القوة الناعمة وأمن الدول

القوة الناعمة وأمن الدول

عاشت‭ ‬الكويت،‭ ‬منذ‭ ‬استقلالها،‭ ‬تجربتين‭ ‬تحملان‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬الثراء‭ ‬في‭ ‬دروس‭ ‬الحياة‭ ‬المستخلصة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المشاهد‭ ‬المثيرة‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬تاريخ،‭ ‬وشكلت‭ ‬عنصراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الشخصية‭ ‬الكويتية‭.‬

‭ ‬ولدت‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬حضن‭ ‬الاستقلال‭ ‬وما‭ ‬رافقه‭ ‬من‭ ‬متاعب‭ ‬أفرزت‭ ‬الكفاح‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬المكثف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اعتراف‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي‭ ‬بالكويت‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭ ‬بسيادة‭ ‬كاملة‭ ‬وعضو‭ ‬محترم‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬العالمية‭. ‬

وقد‭ ‬سجلت‭ ‬شخصياً‭ ‬تلك‭ ‬المتاعب‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬حروب‭ ‬الكويت‭ ‬الدبلوماسية‮»‬‭ ‬فيه‭ ‬تفاصيل‭ ‬وافية‭ ‬عن‭ ‬الدهاليز‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬معركة‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وكان‭ ‬غرضي‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬يقرأه‭ ‬جميع‭ ‬الكويتيين‭ ‬ليقفوا‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬الآلام‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬المؤسسون‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬الحديثة‭.‬

والحق‭ ‬أن‭ ‬قيادة‭ ‬الكويت‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬المرحوم‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم،‭ ‬أمير‭ ‬الكويت،‭ ‬لم‭ ‬تضعف‭ ‬أمام‭ ‬ادّعاءات‭ ‬عبدالكريم‭ ‬قاسم‭ ‬حاكم‭ ‬العراق‭ ‬بأنها‭ ‬جزء‭ ‬اقتطعته‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية،‭ ‬فقد‭ ‬أدار‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة‭ ‬بثقة‭ ‬وبحكمة‭ ‬وبصبر‭ ‬لا‭ ‬يكل‭ ‬وبعزم‭ ‬صخري،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نجح‭ ‬الشيخ‭ ‬الجليل‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬ترتيبات‭ ‬مع‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬مكنت‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬كدولة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬الممر‭ ‬العربي‭ ‬ومنها‭ ‬انطلقت‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬العالمي‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صوتت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬1963‭ ‬على‭ ‬انضمام‭ ‬الكويت‭ ‬كعضو‭ ‬رقم‭ ‬111،‭ ‬مرحباً‭ ‬به‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي‭. ‬

كانت‭ ‬رجاحة‭ ‬العقل‭ ‬المحرك‭ ‬الأكبر‭ ‬لمجرى‭ ‬تلك‭ ‬المعارك،‭ ‬يرافقها‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬نظافة‭ ‬النوايا‭ ‬وحسن‭ ‬السلوك‭ ‬والارتفاع‭ ‬بقيم‭ ‬التواصل‭ ‬العربي،‭ ‬مع‭ ‬عزم‭ ‬قيادي‭ ‬لانطلاق‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬بقاع‭ ‬العالم،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬الحضن‭ ‬العربي،‭ ‬حاملةً‭ ‬السلوك‭ ‬المثالي‭ ‬مع‭ ‬الجميع،‭ ‬وبروح‭ ‬الانفتاح‭ ‬المتحضر،‭ ‬مع‭ ‬رغبة‭ ‬جامحة‭ ‬لتعظيم‭ ‬المسار‭ ‬الثقافي‭ ‬كجدار‭ ‬لهذه‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الناعمة،‭ ‬فكان‭ ‬الترحيب‭ ‬الكويتي‭ ‬بالخبرات‭ ‬العربية‭ ‬لإدارة‭ ‬حديثة‭ ‬للدولة‭ ‬يرافقه‭ ‬بناء‭ ‬الأسس‭ ‬لمجتمع‭ ‬كويتي‭ ‬مستقبلاً‭ ‬الثقافات‭ ‬المتنوعة،‭ ‬ومستفيداً‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الآخرين،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتعرف‭ ‬عليها‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬مثل‭ ‬المسرح‭ ‬والتمثيل‭ ‬وفنون‭ ‬الموسيقى،‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الرياضية‭. ‬

 

تأكيد‭ ‬الحس‭ ‬الكويتي

وعندما‭ ‬تحتفل‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬بمرور‭ ‬ستين‭ ‬عاماً‭ ‬منذ‭ ‬ولادتها،‭ ‬فلا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأنها‭ ‬ساهمت‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬الحس‭ ‬الكويتي‭ ‬نحو‭ ‬الثقافة‭ ‬وتنوعاتها،‭ ‬كما‭ ‬أعطت‭ ‬صورة‭ ‬تعريفية‭ ‬للهوية‭ ‬الكويتية‭ ‬نقلتها‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العربي،‭ ‬أينما‭ ‬كان،‭ ‬متجاوزة‭ ‬المسافات،‭ ‬وسابحة‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬عربي‭ ‬فوق‭ ‬جباله‭ ‬وصحاريه‭ ‬ورماله،‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬قاعدتها‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بمادة‭ ‬خصبة‭ ‬متنوعة‭ ‬المنافع،‭ ‬صاغها‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الفكر‭ ‬والمعرفة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬يقودهم‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬زكي،‭ ‬العالم‭ ‬المصري‭ ‬المبدع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رئيساً‭ ‬لجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬عهود‭ ‬الانفتاح‭ ‬المصرية‭. ‬

كما‭ ‬تبنت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬تقليداً‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المعرفة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬تحقيقاتها‭ ‬المصورة،‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬عبرها‭ ‬تعريفاً‭ ‬كاملاً‭ ‬للمناطق‭ ‬التي‭ ‬تزورها،‭ ‬يلقي‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬وتاريخها،‭ ‬وعلى‭ ‬عادات‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تنقلها‭ ‬في‭ ‬صور‭ ‬تعكس‭ ‬تراثها،‭ ‬وتشرح‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬صناعاتها‭ ‬التقليدية،‭ ‬مع‭ ‬موجز‭ ‬عن‭ ‬تطور‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭, ‬وتظهر‭ ‬لمحات‭ ‬عن‭ ‬شعوبها‭.‬

دخلت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬كل‭ ‬منزل،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مدينة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬دولة،‭ ‬وأضحت‭ ‬مرجعا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المراكز‭ ‬والبحوث،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنها،‭ ‬لأن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬تنقل‭ ‬علماً‭ ‬لا‭ ‬يموت‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬يظل‭ ‬نافعاً‭ ‬لكل‭ ‬الأوقات‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬محفل،‭ ‬ففيها‭ ‬الشعر‭ ‬والفلسفة،‭ ‬وفيها‭ ‬محطات‭ ‬عن‭ ‬علماء‭ ‬الطب‭ ‬والطبيعة‭ ‬والهندسة‭ ‬والفلك‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وفيها‭ ‬حيز‭ ‬كبير‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ملفات‭ ‬عن‭ ‬كبار‭ ‬المفكرين‭ ‬شرقاً‭ ‬وغرباً،‭ ‬حيث‭ ‬يمتد‭ ‬نشاطها‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬إلى‭ ‬جزر‭ ‬المحيطات،‭ ‬مع‭ ‬فتح‭ ‬دروب‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬نهضة‭ ‬المسلمين‭ ‬وتاريخهم‭ ‬في‭ ‬الأندلس،‭ ‬وملفات‭ ‬واسعة‭ ‬عن‭ ‬إفريقيا‭ ‬بثرواتها‭ ‬وحيواناتها‭ ‬وغاباتها‭ ‬ومشكلاتها‭ ‬أيضاً‭.‬

كانت‭ ‬الكويت‭ ‬محطة‭ ‬للمؤتمرات‭ ‬الفكرية،‭ ‬ومقراً‭ ‬للشراكة‭ ‬العربية‭ ‬التنموية،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬التنمية‭ ‬الكويتي‭ ‬وصندوق‭ ‬التنمية‭ ‬العربي،‭ ‬مع‭ ‬انطلاقات‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬التآخي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ومساع‭ ‬لربطها‭ ‬في‭ ‬منظور‭ ‬موحد‭ ‬ومواقف‭ ‬متقاربة‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬العالمية‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬مصير‭ ‬العرب‭. ‬

 

تعميق‭ ‬الترابط‭ ‬العربي

ميّزت‭ ‬دبلوماسية‭ ‬الكويت‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬أساسها‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم،‭ ‬تعميق‭ ‬الترابط‭ ‬العربي،‭ ‬مع‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬الكويت‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العربية،‭ ‬وانطلاق‭ ‬دبلوماسية‭ ‬السلام‭ ‬لحل‭ ‬الخلافات‭ ‬العربية،‭ ‬والتواصل‭ ‬العالمي‭ ‬خدمة‭ ‬للقضايا‭ ‬العربية‭ ‬خاصة‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين،‭ ‬والالتزام‭ ‬بسياسة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الترابط‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬والتميز‭ ‬في‭ ‬التبرعات‭ ‬والعطاءات‭ ‬لمختلف‭ ‬التجمعات‭ ‬والمنتديات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والعالمية،‭ ‬مع‭ ‬النأي‭ ‬بالنفس‭ ‬عن‭ ‬الانشقاقات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

 

كانت‭ ‬الكلمة‭ ‬سلاح‭ ‬الكويت،‭ ‬وكان‭ ‬التفاهم‭ ‬مقصدها،‭ ‬وكان‭ ‬العطاء‭ ‬نهجها،‭ ‬وكانت‭ ‬الثقافة‭ ‬آلياتها،‭ ‬وكان‭ ‬حسن‭ ‬السلوك‭ ‬عنوانها،‭ ‬وكان‭ ‬الانفتاح‭ ‬فلسفتها،‭ ‬وكان‭ ‬الترحيب‭ ‬مسلكها‭. ‬

وعندما‭ ‬طغت‭ ‬الراديكالية‭ ‬البعثية‭ ‬على‭ ‬شؤون‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1968،‭ ‬لم‭ ‬تتبدل‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬أولوياتها،‭ ‬وحافظت‭ ‬على‭ ‬وقار‭ ‬تجاربها‭ ‬برغم‭ ‬التهديدات،‭ ‬وعندما‭ ‬زاد‭ ‬الضغط‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬وجد‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬الدعم‭ ‬والمؤازرة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وسع‭ ‬من‭ ‬شهية‭ ‬النظام‭ ‬العراقي،‭ ‬فمارس‭ ‬الابتزاز‭ ‬وليّ‭ ‬الذراع،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬التزمت‭ ‬الكويت‭ ‬بهدوئها‭ ‬ولم‭ ‬يتبدل‭ ‬أسلوبها،‭ ‬وعندما‭ ‬فجر‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬1990،‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬الكويت‭ ‬عن‭ ‬الحضن‭ ‬العربي‭ ‬وآمنت‭ ‬بأن‭ ‬الضمير‭ ‬العربي‭ ‬لن‭ ‬يتخلى‭ ‬عنها،‭ ‬فلم‭ ‬تتصل‭ ‬بالدول‭ ‬الكبرى‭ ‬وظلت‭ ‬وفية‭ ‬لإيمانها‭ ‬بفوائد‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة،‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المحنة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جروح،‭ ‬وحتى‭ ‬الدقائق‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وقبيل‭ ‬الغزو،‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬الكويت‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الاستنجاد‭ ‬بقوة‭ ‬أجنبية،‭ ‬وعندما‭ ‬حدث‭ ‬الغزو‭ ‬هب‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬لنجدة‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الغزو‭ ‬المشؤوم‭. ‬

وداعة‭ ‬الكويت‭ ‬وجمال‭ ‬سلوكها‭ ‬أفرزا‭ ‬غضباً‭ ‬عالمياً‭ ‬ضد‭ ‬جريمة‭ ‬الغزو،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬التحرير‭ ‬عبر‭ ‬الائتلاف‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬تشكل،‭ ‬وبإصرار‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬في‭ ‬تحد‭ ‬صارخ‭ ‬لجريمة‭ ‬الغزو‭. ‬

صار‭ ‬الدرس‭ ‬الذي‭ ‬توفره‭ ‬تجربة‭ ‬الكويت‭ ‬لجميع‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الأوطان‭ ‬له‭ ‬قاعدتان،‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الناعمة،‭ ‬والقوة‭ ‬الخشنة،‭ ‬فلا‭ ‬ترتفع‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قوة‭ ‬ناعمة‭ ‬فكرية‭ ‬ثقافية‭ ‬إنسانية‭ ‬تمثل‭ ‬عطاءها‭ ‬للأسرة‭ ‬العالمية،‭ ‬ووجد‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬العطاء‭ ‬المسار‭ ‬الإنساني‭ ‬المتواصل‭ ‬نحو‭ ‬التطور‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله،‭ ‬لكن‭ ‬العالم‭ ‬أيضاً‭ ‬لا‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬النواقص‭ ‬البشرية‭ ‬بالثقافة‭ ‬وحدها،‭ ‬وإنما‭ ‬يعيش‭ ‬مرتاحاً‭ ‬ومطمئناً‭ ‬بالشراكة‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭ ‬الناعمة‭ ‬والخشنة،‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬صد‭ ‬الغرائز‭ ‬البشرية‭ ‬للتوسع‭ ‬والأطماع،‭ ‬وبين‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬الرافعة‭ ‬للكرامة‭ ‬البشرية‭ ‬الطامعة‭ ‬بالتوسع‭ ‬والباحثة‭ ‬عن‭ ‬النفوذ،‭ ‬هذه‭ ‬الخلطة‭ ‬تشكل‭ ‬الرافعة‭ ‬للكرامة‭ ‬البشرية،‭ ‬والمؤهلة‭ ‬لتغذية‭ ‬الإنسانية‭ ‬بالقيم‭ ‬السماوية‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬تجلب‭ ‬السعادة‭ ‬والسكينة‭. ‬

 

دبلوماسية‭ ‬متوازنة

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬الكويت‭ ‬نحو‭ ‬الخليج‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬على‭ ‬المسارين،‭ ‬الناعم‭ ‬والخشن،‭ ‬ليجمع‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬رادعة‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬دوله‭ ‬وصون‭ ‬سيادتها،‭ ‬فالمتحف‭ ‬الذي‭ ‬شيدته‭ ‬حكومة‭ ‬أبوظبي‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المتحف‭ ‬العالمي‭ ‬الفرنسي‭ ‬–‭ ‬اللوفر‭ ‬–‭ ‬تحفة‭ ‬فنية‭ ‬ثقافية‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬الخليج‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخه،‭ ‬حاملة‭ ‬تراثاً‭ ‬عالمياً‭ ‬إنسانياً،‭ ‬تغذي‭ ‬المشاهد‭ ‬بمعرفة‭ ‬أبعاد‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬البشرية‭ ‬مهما‭ ‬تباعدت‭ ‬جغرافيتها‭. ‬

ويرافق‭ ‬مسعى‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬تخزين‭ ‬الثقافة‭ ‬والمعرفة‭ ‬توسع‭ ‬سياحي‭ ‬كبير‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مزارات‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المنقول‭ ‬من‭ ‬بيئات‭ ‬عالمية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ويرافق‭ ‬ذلك‭ ‬اتساع‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬صالات‭ ‬التسلية‭ ‬والترفيه‭ ‬مع‭ ‬التنوع‭ ‬المناسب‭ ‬للذوق‭ ‬الوطني‭ ‬والملتزم‭ ‬بالإبداع‭ ‬الإنساني‭.‬

كما‭ ‬اتسعت‭ ‬إسهامات‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬والتحليل‭ ‬وإنشاء‭ ‬الكراسي‭ ‬الأكاديمية‭ ‬المتخصصة،‭ ‬مثل‭ ‬كرسي‭ ‬الدراسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬أكسفورد،‭ ‬الذي‭ ‬مولته‭ ‬الكويت‭ ‬مع‭ ‬دعم‭ ‬لمراكز‭ ‬البحث‭ ‬والتحليل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المكاتب‭ ‬التعليمية‭ ‬والثقافية‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬العالم‭. ‬

الدبلوماسية‭ ‬الناعمة‭ ‬بطبيعتها‭ ‬تحمل‭ ‬الرقة،‭ ‬وبسبب‭ ‬محتوياتها‭ ‬المرسومة‭ ‬للمعرفة‭ ‬والعلم‭ ‬والتنمية‭ ‬والتسلية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬متحضرة‭ ‬لكي‭ ‬تزدهر‭ ‬وتعلو‭ ‬في‭ ‬أهدافها‭ ‬وتعطي‭ ‬من‭ ‬ثمارها،‭ ‬فالمجتمعات‭ ‬المتقدمة‭ ‬والمتحضرة‭ ‬لا‭ ‬يعطلها‭ ‬غياب‭ ‬القوة‭ ‬الخشنة‭ ‬من‭ ‬ترسانتها،‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬جوار‭ ‬مسكون‭ ‬بالتعايش،‭ ‬قانع‭ ‬بما‭ ‬يملك،‭ ‬تتعاون‭ ‬فرقه‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتطور‭ ‬التنموي‭.‬

عالمنا‭ ‬المضطرب‭ ‬يستوجب‭ ‬التزاوج‭ ‬بين‭ ‬الناعم‭ ‬والخشن،‭ ‬فالقوة‭ ‬الناعمة‭ ‬بمفردها‭ ‬لا‭ ‬تضمن‭ ‬الاستقرار‭ ‬والهدوء،‭ ‬والقوة‭ ‬الخشنة‭ ‬لا‭ ‬تلتفت‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬حياة‭ ‬الفرد‭ ‬وإنما‭ ‬وظيفتها‭ ‬حماية‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭. ‬

لهذا‭ ‬فمنطق‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬المزيج‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬الروح‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يعطي‭ ‬الطمأنينة‭. ‬

وتبقى‭ ‬حقيقة‭ ‬ثابتة‭ ‬تعلمناها‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬واستخلصناها‭ ‬من‭ ‬محنة‭ ‬الغزو‭ ‬الصدامي‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت،‭ ‬وما‭ ‬تركه‭ ‬من‭ ‬دمار،‭ ‬فقد‭ ‬وسعت‭ ‬الكويت‭ ‬ترابطها‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬بالتوقيع‭ ‬على‭ ‬تعهدات‭ ‬أمنية‭ ‬توفر‭ ‬لها‭ ‬الرادع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬غائباً،‭ ‬وبهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬تنعم‭ ‬الكويت‭ ‬بما‭ ‬تريده،‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬الرقيق‭ ‬والخشن‭.‬

لم‭ ‬تتجاهل‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬هذا‭ ‬الدرس،‭ ‬فتمكنت‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬ائتلاف‭ ‬بين‭ ‬الناعم‭ ‬والخشن‭ ‬في‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متوازنة‭ ‬لا‭ ‬تسبب‭ ‬قلقاً‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تقدم‭ ‬المباهج‭ ‬التي‭ ‬تستأنس‭ ‬بها‭ ‬البشرية■