مجلة العربي رسالة الكويت لأمتها

مجلة العربي ظاهرة صحفية كويتية بدأت قبل 60 عاماً، موجّهة إلى الشباب العربي في مختلف الأقطار العربية، صدرت في ظل ظروف مختلفة، حيث كان المناخ قومياً عربياً بعد الوحدة المصرية - السورية، ولم تكن مجلة سياسية بل ثقافية شاملة كان الجيل الجديد بحاجة إليها، ومتعطشاً لها، وصدور المجلة حينها جاء في ظل ظروف كان عدد المجلات والصحف محدوداً، ولهذا كان تأثير المجلة مهماً في تلك الفترة.
كان الشباب العربي في فترة ما بعد صدور «العربي» متلهفاً للثقافة، ويهتم بالقراءة أكثر مما هو عليه اليوم، وهذه مفارقة عاشتها وتعيشها الثقافة، ويعيشها التعليم في العالم العربي، حيث كان المتعلمون في المدارس بالمرحلة الثانوية يتسابقون لاقتناء مجلة العربي، وقراءتها، ويمكن القول بأن القارئ أحياناً لا يدرك ما يطرحه بعض كتّابها، إلا أنه كان مصرّاً على المتابعة، فقد كانت «العربي» مجلة بإخراجها الجميل، وسعرها والموضوعات التي تطرحها، قريبة من اهتمامات أولئك الشباب.
إن المتابعة لمجلة العربي وغيرها من الإصدارات التي تصدرها مؤسسات كويتية تؤكد حرص الكويت على أن جزءاً من عائدات النفط يذهب للثقافة، وهي قيمة اهتمت بها الكويت منذ عصر التنوير في هذا البلد العربي منذ نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن العشرين.
طبيعة المجلة
هي دورية شهرية فريدة من نوعها، ابتعدت عن التوجهات السياسية، مركزة على التعريف بالوطن العربي، الدول والمدن والآثار وهموم المجتمعات، وعلى المشتركات بين الدول العربية، كما يلاحظ أن اهتمام المجلة لا يقتصر على العالم العربي، على الرغم من التركيز عليه، بل على العالم الإسلامي، وكذلك الوضع العالمي، ثقافياً وجغرافياً واجتماعياً.
إن مجلة العربي وضعت لنفسها منهجاً بأن تؤدي دورها، وتستمر، وقد يكون عدد من المثقفين العرب غير راضين عن ذلك المستوى للمجلة، لكن طبيعة الأوضاع كانت تتطلب ذلك لضمان استمرارها، ودخولها جميع الدول العربية.
ويلاحظ عند مراجعة أعداد «العربي» أن هناك تخطيطاً جيداً قد وضع لها، وأن إمكانات أول رئيس تحرير للمجلة، الدكتور أحمد زكي، كانت علمية وعقلانية وواقعية، وقد كانت مقالاته علمية عميقة، لكن بعدها ثقافي.
«العربي» مجلة ثقافية تخاطب الشباب، وصاحب صدور المجلة ملحق للأطفال، إلى جانب كلي ذلك، كانت ندواتها السنوية، إذاً هي مؤسسة ثقافية مهمة لا تخاطب العامة ولا النخبة المفكرة، بل المثقف بصورة عامة.
لقد سدّت مجلة العربي فراغاً أحدثه إلى حد ما غياب الاهتمام بالكتاب، ونعرف أنه في ظل الحياة الاستهلاكية والدولة الريعية لم يعد الاهتمام بالثقافة من الأولويات، إلا أن التماسك والصمود مطلوبان في هذه المرحلة من حياة أمتنا.
لقد وجد المتعلمون في مجلة العربي زادهم الثقافي، لأن طرحها وأسلوبها والتشويق فيها كانت تجذبهم إليها، فوجدوا فيها تعبيراً عن طموحهم وهمومهم، ومساهمة في تكوين الرؤية لديهم.
إن موضوعات «العربي» تتجنب الخوض في القضايا السياسية، وتركز على الجانب الثقافي، ومنه الثقافة السياسية، لأنه لا يمكن تجنب أهمية الوعي السياسي في الثقافة.
محتوى المجلة ودورها الثقافي
يبدأ عدد «العربي» بكلمة رئيس التحرير، وهي أقرب للدراسة، وتحمل أكثر من رسالة بطريق مباشر أو غير مباشر، ولا مجال لذكر أمثلة على ذلك، وكانت علمية وبأسلوب ملائم يجذب القراء على اختلاف سن الشباب، واختلاف خلفياتهم الثقافية بهدف الارتقاء بتلك الثقافة، ثم تتميز أعداد المجلة بالاستطلاع الشهري الذي تجريه للمدن العربية، وأهم المراكز العلمية والآثارية والدينية، وبعض تلك المعلومات كانت مجهولة لكثير من المثقفين.
بعد ذلك تأتي المقالات في شتى مناحي الحياة الثقافية الأدبية والاجتماعية، بالإضافة إلى الأبواب الأخرى المتنوعة، مع متابعة عروض ملخصة للكتب الثقافية التي تصدر حديثاً.
أما الدور الثقافي لـ «العربي»، فكاتب هذه الأسطر أحد المتابعين للمجلة، ولا ينكر دورها في ثقافته خاصة في الستينيات والسبعينيات، ثم أصبح كاتباً في المجلة بين الحين والآخر منذ عقود.
لقد عرَّفت استطلاعات «العربي» كثيراً من الشباب العربي بمناطق عربية كانت معرفتهم بها محدودة، مثل: العرب في القرن الإفريقي، والمناطق السياحية في الوطن العربي، والمنافذ البحرية فيه، وغيرها.
وقد حدث تطور في محتوى المجلة وإخراجها، ويعود ذلك مؤكدا في بعضه إلى اقتراحات القراء والمتابعين لها، أو أولئك الذين كانوا يشاركون في ملتقياتها، ومن دون شك تحولت اهتمامات كثير من المثقفين قطرياً، ومن واجب المجلة أن تواكب ذلك التوجه والتحول في محتوى الموضوعات التي تطرحها، والثقافة العربية واحدة إذاً في محتوى الموضوعات التي تطرحها، والثقافة العربية واحدة إذا كانت بعيدة عن الانغلاق والتعصب، والمبالغة والغلو.
وقراء مجلة العربي مدعوون إلى نقد محتواها، واقتراح المناسب للنشر فيها، لأنها مجلتهم، ورسالة الكويت إلى أمتها العربية.
«العربي» مجلة عابرة للحدود العربية
ومع المد القومي بعد صدور مجلة العربي، تطورت القطرية في الأقطار العربية كرد فعل للتيار القومي العربي، وفي ظل ذلك التناقض كانت المجلة عابرة للحدود العربية، وتدخل كل قطر عربي.
وخلال رحلتها عبر عقود، لم تمنع من دخول دولة عربية، لأنها كانت ولاتزال فوق الخلافات، وتبتعد عن الموضوعات الخلافية، فهي بحق وسيلة وحدة للعرب في مشرقهم ومغربهم، ومؤسسة عربية رائدة ومهمة في لم شمل العرب حول قضايا مبدئية ثقافية أساسية تشكل أرضية اللقاء والتقارب بين الأشقاء. هناك وسائل كثيرة عابرة للحدود العربية لكنها لم تستمر كما استمرت مجلة العربي. والبعض لا يرغب في أن نقول عابرة للحدود، خاصة بعد أن أصبحت الحدود سدوداً بين الأقطار العربية، ويفضلون أن تجمع مجلة العربي المشتركات العربية على ذكر وصف عابرة للحدود.
والهموم من ضمن المشتركات العربية، لأننا كذلك نشترك في المشكلات على كل المستويات، ويرى بعضنا أن ذلك أمر طبيعي، ويرى آخرون غير ذلك.
لقد كان التفاعل الثقافي بين العرب أفضل مما هو عليه اليوم، ولم تكن النزاعات الحدودية مادة، واليوم تزداد العراقيل والمعوقات للاتصال والتواصل بين الدول العربية وليس الشعوب العربية.
نعرف - كما ذكرنا - أن المرحلة المعاصرة شهدت تحولات في وطننا العربي أهمها وأخطرها القطرية المناطقية والإثنية الفئوية بكل أشكالها، وهنا تكون رسالة مجلة العربي أخطر وأهم، وهي تتخطى الحواجز وتنفذ إلى العمق العربي، وتحمل مشعل التنوير على الرغم من كل المعوقات، ومصطلح عابرة للحدود أعمق مما يظن البعض حول الحدود الجغرافية.
لقد اكتشف العرب قيمة شعورهم وترابطهم في أثناء الأزمات، وتبقى مجلة العربي إحدى قنوات الاتصال العربية، تصدر في الكويت هويتها عربية، وليست مجلة إقليمية تجسد المادة الأولى في دستور الكويت بأن الكويت جزء من الأمة العربية، وكانت تدير الندوات السنوية التي تعقدها المجلة مجالاً للحوار في قضايا الساعة في الوطن العربي، يلتقى فيها مفكرون ومثقفون من الكويت ومنطقة الخليج العربي، والوطن العربي بصورة عامة، إدراكاً من المجلة لدورها، وأهمية الحوار حول تلك القضايا، وعلى الرغم من أزمات الأمة، وتراجع التنوير فيها، فإن الكويت مستمرة في رسالتها عبر مجلة العربي وغيرها من الإصدارات الثقافية.
خلاصة القول في شأن «العربي»
هي مجلة عربية عريقة، استمرت في الصدور لمدة 60 عاماً، وهي تتمتع باحترام العرب في كل أقطارهم. هي مؤسسة ثقافية وأكثر من مجلة ثقافية. هي تعبير على أن الكويت هذا البلد النفطي لم يبخل بالصرف على الثقافة العربية. هي المجلة الأولى من نوعها، تصل إلى الجميع، ومستمرة، وميسرة، وبطباعة فاخرة.
وفي ظل التطور الإعلامي الإلكتروني تتطور مجلة العربي، لكن ذلك لا يعنى الاستغناء عنها ورقياً تماماً كما لا يمكن الاستغناء عن الكتاب، والتحدي هو أن تستمر «العربي»، ويستمر نهجها، وتتطور كي تواكب ظروف المرحلة، وهذا نقد موضوعي لها وليس مجاله هنا، بل أردنا من هذا المقال أن نسجل انطباعاتنا عنها خلال رحلتها الطويلة الحافلة بالعطاء والإبداع ■