مأساة إرهاب الوجه بمثلث الموت

مأساة إرهاب الوجه  بمثلث الموت

في عام 2001 تم إعطاء الباحثين الهنديين اندرادي وسريهاري جائزة نوبل، التي يتم منحـها للأبحاث التي تجعلك تضحك أولاً ومن ثم تفكر... فقد فكرا عميقاً في دراسـة ظاهرة نكش الأنوف بين المراهقين من الجنسين في العديد مـن المدارس الهندية والعواقب التي تنجم عن هذه العادة، لكن البحث العلمي مازال جارياً على قدم وساق لفهم الأسباب التي تجعلنا نقوم بذلك، ومن المعروف أن كثيراً  من الأشخاص ينزعج من شعيرات الأنف حين تطول لتظهر من فتحتي الأنف خوفاً مـن تشويه صورة الوجه ومظهره. 

إن الوجه ليس مجرد ملامـح وإطلالة وبشرة فقـط بل هو منطقة تحتوي على مثــلث خطـــر ومميت للـغايـة، وأن التعامل باستخفاف مع منطقة هذا المثلث مثل نتف الشعر من الأنف، أو العبث بالأنف، أو فقأ البثـور، أو إهمال تسوس الأسنان أو التقاعس عن علاج التهــاب الجيـوب الأنفية أو غير ذلك يمكن أن يفتح أبواب العالم الجهنمي للأمراض المميتة بشكل أو آخر، فعلى كل شخص ينتف شعر أنفه أن يبتعد عن مثلث الموت الموجود في وجهه.
يعد الأنف من أهم أعضاء الجسم التي تؤثر في وظائفه المختلفة، فبالإضافة إلى كونه جزءاً من الجهاز التنفسي يؤثر كذلك في حواس أخرى، مثل التذوق والسمع والجهاز المناعي، ويستطيع أنف الإنسان تمييز أكثر من تريليون رائحة مختلفة، وتختلف أحجام وأشكال الأنف من شخص لآخر تبعاً للصفات الوراثية. وبشكل عام، فإن أنف الرجل أكبر من أنف الأنثى، وطول شعيرات الأنف عند الرجال أطول منها عند النساء، ويزيد طول الشعيرات مع تقدم العمر عند بعض الأشخاص.
   كما أن للأنف وظائف كثيرة يقوم بها أيضاً بفضل تكوينه البديع المحكم وتكوين بطانته من الغشاء المخاطي، بالإضافة إلى ما يحيط به من جيوب أنفية هي مجموعة من التجاويف في عظمة الجمجمة محيطة بالأنف من الناحيتين اليمنى واليسرى ومبطنة بغشاء مخاطي يشبه إلى حد بعيد ذلك الذي يبطن الأنف نفسه. ويفرز هذا الغشاء إفرازات تساعده على القيام بالوظائف التي تناط به، ومن أهمها:
ترطيب وتدفئة وتنقية هواء الشهيق: ولكي ندرك مدى أهمية وعظمة هذه الوظيفة، نتساءل بشكل مبسط: هل تستطيع الاستغناء عن فلتر الهواء الموجود في تكييف منزلك؟ بالطبع لا!  هنا يمكن أن نطلق على شعر الأنف «فلتر الهواء» بالجسم، الذي ينقّيه من المواد الضارة قبل دخوله إلى الرئة؛ فهل تستطيع التخلي عن «فلتر الهواء» الخاص بك؟
 إن الأنف وما يجاوره من الجيوب الأنفية يؤدي هذه الوظيفة - لكمية الهواء المستنشق يومياً، وهي كمية هائلة تتراوح بين 10 و20 ألف لتر يوميا! ــ بواسطة:
الغشاء المخاطي الذي يفرز نوعين من السائل المخاطي في طبقتين: إحداهما لزجة وتوجد على السطح، ونظرا للزوجتها فإن الجراثيم وذرات الغبار تلتصق بها. أما الطبقة الثانية فهي أقل لزوجة وتوجد تحت الأولى وتعمل كالحزام السيار، الذي ينقل الحقائب في المطارات، حيث تقوم بنقل الطبقة العليا بما تحويه من جراثيم وغبار إلى تجويف الأنف ثم إلى البلعوم بسرعة سنتيمتر في الدقيقة، وهذه الطبقة تحتوي على أنزيمات تستطيع أن تقضي على كثير من البكتيريا والفيروسات، بينما يتم التعامل مع الباقي بعد ذلك عندما يُبلع إلى المعدة. وتبلغ كمية السائل المخاطي التي تفرز في اليوم 1000 ملليمتر مكعب.
الأهداب: وهي شعيرات بالغة الدقة، تعمل في دأب ونشاط بلا كلل، وهي تتحرك 700 حركة في الدقيقة. والجفاف من أهم العوامل التي تعيق هذه الحركة، ومن ثم فهو يساعد على حدوث الالتهابات.
 الدورة الأنفية - شبكة معقدة جداً من الشعيرات الدموية والأوردة والشرايين الصغيرة: وتتغير كمية الدم المندفعة في هذه الشبكة زيادة ونقصانا، حسب الاختلاف في درجات الحرارة بين الجسم والجو الخارجي. فإذا كان الهواء الخارجي شديد البرودة، فإن كمية الدم المندفعة إلى هذه الشبكة تزداد لتتمكن من تدفئة الهواء الداخل إلى الرئتين والعكس صحيح. وهناك ما يعرف بالدورة الأنفية وهي تحدث بآلية معينة بحيث تتمدد الأوعية الدموية في الغشاء المخاطي بإحدى فتحتي الأنف، فيندفع الدم فيها وينتفخ الغشاء المخاطي، وبالتالي يقل الفراغ المتاح لمجرى التنفس فتقل كميته وسرعته، مما يتيح له فرصة أطول لاكتساب كمية أكبر من حرارة الغشاء المخاطي، فترتفع درجة حرارة الهواء الداخل من هذه الفتحة.
   ويحدث العكس تماماً في الفتحة الأخرى، حيث تنقبض الأوعية الدموية فينكمش الغشاء المخاطي فيزيد فراغ مجرى التنفس فتندفع كمية كبيرة من الهواء بسرعة، وبذلك لا تكتسب الحرارة نفسها التي اكتسبتها الجهة الأخرى، وعندما يتقابل الهواء من الناحيتين في البلعوم الأنفي يختلطان بحيث تكون درجة حرارة هذا الخليط ملائمة تماماً لدرجة حرارة الجسم، وتحدث هذه الدورة بالتبادل بين الناحيتين، فتتمدد اليمنى وتنقبض اليسرى في وقت معين، ثم ينعكس الوضع في الدورة التالية وهكذا.
 
الشعيرات ومثلث الموت
   إنها عملية بالغة التعقيد ويتحكم فيها عدد من العوامل. وحتى نبسط الأمور يمكن تشبيهها بما يحدث في خلاط صنبور المياه، فإذا أردت ماء ساخناً فإنك تفتح صنبور الماء الساخن بدرجة كبيرة وصنبور الماء البارد بدرجة أقل، وبتحكمك في درجة فتح الصنبورين تستطيع التحكم في درجة حرارة الماء.
  عند الحديث عن «مثلث الموت» ربما يتبادر إلى ذهن الشخص مثلث برمودا، وهي تلك البقعة الجغرافية الأعمق في المحيط الأطلسي التي تشمل أضلاعها الثلاثة ولاية فلوريدا الأمريكية، وجزر برمودا التابعة للمملكة المتحدة وجزر الباهاماس.
   أطلق اسم «مثلث الموت» على تلك المنطقة، بسبب الحوادث الغريبة التي تشهدها منذ أكثر من 150 عاماً، من دون أن يستطيع أحد فك أسرارها، لكن حديثنا اليوم عن مثلث الموت الذي يقع في أجسامنا نحن البشر، وفي منطقة الوجه خاصةً، لأنه من أكثر المناطق الخطرة في جسم الإنسان التي يمكنها أن تهدد بالموت.
   نعم، هناك منطقة في الوجه تعرف بـاسم «مثلث الموت» تتكون زواياها من جانبي الفم ومن أعلى نقطة في الحاجز الأنفي. وتكمن خطورة هذا المثلث في أنه مليء بالأوعية الدموية التي تصب مباشرة في الجيوب الكهفية الواقعة في الدماغ، ويسير الدم في هذه الأوعية باتجاه واحد فقط، ومن هنا يكون مصدر الخطر، لأن بإمكانها نقل أي عدوى تحصل في منطقة المثلث، أي في الفك العلوي والأنف وما يجاورهما، فقرب هذه المناطق من المخ يجعل البكتيريا تسرح وتمرح بسهولة لتصل إلى عقر الدماغ، مما قد يؤدي إلى مضاعفات قاتلة، مثل خراريج المخ، والتهابات السحايا، وارتفاع التوتر القحفي، والجلطات الدماغية التي كثيراً ما تفضي إلى الموت.
   ويعد شعر الأنف بمنزلة خط الدفاع الأول عن الرئة، والتخلص منه يعرض الأنف لخطر متزايد أمام كثير من الأمراض مثل التهاب الجيوب الأنفية والحساسية، كما تتعرض الأوردة التي تنقل الدم إلى الأنف للتدمير عند إزالة شعر الأنف من جذوره، مما يسبب الإصابة بالتهاب السحايا، بالإضافة إلى ذلك، تصبح الرئة عرضة للإصابة بالسرطان نتيجة تعرضها المباشر للهواء الخارجي دون مروره بعملية فلترة أولية، فلم يعد الهواء نظيفا، بل هو محمل بالأتربة ودخان السجائر وعوادم السيارات، وكلها ملوثات تؤدي إلى الإصابة بالسرطان وأحيانا إلى الوفاة! 
 ويمثل شعر الأنف عاملاً مزعجاً لكثير من النساء، عندما يصبح أكثر سمكاً وطولا ويظهر من فتحة الأنف، وعادة ما تكون هذه الشعيرات خفيفة لدى النساء، إلا في بعض حالات تقدم العمر أو اضطراب الهرمونات، ويزيد نمو الشعر في البصيلات عند ازدياد هرمون الذكورة وانخفاض هرمون الأستروجين؛ لذا يحرصن على إزالته بغرض تحسين مظهر الوجه، ولا يعلمن أن إزالته تعرض صحتهن لخطر شديد أمام انتقال العدوى. 
   إن شعيرات الأنف تنقّي الهواء المستنشق من الأتربة والفيروسات والبكتيريا والسموم، ثم تتجمع بعدها في هيئة مخاط نتخلص منه عبر الأنف أو الفم، وبذلك تحمي الرئة من التعرض لأمراض عدة يؤدي بعضها إلى الوفاة. وقد وجد بعض الباحثين أنه كلما زادت كثافة شعيرات الأنف أصبحت فرص الإصابة بأمراض مختلفة، مثل الربو، أقل ثلاث مرات من الشعيرات الخفيفة والمتفرقة. 
   وعادة نكش الأنف أو نتف الشعر منه، عادة سيئة منتشرة بكثرة عند الصغار والكبار، وهي عادة لها مساوئ خطيرة، حيث تسهل الطريق أمام عدوى محلية يمكن أن ترحل إلى منطقة المخ. وفي هذا الإطار كشفت دراسة هولندية أن نكش الأنف يمكن أن يساعد على التقاط الالتهابات الميكروبية، وأن الأشخاص الذين يقومون بذلك هم أكثر عرضة للإصابة بالبكتيريا العنقودية في الأنف مقارنة بالأشخاص الآخرين الذين لا يقومون بتلك العادة السيئة.
  وبعد إجراء الفحوص النوعية وجد المشرفون على الدراسة أن تجمعات البكتيريا الضارة كانت ملحوظة عند الفئة التي تنكش الأنف بشكل مستمر، خصوصاً البكتيريا العنقودية الذهبية المعروفة بخطورتها ومقاومتها للمضادات الحيوية.       

 التهذيب لا الإزالة   
 إن القيام بذلك في منطقة مثلث الوجه يساهم في فتح المسامات وفقء بثور الوجه، وإحداث جروح مجهرية تسهل عبور البكتيريا الموجودة على اليد إلى المنطقة المصابة فيحدث التهاب يتحول إلى خزان يعج بالبكتيريا التي سرعان ما تسافر إلى الجيب الكهفي في الدماغ فيصاب هو الآخر بالالتهاب.
 كما أن تسوس أسنان الفك العلوي له خطورته المماثلة، حيث تعتبر الأسنان المتسوسة البوابة المثالية لدخول البكتيريا إلى القنوات العصبية للأسنان وإلى عمق اللثة وإلى الجيوب الأنفية المحاذية للأسنان العلوية، وهذا كله يهيئ البيئة المثالية لتشكيل بؤر التهابية يمكنها أن تصل فوراً إلى الدماغ، ومن هنا تبرز أهمية تشخيص تسوس الأسنان مبكراً من أجل علاجه وتجنب اختلاطاته الآنية والمستقبلية.
   تتساوى مع ذلك أيضاً التهابات الجيوب الأنفية، حيث إن الجيوب الأنفية هي مجموعة من الفراغات التي تكون على اتصال وثيق بالدماغ، من هنا فإن أي حدث التهابي يطول تلك الفراغات يمكن أن يشكل خطراً مباشراً على جيران الجيوب الأنفية، خصوصاً الأعصاب والعينين والدماغ والعضلات، والتهاب الجيوب الحاد يجب أن يعالج بصرامة للتخلص منه، لأن أي تقاعس في هذا المجال يسمح باستيطان التهاب الجيوب المزمن الذي يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل التهاب السحايا، واضطرابات في الرؤية، وتشكل أمهات الدم والجلطات الدماغية.
   وبالرغم من أن هذه المضاعفات تراجعت نتيجة استعمال المضادات الحيوية، فإنها ما زالت تحدث للأسباب الآتية:
 – نتف شعر الأنف، فإن شعر الأنف وظيفته الأساسية والاستراتيجية أن يقوم بتصفية الهواء من الشوائب والأتربة والأجسام العالقة به، كي لا تذهب إلى قلب المجاري التنفسية، بالإضافة إلى توفير الرطوبة للهواء الذي يمر من ممرات الأنف. 
ولأن الأنف يحتوي على سلالات عدة من الجراثيم، فعندما تتم عملية نتف الشعر فإن جذوره تتحول إلى أماكن مدماة تشبه إلى حد بعيد الجروح المفتوحة، الأمر الذي يجعل الطريق معبداً أمام الجراثيم لتصل إلى الأوعية المتصلة بالدماغ مسببة التهابات خطيرة للغاية.
    إن عادة نتف شعر الأنف قد تصبح عند البعض نوعاً من الهوس، بحيث يؤثر سلباً على احترام الذات ويثـير السخرية ويوتر العلاقات مع الزملاء الذين لا يطيقون هذا السلوك، ولكن كي نتخلص من الضيق الذي يخلقه طول شعر الأنف، فعلينا تهذيبه وليس إزالته ويجب ألا يتم ذلك من خلال عملية النتف بالملقط أو بواسطة الأصابع أو الشمع، بل بقصه أو تهذيبه بالمقص أو بالحلاقة الكهربائية■