حياكة الصوف الترياق المثالي لصخب الحياة المعاصرة

حياكة الصوف الترياق المثالي لصخب الحياة المعاصرة

في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحالي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أول‭ ‬تعليق‭ ‬يسمعه‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يحيك‭ ‬شالاً‭ ‬من‭ ‬الصوف،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬قطعة‭ ‬ملابس‭ ‬أخرى‭: ‬لماذا‭ ‬تعذّب‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬حياكة‭ ‬هذا‭ ‬الشال؟‭ ‬لماذا‭ ‬تكلف‭ ‬نفسك‭ ‬عناء‭ ‬الحياكة‭ ‬لوقت‭ ‬طويل،‭ ‬بينما‭ ‬يمكنك‭ ‬شراء‭ ‬شال‭ ‬آخر‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬بسعر‭ ‬أرخص‭ ‬بكثير؟‭ ‬لماذا‭ ‬تنفق‭ ‬50‭ ‬دولارًا‭ (‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭) ‬على‭ ‬خيوط‭ ‬الصوف‭ ‬وتقضي‭ ‬أسبوعًا‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحياكة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مجرد‭ ‬شال‭ ‬بسيط؟

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التعليقات‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬الصحيحة‭ ‬في‭ ‬ظاهرها،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬الأعمق‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حياكة‭ ‬هذا‭ ‬الشال‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قطعة‭ ‬الملابس‭ ‬هذه‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬ففي‭ ‬عملية‭ ‬الحياكة‭ ‬هذه‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الاعتراض‭ ‬والاستقلالية،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬التقاليد‭ ‬والاسترخاء‭ ‬والنشاط‭ ‬والعافية،‭ ‬أيضًا‭.‬

 

الحياكة‭ ‬وسيلة‭ ‬للاعتراض‭ ‬

المستهلكون‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بدأوا‭ ‬يتنبهون‭ ‬إلى‭ ‬خلفية‭ ‬ما‭ ‬يرتدونه‭ ‬من‭ ‬ملابس‭ ‬وما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬إنتاجها،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬حركة‭ ‬االملابس‭ ‬البطيئةب،‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬يعادل‭ ‬فكرة‭ ‬االطعام‭ ‬البطيءب‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬الأطعمة‭ ‬المحلية‭ ‬وطرق‭ ‬الطبخ‭ ‬التقليدية،‭ ‬وتعتمد‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭ ‬خاصة‭ ‬للتفكير‭ ‬وشراء‭ ‬الملابس‭ ‬وارتدائها‭ ‬لضمان‭ ‬إضفائها‭ ‬المعنى‭ ‬والقيمة‭ ‬والفرح‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭.‬

تقول‭ ‬الكاتبة‭ ‬إليزابيت‭ ‬كلاين‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬االمبالغة‭ ‬في‭ ‬اللبس‭... ‬التكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬الصادمة‭ ‬للأزياء‭ ‬الرخيصةب،‭ ‬إن‭ ‬سعر‭ ‬الملابس‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬رخيصًا‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬استهلاكها‭ ‬مرة‭ ‬واحدة،‭ ‬والتخلص‭ ‬منها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬واستبدال‭ ‬قطع‭ ‬أخرى‭ ‬بها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لذلك‭ ‬ثمنًا‭ ‬باهظًا‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬هدر‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬المحدودة‭.‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬أفضل‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬الملابس‭ ‬البطيئة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الحياكة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مرتكزاتها،‭ ‬لأنها‭ ‬النقيض‭ ‬للأزياء‭ ‬السريعة،‭ ‬إذ‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬منتجات‭ ‬عالية‭ ‬الجودة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأشخاص‭ ‬يكونون‭ ‬قد‭ ‬استثمروا‭ ‬مالًا‭ ‬ووقتًا‭ ‬وجهدًا‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الحياكة‭ ‬يصبح‭ ‬ما‭ ‬صنعوه‭ ‬أكثر‭ ‬قيمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يمكنهم‭ ‬شراؤه‭ ‬من‭ ‬السوق‭.‬

وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬بما‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬أصبحنا‭ ‬نعتمد‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬والشركات‭ ‬لأداء‭ ‬مهام‭ ‬متخصصة‭ ‬تلبي‭ ‬مختلف‭ ‬احتياجاتنا،‭ ‬فالحياكة‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬لاستعادة‭ ‬استقلاليتنا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬التي‭ ‬تعطينا‭ ‬الرضا‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬بشأن‭ ‬تحمّل‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬ملابسنا،‭ ‬وإرسال‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الصناعة‭ ‬مفادها‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

 

تقليد‭ ‬تتوارثه‭ ‬الأجيال

وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬أخذ‭ ‬كرة‭ ‬من‭ ‬الصوف‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬كنزة‭ ‬أو‭ ‬قبّعة‭ ‬أو‭ ‬زوج‭ ‬من‭ ‬الجوارب‭ ‬يوازي‭ ‬التشبث‭ ‬بالأرض‭ ‬والتقاليد،‭ ‬ويحاكي‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل‭ ‬لحائكي‭ ‬الصوف‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭.‬

فمن‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬الحياكة‭ ‬هناك‭ ‬احتفاء‭ ‬بذكرياتنا‭ ‬عن‭ ‬الوالدة‭ ‬والجدة‭ ‬وهما‭ ‬تحيكان‭ ‬قطعتهما‭ ‬المنتظرة،‭ ‬وعيوننا‭ ‬تراقب‭ ‬إيقاع‭ ‬العقد‭ ‬التي‭ ‬تحيكها،‭ ‬وهي‭ ‬تربط‭ ‬بمهارة‭ ‬وانتظام‭ ‬خيوط‭ ‬الصوف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدخال‭ ‬صنارتها‭ ‬فيها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تدمجها‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬متراصّة‭ ‬صفًّا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬براعة‭ ‬تامة،‭ ‬بينما‭ ‬تتجسد‭ ‬بهجة‭ ‬الألوان‭ ‬والأشكال‭ ‬بطريقة‭ ‬أخّاذة‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬وذكرياتنا،‭ ‬أيضًا،‭ ‬عن‭ ‬عائلة‭ ‬مجتمعة‭ ‬تحيك‭ ‬جهازًا‭ ‬لمولود‭ ‬جديد‭ ‬تنتظره‭ ‬في‭ ‬تنسيق‭ ‬تام‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬لتؤمّن‭ ‬كل‭ ‬مستلزماته‭.‬

فالحياكة‭ ‬تراث‭ ‬سافر‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الجوارب‭ ‬حيكت‭ ‬بصنارة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬القطن‭ ‬الأبيض‭ ‬والبنفسجي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬القرنين‭ ‬11‭ ‬و14‭ ‬الميلادي،‭ ‬حيث‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬المصريين‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬اخترعوا‭ ‬الحياكة‭ ‬لتوفير‭ ‬الوقت‭ ‬والطاقة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬ملابسهم،‭ ‬وحيث‭ ‬كان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬التي‭ ‬حاكوها‭ ‬مزيّنًا‭ ‬بعبارات‭ ‬عربية‭ ‬محبوكة‭ ‬فيها‭ ‬لجلب‭ ‬البركة،‭ ‬أو‭ ‬برموز‭ ‬لدرء‭ ‬الحظ‭ ‬السيئ،‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬القطع‭ ‬المحيكة‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬شرقي‭ ‬سورية‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الحقبة‭ ‬نفسها‭. ‬وكان‭ ‬العرب‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬أدخلوا‭ ‬فن‭ ‬الحياكة‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا‭ ‬عبر‭ ‬طرق‭ ‬التجارة‭ ‬المتوسطية،‭ ‬فكانت‭ ‬الفتيات‭ ‬العربيات‭ ‬يحكن‭ ‬الملابس‭ ‬والإكسسوارات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الطقوس‭ ‬الدينية‭ ‬للعائلة‭ ‬المالكة‭ ‬الإسبانية‭ ‬وبعض‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭.‬

 

روائع‭ ‬فن‭ ‬الحياكة

كان‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬روائع‭ ‬فن‭ ‬الحياكة‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬أولئك‭ ‬الفتيات‭ ‬أغطية‭ ‬وسائد‭ ‬حرير‭ ‬عربية‭ ‬متماسكة‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬المقابر‭ ‬الملكية‭ ‬بشمال‭ ‬إسبانيا،‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭.‬

ومع‭ ‬حلول‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬عشر،‭ ‬وصل‭ ‬فن‭ ‬الحياكة‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬أنحاء‭ ‬أوربا،‭ ‬وأصبح‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الحرفيين‭ ‬ذوي‭ ‬المهارات‭ ‬العالية‭. ‬

وقد‭ ‬انتشر‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬نقابات‭ ‬للحياكة‭ ‬بفرنسا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1268‭ ‬كانت‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬اجتياز‭ ‬اختبارات‭ ‬معيّنة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬العضوية‭ ‬فيها‭.‬

وباستخدام‭ ‬خيوط‭ ‬رفيعة‭ ‬جدًا‭ ‬مزيّنة‭ ‬بخيوط‭ ‬ذهبية،‭ ‬صنع‭ ‬الحرفيون‭ ‬الأوربيون‭ ‬المهرة‭ ‬قفازات‭ ‬وأغطية‭ ‬وسائد‭ ‬وحقائب‭ ‬أثرية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬جوارب‭ ‬وأكمام‭ ‬ومشدات‭ ‬وأكياس‭ ‬تربط‭ ‬بخيط‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الأعلى‭ ‬وقطع‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الجمال‭.‬

‭ ‬

لائحة‭ ‬طويلة‭ ‬

لكن‭ ‬الحياكة‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬كنزة‭ ‬صوفية‭ ‬أو‭ ‬شال‭ ‬أو‭ ‬قبعة‭ ‬جديدة،‭ ‬ولكنها‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تعطينا‭ ‬إحساسًا‭ ‬بالصفاء‭ ‬والراحة،‭ ‬وتوفر‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الرضا‭ ‬الحسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لمسة‭ ‬الخيوط‭ ‬الناعمة‭ ‬والثراء‭ ‬البصري‭ ‬لطائفة‭ ‬من‭ ‬الألوان‭ ‬والأشكال،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الرضا‭ ‬العاطفي‭ ‬لإنتاج‭ ‬الجمال‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عملي‭.‬

وبذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحياكة‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هادئًا‭ ‬ونشيطًا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬بالهدوء‭ ‬العميق،‭ ‬تنشط‭ ‬الحياكة‭ ‬حواسه‭ ‬جسديًّا‭ ‬وعاطفيًّا‭ ‬ومعرفيًّا‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الطبية‭ ‬البحتة،‭ ‬فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬الحديثة‭ ‬أن‭ ‬الحياكة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والقلق‭ ‬وتبطئ‭ ‬ظهور‭ ‬الخرف‭ ‬وتشتّت‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬الآلام‭ ‬المزمنة‭.‬

يقول‭ ‬د‭. ‬هربرت‭ ‬بنسون،‭ ‬وهو‭ ‬رائد‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬طب‭ ‬العقل‭ ‬والجسم،‭ ‬ومؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬االاستجابة‭ ‬في‭ ‬الاسترخاءب،‭ ‬إن‭ ‬الفعل‭ ‬المتكرر‭ ‬للصنارة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الحياكة،‭ ‬مثل‭ ‬الإيقاع‭ ‬الثابت‭ ‬لنبضات‭ ‬القلب،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحفّز‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاسترخاء‭ ‬كتلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتأمل‭ ‬واليوغا‭. ‬

ولتأكيد‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬وجدت‭ ‬دراسة‭ ‬أجراها‭ ‬معهد‭ ‬العقل‭ ‬والجسم‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬بجامعة‭ ‬هارفارد،‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬أنه‭ ‬فور‭ ‬تجاوز‭ ‬مرحلة‭ ‬التعلم‭ ‬الأولية‭ ‬تساعد‭ ‬الحياكة‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬معدل‭ ‬ضربات‭ ‬القلب‭ ‬بمعدل‭ ‬11‭ ‬نبضة‭ ‬في‭ ‬الدقيقة،‭ ‬وتخفض‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬وتقلل‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬هرمون‭ ‬الكورتيزول‭ ‬الضارة‭ ‬في‭ ‬الدم‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الحياكة‭ ‬كانت‭ ‬توصف‭ ‬للنساء‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬لمعالجة‭ ‬حالات‭ ‬القلق‭ ‬والهيستيريا‭.‬

 

روابط‭ ‬العقد

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أنشأت‭ ‬بيتسان‭ ‬كوركهيل،‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬مدربة‭ ‬للعافية‭ ‬في‭ ‬إنجلترا،‭ ‬ومؤلفة‭ ‬كتاب‭ ‬امارس‭ ‬الحياكة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الصحة‭ ‬والعافيةب،‭ ‬موقعًا‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬بعنوان‭ ‬اروابط‭ ‬العقدب،‭ ‬لاستكشاف‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تسمّيه‭ ‬بالحياكة‭ ‬العلاجية،‭ ‬وجدت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المستجيبين‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬أكد‭ ‬54‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬المصابين‭ ‬بالاكتئاب‭ ‬السريري‭ ‬أن‭ ‬الحياكة‭ ‬جعلتهم‭ ‬يشعرون‭ ‬بالسعادة،‭ ‬ووضعتهم‭ ‬بحالة‭ ‬نفسية‭ ‬أفضل‭. ‬

وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬آثارها‭ ‬المهدئة،‭ ‬يمكن‭ ‬للحياكة‭ ‬أن‭ ‬تصرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬الآلام‭ ‬المزمنة،‭ ‬حيث‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬التركيز‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكدته‭ ‬دراسة‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬مدربة‭ ‬العافية‭ ‬كوركهيل‭ ‬شملت‭ ‬60‭ ‬شخصًا‭ ‬يعانون‭ ‬ألمًا‭ ‬مزمنًا،‭ ‬أظهرت‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬الحياكة‭ ‬مكّنتهم‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬توجيه‭ ‬تركيزهم،‭ ‬وأبعدته‭ ‬عن‭ ‬وعيهم‭ ‬المباشر‭ ‬بالألم،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬الحركات‭ ‬المتكررة‭ ‬للصنارة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الحياكة‭ ‬تنشط‭ ‬هرمون‭ ‬السيروتونين‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحسّن‭ ‬المزاج،‭ ‬ويساعد‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬بأمور‭ ‬أكثر‭ ‬إيجابية‭. ‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬فوائد‭ ‬الحياكة‭ ‬العلاجية‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أظهرته‭ ‬دراسة‭ ‬أجريت‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬ونشرت‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬العصبي‭ ‬وعلم‭ ‬الأعصاب‭ ‬السريري،‭ ‬أشرف‭ ‬عليها‭ ‬باحثون‭ ‬بقيادة‭ ‬د‭. ‬يوناس‭ ‬جيدا،‭ ‬وهو‭ ‬طبيب‭ ‬نفسي‭ ‬بعيادة‭ ‬مايو‭ ‬كلينيك‭ ‬في‭ ‬روتشستر،‭ ‬مينيسوتا،‭ ‬أجروا‭ ‬فيها‭ ‬مقابلات‭ ‬مع‭ ‬عيّنة‭ ‬عشوائية‭ ‬من‭ ‬1321‭ ‬شخصًا‭ ‬تراوحت‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬70‭ ‬و89‭ ‬عامًا،‭ ‬معظمهم‭ ‬طبيعيون‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإدراكية،‭ ‬وسألوهم‭ ‬عن‭ ‬الأنشطة‭ ‬المعرفية‭ ‬التي‭ ‬بدأوا‭ ‬يشاركون‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬من‭ ‬حياتهم‭.‬

فوجدوا‭ ‬أن‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يمارسون‭ ‬مهنًا‭ ‬حرفية،‭ ‬مثل‭ ‬الحياكة،‭ ‬انخفضت‭ ‬احتمالات‭ ‬إصابتهم‭ ‬بالضعف‭ ‬الإدراكي‭ ‬وفقدان‭ ‬الذاكرة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬التركيز‭ ‬الذي‭ ‬تتطلبه‭ ‬عملية‭ ‬الحياكة‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬تمارين‭ ‬بعلم‭ ‬الرياضيات‭ ‬ضرورية‭ ‬لإتقان‭ ‬التصاميم‭ ‬والمقاسات‭ ‬الصحيحة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬في‭ ‬درء‭ ‬انخفاض‭ ‬وظائف‭ ‬المخ‭ ‬مع‭ ‬تقدّم‭ ‬العمر‭. ‬

ولكل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الحياكة‭ ‬هي‭ ‬الترياق‭ ‬المثالي‭ ‬لصخب‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬حيث‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان،‭ ‬الذي‭ ‬نتقن‭ ‬فيه‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التقنيات‭ ‬الرقمية‭ ‬صغارًا‭ ‬وكبارًا،‭ ‬بدأنا‭ ‬نبتعد‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬الأعمال‭ ‬اليدوية‭ ‬التي‭ ‬تمثّل‭ ‬وسيلة‭ ‬قوية‭ ‬للتعلم‭ ‬ولتنمية‭ ‬المهارات‭ ‬المعرفية‭ ‬وتطوير‭ ‬الإدراك‭ ‬الحسي،‭ ‬ولفهم‭ ‬العالم‭ ‬ثلاثي‭ ‬الأبعاد‭ ‬واستيعاب‭ ‬المفاهيم‭ ‬المجردة،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬الهدوء‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬الضجيج‭ ‬المتواصل‭ .