الصوم في اللغة والتاريخ وفتوحات رمضان

الصوم في اللغة والتاريخ وفتوحات رمضان

الصوم‭ ‬هو‭ ‬الإمساك‭ ‬والسكون‭ ‬وتوقف‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭. ‬قال‭ ‬الراجز‭ ‬في‭ ‬السكون‭:‬

حتى‭ ‬إذا‭ ‬صام‭ ‬الـنـهار‭ ‬واعـتدل

وسـال‭ ‬لـلشمـس‭ ‬لـعاب‭ ‬فنزل

وصامت‭ ‬الريح‭: ‬ركدت،‭ ‬وصامت‭ ‬الفرس‭ ‬والخيل‭: ‬توقفت،‭ ‬قال‭ ‬النابغة‭:‬

خيل‭ ‬صيام،‭ ‬وخيل‭ ‬غير‭ ‬صائمة

تحت‭ ‬العجاج‭ ‬وأخرى‭ ‬تعلك‭ ‬اللجما

ولو‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬الصوم‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العرب‭ ‬البعيد‭ ‬لوجدنا‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬كانت‭ ‬تصوم‭ ‬من‭ ‬الفجر‭  ‬إلى‭ ‬غروب‭ ‬الشمس،‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬أديان‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‮»‬،‭ ‬تأليف‭ ‬نعمان‭ ‬الجارم،‭ ‬طباعة‭ ‬القاهرة‭ ‬سنة‭ ‬1923‭.‬

 

قال‭ ‬العلامة‭ ‬محمود‭ ‬شكري‭ ‬الألوسي‭: ‬إن‭ ‬العرب‭ ‬كانت‭ ‬تصوم‭ ‬شهر‭ ‬رجب،‭ (‬كتاب‭ ‬‮«‬بلوغ‭ ‬الأرب‮»‬‭ ‬ج3،‭ ‬ص77‭)‬‭. ‬

وكان‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬المسيحيين‭ ‬واليهود‭ ‬يصومون،‭ ‬وكان‭ ‬الأحناف‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬يصومون‭ ‬بأشهر‭ ‬متفرقة،‭ ‬ولم‭ ‬يعرفوه‭ ‬كفريضة‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬محدد‭.‬

ولشهر‭ ‬رمضان‭ ‬أسماء‭ ‬كثيرة‭ ‬بلغت‭ ‬الستين،‭ ‬منها‭ ‬شهر‭ ‬الله،‭ ‬وشهر‭ ‬الآلاء،‭ ‬وشهر‭ ‬القرآن،‭ ‬وشهر‭ ‬النجاة،‭ ‬وقد‭ ‬أورد‭ ‬علي‭ ‬الجندي‭ ‬تلك‭ ‬الأسماء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬رمضان‭ ‬في‭ ‬الأدب‮»‬،‭ ‬ص5،‭ ‬وسُمي‭ ‬رمضان‭ ‬أخذاً‭ ‬من‭ ‬الرمضاء،‭ ‬وهي‭ ‬شدة‭ ‬الحرارة‭ ‬عند‭ ‬زمن‭ ‬مشروعيته‭ ‬وفرضه‭.‬

وكان‭ ‬اليهود‭ ‬العرب‭ ‬يصومون‭ ‬شهراً‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬القمرية‭ ‬كلما‭ ‬اكتملت‭ ‬الأيام‭ ‬الفارقة‭ ‬بين‭ ‬السنتين‭ ‬القمرية‭ ‬والشمسية،‭ ‬ثلاثين‭ ‬يوماً‭ ‬لتعديل‭ ‬السنة‭ ‬القمرية،‭ ‬بحيث‭ ‬تقع‭ ‬أعيادهم‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬العام،‭ ‬خلافاً‭ ‬للتقويم‭ ‬الهجري‭ ‬غير‭ ‬الثابت،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الزراعة‭ ‬والأسفار‭ ‬البحرية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التقويم‭ ‬الشمسي‭ ‬الإفرنجي‭.‬

وقد‭ ‬أبطل‭ ‬الإسلام‭ ‬الشهر‭ ‬الفارق‭ ‬وجعل‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬القمرية‭ ‬لتقل‭ ‬عن‭ ‬الشمسية‭ ‬أحد‭ ‬عشر‭ ‬يوماً‭ ‬أو‭ ‬اثني‭ ‬عشر‭ ‬يوماً‭.‬

على‭ ‬ذلك‭ ‬يتقدم‭ ‬موعد‭ ‬حلول‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وصار‭ ‬المسلمون‭ ‬يصومونه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الفصول‭ ‬حسب‭ ‬فارق‭ ‬الأيام‭ ‬الفاصلة،‭ ‬ومن‭ ‬الشهور‭ ‬أشهر‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬فتنطقها‭ ‬مضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاسم،‭ ‬ربيع‭ ‬وجمادى‭ ‬وذو‭ ‬القعدة‭ ‬وذو‭ ‬الحجة،‭ ‬وحبّذ‭ ‬المسلمون‭ ‬إضافة‭ ‬لفظ‭ ‬اسم‭ ‬شهر‭ ‬لرمضان‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ {‬شَهْرُ‭ ‬رَمَضَانَ‭ ‬الَّذِي‭ ‬أُنْزِلَ‭ ‬فِيهِ‭ ‬الْقُرْآَنُ}‬‭ (‬سورة‭ ‬البقرة‭ - ‬من‭ ‬الآية‭ ‬185‭)‬

وهناك‭ ‬مجريات‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الحرام،‭ ‬وكانت‭ ‬كسوة‭ ‬الكعبة‭ ‬تغير‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬فقد‭ ‬روى‭ ‬الأزرقي‭ ‬أن‭ ‬الكعبة‭ ‬كانت‭ ‬تُكسى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬كسوتين،‭ ‬كسوة‭ ‬من‭ ‬الديباج‭ ‬وأخرى‭ ‬من‭ ‬القباطي،‭ ‬الكسوة‭ ‬الأولى‭ ‬يوم‭ ‬التروية،‭ ‬وتبقى‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬رمضان،‭ ‬ثم‭ ‬تكسى‭ ‬بالقباطي‭ ‬إلى‭ ‬القطر،‭ ‬وفي‭ ‬الكويت‭ ‬لا‭ ‬نسمي‭ ‬شوال،‭ ‬بل‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬فطر‭ ‬أول‮»‬‭ ‬و«فطر‭ ‬ثان‮»‬‭ ‬لذي‭ ‬القعدة‭.‬

وكان‭ ‬قماش‭ ‬الديباج‭ ‬عرضة‭ ‬للتمزق‭ ‬مع‭ ‬حرارة‭ ‬الشمس‭ ‬وقوة‭ ‬الرياح،‭ ‬ورفع‭ ‬إلى‭ ‬الخليفة‭ ‬المأمون‭ ‬أن‭ ‬الديباج‭ ‬عرضة‭ ‬للتمزق‭ ‬قبل‭ ‬أوانه،‭ ‬فسأل‭ ‬مبارك‭ ‬الطبري،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬بريد‭ ‬مكة،‭ ‬أي‭ ‬الكساء‭ ‬أحسن‭ ‬للكعبة؟‭ ‬فقال‭: ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لونه‭ ‬الأبيض‭ ‬من‭ ‬الديباج،‭ ‬فأمر‭ ‬الخليفة‭ ‬المأمون‭ ‬بكساء‭ ‬الكعبة‭ ‬باللون‭ ‬الأبيض،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬206هـ،‭ ‬فصارت‭ ‬الكعبة‭ ‬تُكسى‭ ‬بثلاث‭ ‬كسى‭: ‬الديباج‭ ‬الأحمر‭ ‬يوم‭ ‬التروية،‭ ‬وتكسى‭ ‬بالقباطي‭ ‬يوم‭ ‬هلال‭ ‬رجب،‭ ‬وبالديباج‭ ‬الأبيض‭ ‬الذي‭ ‬أمر‭ ‬به‭ ‬المأمون‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬إلى‭ ‬الفطر،‭ (‬‮«‬أخبار‭ ‬مكة‮»‬،‭ ‬صفحة‭ ‬170،‭ ‬لأبي‭ ‬الوليد‭ ‬محمد‭ ‬الأزرقي‭).‬

يقول‭ ‬د‭. ‬حسن‭ ‬مجيب‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬رمضان‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬والفارسي‭ ‬والتركي‮»‬‭: ‬إن‭ ‬الكسى‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬الكعبة‭ ‬ترمز‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬موسم‭ ‬إسلامي،‭ ‬أما‭ ‬أهمها‭ ‬فكسوة‭ ‬الديباج‭ ‬الأبيض،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تخلع‭ ‬على‭ ‬الكعبة‭ ‬يوم‭ ‬27‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬القدر‭ ‬تعظيماً‭ ‬لها،‭ ‬والاحتفال‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬عيد‭ ‬الفطر،‭ ‬ويوم‭ ‬التروية‭ ‬منسك‭ ‬من‭ ‬مناسك‭ ‬الحج،‭ ‬وكانت‭ ‬الدول‭ ‬تحتفل‭ ‬برمضان،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مصر،‭ ‬منذ‭ ‬قديم‭ ‬الأزمان‭ ‬الإسلامية،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تُقرع‭ ‬الطبول‭ ‬والدفوف،‭ ‬وتظهر‭ ‬مباهج‭ ‬الأفراح،‭ ‬وكانت‭ ‬كل‭ ‬فرقة‭ ‬مذهبية‭ ‬لها‭ ‬تقاليدها‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬وللصوفية‭ ‬أيضاً‭ ‬تقاليدها‭ ‬الخاصة‭ ‬طوال‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭.‬

وتحتفل‭ ‬فرق‭ ‬الدراويش‭ ‬بطرقها،‭ ‬وتزدهر‭ ‬صناعة‭ ‬المأكولات‭ ‬والحلويات‭ ‬طوال‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان،‭ ‬وللدراويش‭ ‬أزياء‭ ‬مختلف‭ ‬ألوانها،‭ ‬مع‭ ‬القلنسوات‭ ‬والطراطير‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم،‭ ‬والفوانيس‭ ‬والمباخر‭ ‬التي‭ ‬تعج‭ ‬بأدخنة‭ ‬البخور‭ ‬والعطور،‭ ‬وترفع‭ ‬الرايات‭ ‬والأعلام‭ ‬طوال‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان‭ ‬وعيد‭ ‬الفطر‭ ‬بأيامه‭ ‬ولياليه‭.‬

 

الحروب‭ ‬والفتوحات‭ ‬في‭ ‬رمضان

كان‭ ‬أعداء‭ ‬المسلمين‭ ‬يتربصون‭ ‬لهم‭ ‬عند‭ ‬انشغالهم‭ ‬بأيامهم‭ ‬الدينية،‭ ‬فيجهزون‭ ‬جيوشهم‭ ‬وعدد‭ ‬الحرب‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬المسلمين،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬فتظهر‭ ‬الفتاوى‭ ‬للقتال‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬لصد‭ ‬المعتدين‭ ‬وقتالهم،‭ ‬هكذا‭ ‬كانت‭ ‬جيوشهم‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬فرنسا‭ ‬والتوغل‭ ‬بها‭.‬

جيش‭ ‬السمح‭ ‬بن‭ ‬مالك،‭ ‬وجيش‭ ‬عنبسة‭ ‬بن‭ ‬سحيم،‭ ‬وبعده‭ ‬الجيش‭ ‬الكبير‭ ‬بقيادة‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الغافقي،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬114هـ،‭ ‬وساحة‭ ‬القتال‭ ‬بين‭ ‬مدينتي‭ ‬‮«‬شاتلو‮»‬‭ ‬و«بواتيه‮»‬‭ ‬الفرنسيتين،‭ ‬وقوات‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الغافقي‭ ‬بجنوده‭ ‬العرب‭ ‬والبربر‭ ‬الذين‭ ‬يمضون‭ ‬ببسالة‭ ‬إلى‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله،‭ ‬بقوة‭ ‬تعدادها‭ ‬مئة‭ ‬ألف‭ ‬بعددها‭ ‬القتالية،‭ ‬فانشغل‭ ‬المسلمون‭ ‬بالغنائم‭ ‬وخلاف‭ ‬العرب‭ ‬والبربر،‭ ‬حتى‭ ‬هزموا‭ ‬شرّ‭ ‬هزيمة،‭ ‬وقال‭ ‬القائد‭ ‬الإفرنجي‭ ‬إن‭ ‬التاريخ‭ ‬سيقول‭ ‬كان‭ ‬هنا‭ ‬مئة‭ ‬ألف‭ ‬عربي‭ ‬فأصبحوا‭ ‬جثثاً‭ ‬تأكلها‭ ‬الطيور‭ ‬والسباع‭.‬

وكانت‭ ‬هناك‭ ‬بطولات‭ ‬الظاهر‭ ‬بيبرس‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الثامنة‭ ‬والخمسين‭ ‬وستمئة‭ ‬للهجرة،‭ ‬في‭ ‬موقعة‭ ‬‮«‬عين‭ ‬جالوت‮»‬‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬جند‭ ‬مصر‭ ‬والشام‭ ‬البواسل،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الزحف‭ ‬الهائل‭ ‬سقطت‭ ‬أنطاكية‭ ‬وهُزم‭ ‬الصليبيون،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭.‬

هكذا‭ ‬حتى‭ ‬بعثت‭ ‬القيادات‭ ‬الصليبية‭ ‬تطلب‭ ‬وقف‭ ‬القتال‭ ‬وطلب‭ ‬الهدنة‭ ‬حقناً‭ ‬للدماء‭.‬

وهناك‭ ‬بطولات‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بطلها‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الناصر،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬راجح‭ ‬العقل‭ ‬سديد‭ ‬الرأي،‭ ‬وتبرز‭ ‬بسالته‭ ‬عند‭ ‬الشدائد‭ ‬برغم‭ ‬انقسام‭ ‬المسلمين‭ ‬والعرب‭ ‬وتفرقهم‭.‬

 

عبدالرحمن‭ ‬الناصر

وكان‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الناصر‭ ‬رجل‭ ‬دولة‭ ‬يُستشار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬والسلام،‭ ‬جاءت‭ ‬إليه‭ ‬زوجة‭ ‬خصم‭ ‬له‭ ‬كانت‭ ‬تحارب‭ ‬معه‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال‭ ‬ضده،‭ ‬وشهد‭ ‬التاريخ‭ ‬بضراوة‭ ‬الحرب‭ ‬بينهما‭... ‬جاءت‭ ‬تستغيث‭ ‬به،‭ ‬فخاطبته‭: ‬سيدي‭ ‬خليفة‭ ‬المسلمين،‭ ‬لن‭ ‬أكرر‭ ‬ما‭ ‬اتفق‭ ‬عليه‭ ‬رسولكم،‭ ‬ولكنني‭ ‬أطرح‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬باختصار،‭ ‬أيها‭ ‬الملك‭ ‬الهمام،‭ ‬رجل‭ ‬العدل‭ ‬ناصر‭ ‬الضعفاء‭ ‬والمظلومين،‭ ‬سيدي‭ ‬هذا‭ ‬حفيدي‭ ‬سانكو‭ ‬ابن‭ ‬راميرو‭ ‬العظيم،‭ ‬قد‭ ‬اغتصب‭ ‬منه‭ ‬ابن‭ ‬عمه‭ ‬أردونو‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬ليون،‭ ‬ولم‭ ‬نجد‭ ‬ملجأً‭ ‬إلا‭ ‬أنتم‭ ‬أستعين‭ ‬به،‭ ‬لتعيدوا‭ ‬إليه‭ ‬ملكه‭ ‬الشرعي،‭ ‬أما‭ ‬عن‭ ‬شروطكم‭ ‬فقد‭ ‬قبلناها‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭ ‬العظيم،‭ ‬الحصون‭ ‬العشرة‭ ‬ستتسلمونها،‭ ‬والحصون‭ ‬التي‭ ‬طلبتم‭ ‬هدمها‭ ‬سوف‭ ‬تهدم،‭ ‬وبقي‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬أسمع‭ ‬منكم‭ ‬رأيكم‭ ‬الكريم‭.‬

الناصر‭: ‬سيدتي‭ ‬الجليلة‭ ‬طوطه‭ ‬ملكة‭ ‬نافار،‭ ‬نحن‭ ‬قوم‭ ‬نفي‭ ‬إن‭ ‬وعدنا،‭ ‬وإني‭ ‬أنوي‭ ‬مساعدتكم‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬رسولي‭ ‬إليكم‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬أما‭ ‬شروطي‭ ‬فهي‭ ‬حماية‭ ‬أرض‭ ‬المسلمين‭ ‬وصون‭ ‬حدودها‭ ‬وضمان‭ ‬أمنها‭.‬

الملكة‭: ‬لك‭ ‬الأمر‭ ‬والطاعة‭ ‬سيدي‭ ‬الخليفة‭ ‬العظيم‭.‬

الناصر‭: ‬سيدتي‭ ‬الملكة،‭ ‬لقد‭ ‬حاربني‭ ‬زوجك‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬والحق‭ ‬أني‭ ‬عانيت‭ ‬منه‭ ‬الكثير،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬شجاعاً‭ ‬وكان‭ ‬جندياً‭ ‬باسلاً‭ ‬وكنتِ‭ ‬أنت‭ ‬وراءه‭ ‬بهمتك‭ ‬يا‭ ‬سيدتي،‭ ‬وأنا‭ ‬أقدر‭ ‬البواسل‭ ‬الشجعان‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانوا‭ ‬أعداء‭.‬

الملكة‭: ‬ذلك‭ ‬زمان‭ ‬فات‭ ‬وانقضى،‭ ‬دعنا‭ ‬نفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬مشرقة‭.‬

الناصر‭: ‬نعم‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جديد،‭ ‬وأعدك‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬حفيدك‭ ‬إلى‭ ‬عرش‭ ‬مملكته‭ (‬ليون‭)‬،‭ ‬وسوف‭ ‬أخرج‭ ‬بنفسي‭ ‬لأقود‭ ‬الجيوش‭ ‬لكي‭ ‬أهاجم‭ ‬أردونو‭ ... ‬أهاجم‭ ‬أولاً‭ ‬قشتالة،‭ ‬والله‭ ‬ولي‭ ‬التوفيق‭.‬

الملكة‭: ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬وفضلكم‭ ‬سيعود‭ ‬إلى‭ ‬ليون‭ ‬ملكها‭ ‬الشرعي‭.‬

وبينما‭ ‬كان‭ ‬الخليفة‭ ‬الناصر‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬هذا،‭ ‬جاءه‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬أوتو‭ ‬ملك‭ ‬الجرمان،‭ ‬تجاوز‭ ‬فيه‭ ‬حدّه‭ ‬وتطاول‭ ‬على‭ ‬الخليفة،‭ ‬وهكذا‭ ‬خرجت‭ ‬جيوش‭ ‬المسلمين‭ ‬يقودها‭ ‬القائد‭ ‬العظيم‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الناصر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬فأدبت‭ ‬جيوش‭ ‬الأعداء‭ ‬المتحرشة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الإسلامية‭ ‬ودمرتها‭ ‬وأعادتها‭ ‬إلى‭ ‬أوطانها،‭ ‬وهربت‭ ‬جيوش‭ ‬الجرمان‭ ‬وقتل‭ ‬منهم‭ ‬الكثير،‭ ‬ورسم‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الناصر‭ ‬الحدود‭ ‬الجديدة،‭ ‬وأعاد‭ ‬تحرير‭ ‬مُلك‭ ‬ليون‭ ‬إلى‭ ‬أصحابه‭ ‬الشرعيين،‭ ‬وعاد‭ ‬حفيد‭ ‬الملكة‭ ‬طوطه‭ ‬ملكاً‭ ‬على‭ ‬مملكة‭ ‬ليون‭.‬

 

عون‭ ‬الأصدقاء

وعندما‭ ‬آلت‭ ‬القوة‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬المسلمين،‭ ‬وجد‭ ‬أهل‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬ألا‭ ‬مناص‭ ‬من‭ ‬الاستعانة‭ ‬بذي‭ ‬القوة‭ ‬لتحرير‭ ‬البلاد،‭ ‬وإن‭ ‬كلّف‭ ‬ذلك‭ ‬المال‭ ‬والأرواح‭.‬

فماطل‭ ‬بعض‭ ‬الأشقاء،‭ ‬ولكن‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬المتنبي‭:‬

الرأي‭ ‬قبل‭ ‬شجاعة‭ ‬الشجعان

هو‭ ‬أول‭ ‬وهي‭ ‬المكان‭ ‬الثاني

هكذا‭ ‬يُستعان‭ ‬بالقوى‭ ‬الصديقة‭ ‬والأشقاء‭ ‬المخلصين،‭ ‬والعالم‭ ‬وحدة‭ ‬يجمعها‭ ‬الرأي‭ ‬لا‭ ‬العصبيات‭ ‬والعواطف‭ ‬الإعلامية‭.‬

هكذا‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬القوة‭ ‬عند‭ ‬الخلفاء‭ ‬الأبطال‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬استعان‭ ‬بهم‭ ‬غير‭ ‬المسلمين،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬لمملكة‭ ‬ليون‭ ‬لإعادة‭ ‬حكومتها‭ ‬الشرعية‭.‬

وللسلطان‭ ‬بيبرس‭ ‬مواقع‭ ‬بطولية‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الصليبيين،‭ ‬بدأ‭ ‬معاركه‭ ‬الكبرى‭ ‬بالمنصورة‭ ‬وأوسع‭ ‬نطاق‭ ‬المعركة‭ ‬مع‭ ‬العدو،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أوربية‭ ‬عديدة،‭ ‬حارب‭ ‬الصليبيين‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1261‭ ‬إلى‭ ‬1271،‭ ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1263‭ ‬بدأ‭ ‬الظاهر‭ ‬بيبرس‭ ‬بالجهاد‭ ‬العظيم‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وسورية‭ ‬وعند‭ ‬نهر‭ ‬الأردن‭ ‬وتخوم‭ ‬العراق‭ ‬وفي‭ ‬سيناء‭.‬

فانطلق‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬تراهن‭ ‬عليه‭ ‬الفاتحون،‭ ‬عندها‭ ‬تملَّك‭ ‬الصليبيين‭ ‬الخوف‭ ‬طلبوا‭ ‬الهدنة‭ ‬ووقف‭ ‬القتال،‭ ‬وطلبوا‭ ‬من‭ ‬الناصر‭ ‬الرحمة‭ ‬والغفران،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬التبريزي‭ ‬‮«‬طلبوا‭ ‬تراحم‭ ‬السلطان‭ ‬بيبرس‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬يستبدل‭ ‬بالآلاف‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬الصليبيين‭ ‬أعداداً‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬أسرى‭ ‬المسلمين‭.‬

وحرر‭ ‬كل‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬إلى‭ ‬عكا‭ ‬والناصرة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬القدس،‭ ‬وهاجم‭ ‬قيسارية‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬الخاتمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬عين‭ ‬جالوت‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬الشمال‭ ‬اقتحم‭ ‬أنطاكية‭ ‬المنيعة‭ ‬أكبر‭ ‬ممالك‭ ‬الصليبيين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أعوام‭ ‬دون‭ ‬كلل،‭ ‬وخاض‭ ‬أكبر‭ ‬المواقع‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬يراهن‭ ‬الأعداء‭ ‬على‭ ‬انشغال‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬شهرهم‭ ‬المقدس‭. ‬

 

أكبر‭ ‬الفتوحات

أما‭ ‬أكبر‭ ‬الفتوحات‭ ‬فكان‭ ‬بقيادة‭ ‬البطل‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي،‭ ‬حيث‭ ‬اجتمعت‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬الصليبية‭ ‬لمواجهته‭ ‬وجيوشه،‭ ‬فاستدرجهم‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬طبرية،‭ ‬ودارت‭ ‬المعركة‭ ‬في‭ ‬حطين،‭ ‬فوقع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أمرائهم‭ ‬وملوكهم‭ ‬في‭ ‬الأسر،‭ ‬وقابل‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬قائدهم‭ ‬الكبير‭ ‬أرناط،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬كم‭ ‬مرة‭ ‬عاهدت‭ ‬ونكثت‭ ‬وأهنت‭ ‬الرسل‭ ‬إليك؟‭ ‬وجاء‭ ‬النصر‭ ‬الكبير‭ ‬عندما‭ ‬تحررت‭ ‬مدينة‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الإسراء،‭ ‬فتتابعت‭ ‬الفتوحات‭ ‬وتحررت‭ ‬المستعمرات‭ ‬الصليبية،‭ ‬حتى‭ ‬كان‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬سنة‭ ‬584‭ ‬للهجرة،‭ ‬حيث‭ ‬سقطت‭ ‬صفد‭ ‬وقبض‭ ‬على‭ ‬قائدهم‭ ‬الكبير‭ ‬ريتشارد‭ ‬قلب‭ ‬الأسد،‭ ‬فأكرمه‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬خير‭ ‬إكرام،‭ ‬وعند‭ ‬مرضه‭ ‬قام‭ ‬بتمريضه‭ ‬وسقاه‭ ‬الدواء،‭ ‬وتحدث‭ ‬إليه‭ ‬قائلا‭: ‬نحن‭ ‬نُكرم‭ ‬الأسرى،‭ ‬وعند‭ ‬تحريرنا‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ ‬فهي‭ ‬مشرعة‭ ‬الأبواب‭ ‬لجميع‭ ‬الأديان‭ ‬لكل‭ ‬حاج‭ ‬وزائر،‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬منعتمونا‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬إليها،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬مقدساتنا‭ ‬فقد‭ ‬عرج‭ ‬الرسول‭ [ ‬إليها،‭ ‬وبيت‭ ‬المقدس‭ ‬مجمع‭ ‬الملائكة‭ ‬والأنبياء،‭ ‬واستيلاؤكم‭ ‬عليها‭ ‬كان‭ ‬اغتصاباً،‭ ‬اذهبوا‭ ‬فنحن‭ ‬نرحب‭ ‬بكل‭ ‬زائر‭ ‬كريم‭ ‬منكم‭ ‬مسيحيين‭ ‬ويهوداً‭ ‬آمنين‭ ‬ولا‭ ‬نحمل‭ ‬فيها‭ ‬سلاحاً،‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬الآمنة‭ ‬مجمع‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬ندخلها‭ ‬جميعاً‭ ‬بسلام‭ ‬آمنين ■‬