الروائي البحريني أحمد المؤذن: الكاتب يُولد ولا يُـصنع

الروائي البحريني أحمد المؤذن:  الكاتب يُولد ولا يُـصنع

التأمل وسيلة الروائي البحريني أحمد المؤذن للنأي عن ضوضاء العالم، ومعراجه لتصفية ذهنه، فهو لا يرى فكاكاً من تأمل الروائي في الحياة من أجل أن ينسج عالماً روائياً متميزاً قادراً على الإجابة عن التساؤلات الشائكة، كما أن على السارد ألا يخنع للمسلّمات حتى تتلبسه إبداعية الكتابة.   

 ● هل الفضاء الداخلي للروائي يختلف عن المفكر وعن الشاعر؟
- الفضاء الداخلي للروائي هو ذلك الجانب الباطني الكامن في فكره، أعده فضاء شاسع من المعرفة التي تتراكم بفعل الاحتكاك اليومي بالحياة، وحتى نستفز هذا الفضاء كي يعطي دوره المأمول، هناك أساليب تدريبية ذاتية، يخبرها المبدع بالممارسة مع التقدم في السن، حيث إن أهمية التأمل فيما حولنا، وممارسة الجلوس وحيداً بعيداً عن صخب العالم، والقراءة وتصفية الذهن، كلها في خاتمة المطاف تضخ طاقة إيجابية في داخل الكاتب تكون خير معين له على تعاطي الكتابة وتحمّل هواجسها ومعاركها التي لا تعرف الحدود.
● هل من السهولة الكتابة عن تفاصيل المساحات النائمة في الظل؟
- الكاتب اليوم يواجه امتحانات صعبة كي يثبت نفسه في الساحة، تتخطى الجانب المعنوي، وتتصاعد لأكثر من جانب، لهذا فإن فعل الكتابة - على عكس ما هو رائج محلياً وعربياً - عملية سهلة مع قليل من الأدوات الإعلامية؛ «تطبيل» فلان لهذا وذاك، تصير المسألة توزيع ألقاب تشريفية «الأستاذ / الأديب / القامة / الـ... والـ.... ».
الحاصل أن البوصلة تضيع منا ونبدأ في تخريب ساحتنا الثقافية. ليس صحيحاً أن كل ما تفرزه المطابع العربية يعد، بالضرورة، إبداعاً!  
فكثير من الكتّاب اليوم يستعجلهم حماس التجربة، حيث لا يكترثون للمضمون الذي يقدمونه للقارئ العربي، في ظنهم أنه لكي تظفر بالشهرة قم فقط بطبخ «الدين والسياسة والجنس» في عمل روائي، بغضّ النظر عن الرؤية وما هو مشروع الكاتب والأسئلة المسكوت عنها مجتمعياً، كل ما سبق هي مساحات نائمة في الظل لا يتم التطرق إليها كما يجب في خطابنا الإبداعي.
هذه التكرارية المتواصلة من الأعمال الأدبية، تنسخ بعضها وتشترك في حالة جنونية من التقليد وهشاشة المضمون أو حتى من دون غاية! 
وكي يتمكن الكاتب من ممارسة الكتابة لابد له من تأمل الحياة، وليكن خارج السرب يقرأ ما حوله أو يشاكس بتساؤلاته، المهم هنا ألا يتصالح مع البديهيات مثل رجل الشارع العادي، من هنا يبدأ الفرق بين الكاتب وسواه من الناس، لهذا قيل: الكاتب يُولد ولا يُـصنع. 

الارتهان الوقتي
● تحرير الشخوص من الارتهان الوقتي، هل يشخص أمام ناظريك عندما تبدأ في نسج خيوط حبكتك السردية؟
- مرات كثيرة أجد الشخصيات التي «أخلقها» على الورق تفرض عليّ تحدياتها وتساؤلاتها، غضبها أو ثورتها، لهذا لا أرى هنا أنها تعاني الارتهان الوقتي، بعضها ينجح، مع مرور الزمن، في التحرر من سجن قصةٍ ما، وهذا ما حصل مع قصة شياطين في الجنة التي نفض بطلها عن ملابسه غبار النسيان، ثم تسيّد دوره الجديد في عمل روائي، فزاعة بوجه الريح. الكاتب حينما يبلغ هذه المرحلة من التجربة، لا يكون هو سيد اللعبة، بعد حين من الزمن يتلاشى مادياً كجسد، ولكن شخصياته لا تموت، «فرانكشتاين -  زوربا – أوليفر تويست»... إلخ.
< بعض النقاد يرى أن أسلوبك في الكتابة مشابه لمدرسة همنغواي، فهل هذا يدعوك إلى الفخر، أم تجد أنه لا ينمّ عن قراءة متأنية لرواياتك؟
- قرأت إرنست همنغواي، فهو قامة أدبية عالمية معروفة، وأن يشبّهني النقاد بأسلوب هذه القامة فهو شرفٌ لي بكل تأكيد، لكنني في الوقت ذاته طوال السنوات التي مضت من تجربتي مع الكتابة اجتهدت في خلق بصمتي السردية الخاصة والمعبّرة عن شخصيتي وطبيعة البيئة التي ولدت من رحمها وترعرعت على تربتها، كل هذه المؤثرات لا شك في أنها تترك جيناتها الوراثية في داخل الكاتب، وبذلك تبقى هناك مساحات فاصلة بين تجربةٍ وأخرى، صحيح تبقى هناك قواسم مشتركة بين الكتّاب، وهذا أمر مفروغ منه، (شخصياً) للناقد حرية ما يرى وينتقد من نصوص، فمن حقه ممارسة دوره الثقافي في الساحة.
● لماذا تفضل أسلوب النهايات المفتوحة والمفارقة في القص؟
- بعض قصصي القصيرة التي نشرتها في الصحافة المحلية والعربية اعتمدت فيها على أسلوب النهاية المفتوحة، أحاول بهذا «التكنيك» توريط القارئ - إن جاز التعبير - كي يشترك معي في تخيّل شكل النهاية التي يرتئيها أو تتناسب وطبيعة تفكيره. المفارقة ضمن هيكلية القصة هي بمنزلة رش الملح فوق السطور، تعطي طعماً مقبولاً للقصة كي يهضمها المتلقي، مع أنني، ككاتب، لا ضمانة لديّ أن كل قصصي التي أكتبها بالضرورة يُقبل عليها كل القراء ويحبونها مع أو من دون أسلوب النهاية المفتوحة أو تتضمن المفارقة.
 الكاتب هنا عليه تحري الدقة في كيفية اختيار أدواته التي ينحت بها قصته قبل أن يقرر النشر ورقياً أو بأي شكل، كما أنه من المهم أن نركز على الكيف لا على الكم، فالكتابة ليست كسلق البيض!
● ما هو شعور الأديب عندما يتم تدريس إحدى قصصه بمرحلة تعليمية مثل المرحلة الثانوية؟
- طبعاً شعور إيجابي جميل، خصوصاً أن هذا الأمر يرسّخ في أذهان أجيال جديدة اسمك ككاتب، وواقع الساحة الثقافية العربية كما درجت عليه العادة، لا يُـكرم الأديب إلا في التوقيت الضائع!
وهذه لفتة جميلة من وزارة التربية والتعليم في البحرين أن تبادرني بهذه المفاجأة التي لم يتم تبليغي بها رسمياً إلا عن طريق المصادفة، حينما أخبرني ابن اختي الذي يدرس في المرحلة الثانوية بالموضوع! أنا شخصياً لم أكن أعرف... على كلٍ هذا يسعدني ويزيدني حماساً في مشواري الأدبي والثقافي، كما يحمّلني مسؤولية كبيرة تجاه قرائي.

صعوبات الحياة
●أين تبحث عن حيوية الروح؟
- حيوية الروح «أنت» وكيف تقرأ العالم حولك. إن كنت متشائماً ستحاصرك المتاعب وتبدأ في النظر إلى الحياة من ثقب إبرة. عندما أتقبل صعوبات الحياة وأحاول تحسين حياتي، أعمل بحماس ما أنا مؤمن به، أواصل الدرب وأفكر كيف أجتاز العقبات التي أمامي، هي هكذا حيوية الروح في اعتقادي، والتي أراها كفلسفة حياتية أعيشها غير مكترث لمن يحاول تحطيم مجاذيفي، فالطريق أمامي واضحة المعالم وأعرف ماذا أريد.
● ما أهمية أن يتبنى الروائي مشاريع بحثية وثقافية كبرى؟
- البعض يرى أن مثل هذه المشاريع بمنزلة «رافعة» تعطي الكاتب «فلاناً» مكانة أو «برستيجاً»، خصوصاً عندما تكون مدفوعة الكلفة الهدف منها ليس خدمة الساحة الثقافية العربية، بل التلميع الإعلامي مع تقاسم المنافع بمختلف أشكالها، وهناك من يسعى بعيداً عن هذه الأطــر المشبوهة بغية تقديم الجهد الثقافي الصادق والمخلص، الكاتب حريّ به ممارسة هذا الدور، وليكن صادقاً مع نفسه وفيّاً لمبادئه لا يتردد في مساعدة غيره أو بلده بما لديه من علم ومعرفة.
معيارية الإبداعية هنا لا يتم اختزالها هكذا، هناك تخصص، وعلينا أن نترك للناقد مجاله الوظيفي والقاص أيضاً، في النهاية كل الأطراف الداخلة والفاعلة في الساحة تكمل بعضها. 
لكن الناقد أحياناً يخفق في استيعاب عمل القاص أو الروائي، ويلجأ إلى مجموعة رؤى ودراسات ونظريات مغرقة في لغتها الأكاديمية تفشل في الوصول إلى القارئ العادي، بينما ينجح الأديب في رؤيته الجمالية، حيث يقرّب جمهور القراء من كتاب معيّن، الحالة هذه متذبذبة لا تعرف ثباتاً يمكن أن نقيس عليه بنتيجة قطعية.

إعادة ترميم
●وهل الروائي أكثر إبداعاً عندما يتعرض لمثل تلك المشروعات أكثر من النقاد (المنظّرين)؟
- حتى لا أقع في فـخ المفاضلة، أعتبر الساحة الثقافية الخليجية، ساحة واحدة، كلٌ تكمل الأخرى وترفدها، تبقى هناك مجموعة شواهد وقامات أدبية تغني هذه الساحة بحضورها عربياً أو دولياً أكثر من غيرها، ما عدا ذلك، منجزنا الثقافي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي يصب في نهاية المطاف في مجرى ساحة أكبر هي ساحتنا الثقافية العربية التي ينبغي اليوم إعادة ترميمها ودراسة آلياتها، كي نتواصل مع الآخر لتدارك الفجوة الحضارية وخطاب النهضة، لسنا في حاجة إلى مثل هذه التساؤلات «كم رقم تصنيفك أنت؟» علينا أن نتجاوز هذه اللغة ونوحد جهودنا عربياً لمواجهة مختلف التحديات الحضارية بالفعل لا بالكلام.
● هل يمكن تصنيف المشهد الثقافي والفكري بالخليج؟ وأي من الدول تحتل المرتبة الأولى؟ 
- هناك إشكالية في التصنيف، لكون الفترة التاريخية لنهوض دول مجلس التعاون الخليجي على جميع الصعد متقاربة إلى حدٍ ما من حيث التعليم والثقافة والاقتصاد والتطور المدني.
وقد برز المشهد الثقافي والأدبي البحريني بشكل لافت وعبّر عن نفسه في الخليج أكثر من أي دولة أخرى، حيث تطورت الساحة الثقافية وانتشرت حركة التأليف مع ظهور مشاريع الصحف المحلية مع البث الإذاعي الذي يعد الأول من نوعه على مستوى الخليج، هذه المؤثرات أوجدت حراكاً ثقافياً فعلياً على الأرض سبق بقية دول الخليج■