فوضى التحصيل وضياع التأصيل

فوضى التحصيل وضياع التأصيل

هناك‭ ‬من‭ ‬يتعمد‭ ‬صناعة‭ ‬الفوضى‭ ‬بجمع‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬المتاحة،‭ ‬الأصيلة‭ ‬منها‭ ‬والهامشية،‭ ‬المفيدة‭ ‬وغير‭ ‬المفيدة،‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭... ‬الكلمة‭ ‬والحكمة‭ ‬والطُرفة‭ ‬والنبأ‭ ‬والخبر‭ ‬والنُبذة‭ ‬والقصيدة‭... ‬ومقاطع‭ ‬الصوت‭ ‬ومشاهد‭ ‬الصورة‭. ‬ازدحم‭ ‬فضاء‭ ‬المعلومات،‭ ‬ليصبح‭ ‬الضجيج‭ ‬لحناً،‭ ‬والقلق‭ ‬والخوف‭ ‬فناً،‭ ‬فنجلس‭ ‬متقابلين‭ ‬ساعات‭ ‬بلا‭ ‬كلام،‭ ‬نجري‭ ‬وراء‭ ‬رنة‭ ‬الهاتف‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تخبرنا‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تطبيق‭ ‬سوف‭ ‬يأتي‭ ‬الخبر‭...‬‭ ‬تويتر‭ ‬Twitter‭ ‬أو‭ ‬فيسبوك‭ ‬Facebook‭ ‬أو‭ ‬واتساب‭ ‬WhatsApp‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تطبيق‭ ‬آخر،‭ ‬لندرك‭ ‬معلومة‭ ‬جديدة،‭ ‬علّنا‭ ‬نفرج‭ ‬بذلك‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا‭ ‬هماً‭. ‬ويتزاحم‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬السَبْق‭ ‬النَقْلي‭ ‬للمعلومة،‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يكسبوا‭ ‬رضا‭ ‬متابعيهم،‭ ‬دون‭ ‬التحقق‭ ‬أو‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬صدق‭ ‬تلك‭ ‬المعلومة‭ ‬أو‭ ‬كذبها‭. ‬وكلما‭ ‬زادت‭ ‬الإثارة‭ ‬زاد‭ ‬معها‭ ‬التشجيع‭ ‬والتصفيق،‭ ‬وكلما‭ ‬انتشر‭ ‬الخبر‭ ‬الكاذب‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر،‭ ‬بات‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التصديق‭. ‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬أدنى‭ ‬شكّ‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬إدمان‭ ‬استعمال‭ ‬مخرجات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬خلق‭ ‬أجواء‭ ‬ضبابية،‭ ‬ظاهرها‭ ‬الصفاء،‭ ‬البياض‭ ‬والنقاء،‭ ‬وباطنها‭ ‬الغشاوة‭ ‬وانعدام‭ ‬الرؤية‭ ‬وضلال‭ ‬الطريق‭ ‬والشقاء‭. ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬الإنسان‭ ‬بجرعات‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحوسبة،‭ ‬إذ‭ ‬كلما‭ ‬أخذ‭ ‬جرعة‭ ‬قال‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬مزيد؟‭! ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬الحاسوب‭ ‬رفيقاً‭ ‬لنا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬ثم‭ ‬العمل،‭ ‬أصبح‭ ‬لصيقاً‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬والسفر‭ ‬والمنتقل‭. ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬أيدينا،‭ ‬يرشدنا‭ ‬للطريق،‭ ‬يواصلنا‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والأقرباء،‭ ‬يقضي‭ ‬حوائجنا‭ ‬في‭ ‬التسوق‭ ‬والمشرب‭ ‬والمأكل،‭ ‬يحدد‭ ‬لنا‭ ‬الرحلات‭ ‬ويؤكد‭ ‬الحجوزات،‭ ‬ويخلّص‭ ‬المعاملات‭ ‬الرسمية‭ ‬والتجارية،‭ ‬المالية‭ ‬والبنكية،‭ ‬ويرتب‭ ‬أعمالنا‭ ‬اليومية‭ ‬ويُنَظّم‭ ‬مواعيدنا‭ ‬ضمن‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬مُحْكم،‭ ‬ويُترجم‭ ‬ما‭ ‬نجهله‭ ‬من‭ ‬لغات،‭ ‬ويقرأ‭ ‬ويشرح‭ ‬ويفسر‭ ‬لنا‭ ‬كتب‭ ‬الفِكْر‭ ‬والفلسفة‭ ‬والأديان،‭ ‬ويقصّ‭ ‬علينا‭ ‬روايات‭ ‬اليوم‭ ‬وما‭ ‬فات‭ ‬من‭ ‬الأزمان،‭ ‬يطلعنا‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وجغرافية‭ ‬الأوطان،‭ ‬يعرض‭ ‬لنا‭ ‬صوراً‭ ‬وأفلاماً‭ ‬للقصص‭ ‬والطبيعة‭ ‬وكل‭ ‬حيّ‭ ‬كان،‭ ‬نبتة‭ ‬وحشرة‭ ‬وحيوان‭ ‬وإنسان،‭ ‬ويسمعنا‭ ‬من‭ ‬الموسيقى‭ ‬أعذب‭ ‬الألحان‭ ‬ومن‭ ‬الأغاني‭ ‬أحلى‭ ‬الألوان،‭ ‬ويُذكرنا‭ ‬بالتزاماتنا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬النسيان‭.‬

كان‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات‭ ‬الحاسوبية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬المعرفة‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الإنسان،‭ ‬لتحرره‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬التي‭ ‬يضيعها‭ ‬في‭ ‬الضرورات‭ ‬الخدمية،‭ ‬فيتفرغ‭  ‬للفكر‭ ‬والتأمل‭ ‬والإبداع،‭ ‬وإثراء‭ ‬الكيان‭ ‬الإنساني‭ ‬بالنافع‭ ‬المفيد،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬العالم‭ ‬مسرحاً‭ ‬مجنوناً‭ ‬يجري‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬باتجاه‭ ‬واحد‭ ‬لهثاً‭ ‬وراء‭ ‬الماديات‭ ‬والمعرفة‭ ‬الادعائية،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬الشمولية‭ ‬الواسعة‭ ‬لكل‭ ‬شيء،‭ ‬ومن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬تغيب‭ ‬عنه‭ ‬أهم‭ ‬الأشياء،‭ ‬ولن‭ ‬يدركها‭ ‬أبداً‭ ‬إلا‭ ‬بمنهج‭ ‬علمي‭ ‬وصحبة‭ ‬أستاذ‭ ‬عالم،‭ ‬وقد‭ ‬عُلّمنا‭ ‬بأنّ‭ ‬‮«‬من‭ ‬كان‭ ‬شيخه‭ ‬كتابه،‭ ‬كان‭ ‬خطأُه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬صوابه‮»‬‭.‬

إنّ‭ ‬تحصيل‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الروابط‭ ‬الإلكترونية‭ ‬باب‭ ‬يصعب‭ ‬توثيقه،‭ ‬أو‭ ‬اعتماده‭ ‬مصدراً‭ ‬أصلياً‭ ‬للمعرفة‭ ‬والتحقق‭ ‬من‭ ‬الخبر،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬المساحة‭ ‬المتاحة‭ ‬للكذب‭ ‬والتحوير‭ ‬والتلفيق‭ ‬والتزوير‭. ‬ولأننا‭ ‬نطالع‭ ‬الخبر‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نُدرك‭ ‬صناعة‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يهذبونه‭ ‬ويخرجونه‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬يصل‭ ‬بها‭ ‬إلينا،‭ ‬فالكل‭ ‬يرى‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬نافذته‭ ‬الفكرية،‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الدينية،‭ ‬حيث‭ ‬تتعدد‭ ‬المشارب‭ ‬والمذاهب‭ ‬والطوائف‭ ‬والأديان‭ ‬والأهواء‭. ‬

وليس‭ ‬للعاقل‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬اللجيّ‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬أمواجه‭ ‬بعدم‭ ‬الخوض‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬يستطيع‭ ‬بالتأكيد‭ ‬معرفته‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬شطآنه،‭ ‬مراقباً‭ ‬متأملاً‭.  ‬لقد‭ ‬كثر‭ ‬السفهاء‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬التافهون،‭ ‬ليكونوا‭ ‬قادة‭ ‬التوجيه‭ ‬في‭ ‬الأزياء‭ ‬والآراء،‭ ‬وفي‭ ‬النصيحة‭ ‬والفضيحة،‭ ‬حتى‭ ‬كادوا‭ ‬ينافسون‭ ‬المتخصصين‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬والمعلمين‭ ‬في‭ ‬تشخيص‭ ‬علل‭ ‬المجتمع‭ ‬وتخصيص‭ ‬علاجات‭ ‬الفكر‭ ‬والنفس‭ ‬والبدن‭. ‬وصاروا‭ ‬دعاة‭ ‬وقضاة،‭ ‬وهم‭ ‬لم‭ ‬يبْلغوا‭ ‬حدّ‭ ‬رشد‭ ‬أنفسهم‭ ‬ولا‭ ‬نضج‭ ‬عقولهم‭ ‬وما‭ ‬استطاعوا‭. ‬

ولم‭ ‬يقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬ليتفنن‭ ‬المجرم‭ ‬بإجرامه‭ ‬فيخطف‭ ‬حسابات‭ ‬الهواتف‭ ‬ويتعدى‭ ‬على‭ ‬خصوصية‭ ‬الأفراد‭ ‬وسرية‭ ‬مدخلاتهم‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬وأفلام،‭ ‬ثم‭ ‬يهددهم‭ ‬بنشرها‭ ‬ويبتزهم‭ ‬مادياً‭ ‬ومعنوياً‭. ‬وربما‭ ‬يدس‭ ‬هذا‭ ‬المجرم‭ ‬صوراً‭ ‬فاضحة‭ ‬وأفلاماً‭ ‬مشينة‭ ‬وينشرها‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬أسماء‭ ‬الشخص‭ ‬نفسه،‭ ‬مما‭ ‬يسبب‭ ‬عاراً‭ ‬أو‭ ‬حرجاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يُتّهَم‭ ‬بارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬قانونية،‭ ‬فيضيع‭ ‬وقته‭ ‬ويُستنزَف‭ ‬ماله‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬تبرئة‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفِعل‭ ‬الفاضح‭. ‬بدأ‭ ‬القراصنة‭ ‬المجرمون‭ ‬بالإيميل،‭ ‬وانتهوا‭ ‬بتطبيقات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لنكتشف‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الخروقات‭ ‬لحسابات‭ ‬أشخاص‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬بمكان‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التحذيرات‭ ‬المتواصلة‭ ‬بعدم‭ ‬حفظ‭ ‬الصور‭ ‬والأفلام‭ ‬والأحاديث‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬حافظات‭ ‬الحواسيب‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية،‭ ‬فإنّ‭ ‬السائد‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬اكتراث‭ ‬أغلب‭ ‬المستخدمين‭ ‬لهذه‭ ‬التحذيرات‭. ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬ملجأ‭ ‬آمن‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬مستنقع‭ ‬ينتشر‭ ‬فيه‭ ‬وباء‭. ‬

وباء‭ ‬أصاب‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬الكبير‭ ‬والصغير،‭ ‬الغني‭ ‬والفقير،‭ ‬ولم‭ ‬يرحم‭ ‬أحداً‭. ‬حتى‭ ‬أنّه‭ ‬بات‭ ‬يهدد‭ ‬الأطفال‭ ‬والنشء‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إلهائهم‭ ‬بألعاب‭ ‬خطيرة،‭ ‬تبدأ‭ ‬بالإثارة‭ ‬وتنتهي‭ ‬بالموت‭. ‬

وقد‭ ‬سجل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬حالات‭ ‬انتحار‭ ‬وقتل‭ ‬كان‭ ‬دافعها‭ ‬الأول‭ ‬لعباً‭: ‬مثل‭ ‬‮«‬الحوت‭ ‬الأزرق‭ ‬Blue‭ ‬Whale‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬آخر‭ ‬مراحلها‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار،‭ ‬و«جنية‭ ‬النار‭ ‬Fire‭ ‬Fairy‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعلّم‭ ‬الأطفال‭ ‬اللعب‭ ‬بالنار‭ ‬لحرق‭ ‬أنفسهم‭ ‬أو‭ ‬أهليهم‭ ‬أو‭ ‬مساكنهم،‭ ‬و«كروس‭ ‬فاير‭ ‬Cross‭ ‬Fire‮»‬‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬الأسلحة‭ ‬بهدف‭ ‬التأهيل‭ ‬الإرهابي،‭ ‬أما‭ ‬لعبة‭ ‬‮«‬كونكر‭ ‬Conquer‮»‬‭ ‬فهي‭ ‬لعبة‭ ‬قمار‭ ‬يدفع‭ ‬المستخدم‭ ‬فيها‭ ‬مبلغاً‭ ‬زهيداً‭ ‬مقابل‭ ‬تقاضي‭ ‬مبلغ‭ ‬كبير،‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬يقامر‭ ‬به،‭ ‬فيحس‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بأنّ‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬عليه‭ ‬الربح‭ ‬والكسب،‭ ‬ثم‭ ‬يدرك‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬أنّه‭ ‬خسر‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فيعيد‭ ‬الكَرّة‭ ‬فالكَرّة،‭ ‬حتى‭ ‬يدمن‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬القمار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬ويصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تلبية‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يُطلب‭ ‬منه،‭ ‬فيبيع‭ ‬حوائجه،‭ ‬ثم‭ ‬يبيع‭ ‬أغراض‭ ‬المنزل،‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يتوانى‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصور‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬أخته‭ ‬أو‭ ‬أمه‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬غير‭ ‬لائقة،‭ ‬بائعاً‭ ‬شرفه‭ ‬وعرض‭ ‬أهله‭ ‬والأقرباء‭ ‬والأصدقاء‭ ‬مقابل‭ ‬ثمن‭ ‬زهيد‭. ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الألعاب‭ ‬التي‭ ‬أدمن‭ ‬عليها‭ ‬الصبية،‭ ‬فباتت‭ ‬تأخذ‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬وقتهم‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬دمار‭ ‬حياتهم‭ ‬أو‭ ‬موتهم‭ ‬أو‭ ‬موت‭ ‬أقاربهم‭ ‬بطرق‭ ‬مأساوية‭. ‬وصار‭ ‬الكسل‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬وصار‭ ‬الحاسوب‭ ‬أو‭ ‬اللعبة‭ ‬ربّهم‭ ‬الذي‭ ‬يرزقهم‭ ‬ويطعمهم‭ ‬ويسقيهم‭! ‬

ومع‭ ‬الأسف،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭ ‬ورقابتها‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭ ‬بدأ‭ ‬يتراجع‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الصعد‭ ‬والمستويات،‭ ‬ولِمَ‭ ‬لا‭ ‬والكل‭ ‬عن‭ ‬الكلِّ‭ ‬منشغل‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يُغني‭ ‬ولا‭ ‬ينفع؟‭!‬

الوالدان‭ ‬لا‭ ‬يستطيعان‭ ‬حلّ‭ ‬مشاكل‭ ‬أبنائهم‭ ‬وبناتهم،‭ ‬بسبب‭ ‬الانشغال‭ ‬بالعمل‭ ‬أولاً‭ ‬وبعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬ثانياً،‭ ‬فعادة‭ ‬ما‭ ‬يتأخران‭ ‬عن‭ ‬معالجة‭ ‬أي‭ ‬مشكلة،‭ ‬ثم‭ ‬تقع‭ ‬الكارثة‭ ‬بانحراف‭ ‬الابن‭ ‬أو‭ ‬الابنة،‭ ‬فيصدمان‭ ‬بالمأساة،‭ ‬وتفشل‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬لهما‭ ‬بعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭. ‬

ومهما‭ ‬كانت‭ ‬المحاولات،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬اعتقال‭ ‬قرصان‭ ‬‮«‬الحوت‭ ‬الأزرق‮»‬‭ ‬ومحاكمته‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬فإنّ‭ ‬الأُسَر‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬أبناءها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬رفع‭ ‬دعاوى‭ ‬قضائية‭ ‬على‭ ‬المتهم،‭ ‬وذلك‭ ‬للنقص‭ ‬التشريعي‭ ‬في‭ ‬قوانين‭ ‬الجزاء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭. ‬وقد‭ ‬طالعتنا‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المصرية‭ ‬أخيراً‭ ‬بالتحرك‭ ‬الشعبي‭ ‬والحكومي‭ ‬لمنع‭ ‬الكوارث‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬الانتشار،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬وتفعيلها‭ ‬لحماية‭ ‬الأطفال‭ ‬والأجيال‭ ‬الناشئة‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬قراصنة‭ ‬الحواسيب‭. ‬

ولعل‭ ‬البعض‭ ‬يتساءل‭: ‬كيف‭ ‬يتسنى‭ ‬للمُشرّع‭ ‬القانوني‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬أحكاماً‭ ‬لقانون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬بعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬ميدان‭ ‬تخصصه،‭ ‬وهو‭ ‬الحاسوب‭ ‬والبرمجة‭ ‬الحاسوبية،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬الإلمام‭ ‬بفحواه‭ ‬وتركيبه‭ ‬وكيفية‭ ‬عمله‭ ‬ونتائج‭ ‬تشغيله،‭ ‬أو‭ ‬يواكب‭ ‬مجريات‭ ‬تغيراته‭ ‬وتراتب‭ ‬موضوعاته،‭ ‬أو‭ ‬يفقه‭ ‬أبعاده‭ ‬وأهدافه؟‭! ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬يلجأ‭ ‬المُشرع‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالخبراء،‭ ‬ليشرحوا‭ ‬له‭ ‬المشكلات‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬البرامج‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وآثارها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬ليقوم‭ ‬بدوره‭ ‬بوضع‭ ‬نصوص‭ ‬قانونية‭ ‬تنظم‭ ‬ممارسة‭ ‬البرامج‭ ‬والتطبيقات‭ ‬بأسلوب‭ ‬يحمي‭ ‬المُنتِج‭ ‬والمستَخدِم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬أضرار‭ ‬تلحق‭ ‬بهم‭ ‬جراء‭ ‬العمل‭ ‬بهذا‭ ‬البرنامج‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬التطبيق،‭ ‬وتكون‭ ‬القاعدة‭ ‬الأولى‭ ‬لانطلاقه‭ ‬التشريعي‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ضرر‭ ‬ولا‭ ‬ضرار‮»‬‭. ‬

وفي‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬يتعسف‭ ‬المُشرّع‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬مواد‭ ‬قانونية‭ ‬رادعة‭ ‬لاستخدامات‭ ‬بسيطة،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فإنّه‭ ‬يغفل‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يُدرك‭ ‬مدى‭ ‬تغير‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬السريع،‭ ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬بطء‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬القوانين‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام‭.‬

إن‭ ‬المصائب‭ ‬والمصاعب‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تُلقي‭ ‬بظلالها‭ ‬السوداء‭ ‬الغامضة‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬المحترف‭ ‬والمتخصص‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬الخَلَل‭ ‬والعطْل‭ ‬والمرَض،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬يصلح‭ ‬القاضي‭ ‬خللاً‭ ‬في‭ ‬الطائرة‭ ‬أو‭ ‬يُشَخّص‭ ‬الطبيب‭ ‬عطلاً‭ ‬في‭ ‬السيارة،‭ ‬أو‭ ‬يقوّم‭ ‬النجار‭ ‬أسنان‭ ‬الفم،‭ ‬أو‭ ‬يفتي‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬بدواء‭ ‬يشفي‭ ‬مرضى‭ ‬السرطان‭. ‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأوْلى‭ ‬والأصح‭ ‬أن‭ ‬تناط‭ ‬مسألة‭ ‬سن‭ ‬التشريعات‭ ‬الحاسوبية‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬المتخصصة‭ ‬بالحاسوب‭ ‬والتواصل‭ ‬والاتصال،‭ ‬وليس‭ ‬الجهة‭ ‬المعنية‭ ‬بإصدار‭ ‬القوانين،‭ ‬فالرقابة‭ ‬المسبقة‭ ‬لها‭ ‬أكبر‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬الجريمة،‭ ‬وهي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬صلاحياتها‭ ‬منوطة‭ ‬بجهة‭ ‬غير‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية‭. ‬ومهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإنّ‭ ‬التشريعات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬جهة‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬اختصاص‭ ‬بخبرات‭ ‬دقيقة،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تلقى‭ ‬فشلاً،‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭ ‬وإما‭ ‬في‭ ‬التعليق،‭ ‬زيادة‭ ‬على‭ ‬تعقّد‭ ‬إجراءات‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبات‭.‬

‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فإنّ‭ ‬أنظمة‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬الإدارية‭ ‬والرقابية،‭ ‬تفتقر‭ ‬لجهاز‭ ‬فني‭ ‬وإداري‭ ‬محترف‭ ‬ومتخصص‭ ‬يقوم‭ ‬بالإشراف‭ ‬والمتابعة‭ ‬والمعالجة‭ ‬والتنفيذ‭ ‬للمشاكل‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الحاسوبية‭ ‬الجديدة‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأجدر‭ ‬الأخذ‭ ‬بالقوانين‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬منظمات‭ ‬عالمية‭ ‬محترمة‭ ‬ومعتبرة،‭ ‬وترجمتها‭ ‬وصياغتها‭ ‬وسد‭ ‬فراغات‭ ‬العيب‭ ‬والنقص‭ ‬فيها‭ ‬بأسلوب‭ ‬يتوافق‭ ‬وحياة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬حسب‭ ‬دستور‭ ‬وقوانين‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬حدة‭.‬

ونتيجة‭ ‬لما‭ ‬سبق‭ ‬من‭ ‬الأسباب،‭ ‬نرى‭ ‬تأخر‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬منظومة‭ ‬حاسوبية‭ ‬متكاملة‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع‭ ‬والدولة‭. ‬ولا‭ ‬نخفي‭ ‬حقيقة‭ ‬حين‭ ‬نقول‭ ‬إنّ‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬جعلت‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬آخر‭ ‬همّ‭ ‬لها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنّ‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬باتت‭ ‬تتصدر‭ ‬إحصائياً‭ ‬نسبة‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ففي‭ ‬قائمتها‭ ‬يأتي‭ ‬القتل‭ ‬والسرقة‭ ‬والسلب‭ ‬والنهب‭ ‬وغسل‭ ‬الأموال‭ ‬وترويج‭ ‬المخدرات‭ ‬والفسق‭ ‬والفجور‭ ‬والاتجار‭ ‬بالرقيق‭ ‬الأبيض‭ ‬والسبّ‭ ‬والقذف‭ ‬واستغلال‭ ‬الأطفال‭.‬

لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬طريقاً‭ ‬لانتقال‭ ‬عدوى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تُستغل‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة‭ ‬والعلم،‭ ‬صارت‭ ‬معولاً‭ ‬لهدم‭ ‬الثقافات‭ ‬والأديان‭ ‬والمُثُل‭ ‬والأخلاق‭. ‬والغريب‭ ‬أنّها‭ ‬كادت‭ ‬تبرمج‭ ‬المتلقي‭ ‬على‭ ‬الشكّ‭ ‬بكل‭ ‬محصلة‭ ‬الفضائل‭ ‬من‭ ‬الأديان،‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أخلاقي‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسان،‭ ‬لتعبث‭ ‬بالنفوس‭ ‬تلفيقاً‭ ‬وتفسيقاً‭. ‬وتفشت‭ ‬العدوى‭ ‬لتشمل‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬تقنياً‭ ‬وصناعياً،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطويعها‭ ‬لمستقبل‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬انطلاقه،‭ ‬فلا‭ ‬هي‭ ‬تكاد‭ ‬ترى‭ ‬ذيوله،‭ ‬ولا‭ ‬استطاعت‭ ‬قياس‭ ‬مدى‭ ‬سرعته‭. ‬وجاءت‭ ‬التشريعات‭ ‬القانونية‭ ‬كالإشارات‭ ‬الضوئية‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬تهدئ‭ ‬السير‭ ‬وتُنَظّم‭ ‬المسيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تمنع‭ ‬التدفق‭ ‬والدهس‭ ‬ولم‭ ‬تحلّ‭ ‬أزمة‭ ‬الزحام‭. ‬

وغداً‭ ‬عندما‭ ‬ينهار‭ ‬نظام‭ ‬الحاسوب‭ ‬القديم،‭ ‬ويأتي‭ ‬نظام‭ ‬أكثر‭ ‬تطوراً‭ ‬وتمكيناً،‭ ‬وتبدأ‭ ‬مرحلة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬جديدة،‭ ‬يحافظ‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬هويته‭ ‬وأمواله‭ ‬ومعلوماته‭ ‬الشخصية،‭ ‬ربما‭ ‬بزرع‭ ‬رقائق‭ ‬رقمية‭ ‬برمجية‭ ‬تحت‭ ‬الجلد‭! ‬فيكون‭ ‬هذا‭ ‬منتهى‭ ‬غايات‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬البوليسية‭ ‬غير‭ ‬الناضجة،‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬ومراقبتها،‭ ‬وادعاء‭ ‬أنها‭ ‬إنما‭ ‬تقوم‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭ ‬ومحاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والفساد‭ ‬وغسل‭ ‬الأموال‭ ‬والجرائم‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭.‬

إنّ‭ ‬السلاح‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬الطاغية،‭ ‬يُعطي‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬وحكوماتها‭ ‬قوة‭ ‬غير‭ ‬محدودة‭ ‬وغير‭ ‬مأمونة‭ ‬العواقب،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬اكتسابها‭ ‬سلطات‭ ‬أثيرة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬لا‭ ‬متناهية‭. ‬هنالك‭ ‬سيصبح‭ ‬العالم‭ ‬فئتين؛‭ ‬سادة‭ ‬يملكون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭: ‬المال‭ ‬والماء‭ ‬والسُلطة‭ ‬والقوة‭ ‬والطعام،‭ ‬وخدم‭ ‬وعبيد‭ ‬يُعْطَوْن،‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬تُسلَبُ‭ ‬منهم‭ ‬الثروات‭ ‬والأقوات،‭ ‬ويُلقى‭ ‬عليهم‭ ‬الفتات‭.‬

عصر‭ ‬جديد،‭ ‬تنهار‭ ‬فيه‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬والمُثُل،‭ ‬لا‭ ‬دور‭ ‬فيه‭ ‬للإبداع‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬الشاق‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬للأعمال‭ ‬الحرّة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عمل‭ ‬فسيكون‭ ‬مجرد‭ ‬سُخرة‭.‬

وسيأتي‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬يوم‭ ‬يشحّ‭ ‬فيه‭ ‬الماء‭ ‬تلوثاً‭ ‬ونضوباً،‭ ‬وتجف‭ ‬الأرض‭ ‬فلا‭ ‬تجد‭ ‬زرعاً‭ ‬ولا‭ ‬ضرعاً‭. ‬عندها،‭ ‬لن‭ ‬تصبح‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬مطلباً،‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬الحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لأبسط‭ ‬الحاجات‭ ‬الإنسانية؛‭ ‬الماء‭ ‬والطعام‭. ‬ويعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬افتراضي،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الحقيقي،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬بُرمج‭ ‬عليه،‭ ‬ليكون‭ ‬جهازاً‭ ‬كبقية‭ ‬الأجهزة،‭ ‬قابلاً‭ ‬للتشغيل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬ومتى‭ ‬ما‭ ‬انتهى‭ ‬دوره‭ ‬فما‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬المركزي‭ ‬العام‭ ‬إلا‭ ‬قطع‭ ‬تيار‭ ‬التواصل‭ ‬معه،‭ ‬فلا‭ ‬يستقبل‭ ‬ولا‭ ‬يُرسل،‭ ‬فتكون‭ ‬النهاية‭ ‬Shutdown‭ ‬■