صورة الصحفي في السينما المصرية
تعتبر مهنة الصحفي من المهن اللافتة في السينما المصرية، لما تمثّله من معانٍ دقيقة وتأثير فاعل، فالصحفي ضمير أمته، يبحث عن الحقيقة ويكشفها في سبيل دحر الفساد، وإعلاء القيم الإيجابية في المجتمع، واتسمت الصحافة دائمًا بأدوارها المائزة وقدرتها على تجييش الناس في أثناء الثورات والأحداث السياسية، والتأثير على اتجاهات الرأي العام في كثير من الأزمات والتحولات التاريخية.
وعبّرت السينما في كثير من الأفلام الروائية الطويلة عن مهن ووظائف مختلفة، من بينها تلك المهن التي تتميز بالثراء والحساسية والتأثير الفاعل في مصائر الشعوب، حتى أن بعض الأفلام قامت موضوعاتها الرئيسة على تلك المهن، كالقاضي، والمحامي، والمعلم، والطبيب،... إلخ.
جسدت السينما المصرية عديدا من هذه الشخصيات التي يستطيع أصحابها أن يحدثوا تأثيرًا جوهريًّا، كما يمكن أن يكونوا بمهنهم هذه؛ سببًا لمراحل فاصلة في حياة الآخرين؛ لأن القائمين عليها يملكون الوعي والثقافة وأحيانًا االكاريزماب التي من خلالها يكونون أكثر إقناعًا وأكثر بصيرة واستشرافًا للمستقبل.
من هذه المهن مهنة الصحفي التي قدّمتها السينما المصرية في كثير من الأفلام قديمًا وحديثًا، وجاء طرحها من خلال نماذج إنسانية تتواءم والواقع الحياتي للصحفي، أي أنه نتاج ظروف اجتماعية وبيئية معيّنة، تدفعه إلى حب الخير وخدمة المجتمع؛ أو تدفعه إلى أن يكون شخصًا أنانيًّا لا يرى سوى مصالحه الشخصية فحسب، لذلك جاء طرح هذه الشخصية/ المهنة من خلال نماذج متباينة؛ تكشف عن قدر كبير من التباين والاختلاف.
والصحفي معبّر جيد عن تجليات الإنسان في قمة وعيه، وإدراكه، وقدرته على التواصل والإبداع، يسعى إلى أداء رسالته في المجتمع، من خلال البحث عن الحقائق وكشفها، ولذلك سميّت الصحافة بمهنة البحث عن المتاعب، ووُصفت في قيامها بمسؤولياتها بـ االسلطة الرابعةب، ولقبت بـ اصاحبة الجلالةب إعلاء لقيمتها، وتشبيهًا لها بالملِكة المتوَّجة، وتقديرًا للدور الذي تقوم به في المجتمع.
نماذج متباينة لشخصية الصحفي
جاء طرح هذه المهنة في الأفلام الروائية من خلال نماذج إنسانية تتواءم والواقع الحياتي للصحفي باعتباره بشرًا؛ يحب الخير ويخدم المجتمع، أو يتملّق الآخرين من أجل مواصلة الصعود، لذا فقد بدت المكونات النفسية لهذه الشخصية ببذخ وجلاء من خلال نماذج متباينة، فكيف قدّمتها السينما، وكيف رصدت ميولها الإنسانية؟
بدأ ظهور شخصية الصحفي في السينما مبكرًا من خلال بعض الأفلام، مثل فيلم مصطفى كامل (1952) بطولة أنور أحمد، وإخراج أحمد بدرخان، وتناول حياة الزعيم مصطفى كامل الذي كتب ضد الاستعمار، وأنشأ جريدة اللواء لتكون منبرًا لمقالات الوطنيين المطالبين بالاستقلال، وفيلم اعصافير الجنةب (1955) من إخراج سيف الدين شوكت، وبطولة فيروز ونيللي وميرفت، حيث جسّد محمد توفيق شخصية الصحفي كمال الذي يبحث عن حقيقة هروب ثلاث بنات من أبيهم (محمود ذو الفقار)، بسبب قسوة زوجة الأب، ويستفيد كمال من رسالة أرسلتها البنات إلى الجريدة، وصرحوا فيها بخوفهم من المرأة الطاغية ازوجة الأبب.
وعلى الرغم من أن شخصية الصحفي كانت محورية ومؤثرة، سواء كمناضل من أجل الاستقلال، أو كمؤثر إيجابي في المجتمع؛ إلا أن هذه الشخصية في فيلم العبة الستب (1946) من إخراج ولي الدين سامح، وتأليف بديع خيري، وبطولة نجيب الريحاني، جاءت عابرة وغير مؤثرة، حيث جسّد الفنان حسن البارودي شخصية الصحفي النمطي الذي يسأل أسئلة جاهزة وسطحية.
تفاوت ملحوظ
تعددت أشكال وأبعاد هذه الشخصية في السينما، وظهرت بتجليات عديدة، منها ما يكشف عن كونها رمزًا للنضال الوطني، وظهر هذا النموذج في عدد من الأفلام مثل شخصيتي عباس صفوت (شكري سرحان) في فيلم اأنا حرةب (1959)، وعلي طه (عبدالعزيز مكيوي) في فيلم االقاهرة 30ب (1966)، والفيلمان للمخرج صلاح أبو سيف. وقبلهما في فيلم امصطفى كاملب؛ ومنها ما يكشف عن مكونات نفسية بالغة السوء، مثل نموذج رؤوف علوان (كمال الشناوي) في فيلم االلص والكلابب (1962) من إخراج كمال الشيخ، ومحفوظ عجب (سمير صبري) في فيلم ادموع صاحبة الجلالةب (1992) من إخراج عاطف سالم، وغيرهما من النماذج التي عبّرت عن المتسلّقين في بلاط صاحبة الجلالة.
من هذه الأبعاد تجلّت شخصية الصحفي في السينما، أي بين التأثير بشقّيه الإيجابي والسلبي، والسطحية بتجلياتها المختلفة، ومنحت فئة المتسلقين والمدّعين بعدًا ثرًّا في بناء شخصيات تتحقق بها أعلى درجات المصداقية الفنية، ولذلك جاءت جل الأفلام في مختلف المراحل الزمنية، معبّرة عن تفاوت ملحوظ وتباين كبير يحاكي النماذج الإنسانية في الواقع، والتي تحتمل بطبيعتها كثيرًا من الاختلاف.
بناء على ذلك ظهرت صور عديدة للصحفي، منها صورة الصحفي الجاد الباحث عن الحقيقة، والصحفي الإيجابي، والصحفي الثوري، والصحفي الوصولي، وكذلك صورة الصحفي الرومانسي، والصحفي الباحث عن الإثارة، والصحفي المحبط أو السلبي، وهناك أيضًا نموذج الشخصية الكوميدية الذي قدّمه عبدالمنعم إبراهيم في فيلم اسر طاقية الإخفاءب (1959)، وعبدالسلام النابلسي الذي جسّد ببراعة شخصية المصور الصحفي في فيلم ايوم من عمريب (1961)، وقدّم أحمد زكي في فيلم اامرأة واحدة لا تكفيب (1990) نموذجًا مختلفًا لشخصية الصحفي المنفلت.
صورة الصحفي صاحب القضية
تعد شخصية الصحفي الباحث عن الحقيقة، المؤمن بالقضايا الكبرى، من أهم النماذج التي قدّمتها السينما، وهو نموذج الصحفي الجاد صاحب المبادئ والقيم الإنسانية، وتم تجسيد هذا النموذج في أفلام عدة، منها: االغولب، وافتوة الناس الغلابةب، واضربة شمسب، واالآخرب، وغيرها.
ويتحول الصراع الدرامي في فيلم االغولب (1983) بطولة عادل إمام وإخراج سمير سيف (على سبيل المثال) إلى قضية خاصة وصراع رئيسي، بين الصحفي عادل عيسى (عادل إمام) وفهمي الكاشف (أحد كبار رجال الأعمال)، (فريد شوقي) من أجل تحقيق العدالة في أن ينال القاتل جزاءه، فالصحفي عادل هو الشاهد على جريمة القتل التي ارتكبها نشأت الكاشف (حاتم ذو الفقار)، نجل فهمي، الذي يحاول شراء سكوت الشاهد بكل الطرق، لكنّ الصحفي يستمر في سعيه لكشف الحقيقة لينال القاتل جزاءه، ويقوم الصراع الدرامي على العلاقة بين الطرفين؛ والد القاتل الذي يسعى إلى إخفاء الجريمة وإفلات ابنه من قبضة القضاء؛ والصحفي الذي يعبّر عن صوت الحق ولا يتوانى عن أداء رسالته ودوره الإنساني في خدمة الحق والعدل.
وتبدو في الفيلم عديد من البنى الرمزية ذات البُعد الموضوعي، كأن يكون الشاهد اصحفيًاب، يمثل صوت الحق الذي لا يهدأ ولا يُشترى، فلا يعبأ سوى بالحقيقة ومحاولة توصيلها للمسؤول/ القضاء، وهو الوجه الحقيقي والناصع لمهنة الصحافة، وجاء الاسم الشخصي للصحفي اعادلب تعبيرًا عن العدل والسعي إلى تطبيقه في المجتمع مهما كانت صعوبة ذلك.
نموذجان متناقضان
حفلت بعض الأفلام بنموذجين متناقضين لشخصية الصحفي، مثل أفلام: االعمر لحظةب، وادموع صاحبة الجلالةب، واالقاهرة 30ب، وغيرها؛ إذ تمحور فيلم االعمر لحظةب (1978) من إخراج محمد راضي - تمثيلًا لا حصرًا - حول شخصية نعمت (ماجدة) الصحفية التي تذهب إلى خط المواجهة مع العدو الصهيوني إبان حرب الاستنزاف، وتنقل أخبار الجنود المصريين وبطولاتهم اليومية على خط النار، وتشارك في تظاهرات (1972) المطالبة بالحرب والثأر من العدو، وفي المقابل جاءت صورة رئيس التحرير (أحمد مظهر) معبّرة عن الروح الانهزامية وعدم الإحساس بالمسؤولية، والانغماس في الحياة اللاهية، للتدليل على الاختلاف وتعدّد أنماط الشخصية الصحفية.
والأمر نفسه في فيلم ادموع صاحبة الجلالةب (1992) من إخراج عاطف سالم، حيث يتناول عالم الصحافة وأسرارها، من خلال قصة صعود الصحفي الوصولي محفوظ عجب (سمير صبري)، الذي يتملق رؤساءه بشتّى الطرق في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية، وتظهر في الوقت نفسه مجموعة من الصحفيين الوطنيين الذين يؤلّفون خليّة سرية مناوئة للاحتلال الإنجليزي، وتعمل من أجل حماية الوطن وكشف الفساد المستشري للسراي، وتمثّل هذه المجموعة الجانب المشرق لصاحبة الجلالة.
كذلك فيلم االقاهرة 30ب (1966)، الذي يضم نموذجين متناقضين ومعبّرين لشخصية الصحفي، هما شخصية محجوب عبدالدايم (حمدي أحمد)، وعلي طه (عبدالعزيز مكيوي)، فالأول يبيع كل شيء، حتى الشرف والكرامة، من أجل مكاسب سطحية، بينما الآخر يعي معنى الوطن ويدرك كيف تكون التضحية.
«الرومانسية» في بلاط صاحبة الجلالة
أما نموذج الصحفي الرومانسي، فقد ظهر في أفلام عدة، أهمها ايوم من عمريب (1961) من إخراج عاطف سالم، حيث يقع صلاح (عبدالحليم حافظ) في حب نادية (زبيدة ثروت)، ويقضيان أيامًا سعيدة، ثم يكتشف أنها ابنة المليونير الهاربة، فيستفيد من الصور التي جمعتهما معًا، ويسعى إلى نشرها - وهو الصحفي الصغير الذي يبحث عن سبق صحفي يضعه على أعتاب التفرّد - فيقدم الصور إلى الجريدة وتأخذ طريقها للنشر، لكنه يشعر بالضآلة والخسّة نتيجة لذلك، فيستولي في اللحظة الأخيرة على الصور والماكيت ويمنع النشر، منتصرًا للعلاقة الأسمى في الحياة؛ علاقة االحبب .
وفي فيلم اجفّت الدموعب (1975) من إخراج حلمي رفلة، يرتبط الصحفي الكاتب السياسي ورئيس التحرير سامي كرم (محمود ياسين) بحب الفنانة المشهورة هدى نورالدين (نجاة الصغيرة)، ويُحارب من أطراف عدة، منها منافسه في الانتخابات النقابية فؤاد عبدالجبار (يوسف شعبان) الانتهازي الذي يستغل هذه العلاقة العاطفية لإسقاط سامي، مما يدفع الفنانة إلى التضحية بحبها والذهاب بعيدًا من أجل مستقبل سامي. وقد حوى الفيلم عديدًا من النماذج الإيجابية والسلبية للصحفيين وصراعاتهم، مثل شخصية المحرر الفني عثمان جاب الله، التي جسّدها باقتدار الراحل إبراهيم سعفان.
الصحفي الوصولي
تجلّى نموذج الصحفي الوصولي الباحث عن مصالحه الشخصية، في عديد من الأفلام، فهو ينافق الآخرين ويتملّقهم من أجل هذا الهدف، وقد يعبث بمستقبل بعضهم ليأخذ موقعًا أهم، ولا يتوقف طموحه عند حد معيّن، بل إنه دؤوب، ودائم السعي لتحقيق المزيد من الصعود على أكتاف الآخرين، وجسّدت السينما هذا النموذج في أفلام: ادموع صاحبة الجلالةب، واامرأة واحدة لا تكفيب، وااللص والكلابب، واالقاهرة 30ب، وغيرها.
أما نموذج الصحفي اليساري فقدّمته السينما من خلال فيلم االسفارة في العمارةب (2005) للمخرج عمرو عرفة، حيث جسّد (أحمد صيام) شخصية مصطفى، الصحفي اليساري في جريدة الاب بمظهره المتواضع وشعاراته الحماسية، وجاء توظيفه مناسبًا للأحداث التي تتناول موقع السفارة الإسرائيلية وموقفه منها.
وعبّرت السينما عن شخصية الصحفي الباحث عن الإثارة في فيلم امعبودة الجماهيرب (1967) من إخراج حلمي رفلة، حيث يطارد مصوران صحفيان الممثلة المشهورة سهير (شادية) والمطرب المبتدئ إبراهيم فريد (عبدالحليم حافظ) ويقومان بتصويرهما خلسة، بحثًا عن الإثارة الصحفية، وهو اتجاه معروف في الصحافة تلجأ إليه الصحافة الصفراء عادة، من أجل تحقيق نسب توزيع مرتفعة. أيضًا في فيلم االنوم في العسلب (1996) للمخرج شريف عرفة، تقوم الصحفية سلمى (شيرين رضا) بتقفّي آثار حادث غريب يشبه أمراض الذكورة، بحثًا عن الحقيقة والإثارة الصحفية معًا.
التعبير السينمائي عن المرأة الصحفية
عبّرت السينما عن دور المرأة في مهنة الصحافة، ومدى تعدد هذا الدور، الذي اتسم بالإيجابية في أغلب الأفلام، مثل: اسوق النساءب (1994) للمخرج يوسف فرنسيس، حيث جسدت شريهان دور الصحفية نادية التي تبحث عن سر مقتل شقيقتها، وابطل من ورقب (1988) للمخرج نادر جلال، حيث جسدت (آثار الحكيم) في قالب كوميدي شخصية سوسن، الصحفية التي تتابع أزمة رامي قشوع (ممدوح عبدالعليم) كاتب السيناريو وصاحب الخيال الخصب، فيقوم أحد المجرمين بتنفيذ السيناريو الخيالي على أرض الواقع.
وكذلك فيلم االإرهابب (1989) للمخرج نادر جلال، وفيلم اقضية سميحة بدرانب (1990) من إخراج إيناس الدغيدي، واالآخرب (1998) للمخرج يوسف شاهين، الذي جسّدت فيه حنان ترك شخصية الصحفية المثقفة حنان، ابنة البيئة الشعبية، وكذلك الفيلم الكوميدي اعيال حبّيبةب الذي واجهت فيه الصحفية نهى (غادة عادل) الفاسدين، وغيرها من الأفلام.
ولعلّ فاتن حمامة هي أوّل من جسدت شخصية المرأة الصحفية على شاشة السينما من خلال فيلم اموعد غرامب (1956) للمخرج هنري بركات أمام عبدالحليم حافظ، حيث قامت بدور محررة باب ابريد القلبب، وقدّمت شخصية المرأة الصحفية مرة أخرى في فيلم االمعجزةب (1962) للمخرج حسن الإمام، حيث جسّدت شخصية ليلى مجدي الصحفية التي تهتم بمشاكل الفتيات.
وجاء دور الراحلة ماجدة الخطيب لافتًا في فيلم ازائر الفجرب (1975) للمخرج ممدوح شكري، إذ قامت بدور صحفية تحارب الفساد.
أعمال أدبية
من السمات الفنية للأفلام التي تناولت شخصية الصحفي وعالم الصحافة، أنها أخذت عن أعمال أدبية لكتّاب عملوا في بلاط صاحبة الجلالة، وربما عايشوا بعض الأحداث التي كتبوا عنها، ففيلما االعمر لحظةب، واجفت الدموعب مأخوذان عن روايتين ليوسف السباعي، وفيلم االقاهرة 30ب مأخوذ عن رواية االقاهرة الجديدةب لنجيب محفوظ، وفيلم االلص والكلابب مأخوذ أيضًا عن قصة لمحفوظ، وادموع صاحبة الجلالةب مأخوذ عن رواية للأديب موسى صبري، وفيلم امصطفى كاملب من تأليف فتحي رضوان، السياسي والمفكر الذي عمل بالصحافة وأنشأ وزارة الإرشاد القومي (الإعلام).
إذن، فالعلاقة بين الكتابة الأدبية والصحافة علاقة قائمة باستمرار، لأن كثيرًا من الأدباء عملوا بالصحافة، وكتبوا عنها أعمالاً خالدة، مثل رواية ازينب والعرشب، التي كتبها فتحي غانم وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني في أواخر السبعينيات، وتناولت عالم الصحافة وأسرارها. وكتب جمال الغيطاني احكايات المؤسسةب عن عمله بصحيفة أخبار اليوم القاهرية.
من السمات الفنية أيضًا في هذا السياق، أن السينما المصرية عملت على تجاور الصفات المتناقضة لشخصية الصحفي، من أجل الابتعاد عن التكريس لأنماط محددة، فعملت على بناء شخصيات وصراعات درامية تعبّر عن الاختلاف، فجمع الفيلم الواحد بين النموذجين المتناقضين، ففي فيلم االعمر لحظةب كان عبدالقادر السلبي؛ في مقابل نعمت الإيجابية، وفي ادموع صاحبة الجلالةب، كان محفوظ عجب؛ في مقابل مجموعة الصحفيين المناضلين، وجاءت كل الأفلام على هذا النحو، أي دون تكريس لنموذج أو نماذج محددة، وهو ما أضفى ثراء وموضوعيّة على أغلب الأفلام التي قامت على مهنة الصحافة.
توثيق فني
يعتبر أداء محمود المليجي (1910 - 1983) في دور رئيس التحرير بفيلم ايوم من عمريب من أهم الأدوار التي جسدت شخصية الصحفي، فقد كان مقنعًا إلى أبعد مدى، سواء في توتّره المهني، وقد شمّر عن ساعديه ويتحرك مترقبًا داخل الجريدة، ويتحدث مُلحّا قلقًا، ويمارس الضغط باستمرار على الصحفيين، من أجل التميّز والتفرد، فاستطاع المليجي أن ينقل بصدق مشاعر رئيس التحرير في جريدة يومية، يسابق الزمن من أجل خبر حقيقي غير زائف.
واستطاعت السينما في تصويرها لشخصية الصحفي أن تربط بين المرحلة السياسية وظروف البيئة الاجتماعية، والتطور الدرامي لشخصية الصحفي، ولذلك جاءت الأفلام على درجة كبيرة من الوعي والنضج الفني، حيث استطاعت هذه الأفلام أن تكون توثيقًا فنيًّا لمراحل سياسية واجتماعية مرّ بها المصريون، ففي اأنا حرةب ظهرت الأوضاع السياسية في مصر، وتقاطعت مع تطور المجتمع وتعلّم المرأة.
وفي االعمر لحظةب برز أثر الرغبة العارمة في الحرب، وأثر التفجير الصهيوني للمدارس والمستشفيات في مصر على الحياة الاجتماعية، وفي االغولب برز أثر الانفتاح الاقتصادي واعتلاء طبقة رجال الأعمال لقمّة البنية الاجتماعية وسيطرتهم على كل شيء، وفي ازائر الفجرب طرح واضح لاستشراء الفساد في المجتمع، وفي فيلم االآخرب تناول راقٍ لفكرة النظام العالمي الجديد وهيمنة القطب الواحد وظهور االعولمةب،... وهكذا.
وبالتالي أصبحت الأفلام التي تناولت أو تمحورت حول مهنة االصحافةب من أكثر أفلام المهن - إن جاز التعبير - نضجًا ووعيًا وفكرًا؛ لأنها ارتكزت على التعبير عن الظروف السائدة، وتناولت أثر الأحداث المختلفة على المجتمع، وارتكزت على مناقشة كيفية تعامل الصحفيين على اختلاف مشاربهم مع هذه الظروف .
شريهان ومحمود حميدة في فيلم «سوق النساء»