ثقة الإبداع

ثقة الإبداع

هناك‭ ‬مقولة‭ ‬لبيكاسو‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬كل‭ ‬طفل‭ ‬فنان،‭ ‬والمشكلة‭ ‬كيف‭ ‬يبقى‭ ‬فنانًا‭ ‬عندما‭ ‬يكبر‮»‬‭. ‬ويرى‭ ‬الباحثون‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬يولدون‭ ‬بجينات‭ ‬مبدعة،‭ ‬فيميل‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة‭ ‬إلى‭ ‬الإبداع‭. ‬ويتضح‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬لهوهم‭ ‬ولعبهم‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬وخارجه‭. ‬ومن‭ ‬يحاول‭ ‬تذكّر‭ ‬أيام‭ ‬الطفولة‭ ‬وأنشطتها‭ ‬الماتعة،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬بعيون‭ ‬عقله‭ ‬وقلبه‭ ‬مرحًا‭ ‬جميلا‭ ‬وانطلاقًا‭ ‬حرًّا‭ ‬وإبداعًا‭ ‬واثقًا‭ ‬مع‭ ‬أصدقاء‭ ‬حقيقيين،‭ ‬وأصدقاء‭ ‬خياليين،‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬حيوانات‭ ‬أليفة‭ ‬أو‭ ‬حشرات،‭ ‬أو‭ ‬أشياء‭ ‬جامدة‭ ‬كالدُّمى‭ ‬والمكعّبات‭ ‬واللُّعب‭ ‬المختلفة،‭ ‬مما‭ ‬يبعث‭ ‬فيها‭ ‬الخيال‭ ‬حيوات‭ ‬نابضة‭. 

لا‭ ‬توجد‭ ‬طفولة‭ - ‬في‭ ‬الغالب‭ - ‬من‭ ‬دون‭ ‬أناشيد‭ ‬وموسيقى‭ ‬ورقص‭ ‬وتمثيل‭ ‬وتمارين‭ ‬رياضية‭ ‬ورسم‭ ‬وتلوين‭ ‬وتشكيل‭ ‬تماثيل‭ ‬من‭ ‬الصلصال‭ ‬والعجين،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إبداعات‭ ‬قد‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬أداء‭ ‬مهمات‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬حل‭ ‬مشكلات‭ ‬طارئة،‭ ‬مثل‭ ‬الاختباء‭ ‬أو‭ ‬تسلّق‭ ‬حاجز‭ ‬أو‭ ‬شجرة‭ ‬أو‭ ‬درابزين،‭ ‬أو‭ ‬تناول‭ ‬أشياء‭ ‬من‭ ‬رفوف‭ ‬عالية‭ ‬أو‭ ‬أماكن‭ ‬ضيقة‭. ‬

في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬المبكرة‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬يكون‭ ‬الفضول‭ ‬ومحاولة‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬في‭ ‬ذروته‭. ‬وما‭ ‬الإلحاح‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬الأسئلة‭ - ‬الذي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يضيق‭ ‬به‭ ‬الكبار‭ - ‬سوى‭ ‬نتاج‭ ‬لملاحظات‭ ‬ذكية‭ ‬ودقيقة،‭ ‬وشغف‭ ‬وفضول‭ ‬وتعطّش‭ ‬لتعلُّم‭ ‬وإبداع‭ ‬فطري‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬تقدُّم‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬العمر،‭ ‬تتراجع‭ ‬الثقة‭ ‬الإبداعية‭ ‬لدى‭ ‬الغالبية،‭ ‬لتبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬كبت‭ ‬المواهب‭ ‬والقدرات‭ ‬والأسئلة‭. ‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬عديدة،‭ ‬يعوق‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬وتدني‭ ‬تقدير‭ ‬الذات‭ ‬والخوف‭ ‬كثيرين،‭ ‬فلا‭ ‬يستطيعون‭ ‬خوض‭ ‬مغامرات‭ ‬الإبداع‭ ‬بثقة‭ - ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬يفعلون‭ ‬وهم‭ ‬صغار‭ - ‬فهم‭ ‬يتحاشون‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المجهول‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الإبداع،‭ ‬ويخافون‭ ‬من‭ ‬خروج‭ ‬الأمور‭ ‬عن‭ ‬السيطرة،‭ ‬ويتجنبون‭ ‬نظرات‭ ‬الآخرين‭ ‬وانتقاداتهم‭ ‬غير‭ ‬المحتملة‭. ‬

وربما‭ ‬أدى‭ ‬تعليق‭ ‬ساخر‭ ‬وغير‭ ‬مسؤول‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬إلى‭ ‬توقّف‭ ‬المبدع‭ ‬عن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬وتجميد‭ ‬نشاطه‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفضي‭ ‬الانشغال‭ ‬بأمور‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬إلى‭ ‬تجاهل‭ ‬نداء‭ ‬الإبداع‭ ‬وتناسي‭ ‬الموهبة،‭ ‬فينقل‭ ‬المبدع‭ ‬نفسه‭ ‬قسرًا‭ ‬من‭ ‬صفوف‭ ‬المبدعين‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬غير‭ ‬المبدعين‭. ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬الأسباب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬سوى‭ ‬شعور‭ ‬بالإرهاق‭ ‬أو‭ ‬الكسل‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬مشقة‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعي،‭ ‬وتفضيل‭ ‬الاستكانة‭ ‬والمكوث‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬بمنطقة‭ ‬الراحة‭.‬

 

قول‭ ‬وفعل‭ 

يُعرف‭ ‬التفكير‭ ‬الإبداعي‭ ‬بأنه‭ ‬طريقة‭ ‬لتوليد‭ ‬أفكار‭ ‬جديدة‭ ‬مختلفة،‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬منتجات‭ ‬أو‭ ‬حلول‭ ‬لمشكلات‭ ‬قائمة‭ ‬أو‭ ‬أعمال‭ ‬فنية‭ ‬أو‭ ‬أنواع‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭. ‬وفور‭ ‬استخدام‭ ‬الشخص‭ ‬تفكيره‭ ‬الإبداعي‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬منتج‭ ‬أو‭ ‬عمل،‭ ‬أو‭ ‬حل‭ ‬لمشكلة‭ ‬ما،‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬ثقة‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الأفكار‭ ‬المبدعة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬ملموس‭.‬

فجوهر‭ ‬ثقة‭ ‬الإبداع‭ - ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬الشقيقان‭ ‬ديفيد‭ ‬وتوم‭ ‬كيلي‭ ‬في‭ ‬كتابهما‭ ‬Creative‭ ‬Confidence‭ - ‬هو‭ ‬إيمان‭ ‬المرء‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬فيمن‭ ‬حوله،‭ ‬واقتناع‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬المراد‭. ‬وتعد‭ ‬هذه‭ ‬الثقة‭ ‬كالعضلات،‭ ‬يمكن‭ ‬تعزيزها‭ ‬وتقويتها‭ ‬بالمران‭ ‬وبذل‭ ‬الجهد‭ ‬ومراكمة‭ ‬الخبرة‭.‬

كما‭ ‬يتجاوز‭ ‬الإبداع‭ - ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الأخوين‭ - ‬مجالات‭ ‬الفنون‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬المخيلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬أشياء‭ ‬جديدة‭. ‬ففي‭ ‬عالم‭ ‬الأعمال‭ ‬مثلًا،‭ ‬يعلن‭ ‬الإبداع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجديد‭ ‬قاده‭ ‬نجوم،‭ ‬كمؤسسي‭ ‬اغوغلب‭ ‬وافيسبوكب‭ ‬واتويترب،‭ ‬الذين‭ ‬غيّروا‭ ‬حيوات‭ ‬مليارات‭ ‬البشر‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬والفرص‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مفتوحة‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭ ‬للتجريب‭ ‬وإبداع‭ ‬الجديد‭. 

 

الجميع‭ ‬مبدعون

في‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬أسس‭ ‬ديفيد‭ ‬كيلي‭ ‬معهدًا‭ ‬لتعليم‭ ‬رواد‭ ‬أعمال‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬كليات‭ ‬جامعة‭ ‬ستانفورد‭ ‬منهجية‭ ‬تفكير‭ ‬التصميم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التجديد‭. ‬

وعبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الخبرة،‭ ‬تبيّن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الإبداع،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬مبدعين‭. ‬وهكذا‭ ‬اقتصرت‭ ‬مهمة‭ ‬المعهد‭ ‬على‭ ‬إكساب‭ ‬المشاركين‭ ‬مهارات‭ ‬وطرق‭ ‬تفكير‭ ‬تستعيد‭ ‬ثقة‭ ‬إبداع‭ ‬الطفولة‭. ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬اشتعل‭ ‬خيال‭ ‬الجميع‭ ‬واستُثير‭ ‬فضولهم،‭ ‬وتدفقت‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬باعثةً‭ ‬شعورًا‭ ‬يشبه‭ ‬شعور‭ ‬السائق‭ ‬الذي‭ ‬اكتشف‭ ‬فجأة‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يقود‭ ‬مركبته‭ ‬وفرامل‭ ‬اليد‭ ‬مرفوعة‭.‬

والجميل‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المتدربين‭ ‬فوجئوا‭ ‬بنتائج‭ ‬إبداعاتهم،‭ ‬ومن‭ ‬استعادتهم‭ ‬ثقة‭ ‬الإبداع‭ ‬عندما‭ ‬تمكّنوا‭ ‬من‭ ‬توليد‭ ‬أفكار‭ ‬جديدة‭ ‬وتحلّوا‭ ‬بشجاعة‭ ‬تطبيقها‭ ‬أو‭ ‬تجريبها‭. ‬وكان‭ ‬سر‭ ‬الإبداع‭ ‬كامنًا‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬المشاركين‭ ‬التصرف‭ ‬والعمل‭ ‬بطبيعية،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬خجل،‭ ‬مثلما‭ ‬يفعل‭ ‬الأطفال‭. ‬

ومن‭ ‬وصايا‭ ‬كيلي‭ ‬لتلاميذه،‭ ‬المبادرة،‭ ‬وعدم‭ ‬انتظار‭ ‬سقوط‭ ‬االتفاحةب؛‭ ‬بل‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إلهام‭ ‬في‭ ‬ألعاب،‭ ‬وفي‭ ‬تجارب‭ ‬جديدة‭ ‬تُعاش،‭ ‬ووسط‭ ‬بيئات‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭ ‬يتم‭ ‬الانغماس‭ ‬فيها،‭ ‬واستكشاف‭ ‬حاجات‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬ورغباتهم‭ ‬ودوافعهم‭ ‬وسلوكياتهم‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجههم،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يحفّز‭ ‬التفكير‭ ‬الإبداعي‭ ‬ويُطلق‭ ‬طاقة‭ ‬إبداعية‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تأليف‭ ‬أفكار‭ ‬وانفتاح‭ ‬أبواب،‭ ‬وتكشف‭ ‬حلولًا‭. ‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬سيول‭ ‬الأفكار‭ ‬والخواطر‭ ‬والصور‭ ‬الذهنية،‭ ‬يأتي‭ ‬وقت‭ ‬لاختيار‭ ‬أفضل‭ ‬الإمكانات‭ ‬وأكثر‭ ‬الأفكار‭ ‬فاعلية‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬المشكلات‭ ‬إلحاحًا‭. ‬ثم‭ ‬تبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬تركيز‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬والنوايا‭ ‬الخالصة‭ ‬والوقت‭ ‬لجمع‭ ‬المعلومات،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭. ‬

وبعد‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التجريب‭ ‬وطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬مثل‭: ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬سعيد‭ ‬بما‭ ‬أقوم‭ ‬به؟‭ ‬وما‭ ‬مدى‭ ‬الشعور‭ ‬بعمق‭ ‬الإحباط؟‭ ‬وما‭ ‬شدة‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬حل؟‭ ‬ومحاولات‭ ‬خطأ‭ ‬وتوقّف‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الخبرة،‭ ‬يأتي‭ ‬الحل‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬توقّع‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬شهور،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬بعد‭ ‬سنوات،‭ ‬وبعد‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬عمله،‭ ‬يبدأ‭ ‬التنفيذ‭ ‬عبر‭ ‬إجراءات‭ ‬مستمرة‭ ‬من‭ ‬التعديل‭ ‬والتنقيح‭ ‬السابق‭ ‬للطرح‭ ‬النهائي‭.‬

‭ ‬

انتصارات‭ ‬صغيرة

تنمى‭ ‬ثقة‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬مستمرة‭ ‬من‭ ‬ملاحقة‭ ‬الأهداف‭ ‬وتنفيذ‭ ‬الأفكار‭ ‬بحماس‭ ‬وصبر،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬التفات‭ ‬إلى‭ ‬الأفكار‭ ‬السلبية‭ ‬المصاحبة‭ ‬لمواجهة‭ ‬المخاوف‭ ‬والعقبات‭. ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬ثقة‭ ‬بالقادم‭ ‬وجرأة‭ ‬وشجاعة‭ ‬بداية‭ ‬الانطلاق‭ ‬وتحمّل‭ ‬وطأة‭ ‬الانتقاد‭ ‬والفشل‭.‬

أما‭ ‬التقدم‭ ‬فيكون‭ ‬خطوة‭ ‬خطوة‭ ‬بإحراز‭ ‬انتصارات‭ ‬صغيرة؛‭ ‬كأن‭ ‬ينجح‭ ‬مَن‭ ‬يريد‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬الخطابة‭ ‬أمام‭ ‬جمهور‭ ‬كبير،‭ ‬في‭ ‬التمكن‭ ‬أولًا‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬أمام‭ ‬مجموعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬المخاوف‭ ‬البسيطة،‭ ‬والتغلب‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬بعدم‭ ‬الراحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭.‬

ومع‭ ‬تزايد‭ ‬ثقة‭ ‬الإبداع‭ ‬يصبح‭ ‬المرء‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬عرض‭ ‬أفكاره‭ ‬وتشاركها‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬بل‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬هذه‭ ‬الثقة‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬لتمنح‭ ‬صاحبها‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬فيرتفع‭ ‬شعوره‭ ‬بالراحة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬وفي‭ ‬ممارسته‭ ‬أنشطة‭ ‬أخرى،‭ ‬ويتعزز‭ ‬إيمانه‭ ‬بمقدرته‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬التغيير‭ ‬والتأثير‭ ‬فيمن‭ ‬حوله،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭. 

ومما‭ ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬العباقرة‭ ‬وسواهم‭ ‬ليس‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يفشلون‭ ‬أبدًا‭ - ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬صحيح‭ - ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يسمحون‭ ‬للفشل‭ ‬بأن‭ ‬يوقفهم‭ ‬ويمنعهم‭ ‬عن‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التجريب؛‭ ‬فهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الفشل‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الفشل‭ ‬المبكر‭ ‬ضروريًّا‭ ‬للنجاح‭ ‬في‭ ‬الإبداع،‭ ‬لأنه‭ ‬يصحح‭ ‬الاتجاه‭ ‬ويقوّي‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭.‬

أثمن‭ ‬الموارد‭ ‬

‭ ‬يبقى‭ ‬الأمل‭ ‬معقودًا‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقة‭ ‬الإبداع‭ ‬لدى‭ ‬الصغار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدريبهم‭ ‬على‭ ‬عرض‭ ‬أفكارهم؛‭ ‬والاهتمام‭ ‬بأسئلتهم‭ ‬وبأحلامهم،‭ ‬ومنحهم‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬مشروعات‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬اهتماماتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬وقائمة‭ ‬على‭ ‬شغفهم‭ ‬الشخصي،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬تجارب‭ ‬ساعة‭ ‬العبقري،‭ ‬ووقت‭ ‬الـ‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬التي‭ ‬استلهمتها‭ ‬بعض‭ ‬المدارس‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬اجوجلب‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ - ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬الأسبوع،‭ ‬أي‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬مشروعات‭ ‬شخصية‭ ‬جانبية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الذات‭ ‬وإثراء‭ ‬المؤسسة‭ ‬وتعلّم‭ ‬التعاون‭ ‬ومشاركة‭ ‬الأفكار‭ - ‬ونجحت‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬على‭ ‬اعتياد‭ ‬توقّع‭ ‬الفشل‭ ‬وتقبّله‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬التعلّم،‭ ‬وإدراك‭ ‬قيمة‭ ‬طاقة‭ ‬الإبداع‭ ‬التي‭ ‬تعدّ‭ ‬أثمن‭ ‬الموارد‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ .