رحّالة يماني في الكويت

رحّالة يماني في الكويت

صدرت هذه الرحلة عن مركز البحوث والدراسات الكويتية، عام 2008 م، أعدها للنشر وقدمها الدكتور عبدالله يوسف الغنيم. والرحلة مستلة من الجزء الثاني من كتاب الرحالة الموسوم بــ «الجناح المحلق في سماء المشرق»، الصادر في القاهرة عن مطبعة السعادة عام 1951 م، والذي دون فيه الرحالة اليمني أحمد محمد الشرماني رحلاته، التي قام بها عام 1948م، إلى الكويت والهند وباكستان وسيلان.

تكتسب هذه الرحلة - التي استغرقت أربعة أشهر - أهميتها من كونها تلقي الأضواء على جوانب شتى من الحياة العمرانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي شهدتها الكويت إبان نهضتها الحديثة؛ إثر اكتشاف النفط في أراضيها. وهي فترة حرصت المؤسسات المعنية في الكويت - وفق عبدالله الغنيم - على رصد تطورات الأحداث فيها؛ كونها تصب في مجرى التاريخ العام للكويت وأقطار عربية أخرى، فضلاً عن تسليطها الضوء على حركة التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالكويت.
صاحب الرحلة وكاتبها الشيخ اليمني الأزهري أحمد محمد الشرماني، رحالة مغمور، فلا معلومات متوافرة عنه، سوى تلك المعلومات القليلة التي يجود بها كتابه «الجناح المحلق في سماء المشرق» والتي تشير إلى أزهريته، وميله إلى المعرفة العصرية، والذي تجلى في مدحه لمظاهر النهضة الحديثة التي شاهدها في بعض الأقطار العربية، ومنها الكويت. وتُعدّ مبادرة دولة الكويت، بإعادة طبع هذه الرحلة، الالتفاتة الوحيدة لهذا الرحالة اليمني المغمور، الذي يشير في هذه الرحلة إلى علاقاته بأمراء الكويت، لعل أهمها صداقته للمرحوم الشيخ فهد السالم الصباح، الذي التقاه في رحلته إلى بلاد الشام، فمهدت له تلك الصداقة الرحلة إلى العراق ثم الكويت، والحصول على الرعاية المناسبة من قبل الأسرة الحاكمة في الكويت، سواء أثناء إقامته في الكويت أو بعد مغادرته لها، فقد مكنته هذه الصداقة من الحصول على دعم بعض الأمراء، في رحلته إلى الهند وباكستان وسيلان. 
صرح الرحالة، حينما عرض عليه الأمراء منصباً كبيراً يلزمه بدوام الإقامة في الكويت، بأن غرضه من الرحلة إلقاء سلسلة من الندوات والمحاضرات الدينية، فإن الرحالة - إلى جانب إنجاز مهمته - قام بتدوين مشاهداته وانطباعاته في هذه الرحلة، التي اشتملت على مضامين معرفية، لا تخلو منها كتب أدب الرحلات، لعلّ أهمها ما يلي:

الحالة العمرانية: 
وصف الرحالة اليمني مدينة الكويت بأنها رحبة واسعة، فسيحة الأرجاء، وأن شوارعها وأحياءها تتوزع بين القديم المحافظ على الطراز العربي القديم في العمارة كما في أحيائها القديمة التي لاتزال على تخطيطها الأول في شوارعها وأزقتها، وبين الجديد المتمثل في الأبنية المستحدثة في الأحياء الجديدة والمبنية على نسق عصري بديع، موضحاً نظام بناء المنازل في الكويت، ذاكراً أن أطول شارع فيها يشق المدينة من الغرب إلى الشرق، ويمتد من مدخل المدينة للقادم من العراق إلى طرفها من الجانب الآخر، حيث ينتهي ببيت الحاكم العام. ويصف الرحالة السور الأثري الذي يحيط بالمدينة، ذاكرا تاريخ بنائه والغرض الذي لأجله بني هذا السور، ليخلص إلى أن الكويت - المدينة - أخذت بقسط وافر من المدنيّة الحديثة وظهرت آثارها في كل جزء من أجزائها. 

الحالة الاقتصادية
 تحدث الرحالة عن المكانة الاقتصادية التي احتلتها الكويت في المنطقة، معللاً ذلك بعاملين أساسيين، جعلا منها محطة اهتمام تجاري بين الدول، الأول: الموقع الجغرافي الفريد الذي تتمتع به الكويت، برياً وبحرياً وجوياً، مستشهداً بدورها التمويني في الحرب العالمية الثانية، حيث كان لموقعها دور كبير في مساعدة الحلفاء. العامل الثاني: الطفرة البترولية التي شهدتها الكويت، وكان لها الأثر الكبير في النمو الاقتصادي في البلاد والإسراع بالنهضة الحديثة، ذاكراً قصة اكتشاف البترول في الكويت، والتي كانت في الأساس بحثاً عن الماء الذي يفتقر إليه السكان، وموضحاً أن كثيراً من أراضي الكويت صالحة للزراعة لولا شح المياه، منتقداً اقتصار الصناعات الوطنية على المنسوجات الكمالية، بينما الضرورية منها مستوردة.

الحالة السياسية
 تحدث الرحالة اليمني عن ماضي الكويت وتاريخها، وبدايات تكون النظام السياسي فيها، باسطاً حديثه عن حاكمها الشرعي الأعلى الشيخ أحمد الجابر الصباح، ودوره في إصلاح الإمارة وتطويرها، فشهدت الكويت في عهده أول تجربة شورى ديمقراطية، تمثلت في مجلس شورى مهمته الإشراف الكلي على الشؤون العامة، مادحاً السياسة الخارجية المتوازنة التي انتهجها الشيخ أحمد الجابر في تعامله مع الدول الأخرى، لاسيما بريطانيا ذات النفوذ الكبير في المنطقة العربية حينذاك. وقد ذكر الرحالة أن الأمراء يستمدون من الشيخ أحمد الجابر سلطتهم التنفيذية، موضحاً في هذا السياق النظام الإداري في الكويت، الذي يتوزع إلى ستة أقسام، يسمى كل قسم بدائرة، وهي: الأمن، والشرطة، والبلدية، والمعارف، والمالية، والتموين، مبيناً اختصاص كل دائرة ومهامها ومن يتولاها من الأمراء. 
أورد الرحالة أوجه النقص في الأنظمة الإدارية، والمتمثلة بغياب دائرة تختص بتشجيع الصناعات الوطنية والإشراف على المرافق التجارية، وضرورة تخصيص دائرة للمسائل الصحية وفصلها عن البلدية، وتحدث عن القضاء التقليدي، وغياب نظام الاستئناف في المحاكم، مبيناً دور الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في إصلاح القضاء. ويعزو الرحالة هذا القصور في النظام الإداري الكويتي - في تلك الفترة - إلى عجز الموازنة المالية، مؤكداً أن هذا القصور يمكن تجاوزه بعد الطفرة البترولية التي شهدتها الكويت. 
وكان الرحالة شاهدَ عيانٍ على الحالة الأمنية المستتبة في الكويت، مرجعاً ذلك إلى احترام سكانها للأنظمة والتقاليد، وأن كل شيء يجري فيها بنظام وتنسيق، مستشهداً بأمثلة على ذلك، أهمها: تجارة الذهب التي تمارس في الشوارع، فتجد الدلالين يحملون سبائك الذهب في الشوارع دون خوف من سرقتها، فلولا استتباب الأمن. يقول الرحالة - لما شاهدنا مظاهر ترويج هذه السلعة المغرية للصوص بهذه الطريقة. 

الحالة الاجتماعية
 تحدث الرحالة عن عدد السكان، الذين وصلوا في تلك الفترة إلى زهاء ثلث المليون، وأن أغلبهم يعملون في التجارة، وهو أمر طبيعي، كون الكويت بيئة تجارة بامتياز، كما يقول الرحالة، وأن مستوى المعيشة متوسط النسبة، وأن الرخاء واليسر يعم كل الطبقات، فكانت النتيجة ازدياد الثروات وكثرة الأموال مع احتفاظ النقد بقيمته الشرائية الأولى. وتحدث الرحالة عن القيم الإنسانية لدى الشعب الكويتي، واصفاً إياهم بالسماحة وكرم الطباع، يهيمن عليهم لين العريكة وجلاء السريرة، وعزوفهم عن حياة اللهو والبذخ، مستعيضين عن ذلك بجلسات السمر الليلية، التي مثلت البديل المفيد لدور المقاهي والملاهي المعروفة في دول أخرى. كما يصفهم ببساطة الحياة رغم الثراء الباذخ الذي يعيشونه، وأنهم مفطورون على «حب الأمانة والتحلي بها إلى حد جعل اللقطة المفقودة ترد إلى صاحبها للتعرف عليها خلال يوم أو يومين من فقدها، مهما كانت قيمتها، ومهما بلغ ثمنها»، مستشهداً على هذه الخصلة الحميدة التي يسبغها على جميع سكان الإمارة، بواقعة شهدها بنفسه، ليستنتج أن مثل هذه السمات الحسنة هي التي جعلت حوادث السرقة والسلب وما شابهها في إمارة الكويت، في حكم النادرة.
 
الحالة التعليمية والثقافية
 تحدث الرحالة اليمني عن التعليم في الكويت، ودور العرب - خاصة مصر - في العملية التعليمية، وقد تنقل الرحالة بين معاهد التعليم، واصفاً نظمها الإدارية والتعليمية، ومُعرِّفاً بدائرة المعارف ودورها في الإشراف على العملية التعليمية. وأشار الرحالة إلى الدور التنويري الذي تقوم به مجالس السمر الليلية، التي يجتمع فيها كبار القوم وعليتهم لمناقشة أطراف الحديث وفنونه، من حوار في شؤون العلم والسياسة، والأدب والرياضة والاقتصاد في الشرق والغرب.
ختم الرحالة حديثه عن إمارة الكويت برؤية استشرافية لمستقبلها، تبعاً للتطورات الحاصلة في مجال استخراج النفط، ليخلص إلى أن الكويت تسير بخطى واثقة، ستجعلها في مقدمة الصفوف الدولية الأولى، وأن الأمور فيها تسير من حسن إلى أحسن، مما يبشر لهذه الإمارة بغدٍ جميل ومستقبل أجمل. وقد عزّز الرحالة مشاهداته وانطباعاته في هذه الرحلة بصور لشخصيات كويتية التقاها، وأخرى لأماكن استوقفته في هذه الرحلة■