جون هوبكنز: الكتابة هبة الرحلة

جون هوبكنز:  الكتابة هبة الرحلة

ولد‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬جون‭ ‬هوبكنز‭  ‬hopkins‭ ‬John‭ ‬بمدينة‭ ‬أورانج‭ ‬بولاية‭ ‬نيو‭ ‬جرسي‭ ‬سنة‭ ‬1938‭. ‬لبى‭ ‬نداء‭ ‬المساحات‭ ‬الشاسعة،‭ ‬والبراري‭.. ‬فتحرر‭  ‬من‭ ‬الوهم،‭ ‬واتسع‭ ‬إدراكه‭ ‬للكون،‭ ‬واستوعب‭ ‬معنى‭ ‬الوحدة،‭ ‬والغيرية‭. ‬لم‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كأستاذه‭ ‬بول‭ ‬بولز،‭ ‬الذي‭ ‬التقاه‭ ‬بطنجة،‭ ‬ورغب‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬البنكية‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬رجل‭ ‬أعمال،‭ ‬هو‭ ‬خريج‭ ‬جامعة‭ ‬برانستون،‭ ‬نزولاً‭ ‬عند‭ ‬نصيحة‭ ‬والده‭: ‬‮«‬يا‭ ‬ابني،‭ ‬لا‭ ‬تشتغل‭ ‬في‭ ‬وول‭ ‬ستريت‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬معظم‭ ‬حياته‭ ‬العملية‭ ‬بـ‮«‬وول‭ ‬ستريت‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬صادف‭ ‬النجاح‭ ‬ولا‭ ‬السعادة‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الابن‭ ‬جون‭.‬

تعاطى‭ ‬السفر‭ ‬حتى‭ ‬الإدمان،‭ ‬حيث‭ ‬قضى‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬يرحل‭ ‬من‭ ‬جغرافيا‭ ‬وقارة‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬وبشر،‭ ‬يتفرس‭ ‬في‭ ‬تضاريس‭ ‬وجود‭ ‬الناس،‭ ‬يمتص‭ ‬رحيق‭ ‬المعيش‭ ‬فيحوله‭ ‬ثماراً‭ ‬من‭ ‬حروف‭ ‬وعواطف‭. ‬استقر‭ ‬بأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬فكتب‭ ‬روايتي‭ ‬‮«‬في‭ ‬الجبال‭ ‬الصينية‮»‬،‭ ‬و«مذكرات‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‮»‬‭ (‬1972‭ - ‬1973‭)‬،‭ ‬وإفريقيا‭ ‬الجنوبية‭ ‬والشرقية‭ ‬فخلدهما‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬يوميات‭ ‬النيل‭ ‬الأبيض‮»‬،‭ ‬وإفريقيا‭ ‬الشمالية‭ ‬حيث‭ ‬قضى‭ ‬بطنجة‭ ‬والمغرب‭ ‬قرابة‭ ‬العقدين،‭ ‬فتمخضت‭ ‬عن‭ ‬روايات‭ ‬‮«‬طنين‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‮»‬،‭ ‬و‮«‬يوميات‭ ‬طنجة‮»‬‭ (‬1962‭-‬1979‭)‬،‭ ‬و‮«‬وداعاً،‭ ‬أليس‮»‬‭.. ‬ولئن‭ ‬قال‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬ألان‭ ‬إن‭ ‬السفر‭ ‬مدرسة‭ ‬ثانية،‭ ‬فالرحلة‭ ‬تخلق‭ ‬الكاتب‭ ‬حين‭ ‬تجد‭ ‬التربة‭ ‬والمناخ،‭ ‬وهي‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬الذات،‭ ‬أيضاً‭. ‬ولأولي‭ ‬الألباب‭ ‬عبرة‭ ‬في‭ ‬المواطن‭ ‬الطنجي‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭.‬

‭• ‬جون،‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬نصيباً‭ ‬من‭ ‬المصادفة‭ ‬قد‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬كونك‭ ‬أصبحت‭ ‬كاتباً‭.‬

‭- ‬للمصادفة‭ ‬أو‭ ‬الحتمية‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬الأشياء‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تلخصه‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬مكتوب‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬لكَ‭ ‬وليام‭ ‬بورووز‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭. ‬تعلم‭ ‬أنني‭ ‬سافرت‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬دراجة‭ ‬نارية‭ ‬من‭ ‬ميونيخ‭ ‬بألمانيا‭ ‬إلى‭ ‬مومباسا‭ ‬بكينيا،‭ ‬وقد‭ ‬استمرت‭ ‬الرحلة‭ ‬ستة‭ ‬أشهر،‭ ‬وذلك‭ ‬رفقة‭ ‬صديقي‭ ‬جو‭ ‬ماك‭ ‬فليبس‭... ‬وكنت‭ ‬شرعت‭ ‬قبل‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬بالانخراط‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬يومياتي،‭ ‬ولما‭ ‬حللت‭ ‬بطنجة‭ ‬قلت‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬الآن‭ ‬رواية‭. ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬راكمت‭ ‬بعض‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬الحبكة‭.‬

‭• ‬روايتك‭ ‬الأولى،‭ ‬التي‭ ‬كتبتها،‭ ‬ولم‭ ‬تنشر؟

‭- ‬نعم،‭ ‬لم‭ ‬تنشر‭ ‬بالطبع،‭ ‬وخلال‭ ‬كتابتها‭ ‬كنت‭ ‬أشتغل‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بطنجة‭ ‬كأستاذ‭. ‬كنت‭ ‬أقضي‭ ‬النهار‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬والليل‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭. ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬متعباً‭ ‬جداً‭. ‬أتممت‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب،‭ ‬ولم‭ ‬يرضني،‭ ‬ولم‭ ‬أقتنع‭ ‬بنشره،‭ ‬وما‭ ‬أزال‭ ‬أحتفظ‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ (‬ضاحكاً‭). ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬كتبت‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬عنوانها‭ ‬‮«‬كل‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أرغب‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬العشرة‮»‬‭ ‬ونشرت‭ ‬بسويسرا‭ ‬بفضل‭ ‬بول‭ ‬بولز‭ ‬بمجلة‭ ‬Art‭  ‬Literature‭.‬

‭• ‬وقد‭ ‬أشرتَ‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬‮«‬يوميات‭ ‬طنجة‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬في‭ ‬وجهك‭ ‬الناقد‭ ‬بيرسي‭ ‬لوبوك‭ ‬حينما‭ ‬قال‭ ‬لك،‭ ‬بمعية‭ ‬ماك‭ ‬فليبس،‭ ‬إذا‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬تعزل‭ ‬نفسك‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬جزيرة،‭ ‬غير‭ ‬بعيدة‭ ‬من‭ ‬سكناه‭ ‬بإيطاليا،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أكل‭ ‬ولا‭ ‬شراب،‭ ‬طوال‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭ ‬وتدوّن‭ ‬مجمل‭ ‬مشاعرك،‭ ‬ستمتحن‭ ‬نفسك‭ ‬لتعرف‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬كاتباً‭.. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬التحدي‭ ‬والاستجابة‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬فعل‭ ‬للكتابة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليك؟

‭- ‬نعم،‭ ‬طبعاً‭ ‬كنا،‭ ‬أنا‭ ‬وماك‭ ‬فليبس،‭ ‬نقرأ‭ ‬كتباً‭ ‬للكاتب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬بيسري‭ ‬لوبيك،‭ ‬وكان‭ ‬عمره‭ ‬يومها‭ ‬85‭ ‬سنة،‭ ‬وهو‭ ‬صديق‭ ‬قديم‭ ‬لهنري‭ ‬جيمس،‭ ‬وإدوارد‭ ‬فورستر،‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الكبار‭. ‬وقد‭ ‬أقمنا‭ ‬ببيته‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر،‭ ‬وكنا‭ ‬نقرأ‭ ‬له‭ ‬خلال‭ ‬النهار‭ ‬بالتناوب‭ ‬ونستمتع‭ ‬بالسباحة،‭ ‬أيضا،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يسكن‭ ‬فيلا‭ ‬جميلة‭ ‬جداً‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬البحر‭. ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬كتابة‭ ‬مذكراتي‭ ‬ببيته‭. ‬كنت‭ ‬قضيت‭ ‬أربعا‭ ‬وعشرين‭ ‬ساعة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬جزيرة‭ ‬غير‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬فيلته‭ ‬وعن‭ ‬الشاطئ،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أحمل‭ ‬معي‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬عدا‭ ‬قلم‭ ‬ومذكرة‭.‬

‭• ‬لعل‭ ‬بولز‭ ‬وطنجة‭ ‬ساهما‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الكاتب‭ ‬جون‭ ‬هوبكنز؟

‭- ‬بالطبع،‭ ‬بولز‭ ‬قرأ‭ ‬نصي‭ ‬الأول‭ ‬وصححه،‭ ‬وطالب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬بإعادة‭ ‬كتابته‭ ‬حتى‭ ‬طهرته‭ ‬من‭ ‬الزوائد‭. ‬وظل‭ ‬يقرأ‭ ‬نصوصي‭ ‬ويبدي‭ ‬الملاحظات،‭ ‬ملاحظات‭ ‬الكاتب‭ ‬المتمرس،‭ ‬المخلص،‭ ‬الحريص‭ ‬على‭ ‬تفوق‭ ‬التلميذ‭ ‬ونجاحه،‭ ‬وهو‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬طنجة‭ ‬جعلني‭ ‬ألتقي‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وغير‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬نسيان‭ ‬دور‭ ‬القراءة‭. ‬وبولز‭ ‬محرض‭ ‬على‭ ‬القراءة‭.‬

‭• ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنك‭ ‬أصبحت‭ ‬رحالة،‭ ‬وقمت‭ ‬برحلات‭ ‬أيضاً،‭ ‬بالمصادفة‭ ‬لما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬البيرو‭ ‬ورغبت‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬مزرعة‭ ‬هناك‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد؟

‭- ‬‮«‬ضاحكا‮»‬‭ ‬نعم‭. ‬عندما‭ ‬أنهيت‭ ‬دراستي‭ ‬بجامعة‭ ‬برنستون‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كنت‭ ‬أحلم‭ ‬بامتلاك‭ ‬مزرعة‭ ‬بُنّ‭ ‬بأمريكا‭ ‬الجنوبية‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬سافرنا،‭ ‬أنا‭ ‬وماك‭ ‬فليبس،‭ ‬إلى‭ ‬البيرو،‭ ‬محتضنين‭ ‬حلمنا،‭ ‬وعشنا‭ ‬عدة‭ ‬مغامرات‭ ‬هناك،‭ ‬واكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬مزرعة‭ ‬البن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬شبان‭ ‬مثلنا‭. ‬كنت‭ ‬يومها‭ ‬ابن‭ ‬الثانية‭ ‬والعشرين،‭ ‬وبدا‭ ‬لي‭ ‬أمراً‭ ‬مستحيلاً‭ ‬قضاء‭ ‬بقية‭ ‬عمري‭ ‬بالغابة‭ ‬الاستوائية‭. ‬وهكذا‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ثم‭ ‬رحلنا‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا،‭ ‬حيث‭ ‬عثرنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬عند‭ ‬السيد‭ ‬لوبيك،‭ ‬ثم‭ ‬قمنا‭ ‬بتلك‭ ‬المغامرة‭ ‬الطويلة،‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬تلك‭ ‬الدراجة‭ ‬النارية،‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬

‭• ‬بالنسبة‭ ‬إليك‭ ‬ككاتب،‭ ‬هل‭ ‬تعتبر‭ ‬الرحلة،‭ ‬الأسفار،‭ ‬مكوناً‭ ‬ضرورياً‭ ‬للكتابة؟

‭- ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬لو‭ ‬بقيت‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لن‭ ‬أكتب‭ ‬أبداً‭. ‬هذه‭ ‬حقيقة‭. ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬وجب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أسافر،‭ ‬أن‭ ‬أتعلم،‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ ‬العالم،‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬ضروري،‭ ‬وجوهري‭.‬

‭• ‬في‭ ‬‮«‬يوميات‭ ‬طنجة‮»‬‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬كثيراً‭ ‬وعنك‭ ‬أيضاً،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬إشارة‭ ‬وردت‭ ‬تهم‭ ‬تناولك‭ ‬للمعجون،‭ ‬هل‭ ‬لذلك‭ ‬علاقة‭ ‬بالكتابة،‭ ‬هل‭ ‬يساعد‭ ‬هذا‭ ‬التناول‭ ‬على‭ ‬الكتابة،‭ ‬يسهلها؟

‭- ‬لا،‭ ‬لا،‭ ‬أبداً‭. ‬تناولته‭ ‬بفعل‭ ‬الفضول،‭ ‬ببيت‭ ‬بول‭ ‬أو‭ ‬ببيت‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭. ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬الكتابة‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬سمعتَه‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬بول،‭... ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭.‬

‭• ‬لا‭ ‬يوحي‭ ‬تناوله‭ ‬بأفكار،‭ ‬لا‭ ‬ينشط‭ ‬الذاكرة‭.‬

‭-‬لا،‭ ‬لا،‭ ‬أبداً‭. ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭.‬

‭• ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬أيضاً،‭ ‬ظللت‭ ‬تقوم‭ ‬برحلات‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬المغربي،‭ ‬وإلى‭ ‬الصحراء،‭ ‬وإلى‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬أخرى‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬على‭ ‬الفضاءات‭.‬

‭- ‬تعلم،‭ ‬يا‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬كنت‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬ربو‭ ‬شديدة،‭ ‬وطقس‭ ‬طنجة‭ ‬رطب‭ ‬جداً،‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬كذلك،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬تدفئة‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أقيم‭ ‬به،‭ ‬وكانت‭ ‬الرطوبة‭ ‬حادة‭.. ‬وقد‭ ‬انتابتني‭ ‬نوبات‭ ‬ربو‭ ‬حادة‭ ‬وتضاعفت‭ ‬معاناتي‭. ‬وعندما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء،‭ ‬أحسست‭ ‬بتراجع‭ ‬حدة‭ ‬الربو‭ ‬وبتحسن‭ ‬حالي‭ ‬واسترجع‭ ‬تنفسي‭ ‬إيقاعه‭ ‬العادي‭ ‬بفضل‭ ‬مناخ‭ ‬الصحراء‭ ‬الجاف‭. ‬وبذلك‭ ‬تكررت‭ ‬رحلاتي‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭ ‬لأسباب‭ ‬صحية‭ ‬أولاً،‭ ‬ولأنها‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليَّ‭ ‬ثانياً‭. ‬

‭• ‬‮«‬في‭ ‬يوميات‭ ‬طنجة‮»‬‭ ‬تركز‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬والبحر‭.‬

‭- ‬‮«‬مقاطعا‮»‬‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬وما‭ ‬أزال‭ ‬أحب‭ ‬البحر،‭ ‬أحب‭ ‬السباحة‭ ‬فيه‭. ‬وفي‭ ‬طنجة،‭ ‬هناك‭ ‬شواطئ‭ ‬جميلة‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬والأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أقطن‭ ‬بمنطقة‭ ‬الجبل‭ ‬كنت‭ ‬كثير‭ ‬التجوال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشاطئ‭ ‬المقابل‭ ‬لإسبانيا،‭ ‬حتى‭ ‬كاب‭ ‬سبارطيل‭. ‬أراقب‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وحركة‭ ‬الأمواج‭.. ‬وأسبح‭ ‬باستمرار‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭.‬

 

الطبيعة‭ ‬المتوحشة

‭• ‬يبدو‭ ‬للطبيعة،‭ ‬وللبحر‭ ‬أثرهما‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬توليد‭ ‬الأفكار،‭ ‬وربما‭ ‬تجديدها‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬نصوصك؟

‭- ‬الطبيعة‭ ‬مجال‭ ‬للوحي،‭ ‬كما‭ ‬شكلت‭ ‬ذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬والطبيعة‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وخاصة‭ ‬الطبيعة‭ ‬المتوحشة،‭ ‬الشواطئ‭ ‬الجميلة‭ ‬والخالية‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬والمناطق‭ ‬الجبلية‭ ‬أيضا‭ (‬والكل‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬بلد‭ ‬جميل‭) ‬وكذلك‭ ‬الصحراء‭.. ‬أستلهم‭ ‬منها‭ ‬كلها‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير‭ ‬وتوحي‭ ‬لي‭ ‬بالشيء‭ ‬الكثير‭.‬

‭ • ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬الصحراء،‭ ‬تقدم‭ ‬أعمالك‭ ‬أوصافاً‭ ‬جميلة‭ ‬للصحراء‭ ‬تعكس‭ ‬كونها‭ ‬فضاء‭ ‬يولد‭ ‬الأفكار،‭ ‬يغري‭ ‬بالمغامرة‭ ‬والاكتشاف،‭ ‬ويقوي‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬ويغنيها‭.‬

‭- ‬أنت‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬نصب‭ ‬عينيه‭ ‬أنه‭ ‬سـيعاني،‭ ‬وقد‭ ‬سافرت‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬الشاحنات،‭ ‬والحافلات‭ ‬الصحراوية،‭ ‬وعلى‭ ‬ظهر‭ ‬الجمال‭. ‬والسفر‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬صعب‭ ‬وشاق‭ ‬دائماً،‭ ‬وربما‭ ‬دلل‭ ‬الصعاب‭ ‬الآن‭ ‬إنشاء‭ ‬الطرق‭ ‬والمواصلات‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أكل،‭ ‬أو‭ ‬أكل‭ ‬كافٍ‭. ‬وكان‭ ‬السفر‭ ‬دائماً‭ ‬طويلاً‭ ‬وبطيئاً‭. ‬يستمر‭ ‬الترحال‭ ‬ست‭ ‬عشرة‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬والعطش‭ ‬والجوع‭ ‬يتربصان‭ ‬بك،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬مكان‭ ‬للمبيت‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬الصغيرة‭. ‬يجب‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬لقضاء‭ ‬ليلتك‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬داخل‭ ‬قلعة‭ ‬قديمة‭ ‬يملكها‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬أفرشة‭... ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬كنت‭ ‬دائماً‭ ‬فرحاً‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭.‬

‭• ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الطبيعة‭ ‬المتوحشة‭ ‬والفارغة‭.‬

‭- ‬‮«‬مقاطعا‮»‬‭ ‬الطبيعة‭ ‬المتوحشة‭ ‬والفارغة‭ ‬تأسرني‭ ‬دائما‭.‬

‭• ‬لماذا‭ ‬تأسرك؟

‭- ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬إنجلترا،‭ ‬حيث‭ ‬أقيم‭ ‬الآن،‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬‮«‬ضاحكا‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭... ‬ما‭ ‬يشدني‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬أنني‭ ‬أكون‭ ‬بها‭ ‬وحدي،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬أحداً‭ ‬هناك،‭ ‬أي‭ ‬ليس‭ ‬لي‭ ‬معارف،‭ ‬ويجب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬إلى‭ ‬مرافقي‭ ‬من‭ ‬المسافرين‭ ‬أو‭ ‬العابرين‭ ‬والشبان‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬أبناء‭ ‬المنطقة‭... ‬والآن،‭ ‬‮«‬حين‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الصحراء‮»‬‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬عبر‭ ‬المذكرات‭. ‬عندما‭ ‬أقول‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬عبر‭ ‬المذكرات،‭ ‬أقصد‭ ‬بذلك‭ ‬أنني‭ ‬أملك‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬وليس‭ ‬لديك‭ ‬عمل‭ ‬معين‭ ‬لإنجازه،‭ ‬فتشرع‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬بالكتابة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬البال‭ ‬روايات،‭ ‬إذن‭ ‬شرعت‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬أحداثها،‭ ‬شخوصها‭ ‬ومساراتها‭... ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬هناك‭ ‬متسع‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬للحديث‭ ‬مع‭ ‬الذات‭.‬

 

طنجة‭ ‬عالم‭ ‬صغير

‭• ‬جون،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬لفتت‭ ‬انتباهك‭ ‬عندما‭ ‬حللت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬بالمغرب؟

‭- ‬السوق‭ ‬البراني،‭ ‬والأطفال‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬ينامون‭ ‬خلال‭ ‬الليل‭ ‬‮«‬ضاحكا‮»‬‭.. ‬قضينا،‭ ‬أنا‭ ‬وماك‭ ‬فليبس،‭ ‬الليلة‭ ‬الأولى‭ ‬بالسوق‭ ‬الصغير،‭ ‬نتحدث‭ ‬بمقهى‭ ‬السنترال‭ ‬حتى‭ ‬الرابعة‭ ‬صباحا‭. ‬كنا‭ ‬جئنا‭ ‬إلى‭ ‬طنجة‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭. ‬ولفت‭ ‬انتباهي‭ ‬سكان‭ ‬طنجة،‭ ‬اللطفاء،‭ ‬الذين‭ ‬يتحدثون‭ ‬كل‭ ‬اللغات‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬والإسبانية‭ ‬والإيطالية،‭ ‬وطبعاً‭ ‬اللغة‭ ‬الدارجة‭ ‬المغربية،‭ ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬تنوع‭ ‬ساكني‭ ‬المدينة،‭ ‬وطقسها‭ ‬الجميل،‭ ‬ومستواها‭ ‬المعيشي‭ ‬الرخيص‭... ‬وقد‭ ‬عثرنا‭ ‬على‭ ‬منزل‭ ‬بمنطقة‭ ‬القصبة‭ ‬وكان‭ ‬ثمنه‭ ‬رخيصا،‭ ‬وكنت‭ ‬فرحا‭ ‬بالتدريس‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلامذتي‭ ‬هناك،‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬تلميذا‭ ‬مغاربة،‭ ‬ويهود،‭ ‬وإسبان،‭ ‬وأمريكان،‭ ‬فرنسيون‭... ‬خليط‭ ‬حقيقي‭. ‬وأنا‭ ‬يثيرني‭ ‬تعدد‭ ‬الأجناس‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬لأنه‭ ‬يعكس‭ ‬لنا‭ ‬تعدد‭ ‬أجناس‭ ‬العالم،‭ ‬طنجة‭ ‬عالم‭ ‬صغير‭.‬

 

إنصاف‭ ‬الفضاءات

‭• ‬حين‭ ‬تستوعب‭ ‬تضاريس‭ ‬المكان‭ ‬وساكنيه،‭ ‬وتغوص‭ ‬في‭ ‬بحرهما‭ ‬اللجّي،‭ ‬وتعتق‭ ‬المعرفة‭ ‬بهما‭ ‬تتحول‭ ‬كلمات‭ ‬وعواطف‭ ‬تنثرها‭ ‬على‭ ‬أوراق‭ ‬قد‭ ‬تمتع‭ ‬قارئاً‭ ‬مفترضاً‭ ‬يقيم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬بلغة‭ ‬ما‭.‬

‭- ‬تذكر‭ ‬قول‭ ‬جون‭ ‬كوكتو‭: ‬أقرأ‭ ‬حتى‭ ‬أمتلئ‭ ‬ثم‭ ‬أفرغ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬جعبتي،‭ ‬نقرأ‭ ‬الكتب،‭ ‬والواقع،‭ ‬والناس‭... ‬وقد‭ ‬أنصفت‭ ‬كل‭ ‬الفضاءات‭ ‬التي‭ ‬أقمت‭ ‬بها‭... ‬وحب‭ ‬طنجة‭ ‬والصحراء‭ ‬راسخ‭ ‬في‭ ‬الروح‭.‬

 • ‬طنجة‭ ‬كفضاء،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتاباتك،‭ ‬تشكل‭ ‬نقيضا‭ ‬للصحراء‭.‬

‭- ‬‮«‬مقاطعا‭ ‬وهو‭ ‬يضحك‮»‬‭ ‬طبعا،‭ ‬نعم‭. ‬تماماً‭. ‬كان‭ ‬لي‭ ‬عمل،‭ ‬وكان‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬به‭ ‬جميلاً،‭ ‬لكن‭ ‬وجب‭ ‬أن‭ ‬أتحرر،‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬من‭ ‬طنجة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صحتي،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اكتشاف‭ ‬الصحراء‭.‬

‭• ‬في‭ ‬روايتك‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬رحلة‭ ‬من‭ ‬صحراء‭ ‬المغرب‭ ‬نحو‭ ‬طنجة‭ ‬‮«‬طنين‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‮»‬،‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬التطهير‭ ‬والاستشفاء‭ ‬وكنت‭ ‬توجد‭ ‬بمدينة‭ ‬‮«‬گُولْمِيمْ‮»‬‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬المهندس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬اكتشف‭ ‬الماغنيزيوم‭.‬

‭- ‬‮«‬مقاطعا‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬‮«‬گولميم‮»‬‭ ‬بل‭ ‬بقرية‭ ‬قرب‭ ‬‮«‬فُمْ‭ ‬زْگِيطْ‮»‬‭ ‬بقرية‭ ‬تدعى‭ ‬تارْگِيسَتْ،‭ ‬التقيت‭ ‬مهندس‭ ‬معادن‭ ‬أمريكياً‭ ‬أحمق‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬اكتشف‭ ‬معادن‭ ‬الماغنيزيوم‭ ‬بأحد‭ ‬الجبال‭ ‬هناك‭. ‬نعم،‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬نلتقي‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الشخوص‭ ‬الغريبي‭ ‬الأطوار‭ ‬خلال‭ ‬الأسفار‭.‬

‭• ‬قلتَ‭ ‬عبارة‭ ‬بمنزلة‭ ‬تعليق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬نستشف‭ ‬منها‭ ‬الخوف‭ ‬على‭ ‬براءة‭ ‬العالم‭ ‬والإنسان‭ ‬من‭ ‬استبداد‭ ‬رأس‭ ‬مال‭: ‬‮«‬هكذا‭ ‬سينتهي‭ ‬المطاف‭ ‬بالعالم‭ ‬التصنيع‭ ‬والاستغلال‮»‬‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭. ‬فهذا‭ ‬المهندس‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬أمريكية‭ ‬كبيرة‭ ‬ستحل‭ ‬بتارﮔيست‭ ‬لتستغل‭ ‬الماغنيزيوم‭. ‬لكن،‭ ‬حمدا‭ ‬لله،‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬‮«‬ضاحكا‮»‬‭.‬

‭• ‬لو‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬لتم‭ ‬تحويل‭ ‬الطبيعة‭ ‬ومسخها‭ ‬عبر‭ ‬بنايات‭ ‬إسمنتية‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬سيشكل‭ ‬طامة‭ ‬كبرى‭... ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحدث،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬‮«‬ضاحكا‮»‬‭ ‬تارگيست‭ ‬كانت‭ ‬واحة‭ ‬جميلة‭ ‬جداً‭. ‬وقد‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬تارگيست‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬الدراجة‭ ‬النارية‭ ‬ذاتها‭. ‬كانت‭ ‬الطريق‭ ‬صعبة‭ ‬ووعرة‭. ‬إني‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬انصرمت‭ ‬قبل‭ ‬قرابة‭ ‬خمسين‭ ‬سنة،‭ ‬وقد‭ ‬تغير‭ ‬المغرب‭ ‬كثيرا‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

 

أمريكا‭ ‬اللاتينية

‭• ‬روايتك‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬مساح‭ ‬الأرض‮»‬‭ ‬فضاؤها‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

‭- ‬‮«‬مقاطعا‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الرواية‭ ‬الأولى‭ ‬المنشورة‭. ‬وتعرض‭ ‬لشاب‭ ‬ببلد‭ ‬أجنبي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬لحياته‭ ‬ويريد‭ ‬اكتشاف‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭. ‬والرواية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬ذات‭ ‬مضمون‭ ‬سيرذاتي،‭ ‬قام‭ ‬الشاب‭ ‬هوبكنز‭ ‬بعدة‭ ‬رحلات‭ ‬إلى‭ ‬الأمازون‭ ‬والجبال‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أسرتي‭ ‬وعن‭ ‬بلدي‭. ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬أصبحت‭ ‬مستقلا‭ ‬بذاتي‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭. ‬وما‭ ‬أزال‭ ‬أتوفر‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬مذكراتي‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬حياتي‭... (‬نشر‭ ‬هوبكنز،‭ ‬مؤخرا،‭ ‬كتابا‭ ‬يشمل‭ ‬مذكراته‭ ‬الرحلية‭ ‬بأمريكا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬يحتفظ‭ ‬بمئات‭ ‬الصفحات‭ ‬الأخرى‭).‬

‭•  ‬روايتك‭ ‬الثانية‭ ‬‮«‬طيران‭ ‬البجع‮»‬‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬فضاء‭ ‬لها،‭ ‬أيضا‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬استوحيتها‭ ‬من‭ ‬أسفاري‭ ‬لأمريكا‭ ‬اللاتينية‭. ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬شخوصها‭ ‬استوحيته‭ ‬من‭ ‬أصدقائي،‭ ‬ولا‭ ‬أذكرهم‭ ‬بأسمائهم‭ ‬الحقيقية‭. ‬وتتحدث‭ ‬الرواية‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬والده‭ ‬الذي‭ ‬فقده‭ ‬من‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭. ‬إنها‭ ‬قصة‭ ‬واقعية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬وقائع‭ ‬حقيقية‭ ‬لأسرة‭ ‬أعرفها‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬بالطبع،‭ ‬وظفت‭ ‬كل‭ ‬تجاربي‭ ‬الخاصة‭ ‬بإقامتي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭. ‬وبالطبع،‭ ‬هناك‭ ‬اهتمام‭ ‬خاص‭ ‬بالطبيعة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭.‬

‭ • ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬موضع‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأب‭ ‬خاص‭ ‬بك‭ ‬أيضا‭.‬

‭- ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأب،‭ ‬متشعب‭. ‬إنك‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬والديَّ‭ ‬انفصلا‭ ‬عن‭ ‬بعضيهما‭ ‬البعض‭ ‬لما‭ ‬بلغت‭ ‬الرابعة‭ ‬عشرة‭. ‬وقد‭ ‬أحدث‭ ‬الطلاق‭ ‬حزنا‭ ‬كبيرا‭ ‬لي‭ ‬ولباقي‭ ‬أفراد‭ ‬أسرتي‭. ‬كنت‭ ‬ألتقي‭ ‬والدي،‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬وكان‭ ‬الحزن‭ ‬يأكله‭ ‬أيضا،‭ ‬وكنت‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬من‭ ‬خلال‭/ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭.‬

‭• ‬لعل‭ ‬عنوان‭ ‬روايتك‭ ‬الثالثة‭ ‬‮«‬في‭ ‬الجبال‭ ‬الصينية‮»‬‭ ‬غريب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭.. ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬وقائعها‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬البيرو‭ ‬فضاء‭ ‬لها‭... ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬مجموعة‭ ‬ماوية،‭ ‬متأثرة‭ ‬بفكر‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬الزعيم‭ ‬السابق‭ ‬للصين‭ ‬ندرك‭ ‬مواءمة‭ ‬العنوان‭ ‬للنص‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬وهو‭ ‬بالفعل‭ ‬كذلك‭... ‬إنه‭ ‬يقوم‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬معرفتي‭ ‬بقصة‭ ‬مجموعة‭ ‬ثورية‭ ‬ماوية‭ ‬كانت‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬البيرو‭. ‬تدعى‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬
بالــ‮«‬sedero‭ ‬Romenoso‭ ‬Chining‭ ‬pair‭"‬‭ ‬وقد‭ ‬تعرفت،‭ ‬خلال‭ ‬إقامتي‭ ‬بالبيرو،‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬دمرت‭ ‬حياتهم‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬الثوار،‭ ‬ولذلك‭ ‬كتبت‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭. ‬وكان‭ ‬سارد‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬نصفه‭ ‬ألماني‭ ‬ونصفه‭ ‬الآخر‭ ‬هندي،‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬الموقعين‭ ‬معا،‭ ‬موقع‭ ‬الثوار،‭ ‬وموقع‭ ‬العائلات‭ ‬القديمة‭ ‬الأصيلة‭ ‬في‭ ‬البيرو‭.‬

‭• ‬كيف‭ ‬تخلقت‭ ‬ثم‭ ‬نمت‭ ‬فكرة‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬طنين‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة»؟

‭- ‬كنت‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬آخذ‭ ‬قيلولتي‭ ‬في‭ ‬طنجة،‭ ‬ولما‭ ‬استيقظت‭ ‬ظللت‭ ‬أراقب‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة،‭ ‬وأنا‭ ‬ممدد‭ ‬بفراشي‭. ‬ذباب‭ ‬طنجة،‭ ‬الذباب‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬بغرف‭ ‬بيوت‭ ‬طنجة،‭ ‬ذباب‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬صوتا‭... ‬طبعا،‭ ‬لما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬كنت‭ ‬أرى‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الذباب،‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الثمر،‭ ‬لكن‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬ذباب‭ ‬الصحراء‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬تذكرت‭ ‬مغامراتي‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬فنشأت‭ ‬فكرة‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬ذهني،‭ ‬وأنا‭ ‬أشاهد‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‭.‬

‭• ‬الحدث‭ ‬الأهم،‭ ‬أو‭ ‬محور‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬المغرب،‭ ‬من‭ ‬الصحراء،‭ ‬باتجاه‭ ‬الشمال،‭ ‬طنجة؟

‭- ‬قمت،‭ ‬يومها،‭ ‬رفقة‭ ‬السيد‭ ‬ماك‭ ‬فليبس،‭ ‬برحلة‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحتلها‭ ‬إسبانيا‭: ‬أي‭ ‬الساقية‭ ‬الحمراء‭ ‬ووادي‭ ‬الذهب‭. ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الصحراوي‭ ‬الشاسع‭ ‬جداً‭. ‬وقد‭ ‬سحرنا‭ ‬واندهشنا‭ ‬ونحن‭ ‬نخوض‭ ‬مغامرتنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البقاع،‭ ‬ونعاين‭ ‬الحضور‭ ‬الإسباني،‭ ‬حضور‭ ‬جنود‭ ‬الفيلق‭ ‬الإسباني‭.‬

‭• ‬يلاحظ‭ ‬في‭ ‬روايتك‭ ‬هذه‭ ‬تأكيدك‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬المواسم‭ ‬الشعبية‭.‬

‭- ‬زرت‭ ‬أول‭ ‬موسم‭ ‬وهو‭ ‬موسم‭ ‬سيدي‭ ‬قاسم‭ ‬رفقة‭ ‬بول‭ ‬‮«‬بولز‮»‬‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬الأطلسي‭. ‬إنها‭ ‬تجربة‭ ‬مدهشة‭. ‬ثم‭ ‬لما‭ ‬سكنت‭ ‬بمدينة‭ ‬مراكش‭ ‬زرت‭ ‬معظم‭ ‬مواسم‭ ‬المنطقة،‭ ‬كما‭ ‬زرت‭ ‬المواسم‭ ‬الموجودة‭ ‬جهة‭ ‬طنجة‭, ‬ومنها‭ ‬موسم‭ ‬سيدي‭ ‬علي‭ ‬زرهون،‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬مولاي‭ ‬إدريس‭ ‬‮«‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬فاس‮»‬،‭ ‬وحضرت‭ ‬لحظات‭ ‬الجذبة‭ ‬لجماعات‭ ‬حمادشة،‭ ‬وگناوة،‭ ‬وجيلالة‭.‬

‭ ‬

الصحراء‭ ‬تطهر‭ ‬الإنسان‭ ‬

‭• ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الوحدة‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬التيمات‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬كتاباتك،‭ ‬نعثر‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬عدة‭ ‬منها‭: ‬‮«‬طنين‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شخصية‭ ‬جوزيف‭ ‬كايبل،‭ ‬‮«‬كل‭ ‬ما‭ ‬أرغب‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬العشرة»؟

‭- ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كنت‭ ‬أبحث‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الوحدة،‭ ‬كنت‭ ‬أريد‭ ‬تجريب‭ ‬الوحدة‭. ‬كنت‭ ‬أعتبر‭ ‬الوحدة‭ ‬مهمة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬إن‭ ‬أسفاري‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬منها‭ ‬معرفة‭ ‬الوحدة‭ ‬ومعرفة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬الوحدة‭. ‬واكتشفت‭ ‬الوحدة‭ ‬ولاحظت‭ ‬أنني‭ ‬أحبها‭ ‬كثيرا،‭ ‬وأحب‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬الوحدة‭ ‬لأنها‭ ‬ترغمني‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كتبي،‭ ‬وفي‭ ‬كلماتي‭. ‬وعندما‭ ‬كنت‭ ‬أغادر‭ ‬الصحراء‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬الوحدة،‭ ‬كنت‭ ‬كمن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الحمام،‭ ‬أغادر‭ ‬الصحراء‭ ‬نظيفا،‭ ‬نقيا،‭ ‬وأحسن‭ ‬حالاً‭ ‬مما‭ ‬كنت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭... ‬الصحراء‭ ‬تطهر‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أدران‭ ‬التحديث،‭ ‬والمكننة‭. ‬

‭• ‬في‭ ‬‮«‬طنين‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬جوزيف‭ ‬كايبل‭: ‬‮«‬إنني‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬صحبة‭ ‬المغاربة‭ ‬لأنهم‭ ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الوحدة»؟

‭- ‬آه،‭ ‬المغاربة‭. ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬لأنني‭ ‬أدركت‭ ‬مبكرا‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أقبل‭ ‬بمعاشرة‭ ‬المغاربة‭ ‬لمعرفة‭ ‬أحوال‭ ‬المغرب،‭ ‬وخصائص‭ ‬أهله‭ ‬وعالم‭ ‬الصحراء‭. ‬يجب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أخالط‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬ألتقي‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭. ‬

 

كاتب‭ ‬واقعي

‭• ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنك‭ ‬كاتب‭ ‬واقعي،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬تدعمه‭ ‬نصوصك‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬نعم‭.. ‬أنا‭ ‬مقتنع‭ ‬بذلك‭ ‬أيضا‭.‬

‭• ‬في‭ ‬كتاباتك‭ ‬تنحو‭ ‬نحو‭ ‬تقديم‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الناس‭ ‬وطباعهم‭ ‬وأفكارهم‭ ‬ونمط‭ ‬عيشهم‭ ‬اليومي؟

‭- ‬نعم،‭ ‬نعم‭. ‬الإبداع‭ ‬تاريخ‭ ‬للواقع،‭ ‬أو‭ ‬التحولات،‭ ‬أو‭ ‬المشاعر‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬صديقنا‭ ‬بولز‭.‬

‭•  ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعطي‭ ‬لكتاباتك‭ ‬قوتها‭ ‬وقيمتها‭ ‬ككتابة‭ ‬تقدم‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬شعب‭ ‬معين؟

‭- ‬ذلك‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الديكور‭... ‬أليس‭ ‬كذلك؟‭ ‬بالطبع،‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الجنوبية‭ ‬لبلدك،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السياح‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك،‭ ‬آنذاك،‭ ‬سياح‭ ‬آخرون‭ ‬شباب‭ ‬كما‭ ‬نراهم‭ ‬الآن،‭ ‬يسافرون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلاد‭ ‬العالم‭. ‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬وحدي،‭ ‬يومها،‭ ‬رفقة‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬يسافرون‭ ‬مثلي‭ ‬والذين‭ ‬كنت‭ ‬ألتقي‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬وغيرها‭... ‬ووجب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬إليهم،‭ ‬وفي‭ ‬كتبي‭ ‬أقوم‭ ‬بوصفهم،‭ ‬وأصف‭ ‬ما‭ ‬رأيتهم‭ ‬عليه‭ ‬وما‭ ‬عرفته‭ ‬عنهم‭.‬

‭• ‬في‭ ‬رواية‭ ‬بول‭ ‬بولز‭ ‬المعنونة‭ ‬بـ«السماء‭ ‬الواقية‮»‬،‭ ‬‮«‬شاي‭ ‬في‭ ‬الصحراء‮»‬‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وعنوان‭ ‬فيلم‭ ‬برتولوتشي‭ ‬المقتبس‭ ‬عنها،‭ ‬يقيم‭ ‬السارد‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬السائح‭ ‬والرحالة‭.‬

‭- ‬‮«‬مقاطعا‮»‬‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬كان‭ ‬الرحالة‭ ‬يقوم‭ ‬برحلاته‭ ‬بمفرده‭. ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬الرفاهية‭ ‬ووسائل‭ ‬الراحة‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلي،‭ ‬إننا‭ ‬ننسى‭ ‬بسرعة‭ ‬الأسفار‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الراحة‭ ‬وما‭ ‬نتذكره‭ ‬جيدا‭ ‬هو‭ ‬نقطة‭ ‬الانطلاق‭ ‬المريحة‭ ‬للرحلة‭. ‬بالنسبة‭ ‬لمفهوم‭ ‬انعدام‭ ‬وسائل‭ ‬الراحة‭ ‬هناك‭ ‬إحالة‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التحدي،‭ ‬مثال‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فراش‭ ‬ولا‭ ‬ماء‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬تقريباً،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عما‭ ‬تلبي‭ ‬به‭ ‬حاجياتك‭... ‬هناك،‭ ‬أنت‭ ‬سائح‭ ‬بالمعنى‭ ‬العميق‭ ‬والحقيقي‭ ‬للكلمة،‭ ‬أي‭ ‬أنك‭ ‬رحالة‭... ‬تدرس،‭ ‬تتعلم،‭ ‬تراقب،‭ ‬تصحح‭ ‬أفكارك،‭ ‬تقاوم‭ ‬الأحكام‭ ‬المسبقة،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بولز،‭ ‬تكون‭ ‬آدمياً‭ ‬وسط‭ ‬آدميين‭ ‬مثلك‭ ‬بخصائص‭ ‬إضافية‭ ‬يجب‭ ‬اكتشافها‭. ‬

 

كاتب‭ ‬رومانسي

‭• ‬إذن‭ ‬فأنت‭ ‬كنت‭ ‬رحالة‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬سائحا؟

‭- ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬كنت‭ ‬رحالة‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬سائحا‭.. ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أضع‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬موضع‭ ‬سؤال،‭ ‬وكنت‭ ‬ألمس‭ ‬سمو‭ ‬الحضارات‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬‮«‬حضارة‮»‬‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭. ‬وكنت‭ ‬أسعى‭ ‬إلى‭ ‬استيعاب‭ ‬سمو‭ ‬الإنسان‭ ‬أينما‭ ‬كان،‭ ‬وشساعة‭ ‬روحه،‭ ‬ووجوده‭.‬

‭• ‬يمكن‭ ‬لقارئك‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أنك‭ ‬كاتب‭ ‬رومانسي‭ ‬أيضاً،‭ ‬لأن‭ ‬كتاباتك‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬وصف‭ ‬الطبيعة‭ ‬بمختلف‭ ‬عناصرها؟

‭- ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬هذه‭ ‬كلها‭ ‬عناصر‭ ‬رومانسية،‭ ‬والطبيعة‭ ‬كانت‭ ‬مهمة‭ ‬جدا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬وجدت‭ ‬المغرب،‭ ‬آنذاك،‭ ‬بلداً‭ ‬جميلاً‭ ‬جداً،‭ ‬وخطيراً‭ ‬جداً‭. ‬لقد‭ ‬سحرني‭ ‬جمال‭ ‬المغرب‭ ‬وخاصة‭ ‬جمال‭ ‬الصحراء‭.‬

‭• ‬هذه‭ ‬الرحلات‭ ‬المتعددة‭ ‬باتجاه‭ ‬الصحراء،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الضوضاء‭... ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬القلق،‭ ‬واقتحام‭ ‬خلوة‭ ‬عالم‭ ‬الفرد‭... ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬الحداثة‭. ‬وفي‭ ‬الصحراء،‭ ‬تعتبر‭ ‬زيارتها‭ ‬دخولاً‭ ‬إلى‭ ‬الحمام‭ ‬والتطهر‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عالقا‭ ‬بالذاكرة‭ ‬والحواس‭... ‬فنخرج،‭ ‬كما‭ ‬قلتَ،‭ ‬وقد‭ ‬طهرنا،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الرحلة‭ ‬باتجاه‭ ‬الصحراء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحداثة،‭ ‬مظاهر‭ ‬عالم‭ ‬غربي،‭ ‬آلي‭... ‬نحو‭ ‬البساطة‭ ‬والسكينة‭ ‬الآدميتين؟

‭- ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬أنت‭ ‬محق‭ ‬في‭ ‬كلامك،‭ ‬إن‭ ‬الذهاب‭ ‬نحو‭ ‬الصحراء‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الهرب‭. ‬كنت‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬المساحات‭ ‬الشاسعة‭ ‬الفارغة،‭ ‬كنت‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬الصمت،‭ ‬عن‭ ‬السكينة،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يمكنني‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬التفكير‭ ‬ويمنح‭ ‬السكون‭ ‬والمساحات‭ ‬الشاسعة‭ ‬الفارغة‭ ‬أفكاري‭ ‬كل‭ ‬الوضوح،‭ ‬ويسمح‭ ‬بالتواصل‭ ‬مع‭ ‬الذات‭. ‬كنت‭ ‬أحس‭ ‬أنني‭ ‬على‭ ‬أحسن‭ ‬حال،‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬المغرب،‭ ‬ثم‭ ‬إنني‭ ‬مصاب‭ ‬بالربو،‭ ‬وفي‭ ‬طقس‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬شفاء‭ ‬لي،‭ ‬أو‭ ‬تحسن‭ ‬لأحوالي‭ ‬الصحية‭.‬

‭• ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬شخصيات‭ ‬نصوصك‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الفضاءات‭ ‬الآهلة‭ ‬بالناس،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬طنين‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬جوزيف‭ ‬الذي‭ ‬يتردد‭ ‬على‭ ‬مقهى‭ ‬‮«‬المسكسف‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬متابعة‭ ‬أحاديث‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬مقاهٍ‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬مقهى‭ ‬‮«‬مرقالة‮»‬،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الفضاءات‭ ‬المانحة‭ ‬للسكينة،‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬بحث‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬الفضاءات‭ ‬المليئة‭ ‬بالفئات‭ ‬الشعبي‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬بالطبع،‭ ‬فالوحدة‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تستغرق‭ ‬كل‭ ‬الوقت،‭ ‬أن‭ ‬تدوم‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أغادر‭ ‬الصحراء،‭ ‬أكون‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬السرور‭ ‬وعلى‭ ‬عجلة‭ ‬من‭ ‬أمري‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬بأسواق‭ ‬تارودانت،‭ ‬أو‭ ‬أسواق‭ ‬مراكش،‭ ‬أو‭ ‬ورزازات،‭ ‬أو‭ ‬تزنيت‭ ‬ذاتها‭. ‬إن‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭ ‬متعبة‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتحمل‭ ‬الوحدة،‭ ‬والسكون‭ ‬لأيام‭ ‬محدودة،‭ ‬ثم‭ ‬نشرع‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬العشرة،‭ ‬عن‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وعن‭ ‬الأجانب‭.‬

 

سحر‭ ‬الموسيقى‭ ‬الصوفية

‭• ‬في‭ ‬كل‭ ‬نصوصك،‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬إحالات‭ ‬على‭ ‬الفرق‭ ‬الموسيقية‭ ‬الشعبية‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره‭ ‬بحب‭ ‬هذه‭ ‬الألوان‭ ‬الموسيقية‭ ‬الشعبية؟

‭- ‬آه،‭ ‬نعم‭. ‬لقد‭ ‬فتنتني‭ ‬كل‭ ‬الموسيقى‭ ‬الصوفية،‭ ‬وخاصة‭ ‬موسيقى‭ ‬جيلالة،‭ ‬وگناوة،‭ ‬وحمادشة،‭ ‬ودرقاوة‭... ‬سحر‭ ‬المغرب،‭ ‬وخطورته‭ ‬وغناه‭ ‬في‭ ‬تنوعه‭. ‬وتلك‭ ‬الموسيقى‭ ‬المتنوعة‭ ‬تسحرني‭ ‬وتأسرني‭.‬

‭• ‬إنه‭ ‬سحر‭ ‬شخصي‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬سحر‭ ‬شخوص‭ ‬بعينها‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬وخاصة‭ ‬موسيقى‭ ‬جيلالة‭. ‬وهناك‭ ‬عدة‭ ‬فرق‭ ‬موسيقية‭ ‬جيلالية‭ ‬بطنجة‭. ‬وقد‭ ‬دعوت‭ ‬تلك‭ ‬الفرق،‭ ‬إلى‭ ‬بيتي،‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬لإحياء‭ ‬الحفلات،‭ ‬أو‭ ‬للرقص‭ ‬على‭ ‬إيقاعاتها‭... ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬فرحا‭ ‬جدا‭ ‬باستقبالها‭ ‬في‭ ‬بيتي‭.‬

‭• ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬هذه‭ ‬الموسيقى‭ ‬ضرباً‭ ‬من‭ ‬حمام،‭ ‬كما‭ ‬أشرت‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬قبل‭ ‬قليل،‭ ‬في‭ ‬حديثك‭ ‬عن‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء؟

‭- ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬في‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بتلك‭ ‬الموسيقى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الحمام،‭ ‬تطهير،‭ ‬لأن‭ ‬الرقص،‭ ‬والجذبة‭ ‬يحرران‭ ‬الجسد‭.‬

‭• ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬عناية‭ ‬كبيرة،‭ ‬في‭ ‬نصوصك‭ ‬المغربية‭ ‬ومنها‭ ‬‮«‬طنين‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‮»‬‭ ‬و«مذكرات‭ ‬طنجة‮»‬‭ ‬بالزمن،‭ ‬بالفصول،‭ ‬بالربيع‭... ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬محاولة‭ ‬لتحديد‭ ‬أو‭ ‬متابعة‭ ‬أو‭ ‬التشديد‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬الشخوص،‭ ‬كما‭ ‬تابع‭ ‬الرسام‭ ‬الفرنسي،‭ ‬كلود‭ ‬موني،‭ ‬تغيرات‭ ‬الضوء‭ ‬وهو‭ ‬يرسم‭ ‬الكاتدرائيات‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬النهار؟

‭- ‬نعم،‭ ‬بالفعل‭. ‬وقد‭ ‬مضى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬على‭ ‬كتابتي‭ ‬لـ«طنين‭ ‬ذباب‭ ‬طنجة‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬الأزمنة‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬بسرعة‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مثلاً‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭. ‬هناك‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬وهو‭ ‬ممتد‭ ‬جدا،‭ ‬وهناك‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬قصير،‭ ‬والربيع‭ ‬نسبيا‭ ‬غير‭ ‬طويل،‭ ‬وكذلك‭ ‬فصل‭ ‬الخريف‭. ‬في‭ ‬طنجة،‭ ‬هناك‭ ‬فصلان‭ ‬واضحان‭: ‬فصل‭ ‬جاف‭ ‬وفصل‭ ‬الأمطار‭. ‬وقد‭ ‬أثر‭ ‬فيَّ‭ ‬كثيرا‭ ‬فصل‭ ‬الأمطار‭ ‬لأنه‭ ‬يجعلني‭ ‬أعاني‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬اشتداد‭ ‬الربو‭ ‬علي،‭ ‬نتيجة‭ ‬الرطوبة‭.‬

‭• ‬هناك‭ ‬عناية‭ ‬بالفضاءات،‭ ‬هل‭ ‬يتم‭ ‬اختيار‭ ‬الفضاءات‭ (‬وهي‭ ‬طنجة،‭ ‬مراكش،‭ ‬الصحراء،‭ ‬دار‭ ‬التونسي‭) ‬هل‭ ‬يتم‭ ‬اختيارها‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬أم‭ ‬يتم‭ ‬اختيارها‭ ‬لأنك‭ ‬تعرفها‭ ‬حق‭ ‬المعرفة؟

‭- ‬أختارها‭ ‬عن‭ ‬وعي،‭ ‬طبعاً‭. ‬أختارها‭ ‬كديكور،‭ ‬لرواياتي‭ ‬وكرمز،‭ ‬وأختارها‭ ‬لأضع‭ ‬فيها‭ ‬شخصياتي،‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬أحيانا‭ ‬غريبة‭.‬

 

الافتتان‭ ‬بألبير‭ ‬كامو

‭• ‬كتبت،‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬كل‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أريده‭ ‬هو‭ ‬العشرة‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬عدت‭ ‬مؤخراً‭ ‬إلى‭ ‬كتابتها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬رواية‭.‬

‭- ‬‮«‬مقاطعا‮»‬‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬وداعاً‭ ‬أليس‮»‬‭. ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬هي‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة،‭ ‬وكانت‭ ‬أول‭ ‬قصة‭ ‬كتبتها‭ ‬ونشرتها‭ ‬بفضل‭ ‬بول‭ ‬بولز‭. ‬هي‭ ‬الآن،‭ ‬رواية‭ ‬غير‭ ‬طويلة،‭ ‬نسبيا،‭ ‬وقد‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬القصة‭ ‬لأنني‭ ‬ظللت‭ ‬دائما‭ ‬مفتتناً‭ ‬بالشخصية‭ ‬الرئيسية‭ ‬‮«‬نورمان‮»‬‭ ‬وخاصة‭ ‬لمعرفة‭ ‬مصير‭ ‬نورمان‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬استنبطتها‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬‮«‬الغريب‮»‬‭.‬

‭• ‬إنك‭ ‬شديد‭ ‬العناية‭ ‬بكتابات‭ ‬ألبير‭ ‬كامو،‭ ‬وتحيل‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أعمالك‭ ‬منها‭ ‬‮«‬مذكرات‭ ‬طنجة»؟

‭- ‬بالطبع،‭ ‬بالطبع‭. ‬فألبير‭ ‬كامو‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬كثيراً،‭ ‬آنذاك،‭ ‬مثل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭.‬

‭• ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنك‭ ‬تشعر‭ ‬بعبثية‭ ‬الحياة‭ ‬مثله؟

‭- ‬لا‭. ‬كنت‭ ‬مفتتنا‭ ‬به‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أوربيي‭ ‬الجزائر،‭ ‬ولد‭ ‬بالجزائر،‭ ‬وكان‭ ‬كامو،‭ ‬يومها،‭ ‬يعتبر‭ ‬بطلاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكل‭ ‬الأمريكيين‭.‬

‭• ‬هل‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يشعر‭ ‬بذاته‭ ‬داخل‭ ‬جلده؟

‭- ‬لا،‭ ‬لا،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬عضوا‭ ‬بالمقاومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ضد‭ ‬الألمان،‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل،‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭. ‬وقد‭ ‬أحببت‭ ‬كثيرا‭ ‬نصوصه،‭ ‬آنذاك،‭ ‬‮«‬السقوط‮»‬،‭ ‬و«الطاعون‮»‬،‭ ‬وخاصة‭ ‬‮«‬الغريب‮»‬،‭ ‬و‮«‬مذكراته‮»‬،‭ ‬وقصصه‭ ‬القصيرة،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭... ‬و«المتمرد‮»‬‭ ‬أيضا‭.‬

‭• ‬وروايته‭ ‬الأخيرة‭ ‬أيضا‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬بعد‭ ‬غيابه،‭ ‬‮«‬الرجل‭ ‬الأول‮»‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬أذكر‭ ‬أننا‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنها‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬قرأت‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬إنه‭ ‬يعرض‭ ‬لطفولة‭ ‬كامو‭ ‬بالجزائر‭... ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭.‬

‭•  ‬تبدو‭ ‬قاسياً‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬تجربتك‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬وربما‭ ‬الحياة،‭ ‬ألا‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬تبدو‭ ‬لي‭ ‬حياتي‭ ‬قابلة‭ ‬للإدانة‭: ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أجعل‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬سعيداً‭. ‬عملي‭ ‬ككاتب،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬جمل،‭ ‬هو‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬العدم‮»‬‭.‬

‭- ‬قبل‭ ‬قليل‭ ‬اتفقنا‭ ‬على‭ ‬تصنيفي‭ ‬كاتباً‭ ‬واقعياً‭. ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عجن‭ ‬تلك‭ ‬الجمل‭. ‬وددت‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الكتابة‭ ‬تنشر‭ ‬الفرح،‭ ‬تسعد‭ ‬الناس،‭ ‬تخفف‭ ‬ألم‭ ‬البعض،‭ ‬تقوم‭ ‬مقام‭ ‬الصدقة ‭  ■‬