«تريند»

لا مجال لإنكار ما باتت تمثّله مواقع التواصل الاجتماعي من ضرورة حياتية للمواطنين في كثير من دول العالم، وفي عالمنا العربي بالذات.
فقد أصبحت تمثّل أهم مساحات البوح والتواصل الإنساني والإعلان والإعلام الشخصي والمؤسسي والمجتمعي، حتى أن البعض يرى اأن ما لم يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي لم يحدث وإن كان قد حدث في الواقعب، بمعنى أنه ما لم يُنشر الحدث على تلك المواقع فكأنه لم يكن، إذ لم يره عدد كبير من الناس، ولم يتم توثيقه.
لكن المتابع المدقق لما يجري على هذه المواقع يجد أن بها الكثير جدًا جدًا من االجعجعةب، وأقل القليل من الطحين، والأهم أن االجعجعةب غالبًا ما تكون في أمور أقل ما توصف به أنها تافهة، وأسوأ ما تؤدي إليه هو خصومات على مستوى الأفراد، وأحيانًا على مستوى الشعوب ذاتها.
يتسلل أحدهم إلى صندوق الرسائل الشخصية ويسرق صورًا خاصة لسيدة أو سيد وينشرها، فيفضح أصحاب هذه الصور، فيدلي كل ناعق بدلوه، ويعيّن من نفسه رقيبًا على أخلاقيات الناس وتصرفاتهم التي سترها الله، ولا أحد يلقي باللوم على مَن هتك الستر.
تستدرج إحداهن شابًّا من المشاهير ليقول لها كلامًا خاصًّا، ثم تنشره مدّعية الشعور بالمهانة لما قاله لها في رسالة خاصة بينه وبينها، لا يفكر أحد في أن هذا الشاب المشهور مخطئ قطعًا، لكنها أخطأت أيضًا بسماحها له منذ البدء بالتباسط معه، ثم أخطأت أكثر عندما نشرت على الملأ ما كان خاصًّا، لكن الحقيقة أنها لم تخطئ، بل تعمّدت ذلك لتحقيق الشهرة، وسهّل لها غرضها كل من يريدون أن يملأوا العالم ضجيجًا بالتفاهات.
ممثلة أو مطربة غابت عنها الأضواء وانحسرت، تشتم بلدًا ما، فينبري أهل هذا البلد بالرد عليها ليل نهار، شتمًا وقذفًا قد يتجاوز ما فاهت به هي، فيحققون لها غرضها بالعودة إلى الأضواء.
الأدهى عندما يتحدث شخص ما عن بلد أو أهل بلد بما لا يليق، فيتصدى له بعض أبناء هذا البلد بسيل من الشتائم لبلده وأهلها، باعتباره سبق بالاعتداء والإهانة، وتتطور الأمور، وتزيد أعداد المتشاتمين من الجانبين، وتصبح فجوة بين شعبين شقيقين بسبب شخص ليس أكثر من تافه، جرّ خلفه من ينعقون فوق كل خراب.
يقرأ أحدهم كتابًا رديئًا فيقيم الدنيا ولا يقعدها ضد الكاتب والناشر، مستشهدًا بمقاطع من الكتاب، فيعمل على نشر ما يرفضه، ويساهم في إقبال القرّاء على الكتاب.
ألم يكن أوْلى بمن ينساقون بلا عقل خلف الـ اتريندب أن يتريّثوا قليلًا، وأن ينظروا إلى ما في الأمر من فتنة، الماشي فيها خير من الراكب، والجالس خير من الماشي، لو عقلوا لفوّتوا على محبّي الشهرة وراغبي التفرقة بين الشعوب وأصحاب الرداءة الإبداعية فرص الظهور والانتشار.
لماذا لا نعمل أكثر على اتريندب لنشر الجمال، والمحبة، والتسامح، والتآلف، أم أن أخلاقنا أصبحت تتواءم أكثر مع القبح؟! .