دليل الفعاليات المستدامة

تؤكد المنظمة الدولية لوضع المعايير (ISO) أن الفعاليات الكبيرة تؤثر بثقل في استهلاك الموارد، وعلى المجتمع المحيط والبيئة؛ حيث يمكن أن تنتج قدراً هائلاً من المخلفات؛ وتضع عبئاً على موارد كالماء والطاقة وعلى المجتمعات المحلية؛ ولكن باتباع بعض المعايير يمكن أن ينظم الحدث أو الفعالية على نحو مستدام، بغضّ النظر عن نوعيته.
ويرشد عدد من الأدلة الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات والمواقع الإلكترونية المهتمة بالتنمية المستدامة إلى إجراءات ناجعة لتنظيم اجتماعات وفعاليات، من دون الإضرار بالبيئة أو هدر الموارد.
كما يسعى العديد من الجامعات إلى نشر خطوات وإرشادات تساعد على التخطيط للفعاليات المستدامة - مثل جامعة إدنبرة البريطانية - وتروج لها في المجتمع الجامعي. وتنظم جامعات أخرى فعاليات مستدامة متخصصة، كما هي الحال في جامعة أوهايو التي قدمت فعالية تحت عنوان «لا مخلفات»، وهي مبادرة تسعى إلى تخضير الحرم الجامعي بتوجيه مجتمع الجامعة نحو إعادة تدوير المخلفات.
وتمنح جامعات، مثل جامعة ييل، شهادات للفعاليات المستدامة بتحقيق شرطين؛ الأول الالتزام بقائمة تخطيط الفعاليات المستدامة المنشورة على موقع الجامعة، والثاني: نتائج مسح يُجرى بعد الفعالية يثبت استدامتها.
أسئلة مهمة
ومن النصائح التي قدمها دليل برنامج البيئة (اليونيب)، التابع لمنظمة اليونسكو، طرح بعض الأسئلة المهمة قبل تنظيم الحدث أو الفعالية، مثل: هل هذا الاجتماع أو الفعالية ضروري حقاً؟ وهل من الممكن الحصول على النتيجة نفسها بطريقة بديلة؟ كأن تعقد اجتماعات صغيرة في مناطق مختلفة، ثم تربط بوسيلة افتراضية عبر الإنترنت؛ فيقل استخدام المركبات وما يترتب عليها من تلوث بيئي.
أو هل من الممكن أن تدمج أكثر من فعالية، بحيث يتم تشارك الموارد ووسائل الانتقال؟ وبعد دراسة الوضع والتأكد من ضرورة تنظيم الفعالية، يأتي دور قائمة ما ينبغي وضعه في الاعتبار لتحقيق التوازن بين المسؤوليات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
مميزات ومنافع
إلى جانب التقليل من الأثر البيئي بالمحافظة على الأشجار، أو التقليل من انبعاثات الكربون، أو إنتاج المخلفات وإعادة تدويرها، توجد مميزات متعددة للفعاليات المستدامة، منها منافع اقتصادية كتوفير النفقات عبر اتخاذ بعض التدابير واستخدام الموارد بكفاءة واستهلاك المنتجات المحلية.
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في مؤتمر جمعية الإيدز الدولية في فيينا بالنمسا، الذي شارك فيه ما يقارب من 10 آلاف شخص، وتم توفير أكثر من نصف مليون دولار من استخدام الدعوات الإلكترونية بدلاً من المطبوعة؛ والاكتفاء بطباعة ملخصات الكتب بدلاً من الكتب كاملة؛ واستخدام المواصلات العامة ومياه الصنبور بدلاً من المياه المعدنية.
وعـــــادة مــــا تكتــــسب الفعاليات المستدامة - الحريصة على البيئة والموارد - سمعة طيبة، وتنجح في اجتذاب وسائل الإعلام ونوعية متميزة من المشاركين المتمتعين بوعي متزايد بقضايا الاستدامة.
وقد تبادر بعض الجهات المناصرة للتنمية المستدامة بالتبرع بالمساعدات والهبات لدعم مثل هذه الأنشطة. فبعد انعقاد مؤتمر ناجح حول تغيّر المناخ، كمثال، سعت سلطة كوبنهاغن بالدنمارك إلى جعل المدينة عاصمة لاجتماعات التنمية المستدامة.
ومن الفوائد الأخرى المترتبة على الفعاليات المستدامة، توفير فرص عمل، ومشاركة الشركات المتوسطة والصغيرة؛ ولعب دور العامل المساعد لتطبيق أفضل الممارسات المستدامة في المنطقة.
كما تشجع مثل هذه الفعاليات المنتجات الخضراء، والتجديد التكنولوجي المحفز للاستخدام الأمثل للموارد؛ إضافة إلى رفع الوعي بين المشاركين ومقدمي الخدمات ورعاة المناسبة والمجتمع المحيط؛ وإلهام الجميع بإحداث تغيّرات إيجابية، إضافة إلى تعزيز الاستخدام العادل في توزيع الموارد واحترام حقوق الإنسان، والاهتمام بالتنوع، ودعم المشاركة، وتتبع سلسلة الإمدادات لضمان التعامل مع إنتاج قائم على الأخلاق.
معايير حاكمة
ومن معايير الفعالية المستدامة ما يلي:
1 - السعي نحو التقليل من انبعاث الغازات الضارة، ودعم التخلص مما لا مفر منه.
2 - الاهتمام بالإجراءات التي تخفض من استهلاك المياه والطاقة والمواد المستخدمة والموارد الأخرى.
3 - التقليل من إنتاج المخلفات، وإعادة تدوير ما لا بد منه.
4 - وضع الآثار البيئية والاجتماعية لدورة حياة المنتج والبضائع والخدمات في الاعتبار قبل اتخاذ قرار الشراء.
5 - تطبيق المبادئ الاجتماعية والبيئية عند تنفيذ الفعالية أو الحدث، للتقليل من تضرر البيئة، ولضمان المشاركة من جانب الجميع بأمن وسلامة.
6 - أخذ التدابير اللازمة لتعظيم المنافع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمجتمع المحلي الذي يجري فيه الحدث؛ والتقليل من الإزعاج المحتمل.
7 - بذل الجهود لرفع الوعي وتقديم المعلومات وإشراك أصحاب المصلحة ودمج المشاركين والقوى العاملة والمضيفين المحليين والسلطات المحلية والوطنية والرعاة والمجتمع المدني وخبراء الأعمال والتكنولوجيا لدعم مبادئ التنمية المستدامة.
8 - وضع نظام تقارير يخدم التواصل ويقيم المبادرات ويحلل نتائج عمليات الحدث أو الفعالية المستدامة.
مبادئ إدارة الفعاليات المستدامة
من أساسيات التنظيم الناجح للفعاليات المستدامة، البدء في التحضير لها قبل انعقادها بفترة كافية، بوضع خطة عمل واضحة الأهداف والمسؤوليات والمواعيد النهائية وسبل المراقبة، إضافة إلى تخصيص ما يكــفي من موارد الوقت والأفراد والمال، مع التفكيــــر في طرق التــــوفير وكفــــاءة الاستـــــخدام. ومن المهــــم تكوين فريق أساسي، أو ما يمكن تسميته بـ «فريق الاستدامة»، ممثلاً لجميع الأطراف المعنية.
وكثيراً ما ينصح المبتدئون في تنظيم الفعاليات المستدامة بالتقدم خطوة خطوة في تحديد الجوانب الملموسة والسهلة أولاً، كأن يكون الهدف الأول التقليل من استهلاك الموارد، وإعادة تدوير المخلفات، ثم تضاف جوانب أخرى مختلفة. ومن المهم أيضاً إدراك حقيقة أن الفعاليات والمناسبات المستدامة عملية مستمرة، وأن الهدف الذي لا يتحقق في مناسبة، يمكن أن يتحقق في وقت لاحق.
المشاركون في الفعالية
ومن المفترض أن يتم إبلاغ المشاركين في الفعالية أو الحدث بأنه سينظم بطريقة مستدامة، سواء قبل الانعقاد أو خلاله، وذلك لضمان وجود الوعي بأهمية الممارسات المستدامة وفائدتها. وكذلك إخبارهم بالدور الذي سيؤدونه والسلوك المتوقع منهم. وإذا لم تسنح الفرصة لذلك، يمكن وضع إرشادات موجهة أو إعلانات واضحة، كالإشارة إلى أماكن رمي المخلفات بصورة مصنفة لتسهيل إعادة تدويرها.
وعلى المنظمين أن يكونوا مبدعين في التعريف بفكرة الاستدامة؛ كأن يكون ذلك عبر وسيلة فنية، أو من خلال مسابقات، أو توفير مراكز تعليمية بيئية مصغرة تقدم معلومات حول موضوعات مستدامة كإعادة الاستخدام، وبصمة الكربون، والتقليل من الاستهلاك وغير ذلك. كما يمكن دمج فكرة الاستدامة في موضوع الفعالية، والإشارة إليها في كلمات الشخصيات المهمة.
ويمكن للرعاة المهتمين بالتنمية المستدامة، من جانب آخر، أن يساهموا في نقل الضيوف بوسائل نقل جماعي، أو بتمويل إدارة المخلفات وسوى ذلك.
ويمكن إصدار نشرة إخبارية منفصلة، أو ضمن جزء في الموقع الإلكتروني، بحيث توزع على الإعلاميين المهتمين. وربما يكون لمشاركة المنظمات غير الحكومية دور مساعد في نشر الوعي والمشاركة في البرامج التطوعية المتعلقة بالتنمية المستدامة.
مقترحات وأفكار
ومن بين المقترحات والأفكار المهمة في هذا الصدد، اختيار طرق وأماكن تعقد فيها الفعالية المستدامة، تطبق معايير البناء الأخضر، وتستخدم طاقة متجددة، وتهتم بالاستخدام الأمثل للطاقة والموارد. كما يفضل ألا يستدعي الموقع الاستخدام المكثف للمواصلات؛ سواء بالنسبة إلى المشاركين أو لنقل المنتجات.
وإذا كان لا بد من استخدام المواصلات وقطع مسافات طويلة، فلا مفر، إذن، من تدابير تتعامل مع الضجيج ومع الانبعاثات الضارة أولاً بحساب مقدار هذه الانبعاثات، وبذل أقصى جهد في التقليل منها، ثم معادلتها بالمشاركة في مشروعات تقلل من هذا الأثر، في المكان نفسه أو في مكان آخر، على اعتبار أن الكرة الأرضية بيت واحد، يتأثر فيه كل مكان بكل شيء. وهكذا يمكن تشجيع المشاركين ممن قطعوا مسافة طويلة مستخدمين المواصلات أن يتطوعوا بتمويل مشروعات أو مبادرات، بما يعادل ما تسببوا به من انبعاثات مثل إعادة التشجير.
وفيما يتعلق بالمواد والأدوات المستخدمة، فمن الأفضل تجنب ما يقتصر استخدامه على مرة واحدة؛ والتقليل من استخدام الورق، واعتماد التسجيل إلكتروني. إلى جانب إعادة استخدام أشياء ومهمات من فعاليات سابقة بقدر الإمكان. وتناول الأطعمة الموسمية المعتمدة على الخضراوات المتوافرة لدى صغار المزارعين أو الموزعين المحليين، ثم التبرع بالفائض للمحتاجين؛ مع تأكيد استخدام المواد المستدامة التي لا تضر البيئة، والاهتمام بتوضيح ذلك عليها.
وتفيد كتابة التقارير، في نهاية المطاف، في عملية التقييم والمراقبة من أجل التطوير، كما تساهم في كسب ثقة المستفيدين، ولاسيما عند توجيه الشكر لكل من ساهم في تحقيق هدف التقليل من النفقات ومن الآثار السلبية على البيئة■