الفنان منير الشعراني: أستخدمُ عبارات تحضّ على التفكير والعمل وتُولّد الأسئلة

الفنان منير الشعراني:  أستخدمُ عبارات تحضّ على التفكير والعمل وتُولّد الأسئلة

الفنان السوري منير الشعراني صاحب تجربة فنية وإبداعية كبيرة وثرية، في إنطاق الحرف شعراً، عبر خطوط وألوان وظلال وانعكاسات، تشتبك لتخلق عالمًا دلاليًّا موازيًا للجملة الشعرية، التي يقتنصها بذوق يخصه ويشبهه، حيث يتنقل بين النصوص قديمها وحديثها، ليتجاور شعر الجاهليين مع شعر الحداثة، في حين يمكن أن يعد مختارات يتأسس فيها التشكيل على الشعر، ويؤسس لرؤى جمالية جديدة حوله.

عندما‭ ‬نطالع‭ ‬لوحات‭ ‬الشعراني‭ ‬يصلنا‭ ‬إحساس‭ ‬بأننا‭ ‬نقرأ‭ ‬الشعر‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬لقد‭ ‬عوّل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬إنتاج‭ ‬الدلالة،‭ ‬ودورها‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬ونحن‭ ‬إزاء‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬نجد‭ ‬أبعادًا‭ ‬أخرى‭ ‬لإنتاج‭ ‬الدلالة‭ ‬عبر‭ ‬الحرف‭ ‬والتشكيل،‭ ‬وتؤكد‭ ‬تصميماته‭ ‬الفنية‭ ‬الجديدة‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬فنان‭ ‬شاعر،‭ ‬وشاعر‭ ‬فنان،‭ ‬له‭ ‬قدرته‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يستلهم‭ ‬مقومات‭ ‬الفن‭ ‬ويختزلها،‭ ‬استشرافًا‭ ‬لتجربة‭ ‬جمالية‭ ‬لها‭ ‬فرادتها،‭ ‬انحيازًا‭ ‬للجدة‭ ‬والخصوصية‭ ‬المنطلقة‭ ‬من‭ ‬الجذور،‭ ‬هو‭ ‬فنان‭ ‬لا‭ ‬يشتغل‭ ‬على‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬السطر‭ ‬الشعري،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يشتغل‭ ‬على‭ ‬ماء‭ ‬الشعر،‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬عذبًا‭ ‬رقراقًا،‭ ‬وتأتي‭ ‬كتاباته‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الفني‭ ‬لتؤصل‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬وله‭.‬

‭-‬كيف‭ ‬تختار‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬تشتغل‭ ‬عليها‭ ‬تشكيليًّا؟

‭- ‬ما‭ ‬يهمني‭ ‬في‭ ‬اختياراتي‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬تهمني‭ ‬حياتنا‭ ‬المعاصرة،‭ ‬تهمني‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بحريّة‭ ‬الإنسان‭ ‬وكرامته،‭ ‬يهمني‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحق‭ ‬والعدل‭ ‬والخير‭ ‬والجمال،‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬فكري‭ ‬أنزع‭ ‬إلى‭ ‬الاشتراكية‭ ‬بالمعنى‭ ‬الفكري‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬أنزع‭ ‬إلى‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬فوارق‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وأعمل‭ ‬على‭ ‬هذا،‭ ‬ويتجلى‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬أعمالي،‭ ‬ليس‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة،‭ ‬وإنما‭ ‬باستخدام‭ ‬عبارات‭ ‬تحضّ‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬والعمل،‭ ‬وتولّد‭ ‬لديه‭ ‬الأسئلة،‭ ‬لأن‭ ‬السؤال‭ ‬هو‭ ‬الرحم‭ ‬الذي‭ ‬يخرج‭ ‬منه‭ ‬الجواب،‭ ‬وَأرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ - ‬أعني‭ ‬السؤال‭ - ‬أمر‭ ‬شديد‭ ‬الأهمية،‭ ‬فقد‭ ‬توقفنا‭ ‬عن‭ ‬التقدم‭ ‬عندما‭ ‬توقفنا‭ ‬عن‭ ‬السؤال،‭ ‬وعندما‭ ‬كانت‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬لا‭ ‬تقمع‭ ‬الأسئلة،‭ ‬كانت‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابات،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬أصبحنا‭ ‬ندّعي‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وامتلاك‭ ‬الإجابات‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬به،‭ ‬توقفنا‭ ‬عن‭ ‬التقدم،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنك‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستقرئ‭ ‬ما‭ ‬أسعى‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وفي‭ ‬الفن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬أختارها‭.‬

‭-‬ما‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تختلف‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬غيرك‭ ‬من‭ ‬فناني‭ ‬الخط‭ ‬العربي؟

‭- ‬أهم‭ ‬نقطة‭ ‬اختلفت‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الخطاطين،‭ ‬ومع‭ ‬الاتجاه‭ ‬العام‭ ‬المحافظ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬أنهم‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬الذروة‭ ‬والكمال،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬بالإمكان‭ ‬الإضافة‭ ‬إليه،‭ ‬بعد‭ ‬العصر‭ ‬العثماني،‭ ‬أما‭ ‬أنا‭ ‬فأرى‭ ‬أن‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬لا‭ ‬ذروة‭ ‬ولا‭ ‬حدود‭ ‬له‭ ‬يتوقف‭ ‬عندها،‭ ‬وأن‭ ‬القول‭ ‬ببلوغه‭ ‬الذروة‭ ‬معناه‭ ‬أنه‭ ‬انتهى‭ ‬كفنّ،‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬حرفة‭ ‬تقليدية‭ ‬فحسب،‭ ‬والإضافة‭ ‬إليه‭ ‬وتطويره‭ ‬هما‭ ‬الأمران‭ ‬الطبيعيان‭ ‬واللازمان،‭ ‬إن‭ ‬تخلّصنا‭ ‬من‭ ‬السلفية‭ ‬والجمود‭ ‬والاتباعية‭ ‬والتقليد‭ ‬فيه،‭ ‬ووعى‭ ‬الخطاطون‭ ‬المتميزون‭ ‬القادرون‭ ‬على‭ ‬التوليد‭ ‬والتجديد‭ ‬ذلك،‭ ‬وقد‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أثبت‭ ‬هذا‭ ‬نظريًّا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬والكتابة‭ ‬والمحاضرة،‭ ‬وعمليًّا‭ ‬عبر‭ ‬أعمالي،‭ ‬وعبر‭ ‬أشياء‭ ‬عديدة‭ ‬صممتها،‭ ‬وقد‭ ‬أثبتُّ‭ ‬إمكانات‭ ‬التجديد‭ ‬والإضافة‭ ‬بعمل‭ ‬لوحات‭ ‬بعبارات‭ ‬كان‭ ‬الخطاطون‭ ‬قد‭ ‬شكّلوها‭ ‬عشرات‭ ‬المرّات‭ ‬بأشكال‭ ‬متقاربة،‭ ‬لكن‭ ‬بتصميمات‭ ‬وخطوط‭ ‬جديدة‭ ‬مبتكرة،‭ ‬مختلفة‭ ‬كليًا،‭ ‬كالبسملة‭ ‬والشهادتين‭ ‬وغيرهما،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أعمالي‭ ‬التي‭ ‬اخترت‭ ‬لها‭ ‬عبارات‭ ‬مغايرة‭ ‬لما‭ ‬تعوّد‭ ‬عليه‭ ‬الخطاطون‭ ‬من‭ ‬عبارات‭ ‬مكرورة،‭ ‬وبخطوط‭ ‬قمت‭ ‬بتطويرها‭ ‬أو‭ ‬توليدها‭ ‬أو‭ ‬تجديدها‭ ‬أو‭ ‬ابتكارها،‭ ‬وبتشكيلات‭ ‬وتصاميم‭ ‬جديدة،‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الفنون‭ ‬والذائقة‭ ‬التشكيلية،‭ ‬وتستعيد‭ ‬للخط‭ ‬العربي‭ ‬مكانته‭ ‬بين‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحوّل‭ ‬في‭ ‬أنظار‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬مهنة‭ ‬للتكسّب،‭ ‬وفي‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬إلى‭ ‬فن‭ ‬تقليدي‭ ‬مرتبط‭ ‬بالمقدّس،‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬العثماني‭.‬

‭-‬كيف‭ ‬بدأ‭ ‬العناق‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والتشكيل‭ ‬في‭ ‬تجربتك‭ ‬الفنية؟

‭- ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬تفتّح‭ ‬وعيي‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬وأنا‭ ‬أحب‭ ‬الشعر،‭ ‬لكنني‭ ‬كنت‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬أشعار‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬تكرارًا‭ ‬لآخرين،‭ ‬فصرت‭ ‬لا‭ ‬أقرب‭ ‬هؤلاء،‭ ‬وبالتدريج‭ ‬أصبحت‭ ‬أميّز‭ ‬بين‭ ‬الغث‭ ‬والسمين‭ ‬من‭ ‬الشعر،‭ ‬وأجمع‭ ‬مختارات‭ ‬من‭ ‬أبيات‭ ‬أعجبتني،‭ ‬صرتُ‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬أتعامل‭ ‬معه‭ ‬بعين‭ ‬الفنان،‭ ‬لا‭ ‬بعين‭ ‬المتأثر‭ ‬عاطفيًّا‭ ‬أو‭ ‬دينيًّا‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجيًّا،‭ ‬فالمعنى‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يهمني،‭ ‬ولهذا‭ ‬أخذت‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬المقدسة‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬يهمه‭ ‬في‭ ‬آخرته،‭ ‬وبحثتُ‭ ‬في‭ ‬غيرها‭ ‬عن‭ ‬السؤال،‭ ‬وعما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالإنسان‭ ‬وقضاياه،‭ ‬وما‭ ‬يهمه‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬وأفكار،‭ ‬تحفّزه‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وتثير‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬الأسئلة‭ ‬وتحرّض‭ ‬عقله‭.‬

‭-‬هل‭ ‬تبدو‭ ‬فكرة‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬فكرة‭ ‬مطروحة‭ ‬أيضًا،‭ ‬عبر‭ ‬لوحاتك؟‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬سؤالاً‭ ‬عبر‭ ‬التشكيل‭ ‬الجمالي؟

‭- ‬لا‭ ‬يفترض‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لوحة‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬سؤالًا‭ ‬بالمعنى‭ ‬المباشر،‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬سؤالًا‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال،‭ ‬ومحاولة‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاتها‭ ‬تتم‭ ‬عبر‭ ‬السؤال،‭ ‬فأنت‭ ‬عندما‭ ‬تتلقى‭ ‬عملاً‭ ‬تشكيليًّا،‭ ‬فإن‭ ‬التلقّي‭ ‬يتم‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬عبر‭ ‬الشكل،‭ ‬حيث‭ ‬يعجبك‭ ‬الشكل‭ ‬أولًا،‭ ‬ثم‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الكلمات،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬النص،‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬فنية،‭ ‬تعتمد‭ ‬أساليب‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬التشكيل‭ ‬البصري‭ ‬تُرشد‭ ‬المتلقي‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬النص‭.‬

في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬لوحاتي‭ ‬يظن‭ ‬المتلقون‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬قراءتها،‭ ‬بينما‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬يستطيعون‭ ‬قراءة‭ ‬اللوحات‭ ‬الخطية‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬مثلاً،‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬صحيح،‭ ‬لأنهم‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬يلتقطون‭ ‬بعض‭ ‬الكلمات،‭ ‬ويكملون‭ ‬البقيّة‭ ‬من‭ ‬ذاكرتهم،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬نصوصي،‭ ‬وهي‭ ‬مختارة‭ ‬بعناية،‭ ‬فقد‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬ما‭ ‬يحفظونه‭ ‬أو‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬قراءته،‭ ‬وبمعنى‭ ‬أوضح‭ ‬هناك‭ ‬نصوص‭ ‬أختارها‭ ‬بخصوصية،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬المتلقي‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬أو‭ ‬دراية‭ ‬بها،‭ ‬فَتُشكِل‭ ‬عليه‭ ‬قراءتها‭. ‬

السؤال‭ ‬هنا‭: ‬كيف‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬قراءتها؟‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬تفكيك‭ ‬اللوحة‭ ‬كلمة‭ ‬كلمة،‭ ‬ثم‭ ‬محاولة‭ ‬تركيب‭ ‬العبارة‭ ‬منها،‭ ‬فالسؤال‭ ‬موجود‭ ‬هنا‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لكننا‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬أصفه‭ ‬بالكسل‭ ‬العقلي،‭ ‬أصبحنا‭ ‬نريد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬جاهزًا،‭ ‬نريد‭ ‬من‭ ‬الشاعر‭ ‬مثلًا‭ ‬أن‭ ‬يُسمعنا‭ ‬أو‭ ‬يكتب‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬نفهمه‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬وهلة‭.‬

‭-‬أن‭ ‬يستغرق‭ ‬المتلقي‭ ‬وقتًا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬تلقّي‭ ‬لوحة‭ ‬تشكيلية‭ ‬لك،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬درجة‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬إيجابيًّا؟‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬درجة‭ ‬يبدو‭ ‬سلبيًّا؟

‭- ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬استغراق‭ ‬المتلقي‭ ‬وقتًا‭ ‬في‭ ‬التلقي‭ ‬أي‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬السلبية،‭ ‬فبقاء‭ ‬المتلقي‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬وقتًا‭ ‬ليفك‭ ‬رموزه‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬شدّه‭ ‬بصريًّا‭ ‬وفنيًّا،‭ ‬وجعله‭ ‬يبحث‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬العبارة‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح،‭ ‬وأن‭ ‬يفكّر‭ ‬في‭ ‬العناصر‭ ‬الفنية‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬البينية،‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمحتوى‭ ‬العمل،‭ ‬هنا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أنبّه‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬فنّ‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬يحيلنا‭ ‬إلى‭ ‬إشكال‭ ‬كبير،‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الذين‭ ‬عملوا‭ ‬على‭ ‬التجريد،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬يفهموا‭ ‬أعمالهم،‭ ‬وأثيرت‭ ‬قضية‭ ‬إشكالية‭ ‬حول‭ ‬الشكل‭ ‬والمحتوى،‭ ‬لكن‭ ‬فنّ‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬تجريد،‭ ‬بالمعنى‭ ‬البصري،‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية،‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬رغب‭ ‬الفنانون‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلّ‭ ‬لها،‭ ‬مع‭ ‬سعيهم‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬المحاكاة‭ ‬والنقل‭ ‬من‭ ‬الواقع‭.‬

‭-‬لديك‭ ‬طريقة‭ ‬ربما‭ ‬تأتي‭ ‬مخالفة‭ ‬لما‭ ‬اعتاده‭ ‬فنانو‭ ‬الخط‭ ‬العربي،‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬ملامح‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭.‬

‭- ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬كبير،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬العبارات،‭ ‬ثم‭ ‬أبدأ‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬العمل‭ ‬والتمرين‭ ‬عليه،‭ ‬وأستخدم‭ ‬القلم‭ ‬كعادة‭ ‬الخطاطين،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬التشكيل،‭ ‬أبدأ‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬لا‭ ‬يقومون‭ ‬بها،‭ ‬فهم‭ ‬يقومون‭ ‬بعمل‭ ‬قوالب‭ ‬من‭ ‬التركيب‭ ‬الخطي‭ ‬بعد‭ ‬تكبيره‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بقلم‭ ‬أكبر،‭ ‬مع‭ ‬تعديلات‭ ‬بسيطة‭ ‬ضمن‭ ‬التقاليد‭ ‬المتبعة،‭ ‬أما‭ ‬أنا‭ ‬فأختار‭ ‬التمرين‭ ‬الذي‭ ‬أعجبني،‭ ‬قبل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬القالب‭ ‬بالقياس‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وأطوع‭ ‬العبارة‭ ‬بشكل‭ ‬فني‭ ‬يليق‭ ‬بها،‭ ‬ثم‭ ‬أكبِّر‭ ‬العمل‭ ‬وأضبط‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬كتلة‭ ‬العبارة‭ ‬والفراغات‭ ‬البينية‭ ‬فيها،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الناظمة‭ ‬للعمل‭ ‬وللتوزيع‭ ‬البصري‭ ‬لعناصره‭ ‬وتفاصيله،‭ ‬عاملًا‭ ‬على‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬أسس‭ ‬التشكيل‭ ‬العامة‭ ‬وخصوصيات‭ ‬فن‭ ‬الخط‭ ‬العربي،‭ ‬وعند‭ ‬التنفيذ‭ ‬لا‭ ‬يهمني‭ ‬استخدام‭ ‬قلم‭ ‬الخط‭ ‬ولا‭ ‬أدوات‭ ‬الخطاطين‭ ‬وتقاليدهم‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬يهمني‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬عليه‭ ‬العمل،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬شد‭ ‬المتلقي‭ ‬بصريًّا‭ ‬والتأثير‭ ‬فيه،‭ ‬وتميّزه‭ ‬عن‭ ‬غيره،‭ ‬ثم‭ ‬أكبّر‭ ‬العمل‭ ‬وأعمل‭ ‬القالب،‭ ‬بعد‭ ‬ضبط‭ ‬العلاقات‭ ‬والفراغات‭ ‬البينية‭ ‬فيه،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التفاصيل،‭ ‬وأختبر‭ ‬وضع‭ ‬النقاط،‭ ‬بحيث‭ ‬تشكّل‭ ‬إيقاعًا‭ ‬بصريًّا‭ ‬يجعل‭ ‬عيني‭ ‬المتلقي‭ ‬تنتقلان‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬بسلاسة،‭ ‬وتمنحانه‭ ‬إحساسًا‭ ‬جماليًّا‭ ‬مختلفًا‭.‬

‭-‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالألوان،‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نرى‭ ‬لوحات‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬واحد،‭ ‬باختلافات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬الألوان،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬أو‭ ‬الخلفية،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تفسيرك‭ ‬لهذا؟

‭- ‬اعتاد‭ ‬الخطاطون‭ ‬بعد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القالب،‭ ‬أن‭ ‬يعيدوا‭ ‬اللوحة‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أفعل‭ ‬هذا،‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأعمال‭ ‬كمستنسخات‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬ما،‭ ‬لذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬اختلاف‭ ‬بين‭ ‬نسخ‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬نتجت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التشكيل،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬تقديم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رؤية،‭ ‬فقد‭ ‬تناسب‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬خلفية‭ ‬قاتمة،‭ ‬مع‭ ‬ألوان‭ ‬معيّنة‭ ‬للخط،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬التشكيل‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬أبيض،‭ ‬وأنا‭ ‬أختار‭ ‬اللون‭ ‬مراعيًا‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بإحساسي‭ ‬بالعمل‭ ‬وبمحتواه،‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬كنت‭ ‬أستخدم‭ ‬ألوانًا‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الواحد،‭ ‬لكنني‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬ثرثرة‭ ‬لونيّة‭ ‬لا‭ ‬تضيف‭ ‬شيئًا‭ ‬إلى‭ ‬العمل،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬تشبّهًا‭ ‬بفنون‭ ‬أخرى،‭ ‬لذلك‭ ‬صرت‭ ‬أستعمل‭ ‬لونين‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬ملائمة‭ ‬غالبًا،‭ ‬ووجدت‭ ‬أن‭ ‬اللون‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يقرّب‭ ‬المتلقي‭ ‬من‭ ‬المعنى‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يحيل‭ ‬إليه‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬فاللون‭ ‬الأسود‭ ‬قد‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬لوحة،‭ ‬وفي‭ ‬لوحة‭ ‬أخرى‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬الفرح،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬قوة‭ ‬العمل،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اللون‭ ‬شارحًا،‭ ‬فهذا‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬العمل‭.‬

‭-‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬الجملة‭ ‬التي‭ ‬اشتغلت‭ ‬عليها‭ ‬تشكيليًا‭ ‬مثلاً‭ ‬بيت‭ ‬امرئ‭ ‬القيس‭:‬

 

أَلَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬اللَّيْلُ‭ ‬الطَّوِيلُ‭ ‬أَلَا‭ ‬انْجَلِ‭ ‬

بِصُبْحٍ‭ ‬وَمَا‭ ‬الإِصْبَاحُ‭ ‬مِنْكَ‭ ‬بِأَمْثَلِ

ونجد‭ ‬الخلفية‭ ‬سوداء،‭ ‬فهذا‭ ‬يبدو‭ ‬ملائمًا‭ ‬للمعنى،‭ ‬ونراها‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬أخرى‭ ‬بنفس‭ ‬التشكيل،‭ ‬ولكن‭ ‬بخلفية‭ ‬بيضاء،‭ ‬ما‭ ‬الهدف‭ ‬الجمالي‭ ‬الذي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬المتلقي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬المغايرة؟

‭- ‬السواد‭ ‬هنا‭ ‬يعطي‭ ‬معنى‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬الليل‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬لكن‭ ‬الليل‭ ‬بهذه‭ ‬العبارة‭ ‬له‭ ‬بُعد‭ ‬رمزي،‭ ‬لذلك‭ ‬قمت‭ ‬بتشكيل‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬لون‭ ‬آخر‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬أريده‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬التشكيل،‭ ‬فالعبرة‭ ‬بالمعنى‭ ‬الرمزي،‭ ‬لا‭ ‬بالإحالة‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬تتوسل‭ ‬باللون‭.‬

‭-‬إلى‭ ‬أي‭ ‬درجة‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬فن‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬له‭ ‬سمات‭ ‬وخصائص‭ ‬تميّزه‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بشعرية‭ ‬التشكيل؟

‭- ‬الشعرية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬الخط،‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬بتجليات‭ ‬وأشكال‭ ‬متعددة،‭ ‬الشعر‭ ‬بذاته‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬أحد‭ ‬تجليات‭ ‬الشعرية،‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬تجلّيها،‭ ‬هي‭ ‬موجودة‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬التشكيل‭ ‬البصري‭ ‬والموسيقا،‭ ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬الفنون،‭ ‬وربما‭ ‬يظن‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬اهتموا‭ ‬بالشعر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الفنون،‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬الشعرية‭ ‬إلا‭ ‬فيه،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬ليست‭ ‬كذلك،‭ ‬فجوهر‭ ‬الشعر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬وتكمن‭ ‬الشعرية‭ ‬في‭ ‬استخلاص‭ ‬هذا‭ ‬الجوهر،‭ ‬وبالتنبيه‭ ‬إلى‭ ‬الجمال‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يلحظه‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬صيغ‭ ‬من‭ ‬الشعرية‭ ‬غير‭ ‬مألوفة،‭ ‬هكذا‭ ‬أرى‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشعرية‭ ‬والفنون‭ ‬جميعها،‭ ‬أراها‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شعري‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الخطوط‭ ‬أولًا،‭ ‬والتقاط‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شعري‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والشكل‭ ‬الملائم‭ ‬لها،‭ ‬كما‭ ‬أراها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬القارئ‭ ‬وعقله‭ ‬عبر‭ ‬عينيه،‭ ‬فيخلق‭ ‬حوارًا‭ ‬جماليًّا‭ ‬في‭ ‬داخله،‭ ‬ويصل‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬مغاير‭ ‬أرقى‭ ‬أو‭ ‬أعمق‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬شعرية‭.‬

‭-‬اعتدنا‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬فناني‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬الشعر،‭ ‬أن‭ ‬يلتقط‭ ‬الفنان‭ ‬عبارة‭ ‬مكتملة‭ ‬المعنى،‭ ‬أو‭ ‬بيتًا‭ ‬شعريًّا‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬ولكن‭ ‬أنت‭ ‬تلتقط‭ ‬أحيانًا‭ ‬كلمتين،‭ ‬مثلًا‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬ديني‮»‬‭ ‬في‭ ‬لوحة،‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬تفسير‭ ‬لهذا؟

‭- ‬أنا‭ ‬أحاول‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬أختار‭ ‬الأكثر‭ ‬إشعاعًا‭ ‬في‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬أشكّلها،‭ ‬وإذا‭ ‬كانوا‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬بيت‭ ‬القصيد،‭ ‬فأنا‭ ‬أرى‭ ‬أنني‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬لبّ‭ ‬القصيد‭ ‬أو‭ ‬لبّ‭ ‬البيت،‭ ‬أو‭ ‬جوهر‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬الشاعر‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إليه،‭ ‬فعبارة‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬ديني‮»‬‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬هي‭ ‬لبّ‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬أبيات‭ ‬يتكلم‭ ‬فيها‭ ‬ابن‭ ‬عربي‭ ‬عن‭ ‬الأديان،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬جوهر‭ ‬القصيدة‭ ‬كلّها،‭ ‬لذا‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬اللوحة،‭ ‬وهناك‭ ‬مثلًا‭ ‬عبارات‭ ‬لأشخاص‭ ‬مختلفين،‭ ‬تعاملتُ‭ ‬معها‭ ‬تشكيليًّا،‭ ‬لكنها‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المعنى،‭ ‬ومن‭ ‬أجمل‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬شكّلتها‭ ‬‮«‬كلما‭ ‬اتسعت‭ ‬الرؤية‭ ‬ضاقت‭ ‬العبارة‮»‬‭ ‬للنفري،‭ ‬وهذه‭ ‬العبارة‭ ‬مكثفة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وفيها‭ ‬معنى‭ ‬أتبنّاه،‭ ‬لكنني‭ ‬وجدت‭ ‬لابن‭ ‬عربي‭ ‬عبارة‭ ‬أكثر‭ ‬تكثيفًا،‭ ‬تصبّ‭ ‬في‭ ‬المعنى،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أشمل‭ ‬وأبعد‭ ‬دلالة،‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬العارف‭ ‬صاحب‭ ‬تجريد‮»‬،‭ ‬لذلك‭ ‬اشتغلت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عمل،‭ ‬فالعارف‭ ‬عنده‭ ‬يصل‭ ‬بالمعنى‭ ‬أو‭ ‬الأمر‭ ‬أو‭ ‬الشيء‭ ‬إلى‭ ‬جوهره،‭ ‬لأنّه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تجريده‭ ‬من‭ ‬الفضول‭ ‬والزوائد‭ ‬والشوائب‭ ‬والحجب،‭ ‬أما‭ ‬عبارة‭ ‬النفري‭ ‬فتخصّ‭ ‬مقدرة‭ ‬العارف‭ ‬على‭ ‬التوصيل‭ ‬والتبليغ‭ ‬بما‭ ‬قلّ‭ ‬ودلّ‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬أو‭ ‬الكلمات،‭ ‬كلما‭ ‬ازدادت‭ ‬معرفته‭ ‬واتسعت‭ ‬رؤيته،‭ ‬ولا‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬العارفين‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬معارفهم‭ ‬وأساليب‭ ‬توصيلهم‭.‬

‭-‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يُعَوَّلُ‭ ‬في‭ ‬تلقّي‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الدلالة،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬يكون‭ ‬فنًّا‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬وخالدًا،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬درجة‭ ‬تُعَوِّلُ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬تلقّي‭ ‬لوحاتك؟

‭- ‬عندما‭ ‬تأخذ‭ ‬جوهر‭ ‬الشيء‭ ‬ستجد‭ ‬قراءات‭ ‬متنوعة‭ ‬له،‭ ‬وتستطيع‭ ‬أن‭ ‬تراه‭ ‬بعين‭ ‬مختلفة،‭ ‬فعندما‭ ‬أخذت‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬ديني‮»‬‭ ‬مثلاً،‭ ‬لم‭ ‬أحصر‭ ‬العبارة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الدين،‭ ‬لكن‭ ‬وضعتها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬آخر،‭ ‬وهو‭ ‬الحب،‭ ‬لأن‭ ‬جوهر‭ ‬المعنى‭ ‬هنا،‭ ‬وهذا‭ ‬المعنى‭ ‬سيقرأه‭ ‬كلٌّ‭ ‬بطريقته،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬معانيه،‭ ‬لذلك‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬عندما‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الفنان‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬ملكًا‭ ‬له،‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬تعدد‭ ‬القراءات،‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬عمله‭ ‬قابلًا‭ ‬لقراءات‭ ‬متعددة،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بالعمل‭ ‬الفني‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬خلقًا‭ ‬وإبداعًا‭ ‬وحياة‭.‬

‭-‬قد‭ ‬تقدم‭ ‬أيضًا‭ ‬لوحات‭ ‬متعددة،‭ ‬لنص‭ ‬واحد،‭ ‬بأشكال‭ ‬وخطوط‭ ‬وألوان‭ ‬مختلفة،‭ ‬هل‭ ‬يرتبط‭ ‬هذا‭ ‬بفكرة‭ ‬تعدد‭ ‬الدلالات،‭ ‬وتعدد‭ ‬قراءاتك‭ ‬كمتلقّ‭ ‬لهذا‭ ‬العمل؟

‭- ‬نعم‭ ‬هذا‭ ‬يرتبط‭ ‬أيضًا‭ ‬بتعدد‭ ‬الدلالات،‭ ‬فكما‭ ‬أنك‭ ‬تعوّل‭ ‬في‭ ‬عملك‭ ‬على‭ ‬قراءات‭ ‬مختلفة‭ ‬لهذا‭ ‬العمل،‭ ‬أنت‭ ‬أيضًا‭ ‬عندما‭ ‬تقرأ‭ ‬العبارة‭ ‬تفعل‭ ‬هذا‭ ‬بتعددية،‭ ‬ولا‭ ‬تراها‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬واحدة،‭ ‬لهذا‭ ‬عندما‭ ‬أقوم‭ ‬بالعمل‭ ‬مرّة‭ ‬بشكل،‭ ‬ومرّة‭ ‬بشكل‭ ‬آخر،‭ ‬وثالثة‭ ‬بألوان،‭ ‬وأخرى‭ ‬بغيرها،‭ ‬فأنا‭ ‬أيضًا‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬دلالات‭ ‬متعددة‭ ‬وجديدة‭ ‬للعمل‭.‬

‭-‬هل‭ ‬يرتبط‭ ‬هذا‭ ‬ببُعد‭ ‬زمني‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬أم‭ ‬أنك‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدلالات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه؟

‭- ‬أحيانًا‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شكل،‭ ‬وأقع‭ ‬في‭ ‬حيرة،‭ ‬فأطرح‭ ‬المسألة‭ ‬على‭ ‬المتلقي،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬أجد‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬شيئًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬ودلالةً‭ ‬جديدة،‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أتعامل‭ ‬معها،‭ ‬وبهذا‭ ‬أكون‭ ‬أمام‭ ‬لوحات‭ ‬متعددة‭.‬

‭‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬إضاءة‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬ابتكار‭ ‬خطوط‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬تُعرف‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وأثر‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬في‭ ‬أعمالك‭.‬

‭- ‬الخطوط‭ ‬الجديدة‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬الخبرة‭ ‬التي‭ ‬اختزنتها،‭ ‬عبر‭ ‬دراسة‭ ‬الخطوط‭ ‬التقليدية‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬والخطوط‭ ‬التي‭ ‬أُهملت‭ ‬إهمالاً‭ ‬تامًّا‭ ‬وتمّ‭ ‬تجاهلها‭ ‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬العثمانية‭ ‬كالخطوط‭ ‬الكوفية،‭ ‬وهي‭ ‬متنوعة‭ ‬ومتعددة،‭ ‬بتنوع‭ ‬المناطق‭ ‬الجغرافية،‭ ‬وتعدد‭ ‬الثقافات‭ ‬المعروفة‭ ‬وقتها،‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الخطوط‭ ‬شكّل‭ ‬خطأَ‭ ‬كبيرًا‭ ‬وسبّب‭ ‬نقصًا‭ ‬فادحًا‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬فنون‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬وتطورها،‭ ‬لذلك‭ ‬بحثت‭ ‬فيها‭ ‬نظريًّا‭ ‬وبصريًّا‭.‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬فإن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تنفيذها‭ ‬على‭ ‬خامات‭ ‬مختلفة‭ ‬غير‭ ‬الورق‭ ‬لم‭ ‬تؤخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬عند‭ ‬التأريخ‭ ‬للخط‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬المستشرقون‭ ‬والأتراك‭ ‬الذين‭ ‬نقلنا‭ ‬عنهم‭ ‬بلا‭ ‬تدقيق‭ ‬أو‭ ‬مراجعة،‭ ‬فدرسنا‭ ‬الخطوط‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬فحسب،‭ ‬بينما‭ ‬الواقع‭ ‬ومقتنيات‭ ‬المتاحف‭ ‬والأوابد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة‭ ‬تؤكّد‭ ‬أن‭ ‬الخطّ‭ ‬لم‭ ‬يتطور‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬فحسب،‭ ‬وأنه‭ ‬كان‭ ‬قاسمًا‭ ‬مشتركًا‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الفنون‭ ‬العربية،‭ ‬وتطوّر‭ ‬نتيجة‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬خامات‭ ‬مختلفة،‭ ‬تطوّر‭ ‬على‭ ‬الحجارة‭ ‬والخشب‭ ‬والنسيج‭ ‬والمعادن‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬وارتبط‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬عرفته‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬من‭ ‬فنون،‭ ‬ولهذا‭ ‬رأيت‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬لكي‭ ‬أقوم‭ ‬بما‭ ‬سعيت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬التجديد‭ ‬والتوليد‭ ‬والإضافة،‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أنجز‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬لأمضي‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أسعى‭ ‬إليه،‭ ‬فأقدّم‭ ‬جديدًا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬لهذا‭ ‬الفن‭ ‬مكانته‭ ‬بين‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬حاضرنا،‭ ‬فعلت‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬كاتب‭ ‬الرواية‭ ‬المبدع‭ ‬الذي‭ ‬يقرأ‭ ‬روايات‭ ‬كثيرة‭ ‬لسابقيه،‭ ‬ويقرأ‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الأدب،‭ ‬لا‭ ‬ليكرر‭ ‬ويقلّد،‭ ‬بل‭ ‬ليتحاشى‭ ‬التكرار‭ ‬ويضيف‭ ‬جديدًا‭ ‬ومغايرًا،‭ ‬بحثت‭ ‬واطلعت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬استطعت‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬للآثار‭ ‬الخطية‭ ‬ودرستها‭ ‬بإمعان،‭ ‬فولَّدت‭ ‬دراستها‭ ‬لديَّ‭ ‬أفكارًا‭ ‬كثيرة،‭ ‬بادرت‭ ‬بالاشتغال‭ ‬عليها،‭ ‬فعملت‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬بعض‭ ‬الخطوط‭ ‬المهملة،‭ ‬والإضافة‭ ‬إليها‭ ‬كمرحلة‭ ‬أولى،‭ ‬وعلى‭ ‬توليد‭ ‬بعض‭ ‬الخطوط،‭ ‬ثم‭ ‬صممت‭ ‬خطوطًا‭ ‬جديدة‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬خطوط‭ ‬أخرى،‭ ‬فاستوحيت‭ ‬من‭ ‬الخط‭ ‬المغربي‭ ‬المرسل‭ ‬مثلًا‭ ‬خطًّا‭ ‬جديدًا‭ ‬مقننًا،‭ ‬يناسب‭ ‬التشكيل‭ ‬والبناء‭ ‬الفني،‭ ‬مستلهمًا‭ ‬جمالياته‭ ‬العامة‭ ‬وروحه،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬لنسخ‭ ‬الكتب‭ ‬بأساليب‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬مكان‭ ‬وآخر‭ ‬وخطاط‭ ‬وآخر،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التطويرات‭ ‬التي‭ ‬أحدثتها‭ ‬على‭ ‬الخطوط‭ ‬السائدة‭ ‬وأساليب‭ ‬تشكيلها،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الحروف‭ ‬الطباعية،‭ ‬صممت‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الحروف‭ ‬التي‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الآلية،‭ ‬لأن‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬تعاملت‭ ‬عند‭ ‬دخول‭ ‬المطبعة‭ ‬مع‭ ‬الخط‭ ‬الطباعي‭ ‬بطريقة‭ ‬خاطئة‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬فلم‭ ‬ينتبه‭ ‬مصممو‭ ‬الخطوط‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬مراعاة‭ ‬نوعية‭ ‬التقنية‭ ‬واختلاف‭ ‬طبيعة‭ ‬الخامات،‭ ‬عندما‭ ‬تعاملوا‭ ‬مع‭ ‬الحرف‭ ‬الطباعي،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬أسلافنا،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يراعون‭ ‬طبيعة‭ ‬الخامة،‭ ‬عندما‭ ‬يصممون‭ ‬خطًّا‭ ‬لها،‭ ‬ففي‭ ‬النسيج‭ ‬تنبغي‭ ‬مسايرة‭ ‬الخط‭ ‬للّحمة‭ ‬والسداة،‭ ‬وفي‭ ‬الخشب‭ ‬يراعي‭ ‬الخطاط‭ ‬أليافه‭ ‬وعروقه‭ ‬ليحقق‭ ‬الجمال‭ ‬المطلوب‭ ‬عند‭ ‬حفر‭ ‬الخط،‭ ‬وفي‭ ‬الخزف‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬بطرق‭ ‬وأدوات‭ ‬مغايرة‭ ‬تناسب‭ ‬الخامة،‭ ‬لأن‭ ‬الخامة‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها،‭ ‬والمبدع‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬خصوصيات‭ ‬هذه‭ ‬الخامة،‭ ‬بطريقة‭ ‬تنسجم‭ ‬معها‭ ‬وتنطقها‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬تعامل‭ ‬المصممون‭ ‬الأوائل‭ ‬للحرف‭ ‬الطباعي‭ ‬من‭ ‬الخطاطين‭ ‬وكأن‭ ‬المطلوب‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يحاكوا‭ ‬المخطوط‭ ‬الذي‭ ‬يُؤَدَّى‭ ‬بيدٍ‭ ‬حرة،‭ ‬بينما‭ ‬الطباعة‭ ‬تتم‭ ‬بحروف‭ ‬مسبقة‭ ‬الصنع،‭ ‬وهناك‭ ‬أمّهات‭ ‬للحروف،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يلبي‭ ‬هذا‭ ‬التراكب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الحروف،‭ ‬لذلك‭ ‬كثرت‭ ‬فتحات‭ ‬صندوق‭ ‬الحروف،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبحت‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عامل‭ ‬تنضيد‭ ‬خبير‭ ‬في‭ ‬الخط،‭ ‬ليقوم‭ ‬بعملية‭ ‬التنضيد،‭ ‬وإلى‭ ‬مساحة‭ ‬واسعة‭ ‬لصناديق‭ ‬الحروف،‭ ‬وإلى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬للقيام‭ ‬بهذا‭ ‬العمل،‭ ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬إشكاليات‭ ‬كبيرة‭ ‬واتهامات‭ ‬للخط‭ ‬العربي‭ ‬ذاته‭ ‬بعدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬مسايرة‭ ‬الطباعة،‭ ‬بينما‭ ‬المسألة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬العربي،‭ ‬لكنها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معه،‭ ‬فهناك‭ ‬أشكال‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬معها‭ ‬وننطلق‭ ‬منها،‭ ‬بدليل‭ ‬أننا‭ ‬نستطيع‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬بسهولة‭ ‬بخطوط‭ ‬كثيرة‭ ‬مبرمجة‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬على‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬تصميم‭ ‬الخطوط‭ ‬لهذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬بسطحية‭ ‬وارتجال،‭ ‬لقد‭ ‬صممت‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الخطوط،‭ ‬وأخذت‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬فيها‭ ‬جوهر‭ ‬الخط‭ ‬العربي،‭ ‬وجوهر‭ ‬الحرف‭ ‬والهيكل‭ ‬التشريحي‭ ‬له،‭ ‬وأسسه‭ ‬الكتابية‭ ‬في‭ ‬القطع‭ ‬والوصل‭ ‬والصاعد‭ ‬والهابط‭ ‬والأفقي‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬السطر،‭ ‬وبنيتُ‭ ‬على‭ ‬هذا،‭ ‬مستفيدًا‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬الخطي‭ ‬والتشكيلي‭ ‬ككل‭.‬

‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬مساحات‭ ‬لوحاتك‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬خطاطين‭ ‬كثيرين،‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬اعتبارات‭ ‬جمالية‭ ‬تفرضها‭ ‬هذه‭ ‬المساحات‭ ‬الكبيرة،‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مساحات‭ ‬أصغر؟

‭- ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬خطاطون‭ ‬كثيرون‭ ‬يعرضون‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬معارض،‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬ربما‭ ‬أكون‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬من‭ ‬عرضوا‭ ‬لوحات‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬فن‭ ‬الخط‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬فني‭ ‬مستقل،‭ ‬لأن‭ ‬معرضي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1987‭ ‬في‭ ‬أتيليه‭ ‬القاهرة‭ ‬للفنانين‭ ‬والكتّاب،‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬المعرض‭ ‬الفردي‭ ‬الفنيّ‭ ‬الأول‭ - ‬فيما‭ ‬أعلم‭ - ‬لخطاط،‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا،‭ ‬من‭ ‬معرض‭ ‬للخط‭ ‬مرافق‭ ‬لعيد‭ ‬العلم،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬معرضًا‭ ‬مستقلاً‭ ‬بذاته‭.‬

كان‭ ‬معرضي‭ ‬هذا‭ ‬فاتحة‭ ‬لصيغة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الصيغة‭ ‬التي‭ ‬تعامل‭ ‬بها‭ ‬الخطاطون‭ ‬مع‭ ‬أعمالهم،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يقوموا‭ ‬بإنجازها‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭ ‬كلوحات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُعرض‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬ويتداولها‭ ‬الناس،‭ ‬كان‭ ‬يهمّني‭ ‬جدًّا‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬اللوحة‭ ‬الخطيّة‭ ‬حقها،‭ ‬وقد‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬إمكانات‭ ‬القلم‭ ‬تحدّ‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬عمل‭ ‬لوحات‭ ‬بمساحات‭ ‬كبيرة،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬الخطوط‭ ‬التي‭ ‬طوّرتها‭ ‬أو‭ ‬استحدثتُها‭ ‬وتعاملت‭ ‬معها،‭ ‬فاستخدمت‭ ‬في‭ ‬التنفيذ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬لي‭ ‬بإنتاج‭ ‬أعمال‭ ‬مميزة‭ ‬ليس‭ ‬همها‭ ‬استعراض‭ ‬البراعة‭ ‬الحرفية،‭ ‬بل‭ ‬إيصال‭ ‬العمل‭ ‬بالصيغة‭ ‬الجمالية‭ ‬الأفضل‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬الخطاطون،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يسود‭ ‬التقليد،‭ ‬يختارون‭ ‬ويبتكرون‭ ‬أدوات‭ ‬خاصة‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬أعمالهم،‭ ‬والخامات‭ ‬التي‭ ‬يعملون‭ ‬عليها،‭ ‬لكنّهم‭ ‬بعد‭ ‬سيادة‭ ‬التقليد‭ ‬صاروا‭ ‬يستخدمون‭ ‬الأدوات‭ ‬والأقلام‭ ‬والأحبار‭ ‬والأوراق‭ ‬بالصيغة‭ ‬التقليدية،‭ ‬التي‭ ‬تعلّموها‭ ‬من‭ ‬السلف،‭ ‬دون‭ ‬أيّ‭ ‬إضافات‭ ‬نوعيّة‭ ‬تذكر،‭ ‬لكن‭ ‬تميّز‭ ‬العمل‭ ‬كان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬لذا‭ ‬قمت‭ ‬بالعمل‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬مهتمًّا‭ ‬فيها‭ ‬أبدًا‭ ‬بأن‭ ‬يقال‭ ‬إنني‭ ‬أنفّذ‭ ‬بالقلم‭ ‬أو‭ ‬بالفرشاة،‭ ‬أو‭ ‬أستخدم‭ ‬أدوات‭ ‬هندسية‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬أو‭ ‬أستخدم‭ ‬الأحبار‭ ‬أم‭ ‬الألوان،‭ ‬أو‭ ‬الورق‭ ‬التقليدي‭ ‬أم‭ ‬ورقًا‭ ‬حديثًا،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يهمني‭ ‬هو‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬التي‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ ‬المتلقي،‭ ‬ويتعامل‭ ‬معها‭.‬

‭-‬لكن‭ ‬المساحة‭ ‬الأكبر‭ ‬ربما‭ ‬تستدعي‭ ‬استخدام‭ ‬فضاء‭ ‬اللوحة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مختلف،‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬المساحة‭ ‬الأقل،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬فضاء‭ ‬اللوحة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك؟

‭- ‬فضاء‭ ‬اللوحة‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعلاقة‭ ‬الكتلة‭ ‬بالفراغ،‭ ‬وهذه‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬التشكيل،‭ ‬فالفراغ‭ ‬له‭ ‬وظيفة،‭ ‬وهو‭ ‬بالمعنى‭ ‬الجمالي‭ ‬ليس‭ ‬فراغًا،‭ ‬لكنّه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬يسوؤني‭ ‬أن‭ ‬ينزع‭ ‬أحد‭ ‬مخرجي‭ ‬الصحف‭ ‬الكتلة‭ ‬الخطية‭ ‬من‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬لي،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬إدراك‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬يمثّله‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء،‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬أدرسه‭ ‬بدقّة‭ ‬وعناية‭ ‬كبيرتين،‭ ‬لدى‭ ‬تشكيل‭ ‬أي‭ ‬عمل‭.‬

‭-‬تعاملتَ‭ ‬مع‭ ‬الشعر‭ ‬قديمه‭ ‬وجديده،‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬اختلاف‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬نص‭ ‬قديم،‭ ‬له‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬المتلقي‭ ‬عبر‭ ‬مئات‭ ‬السنين،‭ ‬ونص‭ ‬آخر‭ ‬جديد؟

‭- ‬عند‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬الشعر،‭ ‬أعمل‭ ‬على‭ ‬استخراج‭ ‬معنى‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حيًّا،‭ ‬سؤال‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مناقشته،‭ ‬أو‭ ‬مسألة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬أنني‭ ‬أرى‭ ‬أحيانًا‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬القدامى‭ ‬حداثيون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬شعراء‭ ‬اليوم،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬أرى‭ ‬بعض‭ ‬شعراء‭ ‬التفعيلة‭ ‬أو‭ ‬القصيدة‭ ‬النثرية‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬بشكل‭ ‬حساس‭ ‬جدًا،‭ ‬وبوعي‭ ‬جديد‭ ‬مختلف،‭ ‬لحقولها‭ ‬الدلالية‭ ‬المنفتحة،‭ ‬ولقصائدهم‭ ‬دلالات‭ ‬ومعانٍ‭ ‬عميقة،‭ ‬ومقاصد‭ ‬متعددة‭ ‬للكلمة‭ ‬الواحدة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬لذلك‭ ‬أختار‭ ‬ما‭ ‬يتّفق‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬القديم‭ ‬أو‭ ‬الجديد،‭ ‬وما‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬صالح‭ ‬للتشكيل،‭ ‬وأرغب‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬عليه‭ ‬بعين‭ ‬معاصرة،‭ ‬وما‭ ‬يهمني‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬أو‭ ‬القول‭ ‬هو‭ ‬الصيغة‭ ‬التي‭ ‬تصبّ‭ ‬في‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬أسعى‭ ‬إليه،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬دائمًا‭ ‬جوهر‭ ‬الجوهر،‭ ‬وقصد‭ ‬القصد‭.‬

‭-أرجو‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬إضاءة‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬المختارات‭ ‬الشعرية،‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬لك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لوحة‭ ‬مثلاً‭ ‬للمتنبي‭: ‬المتنبي‭ ‬في‭ ‬المديح،‭ ‬وفي‭ ‬الحكمة،‭ ‬وفي‭ ‬الحب،‭ ‬وفي‭ ‬الفخر،‭ ‬وكذا‭ ‬مختاراتك‭ ‬لشعراء‭ ‬آخرين‭.‬

‭- ‬لقد‭ ‬قمت‭ ‬بعمل‭ ‬مختارات‭ ‬لشعراء‭ ‬كثيرين،‭ ‬وقد‭ ‬سألني‭ ‬البعض‭: ‬كيف‭ ‬ستجد‭ ‬مختارات‭ ‬كافية‭ ‬للمتنبي‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬مثلًا؟‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬المتنبي‭ ‬لم‭ ‬يُقرأ‭ ‬جيدًا،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حظي‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شهرة،‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬المتنبي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭:‬

تَقُولِينَ‭: ‬مَا‭ ‬فِي‭ ‬النَّاسِ‭ ‬مِثْلَكَ‭ ‬عَاشِقٌ

جِدِي‭ ‬مِثْلَ‭ ‬مَنْ‭ ‬أَحْبَبْتُهُ‭ ‬تَجِدِي‭ ‬مِثْلِي

هذا‭ ‬البيت‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬المتنبي‭ ‬العاشق،‭ ‬بنظرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬المرأة‭ ‬تابعة،‭ ‬لكن‭ ‬المتنبي‭ ‬لم‭ ‬يرها‭ ‬كذلك،‭ ‬فهي‭ ‬هنا‭ ‬الدافع‭ ‬والفاعل‭ ‬والمركز،‭ ‬وبرأيي‭ ‬أن‭ ‬المتنبي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مختاراتي‭ ‬له،‭ ‬هو‭ ‬شاعر‭ ‬حب‭ ‬بجدارة،‭ ‬ليس‭ ‬بالمعنى‭ ‬السطحي‭ ‬الشائع‭ ‬للتشبيب‭ ‬والغزل،‭ ‬ولكن‭ ‬بالمعنى‭ ‬الأكثر‭ ‬عمقًا،‭ ‬والأكثر‭ ‬فهما‭ ‬للحب‭ ‬واحترامًا‭ ‬للمرأة،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المختارات‭ ‬سنجد‭ ‬بيتًا‭ ‬أو‭ ‬بيتين‭ ‬أو‭ ‬عدة‭ ‬أبيات،‭ ‬تحتلّ‭ ‬مركزًا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬اللوحة،‭ ‬وتتوزع‭ ‬في‭ ‬الخلفية‭ ‬أبيات‭ ‬أخرى،‭ ‬مشكّلةً‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء،‭ ‬مع‭ ‬جدة‭ ‬في‭ ‬الاختيار،‭ ‬والتوظيف‭ ‬الجمالي‭ ‬واللوني‭ ‬

لوحة‭ ‬بخطي‭ ‬الكوفي‭ ‬المشرقي