوب الحمد، وعبدالحميد الصانع، وعبدالله الغانم، وأحمد الخطيب، ويوسف الغانم، ويوسف المشاري، ويعقوب الرشيد، وبدر البدر، وعبدالله الحاتم، ومحمد مساعد الصالح، وأخيه داوود، وأحمد البشر الرومي، وخالد المسعود، ومحمد وخالد العدساني، وعبدالله زكريا الأنصاري، وحمد يوسف القناعي، وعبدالعزيز المساعيد، وغيرهم الكثير.
كان النشاط والإنتاج والعطاء من هؤلاء زاخرًا ومتواصلًا، تفاعل فيه معهم سمو الأمير الراحل، وله من بينهم صداقات حميمة.

مستقبل واعد
في مقدمه ما اكتسبه - يرحمه الله - تلك التربية الحميدة والتعاليم الرشيدة من والده الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح (الحاكم العاشر لدولة الكويت، 1921 - 1950)، الذي كان داعمًا ومشجعًا لطلب العلم ونشر المعرفة، ويتجلى ذلك في إهدائه مجموعة كبيرة من الكتب والمجلدات في الأدب والتاريخ والفقه والتفسير وعلم اللغة العربية إلى المكتبة الأهلية مرتين في عامي 1923 و1936.
تمتّع سمو الأمير الراحل بفطنة واسعة وذكاء حاد وخُلق رفيع ورجاحة فكر ورأي، ولهذه الأسباب الكامنة في السمات الشخصية التي كان يُستشرف بها مستقبل واعد، فقد كلّفه أمير الكويت الحادي عشر، سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح، بتاريخ 19 يوليو سنة 1954 بشغل أول منصب رسمي في الشأن العام، وعيّنه عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا، التي اختصت بالإشراف على تنظيم عمل الدوائر الحكومية، بهدف وضع سياسة موحّدة للإصلاح وتطوير نظم وإجراءات العمل، والمحافظة على مصالح الوطن والمواطنين.
تحمّل سمو الأمير الراحل أعباء أول منصب تنفيذي وعمره لم يتجاوز وقتها 26 عامًا، ومن قرارات اللجنة الصائبة في عهده المبارك أن اللجنة التنفيذية أصدرت قرارها في شأن إطلاق الجريدة الرسمية لتولي نشر المراسيم والقرارات والأنظمة والبيانات والإعلانات الحكومية، وبالفعل صدر العدد الأول لجريدة «الكويت اليوم» بتاريخ 11 ديسمبر 1954، وفي التوقيت نفسه صدر قرار آخر بإنشاء مطبعة حكومية تجهز بأحدث المعدات والآلات المطبعية العالمية في ذلك الوقت.

رئاسة دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل
بتاريخ 14 ديسمبر 1954 أنشئت دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وعهد إلى الشيخ صباح الأحمد رئاسة الدائرة، وكان من ضمن اختصاصاتها ومهامها ذات الدور الثقافي والفني، إلى جانب دورها الأساسي في الرعاية والتكافل الاجتماعي، ما يلي: 
 1 - فتح دور للسينما في الكويت للنهوض بالمستوى الثقافي والاجتماعي في العام نفسه (1954)، على أن تتولى ذلك شركة مساهمة وطنية يساهم فيها أكبر عدد من المواطنين.
2 - إنشاء إدارة للمسرح، ترعى شؤون النشاط المسرحي الناشئ في البلاد منذ عام 1955 عند عرض أول عمل مسرحي قدّمته فرقة المسرح الشعبي قبل إشهار المسرح مطلع ستينيات القرن الماضي.
3 - القيام بدور مهم في تنمية الوعي الاجتماعي لدى المواطنين، وتعزيز القيم الاجتماعية الرشيدة والأصلية في المجتمع الكويتي، مع المحافظة على الهوية الوطنية بالتكاتف والتضامن الاجتماعي بين أهل الكويت، في فترة زمنية تشهد انفتاح الكويت الحضاري على العالم.
4 - إنشاء مركز الفنون الشعبية التابع لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل سنة 1956، وكان لتوجيهات الشيخ صباح الأحمد (رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية وقتها) الأثر الأكبر في حفظ التراث الفني الموسيقي والغنائي الكبير من الاندثار، مثل فنون البحر والصحراء شعرًا وألحانًا وغناء وقوالب موسيقية شعبية تمثّل الفولكلور الوطني، وحماية أعمال روّاد الموسيقى والغناء الكويتيين.

المركز الثقافي العمالي
ونتيجة لحرص سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد واهتمامه - يرحمه الله - بتفعيل الدور الثقافي المهم بين العمالة الوافدة في منتصف الخمسينيات والعمالة الوطنية في كسب المهارات المعرفية بالمهن والتوعية والتثقيف عمومًا، أنشئ في دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل بتعليمات مباشرة منه المركز الثقافي العمالي في سبتمبر 1956 وأدى دوره المهم في رفع المستوى الثقافي وتعليم الأميين وإقامة المحاضرات الثقافية والاجتماعية وتوفير مصادر المعلومات للقراءة وإقامة الأنشطة التي تنمّي الهوايات والترفيه بين العمالة العربية في رحاب الكويت. 
وفي عام 1957 أسندت إلى سموه - يرحمه الله - إضافة إلى عمله، رئاسة دائرة المطبوعات والنشر، التي قامت على إدارة مطبعة الحكومة والجريدة الرسمية، وساهمت المطبعة الحديثة في عهده الميمون بطباعة جميع الكتب المدرسية والمطبوعات الحكومية والكثير من الكتب القيّمة والمهمة.

إصدار مجلة العربي
في عام 1958، بلوَر سمو الأمير الراحل مبادرته وفكرته لتبنّي دائرة المطبوعات والنشر إصدار مجلة شهرية مصوّرة ومتنوعة في عالم الثقافة والآداب والعلوم والمعارف العامة، تكتب بأقلام كبار المفكرين والأدباء والصحفيين العرب، لتنتشر في كل أرجاء الوطن العربي، وسيلة ثقافية فعّالة في مقالاتها التي هي مرآة أحوال الوضع والرأي العام العربي، واستطلاعات صحفية مصوّرة للتعرّف إلى مدن ومعالم عربية، ومقالات في العلوم والطب والتاريخ والجغرافيا وفي الآداب والفنون وشؤون الأسرة العربية ونشر القصص القصيرة، وفي الأول من ديسمبر 1958 وُلدت مجلة العربي عملاقة في محتواها، معبّرة عن رسالتها وأهدافها التنويرية والتثقيفية الرصينة للأمة العربية، وبارك إصدارها أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، مشيدًا بإصدار العدد الأول الذي احتوى على 33 موضوعًا، استشرف مستقبلًا واعدًا لمجلة العربي الغراء، وكلّف سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد - يرحمه الله - لرئاسة تحرير مجلة العربي عالم الكيمياء والمفكر العربي الكبير د.أحمد زكي، الذي كتب الكلمة الافتتاحية للعدد الأول، وجاء فيها «إن مجلة العربي للوطن العربي كله، والعربي للفكر العربي خالصة، وهي لكل ما يتمخض عن الفكر العربي من معانٍ، فهي ضد الجهل ومع المعرفة في الوطن العربي الكبير، وهي ضد المرض ومع الصحة التي هي صحة العقول والتثقيف الواسع، العربي سبيل الناس العرب لحقّ الاستنارة، والتمسك بحرية الفكر العربي، وهي هبة العقل التي وهبنا إياها الله، وعليه وحده التوكل في اتباع مسلكه المستقيم والدعوة إليه».
 كانت مجلة العربي، منذ العدد الأول الذي ظهر بصورة مشرّفة نهاية عام 1958 وحتى العدد رقم 742 الذي صدر في مطلع شهر سبتمبر الماضي، وكان آخر عدد في عمر الأمير الراحل الجليل، ولا تزال، تعتبر إرثًا ضخمًا في مخزون صحفي ثقافي شامل فيه توثيق لأحداث الأمة العربية والمناسبات، وتفاعل كتّابها مع الشعوب العربية.
وأصاب سمو الأمير الراحل الحقيقة السديدة بالرأي حين قال إن صدور «العربي» هدية الكويت القيّمة وخير سفير ثقافي للأمة العربية، وهو مشروع عربي واكب التضامن العربي وعزز أركان الثقافة الرصينة.
وفي عام 1959 أنشئ المرسم الحرّ الذي حظي باهتمام وافر من لدُن سموه - يرحمه الله - وكان نواة لاحتضان الفنانين التشكيليين الكويتيين وتقدير إبداعاتهم لتطوير إنتاجهم وفتح المجال واسعًا للفنانين الجدد وتشجيعهم وتحفيزهم لإثراء ساحة الفنون التشكيلية في الكويت.

مناقب ومآثر
تقلّد سمو الأمير الراحل - طيّب الله ثراه - مناصب رفيعة ومهمة جدًا في بدايات تأسيس المجالس التي تنظم مسار التنمية الشاملة الجديدة في البلاد، ومنها عضوية المجلس البلدي للجنة المركزية في الفترة من 17 أغسطس 1954 لمدة عام، وعضوية مجلس الإنشاء والتعمير، وعضوية المجلس الأعلى لإدارة شؤون البلاد في عام 1956، وعلى مستوى العمل الاجتماعي العام كان سموه الرئيس الفخري لنادي المعلمين الكويتي منذ أوائل 1950 الذي كان يصدر مجلة «الرائد» الذائعة الصيت في الحقل التربوي والتثقيفي ونشر المعرفة المستنيرة، والتي لا تزال تصدر إلى يومنا هذا عن جمعية المعلمين.
ومع مطلع العقد السادس أسندت إلى سموه، يرحمه الله، حقيبة أول وزارة للإرشاد والأنباء بتاريخ 17 يناير 1962، وذلك بعد إعلان استقلال دولة الكويت بتاريخ 19 يونيو 1961، ثم شغل عضوية المجلس التأسيسي لإعداد وصياغة دستور دولة الكويت بين عامي 1962 و1963.
 وفي نوفمبر عام 1961 تأسس على يديه الكريمتين تلفزيون الكويت؛ أول التلفزيونات نشأة في منطقة الخليج والجزيرة العربية، وثاني التلفزيونات العربية، وفي العام الذي يليه ضمت الإذاعة الكويتية إلى وزارة الإرشاد والأنباء، وقد كانت تتبع الأمن العام منذ عام 1951 مدة عشر سنوات.
 ولسمو الأمير الراحل مناقب ومآثر جمّة من العطاءات السخية فكرًا وجهدًا ودعمًا في مرحلة تأسيس الدولة الحديثة ومؤسساتها الدستورية الفتية ونهضتها الصاعدة، فساهم في إنشاء المسارح الأهلية الكويتية وإشهارها، مثل (المسرح العربي والشعبي والكويتي ومسرح الخليج العربي) منذ سنة 1961، واستدعى خبير شؤون المسرح زكي طليمات وعددًا من كبار الفنانين العرب للنهوض بالحركة المسرحية في الكويت، على أسس علمية ومنهجية منظمة، فساهم ذلك في التطور السريع للحركة الفنية في الستينيات، مما أسفر في نهايتها عن إعلان إنجاز وعرض أول فيلم كويتي روائي سينمائي طويل بدعم تلفزيون الكويت، وهو فيلم « بسّ يا بحر» من إخراج الفنان المبدع خالد الصديق، وحضر سمو الأمير الراحل حفل الافتتاح بسينما الحمراء القديمة، وشجع الفنانين والفنيين الإعلاميين الذين قاموا على التمثيل وإنتاج الفيلم، وقام بتكريمهم.

توثيق تاريخ الكويت
كان لسموه - يرحمه الله - دور رئيسي وداعم لإنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقى، وسموه هو الذي أمر بإنشاء أول ثلاثة مسارح لتقديم العروض المسرحية الهادفة، وهي مسارح كيفان والشامية والدسمة، وذلك مواكبة لتطور ونماء الحركة المسرحية.
كان - يرحمه الله - يتبنى ويدعم كل الجهود الرامية إلى توثيق ونشر التراث والتاريخ الوطني الأصيل والمحافظة عليه وصونه، متضمنًا دقة رصد وتسجيل الأحداث والمناسبات الداخلية والخارجية، ودور رجالات الكويت ونسائها في النهوض بالوطن منذ نشأته وحتى وصوله إلى دولة مستقلة ذات سيادة ومكانة وسمعة عربية ودولية مرموقة.
لذا اعتمد مشروع إعادة كتابة وتوثيق تاريخ الكويت، وتم تشكيل لجنة مختصة لهذا الغرض، وأنجزت أعمالها عام 1964.
وأطلق سمو الأمير الراحل - غفر الله له - مشروعًا آخر بداية أعمال وزارة الإرشاد والأنباء، تمثّل في إعادة إحياء وطباعة ونشر عدد كبير من المخطوطات النادرة والكتب النفيسة في تاريخ التراث العربي الفكري التليد، وتم إصدار عدة مجلدات وسلاسل ثقافية قيّمة للغاية مثل: «الذخائر والتحف» للقاضي الرشيد بن الزبير (القرن الخامس الهجري)، وكتاب «الأضداد» من تأليف محمد بن القاسم الأنباري، وكتاب «العبر في خبر من غبر» للمؤرخ الإسلامي الحافظ الذهبي، وهو مخطوط عربي نادر، وكتاب «رسائل الصابي والشريف الرضي»، الذي حققه د. محمد يوسف نجم، وموسوعة المعجم العربي الفريد «تاج العروس»، المؤلف من 40 مجلدًا، وغيرها الكثير.

عطاءات خالدة
إنجازات كبرى وعطاءات خالدة لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد في تأسيس وتطوير وتحقيق الازدهار للثقافة الكويتية في بواكير ظهورها اليانع.
وتزايدت عطاءات وإنجازات سموه الخالدة ومواقفه الرافعة للدور الكويتي في مجالات السياسة الخارجية والدبلوماسية المتزنة والرصينة ذات المحافظة على الثبات والحيادية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، منذ تبوأ منصب ثاني وزير للخارجية بتاريخ 28 يناير 1963 مدة 40 عامًا (1963 - 2003)، واستحق بجدارة لقب عميد الدبلوماسية في العالم، ولم يغب يومًا عن فكره وخلده دور الثقافة المهم في دعم مسار السياسة الخارجية والدبلوماسية الكويتية، وكان - يرحمه الله - متابعًا عن كثب وداعمًا بسخاء وموجهًا برشاد للثقافة والإعلام والفن الكويتي بأن يؤدي دورًا مؤثرًا وفعالًا ورديفًا للسياسة الخارجية، انطلاقًا من أصالة الهوية والشخصية الكويتية ذات الخصال العربية والإسلامية الحميدة.
وأثبت سموه - يرحمه الله - طوال مسيرة حياته الطويلة المخلصة، في حقل العمل السياسي والدبلوماسي أنه كان يستثمر الدور الثقافي ويوظفه كقوة ناعمة في العمل الدبلوماسي، ويعطي للثقافة والفنون والآداب مكانتها وفعالية دورها، حتى تجسد بتأييده ودعمه لمشروع إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي انطلق بعد صدور المرسوم الأميري بتاريخ 17 يوليو 1973 في عهد كان يشغل سموه منصب وزير الخارجية وزير الإعلام بالوكالة.

صروح ثقافية
إن صروحًا ثقافية كبرى تحققت وأنجزت بفضل رعايته الكريمة ورؤيته الثاقبة وفكره الحكيم لاستشراف مستقبل زاهر للثقافة الكويتية، تواصلت فيها نجاحات الحداثة مع الأسس والقواعد الثابتة التي أرساها سموه - يرحمه الله - للثقافة الكويتية، منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، ونستذكر من صروح الحداثة الثقافية ذات الإرث التاريخي البعيد، ما افتتحه وبارك إنشاءه ليلائم العصر الجديد، مثل مكتبة الكويت الوطنية بتاريخ 2 فبراير 2011، ومركز جابر الأحمد الثقافي بتاريخ 1 نوفمبر 2016، ومركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي في فبراير 2018 ومتحف قصر السلام بتاريخ 28 أبريل 2019، وجميعها صروح تبرز وجه الكويت الحضاري الدائم، في الاهتمام بالثقافة والاعتماد عليها ركنًا أساسيًا ضمن مكونات عملية التنمية الشاملة المستدامة.
وفي مقابلة صحفية تاريخية أجرتها مجلة «أضواء الكويت» في العدد رقم 221 بتاريخ 22 مايو 1967، مع سمو الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله وطيب ثراه، قال فيها إنه يعمل وفق مثل عربي وحكمة معروفة «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».
فالإنسان هو ذلك الذي يعمل الخير لوطنه وأهله وشعبه، ليتذكره الناس بالخير.
رحم الله أميرنا الغالي وجزاه عنّا خير الجزاء، نظير ما قدمه لوطنه وأمتَيه العربية والإسلامية من صنائع الخير والمعروف والإنجازات الشاهدة.
ولعل بلسم أحزاننا وأمل مستقبلنا في تقلّد أميرنا المفدى حضرة صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، وسمو ولي العهد الأمين الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظهما الله ورعاهما، مهنئين أنفسنا بقيادتهما الحكيمة ورؤاهما الثاقبة المعروفة في تاريخ العطاء الوطني المشرق، والله نسأل لهما التوفيق والسداد، وفي عهدهما المبارك والواعد والمشرق بعون الله، تتواصل النهضة الثقافية في صعودها ونمائها وإشعاعها الدائم ■