صورة الصحفي في السينما المصرية

صورة الصحفي في السينما المصرية

  ‬تعتبر‭ ‬مهنة‭ ‬الصحفي‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬اللافتة‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬لما‭ ‬تمثّله‭ ‬من‭ ‬معانٍ‭ ‬دقيقة‭ ‬وتأثير‭ ‬فاعل،‭ ‬فالصحفي‭ ‬ضمير‭ ‬أمته،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬ويكشفها‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬دحر‭ ‬الفساد،‭ ‬وإعلاء‭ ‬القيم‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬واتسمت‭ ‬الصحافة‭ ‬دائمًا‭ ‬بأدوارها‭ ‬المائزة‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬تجييش‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الثورات‭ ‬والأحداث‭ ‬السياسية،‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬اتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬والتحولات‭ ‬التاريخية‭.‬

وعبّرت‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الروائية‭ ‬الطويلة‭ ‬عن‭ ‬مهن‭ ‬ووظائف‭ ‬مختلفة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تلك‭ ‬المهن‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بالثراء‭ ‬والحساسية‭ ‬والتأثير‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬مصائر‭ ‬الشعوب،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأفلام‭ ‬قامت‭ ‬موضوعاتها‭ ‬الرئيسة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المهن،‭ ‬كالقاضي،‭ ‬والمحامي،‭ ‬والمعلم،‭ ‬والطبيب،‭... ‬إلخ‭.‬

جسدت‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬يستطيع‭ ‬أصحابها‭ ‬أن‭ ‬يحدثوا‭ ‬تأثيرًا‭ ‬جوهريًّا،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬بمهنهم‭ ‬هذه؛‭ ‬سببًا‭ ‬لمراحل‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين؛‭ ‬لأن‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭ ‬يملكون‭ ‬الوعي‭ ‬والثقافة‭ ‬وأحيانًا‭ ‬االكاريزماب‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يكونون‭ ‬أكثر‭ ‬إقناعًا‭ ‬وأكثر‭ ‬بصيرة‭ ‬واستشرافًا‭ ‬للمستقبل‭.‬

من‭ ‬هذه‭ ‬المهن‭ ‬مهنة‭ ‬الصحفي‭ ‬التي‭ ‬قدّمتها‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬قديمًا‭ ‬وحديثًا،‭ ‬وجاء‭ ‬طرحها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نماذج‭ ‬إنسانية‭ ‬تتواءم‭ ‬والواقع‭ ‬الحياتي‭ ‬للصحفي،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬نتاج‭ ‬ظروف‭ ‬اجتماعية‭ ‬وبيئية‭ ‬معيّنة،‭ ‬تدفعه‭ ‬إلى‭ ‬حب‭ ‬الخير‭ ‬وخدمة‭ ‬المجتمع؛‭ ‬أو‭ ‬تدفعه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شخصًا‭ ‬أنانيًّا‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬سوى‭ ‬مصالحه‭ ‬الشخصية‭ ‬فحسب،‭ ‬لذلك‭ ‬جاء‭ ‬طرح‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭/ ‬المهنة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نماذج‭ ‬متباينة؛‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التباين‭ ‬والاختلاف‭.‬

والصحفي‭ ‬معبّر‭ ‬جيد‭ ‬عن‭ ‬تجليات‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬وعيه،‭ ‬وإدراكه،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬والإبداع،‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬أداء‭ ‬رسالته‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحقائق‭ ‬وكشفها،‭ ‬ولذلك‭ ‬سميّت‭ ‬الصحافة‭ ‬بمهنة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المتاعب،‭ ‬ووُصفت‭ ‬في‭ ‬قيامها‭ ‬بمسؤولياتها‭ ‬بـ‭ ‬االسلطة‭ ‬الرابعةب،‭ ‬ولقبت‭ ‬بـ‭ ‬اصاحبة‭ ‬الجلالةب‭ ‬إعلاء‭ ‬لقيمتها،‭ ‬وتشبيهًا‭ ‬لها‭ ‬بالملِكة‭ ‬المتوَّجة،‭ ‬وتقديرًا‭ ‬للدور‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

‭ ‬

نماذج‭ ‬متباينة‭ ‬لشخصية‭ ‬الصحفي

جاء‭ ‬طرح‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬الروائية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نماذج‭ ‬إنسانية‭ ‬تتواءم‭ ‬والواقع‭ ‬الحياتي‭ ‬للصحفي‭ ‬باعتباره‭ ‬بشرًا؛‭ ‬يحب‭ ‬الخير‭ ‬ويخدم‭ ‬المجتمع،‭ ‬أو‭ ‬يتملّق‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواصلة‭ ‬الصعود،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬بدت‭ ‬المكونات‭ ‬النفسية‭ ‬لهذه‭ ‬الشخصية‭ ‬ببذخ‭ ‬وجلاء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نماذج‭ ‬متباينة،‭ ‬فكيف‭ ‬قدّمتها‭ ‬السينما،‭ ‬وكيف‭ ‬رصدت‭ ‬ميولها‭ ‬الإنسانية؟

بدأ‭ ‬ظهور‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬مبكرًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬الأفلام،‭ ‬مثل‭ ‬فيلم‭ ‬مصطفى‭ ‬كامل‭ (‬1952‭) ‬بطولة‭ ‬أنور‭ ‬أحمد،‭ ‬وإخراج‭ ‬أحمد‭ ‬بدرخان،‭ ‬وتناول‭ ‬حياة‭ ‬الزعيم‭ ‬مصطفى‭ ‬كامل‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وأنشأ‭ ‬جريدة‭ ‬اللواء‭ ‬لتكون‭ ‬منبرًا‭ ‬لمقالات‭ ‬الوطنيين‭ ‬المطالبين‭ ‬بالاستقلال،‭ ‬وفيلم‭ ‬اعصافير‭ ‬الجنةب‭ (‬1955‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬سيف‭ ‬الدين‭ ‬شوكت،‭ ‬وبطولة‭ ‬فيروز‭ ‬ونيللي‭ ‬وميرفت،‭ ‬حيث‭ ‬جسّد‭ ‬محمد‭ ‬توفيق‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬كمال‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬هروب‭ ‬ثلاث‭ ‬بنات‭ ‬من‭ ‬أبيهم‭ (‬محمود‭ ‬ذو‭ ‬الفقار‭)‬،‭ ‬بسبب‭ ‬قسوة‭ ‬زوجة‭ ‬الأب،‭ ‬ويستفيد‭ ‬كمال‭ ‬من‭ ‬رسالة‭ ‬أرسلتها‭ ‬البنات‭ ‬إلى‭ ‬الجريدة،‭ ‬وصرحوا‭ ‬فيها‭ ‬بخوفهم‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬الطاغية‭ ‬ازوجة‭ ‬الأبب‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬كانت‭ ‬محورية‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬سواء‭ ‬كمناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقلال،‭ ‬أو‭ ‬كمؤثر‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬المجتمع؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬العبة‭ ‬الستب‭ (‬1946‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬ولي‭ ‬الدين‭ ‬سامح،‭ ‬وتأليف‭ ‬بديع‭ ‬خيري،‭ ‬وبطولة‭ ‬نجيب‭ ‬الريحاني،‭ ‬جاءت‭ ‬عابرة‭ ‬وغير‭ ‬مؤثرة،‭ ‬حيث‭ ‬جسّد‭ ‬الفنان‭ ‬حسن‭ ‬البارودي‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬النمطي‭ ‬الذي‭ ‬يسأل‭ ‬أسئلة‭ ‬جاهزة‭ ‬وسطحية‭. ‬

 

تفاوت‭ ‬ملحوظ

تعددت‭ ‬أشكال‭ ‬وأبعاد‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬وظهرت‭ ‬بتجليات‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬رمزًا‭ ‬للنضال‭ ‬الوطني،‭ ‬وظهر‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬مثل‭ ‬شخصيتي‭ ‬عباس‭ ‬صفوت‭ (‬شكري‭ ‬سرحان‭) ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬اأنا‭ ‬حرةب‭ (‬1959‭)‬،‭ ‬وعلي‭ ‬طه‭ (‬عبدالعزيز‭ ‬مكيوي‭) ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬االقاهرة‭ ‬30ب‭ (‬1966‭)‬،‭ ‬والفيلمان‭ ‬للمخرج‭ ‬صلاح‭ ‬أبو‭ ‬سيف‭. ‬وقبلهما‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬امصطفى‭ ‬كاملب؛‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬مكونات‭ ‬نفسية‭ ‬بالغة‭ ‬السوء،‭ ‬مثل‭ ‬نموذج‭ ‬رؤوف‭ ‬علوان‭ (‬كمال‭ ‬الشناوي‭) ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬االلص‭ ‬والكلابب‭ (‬1962‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬كمال‭ ‬الشيخ،‭ ‬ومحفوظ‭ ‬عجب‭ (‬سمير‭ ‬صبري‭) ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬ادموع‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالةب‭ (‬1992‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬عاطف‭ ‬سالم،‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬التي‭ ‬عبّرت‭ ‬عن‭ ‬المتسلّقين‭ ‬في‭ ‬بلاط‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالة‭.‬

من‭ ‬هذه‭ ‬الأبعاد‭ ‬تجلّت‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬أي‭ ‬بين‭ ‬التأثير‭ ‬بشقّيه‭ ‬الإيجابي‭ ‬والسلبي،‭ ‬والسطحية‭ ‬بتجلياتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬ومنحت‭ ‬فئة‭ ‬المتسلقين‭ ‬والمدّعين‭ ‬بعدًا‭ ‬ثرًّا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬شخصيات‭ ‬تتحقق‭ ‬بها‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬المصداقية‭ ‬الفنية،‭ ‬ولذلك‭ ‬جاءت‭ ‬جل‭ ‬الأفلام‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المراحل‭ ‬الزمنية،‭ ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬تفاوت‭ ‬ملحوظ‭ ‬وتباين‭ ‬كبير‭ ‬يحاكي‭ ‬النماذج‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬والتي‭ ‬تحتمل‭ ‬بطبيعتها‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الاختلاف‭. ‬

بناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ظهرت‭ ‬صور‭ ‬عديدة‭ ‬للصحفي،‭ ‬منها‭ ‬صورة‭ ‬الصحفي‭ ‬الجاد‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬والصحفي‭ ‬الإيجابي،‭ ‬والصحفي‭ ‬الثوري،‭ ‬والصحفي‭ ‬الوصولي،‭ ‬وكذلك‭ ‬صورة‭ ‬الصحفي‭ ‬الرومانسي،‭ ‬والصحفي‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الإثارة،‭ ‬والصحفي‭ ‬المحبط‭ ‬أو‭ ‬السلبي،‭ ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬نموذج‭ ‬الشخصية‭ ‬الكوميدية‭ ‬الذي‭ ‬قدّمه‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬إبراهيم‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬اسر‭ ‬طاقية‭ ‬الإخفاءب‭ (‬1959‭)‬،‭ ‬وعبدالسلام‭ ‬النابلسي‭ ‬الذي‭ ‬جسّد‭ ‬ببراعة‭ ‬شخصية‭ ‬المصور‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬ايوم‭ ‬من‭ ‬عمريب‭ (‬1961‭)‬،‭ ‬وقدّم‭ ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬اامرأة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تكفيب‭ (‬1990‭) ‬نموذجًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬لشخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬المنفلت‭.‬

 

‭ ‬صورة‭ ‬الصحفي‭ ‬صاحب‭ ‬القضية

تعد‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬المؤمن‭ ‬بالقضايا‭ ‬الكبرى،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬النماذج‭ ‬التي‭ ‬قدّمتها‭ ‬السينما،‭ ‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬الصحفي‭ ‬الجاد‭ ‬صاحب‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتم‭ ‬تجسيد‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭: ‬االغولب،‭ ‬وافتوة‭ ‬الناس‭ ‬الغلابةب،‭ ‬واضربة‭ ‬شمسب،‭ ‬واالآخرب،‭ ‬وغيرها‭.‬

ويتحول‭ ‬الصراع‭ ‬الدرامي‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬االغولب‭ (‬1983‭) ‬بطولة‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬وإخراج‭ ‬سمير‭ ‬سيف‭ (‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭) ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬خاصة‭ ‬وصراع‭ ‬رئيسي،‭ ‬بين‭ ‬الصحفي‭ ‬عادل‭ ‬عيسى‭ (‬عادل‭ ‬إمام‭) ‬وفهمي‭ ‬الكاشف‭ (‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭)‬،‭ (‬فريد‭ ‬شوقي‭) ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬القاتل‭ ‬جزاءه،‭ ‬فالصحفي‭ ‬عادل‭ ‬هو‭ ‬الشاهد‭ ‬على‭ ‬جريمة‭ ‬القتل‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬نشأت‭ ‬الكاشف‭ (‬حاتم‭ ‬ذو‭ ‬الفقار‭)‬،‭ ‬نجل‭ ‬فهمي،‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬شراء‭ ‬سكوت‭ ‬الشاهد‭ ‬بكل‭ ‬الطرق،‭ ‬لكنّ‭ ‬الصحفي‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬سعيه‭ ‬لكشف‭ ‬الحقيقة‭ ‬لينال‭ ‬القاتل‭ ‬جزاءه،‭ ‬ويقوم‭ ‬الصراع‭ ‬الدرامي‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين؛‭ ‬والد‭ ‬القاتل‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬الجريمة‭ ‬وإفلات‭ ‬ابنه‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬القضاء؛‭ ‬والصحفي‭ ‬الذي‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬صوت‭ ‬الحق‭ ‬ولا‭ ‬يتوانى‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬رسالته‭ ‬ودوره‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الحق‭ ‬والعدل‭. ‬

وتبدو‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬البنى‭ ‬الرمزية‭ ‬ذات‭ ‬البُعد‭ ‬الموضوعي،‭ ‬كأن‭ ‬يكون‭ ‬الشاهد‭ ‬اصحفيًاب،‭ ‬يمثل‭ ‬صوت‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهدأ‭ ‬ولا‭ ‬يُشترى،‭ ‬فلا‭ ‬يعبأ‭ ‬سوى‭ ‬بالحقيقة‭ ‬ومحاولة‭ ‬توصيلها‭ ‬للمسؤول‭/ ‬القضاء،‭ ‬وهو‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬والناصع‭ ‬لمهنة‭ ‬الصحافة،‭ ‬وجاء‭ ‬الاسم‭ ‬الشخصي‭ ‬للصحفي‭ ‬اعادلب‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬العدل‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬تطبيقه‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صعوبة‭ ‬ذلك‭. ‬

 

نموذجان‭ ‬متناقضان

حفلت‭ ‬بعض‭ ‬الأفلام‭ ‬بنموذجين‭ ‬متناقضين‭ ‬لشخصية‭ ‬الصحفي،‭ ‬مثل‭ ‬أفلام‭: ‬االعمر‭ ‬لحظةب،‭ ‬وادموع‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالةب،‭ ‬واالقاهرة‭ ‬30ب،‭ ‬وغيرها؛‭ ‬إذ‭ ‬تمحور‭ ‬فيلم‭ ‬االعمر‭ ‬لحظةب‭ (‬1978‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬محمد‭ ‬راضي‭ - ‬تمثيلًا‭ ‬لا‭ ‬حصرًا‭ - ‬حول‭ ‬شخصية‭ ‬نعمت‭ (‬ماجدة‭) ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬إبان‭ ‬حرب‭ ‬الاستنزاف،‭ ‬وتنقل‭ ‬أخبار‭ ‬الجنود‭ ‬المصريين‭ ‬وبطولاتهم‭ ‬اليومية‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬النار،‭ ‬وتشارك‭ ‬في‭ ‬تظاهرات‭ (‬1972‭) ‬المطالبة‭ ‬بالحرب‭ ‬والثأر‭ ‬من‭ ‬العدو،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬جاءت‭ ‬صورة‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ (‬أحمد‭ ‬مظهر‭) ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬الروح‭ ‬الانهزامية‭ ‬وعدم‭ ‬الإحساس‭ ‬بالمسؤولية،‭ ‬والانغماس‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اللاهية،‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬الاختلاف‭ ‬وتعدّد‭ ‬أنماط‭ ‬الشخصية‭ ‬الصحفية‭.‬

‭ ‬والأمر‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬ادموع‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالةب‭ (‬1992‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬عاطف‭ ‬سالم،‭ ‬حيث‭ ‬يتناول‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬وأسرارها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصة‭ ‬صعود‭ ‬الصحفي‭ ‬الوصولي‭ ‬محفوظ‭ ‬عجب‭ (‬سمير‭ ‬صبري‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يتملق‭ ‬رؤساءه‭ ‬بشتّى‭ ‬الطرق‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحه‭ ‬الشخصية،‭ ‬وتظهر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬الوطنيين‭ ‬الذين‭ ‬يؤلّفون‭ ‬خليّة‭ ‬سرية‭ ‬مناوئة‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬وتعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬الوطن‭ ‬وكشف‭ ‬الفساد‭ ‬المستشري‭ ‬للسراي،‭ ‬وتمثّل‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬الجانب‭ ‬المشرق‭ ‬لصاحبة‭ ‬الجلالة‭.‬

كذلك‭ ‬فيلم‭ ‬االقاهرة‭ ‬30ب‭ (‬1966‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬نموذجين‭ ‬متناقضين‭ ‬ومعبّرين‭ ‬لشخصية‭ ‬الصحفي،‭ ‬هما‭ ‬شخصية‭ ‬محجوب‭ ‬عبدالدايم‭ (‬حمدي‭ ‬أحمد‭)‬،‭ ‬وعلي‭ ‬طه‭ (‬عبدالعزيز‭ ‬مكيوي‭)‬،‭ ‬فالأول‭ ‬يبيع‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬حتى‭ ‬الشرف‭ ‬والكرامة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مكاسب‭ ‬سطحية،‭ ‬بينما‭ ‬الآخر‭ ‬يعي‭ ‬معنى‭ ‬الوطن‭ ‬ويدرك‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬التضحية‭.‬

‭ ‬

‮«‬الرومانسية‮»‬‭ ‬في‭ ‬بلاط‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالة

أما‭ ‬نموذج‭ ‬الصحفي‭ ‬الرومانسي،‭ ‬فقد‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬عدة،‭ ‬أهمها‭ ‬ايوم‭ ‬من‭ ‬عمريب‭ (‬1961‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬عاطف‭ ‬سالم،‭ ‬حيث‭ ‬يقع‭ ‬صلاح‭ (‬عبدالحليم‭ ‬حافظ‭) ‬في‭ ‬حب‭ ‬نادية‭ (‬زبيدة‭ ‬ثروت‭)‬،‭ ‬ويقضيان‭ ‬أيامًا‭ ‬سعيدة،‭ ‬ثم‭ ‬يكتشف‭ ‬أنها‭ ‬ابنة‭ ‬المليونير‭ ‬الهاربة،‭ ‬فيستفيد‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬جمعتهما‭ ‬معًا،‭ ‬ويسعى‭ ‬إلى‭ ‬نشرها‭ - ‬وهو‭ ‬الصحفي‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬سبق‭ ‬صحفي‭ ‬يضعه‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬التفرّد‭ - ‬فيقدم‭ ‬الصور‭ ‬إلى‭ ‬الجريدة‭ ‬وتأخذ‭ ‬طريقها‭ ‬للنشر،‭ ‬لكنه‭ ‬يشعر‭ ‬بالضآلة‭ ‬والخسّة‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬فيستولي‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬الصور‭ ‬والماكيت‭ ‬ويمنع‭ ‬النشر،‭ ‬منتصرًا‭ ‬للعلاقة‭ ‬الأسمى‭ ‬في‭ ‬الحياة؛‭ ‬علاقة‭ ‬االحبب‭ . ‬

وفي‭ ‬فيلم‭ ‬اجفّت‭ ‬الدموعب‭ (‬1975‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬حلمي‭ ‬رفلة،‭ ‬يرتبط‭ ‬الصحفي‭ ‬الكاتب‭ ‬السياسي‭ ‬ورئيس‭ ‬التحرير‭ ‬سامي‭ ‬كرم‭ (‬محمود‭ ‬ياسين‭) ‬بحب‭ ‬الفنانة‭ ‬المشهورة‭ ‬هدى‭ ‬نورالدين‭ (‬نجاة‭ ‬الصغيرة‭)‬،‭ ‬ويُحارب‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭ ‬منافسه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬النقابية‭ ‬فؤاد‭ ‬عبدالجبار‭ (‬يوسف‭ ‬شعبان‭) ‬الانتهازي‭ ‬الذي‭ ‬يستغل‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬العاطفية‭ ‬لإسقاط‭ ‬سامي،‭ ‬مما‭ ‬يدفع‭ ‬الفنانة‭ ‬إلى‭ ‬التضحية‭ ‬بحبها‭ ‬والذهاب‭ ‬بعيدًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مستقبل‭ ‬سامي‭. ‬وقد‭ ‬حوى‭ ‬الفيلم‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬الإيجابية‭ ‬والسلبية‭ ‬للصحفيين‭ ‬وصراعاتهم،‭ ‬مثل‭ ‬شخصية‭ ‬المحرر‭ ‬الفني‭ ‬عثمان‭ ‬جاب‭ ‬الله،‭ ‬التي‭ ‬جسّدها‭ ‬باقتدار‭ ‬الراحل‭ ‬إبراهيم‭ ‬سعفان‭. ‬

 

الصحفي‭ ‬الوصولي

تجلّى‭ ‬نموذج‭ ‬الصحفي‭ ‬الوصولي‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬مصالحه‭ ‬الشخصية،‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام،‭ ‬فهو‭ ‬ينافق‭ ‬الآخرين‭ ‬ويتملّقهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬وقد‭ ‬يعبث‭ ‬بمستقبل‭ ‬بعضهم‭ ‬ليأخذ‭ ‬موقعًا‭ ‬أهم،‭ ‬ولا‭ ‬يتوقف‭ ‬طموحه‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬معيّن،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬دؤوب،‭ ‬ودائم‭ ‬السعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الصعود‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬الآخرين،‭ ‬وجسّدت‭ ‬السينما‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬في‭ ‬أفلام‭: ‬ادموع‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالةب،‭ ‬واامرأة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تكفيب،‭ ‬وااللص‭ ‬والكلابب،‭ ‬واالقاهرة‭ ‬30ب،‭ ‬وغيرها‭. ‬

أما‭ ‬نموذج‭ ‬الصحفي‭ ‬اليساري‭ ‬فقدّمته‭ ‬السينما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬االسفارة‭ ‬في‭ ‬العمارةب‭ (‬2005‭) ‬للمخرج‭ ‬عمرو‭ ‬عرفة،‭ ‬حيث‭ ‬جسّد‭ (‬أحمد‭ ‬صيام‭) ‬شخصية‭ ‬مصطفى،‭ ‬الصحفي‭ ‬اليساري‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الاب‭ ‬بمظهره‭ ‬المتواضع‭ ‬وشعاراته‭ ‬الحماسية،‭ ‬وجاء‭ ‬توظيفه‭ ‬مناسبًا‭ ‬للأحداث‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬موقع‭ ‬السفارة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وموقفه‭ ‬منها‭. ‬

وعبّرت‭ ‬السينما‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الإثارة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬امعبودة‭ ‬الجماهيرب‭ (‬1967‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬حلمي‭ ‬رفلة،‭ ‬حيث‭ ‬يطارد‭ ‬مصوران‭ ‬صحفيان‭ ‬الممثلة‭ ‬المشهورة‭ ‬سهير‭ (‬شادية‭) ‬والمطرب‭ ‬المبتدئ‭ ‬إبراهيم‭ ‬فريد‭ (‬عبدالحليم‭ ‬حافظ‭) ‬ويقومان‭ ‬بتصويرهما‭ ‬خلسة،‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الإثارة‭ ‬الصحفية،‭ ‬وهو‭ ‬اتجاه‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬تلجأ‭ ‬إليه‭ ‬الصحافة‭ ‬الصفراء‭ ‬عادة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬نسب‭ ‬توزيع‭ ‬مرتفعة‭. ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬االنوم‭ ‬في‭ ‬العسلب‭ (‬1996‭) ‬للمخرج‭ ‬شريف‭ ‬عرفة،‭ ‬تقوم‭ ‬الصحفية‭ ‬سلمى‭ (‬شيرين‭ ‬رضا‭) ‬بتقفّي‭ ‬آثار‭ ‬حادث‭ ‬غريب‭ ‬يشبه‭ ‬أمراض‭ ‬الذكورة،‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬والإثارة‭ ‬الصحفية‭ ‬معًا‭.‬

‭ ‬

التعبير‭ ‬السينمائي‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬الصحفية

عبّرت‭ ‬السينما‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬الصحافة،‭ ‬ومدى‭ ‬تعدد‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬الذي‭ ‬اتسم‭ ‬بالإيجابية‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأفلام،‭ ‬مثل‭: ‬اسوق‭ ‬النساءب‭ (‬1994‭) ‬للمخرج‭ ‬يوسف‭ ‬فرنسيس،‭ ‬حيث‭ ‬جسدت‭ ‬شريهان‭ ‬دور‭ ‬الصحفية‭ ‬نادية‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬مقتل‭ ‬شقيقتها،‭ ‬وابطل‭ ‬من‭ ‬ورقب‭ (‬1988‭) ‬للمخرج‭ ‬نادر‭ ‬جلال،‭ ‬حيث‭ ‬جسدت‭ (‬آثار‭ ‬الحكيم‭) ‬في‭ ‬قالب‭ ‬كوميدي‭ ‬شخصية‭ ‬سوسن،‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬تتابع‭ ‬أزمة‭ ‬رامي‭ ‬قشوع‭ (‬ممدوح‭ ‬عبدالعليم‭) ‬كاتب‭ ‬السيناريو‭ ‬وصاحب‭ ‬الخيال‭ ‬الخصب،‭ ‬فيقوم‭ ‬أحد‭ ‬المجرمين‭ ‬بتنفيذ‭ ‬السيناريو‭ ‬الخيالي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬

وكذلك‭ ‬فيلم‭ ‬االإرهابب‭ (‬1989‭) ‬للمخرج‭ ‬نادر‭ ‬جلال،‭ ‬وفيلم‭ ‬اقضية‭ ‬سميحة‭ ‬بدرانب‭ (‬1990‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬إيناس‭ ‬الدغيدي،‭ ‬واالآخرب‭ (‬1998‭) ‬للمخرج‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين،‭ ‬الذي‭ ‬جسّدت‭ ‬فيه‭ ‬حنان‭ ‬ترك‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفية‭ ‬المثقفة‭ ‬حنان،‭ ‬ابنة‭ ‬البيئة‭ ‬الشعبية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الفيلم‭ ‬الكوميدي‭ ‬اعيال‭ ‬حبّيبةب‭ ‬الذي‭ ‬واجهت‭ ‬فيه‭ ‬الصحفية‭ ‬نهى‭ (‬غادة‭ ‬عادل‭) ‬الفاسدين،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭. ‬

ولعلّ‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬هي‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬جسدت‭ ‬شخصية‭ ‬المرأة‭ ‬الصحفية‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬السينما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬اموعد‭ ‬غرامب‭ (‬1956‭) ‬للمخرج‭ ‬هنري‭ ‬بركات‭ ‬أمام‭ ‬عبدالحليم‭ ‬حافظ،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬بدور‭ ‬محررة‭ ‬باب‭ ‬ابريد‭ ‬القلبب،‭ ‬وقدّمت‭ ‬شخصية‭ ‬المرأة‭ ‬الصحفية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬االمعجزةب‭ (‬1962‭) ‬للمخرج‭ ‬حسن‭ ‬الإمام،‭ ‬حيث‭ ‬جسّدت‭ ‬شخصية‭ ‬ليلى‭ ‬مجدي‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بمشاكل‭ ‬الفتيات‭. ‬

وجاء‭ ‬دور‭ ‬الراحلة‭ ‬ماجدة‭ ‬الخطيب‭ ‬لافتًا‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬ازائر‭ ‬الفجرب‭ (‬1975‭) ‬للمخرج‭ ‬ممدوح‭ ‬شكري،‭ ‬إذ‭ ‬قامت‭ ‬بدور‭ ‬صحفية‭ ‬تحارب‭ ‬الفساد‭.‬

 

أعمال‭ ‬أدبية

من‭ ‬السمات‭ ‬الفنية‭ ‬للأفلام‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬وعالم‭ ‬الصحافة،‭ ‬أنها‭ ‬أخذت‭ ‬عن‭ ‬أعمال‭ ‬أدبية‭ ‬لكتّاب‭ ‬عملوا‭ ‬في‭ ‬بلاط‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالة،‭ ‬وربما‭ ‬عايشوا‭ ‬بعض‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬كتبوا‭ ‬عنها،‭ ‬ففيلما‭ ‬االعمر‭ ‬لحظةب،‭ ‬واجفت‭ ‬الدموعب‭ ‬مأخوذان‭ ‬عن‭ ‬روايتين‭ ‬ليوسف‭ ‬السباعي،‭ ‬وفيلم‭ ‬االقاهرة‭ ‬30ب‭ ‬مأخوذ‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬االقاهرة‭ ‬الجديدةب‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬وفيلم‭ ‬االلص‭ ‬والكلابب‭ ‬مأخوذ‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬لمحفوظ،‭ ‬وادموع‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالةب‭ ‬مأخوذ‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬للأديب‭ ‬موسى‭ ‬صبري،‭ ‬وفيلم‭ ‬امصطفى‭ ‬كاملب‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬فتحي‭ ‬رضوان،‭ ‬السياسي‭ ‬والمفكر‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬بالصحافة‭ ‬وأنشأ‭ ‬وزارة‭ ‬الإرشاد‭ ‬القومي‭ (‬الإعلام‭).‬

إذن،‭ ‬فالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبية‭ ‬والصحافة‭ ‬علاقة‭ ‬قائمة‭ ‬باستمرار،‭ ‬لأن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬عملوا‭ ‬بالصحافة،‭ ‬وكتبوا‭ ‬عنها‭ ‬أعمالاً‭ ‬خالدة،‭ ‬مثل‭ ‬رواية‭ ‬ازينب‭ ‬والعرشب،‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬فتحي‭ ‬غانم‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬مسلسل‭ ‬تلفزيوني‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬السبعينيات،‭ ‬وتناولت‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬وأسرارها‭. ‬وكتب‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬احكايات‭ ‬المؤسسةب‭ ‬عن‭ ‬عمله‭ ‬بصحيفة‭ ‬أخبار‭ ‬اليوم‭ ‬القاهرية‭.‬

من‭ ‬السمات‭ ‬الفنية‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أن‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تجاور‭ ‬الصفات‭ ‬المتناقضة‭ ‬لشخصية‭ ‬الصحفي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬التكريس‭ ‬لأنماط‭ ‬محددة،‭ ‬فعملت‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬شخصيات‭ ‬وصراعات‭ ‬درامية‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬الاختلاف،‭ ‬فجمع‭ ‬الفيلم‭ ‬الواحد‭ ‬بين‭ ‬النموذجين‭ ‬المتناقضين،‭ ‬ففي‭ ‬فيلم‭ ‬االعمر‭ ‬لحظةب‭ ‬كان‭ ‬عبدالقادر‭ ‬السلبي؛‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬نعمت‭ ‬الإيجابية،‭ ‬وفي‭ ‬ادموع‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالةب،‭ ‬كان‭ ‬محفوظ‭ ‬عجب؛‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬مجموعة‭ ‬الصحفيين‭ ‬المناضلين،‭ ‬وجاءت‭ ‬كل‭ ‬الأفلام‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬أي‭ ‬دون‭ ‬تكريس‭ ‬لنموذج‭ ‬أو‭ ‬نماذج‭ ‬محددة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أضفى‭ ‬ثراء‭ ‬وموضوعيّة‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬مهنة‭ ‬الصحافة‭.‬

 

توثيق‭ ‬فني

يعتبر‭ ‬أداء‭ ‬محمود‭ ‬المليجي‭ (‬1910 ‭- ‬1983‭) ‬في‭ ‬دور‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬بفيلم‭ ‬ايوم‭ ‬من‭ ‬عمريب‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬جسدت‭ ‬شخصية‭ ‬الصحفي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مقنعًا‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬مدى،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬توتّره‭ ‬المهني،‭ ‬وقد‭ ‬شمّر‭ ‬عن‭ ‬ساعديه‭ ‬ويتحرك‭ ‬مترقبًا‭ ‬داخل‭ ‬الجريدة،‭ ‬ويتحدث‭ ‬مُلحّا‭ ‬قلقًا،‭ ‬ويمارس‭ ‬الضغط‭ ‬باستمرار‭ ‬على‭ ‬الصحفيين،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التميّز‭ ‬والتفرد،‭ ‬فاستطاع‭ ‬المليجي‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬بصدق‭ ‬مشاعر‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬يومية،‭ ‬يسابق‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خبر‭ ‬حقيقي‭ ‬غير‭ ‬زائف‭. ‬

واستطاعت‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬تصويرها‭ ‬لشخصية‭ ‬الصحفي‭ ‬أن‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬المرحلة‭ ‬السياسية‭ ‬وظروف‭ ‬البيئة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والتطور‭ ‬الدرامي‭ ‬لشخصية‭ ‬الصحفي،‭ ‬ولذلك‭ ‬جاءت‭ ‬الأفلام‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬والنضج‭ ‬الفني،‭ ‬حيث‭ ‬استطاعت‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬توثيقًا‭ ‬فنيًّا‭ ‬لمراحل‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬المصريون،‭ ‬ففي‭ ‬اأنا‭ ‬حرةب‭ ‬ظهرت‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وتقاطعت‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬المجتمع‭ ‬وتعلّم‭ ‬المرأة‭. ‬

وفي‭ ‬االعمر‭ ‬لحظةب‭ ‬برز‭ ‬أثر‭ ‬الرغبة‭ ‬العارمة‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬وأثر‭ ‬التفجير‭ ‬الصهيوني‭ ‬للمدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وفي‭ ‬االغولب‭ ‬برز‭ ‬أثر‭ ‬الانفتاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬واعتلاء‭ ‬طبقة‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬لقمّة‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وسيطرتهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وفي‭ ‬ازائر‭ ‬الفجرب‭ ‬طرح‭ ‬واضح‭ ‬لاستشراء‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وفي‭ ‬فيلم‭ ‬االآخرب‭ ‬تناول‭ ‬راقٍ‭ ‬لفكرة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬وهيمنة‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬وظهور‭ ‬االعولمةب،‭... ‬وهكذا‭. ‬

وبالتالي‭ ‬أصبحت‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬أو‭ ‬تمحورت‭ ‬حول‭ ‬مهنة‭ ‬االصحافةب‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أفلام‭ ‬المهن‭ - ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭ - ‬نضجًا‭ ‬ووعيًا‭ ‬وفكرًا؛‭ ‬لأنها‭ ‬ارتكزت‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الظروف‭ ‬السائدة،‭ ‬وتناولت‭ ‬أثر‭ ‬الأحداث‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬وارتكزت‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬كيفية‭ ‬تعامل‭ ‬الصحفيين‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مشاربهم‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ .‬

شريهان‭ ‬ومحمود‭ ‬حميدة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬سوق‭ ‬النساء‮»‬