مطالعات في حضارة الحاسوب السيد نصر الدين السيد

مطالعات في حضارة الحاسوب

المسيرة الكبرى لتطور الحاسوبيات
"لو حدث في تكنولوجيا السيارات تقدم مماثل لذلك الذي حدث في تكنولوجيا الحواسب لأمكننا اليوم أن نقتني سيارة رولزرويس بسعر لا يتجاوز الدولارين وتساوي قوة محركها قوة محرك سفينة بضائع عابرة محيطات ومعدل استهلاكها للوقود أكثر من مليون كيلو متر لكل لتر، أما حجمها فلن يتجاوز حجم 0.16من حجم رأس دبوس..

يضرب هذا المثل في العادة للدلالة على التقدم الهائل الذي أحرزته تكنولوجيا الحواسب على مدى الخمسين سنة الأخيرة وذلك مقارنة بالتكنولوجيا التقليدية، تكنولوجيات حضارة مجتمع الصناعة. ولكنه لا يبرز في حقيقة الأمر إلا أحد جوانب التقدم الذي حدث في هذا المجال وهو جانب ماديات الحاسوب، أو برطانة أهل الصنعة المعدات HARD WARE، وهو الجانب المتعلق بالمكونات المادية للحاسوب وملحقاته كوسائل التحاور معه مثل لوحات المفاتيح والشاشات والطابعات، ووسائط تخزين البيانات. فقد شهد هذا الجانب تقدما غير مسبوق في العديد من الاتجاهات.

دائرة المعارف البريطانية في مساحة قرص

ومن أبرز تلك الاتجاهات القدرة الحسابية والتي تقاس بالـ"مبس" أي عدد ملايين التعليمات التي يمكن للحاسوب تنفيذها في الثانية الواحدة Milions of in Struction Per Second (Mips) فلقد ارتفعت القدرة الحسابية للحواسب الكبيرة MAINFRAMES من حوالي نصف مبس في أوائل الستينيات لنصل اليوم إلى أكثر من 10 (مبس). ورأيناها في حالة الحواسب الشخصية وهي ترتفع من حوالي خمسين ألف تعليمة في الثانية لتصل الآن إلى أكثر من 8 مبس. أما قدرة الحاسوب على خزن البيانات فحدث ولا حرج إذ يمكن اليوم، وعلى سبيل المثال اقتناء دائرة المعارف البريطانية بأكملها مسجلة على قرص لا يتجاوز نصف قطره البوصتين والنصف. وقد أدى التقدم في الإلكترونيات الميكرونية MICROELECTRONICS إلى تزايد قدرتها على رص وتكديس أعداد متزايدة، يصل عددها اليوم إلى حوالي 10 ملايين، من المكونات الأساسية للحاسوب على شذرة CHIP لا يتجاوز حجمها حجم قلامة ظفر الإنسان، أدى هذا إلى تصغير مذهل في حجم الحواسب وفي إقلال من الطاقة اللازمة لتشغيلها. ولقد صاحب تزايد قدرات الحاسوب الحسابية والتخزينية انخفاض متزايد في أسعار اقتناء مكوناته المادية بلغت نسبته السنوية ما بين 20% و30%.

ولا يكتمل الحديث عن ماديات الحاسب بدون التعرض إلى التزاوج الذي تم بين تقنياته وتقنيات الاتصالات. وهو الأمر الذي جعل الحوار بين الحواسب وأياً كان موقعها الجغرافي أمراً عادياً. وقد أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى شيوع استخدام الحواسب في شتى مجالات الحياة، وإلى إتاحة فرصة اقتنائها لجمهور يتزايد عدده باستمرار. وهكذا تمتعت تكنولوجيا عصر حضارة مجتمع ما بعد الصناعة بميزة فريدة ألا وهي ديموقراطية اقتناء تقنيات المعرفة، بما تعنيه من قدرة الإنسان العادي على تملك الأدوات اللازمة لحفظ ومعالجة والتوصل للمعرفة أيا كان مكانها وفي الوقت الملائم له.

والحديث عن التقدم في مجال ماديات الحاسوب لا يكتمل إلا بالحديث عن التقدم الموازي والباهر الذي حدث في معنويات الحاسوب، أو برطانة أهل الصنعة البرمجيات SOFTWARE وهي كل البرامج المكتوبة بهدف إدارة وتنظيم وتنسيق عمل مكوناته المادية. وهي تشمل أيضا البرامج المكتوبة لتنفيذ أعمال بعينها مثل: معالجة وتنسيق الكلمات، إنشاء وإدارة قواعد البيانات، الحسابات المالية أو العلمية أو الإحصائية، إعداد الرسوم والأشكال. وقد حكم مسيرة تطور البرمجيات مبدآن أساسيان هما: تيسير عملية تحاور الإنسان العادي مع الحاسوب على خزن ومعالجة البيانات بجميع أشكالها من صوت وصورة ونص وأرقام بشكل متكامل. وهكذا رأينا لغة التحاور مع الحاسوب وهي تتطور، تحقيقاً للمبدأ الأول، من مجرد لغة الآلة بأبجديتها الثنائية (الصفر والواحد) إلى لغة الإنسان الطبيعية مكتوبة كانت أو منطوقة وذلك مروراً بلغات البرمجة العديدة بمستوياتها المختلفة مثل لغات البيسك BASIC والباسكل PASCAL ولغات الجيل الرابع FOURTH GENERATION LANGUAGES وشهدنا تطوراً موازياً في وسائل ووسائط تنفيذ التحاور بدءا من لوحة المفاتيح التقليدية وانتهاء بالحاسوب القلمي PEN COMPUTER والذي يقبل وينفذ الأوامر المكتوبة بخط اليد، ومروراً بـ"الفأر" MOUSE الشهير والذي يمكن بواسطته تحريك المؤشر المرسوم على شاشة الحاسب نحو الأوامر المطلوب من الحاسب تنفيذها. وقد عزز هذا كله من ملمح ديموقراطية اقتناء تقنيات المعرفة. واليوم بتنا نشهد بداية تحقيق المبدأ الثاني وذلك بظهور منظومات الإعلام متعدد الوسائط أو المالتي مديا MULTIMEDIA. وهي المنظومات التي تتعامل مع جميع أشكال تمثيل عالم الواقع أو عالم الخيال سواء كان هذا التمثيل على صوت أو صورة أو رسم أو نص أو بيان وتمكن مستخدمها من التعامل مع ما يعرض عليه من مرئية أو مسموعة ويعيد من تشكيلها حسب هواه.

معالجة البيانات والمعلومات

وقد شهدت مسيرة تطور معنويات الحاسوب مرحلتين متداخلتين: ففي المرحلة الأولى، مرحلة مساندة المعالجة والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، ينصب الاهتمام على كيفية استخدام الحاسوبيات (ماديات ومعنويات الحاسوب معا) في مساندة الإنسان أثناء تعامله مع المعارف بكافة أشكالها. أي كيفية معاونته في حفظها واسترجاعها وبثها ومعالجتها أيا كان أسلوب هذه المعالجة. ورأينا برمجيات الحاسوب وهي تتطور من مجرد أداة لمعالجة المعرفة مرورا بمعالجة المعلومات المعلومات. وهو الأمر الذي يمكن تشبيهه بالانتقال من غزل القطن الخام لاستخراج الخيوط (معالجة البيانات) إلى نسج تلك الخيوط لإنتاج القماش (معالجة المعلومات)، وأخيراً تفصيل الملابس باستخدام هذا القماش (معالجة المعرفة). أما المرحلة الثانية، مرحلة دعم الحوار والتي بدأت منذ بضع سنوات، فقد انصب الاهتمام فيها على كيفية استخدام الحاسوبيات في دعم عملية التحاور الخلاق بين بني البشر. وهكذا ظهر جيل جديد من البرمجيات يعرف بمنظومات "العمل التعاوني المدعوم بالحاسوب" COMPUTER-SUPPORTED (COOPERATIVE WORK )CSCW. ويوضح الشكل المرفق مثالاً لواحدة من تلك المنظومات التي تستخدمها مجموعة من المهندسين المتفرقين في مواقع جغرافية متباعدة في إنجاز تصميم هندسي مشترك.

كانت هذه لمحات خاطفة من المسيرة المتسارعة لتطور الحاسوبيات.. تكنولوجيا حضارة الألف الثالثة.

 

السيد نصر الدين السيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




مطالعات في حضارة الحاسوب





طاولة العمل





صورة لشاشة الحاسب المشتركة أثناء جلسة تصميم