رمضان في الهند.. السحور بكأس من الهريرا والإفطار بكوب من الغنجي
جذور الإسلام في الهند قديمة، إذ يبدأ تاريخ المسلمين فيها منذ أوائل القرن الثامن الميلادي، واستمروا في حكم الهند مدة نحو عشرة قرون، انتهت بتغلّب الاستعمار البريطاني في البلاد.
وقد خلّف المسلمون في الهند تراثاً علمياً وفكرياً ومعمارياً بارزاً، ويمثّلون الآن فيها ثاني أكبر تجمع إسلامي بعد مسلمي إندونيسيا، حيث يبلغ عدد المسلمين في الهند حوالي 172.2 مليون مسلم، من إجمالي عدد سكانها، البالغ نحو أكثر من مليار نسمة، فهم يشكلون الديانة الثانية في الهند بعد «الهندوسية»، وتصل نسبتهم إلى حوالي 14.23 في المئة من إجمالي عدد سكان الهند، حسب الإحصاء الرسمي لعام 2011م.
الهند دولة ديمقراطية علمانية، لها دستور ومؤسسات تحمي حقوق جميع المواطنين، وتوفر تسهيلات لممارسة الطقوس والتقاليد الدينية والاجتماعية. ويسمح للمسلمين بإقامة شعائرهم الدينية بكل حرية وأمان في المناطق التي يوجد فيها المسلمون.
ويسكن المسلمون في مناطق متفرقة بهذا البلد العريق الواسع الكبير. وتختلف عاداتهم وأكلاتهم وحياتهم اليومية بعضهم عن بعض، حسب منطقتهم وبيئتهم.
وقد يختلف ثبوت أول يوم من شهر رمضان في الهند من مكان لآخر، إضافة إلى اختلاف المسلمين من أتباع المذاهب الفقهية، وما يترتب عليه من اعتبار اختلاف المطالع أو عدم اعتبارها.
فأسست هيئة شرعية خاصة من العلماء في معظم المدن الهندية المعروفة من حيدرآباد وتشنئي وبتنا ولكناو ودلهي وبومباي، تتولى متابعة رؤية هلال شهر رمضان، وتعتمد في ذلك على الرؤية الشرعية، وحالما يثبت لديها دخول شهر رمضان، تُصدر بياناً عاماً، ويتم إعلانه للمسلمين عبر الراديو والتلفاز.
ومع إعلان ثبوت أول يوم من شهر رمضان في الهند، تعم الفرحة جميع المسلمين هناك، ويتبادلون عبارات التهاني والفرح، قائلين: «رمضان مبارك»، وغيرها من الكلمات التي تعبّر عن البهجة والسرور بقدوم هذا الشهر الفضيل.
ولشهر رمضان في الهند طابع خاص، حيث تضاء المساجد ومآذنها، وتكثر حلقات القرآن، وتكتظ المساجد بالمصلين، وتعم أجواء إيمانية في أحياء المسلمين. وتتغير الأعمال اليومية، وتفتح المحلات والدكاكين طول الليل في المناطق التي تسكنها أكثرية من المسلمين.
الطقوس والتقاليد في السحور
للسحور أهمية كبيرة وفوائده كثيرة، حيث قال النبي [: «تسحروا فإن في السحور بركة». ويهتم المسلمون الهنود بالسحور اهتماماً بالغاً ويسمونه باللغة المحلية «سِهْرِيْ».
فهناك المُسَحِّرْ، أو باللهجة المصرية «المسحراتي»، الذي يجول في أحياء المسلمين ويقرع الطبل بطريقة خاصة مصحوبة بالأناشيد الدينية التي تحض على الاستيقاظ لإعداد السحور والصلاة. وفي بعض المناطق يخرج جماعة من الشباب في مجموعة تسمى «قافلة»، حاملة مكبّر الصوت ويطوفون بالأحياء المسلمة، مرددين ومغنين الأهازيج والأناشيد الرمضانية لإيقاظ المسلمين لتناول السحور.
ومع نهاية هذا الشهر الكريم، يأخذ المسحّر أو الجماعة الهدايا والنقود، تحية وتقديراً من الأهالي له، لما قام به من دور رائع في إيقاظهم للسحور.
ومن المأكولات المعتادة للسحور: هريرا (شوربة خاصة تصنع من الحليب والمكسرات)، الخَجْلَا والفِيْنِي مع الحليب، كهير (Kheer)، شيرمال مع كباب (نوعية خاصة للخبز)، شيرخورما والأرز والعدس والإدام. وقد تطلق صفارة الإنذار عند نهاية وقت السحور، أي الإمساك، في معظم المساجد والجوامع.
الأكلات والمشروبات عند الإفطار
في الهند يفطر المسلمون عند غروب الشمس على جرعة من الماء إذا لم يجدوا تمراً، اتباعاً لقول النبي [: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فليفطر على الماء، فإنه طهور».
وتمتاز المائدة الهنـــدية بأكــــلات متنوعة غنية خاصة عند الإفطار، وتختلف الأكلات والوجبات الرمضانية باختلاف المجتمعات الهندية من منطقة لأخرى.
في شمال الهند تشتمل مائدة الإفطار على بكورا (Pakora) مثل الفلافل، خلطات الفواكه الطازجة التي تسمى فروت تشارت (Fruit chart)، والبطيخ والمشروبات الطازجة، والحمص مع بوها (Flattened rice)، وسمبوسة، و«دهي برا» يشبه الفلافل مع الزبادي. أما «هَـلًيم» فهو ملك الأطباق الرمضانية في حيدرآباد.
أما المشروبات فيتصدرها عصير الليمون وشراب روح أفــزا، وعصير البرتقال، ولَسِّيْ (اللبن مع آيس كريم، وشراب روح أفزا). وفِي جنوب الهند تحضّر الأسر المسلمة شوربة خاصة تتكون من الأرز والحلبة ومسحوق الكركم وجوز الهند لوجبة الإفطار. وشوربة الغنجي المصنوعة من دقيق الأرز وقليل من اللحم وبعض البهارات.
ومن تقاليد المسلمين أنهم يجتمعون في مسجد حيهم على طعام الإفطار، حيث يأتي كل واحد منهم بما تيسّر له من الطعام والشراب والفواكه، ويشترك الجميع في تناول طعام الإفطار على تلك المائدة. ولذا ترى الصغار والكبار قبيل أذان المغرب بقليل وقد حملوا في أياديهم أو على رؤوسهم الصحون والأطباق الرمضانية، متجهين إلى المساجد للإفطار.
ختمة القرآن في صلاة التراويح
من تقاليد المسلمين في الهند أنهم يحافظون على لبس الطاقية (القلنسوة) في هذا الشهر الفضيل. ویرتادون المساجد للصلاة وتلاوة القرآن الكريم، إذ يجتهدون في ختمة من القرآن، إضافة إلى اهتمامهم بحضور صلاة التراويح. وفي معظم المساجد يصلون صلاة التراويح عشرين ركعة، والبعض يكتفون بثماني ركعات. يتخللها أحياناً درس ديني أو كلمات طيبة يلقيها علماء الدين الموجودون في تلك المنطقة. وعادة هم يختمون القرآن في صلاة التراويح. وتوزع الحلويات بعد آخر يوم لختمة القرآن، ويُكْرَم الإمام في هذا اليوم غاية الإكــــــرام، إذ تقدم له الــهدايا والأعطــــيات، وذلك مقابل ما قام به من ختم القرآن في صلاة التراويح.
والمسلمون في الهند يحافظون على سنّة الاعتكاف، وخاصة في العشر الأواخر، ويهتمون اهتماماً خاصاً بليلة القدر، وعلى وجه أخص ليلة السابع والعشرين، فهم يستعدون لإحياء هذه الليلة بالاغتسال والتنظيف ولبْس أحسن الثياب احتفاء بها وتقديراً لمكانتها.
مشاركة غير المسلمين
في المناسبات الرمضانية
أما غير المسلمين فأكثرهم يحترمون مشاعر المسلمين لهذا الشهر الكريم، ويباركون لهم بقدوم هذا الشهر، ويشاركونهم موائد الإفطار. وتنظم الأحزاب السياسية واللجان والجمعيات الاجتماعية والثقافية دعوة الإفطار، ويحضرها المسلمون وغير المسلمين من الزعماء السياسيين والوزراء والمثقفين وعامة الناس.
وتنال الجمعة الأخيرة من رمضان أهمية خاصة لدى المسلمين في الهند، إذ تسمى «جمعة الوداع»، ويتم فيها احتشاد شعبي خاص، ويعتبرونها مناسبة عظيمة للاجتماع والارتقاء، فترى الجميع، كلاً منهم يستعد ويهيئ نفسه ويتوجه إلى أكبر مسجد بالمنطقة. ويشعرون في أنفسهم أنهم يودعون شهر الخير والبركة فرداً وجماعة. هكذا ينتهي شهر رمضان المبارك شهر الخير والبركة، حــتى يطلع هلال شوال المكرم ■
الوضوء استعداداً للصلاة
انتظار الصلاة
إفطار جماعي