ذكريات السعادة من الكويت

ذكريات السعادة من الكويت

ربما مرّت حوالي أربعة عقود على المرة الأولى التي شاهدت فيها مجلة العربي الكويتية زاهية برّاقة، جديدة جذّابة بين أقرانها من الكتب والمجلات التي جيّشها بائع الكتب الكريم إلى جوار مدرستنا الثانوية التي أصبحت أرتادها منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي.
لم يكن هناك إنترنت، ولا موبايل، ولم تكن هناك قنوات تلفزيونية كثيرة وقنوات فضائية، ولا كمبيوتر أصلًا.
كانت الحياة أكثر بساطة من الآن، وكانت أكثر بهجة وإشراقًا وأكثر خيرًا ونفعًا وسكينة. ورغم صغر سنّي في ذلك الحين، فقد كانت معروضات ذلك البائع الطيّب من الكتب والمجلات المتنوعة تمثّل مأدبة شهيّة أمامي، كلما مررت ذهابًا إلى مدرستي أو جيئة إلى بيتنا الوديع. ولا أنسى أبدًا - كأن هذا المشهد كان صباح اليوم أو أمس - مشهد مجلة العربي عندما يضعها البائع وسط المعروضات، بينما نقف أنا وآخرون من المهتمين بالكتب والمجلات والمعرفة، فكانت تبرقُ ألوانًا وجمالًا ونظافة، وتلتحف غلافًا خارجيًّا يقيها هفوات التراب والرياح، ويحفظ عليها وقارها ورونقها. 
وقد خشيت أن يكون ثمن نسختها بعيد المنال، فيتعذّر على مصروف جيبي أن يصل إليها، ولكن لسعادتي الكبيرة حينها، كان ثمنها بسيطًا كثير الكرم، كأنّه رمز محبة وصداقة وتواصل واتصال بقلوب الناس وفكرهم، وليس مقابلًا لشراء أو بيع.
فاقتنيت نسخة فورًا وسرت إلى بيتنا فرحًا مزهوًا، و«العربي» على صدري، كمن فاز بثمين المرام لتوّه. 
وقد وجدت في المجلة نبعًا متباينًا من ألوان الثقافة والفنون والتحقيقات الصحفية المصحوبة بصور ملونة بديعة تأخذك إلى قلب المعنى، لتحقق المقولة الشهيرة بأن الصورة بألف كلمة، فرُحت ألتهم صفحات المجلة برويّة وهدوء واستمتاع، وأنا أقرأ شيئًا من الشعر الذي أحبّه، وأجد لذّة في فهمه وحفظه، ثم أنتقل إلى تقرير عن صيد اللؤلؤ في مملكة البحرين الشقيقة - على ما أذكر طبعًا - ثم أتنقّل بحريّة بين صفحات المجلة المنمقة الخطوط المصقولة الوجه ناعمة الملمس، لأحفظ كلمة من هنا وتعبيرًا جذابًا من هناك، مستمتعًا بصور الطبيعة والملابس التقليدية العربية المزركشة الغنية بالدفء والمودة. 
وصارت «العربي» صديقة لي منذ ذلك الحين الطيّب المنبت، فلا نفترق إلا لنعود معًا من جديد.
واليوم، وأنا أكتب للمجلة للمرة الأولى، أشعر بمزيج من السعادة والفخر، لأني أكتب لمن أحبّ ولمن صاحَبتني في صبايَ الرغيد أحسن الصُّحبة وأوفى الرفقة حتى صرت سفيرًا لبلدي الحبيب مصر، وأتمنى أن أصير سفيرًا لمجلتي الأثيرة أيضًا.
أعز الله «العربي» ورعى نبتها الأصيل ■