نظرة على مهرجان كان: سينما ما وراء البحار تتألق محمد رضا

نظرة على مهرجان كان: سينما ما وراء البحار تتألق

عبر تاريخه، استحوذ مهرجان "كان" على اهتمام السينمائيين كافة، من منتجين ومخرجين وممثلين وكتاب وموزعين وجمهور كبير.. كل هؤلاء وجد فيه منفذا للتعرف على نواحي الحياة البعيدة. العالم بأسره يصير صغيرا، يحط في "كان" فتسمعه وتراه، قد تقبل به وقد ترفضه، لكنك تواق، كغيرك، لمزيد من المعرفة التي يجلبها معه هذا المهرجان السينمائي الكبير.

مهرجان "كان"، هو أكبر اللقاءات السينمائية. لقد سعى منذ سنوات بعيدة للتميز عن المهرجانات المنافسة بتكبير الحجم واستحواذ الأكثر. لذلك، فإن عدد الأفلام المعروضة في مختلف أقسامه يبلغ سنويا نحو 250 فيلما، من بينها نحو سبعين فيلما في المشاركات الرسمية، كالمسابقة والتظاهرات الموازية، والباقي يعرض تلقائيا بغرض البيع والشراء فيما يسمى بالسوق السينمائي. ويعكس هذا التقسيم، مسئولية دقيقة تجاه المجتمع الفني، إذ على المهرجان أن يصر على أن يفصل بين دوره الثقافي والفني المفترض أن يتبدى من خلال الأفلام المختلفة المعروضة في المسابقة والتظاهرات الموازية، وبين الأفلام الوافدة إليه بهدف الترويج والبحث عن موزعين وأصحاب صالات عرض يشترونها. لكن هذا الفاصل يضمحل نوعا منذ فترة، فإذا بكل فيلم ينفذ إلى المسابقة يحط محملا بهالات من الترويج والتلميع ومحاولات استغلال الفرصة للتسويق. بالتالي، بات الفيلم الفني المقدم نتاج مزيج من الغايات بعدما انتقل الوضع من تلقائية أن يحاط الفيلم المتسابق بالاهتمام الجماهيري، إلى أن يكون مصب هذا الاهتمام بشكل مدروس ومركز وكأننا نشهد فرعا من سوق المهرجان عوض أن يكون السوق هو الفرع والتابع.

العرب أبرز الغائبين

بلغ عدد الأفلام التي اشتركت في المسابقة هذا العام، ثلاثة وعشرين فيلما، جاءت، جغرافيـا، من أوربا والولايات المتحدة وأستراليا وآسيا مع اشتراكين إضافيين: واحد من هاييتي والآخر من جنوب إفريقيا. وجاء الاشتراك الأوربي غزيرا إذ قدمت فرنسا أربعة أفلام، ومثلها فعلت السينما البريطانية، في حين بلغ عدد الأفلام الإيطالية في المسابقة ثلاثة. وكان هناك فيلم روسي وآخر من ألمانيا. ومن الولايات المتحدة، تم عرض ثلاثة أفلام كما تم عرض ثلاثة أفلام من أستراليا وفيلمين من جنوب شرق آسيا. وغابت السينما العربية، مثل العديد من السينمات غير العربية، لا عن المسابقة فقط، بل عن التظاهرات الجانبية أيضا. وفي مقدمة هذه التظاهرات، "نظرة ما" التي حوت 25 فيلما و"أسبوع النقاد" الذي عرض سبعة أفلام، و"نصف شهر المخرجين " الذي جمع ستة عشر فيلما بدوره. كذلك كانت هناك عشرة أفلام قصيرة دخلت مسابقة الفيلم القصير كما جرت العادة دوما. وإذا لم يكن هذا كله كافيا لإشباع نهم هاوي السينما ومحترفها، فلم لا تضاف تظاهرة باسم "السينما دومًا" تعرض لبعض النادر القديم من الأعمال قوامها 44 فيلما إيطاليا وأمريكيا من الأربعينيات والستينيات؟ على أنه إذا ما تم قبول الغياب العربي كحالة مشابهة لغياب سينمات أخرى، كالتركية والكورية والباكستانية والبلجيكية وسواها، فإن ذلك ليس تبريرا للغياب بحد ذاته. فمعظم الدول الغائبة الأخرى ليست بثراء الثقافة والمجتمعات العربية ولا حتى بقدراتها على توفير عناصر الفيلم الجيد إذا ما اجتمعت له. وبالعودة إلى قراءة الأفلام المشتركة في المسابقة، نلاحظ أن أستراليا تمتعت بثلاثة اشتراكات وهو نادر، وأن السينما الصينية والسينما التايوانية تنافستا في المسابقة وهو أمر نادر أيضا. كذلك نلحظ أن المسابقة حوت ثلاثة أفلام من إخراج نساء، هي فيلمان أستراليان وفيلم من جنوب إفريقيا.

الفن للتواصل

حين أعلنت نتائج المسابقة في مساء الرابع والعشرين من مايو (آيار) صفق الجمهور مرتين متواليتين لفيلمين تناصفا السعفة الذهبية، وهي الجائزة الأولى والكبرى للمهرجان. فقد نال تلك الجائزة الفيلم الأسترالي "البيانو" للمخرجة (ذات الأصل النيوزلندي) جاين كامبيون، والفيلم الصيني "وداعا خليلتي " للمخرج تشن كايغ. وهذا الفوز المزدوج له أكثر من بعد.

فهي المرة الأولى التي يفوز فيها فيلم أسترالي بالسعفة الذهبية. والمرة الأولى التي يفوز فيها أيضا فيلم صيني بالسعفة الذهبية. والمرة الأولى، كذلك، التي يفوز فيها فيلم من إخراج امرأة.

يدور "البيانو" حول امرأة خرساء يزوجها والدها- والأحداث. في أواخر القرن الماضي ما بين أستراليا ونيوزلندة- برجل لا تعرفه يرضى بها على عاهتها ومن دون أن يكون قد رآها، بدوره، من قبل. شرط المرأة الوحيد، بالإضافة إلى مصاحبة ابنتها الصغيرة (من علاقة سابقة) لها، هو أن تسافر مع البيانو الذي يحط بصحبتها على الشاطئ وسط الأمواج العاتية. في اليوم التالي يصل الزوج مرحبا، لكنه يرفض أن يكلف رجاله (من المواطنين الأصليين) حمل البيانو لثقله. تطلب الزوجة لاحقا من رجل أبيض عاش طويلا بين المواطنين حتى أتقن لغتهم، العودة بها إلى الشاطئ لكي تعزف على البيانو. خلال ذلك، يقف ويستمع ثم يعرض على الزوج قطعة أرض مقابل أن يحصل على البيانو على أن تقوم الزوجة بتعليمه دروسا فيه.

هذا كله يؤدي إلى علاقة جانبية بين المرأة والرجل الآخر يعلم بها الزوج الذي لا يعرف كيف يتواصل وزوجته. وهذا ما يقوده إلى ترحيلها وابنتها والرجل الآخر على سفينة، فهو ما عاد بحاجة إليها. ووسط الأمواج العاتية كان لا بد من التخلص من البيانو برميه في البحر، لكن الحبل يلتف حول قدم المرأة فتسقط معه وتموت، ولو أن النهاية تحاول إبقاء الموت حالة نسبية تقع ما بين الذهن والجسد.

وهذا الفيلم هو الأفضل للمخرجة التي شاهدنا لها من قبل فيلما عاطفيا- نفسيا آخر بعنوان "ملاك عند طاولتي" وقبله كوميديا- نفسية أيضا- عنوانها "سويتي". "البيانو" هو الأكمل بين هذه المحاولات وبين الأفلام الأسترالية الأخرى التي تنافست على السعفة الذهبية هذا العام. وبطلته، الأمريكية هولي هنتر، استحقت الفوز بجائزة أفضل تمثيل نسائي، بينما كان الممثل الأمريكي هارفي كيتل (الذي لعب دور العشيق) أحد الترشيحات المبكرة لجائزة أفضل تمثيل رجالي.

والفن للفن

أما "وداعا خليلتي"، الفائز الثاني في السعفة الذهبية، فهو عمل مختلف تماما. فإذا ما كان "البيانو" حول امرأة توظف الفن للتعبير والتواصل مع الآخرين، فإن "وداعا خليلتي" يدور حول رجلين أخلصا لفنهما كليا على الرغم من عقبات ومصاعب هائلة. هذا المضمون هو واحد من مضامين أخرى يحتويها الفيلم الصيني الذي أخرجه تشن كايغ.

وتقع الأحداث هنا ما بين بدايات العقد العشريني من هذا القرن ومنتصف السبعينيات. إنها فترة غنية بالمراحل السياسية المتعاقبة. ففي العشرينيات شهدت الصين "حروب السادة"، وهي نزاعات الأقاليم التي كانت بدأت في العام 1916 وانتهت في العام 1928. وفي الثلاثينيات، احتلت اليابان أجزاء من الصين مدفوعة بتحالف ما بين حزبي الوطنيين والشيوعيين انقلب إلى حرب ضروس بينهما حالما انهار الاحتلال الياباني عام 1945. واستمرت الحرب الأهلية الصينية لعام 1949 إلى أن تمت الغلبة للشيوعيين فاستلموا سلطة البلاد معلنين ما سمي بـ "جمهورية الصين الشعبية" (في مقابل "جمهورية الصين الوطنية" أو تايوان التي أعلنت على مجموعة من الجزر غير البعيدة عن الأرض الأم). ويصل الفيلم في نهاية مطافه إلى ما عرف بـ "الثورة الثقافية".

هذا الانتقال من فترة إلى أخرى يتم سلسا عند المخرج كايغ، وإن مطولا. قصته تبدأ بأم تقود صبيها الصغير إلى دار لتعليم التمثيل، لكن الصبي بستة أصابع مما يؤدي لرفضه. تقوم الأم بقطع الإصبع الزائد بنفسها وتعود به إلى الدار متوسلة فهي تعمل في ماخور، ولم تعد ترضى بأن يعيش الولد في مثل تلك الأجواء. ويرينا الفيلم كم هو قاس نظام التعليم ذاك. فالمدرسة تضم مجموعة كبيرة من الأولاد التي تتدرب على تمثيل الأوبرا بصرامة شديدة. كل منهم معرض لعقوبات قاسية مثل الجلد وحمل لوح ثقيل عليه وعاء من الماء فوق الرأس والضرب المبرح. والفتى دوزي يتعرض للكثير من تلك العقوبات خاصة وأنه يخفق في حفظ دوره تباعا. والدور المسنود إليه هو دور الجارية في أوبرا تعرف بـ "وداعا خليلتي"، بينما يلعب دور السيد فتى آخر اسمه شيتو. وبتعاقب التمارين والعقوبات يذوب الصبي في شخص الفتاة حتى ما بعد نموه فإذا به أقرب إلى الأنثى من الذكر في تصرفاته وعلاقاته.

ويشعر دوزي بالغيرة الشديدة عندما يتعلق شيتو بحب امرأة ويستجيب لعلاقة شاذة من ثري صيني يمهد لهما إقامة الحفلات لقوات الاحتلال الياباني. هذا يؤدي إلى إلقاء القبض على دوزي بعد طرد اليابانيين، ولو أن المحكمة ترى تخلية سبيله بعدما أكد دوزي أنه لم يفعل سوى ممارسة الفن الأوبرالي الصيني. على أن دوزي إذ يستمر على منوال حياة مهلك (يدمن الأفيون ويعيش حياة ماجنة) كان ما زال مخلصا للتمثيل الذي يؤديه كذلك صديقه شيتو الذي لم يستجب لرغبة زوجته بترك التمثيل والتوجه لعمل آخر كالفلاحة. وبوصول فترة الثورة الثقافية، تعاد محاكمة الممثلين فإذا بشيتو يدافع عن نفسه بإدانته لدوزي ملبيا بذلك ما يود أصحاب السلطة الجديدة سماعه، لكنه في المقابل يخسر زوجته التي تشنق نفسها ويخسر صديقه ولو إلى حين.

المخرج كايغ بدوره من ذلك الرعيل الذي يود لو أنه يستطيع الوصول في بلاده إلى حالة كهذه. أفلامه غير سياسية بمعنى أنها لا تدعو إلى كتاب وتعاليم ونظام، لكنها عن أبطال ذاتيين يحاولون الحفاظ على شخصياتهم بمنأى عن التيارات الموازية.

والفيلم بدوره تجسيد لهذا الخط ودعوة لفصل وتمييز الفن عن قضايا الدولة. وعين المخرج على ما يرضى الذوق الغربي حتى ولو تجاوز بذلك حاجة الفيلم إلى مزيد من العمق، خاصة وأنه يشاهد كحلقات "سوب أوبرا" تلفزيونية في بعض مواقعه وأحداثه.

الأفضل والأسوأ من السينما البريطانية

وبقدر ما جاء مهرجان "كان" في دورته الأخيرة هذه كاشفا عن صعود السينما الشرق آسيوية، بقدر ما استطاعت السينما البريطانية التمتع بحظ وفير من الاهتمام وهي التي قد عانت طوال السنوات العشر الماضية من حالات ضعف وإنهاك.

وفي الحقيقة، فإن ثلاثة من الأفلام البريطانية الأربعة التي شاهدناها كانت على قدر ملحوظ من الجودة. واحد منها فقط، هو "الورثة المتقاسمون"، حمل ترفيها لا محل له من الإعراب إذ عرض في مسابقة مهرجان دولي من المفترض أن ينص على قدر كبير من القيمة الفنية.

أما الثلاثة الجيدة فهي "العاري " لمايك لي و"الحجارة الممطرة" لكين لوتش و"كل هذا اللغط حول لا شيء" لكينيث براناه.

في "العاري " يقدم لنا المخرج لي (الذي نال جائزة أفضل إخراج كما نال بطل فيلمه، دافيد ثويليس جائزة أفضل تمثيل رجالي) حكاية أناس هامشيين يعانون من ضياعهم كما من الضغط الاجتماعي الاقتصادي عليهم في بريطانيا- اليوم. بطل الفيلم يقصد صديقة قديمة له. إنه رجل سادي مثقف له قدرة على الوعظ والفهم، لكنه تائه بدوره لا يستطيع الوقوف على قدميه بمفرده. إنه بحاجة إلى الحب، لكنه لا يبحث عنه أو يؤمن به، وينتهي بعد الزيارة إلى الشارع يعيش على أرصفته مع حقيبته المليئة بالكتب. هذا قبل أن يعود إلى بيت صديقته مضروبا ومهزوما. ما بين انطلاقته وعودته، يقع فصل كامل وطويل من الأحداث على قارعة الطريق أو بسبب حياة الطرقات ذاتها. في ذلك الفصل يلتقي بطل الفيلم ونحن بشخصيات مختلفة هي نماذج حياتية تعيش القدر ذاته من المعاناة والإحباط ولو لأسباب متباينة. الفيلم لا يبحث عن هذه الأسباب لأنها مترجمة إلى معايشة تلقائية مردها الكاميرا التي ترصد حياة الليل والشوارع وتنقل زكانة ذلك العالم والأنفس التي تعيش فيه.

ولا يبتعد فيلم كن لوتش "الحجارة الممطرة" كثيرا عن هذا الواقع المرصود، فإذا به متابعة مرهفة وواقعية لحياة نماذج أخرى تجد نفسها محبطة بسبب من ذات الأوضاع الاقتصادية التي تغلق الأبواب في وجه فئات وآمال كثيرة. ونال الفيلم جائزة لجنة التحكيم مناصفة مع "سيد الدمى" كما تقدم.

السينما الأمريكية القريبة- البعيدة

أما الأفلام الأمريكية في المسابقة فكانت مثار نقاش ولم تحظ بأي جائزة، نظرا لأن لجنة التحكيم برئاسة المخرج الفرنسي لوي مال، لم تجد بينها ما يستحق.

على ذلك، فإن السينما الأكثر إثارة للنقاش هي تلك الأمريكية بشقيها، تلك القادمة من ستديوهات هوليوود التقليدية والأخرى القادمة من الشركات الصغيرة- المستقلة والتي عادة ما تطلق أفلاما صغيرة تترك لمخرجيها حرية أكبر من التعبير واختيار المواضيع.

في الجانب الأول شاهدنا "ناهشو الجسد" للمخرج آبيل فيريرا: شرانق هبطت من الفضاء الخارجي تنتظر الآدميين لكي تستولي عليهم حين نومهم، فإذا بهم، في اليوم التالي، ما زالوا على الشكل ذاته إنما من دون روح أو شخصية.

الفيلم الأمريكي الثاني في المسابقة هو "السقوط" للمخرج جويل شوماكر: دراما عنيفة حول مواطن أمريكي يقع تحت ثقل المتغيرات الاجتماعية العاصفة في لوس أنجلوس. في يوم لاهب يفقد الرجل توازنه وينطلق في سلسلة من الجرائم دافعها يكمن في رفض الذات لانحدار مستوى الحياة الأمريكية وضحاياها مهاجرون لاتينيون وكوريون في الغالب.

والفيلم الثالث هو "ملك الهضبة"، فيلم جيد من ستيفن سودربيرغ ينطلق من ذكريات شاب صغير في مطلع شبابه خلال سنوات "اليأس الاقتصادي" كما كانت تسمى في الثلاثينيات. الفيلم دراما حارة حول عزلة الشاب بعد أن دخلت والدته المستشفى للمعالجة وغاب والده في رحلة عمل وانتقل شقيقه الأصغر ليعيش مع عمه.

وإن كانت السينما الأمريكية داخل المسابقة لم تحظ بالاهتمام الكافي، فإن تلك التي عرضت في نطاق "تظاهرة ما" شهدت الكثير من التعقيبات. في الواقع هناك فيلمان منها كانا يستحقان دخول المسابقة لو لم يكن مبرمجوها يميلون للسينما التقليدية والأكبر حجما.

الفيلم الأول هو دراما خاصة بعنوان "موسيقى الفرصة": رجلان يلتقيان مصادفة. أحدهما لاعب "بوكر" محترف والثاني يملك سيارة تنقله في طول وعرض الولايات المتحدة بلا توقف يذكر. إنه هامشي على مجتمع يعيش في أقصى شرايينه وهو يقبل باستثمار كل ما يملك في حرفة اللاعب الذي سينازل ثريين في داريهما. الثريان يربحان كل المال والسيارة وبل ينتهي الخاسران للعمل في المزرعة مقابل إيواء فقط لتسديد ديونهما. فيلم برع فيه المخرج فيليب هاس في توظيف حكاية بسيطة ذات مدلولات إنسانية وانعطافات غير متوقعة.

أوربا التاريخ والحاضر

إذا ما فصلنا السينما البريطانية عن التيارات الأوربية الأخرى، غير الناطقة باللغة الإنجليزية، فإن هذه السينما- والتي تحتوي على أعمال ألمانية وفرنسية وإيطالية- لم يكن لديها عمل جيد تقدمه في المسابقة.

حتى "بعيد، قريب جدا" للألماني فيم فندرز، الذي نال في قرار اتخذ في آخر لحظة، جائزة لجنة التحكيم الخاصة الكبرى (الجائزة الثانية من بعد السعفة الذهبية) لم يكن أكثر من فذلكة فنية- ثقافية لا أبعاد لها. حكاية كان المخرج ذاته بدأها قبل خمسة أعوام بفيلم "أجنحة الرغبة" حول ملائكة تهبط الأرض لتساعد بعض الشخصيات الحائرة. هنا يقع أحد هذه الملائكة في حب الإنسان حتى يعود واحدا مثله فيتعرف على مشاق الحياة عن كثب.يتحول إلى مشرد وسكير ولص ثم يدخل مغامرة تجارة الأسلحة.كل ما يقع لا يلقى صدى في النفس، وهناك مسافة كبيرة باردة بين مخرج يعزل عواطفه عن شخصياته والأحداث وبين ما يدور على الشاشة.والسينما الفرنسية والإيطالية عرفت نوعين من الأفلام: تاريخية تتناول أحداثا تعود إلى أربعمائة عام وما بعد، مثل "بديع" للإيطالي بوبي أفاتي و "فيوريلي" للإيطاليين باولو وفيتوريو تافياني و"لويس الرابع عشر" للفرنسي روجيه بلانشو.وحاضرة: "فصلي المفضل" للفرنسي أندريه تشيني و"المرافق" للإيطالي ريكي تونيازي و"ليبرامي" للفرنسي آلان كافالييه و "مازيبا" للفرنسي أيضا "بارتا باس".

السيرك الكبير

هذا الاستعراض للأفلام المتسابقة وبعض تلك التي عرضت خارج المسابقة (وهي بكاملها ليست سوى نصف ما استطعنا مشاهدته من أعمال هذه السنة) قد يعطي انطباعا بأن "كان" في جوهره ما هو إلا عروض متوالية للإنتاجات العالمية.لكن الحقيقة أن كل امرئ له ما يتمناه في هذا الملتقى السينمائي. فهاوي السينما وناقدها يستطيع تمضية ثماني عشرة ساعة في اليوم الواحد وهو يدلف من فيلم إلى آخر.لكن إذا ما فعل ذلك، فإنه اختار أن يتجاهل السيرك الكبير الذي يدور في ذات المهرجان والذي يتألف من نحو 30 ألف زائر سينمائي معظمهم من رجال الأعمال، منتجين وموزعين ومصرفيين ووكلاء أعمال وممثلين ونسبة كبيرة من الباحثين عن عمل أو فرصة تحقيق طموح في هذا الميدان أو ذاك.

ولو أن أيا من فرسان الفن السابع قبل عشرين سنة أو أكثر حط في دورة المهرجان الأخيرة لما عرف كيف يشق طريقه وسط الناس. إنه ليس زحام الجماهير الغفيرة التي تنتظر خروج آرنولـد شـوارزنيغر أو سلفستر ستالوني أو هولي هنز أو كاترين دينوف، بل زحام السينمائيين الجدد أنفسهم واهتماماتهم. معظم هؤلاء لن يتعرف على تشارلي تشابلن لو بعث حيا والتقاه على الطريق، ولم يسمع بآنا مانياني أو لا يدري إذا ما كان بيكاسو رساما أو بائع لوحات.

استرق السمع في المقاهي المكلفة التي يتجالسون إليها، فلن تتناهى إليك سوى أرقام الصفقات وتفاصيل العمليات التوزيعية.الحديث في السينما كفن لا يثير الاهتمام بل يقع ثقيلا على الطاولة يكاد يقلب فناجين القهوة أو يفسد متعة الطعام.وإذا ما أرادوا الخروج من حصار الأرقام تساءلوا فيما بينهم عن أية حفلة يؤمونها هذا المساء بين تلك المقامة ومن سيحضرها وما فائدتها. حتى الحفلات الترفيهية صارت مجالات عمل يقصد بها بيع شيء، وكل واحد جاء ليبيع شيئا.

على الرغم من كل ذلك، ومع أن مستوى أفلام المسابقة لم يكن في أفضل حالاته هذا العام، إلا أن المرء سريعا ما يلحظ أن الاهتمام الإعلامي طار من فوق ماريو قصّار وكاترين دينوف وسلفستر ستالوني وآرنولد شوارزنيغر وحتى اليزابث تايلور (التي وصلت بداعي حملتها لجمع التبرعات لضحايا الإيدز) وكل الأسماء الكبيرة في كل الميادين، وذلك ليحط في شخص مخرجة نيوزلندية، هي جاين كامبيون، ومخرج صيني، هو تشن كايغ، فازا بالسعفة الذهبية بأفلام رضت الجمهور الكبير والجمهور الصغير..أو النقاد.

 

محمد رضا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




هولي هنتر وبيانو على الشاطئ في مشهد جميل من فيلم البيانو الحائز على السعفة الذهبية





تمرد بلا قضية..مايكل دوغلاس في الفيلم الأمريكي السقوط





ملك الهضبة.. أمريكي جيد من ستيفن سودربرغ حول ذكريات مطلع الشباب





شكسبير يطل مرة أخرى.. لغط كثير حول لاشيء لكينيث براناه وآخرين





ملاك أرضي.. لقطة من فيلم بعيد عن قرب لفيم فندرز رابح الجائزة الثانية





فيوريلي للأخوين تافياني.. هذه المرة السينما الإيطالية لم تترك أثرا كبيرا





الرباعي.. أبطال فيلم أجساد راحة وحركة أحد أفضل الأفلام الأمريكية المستقلة





فيلسوف صغير ومهزوم.. دافيد تويليس نال أفضل تمثيل عن دوره في العاري