الغزو في الزمن العابس
يمكن الزعم بأنّ الأستاذ عبدالله بشارة عمل على رصد العلاقات الكويتية - العراقية على مدى سنوات طويلة من خلال عمله دبلوماسيًّا كويتيًّا تنقّل في مناصب عدة، حيث مثّل الكويت في الأمم المتحدة، ثم تولى منصب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
بعد كتابه المهم «حروب الكويت الدبلوماسية (1961 - 1963)» الذي تطرّق خلاله لأزمة مزاعم عبدالكريم قاسم بتبعية الكويت للواء البصرة، يأتي كتابه «الغزو في الزمن العابس»، ليوضح خلاله مسيرة العلاقات الكويتية - العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1920 وتعرّجاتها المؤلمة خلال سنوات وعقود طويلة، وفي ظل أنظمة سياسية متنوعة، خصوصًا بعد انقلاب 1958 الدموي الذي أطاح النظام الملكي في العراق.
لا شك في أن حكومة الكويت عملت خلال هذه العقود على إيجاد علاقات طيّبة مع العراق دون كلل، وبحث عن فرص لتحسين تلك العلاقات وإيجاد الأرضية المناسبة لحسم قضية ترسيم الحدود بموجب الاتفاقيات والرسائل المتبادلة بين الحكومتين منذ بداية عشرينيات القرن الماضي، لكنّ التقاعس والتردد من الحكومات العراقية المتعاقبة جعل المسألة متعطلة لأمد طويل.
يشير الكاتب إلى اتفاقية العجير التي تم التوصل إليها بين بريطانيا وسلطان نجد، الإمام عبدالعزيز آل سعود، وممثل العراق من الجانب البريطاني، في حين مثّل الكويت المقيم السياسي البريطاني فيها الميجور مور.
كان المندوب السامي البريطاني من العراق السير بيرسي كوكس هو ممثل العراق عند عقد تلك الاتفاقية، وكان حضوره طاغيًا لدرجة أن الميجور مور، ممثّل الكويت، ظل صامتًا أثناء عقد ذلك المؤتمر، كما ورد في الكتاب.
تلك الاتفاقية بيّنت حدود الكويت مع العراق ومع السعودية، وتم تبادل رسائل بين المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح، حاكم الكويت، والمندوب السامي البريطاني في العراق.
وبطبيعة الحال لم يكن متاحًا أمام الكويت وقيادتها أن تعترض على ما تم الاتفاق عليه إذا أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة الأوضاع الجيوسياسية آنذاك. لكنّ الاتفاقية بينت حدودًا للكويت مع الجارتين، ومع العراق بشكل واضح ومحدد، كما أن العراق عندما سعى إلى دخول هيئة الأمم المتحدة أكد حدوده مع الكويت برسائل متبادلة مع حاكم الكويت في عام 1932.
تقاعس وتبعية
بيد أن الأنظمة العراقية المتعاقبة حاولت أن تتقاعس عن التزاماتها بموجب تلك الاتفاقيات والرسائل الرسمية المعتمدة من أعلى السلطات فيها، وجرت محاولات من الملك الراحل، غازي، للادعاء بتبعية الكويت للعراق.
يشير الكاتب إلى أن الملك غازي كان مختلفًا عن أبيه، فيصل الأول، حيث اتّسم بعدم الثبات العقلاني. وفيما يتعلق بالكويت أوضح الكاتب أن الملك غازي عمل على إثارة الكويتيين ودفعهم لمناوأة حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر. لكن فترة حكم الملك غازي انتهت بوفاته إثر حادث سيارة في عام 1939. بعد ذلك طلب وزير خارجية العراق آنذاك، توفيق السويدي، إعداد دراسة عن الكويت ووضع تصوّر عن كيفية توفير منفذ بحري للعراق إلى الخليج على حساب الأراضي الكويتية، ويبدو أن مختلف السياسيين في العهد الملكي كانت لديهم أوهام حول الكويت، وإن كان هناك تفاوت في مضامينها وبدت بعضها ذات صبغة قومية عربية، وأخرى ذات دوافع محلية عراقية.
ولذلك يمكن القول إن العلاقات بين الكويت والعراق، وإن كانت هادئة في فترة الحكم الملكي، إلا أنها لم تكن مريحة للكويت، ولم يتمكن الطرفان من ترسيم الحدود بموجب المعاهدات والرسائل الرسمية المعتمدة من بريطانيا والعراق.
وعندما عقد العراق والأردن الاتحاد الهاشمي أرادت الحكومة العراقية أن تضم الكويت إلى هذا الاتحاد، لكنّ المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح كان حاذقًا، ولم يتجاوب مع تلك الاقتراحات العراقية التي كانت تهدف إلى جعل الكويت تابعة للعراق وسياساته.
طاقم مختلف
لا شك في أن انقلاب 14 يوليو 1958 دفع إلى السلطة طاقمًا مختلفًا من السياسيين، يختلفون عما كان سائدًا في العهد الملكي. تشكّلت السلطة من العسكريين ورجالات الأحزاب المعارضة للحكم الملكي في السنوات السابقة، كان بين هؤلاء من انتمى لأحزاب وطنية مثل الحزب الوطني الديمقراطي أو حزب الاستقلال وعدد من العناصر القومية المنتمية لأحزاب قومية، مثل البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب، إضافة إلى عناصر يسارية من المنتمين للحزب الشيوعي العراقي، أو عناصر قريبة فكريًّا من توجهاته.
لا بد أن المسائل الأساسية المتعلقة بالسياسات الوطنية كانت طاغية، ومنها ما يتعلّق بالنظام الاقتصادي أو حلف بغداد أو العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة، بقيادة جمال عبدالناصر، لكن لابد أن مسألة العلاقة بالكويت كانت حاضرة في الأذهان.
لم تكن الكويت في ذلك الحين قد نالت استقلالها بعد، وقد أبدت الود تجاه القيادة العراقية الجديدة، وقام المغفور له الشيخ عبدالله السالم، حاكم الكويت آنذاك، بزيارة إلى بغداد لتقديم التهنئة بالنظام الجديد. لم تدُم العلاقات الودية طويلًا، بالرغم من حرص الكويت على علاقات حُسن جوار دائمة، فقد ادعى عبدالكريم قاسم تبعية الكويت للواء البصرة، فور إعلان استقلالها في 19 يونيو 1961، مما دفع إلى استدعاء قوات بريطانية لتمكين البلاد من صدّ أي هجوم أو اعتداء أو غزو من جانب العراق في ظل تلك المزاعم.
بطبيعة الحال، وكما بين بشارة في كتابه السابق، احروب الكويت الدبلوماسية 1961-1963ب، فقد وجدت البلاد مشكلات مع الحكومات العربية، وعلى رأسها مصر، التي أصرّت على إجلاء القوات البريطانية مقابل الاعتراف وقبول عضوية الكويت في الجامعة العربية، وتوفير قوات عربية للدفاع عن البلاد.
تجربة غير مريحة
لم تكن التجربة العربية مريحة للكويت، وقد انتهت بسقوط نظام عبدالكريم قاسم، بعد انقلاب دموي آخر قاده ضباط بعثيون وقوميون، وتمكّن عبدالسلام عارف من تولي رئاسة الجمهورية. لكن الكويت تمكّنت من الحصول على اعتراف من النظام الجديد، وحصلت على عضوية الأمم المتحدة في مايو 1963. هؤلاء البعثيون وعارف لم يبديا ارتياحًا لاستقلال الكويت، فقد أرادوا علاقة مختلفة مع الكويت، بحيث تصبح تابعة سياسيًّا، وإن ظلت مستقلة وتدور في فلك العراق.
يشير بشارة إلى أن المحضر الخاص بالمفاوضات بين وفدي الكويت والعراق، الموقّع في 4 أكتوبر 1963 لم ينشر في الجريدة الرسمية العراقية، ولم يوقّع عليه الرئيس عارف، بعد أن وقع عليه المغفور له الشيخ صباح السالم، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الكويتي، ورئيس الوزراء العراقي الراحل أحمد حسن البكر.
ذلك يعني أن عارف، وربما آخرين، لم يكن مرتاحًا للتوافق بين الكويت والعراق، وخصوصًا الاعتراف بالكويت كدولة مستقلة. مهما يكن من أمر، فإن من المعلوم أن الأمور ظلت تراوح بين مدّ وجزر، وحدثت أوضاع مقلقة، منها اعتداء الصامتة في عهد البعث الثاني، الذي نتج عن انقلاب على حكم عبدالرحمن عارف في يوليو 1968.
حادث الصامتة، وهو من أهم الأحداث الحدودية جرى في 20 مارس 1973، ونتج عنه مقتل شرطي كويتي. وقد أعقبت ذلك الحادث قطيعة في العلاقات دامت سنوات قليلة، وأبدت قيادة البعث غلاظة، كما يذكر الكاتب، في علاقاتها مع الكويت، خصوصًا من نائب رئيس الجمهورية صدام حسن، الذي أصبح رئيسًا في عام 1979، وبالرغم من ذلك فقد قدمت الكويت مبادرات متعددة من أجل الوصول إلى علاقات طبيعية بين البلدين، والعمل على ترسيم الحدود بموجب الاتفاقيات والرسائل المتبادلة بين الحكومتين في مختلف العهود السياسية العراقية. وتؤكد الوقائع أن النوايا لم تكن إيجابية، ولم تكن هناك توجهات واضحة لبناء علاقات تحكمها مبادئ الاحترام المتبادل، وتوفير الفرص المواتية لتطوير علاقات اقتصادية تتطور في ظل سلام وأمن للبلدين.
جهود مهمة
بذلت الكويت جهودًا مهمة لتطوير العلاقات مع العراق بعد تجاوز أزمة حادث الصامتة. وفي نهاية يونيو 1977 قام وزير الداخلية آنذاك، المغفور له الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، بزيارة بغداد، متأملًا التوافق مع العراق بشأن الترسيم النهائي للحدود. وخلال زيارته اجتمعت لجان متنوعة وقامت بزيارات ميدانية للحدود، لكن العراقيين، وعلى رأسهم صدام، نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، أبدوا رغبتهم بتأجير جزيرة بوبيان، الأمر الذي رفضه، بطبيعة الحال، المرحوم الشيخ سعد، حيث إنه يمثّل انتهاكًا للسيادة الكويتية.
كان العراق قد أنجز ترسيمًا للحدود مع السعودية وإيران، مما أثار استغراب المرحوم الشيخ سعد العبدالله عن الأسباب التي تحول دون إتمام ترسيم الحدود مع الكويت.
لم تكن النوايا طيّبة تجاه الكويت، واستمرت الأطماع العراقية حول تبعية الكويت للعراق بشكل أو بآخر. كما أثار الشيخ سعد مسألة إقامة العراقيين منشآت داخل الأراضي الكويتية. الزيارة المذكورة استمرت أسبوعًا، وهي مدة زمنية طويلة لمسؤول مهم وكبير، ولكن لم تحقق نتائج ملموسة، وبالرغم من كل ذلك ظلت الكويت وحكومتها تأمل إنهاء مسألة الحدود من خلال استمرار التواصل والمفاوضات مع الحكومة العراقية.
بعد انتصار ثورة الخميني في إيران وتبنّي الحكومة الإيرانية الجديدة أيديولوجية تصدير الثورة، شعر حكم البعث في العراق بالتوجس والمخاوف من هذا الحكم الجديد، مما دفع صدام إلى شن حرب على إيران في شهر سبتمبر 1980.
دعم وعناد
بعد شهور قليلة من الحرب، أيقن العراقيون بضرورة إنهاء تلك الحرب، لكن الخميني أراد هزيمة النظام العراقي، واستمر بالحرب لأمد طويل دام حتى أغسطس 1988.
دعمت الكويت ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية، جهود العراق العسكرية والدبلوماسية، من أجل وضع حد لتلك الحرب العبثية، لكن من دون جدوى، في ظل العناد الإيراني.
وقدمت الكويت وبلدان الخليج الأموال والخدمات اللوجستية للعراق من أجل دعم مقاومته. ولا شك في أن العراق وإيران تكبّدا خسائر مهمة في الأرواح والأموال ودمار البنية التحتية والمؤسسية.
كان العراق يملك نحو 38 مليار دولار من أرصدة العملة الصعبة قبل الحرب في سبتمبر 1980، لكن بعد نهاية الحرب في أغسطس 1988، بلغت الديون السيادية أكثر من 80 مليارا، جزء كبير منها لدول الخليج، ومنها ما يقارب 17 مليارا للكويت وحدها.
ويبدو أن مواقف الكويت ودعمها المالي والمؤسسي واللوجستي والدبلوماسي لم تؤثر في مواقف الحكومة العراقية ونظام البعث ورئيسه صدام بأي درجة. وخلال عام 1990 اتضحت المواقف الحقيقية لذلك النظام، حيث بدأ بالهجوم الإعلامي على الكويت وحكومتها وسياساتها النفطية، وطرح مزاعم كاذبة عن تعدي الكويت على الحقول النفطية العراقية المحاذية لحدود الكويت. هذا فضلًا عن المزاعم ضد الكويت ودولة الإمارات المتعلّقة بإغراق أسواق النفط من أجل خفض أسعار النفط، والتأثير على إيرادات النفط العراقية.
لم تتوقف حماقة النظام العراقي البائد في المزاعم، والتي وثّقها في مذكرة طويلة أودعها لدى الجامعة العربية، بل حشد قوات كبيرة على الحدود الكويتية.
مفاجأة الغزو
لم تتوقع الحكومة الكويتية غزوًا من العراق، وتفاعلت بإيجابية مع الوساطات العربية، التي ذكرها الكاتب في رصده المتميز، وخصوصًا وساطات الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات... وبتقديري أن الكويت كان يجب أن تتفاعل جديًّا مع تلك التهديدات الواضحة والمباشرة، وتطلب الدعم والحماية من الأصدقاء، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
صحيح أن البلاد كانت تعاني نزاعات سياسية ومطالبات شعبية لإعادة الحياة البرلمانية التي توقفت منذ صيف 1986 بما عطل العمل بدستور البلاد الصادر عام 1962، لكن كان يمكن توحيد الصفوف والتعامل مع تلك التهديدات الصادرة من صدام ونظامه بشجاعة وجديّة دون الركون إلى وساطات عربية لم يكن لها أن تكون مجدية على أية حال.
ومهما يكن من أمر، فإن القوات العراقية اجتازت الحدود في الفجر الباكر من يوم الخميس 2 أغسطس 1990 وقامت باحتلال البلاد ومثّلت تهديدًا لحياة المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير البلاد، لولا رحمة الله وحُسن تصرّف الشيخ سعد العبدالله، ولي العهد، رحمه الله، ومساعديه الذين عملوا على نقل الأمير وولي العهد إلى السعودية، وإقامة حكومة مؤقتة في الطائف.
لا شك في أن صدام، حسب ما أورد بشارة، بناء على قراءة كثير من الدراسات والتقييمات التي أجراها العديد ممن عملوا مع صدام، فقد القدرة على التفكير العقلاني، وأصبح بعد نهاية الحرب العراقية - الإيرانية شخصًا مغرورًا ونرجسيًّا، واعتبر أن العراق هو الذي هزم الإيرانيين في تلك الحرب الطويلة الضروس، وأصبح يهدد بشنّ حرب على إسرائيل وإزالة نصفها، وزعم أنه يملك أسلحة دمار شامل، وعاتب الخليجيين على ضعف دعمهم للعراق، بالرغم من المليارات من الدولارات التي موّلت الحرب وصمود العراق بحجة أنه حماهم من الأطماع الإيرانية.
قيادات واعية
اتضحت النوايا بعد مؤتمر القمة الذي عقد في بغداد، مايو 1990، ولم يعد هناك من شك بأن النظام العراقي كان يخطط لعمل عدائي ضد الكويت، وبعد أن تم تنفيذ الغزو وإنجاز الاحتلال البغيض، أصبح لزامًا على حكومة الكويت اللجوء إلى المجتمع الدولي من أجل تحرير البلاد من ذلك الاحتلال.
ولحُسن حظ الكويت، كانت هناك قيادات سياسية واعية لتبعات ذلك الاحتلال، وتعاملت مع الأمر بحكمة وصرامة، وخصوصًا من الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر، وهكذا تم الحشد الدولي غير المسبوق من خلال آليات سياسية ودبلوماسية واعية، كما كان لدور المملكة العربية السعودية الدور المحوري في توفير الأرض والمساندة اللازمة لانطلاق عمليات تحرير الكويت، وتوفير الأوضاع الملائمة للقيادة الكويتية لإدارة الأوضاع الوطنية.
تظل عملية تحرير الكويت من أهم الإنجازات التي قام بها المجتمع الدولي، والتي حظيت بإجماع لا نظير له، وأكدت أهمية احترام استقلال وسيادة وحدود الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وأكدت تلك العملية أيضًا أن الطغاة الذين يتعاملون مع شعوبهم كأسياد مع عبيد أو موالي، لا يمكن السماح لهم بغزو جيرانهم واستعبادهم.
ورسخت تلك العملية أهمية الحفاظ على السّلْم في هذه المنطقة من العالم، وتأكيد حقوق شعوبها في اختيار أنظمة حكمها. وقد أكدت عملية تحرير الكويت مدى الغباء السياسي الذي اتسم به صدام وزمرته، وعدم تفهمهم حقائق الأوضاع الدولية السائدة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد أن حدثت تحولات في العلاقات بين الولايات المتحدة وبلدان المعسكر الاشتراكي السابق، عقب سقوط النظام الشمولي في تلك البلدان، وسقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة.
تدهور فسقوط
لا شك في أن عملية التحرير أنجزت في زمن قياسي بعد انطلاقها فجر السادس من يناير 1991، وتحقق تحرير البلاد يوم السادس والعشرين من فبراير 1991، وبعد معاناة مدة سبعة أشهر، شعر الكويتيون، وخصوصًا أولئك الذين صمدوا داخل الكويت، بالسعادة والامتنان للمجتمع الدولي والأصدقاء والأشقاء الذين بذلوا الدم والمال، وأوجدوا الظروف الملائمة لتحرير الكويت.
تطرّق الكاتب في الفصول من الخامس إلى الثامن إلى معركة التحرير، ثم حصار العراق، والبحث الأممي عن أسلحة الدمار الشامل، وبعد ذلك إسقاط النظام العراقي بتدخّل أمريكي وقوات من دول أخرى. لم يمتثل صدام بعد تحرير الكويت واستمرار فرض العقوبات السياسية والاقتصادية على العراق للمنطق والحكمة السياسية، ولم يحاول أن يتفاعل مع حقائق الهزيمة العسكرية والسياسية، واستمر بعناده وطغيانه.
وقد أدت هذه الصفات لدى الحاكم الأوحد المستبد إلى تدهور الأوضاع المعيشية وعزلة العراق عن العالم، وأصبح إنتاج النفط العراقي مرهونًا باحتياجات البلاد من الغذاء والدواء.
وقد استمرت هذه الأحوال زمنًا غير قصير، حتى قرر الرئيس جورج بوش الابن اجتياح العراق وإسقاط نظام صدام.
علاقات مصيرية
بعد ذلك أصبحت الأمور متاحة لتحوّلات سياسية واجتماعية في العراق، وربما تحسين العلاقات مع الكويت ودول الجوار الأخرى.
وبطبيعة الحال تحسّنت العلاقات بين الكويت والعراق، وتحمّلت الكويت أعباء مهمة من أجل دعم الجهود الإنسانية هناك. لكن الأحداث داخل العراق، أكدت استمرار غياب الأمن وتعطل عملية التنمية الاقتصادية، كما أوضحت ضعف البنية السياسية وانعدام القيم الديمقراطية وتفشي العصبيات الإثنية والطائفية.
وتعتبر الكويت علاقاتها مع العراق ذات أهمية مصيرية، نتيجة للجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية، وتأمل أن يتحرر العراقيون من أوهامهم التي زرعت في عقولهم ونفوسهم على مدار القرن العشرين بشأن الكويت، وهي لن تتوانى - كما أثبتت السنوات القليلة الماضية - عن توفير الدعم للعراق بكل أشكاله من أجل توفير المناخات المواتية لبناء مجتمع سياسي ديمقراطي، واقتصاد عصري قادر على توفير المعيشة الكريمة والتنمية المستدامة للشعب العراقي.
يستحق هذا الكتاب القراءة المتأنية، للتعرّف على مسارات العلاقات الكويتية - العراقية، ولابد من توفيره للشباب والأجيال التي ولدت بعد تحرير الكويت، من أجل تعزيز ثقافة سياسية واعية بشأن تلك العلاقات التي لم تكن مريحة للكويتيين على مدى عقود طويلة .