رموز الحُلي في التراث الشعبي أمان وجمال

رموز الحُلي في التراث الشعبي أمان وجمال

الرمز هو لغة تشكيلية أصيلة، يستخدمها الفنان الشعبي للتعبير عن الأحاسيس والانفعالات الخاصة به وبأهل بيئته نحو كل ما يهزّ مشاعرهم من أحداث ومعتقدات وأفكار.  ولهذه الرموز أهميتها ودلالاتها التاريخية والإنسانية التي تتجاوز الزخرفة والحلية، فأشكالها وتعبيراتها تستمد في كثير من الأحيان من رمزية المعتقدات، وأحياناً أخرى من رمزية العناصر الطبيعية الموجودة بالبيئة، فقد يستخدم الفنان رسم نبات أو طائر أو شكل هندسي، وقد يعبّر الشكل عن حدث وقع ذات يوم وانفعلت به الجماعة ويعبّر عنه بالرمز، أو قد يكون معبراً عن عادة أو تقليد من تقاليد المجتمع.

من هنا احتفظت الحُلي، حتى في عصرنا الحديث، بصور كانت فيما مضى رموزاً لها دلالاتها، فاستعملت بصفة عامة لدفع الأرواح الشريرة، وكتعويذة لتفادي الكوارث ودفع الأذى أو لجلب الحظ السعيد والخير. وقد وجدت أشكال من الحُلي ورسوم غائرة على المعادن تمثّل رموزاً لبعض الطيور والنباتات والأشكال، وكل منها يرتبط لدى الإنسان الشعبي بفكر معين.
 

أولاً: رموز مأخوذة من الطبيعة

قرص الشمس

هي أول الأجرام السماوية التي لفتت أنظار البشر في كل شروق وغروب منذ بدء الخليقة، لتأثيرها المادي على حياة الإنسان والحيوان والنبات، فألّهوها وعبدوها وشيّدوا لها المعابد وقدّموا إليها القرابين، واستخدموها في مصاغهم باعتبارها رمزاً للخير والخصوبة وحرق الأعداء. وتظهر في صورة دوائر أو دائرة مشعة.   
ومن خلال تحليل الوحدات المستخدمة في المصاغ الشعبي نجد شكل الشمس في «حلية الحلالة»، وهي حلية من النوبة مصنوعة من الفضة، وتشبك المرأة النوبية هذه الحلية بثوبها.

الهلال والقمر

كان ظهور الهلال في السماء، وخاصة بعد الليالي والأمسيات الموحشة ظاهرة باهرة عند القدماء، حين كانت تعقد الحفلات لظهوره، ولذلك عُبد القمر والهلال وقدّسا عند كثير من الشعوب القديمة، واستخدم الهلال كتميمة لإله القمر ضد السحر والنظرة الشريرة، وأصبح ممثلاً على أغلب الحُلي الشعبية. أما في العهد الإسلامي، فقد ارتبط الهلال بظهور القمر بداية الأشهر العربية، التي تحدد شهر الصوم والحج والأعياد ومولد النبي محمد، عليه الصلاة والسلام.
والقمر رمز للحياة المستمرة، فهو يولد وينمو ويكتمل ثم يضمحل ويختفي ويعود مرة أخرى إلى الظهور. ولعل في استخدام الفتيات حلية الهلال صلة بالفكرة القديمة التي تجزم بارتباط الدورة القمرية الشهرية بالدورة الشهرية للمرأة، على أمل تنظيمها واكتساب الخصب بالتقرب إلى القوة المسيطرة على هذه الظاهرة المتمثلة في القمر الذي يرمز إليها. 
لذا كان استخدام شكل الهلال معبراً عن عقيدة دينية ورمزاً لمعتقد شعبي أو سحري، والذي أكسب استخدامه في الحلي الشعبية المصرية طابعها المصري العربي الأصيل. ونرى شكل القمر بوضوح في حلية «نزاراتين» بواحة سيوة، وحلية «الهلالية» النوبية.

النجمة

اعتبرها المصري القديم أطفالاً لآلهة السماء التي تلدهم في المساء وتبتلعهم في الصباح. كما رأى المصريون في العصور المتأخرة أنها أرواح الموتى. والنجوم ترمز إلى الكون ومرتبطة بميلاد الأنبياء. ومنها «النجمة الخماسية»، وتسمى خاتم سليمان، وتستخدم في الطقوس الخاصة بالسحر، وإذا كانت داخل دائرة فهي تمثل مكاناً مقدساً آمناً، وتستخدم للحماية من السحر.
وهناك «النجمة السداسية» (نجمة داود)، ومعناها الحرفي درع داود، وترمز إلى العلوم الخفية التي كانت تشمل السحر والشعوذة، واستخدمت في الحلي رمزاً للسحر والسيطرة، ونراها في الأقراط الشعبية في الوجه البحري (حلق بلمونت).

الماء

يتم التعبير عنه في الحلي الشعبية منذ العصر الحجري القديم إلى الآن، وتنوعت رموزه بين الخطوط المنكسرة والخطوط المنحنية، وعلى شكل خطوط متوازية ومتعرجة في اتجاهها، كما اختلف سُمك الخطوط من شكل لآخر، أيضاً تمثلت على شكل مثلثات متجاورة متلاحقة وراء بعضها، وأحياناً يرسم كخط حلزوني أشبه بمنظر القوقع يتزايد محيطه تدريجياً. والماء في الحلي الشعبية هو رمز الحياة الخالدة والبعث والخصوبة وزيادة الرزق.

النبات

تعد الأشكال النباتية جزءاً مهماً في زخرفة الحُلي الشعبية، حيث تنتشر بجميع أشكالها في بيئة الفنان الشعبي، فتأثر الصائغ بهذه الطبيعة ونقش وحداتها على الحُلي، بغرض جلب الرزق والخير. 

النخيل

هو من أهم الأشجار المقدسة داخل الفولكلور العربي بصفة عامة، فالنخلة هي شجرة الحياة، ترمز إلى سخاء العطاء والخير والرزق الوفير والخصوبة، وتوحي بالعظمة والشموخ. وصاغها الفنان الشعبي بساق بسيطة بها بعض الوريقات المسطحة المتجاورة وغير المتداخلة، لتمثل اختصاراً لمعان قديمة ومعتقدات تدل على الازدهار والإخصاب والكرم لمرتديها.

ثانياً: رموز مأخوذة من الكائنات الحية

السمكة

ترتبط في ذهن الإنسان الشعبي بوفرة الإخصاب وجلب الخير وزيادة الرزق، وهي أيضاً رمز للحرص والحذر والحكمة، وأحياناً نجد حجاباً داخل تجويف السمكة يُكتب به بعض الآيات القرآنية للوقاية من الحسد والعين، كما هي الحال في «كردان السمكة» الذي اشتهرت بارتدائه نساء عرب الشرقية والجيزة قديماً.

الحمامة

ترمز للسلام والأمان والحفظ، وترتبط بهجرة الرسول عليه الصلاة والسلام. وتظهر في الحلي الشعبية وهي مضمومة الجناحين تارة، بينما يبدو في أخرى جناحاها منبسطين.

الأسد

 يرمز للشجاعة ويستخدم لصد أشكال مختلفة من الأذى. 

الجعران

هو «خنثى»، أي به أعضاء الذكورة والأنوثة، ولذلك فإنه يبيض ذاتياً. ويرمز إلى معنى بعث الموتى وزيادة الخصوبة لمن يتزين به.

الصقر ذو الرأس البشري

رمز لوحدة الجسد والروح والقلب، وهو يمنح القوة لحامله.

ثالثاً: رموز مستمدة من الإنسان

الكف

رمز من العصر الحجري القديم مانع للحسد، له قوة ضد العين الحاسدة لطرد السحر وجلب الحظ. وارتبط الكف بالعدد خمسة، فكان، بادئ ذي بدء، يعبّر عن أطراف الجسم الأربعة، مضافاً إليها الرأس، وهي رمز الإنسان والصحة. واستخدم كتميمة شعبية خاصة في البلدان الإسلامية، اعتقاداً منهم بأنه مرتبط بأركان الإسلام الخمس.  ورسم الكف لأعلى في الحُلي يعارض الأرواح الشريرة، أما رسمها لأسفل فهو يشتت انتباه العين الحاسدة.
ونجدها دائماً في صورة إكسسوار معلق على صدر المولود والمختون، وأحياناً تستخدمها بعض السيدات التي لم يعش لها أطفال بعد الولادة، أو التي تنجب ولد على بنات وتخشى عليه من الحسد أو أي أذى. 

العين

اعتبرها المصريون دوماً رمزاً للآلهة الكبرى، وأصبحت رمزاً مقدساً يستخدم كتميمة وخاصة الخرزات الزرقاء الكبيرة التي تحتوي على رسم العين، ثم باتت رمزاً للقوة المدمرة والضوء المغشي للأبصار والنار والعواطف.

رابعاً: رموز مستمدة من الأشكال الهندسية

المثلث
شكل من الأشكال المهمة العريقة المستخدمة في الفنون الشعبية وموتيفاتها بوجه عام، وفي المصاغ الشعبي على وجه الخصوص. وللمثلث عدة دلالات وأبعاد رمزية في الفن الشعبي؛ فهو يعبّر من خلال أضلاعه وتكوينه عن العدد ثلاثة، وثلاثية الأخلاق (حُسن الظن - فصاحة اللسان - فعل الخير)، ودورة الحياة (الولادة - النضج - الوفاة).
وقد استنبط الإنسان المصري منذ القدم شكل المثلث من الهضاب والجبال، كما ترجم مياه النيل ورسمها بشكل مثلثات متجاورة متلاحقة وراء بعضها. وتكرار المثلثات في الفكر الإسلامي يعني التسبيح دائماً أبداً.  
والمثلث رمز للروح، وتحوير للعين، وقد صنعت الأحجبة على هيئة المثلث للحماية وإبعاد الأرواح الشريرة والحسد والوقاية من السحر، ويعتقد أيضاً أنه مرتبط بالخصوبة والإنجاب للشبه بين المثلث ومنطقة التناسل لدى السيدات. 
وقد يرمز إلى الذكورة عندما تكون قمته لأعلى، وإلى الأنوثة عندما تكون قمته إلى أسفل، كذلك إذا رُسم المثلث ورأسه لأعلى يمكن أن يرمز إلى السماء، أما إذا رسم ورأسه لأسفل فيمثل الأرض. 

المربع

المربع يعني التوازن والقدسية، وهو رمز النظام والاستقرار، يمثل الاتجاهات الأصلية والفصول الأربعة. وهو من الأشكال التي توحي بالحركة والحيوية تبعاً لأضلاعه، ويستخدم بكثرة في شكل أحجام متنوعة وأوضاع مختلفة.
وقد يقسم إلى أربعة أقسام، مثل المثلثات، للحصول على أكثر من غرض أو منفعة؛ كجلب رزق ومنع أذى في آن واحد، وهو يستخدم لمنع الحسد.

المعين

يستخدم المعيّن بكثرة في تصميم وزخرفة الحُلي، ويتخذ تكوينات عديدة بشكل منفرد، مع التنوع في أحجامه أو متداخل مع بعض الرموز الأخرى، بهدف تشتيت العين الحاسدة وتجنب شرها، حيث إن المعين يعد الشكل الهندسي للعين.

الدائرة

هي رمز من المصري القديم يستمد قوته من حركة القوة الكونية للشمس والقمر، ويستخدم هذا الرمز في مختلف أنحاء العالم للحماية من العين. والزخارف الهندسية بوجه عام توحي بشخصية قوية. لذا تستخدم المرأة الشعبية الأشكال الهندسية في الإكسسوار، حيث تعطي طاقة إيجابية خفية توحي بالثقة والسعادة والفخر.

رمزية الأحجار الكريمة والخرز في الحلي الشعبية

عرف الإنسان تلك الأحجار منذ القدم، واقتناها للتبرك والتزين بها، واعتبر قدماء العرب المداواة بها شيئاً علمياً، اعتقاداً منهم بأنها تجلب الرزق والمحبة وتذلل جميع الصعاب، لامتلاكها قدرة خارقة على تحقيق أغلب الأمنيات المرجوة. 
فقد فضلوا أحجاراً بعينها كالعقيق اليماني والفيروز لقوتها وتأثيرها، واستعملوا اللؤلؤ لضربات القلب وتقوية أعصاب العين، والياقوت لوقف النزف وكسب الحظ وتهدئة الخوف، وكانوا يضعون الحجر الأخضر في أفواه الموتى، لأنها مادة تهب الحياة وتجددها، في حين كانوا يستخدمون خرز الفيروز للوقاية من الحسد والعين ولإبعاد الجن عنهم، والعقيق الأحمر لجلب الحظ والحبيب، حتى انتقلت من جيل إلى جيل، ووصلت إلى عالمنا اليوم على أساس احتوائها على قوى غيبية تساهم في تحسين ظروف المعيشة. 
وللخرز عند الجاهليين قديماً والأعراب حتى اليوم أهمية كبيرة في أغراض السحر، وفي دفع أذى الأرواح والعين، والنفع وجلب الحب. ومعلوم أن حَب الزيتون له اعتبار خاص عند الشعبيين، حيث يدل على البركة والطهارة والنقاء والتقوى.
كان الخرز سابقاً يستخدم بعد أن يُملأ بكمية من المسك أو العنبر أو عطور أخرى، ليضفي على من يرتديها رائحة زكية تشبه محل عطارة متنقل.
وكان السبب الحقيقي في استخدام هذا النوع من الخرز - غير أغراض التعطير - هو الوقاية من الآفات التي كانت منشرة في الأزمنة القديمة، وفتكت بألوف من الناس دون إمكان وقف انتشارها، ولا ننكر أنها استخدمت أيضاً في حالات انتقامية.
وأخيراً؛ إن الرموز في المصاغ الشعبي هي المرآة التي تعكس الحالة التي يعيشها الإنسان بكل ما فيها وما عليها، فارتبطت بالثقافة المحلية للبيئة من حيث الاعتقادات السائدة التي ترتبط بتاريخ المنطقة والعادات والتقاليد، وإضافة إلى دخول العقائد السماوية كالمسيحية والإسلام، إلا إنها اتصفت بالثبات، برغم الاحتكاك الثقافي مع شعوب أخرى مجاورة، واستمرت عنصراً زخرفياً من التراث تتناقله الأجيال، ظاهرها فيه الزينة والتجميل وتحمل في باطنها قوى سحرية قادرة على حمايته من أهوال الطبيعة وشراسة الحيوان ومعاكسة الأرواح الشريرة، كما تهب القوة وتمنح الصحة والعافية وتحقق الأمنيات■