الغزو في الزمن العابس

يمكن‭ ‬الزعم‭ ‬بأنّ‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬بشارة‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬العلاقات‭ ‬الكويتية‭ - ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمله‭ ‬دبلوماسيًّا‭ ‬كويتيًّا‭ ‬تنقّل‭ ‬في‭ ‬مناصب‭ ‬عدة،‭ ‬حيث‭ ‬مثّل‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬تولى‭ ‬منصب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭.‬

بعد‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬‮«‬حروب‭ ‬الكويت‭ ‬الدبلوماسية‭ (‬1961‭ -  ‬1963‭)‬‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تطرّق‭ ‬خلاله‭ ‬لأزمة‭ ‬مزاعم‭ ‬عبدالكريم‭ ‬قاسم‭ ‬بتبعية‭ ‬الكويت‭ ‬للواء‭ ‬البصرة،‭ ‬يأتي‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الغزو‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬العابس‮»‬،‭ ‬ليوضح‭ ‬خلاله‭ ‬مسيرة‭ ‬العلاقات‭ ‬الكويتية‭ - ‬العراقية‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬عام‭ ‬1920‭ ‬وتعرّجاتها‭ ‬المؤلمة‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬وعقود‭ ‬طويلة،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬أنظمة‭ ‬سياسية‭ ‬متنوعة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬انقلاب‭ ‬1958‭ ‬الدموي‭ ‬الذي‭ ‬أطاح‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬الكويت‭ ‬عملت‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬علاقات‭ ‬طيّبة‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬دون‭ ‬كلل،‭ ‬وبحث‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬لتحسين‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬وإيجاد‭ ‬الأرضية‭ ‬المناسبة‭ ‬لحسم‭ ‬قضية‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬بموجب‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والرسائل‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الحكومتين‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لكنّ‭ ‬التقاعس‭ ‬والتردد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬العراقية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬جعل‭ ‬المسألة‭ ‬متعطلة‭ ‬لأمد‭ ‬طويل‭.‬

يشير‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬العجير‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬وسلطان‭ ‬نجد،‭ ‬الإمام‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود،‭ ‬وممثل‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬البريطاني،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬مثّل‭ ‬الكويت‭ ‬المقيم‭ ‬السياسي‭ ‬البريطاني‭ ‬فيها‭ ‬الميجور‭ ‬مور‭.‬

كان‭ ‬المندوب‭ ‬السامي‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬السير‭ ‬بيرسي‭ ‬كوكس‭ ‬هو‭ ‬ممثل‭ ‬العراق‭ ‬عند‭ ‬عقد‭ ‬تلك‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬وكان‭ ‬حضوره‭ ‬طاغيًا‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الميجور‭ ‬مور،‭ ‬ممثّل‭ ‬الكويت،‭ ‬ظل‭ ‬صامتًا‭ ‬أثناء‭ ‬عقد‭ ‬ذلك‭ ‬المؤتمر،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭.‬

تلك‭ ‬الاتفاقية‭ ‬بيّنت‭ ‬حدود‭ ‬الكويت‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬ومع‭ ‬السعودية،‭ ‬وتم‭ ‬تبادل‭ ‬رسائل‭ ‬بين‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح،‭ ‬حاكم‭ ‬الكويت،‭ ‬والمندوب‭ ‬السامي‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬

وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متاحًا‭ ‬أمام‭ ‬الكويت‭ ‬وقيادتها‭ ‬أن‭ ‬تعترض‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بنظر‭ ‬الاعتبار‭ ‬طبيعة‭ ‬الأوضاع‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬آنذاك‭. ‬لكنّ‭ ‬الاتفاقية‭ ‬بينت‭ ‬حدودًا‭ ‬للكويت‭ ‬مع‭ ‬الجارتين،‭ ‬ومع‭ ‬العراق‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬ومحدد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬عندما‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬دخول‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أكد‭ ‬حدوده‭ ‬مع‭ ‬الكويت‭ ‬برسائل‭ ‬متبادلة‭ ‬مع‭ ‬حاكم‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1932‭.‬

 

تقاعس‭ ‬وتبعية

بيد‭ ‬أن‭ ‬الأنظمة‭ ‬العراقية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تتقاعس‭ ‬عن‭ ‬التزاماتها‭ ‬بموجب‭ ‬تلك‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والرسائل‭ ‬الرسمية‭ ‬المعتمدة‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬السلطات‭ ‬فيها،‭ ‬وجرت‭ ‬محاولات‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬الراحل،‭ ‬غازي،‭ ‬للادعاء‭ ‬بتبعية‭ ‬الكويت‭ ‬للعراق‭.‬

يشير‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬غازي‭ ‬كان‭ ‬مختلفًا‭ ‬عن‭ ‬أبيه،‭ ‬فيصل‭ ‬الأول،‭ ‬حيث‭ ‬اتّسم‭ ‬بعدم‭ ‬الثبات‭ ‬العقلاني‭. ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالكويت‭ ‬أوضح‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬غازي‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬إثارة‭ ‬الكويتيين‭ ‬ودفعهم‭ ‬لمناوأة‭ ‬حاكم‭ ‬الكويت‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬الجابر‭. ‬لكن‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬الملك‭ ‬غازي‭ ‬انتهت‭ ‬بوفاته‭ ‬إثر‭ ‬حادث‭ ‬سيارة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1939‭. ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬طلب‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬العراق‭ ‬آنذاك،‭ ‬توفيق‭ ‬السويدي،‭ ‬إعداد‭ ‬دراسة‭ ‬عن‭ ‬الكويت‭ ‬ووضع‭ ‬تصوّر‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬توفير‭ ‬منفذ‭ ‬بحري‭ ‬للعراق‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأراضي‭ ‬الكويتية،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬مختلف‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الملكي‭ ‬كانت‭ ‬لديهم‭ ‬أوهام‭ ‬حول‭ ‬الكويت،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تفاوت‭ ‬في‭ ‬مضامينها‭ ‬وبدت‭ ‬بعضها‭ ‬ذات‭ ‬صبغة‭ ‬قومية‭ ‬عربية،‭ ‬وأخرى‭ ‬ذات‭ ‬دوافع‭ ‬محلية‭ ‬عراقية‭.‬

ولذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الكويت‭ ‬والعراق،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هادئة‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الحكم‭ ‬الملكي،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مريحة‭ ‬للكويت،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكن‭ ‬الطرفان‭ ‬من‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬بموجب‭ ‬المعاهدات‭ ‬والرسائل‭ ‬الرسمية‭ ‬المعتمدة‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬والعراق‭.‬

وعندما‭ ‬عقد‭ ‬العراق‭ ‬والأردن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الهاشمي‭ ‬أرادت‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬أن‭ ‬تضم‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬لكنّ‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬الصباح‭ ‬كان‭ ‬حاذقًا،‭ ‬ولم‭ ‬يتجاوب‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الاقتراحات‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬الكويت‭ ‬تابعة‭ ‬للعراق‭ ‬وسياساته‭. ‬

 

طاقم‭ ‬مختلف

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬انقلاب‭ ‬14‭ ‬يوليو‭ ‬1958‭ ‬دفع‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬طاقمًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬من‭ ‬السياسيين،‭ ‬يختلفون‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬سائدًا‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الملكي‭. ‬تشكّلت‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬العسكريين‭ ‬ورجالات‭ ‬الأحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬للحكم‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة،‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬انتمى‭ ‬لأحزاب‭ ‬وطنية‭ ‬مثل‭ ‬الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬الديمقراطي‭ ‬أو‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬القومية‭ ‬المنتمية‭ ‬لأحزاب‭ ‬قومية،‭ ‬مثل‭ ‬البعث‭ ‬العربي‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬وحركة‭ ‬القوميين‭ ‬العرب،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عناصر‭ ‬يسارية‭ ‬من‭ ‬المنتمين‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬العراقي،‭ ‬أو‭ ‬عناصر‭ ‬قريبة‭ ‬فكريًّا‭ ‬من‭ ‬توجهاته‭.‬

‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬المسائل‭ ‬الأساسية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالسياسات‭ ‬الوطنية‭ ‬كانت‭ ‬طاغية،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالنظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬حلف‭ ‬بغداد‭ ‬أو‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬بقيادة‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬العلاقة‭ ‬بالكويت‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬الأذهان‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬قد‭ ‬نالت‭  ‬استقلالها‭ ‬بعد،‭ ‬وقد‭ ‬أبدت‭ ‬الود‭ ‬تجاه‭ ‬القيادة‭ ‬العراقية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وقام‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم،‭ ‬حاكم‭ ‬الكويت‭ ‬آنذاك،‭ ‬بزيارة‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‭ ‬لتقديم‭ ‬التهنئة‭ ‬بالنظام‭ ‬الجديد‭. ‬لم‭ ‬تدُم‭ ‬العلاقات‭ ‬الودية‭ ‬طويلًا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬الكويت‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬حُسن‭ ‬جوار‭ ‬دائمة،‭ ‬فقد‭ ‬ادعى‭ ‬عبدالكريم‭ ‬قاسم‭ ‬تبعية‭ ‬الكويت‭ ‬للواء‭ ‬البصرة،‭ ‬فور‭ ‬إعلان‭ ‬استقلالها‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬يونيو‭ ‬1961،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬إلى‭ ‬استدعاء‭ ‬قوات‭ ‬بريطانية‭ ‬لتمكين‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬صدّ‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬أو‭ ‬اعتداء‭ ‬أو‭ ‬غزو‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تلك‭ ‬المزاعم‭. ‬

بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬وكما‭ ‬بين‭ ‬بشارة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬السابق،‭ ‬احروب‭ ‬الكويت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬1961-1963ب،‭ ‬فقد‭ ‬وجدت‭ ‬البلاد‭ ‬مشكلات‭ ‬مع‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مصر،‭ ‬التي‭ ‬أصرّت‭ ‬على‭ ‬إجلاء‭ ‬القوات‭ ‬البريطانية‭ ‬مقابل‭ ‬الاعتراف‭ ‬وقبول‭ ‬عضوية‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬وتوفير‭ ‬قوات‭ ‬عربية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬البلاد‭.‬

 

تجربة‭ ‬غير‭ ‬مريحة

‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬التجربة‭ ‬العربية‭ ‬مريحة‭ ‬للكويت،‭ ‬وقد‭ ‬انتهت‭ ‬بسقوط‭ ‬نظام‭ ‬عبدالكريم‭ ‬قاسم،‭ ‬بعد‭ ‬انقلاب‭ ‬دموي‭ ‬آخر‭ ‬قاده‭ ‬ضباط‭ ‬بعثيون‭ ‬وقوميون،‭ ‬وتمكّن‭ ‬عبدالسلام‭ ‬عارف‭ ‬من‭ ‬تولي‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭. ‬لكن‭ ‬الكويت‭ ‬تمكّنت‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬اعتراف‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الجديد،‭ ‬وحصلت‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬1963‭. ‬هؤلاء‭ ‬البعثيون‭ ‬وعارف‭ ‬لم‭ ‬يبديا‭ ‬ارتياحًا‭ ‬لاستقلال‭ ‬الكويت،‭ ‬فقد‭ ‬أرادوا‭ ‬علاقة‭ ‬مختلفة‭ ‬مع‭ ‬الكويت،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬تابعة‭ ‬سياسيًّا،‭ ‬وإن‭ ‬ظلت‭ ‬مستقلة‭ ‬وتدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬العراق‭.‬

يشير‭ ‬بشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المحضر‭ ‬الخاص‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬بين‭ ‬وفدي‭ ‬الكويت‭ ‬والعراق،‭ ‬الموقّع‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬أكتوبر‭ ‬1963‭ ‬لم‭ ‬ينشر‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬الرسمية‭ ‬العراقية،‭ ‬ولم‭ ‬يوقّع‭ ‬عليه‭ ‬الرئيس‭ ‬عارف،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬عليه‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬صباح‭ ‬السالم،‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الكويتي،‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬الراحل‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬البكر‭.‬

ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬عارف،‭ ‬وربما‭ ‬آخرين،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مرتاحًا‭ ‬للتوافق‭ ‬بين‭ ‬الكويت‭ ‬والعراق،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالكويت‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭. ‬مهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬ظلت‭ ‬تراوح‭ ‬بين‭ ‬مدّ‭ ‬وجزر،‭ ‬وحدثت‭ ‬أوضاع‭ ‬مقلقة،‭ ‬منها‭ ‬اعتداء‭ ‬الصامتة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬البعث‭ ‬الثاني،‭ ‬الذي‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬انقلاب‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬عارف‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬1968‭. ‬

حادث‭ ‬الصامتة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأحداث‭ ‬الحدودية‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬مارس‭ ‬1973،‭ ‬ونتج‭ ‬عنه‭ ‬مقتل‭ ‬شرطي‭ ‬كويتي‭. ‬وقد‭ ‬أعقبت‭ ‬ذلك‭ ‬الحادث‭ ‬قطيعة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬دامت‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة،‭ ‬وأبدت‭ ‬قيادة‭ ‬البعث‭ ‬غلاظة،‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬الكاتب،‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الكويت،‭ ‬خصوصًا‭ ‬من‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬صدام‭ ‬حسن،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬رئيسًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬قدمت‭ ‬الكويت‭ ‬مبادرات‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬علاقات‭ ‬طبيعية‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬بموجب‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والرسائل‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الحكومتين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬العهود‭ ‬السياسية‭ ‬العراقية‭. ‬وتؤكد‭ ‬الوقائع‭ ‬أن‭ ‬النوايا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إيجابية،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬توجهات‭ ‬واضحة‭ ‬لبناء‭ ‬علاقات‭ ‬تحكمها‭ ‬مبادئ‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل،‭ ‬وتوفير‭ ‬الفرص‭ ‬المواتية‭ ‬لتطوير‭ ‬علاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬تتطور‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سلام‭ ‬وأمن‭ ‬للبلدين‭.‬

 

جهود‭ ‬مهمة

بذلت‭ ‬الكويت‭ ‬جهودًا‭ ‬مهمة‭ ‬لتطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬تجاوز‭ ‬أزمة‭ ‬حادث‭ ‬الصامتة‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬يونيو‭ ‬1977‭ ‬قام‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬آنذاك،‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬سعد‭ ‬العبدالله‭ ‬السالم‭ ‬الصباح،‭ ‬بزيارة‭ ‬بغداد،‭ ‬متأملًا‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬بشأن‭ ‬الترسيم‭ ‬النهائي‭ ‬للحدود‭. ‬وخلال‭ ‬زيارته‭ ‬اجتمعت‭ ‬لجان‭ ‬متنوعة‭ ‬وقامت‭ ‬بزيارات‭ ‬ميدانية‭ ‬للحدود،‭ ‬لكن‭ ‬العراقيين،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬صدام،‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬أبدوا‭ ‬رغبتهم‭ ‬بتأجير‭ ‬جزيرة‭ ‬بوبيان،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬رفضه،‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬المرحوم‭ ‬الشيخ‭ ‬سعد،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬يمثّل‭ ‬انتهاكًا‭ ‬للسيادة‭ ‬الكويتية‭.‬

كان‭ ‬العراق‭ ‬قد‭ ‬أنجز‭ ‬ترسيمًا‭ ‬للحدود‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬استغراب‭ ‬المرحوم‭ ‬الشيخ‭ ‬سعد‭ ‬العبدالله‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬إتمام‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬الكويت‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬النوايا‭ ‬طيّبة‭ ‬تجاه‭ ‬الكويت،‭ ‬واستمرت‭ ‬الأطماع‭ ‬العراقية‭ ‬حول‭ ‬تبعية‭ ‬الكويت‭ ‬للعراق‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭. ‬كما‭ ‬أثار‭ ‬الشيخ‭ ‬سعد‭ ‬مسألة‭ ‬إقامة‭ ‬العراقيين‭ ‬منشآت‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬الكويتية‭. ‬الزيارة‭ ‬المذكورة‭ ‬استمرت‭ ‬أسبوعًا،‭ ‬وهي‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬طويلة‭ ‬لمسؤول‭ ‬مهم‭ ‬وكبير،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ظلت‭ ‬الكويت‭ ‬وحكومتها‭ ‬تأمل‭ ‬إنهاء‭ ‬مسألة‭ ‬الحدود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استمرار‭ ‬التواصل‭ ‬والمفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭.‬

بعد‭ ‬انتصار‭ ‬ثورة‭ ‬الخميني‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وتبنّي‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬الجديدة‭ ‬أيديولوجية‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة،‭ ‬شعر‭ ‬حكم‭ ‬البعث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بالتوجس‭ ‬والمخاوف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬الجديد،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬صدام‭ ‬إلى‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬1980‭.‬

 

دعم‭ ‬وعناد

بعد‭ ‬شهور‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬أيقن‭ ‬العراقيون‭ ‬بضرورة‭ ‬إنهاء‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬لكن‭ ‬الخميني‭ ‬أراد‭ ‬هزيمة‭ ‬النظام‭ ‬العراقي،‭ ‬واستمر‭ ‬بالحرب‭ ‬لأمد‭ ‬طويل‭ ‬دام‭ ‬حتى‭ ‬أغسطس‭ ‬1988‭.‬

دعمت‭ ‬الكويت‭ ‬ودول‭ ‬الخليج،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬السعودية،‭ ‬جهود‭ ‬العراق‭ ‬العسكرية‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لتلك‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العناد‭ ‬الإيراني‭. ‬

وقدمت‭ ‬الكويت‭ ‬وبلدان‭ ‬الخليج‭ ‬الأموال‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬للعراق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعم‭ ‬مقاومته‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬وإيران‭ ‬تكبّدا‭ ‬خسائر‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬والأموال‭ ‬ودمار‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والمؤسسية‭.‬

كان‭ ‬العراق‭ ‬يملك‭ ‬نحو‭ ‬38‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬أرصدة‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1980،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬1988،‭ ‬بلغت‭ ‬الديون‭ ‬السيادية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬مليارا،‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬لدول‭ ‬الخليج،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬17‭ ‬مليارا‭ ‬للكويت‭ ‬وحدها‭. ‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬مواقف‭ ‬الكويت‭ ‬ودعمها‭ ‬المالي‭ ‬والمؤسسي‭ ‬واللوجستي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬ونظام‭ ‬البعث‭ ‬ورئيسه‭ ‬صدام‭ ‬بأي‭ ‬درجة‭. ‬وخلال‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬اتضحت‭ ‬المواقف‭ ‬الحقيقية‭ ‬لذلك‭ ‬النظام،‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬بالهجوم‭ ‬الإعلامي‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬وحكومتها‭ ‬وسياساتها‭ ‬النفطية،‭ ‬وطرح‭ ‬مزاعم‭ ‬كاذبة‭ ‬عن‭ ‬تعدي‭ ‬الكويت‭ ‬على‭ ‬الحقول‭ ‬النفطية‭ ‬العراقية‭ ‬المحاذية‭ ‬لحدود‭ ‬الكويت‭. ‬هذا‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬المزاعم‭ ‬ضد‭ ‬الكويت‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بإغراق‭ ‬أسواق‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خفض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط‭ ‬العراقية‭.‬

لم‭ ‬تتوقف‭ ‬حماقة‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬البائد‭ ‬في‭ ‬المزاعم،‭ ‬والتي‭ ‬وثّقها‭ ‬في‭ ‬مذكرة‭ ‬طويلة‭ ‬أودعها‭ ‬لدى‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬حشد‭ ‬قوات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الكويتية‭. ‬

 

مفاجأة‭ ‬الغزو‭ ‬

لم‭ ‬تتوقع‭ ‬الحكومة‭ ‬الكويتية‭ ‬غزوًا‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬وتفاعلت‭ ‬بإيجابية‭ ‬مع‭ ‬الوساطات‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬ذكرها‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬رصده‭ ‬المتميز،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬وساطات‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق،‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬ورئيس‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬آنذاك‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭... ‬وبتقديري‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتفاعل‭ ‬جديًّا‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬التهديدات‭ ‬الواضحة‭ ‬والمباشرة،‭ ‬وتطلب‭ ‬الدعم‭ ‬والحماية‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬البلاد‭ ‬كانت‭ ‬تعاني‭ ‬نزاعات‭ ‬سياسية‭ ‬ومطالبات‭ ‬شعبية‭ ‬لإعادة‭ ‬الحياة‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬توقفت‭ ‬منذ‭ ‬صيف‭ ‬1986‭ ‬بما‭ ‬عطل‭ ‬العمل‭ ‬بدستور‭ ‬البلاد‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬توحيد‭ ‬الصفوف‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬التهديدات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬صدام‭ ‬ونظامه‭ ‬بشجاعة‭ ‬وجديّة‭ ‬دون‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬وساطات‭ ‬عربية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجدية‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬حال‭.‬

ومهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإن‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬اجتازت‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬الفجر‭ ‬الباكر‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬2‭ ‬أغسطس‭ ‬1990‭ ‬وقامت‭ ‬باحتلال‭ ‬البلاد‭ ‬ومثّلت‭ ‬تهديدًا‭ ‬لحياة‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬جابر‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح،‭ ‬أمير‭ ‬البلاد،‭ ‬لولا‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬وحُسن‭ ‬تصرّف‭ ‬الشيخ‭ ‬سعد‭ ‬العبدالله،‭ ‬ولي‭ ‬العهد،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬ومساعديه‭ ‬الذين‭ ‬عملوا‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الأمير‭ ‬وولي‭ ‬العهد‭ ‬إلى‭ ‬السعودية،‭ ‬وإقامة‭ ‬حكومة‭ ‬مؤقتة‭ ‬في‭ ‬الطائف‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬صدام،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬أورد‭ ‬بشارة،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والتقييمات‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬العديد‭ ‬ممن‭ ‬عملوا‭ ‬مع‭ ‬صدام،‭ ‬فقد‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬العقلاني،‭ ‬وأصبح‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ - ‬الإيرانية‭ ‬شخصًا‭ ‬مغرورًا‭ ‬ونرجسيًّا،‭ ‬واعتبر‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬هزم‭ ‬الإيرانيين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬الطويلة‭ ‬الضروس،‭ ‬وأصبح‭ ‬يهدد‭ ‬بشنّ‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإزالة‭ ‬نصفها،‭ ‬وزعم‭ ‬أنه‭ ‬يملك‭ ‬أسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل،‭ ‬وعاتب‭ ‬الخليجيين‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬دعمهم‭ ‬للعراق،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬التي‭ ‬موّلت‭ ‬الحرب‭ ‬وصمود‭ ‬العراق‭ ‬بحجة‭ ‬أنه‭ ‬حماهم‭ ‬من‭ ‬الأطماع‭ ‬الإيرانية‭. ‬

 

قيادات‭ ‬واعية

اتضحت‭ ‬النوايا‭ ‬بعد‭ ‬مؤتمر‭ ‬القمة‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬مايو‭ ‬1990،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬كان‭ ‬يخطط‭ ‬لعمل‭ ‬عدائي‭ ‬ضد‭ ‬الكويت،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬الغزو‭ ‬وإنجاز‭ ‬الاحتلال‭ ‬البغيض،‭ ‬أصبح‭ ‬لزامًا‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬الكويت‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتلال‭.‬

ولحُسن‭ ‬حظ‭ ‬الكويت،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬قيادات‭ ‬سياسية‭ ‬واعية‭ ‬لتبعات‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وتعاملت‭ ‬مع‭ ‬الأمر‭ ‬بحكمة‭ ‬وصرامة،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬ورئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطانية‭ ‬مارغريت‭ ‬ثاتشر،‭ ‬وهكذا‭ ‬تم‭ ‬الحشد‭ ‬الدولي‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آليات‭ ‬سياسية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬واعية،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لدور‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الدور‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الأرض‭ ‬والمساندة‭ ‬اللازمة‭ ‬لانطلاق‭ ‬عمليات‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬وتوفير‭ ‬الأوضاع‭ ‬الملائمة‭ ‬للقيادة‭ ‬الكويتية‭ ‬لإدارة‭ ‬الأوضاع‭ ‬الوطنية‭.‬

تظل‭ ‬عملية‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬والتي‭ ‬حظيت‭ ‬بإجماع‭ ‬لا‭ ‬نظير‭ ‬له،‭ ‬وأكدت‭ ‬أهمية‭ ‬احترام‭ ‬استقلال‭ ‬وسيادة‭ ‬وحدود‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬

وأكدت‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬الطغاة‭ ‬الذين‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬شعوبهم‭ ‬كأسياد‭ ‬مع‭ ‬عبيد‭ ‬أو‭ ‬موالي،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السماح‭ ‬لهم‭ ‬بغزو‭ ‬جيرانهم‭ ‬واستعبادهم‭. ‬

ورسخت‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬أهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السّلْم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬وتأكيد‭ ‬حقوق‭ ‬شعوبها‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬أنظمة‭ ‬حكمها‭. ‬وقد‭ ‬أكدت‭ ‬عملية‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬مدى‭ ‬الغباء‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬اتسم‭ ‬به‭ ‬صدام‭ ‬وزمرته،‭ ‬وعدم‭ ‬تفهمهم‭ ‬حقائق‭ ‬الأوضاع‭ ‬الدولية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حدثت‭ ‬تحولات‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبلدان‭ ‬المعسكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬السابق،‭ ‬عقب‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬الشمولي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬وسقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬وانتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬

 

تدهور‭ ‬فسقوط

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬التحرير‭ ‬أنجزت‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬قياسي‭ ‬بعد‭ ‬انطلاقها‭ ‬فجر‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬1991،‭ ‬وتحقق‭ ‬تحرير‭ ‬البلاد‭ ‬يوم‭ ‬السادس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬1991،‭ ‬وبعد‭ ‬معاناة‭ ‬مدة‭ ‬سبعة‭ ‬أشهر،‭ ‬شعر‭ ‬الكويتيون،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬صمدوا‭ ‬داخل‭ ‬الكويت،‭ ‬بالسعادة‭ ‬والامتنان‭ ‬للمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والأشقاء‭ ‬الذين‭ ‬بذلوا‭ ‬الدم‭ ‬والمال،‭ ‬وأوجدوا‭ ‬الظروف‭ ‬الملائمة‭ ‬لتحرير‭ ‬الكويت‭. ‬

تطرّق‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬الفصول‭ ‬من‭ ‬الخامس‭ ‬إلى‭ ‬الثامن‭ ‬إلى‭ ‬معركة‭ ‬التحرير،‭ ‬ثم‭ ‬حصار‭ ‬العراق،‭ ‬والبحث‭ ‬الأممي‭ ‬عن‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬بتدخّل‭ ‬أمريكي‭ ‬وقوات‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬لم‭ ‬يمتثل‭ ‬صدام‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬واستمرار‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬للمنطق‭ ‬والحكمة‭ ‬السياسية،‭ ‬ولم‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يتفاعل‭ ‬مع‭ ‬حقائق‭ ‬الهزيمة‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية،‭ ‬واستمر‭ ‬بعناده‭ ‬وطغيانه‭.‬

وقد‭ ‬أدت‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬لدى‭ ‬الحاكم‭ ‬الأوحد‭ ‬المستبد‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬وعزلة‭ ‬العراق‭ ‬عن‭ ‬العالم،‭ ‬وأصبح‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬العراقي‭ ‬مرهونًا‭ ‬باحتياجات‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الغذاء‭ ‬والدواء‭.‬

وقد‭ ‬استمرت‭ ‬هذه‭ ‬الأحوال‭ ‬زمنًا‭ ‬غير‭ ‬قصير،‭ ‬حتى‭ ‬قرر‭ ‬الرئيس‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬اجتياح‭ ‬العراق‭ ‬وإسقاط‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭. ‬

 

علاقات‭ ‬مصيرية

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬الأمور‭ ‬متاحة‭ ‬لتحوّلات‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وربما‭ ‬تحسين‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الكويت‭ ‬ودول‭ ‬الجوار‭ ‬الأخرى‭. ‬

وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬تحسّنت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الكويت‭ ‬والعراق،‭ ‬وتحمّلت‭ ‬الكويت‭ ‬أعباء‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعم‭ ‬الجهود‭ ‬الإنسانية‭ ‬هناك‭. ‬لكن‭ ‬الأحداث‭ ‬داخل‭ ‬العراق،‭ ‬أكدت‭ ‬استمرار‭ ‬غياب‭ ‬الأمن‭ ‬وتعطل‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬كما‭ ‬أوضحت‭ ‬ضعف‭ ‬البنية‭ ‬السياسية‭ ‬وانعدام‭ ‬القيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتفشي‭ ‬العصبيات‭ ‬الإثنية‭ ‬والطائفية‭. ‬

وتعتبر‭ ‬الكويت‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬مصيرية،‭ ‬نتيجة‭ ‬للجوار‭ ‬الجغرافي‭ ‬والعلاقات‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتأمل‭ ‬أن‭ ‬يتحرر‭ ‬العراقيون‭ ‬من‭ ‬أوهامهم‭ ‬التي‭ ‬زرعت‭ ‬في‭ ‬عقولهم‭ ‬ونفوسهم‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بشأن‭ ‬الكويت،‭ ‬وهي‭ ‬لن‭ ‬تتوانى‭ - ‬كما‭ ‬أثبتت‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ - ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الدعم‭ ‬للعراق‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توفير‭ ‬المناخات‭ ‬المواتية‭ ‬لبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬سياسي‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬واقتصاد‭ ‬عصري‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬المعيشة‭ ‬الكريمة‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي‭.‬

يستحق‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬القراءة‭ ‬المتأنية،‭ ‬للتعرّف‭ ‬على‭ ‬مسارات‭ ‬العلاقات‭ ‬الكويتية‭ - ‬العراقية،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬توفيره‭ ‬للشباب‭ ‬والأجيال‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬واعية‭ ‬بشأن‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مريحة‭ ‬للكويتيين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ .