نظرات في التطور التاريخي للغة العربية

نظرات في التطور التاريخي للغة العربية

عرفت‭ ‬دراسات‭ ‬اللسانيات‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬يمكن‭ ‬إرجاعها‭ ‬حسب‭ ‬التصنيف‭ ‬الغربي‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬النحو‭ ‬الإغريقي،‭ ‬ومرحلة‭ ‬النحو‭ ‬الروماني،‭ ‬ومرحلة‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬ثم‭ ‬مرحلة‭ ‬العصر‭  ‬الحديث،‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬أواخر‭  ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬17،‭ ‬والذي‭ ‬عرف‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬مراحل‭ ‬متعددة‭ ‬بدأت‭ ‬بالدرس‭ ‬اللساني‭ ‬المقارن‭ ‬والتاريخي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬الـ‭ ‬18‭ ‬والـ‭ ‬19،‭ ‬وتطور‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭  ‬كتاب‭ ‬‮«‬محاضرات‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬اللسان‭ ‬العام‮»‬‭ (‬1916‭) ‬لرائد‭ ‬اللسانيات‭ ‬الحديثة‭ ‬السوسيري‭ ‬فردينان‭ ‬دو‭ ‬سوسير،‭ ‬الذي‭ ‬أحدثت‭ ‬تصوراته‭ ‬ومفاهيمه‭ ‬انعطافاً‭ ‬حاسماً،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬اللغة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭. ‬

كـــان‭ ‬لاكتــــشاف‭ ‬الـــســـير‭ ‬وليـــام‭ ‬جـــونــــز‭ ‬‭(‬1746‭-‬1794‭) ‬للتشابهات‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬السنسكريتة‭ (‬الهندية‭ ‬القديمة‭) ‬وبعض‭ ‬اللغات‭ ‬الأوربية‭ (‬وبخاصة‭ ‬اليونانية‭ ‬القديمة‭ ‬واللاتينية‭) ‬واللغة‭ ‬الفارسية،‭ ‬الدور‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الدرس‭ ‬اللساني،‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬اللغات‭ ‬في‭ ‬مستوياتها‭ ‬الصوتية‭ ‬والصرفية‭ ‬والتركيبية‭ ‬والمعجمية‭ ‬والدلالية‭. ‬

وقد‭ ‬انتهت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬تصنيف‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬أسر‭ ‬لغوية،‭ ‬أهمها‭ ‬التصنيف‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬الألماني‭ ‬ماكس‭ ‬مولر‭ (‬1900‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬قسّم‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬فصائل‭ ‬كبرى،‭ ‬هي‭: ‬فصيلة‭ ‬اللغات‭ ‬الهندوأوربية،‭ ‬وفصيلة‭ ‬اللغات‭ ‬السامية‭ ‬الحامية،‭ ‬وفصيلة‭ ‬اللغات‭ ‬الطورانية‭. ‬

وقادت‭ ‬هذه‭ ‬المقارنات‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬جنينية‭ ‬هذه‭ ‬اللغات‭ ‬وتطورها‭ ‬التاريخي،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ازدهار‭ ‬اللسانيات‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬لغويين‭ ‬أمثال‭ ‬فان‭ ‬هامبولد‭ (‬1767‭-‬1835‭) ‬وشليشل‭ ‬‭(‬1767‭-‬1845‭) ‬وف‭.‬بوب‭ (‬1791‭-‬1867‭) ‬ودان‭.‬ر‭.‬راسك‭ (‬1787‭-‬1832‭) ‬ويعقوب‭ ‬جريم‭ (‬1785‭-‬1835‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬قانوناَ‭ ‬صوتياً‭ ‬سمي‭ ‬بقانون‭ ‬جريم‭. ‬

ولقيت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬سندها‭ ‬العلمي‭ ‬والمعرفي‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ ‬التطور‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬داروين‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬أصل‭ ‬الأنواع‭ (‬1859‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬ذهب‭ ‬شليشل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬انتشار‭ ‬اللغات‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬واتصالها‭ ‬وصراعها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشبه‭ ‬بالصراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‮»‬‭. ‬

واستمر‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬العلمي‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬20م،‭ ‬وكان‭ ‬دو‭ ‬سوسير‭ (‬1857‭-‬1913‭) ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬حيث‭ ‬أنجز‭ ‬أكثر‭ ‬أعماله‭ ‬حول‭ ‬اللسانيات‭ ‬التاريخية،‭ ‬منها‭ ‬دراسة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬تطور‭ ‬النظام‭ ‬الصواتي‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الجرمانية‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬بالعلوم‭ ‬الحقة‭ ‬جعلته‭ ‬يتبنى‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬حياته‭ ‬منهجاً‭ ‬جديداً‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬اللغوية‭ ‬هو‭ ‬المنهج‭ ‬البنيوي،‭ ‬كما‭ ‬حصر‭ ‬اللسانيات،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تحديده‭ ‬لموضوعها،‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬التزامنية‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بوصف‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬محددة‭ ‬مفصولة‭ ‬عن‭ ‬سابقها‭ ‬ولاحقها،‭ ‬مشبها‭ ‬ذلك‭ ‬بلعبة‭ ‬الشطرنج،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬القطع‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬محددة‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬قطعتها‭ ‬على‭ ‬الرقعة‭.‬

منذ‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬أهمل‭ ‬الدارسون،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الثقافات،‭ ‬كل‭ ‬الجوانب‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬دراساتهم‭ ‬اللغوية،‭ ‬واهتموا‭ ‬بالوصف‭ ‬التزامني‭ ‬للغاتهم،‭ ‬واكتشاف‭ ‬بنياتها‭ ‬الصوتية‭ ‬والصرفية‭ ‬والتركيبية‭ ‬والدلالية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬بعضهم‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬آراء‭ ‬شومسكي‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬والنحو‭ ‬الكلي،‭ ‬مع‭ ‬استثناءات‭ ‬قليلة‭ ‬كانت‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬المزاوجة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬اللساني‭ ‬بين‭ ‬الوصف‭ ‬التزامني‭ ‬والتعاقبي،‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬عند‭ ‬اللساني‭ ‬الفرنسي‭ ‬أندريه‭ ‬مارتني‭.‬

 

التطور‭ ‬التاريخي‭ ‬للغة‭ ‬العربية

لم‭ ‬يكن‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ ‬علم‭ ‬اللسان‭ ‬التاريخي‭ ‬بالمفهوم‭ ‬المعاصر،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬انعدام‭ ‬إحساسهم‭ ‬بالتطور‭ ‬التاريخي‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬والذي‭ ‬صاغوه‭ ‬في‭ ‬مبدأ‭ ‬نظري‭ ‬عام‭ ‬هو‭ ‬مبدأ‭ ‬الأصل‭ ‬والفرع،‭ ‬وقد‭ ‬ساعدهم‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬اللغوية،‭ ‬كالإعلال‭ ‬والإبدال‭ ‬والإدغام‭ ‬والقلب‭ ‬والحذف‭ ‬والاشتقاق‭ ‬والنحت‭ ‬وتقديم‭ ‬الخبر‭ ‬والفاعل‭. ‬فقد‭ ‬تصوروا‭ ‬ضمنياً‭ ‬أن‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬قام‮»‬‭ ‬كان‭ ‬أصله‭ ‬التاريخي‭ ‬‮«‬قوم‮»‬،‭ ‬وفعل‭ ‬‮«‬باع‮»‬‭ ‬كان‭ ‬أصله‭ ‬‮«‬بيع‮»‬‭ ‬وكلمة‭ ‬‮«‬نداء‮»‬‭ ‬كان‭ ‬أصلها‭ ‬‮«‬نداي‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬ساعدهم‭ ‬هذا‭ ‬الإحساس‭ ‬بالتطور‭ ‬التاريخي‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ظاهرة‭ ‬اللهجات،‭ ‬إذ‭ ‬كانوا‭ ‬يعتبرونها‭ ‬مجرد‭ ‬تحريف‭ ‬ولحن‭ ‬في‭ ‬قواعد‭ ‬الفصحى‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬ترك‭ ‬الإعراب‭ ‬وغمط‭ ‬الحركات‭ ‬والحذف‭ ‬والإبدال‭ ‬والزيادة‭ ‬وتضييق‭ ‬المعنى‭ ‬أو‭ ‬توسيعه‭ ‬أو‭ ‬استعماله‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضعه،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬عناوين‭ ‬الكتب‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬كتابُ‭ ‬ما‭ ‬تلحنُ‭ ‬فيه‭ ‬العامةُ‮»‬‭ ‬لأبي‭ ‬الحسنِ‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬حمزةَ‭ ‬الكسائي،‭ ‬و«الفاخرُ‭ ‬فيما‭ ‬تلحنُ‭ ‬فيه‭ ‬العامةُ‮»‬‭ ‬للمفضَّلِ‭ ‬بن‭ ‬سلمةَ،‭ ‬و«أدبُ‭ ‬الكاتبِ‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬قتيبةَ،‭ ‬و«المعرَّبُ‮»‬‭ ‬للجوالقي،‭ ‬و«درَّةُ‭ ‬الغوّاصِ‮»‬‭ ‬للحريري،‭ ‬و«شفاءُ‭ ‬الغليلِ‭ ‬في‭ ‬الدخيلِ‮»‬‭ ‬للخفاجي،‭ ‬و«بحرُ‭ ‬العوامِ‭ ‬فيما‭ ‬أصابَ‭ ‬العوامَ‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬الحنبلي‭ ‬الحلبي،‭ ‬و«لحنُ‭ ‬العوامِ‮»‬‭ ‬لأبي‭ ‬بكرٍ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬حسنٍ‭ ‬الزبيدي‭ ‬الأندلسي‭ ‬الإشبيلي،‭ ‬و«الفوائدُ‭ ‬العامةُ‭ ‬في‭ ‬لحنِ‭ ‬العامةِ‮»‬‭ ‬لأبي‭ ‬القاسمِ‭ ‬محمدٍ‭ ‬بن‭ ‬أحمدَ‭ ‬بن‭ ‬جزيٍّ‭ ‬الكلبيِّ‭ ‬الغرناطيِّ‭. ‬

التّصور‭ ‬نفسه‭ ‬نجده‭ ‬عند‭ ‬السيوطيِّ‭ ‬في‭ ‬المزهرِ،‭ ‬حيث‭ ‬ذكرَ‭ ‬بعضَ‭ ‬مظاهرِ‭ ‬اختلافِ‭ ‬العاميةِ‭ ‬عن‭ ‬الفصحى،‭ ‬ومنها‭: ‬‮«‬بعض‭ ‬ما‭ ‬تترك‭ ‬العامة‭ ‬همزَهُ،‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬تبدِلُ‭ ‬العامةُ‭ ‬الهمزَ‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬تسقطه،‭ ‬ما‭ ‬تهمزُه‭ ‬العامةُ،‭ ‬مما‭ ‬تخفّفهُ‭ ‬العامةُ،‭ ‬مما‭ ‬تحرّكُه‭ ‬العامّةُ،‭ ‬مما‭ ‬تسكّنُه‭ ‬العامةُ،‭ ‬مما‭ ‬تبدِلُ‭ ‬فيه‭ ‬العامةُ‭ ‬حرفاً،‭ ‬مما‭ ‬تكسِرُه‭ ‬العامةُ،‭ ‬مما‭ ‬تفتحُه‭ ‬العامةُ،‭ ‬مما‭ ‬تضمُّه‭ ‬العامةُ،‭ ‬مما‭ ‬عدَّ‭ ‬من‭ ‬الخطأِ،‭ ‬مما‭ ‬تضعُه‭ ‬العامةُ‭ ‬في‭ ‬غيرِ‭ ‬موضِعِه‮»‬‭.‬

والملاحظ‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬اللغات‭ ‬ظاهرة‭ ‬عامة‭ ‬تعرفها‭ ‬كل‭ ‬اللغات‭ ‬واللهجات،‭ ‬ويمس‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬المستويات‭ ‬الصوتية‭ ‬والصرفية‭ ‬والتركيبية‭ ‬والدلالية‭ ‬والتداولية‭ ‬والأسلوبية‭ ‬والمعجمية‭. ‬فعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الصوتي‭ ‬تتطور‭ ‬اللغات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سقوط‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬وظهور‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬فقدها‭ ‬لبعض‭ ‬الملامح‭ ‬المميزة‭ ‬واختلاف‭ ‬قواعد‭ ‬النبر‭ ‬والتنغيم‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الصرفي،‭ ‬فتتطور‭ ‬اللغات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬قواعد‭ ‬جديدة‭ ‬لاشتقاق‭ ‬الكلمات‭ ‬أو‭ ‬قواعد‭ ‬إلصاق‭ ‬الزوائد‭ ‬الصرفية‭. ‬أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬التركيبي،‭ ‬فتتطور‭ ‬اللغات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حذف‭ ‬بعض‭ ‬المكونات‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬رتبها‭ ‬داخل‭ ‬الجملة‭ ‬كتقديم‭ ‬بعضها‭ ‬وتأخير‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الدلالي‭ ‬تتطور‭ ‬اللغات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬توسيع‭ ‬معنى‭ ‬المفردات‭ ‬أو‭ ‬تضييقه‭ ‬أو‭ ‬تحويله‭ ‬أو‭ ‬إقصائه‭ ‬أو‭ ‬نقله‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬حرفي‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬مجازي‭ ‬أو‭ ‬العكس‭. ‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المعجمي،‭ ‬فتتطور‭ ‬اللغة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬موت‭ ‬بعض‭ ‬المفردات‭ ‬ودخول‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التوليد‭ ‬والاشتقاق‭ ‬والوضع‭ ‬والاقتراض‭ ‬والتعريب‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬التداولي‭ ‬تتطور‭ ‬اللغات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اختلاف‭ ‬السياقات‭ ‬والمقامات‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬فيها‭ ‬العبارات‭ ‬اللغوية‭.‬

ويرى‭ ‬الباحثون‭ ‬أن‭ ‬أسباب‭ ‬التطور‭ ‬اللغوي‭ ‬تظل‭ ‬دائماً‭ ‬رهينة‭ ‬بالظروف‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬فيها‭ ‬المجموعات‭ ‬اللغوية‭. ‬فاستمرار‭ ‬اللغة‭ ‬ومحافظتها‭ ‬على‭ ‬النسق‭ ‬يرجعان‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬إلى‭ ‬انغلاق‭ ‬المجموعة،‭ ‬ومحدوديتها‭ ‬الجغرافية،‭ ‬وبعدها‭ ‬عن‭ ‬الاحتكاك‭ ‬باللغات‭ ‬والثقافات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومراوحتها‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬التطور‭ ‬الحضاري‭. ‬

أما‭ ‬انفتاح‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬أخرى،‭ ‬واحتكاكها‭ ‬بلغات‭ ‬مجاورة،‭ ‬واتساع‭ ‬مساحتها‭ ‬الجغرافية،‭ ‬وتطورها‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬الرقي‭ ‬الحضاري،‭ ‬أو‭ ‬تعرضها‭ ‬لغزو‭ ‬أجنبي،‭ ‬فغالبا‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬بنيتها‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تطورها‭. ‬

 

مظاهر‭ ‬التطور

كانت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬لغة‭ ‬محاصرة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬جغرافية‭ ‬هي‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬احتكاكها‭ ‬بالشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬كان‭ ‬محدوداً،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬الفرس‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والروم‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬والحبشة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬خلوها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تأثير،‭ ‬كما‭ ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بعض‭ ‬الكلمات‭ ‬الأعجمية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬الدرهم‭ ‬والشيطان‭.‬

أما‭ ‬التطور‭ ‬الحضاري‭ ‬فكان‭ ‬محدوداً‭ ‬بسبب‭ ‬ظروف‭ ‬الصحراء‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفرض‭ ‬التنقل‭ ‬المستمر‭. ‬

لكن‭ ‬الأمر‭ ‬تغير‭ ‬جذرياً‭ ‬مع‭ ‬مجيء‭ ‬الإسلام؛‭ ‬إذ‭ ‬ساهم‭ ‬الدين‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الدلالي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منح‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬دلالات‭ ‬جديدة‭ (‬صلاة،‭ ‬صيام،‭ ‬زكاة،‭ ‬حج،‭ ‬تيمم‭...)‬،‭ ‬ودخول‭ ‬كلمات‭ ‬جديدة‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬ازدهار‭ ‬حركة‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬وانتشار‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أصقاع‭ ‬وبلاد‭ ‬مختلفة‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬العلوم‭ ‬وتدوين‭ ‬المعارف،‭ ‬مما‭ ‬أحدث‭ ‬ثورة‭ ‬مصطلحية‭ ‬ومعجمية‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭. ‬

لكن‭ ‬تنبغي‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تمت‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدلالي‭ ‬والمعجمي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المستويات‭ ‬الصوتية‭ ‬والصرفية‭ ‬والتركيبية‭ ‬بسبب‭ ‬ارتباط‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬بالقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الذي‭ ‬حفظها‭ ‬من‭ ‬التفريع‭ ‬الذي‭ ‬يقطع‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬ماضيها‭ ‬وحاضرها،‭ ‬وهي‭ ‬سمة‭ ‬مميزة‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬جعلت‭ ‬البعض‭ ‬يعتبرها‭ ‬متحفاً‭ ‬لغوياً‭ ‬حياً‭.‬

كان‭ ‬التطور‭ ‬الصوتي‭ ‬للعربية‭ ‬ضعيفاً‭ ‬نسبياً‭ ‬بسبب‭ ‬النقل‭ ‬الشفهي‭ ‬المتواتر‭ ‬لهذا‭ ‬النسق،‭ ‬وبخاصة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬القراء،‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬التغيرات‭ ‬الطفيفة‭ ‬التي‭ ‬مست‭ ‬نطق‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬كالضاد‭ ‬والظاء‭ ‬والذال‭ ‬والجيم‭. ‬

كما‭ ‬كان‭ ‬التطور‭ ‬الصرفي‭ ‬طفيفاً،‭ ‬وهو‭ ‬ناتج‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عن‭ ‬أخطاء‭ ‬لغوية‭ ‬أصبحت‭ ‬متداولة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬اشتقاق‭ ‬اسم‭ ‬المكان‭ ‬‮«‬مسار‮»‬‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬سار‭ ‬بدل‭ ‬‮«‬مسير‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وضع‭ ‬بعض‭ ‬المجامع‭ ‬اللغوية‭ ‬لبعض‭ ‬الصيغ‭ ‬الصرفية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬فعالة‮»‬‭ ‬لاسم‭ ‬الآلة‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬التركيبي،‭ ‬فقد‭ ‬حافظت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬بعض‭ ‬الحركات‭ ‬الإعرابية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬الشفهي‭ ‬وانقراض‭ ‬بعض‭ ‬التراكيب‭ ‬كالأفعال‭ ‬المتعدية‭ ‬لثلاثة‭ ‬مفاعيل،‭ ‬وتراجع‭ ‬أخرى‭ ‬كصيغة‭ ‬التعجب‭ ‬‮«‬أفعل‭ ‬بـ‮»‬‭ ‬وصيغة‭ ‬الذم‭ ‬‮«‬لا‭ ‬حبذا‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬ظهور‭ ‬تراكيب‭ ‬جديدة‭ ‬ناتجة‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عن‭ ‬الترجمة‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬كالتراكيب‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬المتضايفين‭ ‬‮«‬عمت‭ ‬الأمطار‭ ‬مدن‭ ‬وقرى‭ ‬البلد‮»‬‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬التطور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬العربية‭ ‬فهو‭ ‬التطور‭ ‬المعجمي‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬اتجاهين،‭ ‬هما‭: ‬سقوط‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬من‭ ‬الاستعمال،‭ ‬وتوليد‭ ‬واشتقاق‭ ‬واقتراض‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬الجديدة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬المفاهيم‭ ‬والاختراعات‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬والبشرية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.‬

وفيما‭ ‬يلي‭ ‬نموذج‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬تساعدنا‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬اللغوية،‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭:‬

أفترض‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬البنية‭ ‬الصرفية‭ ‬للفعل‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬تطورت‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬الآتي‭: ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬العربية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الزمن‭ ‬الحاضر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تقديم‭ ‬الضمير‭ ‬على‭ ‬الفعل‭ ‬كما‭ ‬في‭: ‬أنا‭ ‬فعل‭ / ‬أنت‭ ‬فعل‭/ ‬نحن‭ ‬فعل،‭ ‬فسقطت‭ ‬النون‭ ‬من‭ ‬الاستعمال‭ ‬في‭ ‬المثال‭ ‬الأول،‭ ‬فأصبحت‭ ‬‮«‬أفعل‮»‬،‭ ‬وسقطت‭ ‬الهمزة‭ ‬والنون‭ ‬من‭ ‬المثال‭ ‬الثاني،‭ ‬فأصبحت‭ ‬‮«‬تفعل‮»‬،‭ ‬وسقطت‭ ‬النون‭ ‬والحاء‭ ‬من‭ ‬المثال‭ ‬الثالث‭ ‬فصارت‭ ‬‮«‬نفعل‮»‬‭ ‬وهكذا‭. ‬

أما‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭ ‬فتؤخر‭ ‬الضمير‭ ‬عن‭ ‬الفعل‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬‮«‬فعل‭ ‬أنتَ‭/ ‬وفعل‭ ‬أنت‭/ ‬فعل‭ ‬نحن،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فعلتَ‭ ‬وفعلتِ‭ ‬وفعلنا‭... ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬إصرار‭ ‬النحاة‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬‮«‬أفعلُ‮»‬‭ ‬و«تفعلُ‮»‬‭ ‬مستتراً‭ ‬وجوباً،‭ ‬لإحساسهم‭ ‬بوجود‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬الصيغة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستطيعوا‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك،‭ ‬فذلك‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يمتلكوا‭ ‬هذا‭ ‬الوعي‭ ‬بالتطور‭ ‬التدريجي‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭.‬

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬ظاهرة‭ ‬المثنى،‭ ‬فأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تطورت‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سقوط‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬يستعمل‭ ‬المثنى‭ ‬كظاهرة‭ ‬تركيبية‭ ‬وليس‭ ‬كظاهرة‭ ‬صرفية،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬العرب‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬اثنان‮»‬‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬المثنى‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬‮«‬رجل‭ ‬واحد‮»‬،‭ ‬فسقطت‭ ‬الثاء‭ ‬والنون‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ + ‬ان‭ = ‬رجلان‭.‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬الاشتقاق‭ ‬في‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬اختلف‭ ‬النحاة‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬الاشتقاق‭ ‬هو‭ ‬الفعل‭ ‬ومن‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬أصله‭ ‬هو‭ ‬الاسم،‭ ‬ولكننا‭ ‬نميل‭ ‬إلى‭ ‬رأي‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬اللسانية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬الاشتقاق‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬الجذر،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬ك‭. ‬ت‭. ‬ب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تشتق‭ ‬منه‭ ‬كلمات‭ ‬أصول،‭ ‬هي‭: ‬فعَل‭/ ‬فعُل‭/‬فعِل،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬مصادر‭ ‬اشتقاق‭ ‬المفردات‭ ‬الأخرى‭ ‬أفعالاً‭ ‬وصفات‭ ‬مثل‭ ‬فعّل‭ ‬وفاعل‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬المشتقة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصدر‭ ‬اشتقاق‭ ‬لمفردات‭ ‬أخرى؛‭ ‬إذ‭ ‬تشتق‭ ‬مثلا‭ ‬صيغة‭ ‬تفاعل‭ ‬من‭ ‬فاعل‭ ‬وتشتق‭ ‬صيغة‭ ‬تفعّل‭ ‬من‭ ‬فعّل‭ ‬وهكذا‭.‬

ومن‭ ‬الاتهامات‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬المستشرقون‭ ‬وبعض‭ ‬المعاصرين‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬غياب‭ ‬الرابطة‭ ‬في‭ ‬الجملة‭ ‬الاسمية؛‭ ‬اذ‭ ‬اعتبر‭ ‬شومسكي‭ ‬لغات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬غير‭ ‬طبيعية‭. ‬

ومن‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النقاشات،‭ ‬وارتباطاً‭ ‬بموضوعنا،‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬سقوط‭ ‬الرابط‭ ‬في‭ ‬الجملة‭ ‬الاسمية‭ ‬مجرد‭ ‬تطور‭ ‬تاريخي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬الرابط‭ ‬‮«‬كان‮»‬‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الصفري‭ ‬‮«‬السماء‭ ‬صافية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭ ‬أو‭ ‬المستقبل‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬كما‭ ‬في‭: ‬‮«‬كانت‭ ‬السماء‭ ‬صافية‮»‬‭ ‬و«ستكون‭ ‬السماء‭ ‬صافية‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬هذه‭ ‬الرابطة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬الديمومة‭ ‬والعادة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬مثال‭: ‬‮«‬السماء‭ ‬تكون‭ ‬صافية‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‮»‬‭. ‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الظواهر‭ ‬اللغوية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬دراستها‭ ‬وفق‭ ‬منهج‭ ‬تاريخي،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬فهمها‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬سيساعدنا‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القواعد‭ ‬اللغوية‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬النحاة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فهمها‭ ‬وتبسيطها ‭ ■