قراءةٌ في فِكْر السيد يسين

قراءةٌ في فِكْر  السيد يسين

رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2017،‭ ‬المفكر‭ ‬العربي‭ ‬السيد‭ ‬يسين‭ (‬1933‭ ‬‭ ‬2017‭)‬،‭ ‬مخلفا‭ ‬وارءه‭ ‬تراثاً‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الفكرية‭ ‬شـمل‭ ‬قضايا‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسياسية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬دراساته‭ ‬التي‭ ‬رصدت‭ ‬وحللت،‭ ‬بمنهج‭ ‬صاغه‭ ‬وهو‭ ‬منهج‭ ‬التحليل‭ ‬الثقافي،‭ ‬التحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬وبروز‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬الامبراطورية‭ ‬الكونية‮»‬‭ ‬وعنى‭ ‬بها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬رصدها‭ ‬الأستاذ‭ ‬يسين‭ ‬قاصرة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬قضايا‭ ‬عالمية،‭ ‬مثل‭ ‬العولمة‭ ‬بتجلياتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬ثورة‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬ثم‭ ‬صراع‭ ‬وحوار‭ ‬الثقافات‭. ‬

يروي‭ ‬يسين‭ ‬عن‭ ‬تكوينه‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬المبكر،‭ ‬حيث‭ ‬قرأ‭ ‬وهو‭ ‬طالب‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والفلسفة‭ ‬والشعر‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬وقصائد‭ ‬إليوت‭  ‬والأساتذة‭ ‬المصريين‭ ‬الذين‭ ‬تأثر‭ ‬بهم،‭ ‬وسياسياً‭ ‬انجذب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنه‭ ‬عمل‭ ‬خطيباً‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬التمرين‮»‬‭ ‬في‭ ‬الزوايا‭ ‬الصغيرة،‭ ‬جذبه‭ ‬إليهم‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬‮«‬منفتحين‭ ‬جداً‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لديهم‭ ‬أي‭ ‬انغلاق‭ ‬فكري‭ ‬تجاه‭ ‬قضايا‭ ‬الأقباط‭ ‬والمرأة‮»‬،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬اكتشف‭ ‬‮«‬أن‭ ‬الإخوان‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬نظرية‭ ‬علمية‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تطور‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬المبكر‭ ‬على‭ ‬مشكلات‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‮»‬‭: ‬المشكلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وخاصة‭ ‬الفجوة‭ ‬الطبقية‭ ‬الكبرى‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬والأغنياء،‭ ‬والمشكلة‭ ‬الوطنية‭ ‬وكيف‭ ‬نجلي‭ ‬الإنجليز‭ ‬عن‭ ‬مصر‭. ‬

في‭ ‬بدايات‭ ‬عمله‭ ‬البحثي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬التحول‭ ‬هو‭ ‬اختياره‭ ‬مساعد‭ ‬باحث‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬القومي‭ ‬للبحوث‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بتشجيع‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬الراحل‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬خليفة،‭ ‬وهي‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬من‭ ‬1975‭ ‬إلى‭ ‬1990،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تبلور‭ ‬منهجه‭ ‬العلمي،‭ ‬الذي‭ ‬يسميه‭ ‬المنهج‭ ‬التاريخي‭ ‬النقدي‭ ‬المقارن‭. 

وكان‭ ‬أول‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البحث‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬كتابه‭ ‬مع‭ ‬آخرين‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أسس‭ ‬البحث‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1963،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬التحليل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للأدب‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬السياسة‭ ‬الجنائية‭ ‬المعاصرة‭: ‬دراسة‭ ‬نقدية‭ ‬للدفاع‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1977‭. ‬

وقد‭ ‬استمرت‭ ‬اهتمامات‭ ‬يسين‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬قومية،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬‮«‬الصهيونية‭ ‬أيديولوجية‭ ‬عنصرية‮»‬‭ (‬1977‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬الشخصية‭ ‬العربية‭ ‬بين‭ ‬مفهوم‭ ‬الذات‭ ‬وصورة‭ ‬الآخر‮»‬‭ (‬1973‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬تحليل‭ ‬مفهوم‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‮»‬‭ (‬1987‭)‬،‭ ‬السياسة‭ ‬الجنائية‭ ‬المعاصرة‭... ‬دراسة‭ ‬نقدية‭ ‬للدفاع‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ (‬1992‭)‬‭. ‬

مع‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينيات‭ ‬حين‭ ‬انهار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬كنظام،‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬ودولة،‭ ‬وانتهاء‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وبروز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحد‭ ‬باعتبارها‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتوازيا‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬ترسخت‭ ‬ظاهرة‭ ‬العولمة‭ ‬بتجلياتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬محركها‭ ‬ثورة‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭. ‬

 

مشروع‭ ‬فكري

مع‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬شرع‭ ‬السيد‭ ‬يسين‭ ‬في‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬قضيتين‭: ‬العولمة،‭ ‬وحوار‭ ‬الحضارات‭. ‬ولهذا‭ ‬سنركز‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬حيث‭ ‬نعتبر‭ ‬أنه‭ ‬يتوج‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬يسين‭. ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬كان‭ ‬يحاول‭ ‬فهم‭ ‬‮«‬نص‭ ‬العالم‭ ‬المعقد‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تتداخل‭ ‬فيه‭ ‬بطريقة‭ ‬جدلية‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتكنولوجية‭. ‬

وقد‭ ‬بدت‭ ‬أولى‭ ‬ثمار‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الوعي‭ ‬التاريخي‭ ‬والثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬–‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬متغير‮»‬‭ (‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية،‭ ‬الأهرام‭ ‬1995‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬حاول‭ ‬فيه‭ ‬تطبيق‭ ‬منهج‭ ‬التحليل‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬وتفسير‭ ‬خريطة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬نظم‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬نشوئها‭ ‬وتحولها‭ ‬وتغيرها،‭ ‬وقد‭ ‬توصل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المناهج‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬السائدة‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬سبر‭ ‬أغوار‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬العالم‭. ‬وقد‭ ‬تابع‭ ‬المشروع‭ ‬بكتابه‭ ‬‮«‬الزمن‭ ‬العربي‭ ‬والمستقبل‭ ‬العالمي‮»‬،‭ (‬دار‭ ‬المستقبل‭ ‬العربي،‭ ‬عام‭ ‬1998‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬فضيلة‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬هي‭ ‬قراءة‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العالم‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تداخلها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬العربي،‭ ‬وينطلق‭ ‬يسين‭ ‬من‭ ‬فرضية‭ ‬محددة،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬ما‭ ‬كان‭ ‬ممكنا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المستقبل‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬في‭ ‬اعتبارنا‭ ‬مستقبل‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬تحديات‭ ‬العالم،‭ ‬وجمعها‭ ‬في‭ ‬ستة‭ ‬تحديات‭ ‬رئيسة،‭ ‬هي‭: ‬مخاطر‭ ‬الأحادية‭ ‬الفكرية،‭ ‬وآفاق‭ ‬التطور‭ ‬السياسي،‭ ‬ومشكلات‭ ‬سياسات‭ ‬الثقافة،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬العلمية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬والتجديد‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ثم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأنا‭ ‬والآخر‭.‬

 

أزمة‭ ‬هوية

‭ ‬وبعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬مشكلة‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الحضارات،‭ ‬واتساقاً‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعطيه‭ ‬يسين‭ ‬في‭ ‬بحوثه‭ ‬ودراساته‭ ‬للتحولات‭ ‬العالمية‭ ‬للبعد‭ ‬الثقافي‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التجديد‭ ‬أو‭ ‬الإحياء‭ ‬الثقافي،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬ويعتبرها‭ ‬أزمة‭ ‬شرعية،‭ ‬وأزمة‭ ‬هوية‭ ‬وأزمة‭ ‬عقلانية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬طبيعياً‭ ‬أن‭ ‬تحتل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬مكاناً‭ ‬بارزاً‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬يسين‭ ‬قراءة‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وبروزها‭ ‬كقوة‭ ‬عظمى‭ ‬أولى‭ ‬ووحيدة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬إصداره‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الامبراطورية‭ ‬الكونية‮»‬‭ (‬دار‭ ‬نهضة‭ ‬مصر،‭ ‬2004‭)‬،‭ ‬وأن‭ ‬تحتل‭ ‬الأحداث‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001،‭ ‬اهتماماً‭ ‬خاصا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬وأن‭ ‬يعتبرها‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الأمريكية‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬يتوقع‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬بوش‭ ‬سوف‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬المستنقع‭ ‬العراقي‭ ‬كما‭ ‬وقعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬المستنقع‭ ‬الفيتنامي‭. ‬

في‭ ‬سياق‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬عن‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والقوى‭ ‬التي‭ ‬تحدثها،‭ ‬كانت‭ ‬ظاهرة‭ ‬العولمة،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬استوقفته‭ ‬بتجلياتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬وهي‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬ترسخت‭ ‬مع‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينيات،‭ ‬وبدا‭ ‬أنها‭ ‬ألغت‭ ‬حواجز‭ ‬المكان‭ ‬والزمان،‭ ‬وسمحت‭ ‬بتدفقات‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬والبشر،‭ ‬ولإدراكه‭ ‬لعمق‭ ‬تأثيرات‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬خصص‭ ‬لها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعمال‭ ‬رئيسية‭: ‬‮«‬العالمية‭ ‬والعولمة‮»‬‭ ‬‮«‬الحوار‭ ‬الحضاري‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‮»‬،‭ ‬‮«‬المعلوماتية‭ ‬وقضايا‭ ‬العولمة‮»‬،‭ ‬‮«‬آفاق‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬العولمة‭ ‬وانهيار‭ ‬الرأسمالية‮»‬‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الأخير،‭ ‬تعرض‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬مأزق‭ ‬العولمة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬وللبعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الجذري‭ ‬للعولمة‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬امتداداً‭ ‬وتجاوزاً‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لنقد‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬مذهباً‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬فالرأسمالية‭ ‬المعولمة‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الثراء‭ ‬الناشئ‭ ‬المتنامي،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لضروب‭ ‬من‭ ‬التوتر،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬شرعية‭ ‬الأسواق‭ ‬المعولمة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬خمس‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬برزت‭ ‬سلبيات‭ ‬العولمة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬المنافسة‭ ‬غير‭ ‬المقننة‭ ‬وحماية‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭, ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬أضرار‭ ‬متعددة‭ ‬بالأفراد‭ ‬والمجتمعات‭. ‬

 

الطريق‭ ‬الثالث

ولعل‭ ‬النقد‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الرأسمالي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭ ‬وما‭ ‬أحدثه‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬وفوارق‭ ‬اجتماعية،‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬النظم‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الراسخة،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬يسين‭ ‬أن‭ ‬يهتم‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يتبلور‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬كنتيجة‭ ‬للآثار‭ ‬السلبية‭ ‬للعولمة‭ ‬وتعني‭ ‬به‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الطريق‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬طريقاً‭ ‬وسطا‭ ‬بين‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬التي‭ ‬دانها‭ ‬التاريخ‭ ‬حسبما‭ ‬يعتبر‭ ‬البعض،‭ ‬والرأسمالية‭ ‬التي‭ ‬اهتزت‭ ‬بعنف‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وروسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الجنوبية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬خصص‭ ‬يسين‭ ‬لهذا‭ ‬المفهوم‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬العولمة‭ ‬والطريق‭ ‬الثالث‮»‬‭ (‬دار‭ ‬ميريت‭ ‬1999‭)‬،‭ ‬واستشهد‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬كتابات‭ ‬الباحثين‭ ‬والمفكرين‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬رسمية‭ ‬أمريكية‭ ‬وأوربية‭ ‬كما‭ ‬بدت‭ ‬في‭ ‬الندوة‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬مع‭ ‬جامعة‭ ‬نيويورك‭ ‬وضمت‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬كلينتون،‭ ‬وتوني‭ ‬بلير‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني،‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإيطالي،‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الهولندي،‭ ‬وجميعهم‭ ‬يمثلون‭ ‬قلاع‭ ‬الرأسمالية‭ ‬التقليدية‭. ‬ويروي‭ ‬يسين‭ ‬تفاصيل‭  ‬متابعته‭ ‬الندوة‭ ‬ودهشته‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الراديكالية‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬كلينتون‭ ‬وقربه‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأفكار‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يستنتج‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬الفعلية‭ ‬لتطبيق‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬الاتجاه‭ ‬التوفيقي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬قيم‭ ‬كانت‭ ‬تبدو‭ ‬معارضة‭ ‬لجو‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الثنائيات‭ ‬الزائفة؟

 

نموذج‭ ‬حضاري

وفي‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬آفاق‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‮»‬‭ (‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭ ‬2011‭) ‬ينبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أبرز‭ ‬تحول‭ ‬شهده‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬هو‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬نموذج‭ ‬المجتمع‭ ‬الصناعي‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬حضاري‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬مجتمع‭ ‬المعلومات‭ ‬العالمية‭ ‬الذي‭ ‬يتحول‭ ‬بثبات‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬المعرفة‭. ‬

ومن‭ ‬استعراضه‭ ‬لهذا‭ ‬التحول‭ ‬يتساءل‭ ‬يسين‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬بهذا‭ ‬التحول،‭ ‬ويتساءل‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬الحضاري‭ ‬العنيف‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬تحت‭ ‬أعلام‭ ‬العولمة،‭ ‬ويبرز‭ ‬التساؤل‭ ‬الذي‭ ‬وجهه‭ ‬أحد‭ ‬علماء‭ ‬المعلوماتية،‭ ‬وهو‭ ‬د‭. ‬نبيل‭ ‬علي‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلحق‭ ‬بركب‭ ‬السباق‭ ‬الحضاري‭ ‬أم‭ ‬سنعجز‭ ‬عن‭ ‬ذلك؟‭ ‬ويجيب‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬يمتلكون‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والمادية‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬مؤهلين‭ ‬لخوض‭ ‬هذا‭ ‬السباق‭ ‬الذي‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬موارده‭ ‬الذهنية‭ ‬وتوظيف‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬تؤسس‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬المتكامل‭ ‬للمشكلات‭ ‬وتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وينتهي‭ ‬يسين‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعلاقة‭ ‬العولمة‭ ‬بالمعرفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المعرفة‭ ‬ترتبط‭ ‬بالقوة،‭ ‬وبعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬ستصبح‭ ‬المفاضلة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬الأصيلة‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬التراكم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقتضي‭ ‬التفاعل‭ ‬العربي‭ ‬حول‭ ‬الخلاف‭ ‬مع‭ ‬العولمة‭ ‬لتعظيم‭ ‬إيجابياتها‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬سلبياتها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬صياغة‭ ‬الأنساق‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يسين‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬العولمة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يناقش‭ ‬تياراً‭ ‬فكرياً،‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬د‭. ‬حسن‭ ‬حنفي،‭ ‬وبشكل‭ ‬قاطع‭ ‬‮«‬أن‭ ‬العولمة‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬المركزية‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬الكشوف‭ ‬الجغرافية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬موافقة‭ ‬يسين‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬العام‭ ‬للآثار‭ ‬السلبية‭ ‬للهيمنة‭ ‬الغربية،‭ ‬فإنه‭ ‬يتحفظ‭ ‬عن‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬العولمة‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬فعنده‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬يختزل‭ ‬ظاهرة‭ ‬العولمة،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬تاريخية‭ ‬كبرى‭ ‬متعددة‭ ‬المصادر‭ ‬زاخرة‭ ‬بالأبعاد،‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬مجرد‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬المركزية‭. ‬

 

حوار‭ ‬الحضارات

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬العولمة‮»‬‭ ‬كما‭ ‬رأينا،‭ ‬قد‭ ‬نالت‭ ‬اهتماماً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬من‭ ‬يسين،‭ ‬فثمة‭ ‬قضية‭ ‬أخرى‭ ‬توازت‭ ‬مع‭ ‬اهتمامه‭ ‬بالعولمة،‭ ‬وهي‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬حوار‭ ‬الحضارات‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أثيرت‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينيات‭ ‬حين‭ ‬أصدر‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكي‭ ‬صمويل‭ ‬هنتجتنون‭ ‬مقاله‭ ‬ثم‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬صدام‭ ‬الحضارات‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬قد‭ ‬ثارت‭ ‬وبقوة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬الأحداث‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬قاموا‭ ‬بها‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬إسلامية‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬تخصيص‭ ‬يسين‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬لمناقشة‭ ‬قضية‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات،‭ ‬فقد‭ ‬أصدر‭: ‬‮«‬الوعي‭ ‬التاريخي‭ ‬والثورة‭ ‬الكونية‭ ‬وحوار‭ ‬الحضارات‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬متغير‮»‬،‭ ‬‮«‬حوار‭ ‬الحضارات‭... ‬تفاعل‭ ‬الغرب‭ ‬الكوني‭ ‬مع‭ ‬الشرق‭ ‬المتضرر‮»‬،‭ ‬‮«‬الديمقراطية‭ ‬وحوار‭ ‬الثقافات،‭ ‬وتحليل‭ ‬الأزمة‭ ‬وتفكيك‭ ‬الخطاب‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬جدل‭ ‬الحضارات‭... ‬ثلاثية‭ ‬الحوار‭ ‬والصراع‭ ‬والتحالف‭: ‬2015‮»‬‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬انطلق‭ ‬يسين‭ ‬من‭ ‬اعتباره‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭ ‬ليست‭ ‬منعزلة‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬سبتمبر،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬أعطتها‭ ‬أبعاداً‭ ‬أعمق‭. ‬ويعتقد‭ ‬يسين‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬ندرس‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والغرب،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬علاقات‭ ‬صراع‭ ‬أو‭ ‬تعاون،‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نخوض‭ ‬في‭ ‬غمار‭ ‬الخطابات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والسياسية‭ ‬الصاخبة‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬لكي‭ ‬ترصد‭ ‬سلوكها‭ ‬الفعلي‭ ‬وتشريح‭ ‬دوافعها‭ ‬الحقيقية‭.‬

ووفقاً‭ ‬لفرد‭ ‬هاليدي‭ ‬فإنه‭ ‬إذا‭ ‬حللنا‭ ‬سلوك‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬إسلام‭ ‬واحد‮»‬‭ ‬و‮«‬غرب‭ ‬واحد‮»‬‭ ‬فهناك‭ ‬55‭ ‬دولة‭ ‬إسلامية‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬المؤتمر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وهناك‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬إثيوبيا‭ ‬والهند‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬جاليات‭ ‬إسلامية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وهناك‭ ‬16‭ ‬مليون‭ ‬مسلم‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬ونحو‭ ‬60‭ ‬دولة‭ ‬المسلمون‭ ‬فيها‭ ‬يمثلون‭ ‬أقلية،‭ ‬وكل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لها‭ ‬مصالحها‭ ‬المستقلة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬تعريفاتها‭ ‬الخاصة‭ ‬لتقاليدها‭ ‬القومية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬طريقها‭ ‬في‭ ‬الارتباط‭ ‬بالتقاليد‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬نفسه‭. ‬

ويطرح‭ ‬يسين‭ ‬سؤالاً‭: ‬هل‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬موجة‭ ‬عداء‭ ‬ضد‭ ‬الإسلام‭ ‬باعتباره‭ ‬ديناً؟‭ ‬أم‭ ‬إنها‭ ‬ضد‭ ‬جماعات‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬وفي‭ ‬ظروف‭ ‬معينة‭ ‬ينبغي‭ ‬تجليتها‭ ‬وإبرازها؟‭ ‬

 

أسباب‭ ‬أخرى

ولظاهرة‭ ‬العداء‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى‭ ‬ثقافية‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬الأسباب‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬أن‭ ‬المهاجرين‭ ‬المسلمين‭ ‬لهم‭ ‬طقوسهم‭ ‬الدينية‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬لافت‭ ‬للنظر،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬شعوب‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬يمارسون‭ ‬اتجاهاً‭ ‬عدائيا‭ ‬ضدهم،‭ ‬ولعل‭ ‬معركة‭ ‬الحجاب‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬ومحاولة‭ ‬منع‭ ‬الطالبات‭ ‬المسلمات‭ ‬المحجبات‭ ‬من‭ ‬وصول‭ ‬المدارس‭ ‬الفرنسية‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬

وقد‭ ‬اهتم‭ ‬يسين،‭ ‬بقضية‭ ‬صعود‭ ‬التيارات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والفكر‭ ‬التكفيري،‭ ‬وإن‭ ‬عارض‭ ‬بشراسة‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬وهذا‭ ‬الفكر،‭ ‬وخلال‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬للفكر‭ ‬الديني،‭ ‬وضرورات‭ ‬تجديده‭ ‬وإصلاحه‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬حقاً‭ ‬هزيمة‭ ‬هذا‭ ‬الفكر،‭ ‬وأصدر‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬نقد‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ركز‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬حاجة‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬النقد‭ ‬الذاتي‮»‬،‭ ‬ونبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مواجهة‭ ‬التطرف‭ ‬لن‭ ‬تتحقق‭ ‬فقـــــط‭ ‬بالوسائل‭ ‬الأمــــنية‭ ‬ولكــن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استراتيجــية‭ ‬شاملة‭ ‬تشمل‭ ‬التعليم‭ ‬والثقافة■