حرفة القصبجي رؤية حديثة لإحياء التراث الإسلامي

حرفة القصبجي  رؤية حديثة  لإحياء التراث الإسلامي

التراث الإسلامي قيمة حضارية، وعلامة مميزة في ثقافة الأمة الإسلامية، يحمل كثيرًا من العلوم والفنون والأدب والعمارة، فهو يشمل كلّ ما خلَّفه العلماء المسلمون عبر العصور من مؤلفات في مختلف فروع المعرفة، وهو الذي ساعد على بناء الإنسان نفسًا، وروحًا، وفكرًا، ويعبّر التراث الإسلامي عن الهوية الثقافية للأمة الإسلامية.
وقد اشتهر الفن الإسلامي بالزخارف ذات الطابع المتميز بالأصالة المستوحاة من التراث الإسلامي، والتي تستطيع أن تتواءم وتتكيف مع مفردات ومكوّنات البيئة العربية والإسلامية في مواجهة طغيان فكر العولمة ببعث الأسلوب الحضاري الإسلامي، متمثلاً في نقل الثقافة من خلال المنتج الشعبي؛ لتأكيد المضمون التراثي للحفاظ على الهوية الثقافية العربية، مع ابتكار وحدات زخرفية لها سمة الحداثة والمعاصرة, يستطيع أن يسهم في إحياء التراث الإسلامي في ثوبٍ جديدٍ.

 

تشكّل الحِرَف الشعبية النشاطات الإنسانية، والتجسيد المادي لتراث روحي وفكري وفني عميق الجذور، وتمنحنا الثقة، وتطلعنا على القدرات الكامنة في أعماق الإنسان، بطريقة فطرية صادقة، لأحلام الأمة، وآمالها، وبؤسها، وشقائها، وسعادتها، فهي تمثّل جزءًا كبيرًا من هويتنا، وثقافتنا، وانتمائنا الفكري، والفني، وهي رصيد مخزون لخبراتنا الحياتية، والإمكانية الإنتاجية الذاتية المتاحة داخل كل مجتمع محلي.
وتُعد حرفة القصبجي من الحرف الشعبية التي يطلق عليها هذا الاسم، نسبة إلى خيوط القصب التي يستخدمها في تطريز كسوة الكعبة، أو في تطريز بعض اللوحات الفنية، وتُعد خيوط القصب من الخيوط المعدنية لإنارة الخيوط، والتي يشتهر منها الخيوط الذهبية، والفضية التي تضفي جمالًا على الشكل المطرز.
وتقع ورشة أحمد شوقي القصبجي في خان الخليلي، بجوار مسجد الحسين، وتعرف باسم ورشة شوقي القصبجي.
أنشئت ورشة أولاد شوقي القصبجي عام 1925م، وقد برعوا في صناعة كسوة الكعبة المشرفة وحياكة القماش، كما حرص القصبجي على تعلّم مهنة حياكة كسوة الكعبة باحتراف، وتوارث أبناؤه وأحفاده المهنة، حتى شهد التاريخ على إبداعهم، وقد استمروا بصناعتها لنحو 93 عامًا تقريبًا.
احتضنت مصر صناعة كسوة الكعبة المشرفة وتجهيزها لما يقرب من 1400 عام، منذ أن أمر الخليفة عمر بن الخطاب، ]، بتصنيعها في مدينة الفيوم باستخدام القماش «القباطي»، الذي كان من أجود أنواع الأقمشة في العالم، وينتجه أقباط مصر.

إجازة لمرور المحمل
من المعروف أن يوم خروج الكسوة من مصر، في عهد الوالي محمد علي باشا، كان إجازة رسمية لجميع المصالح الحكومية والدواوين، حيث تُقام الأفراح والاحتفالات في شوارع القاهرة، وفي أماكن مرور المحمل بالمحافظات المصرية، حتى يصل إلى مدينة السويس، وبالطبع كانت الاحتفالات رسمية، يحضرها الحاكم والوزراء وكبار رجال الدولة، وشعبية في مناطق الحسين والسيدة زينب ومناطق الفسطاط، بحلقات من الذّكر، وإقامة الموالد احتفالًا بمرور المحمل، وتكون الموائد مرصوصة على جانبي الطريق.
وكانت الكسوة القديمة تُعاد إلى مصر بعد إرسال الجديدة وإلباسها للكعبة المشرفة، كما كان الملك يوزّع أجزاء الكسوة القديمة على الخاصة والمقربين والمؤسسات الرسمية. 
وأصبحت صناعة الكسوة بمدينة الفسطاط لتكون القاهرة مركزًا للكسوة لأكثر من 700 عام، وكانت تُحمل عن طريق «الهودج»، ويطلق عليه «المحمل»، الذي يتحرك في أجواء احتفالية، وتبنت فيما بعد ورشة القصبجي صناعة كسوة الكعبة المشرفة منذ عام 1925م، حيث تولت المملكة العربية السعودية ذلك في عام 1962م، فامتنعت مصر عن الإرسال، لينتهي مشهد كان المصريون يعيشون فيه أجواء روحانية، ويأتي له أثرياء وأعيان من دول شمال إفريقيا، وبلاد الشام والعراق، وأيضًا الهند وباكستان وتركيا، للاحتفال بخروج المحمل، والسّير مع الجمال المزيّنة حتى الوصول إلى مكة.

آخر قصبجي
كانت قيادة هذه المهنة، تُتوارث أبًا عن جدّ، وكان شوقي عثمان هو آخر قصبجي - وهو الأب - يصنّع كسوة الكعبة في مقر المحمل، وتتحول المهنة من صناعة الكسوة المشرّفة لقرون إلى مهنة لا تتعدى تصنيع لوحات مزخرفة على القماش، وحياكة مفارش بالقطعة مدوّن عليها آيات قرآنية، وأيضًا أجزاء من كسوة الكعبة المشرّفة كـ «الصمدية»، وهي سورة الإخلاص في شكل زخرفي بديع كلوحة فنية إسلامية مصنوعة من خيوط القصب باللون الفضي (الشكل:1)، وتصنع بطلب من مهتمين بهذا الفن، معظمهم من دول الخليج ودول عربية أخرى، وقليل منهم من المصريين.
وأكد القصبجي أحمد - نجل شوقي عثمان - أنه يحاول الحفاظ على هذه المهنة، التي باتت محدودة للغاية، لافتًا إلى أنه بعد توقّف صناعة الكسوة عام 1962م، أصبح أصحاب المهنة - بجانب اللوحات المدون عليها الآيات القرآنية بالفضة ومياه الذهب - يُصنّعون ويصمّمون الرتب العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة حتى تسعينيات القرن الماضي (الشكل:2)؛ حيث منعت الورشة من تصميم هذه الرُّتب، عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وهذا كان له بالغ الأثر السلبي على ورشة القصبجي، لكن لإبداع الحرفي في هذه الحرفة حاول القصبجي الاهتمام بحياكة القماش لعمل لوحات فنية على الطراز الإسلامي، من خلال تقسيم كسوة الكعبة إلى لوحات فنية لمن يرغب في اقتنائها، وكذلك لوحات لآيات من القرآن الكريم، في إطار أشكال من الزخارف الهندسية والنباتية بخيوط القصب الملونة بالذهب والفضة، وكذلك لوحة لاسم الجلالة، واسم النبي [، وهي الأشكال نفسها المستخدمة في كسوة الكعبة، مثل الباب، والأشرطة التي تُزيّن الكسوة، والصمدية، وكذلك القنديلية: وهي شكل زخرفي بالخط العربي يحوي عبارة دعائية، وكذلك الأغطية الخضراء التي تغطي ضريح النبي محمد [، بالأشكال والعبارات نفسها الموجودة عليه، حتى لا تندثر المهنة، وسعيًا لإحياء تراثنا الإسلامي في شكل فنّي مبدع ومتميز.
أولاً: العملية الإنتاجية والمنتج الحرفي
- بيانات عن الحرفة: تسمى هذه الحرفة بحرفة القصبجي، وكانت تدعى قديمًا بـ «المقصباتي» أو التقصيب، والاسم مشتق من الخامة المستخدمة في التطريز وهي القصب، و«القصب» هو الخيط المستخدم في التطريز على القماش، وكان هذا الخيط قديمًا من أسلاك الفضة النقية، التي كانت تطلى في بعض الأجزاء بالأصفر الذهبي، وأيضًا كانت تقوم على عمل نياشين ورُتب ملابس المماليك ورجال الشرطة والجيش بخيوط يطلق عليها «خيوط القصب»، وهي خيوط يستخدم منها ألوان الذهب والفضة، وبالتالي أطلق على صاحب الحرفة «القصبجي».
 فكلمة القصبجي إذن ليست عربية، بل تركية، وتعني كلمة «القصب»، وهي أداة القصبجي المعروفة، ثم «جي» وتعني الحرفة في اللغة التركية مثل: (عربجي – أجزجي... إلخ)، وهذا يرجع إلى الثقافة التركية التي انتقلت إلينا نتيجة حكم الأتراك لمصر فترات طويلة، وقد صار هذا لقبًا للعائلة، إذ إنهم حافظوا على هذه المهنة التراثية وتوارثوها عبر الأجيال. 
وتُعد حرفة القصبجي هي الحرفة التي كانت تقود مجموعة من الحيّاكين والخياطين المهرة، يبلغ عددهم سبعة أفراد، يجلسون طوال العام لتصنيع الكسوة، وتوجد امرأة تساعد في العمل، وقد ذكر القصبجي أن الحرفة تجمع بين النساء والرجال في العمل بها. 
وأوضح القصبجي أن صناعة الكسوة كانت تتم في اثني عشر شهرًا، بداية من خيوط وأنسجة سلك من فضة وطلاء الذهب، إذ كان يتم استخدام أربعة جرامات من الذهب لكل كيلوجرام من الفضة، من خلال 10 مهرة متخصصين في هذا الأمر، يجهزون الكسوة، بداية من تجهيز القماش ثم غزل الفضة، ثم إعداد الرسوم، وصولًا إلى العمل على النول.

ألوان الكسوة
يذكر القصبجي أن كسوة الكعبة المشرفة تعددت ألوانها حتى وصلت إلى اللون الأسود، فالنبي محمد [ كساها بثياب يمانية مخططة بالأحمر والأبيض، ثم كساها ابن الزبير في سنة 64 هــ بالديباج الأحمر.
وفي العصر العباسي كُسيت مرة بالأبيض وأخرى بالأحمر، وفي عام 456 هـ كساها سلطان السلاجقة بالديباج الأصفر، وغيَّر الخليفة الناصر سنة 614 هـ لون الكسوة إلى اللون الأخضر، انتهاءً باللون الأسود الذي استمر حتى يومنا هذا. 
يبذل الحرفي مجهودًا مضاعفًا من التركيز والاهتمام، ليخرج لنا فنًّا قيّمًا (الشكل:4)، يعبّر عن حبه وإخلاصه لحرفته؛ لتقديم قيمة فنية حرفية لها كل التقدير والاحترام، وهذا نتيجة لذخيرة المعرفة التي اكتسبها من أجداده وآبائه، والجديد الذي تعلّمه هو وأضافه حتى يجمع بين التراث والمعاصرة، فيلعب الفن في حياتنا المعاصرة دورًا رئيسًا في إعطاء لمسة جمالية وفنية، تبرز الذوق والأناقة لكل ما نحتاج إليه في حياتنا اليومية، فالفن بصفة عامة له دور كبير في الحفاظ والإبقاء على تراثنا الإسلامي الذي خلّفه لنا الأجداد.
يُعد الفن مصدرًا مهمًا للمعرفة، فلقد ترك لنا الأجداد تراثًا إسلاميًا عظيمًا يعد مصدرًا أساسيًّا لمعرفة المجتمع وثقافته، ويقول سعد المغربي في هذا الصدد: «فالمعرفة خاصة أساسية تميّز الإنسان، وهي محور أساسي في حياته يوضح سرّ تقدمه وتراثه المادي والمعنوي، المعرفة أمن وطمأنينة».

بلا توقيع
إن الحضارة الإسلامية في مجالات الفنون من أروع الحضارات الإنسانية وأخصبها؛ حيث تميزت بتعدُّد جوانبها الجمالية والذوقية، وقوة شخصيتها، وإخلاص الفنان المتخصص في معالجة فنونها المختلفة بروح الإيمان والأمانة والجدية والتحرر من الذات ومن المظاهر الشكلية، والاهتمام بالشكل والمضمون معًا، سعيًا لخلق فن تتحاكى به الفنون الأخرى.
يُعد القصبجي هو الحرفي الذي يستطيع تقييم المنتج، وتحديد سعره وفقًا للمواد الخام المستخدمة، وأيدي الصانع الماهرة التي أبدعت. ويلاحظ في اللوحات المعروضة أنه ليس هناك توقيع للقصبجي، وقد أشار إلى أن هذا يتنافى مع رغبة الزبائن؛ لكنه لا يضع توقيعًا على أعماله الفنية.
ويوضح القصبجي أن هناك مشكلة في تسويق المنتج؛ نظرًا إلى أن العمل يدويّ ويحتاج إلى كثير من الجهد، وتكلفة المواد الخام التي ترتفع أسعارها يومًا بعد يوم؛ لذلك أصبحت اللوحات غالية الثمن، ومَن يقدر على شراء هذه اللوحات قليلون.

مستقبل الحرفة وعلاقتها بالتراث الإسلامي
توجد علاقة وثيقة بين الحرفة والمكان التي نشأت به، فوجود حرفة صناعة كسوة الكعبة المشرفة في خان الخليلي بالحسين كان له عظيم الأثر؛ حيث يُعد الخان واحدًا من أعرق أسواق الشرق، ويزيد عمره على 600 عام، وما زال معماره الأصيل باقيًا على حاله منذ عصر المماليك وحتى الآن، ويُعد حي خان الخليلي بالحسين بجوار جامع الحسين والجامع الأزهر، وهما من أعظم المساجد بالقاهرة، فحي الحسين هو أحد أحياء القاهرة ويتبع إداريًّا حي الجمالية بمصر، ويوجد به عدد من المعالم الأثرية الإسلامية القديمة، خاصة الفاطمية، كما يُعد الخان مصدر إلهام لعديد من الكُتّاب والأدباء المصريين، أبرزهم الكاتب نجيب محفوظ، فإحدى رواياته تدور أحداثها بالحي، وتحمل اسمه «خان الخليلي» وقد حوِّلت إلى فيلم سينمائي، فهو حي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتُعد ورشة القصبجي أولى الورش بالحي، وأعطته صيتًا بين بقية أحياء القاهرة؛ نظرًا إلى أن كسوة الكعبة كانت تخرج من هذه الورشة.
 
أهم التطورات الحديثة في ميدان هذه الحرفة
- تقسيم أجزاء كسوة الكعبة المشرفة لعمل لوحات فنية:
حاول القصبجي إدخال بعض المستحدثات والتطويرات على حرفة صناعة كسوة الكعبة المشرفة، وقد بدأت هذه التطورات بعد الانتهاء من إرسال كسوة الكعبة المشرّفة إلى السعودية، فبدأ بعمل لوحات فنية من الأشكال المستخدمة نفسها في كسوة الكعبة مثل الباب، والأشرطة التي تزيّن الكسوة، والصمدية «سورة الإخلاص»، والقنديل «الحمد لله رب العالمين»، وحزام الكعبة في شكل زخرفي بديع. 
أبدع القصبجي في عمل لوحة فنية، وهي شكل من أشكال كسوة الكعبة المشرفة تدعى «الصمدية»، ومساحتها متر × متر، كما توجد في كسوة الكعبة الرسمية، وتطرز على قماش كسوة الكعبة، وهي توجد في الكسوة عند باب الكعبة ناحيتي اليمين واليسار، ويعلوها حزام الكعبة، وتكتب في الكسوة بالخيوط الفضة.
وتتوسط البسملة لوحة الصمدية، وتكتب بخيوط الذهب، لكنّ الحرفي أجرى بعض التعديلات في هذه اللوحة (الشكل:5)، فطرّز الصمدية بخيوط القصب الذهبي، والبسملة بخيوط القصب الفضي، أما بالنسبة إلى تطريز حروف الصمدية، فيتم عن طريق الحشو ويُستخدم في البداية ورق الكارتون، ثم خيوط غزل القطن السميك الذهبي، أما البسملة فيكتفى بحشوها بورق الكارتون «البترون»، نظرًا إلى ثقل كلمات ومعاني ومضامين هذه السورة القرآنية الكريمة، وأيضًا لإبراز جمال حروفها، حيث يستعين الحرفي بالخط نفسه الذي تكتب به الصمدية في كسوة الكعبة المشرفة، وهو خط الثلث.

أم الخطوط
وُطلق على خط الثلث «أم الخطوط»، فلا يعتبر الخطاط خطاطًا إلا إذا أتقنه، وهو أصعب الخطوط، واستنادًا إلى قول علي بن أبي طالب ]؛: «الخط الجميل يزيد الحق وضوحًا»، ولأن «الخط لسان اليد» كما يقول الصحابي عبدالله بن عباس رضي الله عنهما, لذا احتل الخط العربي بذلك مكانه كفنّ رفيع مرتبط مباشرة بالثقافة العربية وبالحضارة الإسلامية، وأصبح دليلًا دامغًا على تلك الوحدة التي تجمع بين منتجات الفنون الإسلامية، ومظهرًا من مظاهرها، باعتباره أحد العناصر الزخرفية التي قلّما تخلو منها تحفة من التحف في شتى أنحاء العالم الإسلامي، لما تمتاز به حروفه من جمال ومرونة وقابلية للتشكيل والتصنيف.
وإذا أمعنّا النظر فإننا نرى براعة الحرفي في حياكة وتطريز علامات التشكيل بالصمدية لإبراز جمالها، ومن أهم هذه العلامات «الحلية»، وهي «حلية جمالية على شكل رقم سبعة، مع إضافة جزء صغير بارز للخارج من الطرفين، وتستخدم للتزيين وملء الفراغات الموجودة في الكلمات، وتستخدم في خط الثلث، أما هذه العلامة فيُطلق عليها حلية أيضًا، وتُعرف أيضا بالظفر، وتستخدم كأداة في التزيين، وهي تشبه الشولة في علامات الترقيم، وتوضع لملء الفرغات في الكلمات أيضًا، وكذلك تستخدم في خطوط الثلث والنسخ والديواني.
ويضع الحرفي الصمدية في شكل دائري كبير تتوسطها البسملة في شكل دائري أصغر، يحيط به إطار من خيوط القصب الذهبي في شكل مربع زخرفي من الأركان، حتى يبرز جمال الصمدية داخل الإطار الزخرفي، وقد قام الحرفي بحشو الزخارف، مثل حشو الصمدية، حتى تكون أكثر جمالاً ووضوحًا.

القنديل
كذلك يوجد جزء آخر من أجزاء كسوة الكعبة يطلق عليه (القنديل)، فبين كل حزام في الكسوة يوضع قنديل على اليمين وآخر على اليسار، وأطلق عليه القنديل، نظرًا لشكل الزخارف التي توضع كإطار لآية {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (سورة الفاتحة :2)، وهي على شكل قنديل (الشكل: 6)، وهذه اللوحة صممت من سلك النحاس ليعطي اللون الذهبي، والمعدن الأبيض ليعطي اللون الفضي، وتبلغ مساحة لوحة «القنديل» 70 × 50 سم، وهي المساحة نفسها التي توجد في الكسوة الرسمية للكعبة المشرفة.
وتقوم إجراءات العملية الإنتاجية لهذه اللوحة كما تقوم في بقية اللوحات، لكن يضاف إليها ورق كرتون تحت قماش كسوة الكعبة، حتى يُثبَّت سلك النحاس على القماش، وهذه اللوحة ثقيلة في حملها، وذلك لطبيعة الخيوط المستخدمة.
وقد أشار القصبجي إلى أن كسوة الكعبة المشرفة تكون ثقيلة الحمل، لأنها تُطرز بخيوط السلك الفضي فقط، ويستخدم السلك الفضي لإعطاء اللون الفضي، ويوضع على سلك الفضة عدة جرامات من الذهب الخالص لطلائه، وإعطاء اللون الذهبي.
ونلاحظ أن الزخرفة - أي الإطار الذي يحيط بالآية الكريمة على شكل قنديل مزخرف - بلون الذهب من الإطار الخارجي يخرج منه إلى الداخل بعض الأغصان الرفيعة التي تحاكي الطبيعة، وإطار داخلي بلون الفضة يسير على منوال الإطار الخارجي، ليزيدها جمالًا وتألقًا، والقنديل هو رمز للإضافة والنور، وشكله من الأشكال المميزة المعبّرة عن الزخارف الإسلامية، ويُعد شكل القنديل من الأشكال المهمة في كسوة الكعبة المشرفة، فقد صدر تصريح للرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين في عام 2016م بإضافة خمسة قناديل مذهّبة لكسوة الكعبة المشرفة، وقد كتب عليها «الله أكبر»، ورُصت على ضلع الكعبة المحاذي للحجر الأسود، وقد أشارت الرئاسة إلى ذلك من خلال حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قائلة: «إن القناديل تم وضعها بهدف تبيين مكان بداية الطواف وانتهائه».
  وهذا دليل على أهمية شكل القنديل في كسوة الكعبة، وقد أشار الحرفي إلى أن هذا القنديل هو الشكل المستحدث في كسوة الكعبة المشرفة (الشكل: 7)، لكن هو شكل القنديل المستخدم قديمًا قبل استحداثه وتطويره من حيث الزخارف، وكذلك كان يستخدم الكتابة بخط الثلث التركيبي، أي المتداخلة حروفه لتعطي مظهرًا بديعًا كما في اسـمَي الجلالة «يا حيّ يا قيوم»، أما القنديل الحديث فاستخدم فيه خط الثلث في كتابة الآية التي توجد في القنديل، وفي الغالب الأعم أن معظم كسوة الكعبة يكتب بخط الثلث، لما يمتاز به من المرونة ومتانة التركيب وبراعة التنسيق.

لم يتأثر بفنّ آخر
أبدع الحرفي في تطريز هذا الخط بسلك النحاس والمعدن الأبيض، رغم صعوبته، إلا أنه أتقن التطريز لتوافر أصول الجمال الفني فيه، إضافة إلى استخدام التشكيل والحليات، ونقاط الحروف التي أعطى لها بروزًا ليزيدها جمالاً وإبداعًا.
لقد وصل فن الخط العربي إلى ذروة الإتقان والجمال على أيدي الخطاطين الرواد الذين أفنوا حياتهم في سبيل تطوير وإبداع هذا الفن العريق الذي لم يتأثر بأيّ فن آخر، وأصبحت الأجيال اللاحقة تتقيد بقواعده وأصوله في عملها الفني، وكانت تصرف الجهد والوقت الكبيرين في تعلّم هذه الفنون الخطية، وكذلك تأخذ وقتًا وجهدًا في تنفيذها، وخاصة إذا كان على شكل حياكة أو تطريز الخط العربي البديع.
يوضح الحرفي أن لوحة حزام الكعبة المشرفة هي قطعة من قماش «القطيفة» الأسود السادة (الشكل:8)، ويعتبر قماش القطيفة «المخملي الثقيل» من القماش الذي يتم نسجه من الحرير، وتظهر فيه الألوان زاهية وبراقة، لكي تخرج قطعة القماش بشكل رائع، وهذه اللوحة بها حروف مغطاة بخيوط القصب باللون الذهبي، ويكتب عليها قول الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَِ} 
(سورة البقرة: 186).
وبالطبع يستعين الخطاط بخط الثُّلث، الذي يعد الأكثر صعوبة بين الخطوط العربية الأخرى، وتكثر الصعوبة في تطريز وحياكة وحشو هذه الحروف والتشكيل والحليات، لكي تظهر في مظهر رائع، ويشير الحرفي إلى عمل إطار بيضاوي بدلاً من وضعها في شكل مربع، مثل حزام كسوة الكعبة الرسمي، وذلك للتحديث والتطوير مواكبة لأذواق الزبائن.

مظهر رائع الجمال
حاول الحرفي إضافة بعض التحديثات لتزيد اللوحة جمالًا، مستخدمًا الزخارف في إطار اللوحة بخيوط القصب الفضي كعمل إنارة لها، ووضع بعض الزخارف النباتية كأغصان رفيعة داخل الإطار، لكي يظهر في مظهر رائع الجمال، ومع بعض الزخارف النباتية التي توجد في الأركان الأربعة من اللوحة كشكل من أشكال ملء الفراغ الذي يعطي الإحساس بالحميمية والألفة في الفضاء مهما كبر حجمه أو زادت أهميته.
وأشار القصبجي إلى أن حزام الكعبة المشرفة الرسمي في كسوتها يتكون من ست عشرة قطعة، في كل جهة من جهات الكعبة المشرفة أربع قطع موصلة مع بعضها البعض، ويبلغ طول محيط الكعبة سبعة وأربعين مترًا تقريبًا، في حين يبلغ عرض الحزام خمسة وتسعين سنتيمترًا.
والمعروف أن حزام الكعبة يثبت على كسوتها بارتفاع تسعة أمتار من الأرض، ويتم تطريز آيات قرآنية مكتوبة بخط الثلث المركّب بأسلاك الفضة المطلية بالذهب على قطع الحزام في الكسوة.
ومن أهم ما يميّز الحزام هو وضع الخيوط القطنية بكثافات مختلفة فوق الخطوط والزخارف على قماش مشدود، ثم يطرز فوقها بالخيوط المتراصة من القطن الأبيض والأسلاك الفضية والقطن الأصفر والأسلاك الذهبية في اتجاهات متقابلة وبدقة بالغة أيضًا.

اللوحات الفنية الحديثة التي تزخر بالفن الإسلامي الحديث
حاول الحرفي (القصبجي) أن يُدخل بعض التطويرات والتغييرات في حرفته ليواكب العصر الحديث بكل متطلباته، وفي الوقت نفسه لإحياء التراث الإسلامي من خلال استخدام قواعده وعناصره، لكن في ثوب جديد يحاكي به الفن الحديث، فقام بعمل لوحات فنية إبداعية تحاكي التراث الإسلامي، لكن تتواكب مع متطلبات الذوق الجديد، وتتسم بالجمال، ويمكننا أن نكتشف في هذه اللوحات تعبيرات وإشارات تدل على أن الجمال ليس شيئًا واحدًا، فهو يمكن أن يكون أرضيًّا ماديًّا، ويمكن كذلك أن يكون معنويًّا، أو مثاليًّا، أو مفارقًا لعالم الواقع، أو غير ذلك من المعاني المتعددة للجمال.
صمم القصبجي لوحة فنية على قماش من «القطيفة» المخملية باللون الأسود الزاهي والبرّاق، وهي جملة {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، وقد تعددت في القرآن الكريم لعِظَم شأنها، فاستعان بها الحرفي في جعلها لوحة فنية إبداعية من خلال زخرفتها (الشكل:9)، فبدأ الخطاط برسم الجملة، ووضعها الحرفي على النول من خلال قماش القطيفة وحشوها بورق الكارتون وخيوط الغزل بسمك، وكثرة تمرير الشمع ليكون أكثر سمكًا وثباتًا، وكل هذا لإعطاء شكل «بومبيه»، ويعني الشكل الكثيف السُّمك؛ لجعله أكثر بروزًا، مستعينًا بخيوط القصب الذهبي في «لا إله إلا»، والفضي في لفظ الجلالة (الله) لقوتهما وجمالهما.
واستخدم الحرفي خيوط القصب للمرة الثانية بشكل مائل لإعطائها شكلًا جماليًّا، كما أنه جعل لفظ الجلالة منفصلًا عما حوله بشكل بسيط لإظهاره بمظهر جمالي بارز، على الرغم من أن الحرفي أشار إلى أن الخطاط رسم الحروف متشابكة في بعضها البعض، لكنّ نظرة الحرفي لحرفته لا تقوم على التطابق في كل الرسوم، بل يضيف بعض اللمسات الفنية التي تزيد اللوحة جمالًا وبهاءً، واستعان الحرفي بالخط الكوفي الذي يعطي قوة وجمالًا، كما أنه من الخطوط التي تعطي إحساسًا بالتعامد الهندسي الذي يغلب على أشكال الحروف الكوفية.

لوحة البسملة
من أجمل اللوحات التي لفتت الانتباه لوحة البسملة، وقد ذكر القصبجي أن هذه اللوحة هي شكل نملة سيدنا سليمان (الشكل:10)، من ينظر إليها يقول إنها رسمة تجريدية، لكنّ من يُمعن النظر فيها يُدرك أنها البسملة، فالخطاط رسمها، والحرفي حاكها وطرّزها بخيط القصب الذهبي على قماش قطيفة أحمر اللون، ونلاحظ أن الحرفي حاكَ كل حَرف بانسيابية وليونة، وبتركيز عالٍ لدخول الحروف بعضها في بعض، ليخرج لوحة فنيّة رائعة الجمال والإتقان. 
وقد أشار الحرفي إلى أن هذا الخط هو الخط الديواني «وهو نوع من الخط العربي استُعمل في كتابة الفرمانات والمنشورات بدواوين الحكومة، وقد كانت له صورة معقّدة تزدحم فيها الكلمات ازدحامًا لا يترك بينها فراغًا يسمح بإضافة أي حرف أو كلمة إليها، وهذا التعقيد أو الازدحام كان مقصودًا لذاته، لمنع تغيير النص في تلك الأوراق الرسمية».
ونلاحظ أيضًا في اللوحة اتباع عنصر ملء الفراغ الذي يعتبر عنصرًا من عناصر الفن الإسلامي، ووضع الحليات لتناسق الشكل وإعطائه جمالًا، إن هذا الشكل تحلّى بمذاق مختلف، وذلك بسبب اختلاف نوع الخط، الذي يمكن أن يشكّل أشكالًا آدمية تعبّر عن روح الفنان وفكره، وهذا ما اشتهر به العثمانيون، فالخط الديواني هو الخط الرسمي للدولة العثمانية.
ولذا تميّز الخط الديواني في هذه اللوحة بالتداخل والتشابك والتنوع لإعطاء إحساس بالغموض ولفت الانتباه، وإثارة مشاعر المتذوق الفني داخل المشاهد، كما أنه عندما تنظر للحروف تشعر بتنغيم يظهر في سُمْك تلك الحروف من الداخل وأطرافها تتدلى بِرُفع، إذ يبدأ الحرف من الداخل بخط سميك متشابك وينتهي بخط رفيع في أطرافه، وهذا التشابك يكون قابلًا للتحوير ليُكوِّن شكلًا تجريديًّا لنملة سيدنا سليمان عليه السلام.
وعلى الرغم من أن الخطاط والحرفي لم يريا هذه النملة، فإنهما يتميزان بما يتميز به الفن الإسلامي من كونه فنًّا تجريديًّا يرفض المحاكاة الحَرفية للأشياء في الطبيعة، ولكن يعبّر عنها في شكل روحاني عقائدي.

لوحات فنية تتنوع بالزخارف الحديثة
أخذ القصبجي اتجاهًا آخر في التطوير، وهو عمل زخارف حديثة تتماشى مع الفن الحديث، لكن بنفس عناصر الفن الإسلامي من التداخل والتشابك وملء الفراغ، فنلاحظ في لوحة سورة الناس (الشكل:11) أنه صمم اللوحة بشكل دائري، يتوسط الشكل دائرة صغيرة فيها قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (سورة الناس:1)، ويستعين بخط الثلث وبتكبير حجم هذه الآية، للتنبيه على أن هذه لوحة سورة الناس.
وتتكون الدائرة الأكبر من أجزاء مقسمة من خلال فواصل، الجزء الأول في بداية الدائرة وهي البسملة، والجزء الذي في اليمن يحمل قوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} (سورة الناس:2-4)، وفي الجانب الآخر الذي يناظرها في اليسار بقية السورة الكريمة، قال تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}(سورة الناس:5-6)، ومن أسفل الدائرة، وهذا هو انتهاء السورة الكريمة، لكنّ هذه السورة والفواصل التي بين الآيات لم تطرّز بخيوط القصب، بيد أن الحرفي طوَّر في لوحاته بالاستعانة بــ «الخشخان»، وهو يشبه في عمله عمل الفصوص، فهو على شكل أسطواني رفيع وطويل يتم تقطيعه حسب طول الحرف، ويستخدم معه خيط سيرما، أو خيط قطن مطابق للون الخشخان لحياكته، فيمرّ الخيط من الخشخان، ويتم بعد ذلك حياكته على قماشة قطيفة من الأسود اللامع. 
يحيط بسورة الناس إطار دائري مزخرف بزخارف نباتية، لكنّها زخارف تحاكي الواقع (الشكل:12)، فنلاحظ أنها على شكل وردة بخيوط السيرما «القصب» متنوعة بألوان من الفضة والذهب، ومطعمة بـ «الخشخان» من الداخل وفي الفروع الصغيرة من الخارج، وأغصان الزهور يتم تطريزها بــ «الكنتيل»، وهو عبارة عن أسطوانات صغيرة جدًا تُستخدم في العادة بتطريز بدل التشريف الخاصة بالجيش والشرطة.

بين النقوش والزخارف
اهتم القصبجي بالجمع بين النقوش الكتابية والزخارف، فقد أبدع في عمل لوحة من القطيفة الخضراء تتعدد بها النقوش الكتابية، وتتنوع بها الزخارف الهندسية في شكل الدائرة يحتوي على حشو من الورق الكارتون والخيوط القطن ومطرز بخيط القصب الذهبي، وبداخله البسملة بحشو من ورق الكارتون فقط، وبخيط القصب الفضي، بنوع خط الثلث، يتم توزيع البسملة على أركان اللوحة الأربعة، في الأعلى يتوسطها اسم الجلالة مكررًا مرتين (الله)، بزخرفة هندسية على شكل نصف مثلث، له طرفان، الطرف الأيمن به نقطتان والطرف الأيسر يميل بميل حرف الهاء؛ مما أسهم في إعطاء الاسم شكلًا زخرفيًّا جماليًّا، ويتوسطهما زخارف نباتية تملأ الفراغ بين الكلمتين لتعطي شكلًا فيه تماثل وتناظر بينهما حتى تزيدها إبداعًا.
وفي الأسفل يتوسط البسملة قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } (سورة الفتح:1)، واختار الحرفي هذه الآية ليشير إلى أن البسملة هي فاتحة القرآن الكريم (الشكل:13)، وفي اليمين توجد البسملة تبدأ باسم الجلالة وأسفلها بسم - الرحمن - الرحيم، ليعطي شكلًا مختلفًا للبسملة، يوحي بقرص الشمس يخرج منه إضاءة تُشع نورًا، وكُتِب بداخلها لفظ الجلالة (الله) الذي يتوسط البسملة، ونلاحظ أن الشَّعاع هو حرف الألف. 
يبدأ حرف الألف من الزلف من الأعلى، ويترك مائلًا بطول سبع نقاط وميل نصف نقطة، وبداية الجسم يظهر فيه عرض القلم، أما نهايته فهو جزء مدبب الرأس يأخذ انحناءات الحرف الذي أسفله (الشكل:59)، حتى يعطي تناغمًا وانسيابية في شكل لفظ الجلالة (الله)، ويستمر امتداده حتى يتداخل في كلمات البسملة ليصبح جزءًا منها.
ونجد أسفل البسملة عبارة (بسم الله ما شاء الله) بخط الثلث، واختار الحرفي هذه العبارة ليمنع العين عن حسد البسملة؛ لجمالها وإنارتها، وقد تم نقشه على شكل عمودي يوازيه في الجانب الأيسر من اللوحة نفس هذه النقوش الكتابية، وهذا جزء من التمايز في الفن الإسلامي، لكن ليس تمايزًا متداخلًا، نظرًا، لأنه يتوسطها مربع مليء بالزخارف النباتية، وأضاف الحرفي زهرة اللوتس في هذه الزخارف - وهي ترجع للحضارة المصرية القديمة - كنوع من الدمج بين التراث الإسلامي والفرعوني، باستخدام جميع عناصر الفن الإسلامي من ملء الفراغ والتشابك والتلاحم والتقابل والامتداد.

صياغة جديدة
يزيد التناغم بين خيط القصب الذهبي والفضي في هذه الزخارف جمالاً وإبداعًا ونغمًا مرئيًا، فقد عكف الحرفي على أن يحلل عناصر الطبيعة، ثم يعيد تركيبها في صياغة جديدة لتكون بعيدة عن محاكاتها، ولتؤكد القيم الجمالية المجردة، وهذا ما يقوم به الفنان المعاصر في إبداع صياغات إيقاعية جديدة للعناصر الطبيعية بعد تحليلها إلى سطوح وأحجام هندسية، على شكل «قنديل» بداخله البسملة.
فكان الإطار الخارجي للبسملة هو «القنديل»، وفي الداخل البسملة بخط ثلث تركيبي عبارة عن تداخل الكلمات فوق بعضها البعض في تأليف منسجم على شكل قنديل، فطوَّر الحرفي من الشكل الدائري والمستطيل والمربع إلى أشكال مختلفة من الحياة اليومية، كذلك استخدم التماثل والتقابل في البسملة بشكل متناظر؛ لأنه يأخذ طابعًا زخرفيًا كعنصرين مركّبين في وضع التقابل بخيط القصب الفضي الذي يوحي الإنارة، وسط زخرفة متنوعة الإضاءة بين الذهب والفضة.
هناك عناصر جمالية عديدة مكتشفة وغير مكتشفة موجودة في الخط العربي والزخرفة اللذين يعدان من أرقى عناصر الفن الإسلامي، فيجب على فنانينا البحث عن قيمها الجمالية واستلهامها، وينبغي على الفنانين في الوطن العربي أن يستمدوا أصولهم واتجاهاتهم من عناصر وظواهر وقيم الفنون العربية القديمة والإسلامية والفنون الشعبية، وهذا بدوره تقوم به الحرف الشعبية ■

 

«لوحة الصمدية»، وهي جزء من كسوة الكعبة المشرفة (الشكل 1)

 

القصبجي أحمد شوقي عثمان ورث مهنة والده محاولاً الحفاظ عليها

 

من أعمال القصبجي أحمد شوقي