حين يكون الشغف بـ العربي

حين يكون الشغف بـ العربي

كانت‭ ‬نواكشوط‭ ‬عاصمة‭ ‬موريتانيا‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مرحلتها‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬والتوسع،‭ ‬تتزين‭ ‬كأي‭ ‬بدوية‭ ‬بريئة‭ ‬تضع‭ ‬مساحيق‭ ‬أوربية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحتاج‭ ‬جمالها‭ ‬الفطري‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬البساطة‭ ‬وطيبة‭ ‬الناس،‭ ‬وزحف‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأرياف‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬هي‭ ‬أبرز‭ ‬السمات‭ ‬الشكلية‭ ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬لذلك‭ ‬الانفجار‭ ‬والطفرة‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬واسع‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭.‬

أحياء‭ ‬جديدة‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬المدينة‭ ‬لترسم‭ ‬واقعاً‭ ‬تشكله‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬وأفواج‭ ‬المتعلمين‭ ‬الجدد،‭ ‬وتنشط‭ ‬فيه‭ ‬تيارات‭ ‬سياسية‭ ‬فكرية‭ ‬مستوردة‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتحديداً‭ ‬من‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬نَفَس‭ ‬عربي‭ ‬واضح‭ ‬يطل‭ ‬ليشكّل‭ ‬همّ‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬الموريتانية‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬المزدوجة‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا‭ ‬والوطن‭ ‬العربي،‭ ‬ضمن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الفسيفســـاء‭ ‬السياسية‭ ‬والجغرافيــــــة،‭ ‬برز‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالعـــروبة‭ ‬وباللغة‭ ‬العربية‭ ‬كظاهرة‭ - ‬في‭ ‬اعتقادي‭ - ‬ثقافية‭ ‬أساساً،‭ ‬صاحبها‭ ‬تطلّع‭ ‬معرفي‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والروايات‭ ‬والمجلات‭ ‬العربية‭ ‬الرصينة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬واجتذبت‭ ‬تقريباً‭ ‬مختلف‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬منتصف‭ ‬ونهاية‭ ‬السبعينيات،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الجيل‭ ‬محكوماً‭ ‬بمحدودية‭ ‬وسائل‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬الآخر،‭ ‬الكتاب‭ ‬والمنشورات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬مجلات‭ ‬وصحف،‭ ‬والإذاعة،‭ ‬هي‭ ‬الوسائل‭ ‬الوحيدة‭ ‬أمامه‭ ‬لتكوين‭ ‬احتياطي‭ ‬معرفي‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بفهم‭ ‬ذاته‭ ‬وفهم‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حوله‭.‬

لكن‭ ‬ذلك‭ ‬التطلع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سهل‭ ‬التحقق،‭ ‬فالمكتبات‭ ‬نادرة‭ ‬الوجود‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الحديثة‭ ‬النشأة،‭ ‬ومراكز‭ ‬توزيع‭ ‬الصحف‭ ‬والكتب‭ ‬أشد‭ ‬ندرة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الطرفية‭ ‬الواقعة‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬تماسّ‭ ‬العاصمة‭ ‬مع‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة‭ ‬ببحر‭ ‬الظلمات،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬ثمة‭ ‬إشراقة‭ ‬يبعثها‭ ‬من‭ ‬أعتبرهم‭ ‬جنود‭ ‬الثقافة‭ ‬المجهولين‭ ‬تلك‭ ‬الأيام،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يستطيعون،‭ ‬بطرقهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬مجلة‭ ‬محترمة،‭ ‬ليتداولونها‭ ‬مع‭ ‬غيرهم‭ ‬بنظام‭ ‬الإعارة‭ ‬المتسلسلة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬إرجاع‭ ‬لصاحبها‭ ‬الأول‭ ‬غالباً‭!‬،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬الإعارة‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬بطريقة‭ ‬تجعل‭ ‬أمثالي‭ ‬من‭ ‬الصبية‭ ‬المفتونين‭ ‬بالقراءة‭ ‬آنذاك‭ ‬مستثنين‭ ‬قسراً‭ ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬ويحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬مصادفة‭ ‬بغير‭ ‬ترتيب‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬الشغف،‭ ‬وذلك‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬تعرّفي‭ ‬على‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الكويتية‭.‬

 

ذكرى‭ ‬أول‭ ‬نظرة

كان‭ ‬الباب‭ ‬موارباً‭ ‬قليلاً،‭ ‬لكنه‭ ‬غير‭ ‬مغلق‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادته،‭ ‬رائحة‭ ‬الكتب‭ ‬النفاذة‭ ‬تسحرني‭ ‬حين‭ ‬تطل‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬فتحة‭ ‬الباب،‭ ‬دلفت‭ ‬برأسي‭ ‬قليلاً،‭ ‬تأكدت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المكان‭ ‬خال‭ ‬تماماً،‭ ‬والمكتبة‭ ‬الصغيرة‭ ‬تشرع‭ ‬أبوابها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬لي،‭ ‬يا‭ ‬لهذا‭ ‬السحر‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬علاقتي‭ ‬وأنا‭ ‬الطفل‭ ‬ذو‭ ‬العشرة‭ ‬أعوام‭ ‬بالكتب،‭ ‬اقتربت‭ ‬كما‭ ‬يقترب‭ ‬الصوفي‭ ‬من‭ ‬تحقق‭ ‬معرفته،‭ ‬قلبت‭ ‬محتويات‭ ‬المكتبة‭ ‬في‭ ‬حرض‭ ‬وحذر‭: ‬كتاب‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬لماركس،‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬مختارات‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬الإسباني‮»‬،‭ ‬وعدد‭ ‬يبدو‭ ‬قديماً،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬عليه‭ ‬غلافه‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬العربي‮»‬،‭ ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬الاسم‭ ‬المميز،‭ ‬قلّبت‭ ‬الصفحات،‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬أمام‭ ‬عناوين‭ ‬متنوعة‭ ‬تعدني‭ ‬بكشكول‭ ‬زاخر،‭ ‬وبفرص‭ ‬للقراءة‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬تلك‭ ‬الصفحات،‭ ‬كان‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أخرج‭ ‬بسرعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتبه‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬إلى‭ ‬غيابي،‭ ‬ثم‭ ‬يكتشف‭ ‬أن‭ ‬قريبنا‭ ‬الساكن‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬دارنا‭ ‬الواسعة،‭ ‬ترك‭ ‬غرفته‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬مكتبته‭ ‬مفتوحة‭ ‬دون‭ ‬قصد‭ ‬منه،‭ ‬وترك‭ ‬أمامي‭ ‬الفرصة‭ ‬كاملة‭ ‬لإشباع‭ ‬فضولي،‭ ‬ولتصفح‭ ‬كتبه‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬عليها‭ ‬بطريقة‭ ‬تضاعف‭ ‬خيال‭ ‬صبي‭ ‬مثلي‭ ‬مسكون‭ ‬بعشق‭ ‬القراءة،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقرأه‭.‬

أرجعت‭ ‬الكتب‭ ‬إلى‭ ‬مكانها،‭ ‬وحاولت‭ ‬مسح‭ ‬آثاري‭ ‬هناك،‭ ‬واصطحبت‭ ‬معي‭ ‬عدد‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الكويتية،‭ ‬لتبدأ‭ ‬رحلتي‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬هناك‭.‬

كانت‭ ‬أهم‭ ‬مشكلة‭ ‬واجهتـــــني‭ ‬حينها‭ ‬هي‭: ‬كيف‭ ‬أضمن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الأعداد‭ ‬الشهرية‭ ‬الجديدة‭ ‬والقديمة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المجلة؟‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬سهلاً‭ ‬لكل‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬فيها‭ ‬آنذاك‭ ‬ضمن‭ ‬أحد‭ ‬تلك‭ ‬الأحياء‭ ‬الهامشية‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬آنفاً،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أني‭ ‬رغم‭ ‬تطلعي‭ ‬المعرفي،‭ ‬مازلت‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬أهلي‭ ‬طفلاً‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بالذهاب‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المنزل‭ ‬إلا‭ ‬لممارسة‭ ‬اللعب‭ ‬مع‭ ‬أقرانه‭ ‬في‭ ‬الحي،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬وحده‭ ‬مسافة‭ ‬بعيدة‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬مجلة،‭ ‬فذاك‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬المستحيل‭ ‬والعبث‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬الخوض‭ ‬فيه‭!‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬أمامي‭ ‬إلا‭ ‬انتظار‭ ‬الفرص‭ ‬الثمينة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مبتغاي،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬معي‭ ‬بشأن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬قريبي‭ ‬الذي‭ ‬يسكن‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬الدار،‭ ‬ويخبئ‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬لي‭ ‬عالماً‭ ‬مفعماً‭ ‬بالسحر‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬كنت‭ ‬إذ‭ ‬ذاك‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬الزعم‭ ‬أن‭ ‬شغفي‭ ‬ذاك‭ ‬كان‭ ‬واعياً‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬بحكم‭ ‬سني‭ ‬وثقافتي‭ ‬الضئيلة،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬شغفاً‭ ‬ملهماً‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬التطور‭ ‬لأقارب‭ ‬مستوى‭ ‬المجلة‭ ‬المعرفي‭ ‬المشكل‭ ‬باحترافية‭ ‬عالية‭ ‬ونضج‭ ‬كبير‭.‬

لثلاث‭ ‬أو‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬تلت‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬أي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المجلة،‭ ‬ورغم‭ ‬تحرري‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬وتحولي‭ ‬إلى‭ ‬بدايات‭ ‬المراهقة،‭ ‬حيث‭ ‬يبرز‭ ‬المرء‭ ‬استقلاليته‭ ‬وتمرده‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أشكـــــال‭ ‬الرقابة‭ ‬الأهلية،‭ ‬ورغم‭ ‬أني‭ ‬بدأت‭ ‬أحصل‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المكتبات‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬العاصمة،‭ ‬فإن‭ ‬سعر‭ ‬المجلة‭ ‬آنذاك‭ ‬وعدم‭ ‬انتظام‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المكتبات‭ ‬شكّلا‭ ‬عائقاً‭ ‬آخر‭ ‬أمامي،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بإمكاني‭ ‬دفع‭ ‬السعر،‭ ‬وهنا‭ ‬حدثت‭ ‬المصادفة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬أمّنت‭ ‬لي‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬دائم‭ ‬ولسنوات‭ ‬أخرى‭ ‬مختلف‭ ‬أعداد‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭.‬

 

التواصل‭ ‬الكامل

في‭ ‬فترة‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانينيات‭ ‬وبدايات‭ ‬التسعينيات‭ ‬كانت‭ ‬السفارة‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬موريتانيا،‭ ‬توفر‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬لبعض‭ ‬العاملين‭ ‬الموريتانيين‭ ‬فيها،‭ ‬وكان‭ ‬أبناء‭ ‬هؤلاء‭ ‬يبدون‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭ ‬حين‭ ‬أراهم‭ ‬يحملون‭ ‬الأعداد‭ ‬أو‭ ‬يراكمونها‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الحظوة‭ ‬والجاه‭ ‬الكبير،‭ ‬وبطريق‭ ‬المصادفة‭ ‬تعرفت‭ ‬إلى‭ ‬أحدهم،‭ ‬واكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬استطاع‭ ‬تنظيم‭ ‬مكتبة‭ ‬منسقة‭ ‬جداً‭ ‬وكبيرة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬منزل‭ ‬أهله،‭ ‬والأهم‭ ‬أنها‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أعداد‭ ‬كثيرة‭ ‬متسلسلة‭ ‬وبحالة‭ ‬جيدة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الصيانة‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬لكن‭ ‬العقبة‭ ‬الأبرز‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬‮«‬وبالمناسبة‭ ‬مازالت‭ ‬تربطنا‭ ‬صداقة‭ ‬وطيدة‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬بسبب‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬يرفض‭ ‬العمل‭ ‬بنظام‭ ‬الإعارة‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه،‭ ‬ويخشى‭ ‬أن‭ ‬يستعير‭ ‬أحد‭ ‬مجلاته‭ ‬ولا‭ ‬يردها‭ ‬إليه،‭ ‬أو‭ ‬يردها‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬سيئة،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬يتيح‭ ‬فقط‭ ‬للمهووسين‭ ‬أمثالي‭ ‬فرصة‭ ‬المطالعة‭ ‬داخل‭ ‬مكتبته،‭ ‬وطبعاً‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬مناسبة‭ ‬للزيارة‭!‬

وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أنتظر‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬أن‭ ‬يتخطى‭ ‬وقت‭ ‬القيلولة،‭ ‬ويبدأ‭ ‬المساء‭ ‬في‭ ‬بسط‭ ‬أجنحته،‭ ‬حتى‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬منزل‭ ‬أهل‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬دون‭ ‬إحساس‭ ‬بالحرج،‭ ‬وألج‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬الغرفة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬يضع‭ ‬فيها‭ ‬مكتبته‭! ‬كنت‭ ‬مستعداً‭ ‬لتحمّل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬أقرأ‭ ‬أعداداً‭ ‬متتالية‭ ‬من‭ ‬المجلة‭ ‬الأثيرة‭ ‬عندي،‭ ‬وقد‭ ‬يتساءل‭ ‬أحد‭ ‬لِمَ‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام،‭ ‬وهذا‭ ‬الشغف؟‭ ‬الإجابة‭ ‬ببساطة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬ومنذ‭ ‬بدايات‭ ‬دخولها‭ ‬إلى‭ ‬موريتانيا،‭ ‬صنعت‭ ‬لنفسها‭ ‬مكانة‭ ‬رمزية‭ ‬كبيرة‭ ‬عند‭ ‬الموريتانيين،‭ ‬ولذلك‭ ‬قصة‭.‬

 

‮«‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬موريتانيا

في‭ ‬أول‭ ‬جولة‭ ‬استطلاعية‭ ‬للبلد‭ ‬الإفريقي‭ ‬العربي‭ ‬موريتانيا،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرفه‭ ‬غالبية‭ ‬القراء‭ ‬العرب‭ ‬آنذاك،‭ ‬أجرت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬مقابلات‭ ‬عديدة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬رواد‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬العربي‭ ‬و«الشعر‭ ‬خاصة‮»‬‭ ‬في‭ ‬موريتانيا،‭ ‬أيامها‭ ‬استخدمت‭ ‬المجلة‭ ‬وصفاً‭ ‬للبلاد‭ ‬مازال‭ ‬يلازمها‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬مسمياتها‭ ‬العديدة،‭ ‬لكنه‭ ‬أثير‭ ‬جداً‭ ‬وغال‭ ‬عند‭ ‬الموريتانيين،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬بلاد‭ ‬المليون‭ ‬شاعر‮»‬،‭ ‬ولن‭ ‬أغوص‭ ‬في‭ ‬سبب‭ ‬التسمية‭ ‬وحيثياتها‭ ‬الصحفية،‭ ‬فبإمكان‭ ‬أي‭ ‬باحث‭ ‬في‭ ‬أرشيف‭ ‬المجلة‭ ‬العريقة‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬سأتجاوز‭ ‬لتبيان‭ ‬الأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي‭ ‬كواحدة‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬الوعي‭ ‬والثقافة‭ ‬العربيين‭ ‬في‭ ‬وطني‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬دورية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬شرحتها‭ ‬آنفاً‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬صعوبات‭ ‬التوزيع‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور‭ ‬العريض،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موجودة‭ ‬من‭ ‬مشرق‭ ‬موريتانيا‭ ‬إلى‭ ‬غربها‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬مساحة‭ ‬مليونية،‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬الكويتية‭ ‬أرضت‭ ‬تماماً‭ ‬تطلعات‭ ‬الموريتاني‭ ‬بمختلف‭ ‬انتماءاته‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬وحتى‭ ‬المناطقية‭ ‬الأهلية،‭ ‬وجعلته‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المجلة‭ ‬بشغف‭ ‬يقارب،‭ ‬بل‭ ‬يفوق،‭ ‬ما‭ ‬أبديته‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬شغف،‭ ‬وربما‭ ‬ساهم‭ ‬الجو‭ ‬التعليمي‭ ‬آنذاك،‭ ‬والتعلق‭ ‬بالقضايا‭ ‬العروبية،‭ ‬والانفتاح‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬تتيحه‭ ‬المجلة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬ثقافات‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬جعلها،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مكونات‭ ‬الثقافة‭ ‬والوعي‭ ‬الموريتانيين‭ ‬آنذاك‭.‬

ولن‭ ‬ننسى‭ ‬طبعاً‭ ‬طبيعة‭ ‬تلك‭ ‬الأجيال‭ ‬التي‭ ‬مثلّها‭ ‬جيلي‭ ‬والأجيال‭ ‬المقاربة‭ ‬له،‭ ‬والتي‭ ‬سعت‭ ‬دوماً‭ ‬إلى‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬والاحتكاك‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوسائط‭ ‬القليلة‭ ‬المتاحة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬صنــــع‭ ‬لها‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ - ‬بحق‭ - ‬مجلة‭ ‬الأسرة‭ ‬بامتياز،‭ ‬فلـــم‭ ‬يكـــــن‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬ينبو‭ ‬عن‭ ‬الذوق‭ ‬العام‭ ‬للمجتمع،‭ ‬ولا‭ ‬يزدري‭ ‬قيمـــه‭ ‬وأخلاقه،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬تلك‭ ‬الأخلاق‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬وتزيدها‭ ‬قوة‭ ‬إلى‭ ‬قوة،‭ ‬وقــد‭ ‬قدّر‭ ‬الموريتانيون‭ ‬ذلك‭ ‬جيداً‭ ‬وأنزلوها‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬تستحقــها،‭ ‬وطلبوا‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬بشغف‭ ‬هائل،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬تغيّر‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭.‬

 

العولمة‭ ‬وتيار‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭... ‬

والأجيال‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تقرأ‭!‬

مع‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وبدايات‭ ‬الألفية‭ ‬الحالية،‭ ‬تغيرت‭ ‬نواكشوط‭ ‬وموريتانيا‭ ‬كلياً،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬العاصمة‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬البدوية‭ ‬الطيبة‭ ‬التي‭ ‬يشع‭ ‬جمالها‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬تثقلها‭ ‬الحداثة،‭ ‬فتسمها‭ ‬بميسمها‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬البساطة‭ ‬والتلقائية،‭ ‬وتصنع‭ ‬من‭ ‬إنسانها‭ ‬شخصاً‭ ‬يسير‭ ‬وفق‭ ‬استراتيجيات‭ ‬مادية،‭ ‬تهدف‭ ‬أولاً‭ - ‬وقبل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ - ‬إلى‭ ‬تعظيم‭ ‬منفعته‭ ‬الشخصية،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬منافع‭ ‬مالية‭ ‬واقتصادية‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭.‬

وانعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬وساهم‭ ‬توافر‭ ‬وسائط‭ ‬الاتصال‭ ‬وما‭ ‬يسمى‭ ‬بالثورة‭ ‬العلمية‭ ‬الثالثة،‭ ‬في‭ ‬صرف‭ ‬الإنسان‭ ‬الموريتاني‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬القراءة،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬رحِمَ‭ ‬ربك،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الغالبية‭ ‬تهتم‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬مقال‭ ‬جيد،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مجلة‭ ‬رصينة‭ ‬تقدم‭ ‬معرفة‭ ‬ناضجة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬المقدمة‭ ‬كخدمات‭ ‬الـ«فاست‭ ‬فوود‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وشبكات‭ ‬التلفزيون‭.‬

تغيرت‭ ‬القيم‭ ‬وأصبح‭ ‬الإنسان‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬مغترباً‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬بيته،‭ ‬ومعلقاً‭ ‬في‭ ‬فضائه‭ ‬الشخصي‭ ‬كذرّة‭ ‬معزولة‭ ‬لا‭ ‬تتواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬إلا‭ ‬افتراضياً،‭ ‬هنا‭ ‬غابت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬الكويتية،‭ ‬كما‭ ‬غاب‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والمجلات،‭ ‬وبات‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جيلي‭ ‬مثلاً،‭ ‬يشكل‭ ‬استعادة‭ ‬‮«‬نوستاليجية‮»‬‭ ‬لمرحلة‭ ‬عمرية‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الجمال‭ ‬والحياة‭ ‬ببساطة‭ ‬وطيبة‭ ‬وتلقائية،‭ ‬لربما‭ ‬تغيرنا‭ ‬نحن‭ ‬أيضاً‭ ‬بفعل‭ ‬عوامل‭ ‬الزمن‭ ‬والمحيط‭ ‬الذي‭ ‬تغيّر،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬شغفنا‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬كالسابق،‭ ‬لماذا؟‭ ‬إنه‭ ‬حديث‭ ‬يطول‭ ‬ويرتبط‭ ‬بمشاغل‭ ‬الحياة‭ ‬وضرورات‭ ‬العيش‭ ‬وزحمة‭ ‬العمل‭ ‬وضيق‭ ‬الوقت‭ ‬المتبقي‭ ‬للتثقيف‭ ‬والمطالعة‭ ‬و‭... ‬و‭....‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬مازال‭ ‬هناك‭ ‬شغف‭ ‬بالمجلة‭ ‬الكويتية،‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬عُرفنا‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مجلة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬جميل‭ ‬وراق‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬عشناه‭ ‬ونحب‭ ‬استعادته‭ ‬كلما‭ ‬سنحت‭ ‬فرصة‭ ‬أمامنا‭ ‬لذلك،‭ ‬وليست‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬ستينية‭ ‬المجلة‭ ‬الرائعة‭.‬

 

في‭ ‬الستين‭ ‬وضرورات‭ ‬التطور

من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬أو‭ ‬تتغير‭ ‬بعد‭ ‬الستين‭ ‬من‭ ‬السنوات،‭ ‬لكن‭ ‬ميزة‭ ‬الثقـــــافة‭ ‬أنها‭ ‬كائـــن‭ ‬لا‭ ‬زمني،‭ ‬ويستطيع‭ ‬دوماً‭ ‬النهوض‭ ‬كعنقاء‭ ‬خارقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬وتجديد‭ ‬نفسه،‭ ‬لذلك‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬مكانتها‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬الفــــعل‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬حتى‭ ‬برغم‭ ‬كل‭ ‬الإكراهات‭ ‬الــــتي‭ ‬يفرضهــــا‭ ‬زمن‭ ‬العولمة‭ ‬وثـــورة‭ ‬الاتصــــالات‭ ‬والإعلام‭ ‬الجديد،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬ولن‭ ‬أقترح‭ - ‬بوصفي‭ ‬أحد‭ ‬عشاق‭ ‬المجلة‭ - ‬خطة‭ ‬محددة،‭ ‬فالقائمون‭ ‬على‭ ‬المجلة‭ ‬أدرى‭ ‬مني‭ ‬قطعاً‭ ‬بإمكانات‭ ‬التطوير‭ ‬المتاحة،‭ ‬لكني‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬المجلة‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتمــــاعي،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬نشر‭ ‬بعض‭ ‬أهــــم‭ ‬الحــــوارات‭ ‬والمقالات‭ ‬والمواضيـــع‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬وكتبت‭ ‬فيها‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬بشكل‭ ‬يثري‭ ‬معرفة‭ ‬المتلقي‭ ‬الحالي،‭ ‬ويـــوفر‭ ‬له‭ ‬مادة‭ ‬أقــــــل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عنها‭ ‬أنها‭ ‬توثــــق‭ ‬لمرحلة‭ ‬مهمـــة‭ ‬من‭ ‬تاريــــخ‭ ‬الـــوطن‭ ‬العربي‭ ‬ككل،‭ ‬يمكن‭ ‬أيضاً‭ - ‬كاقتراح‭ ‬تحريري‭ - ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬ومع‭ ‬توافر‭ ‬خيارات‭ ‬عديـــدة‭ ‬للتلقي،‭ ‬بات‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬يتطلب‭ ‬إجادة‭ ‬للمادة‭ ‬الصحفية،‭ ‬وتوفيرها‭ ‬مع‭ ‬افتتاحيات‭ ‬جذابة‭ ‬ومختلفة‭ ‬عن‭ ‬المألوف،‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬إثارة‭ ‬شغف‭ ‬المتلقي‭ ‬بحيث‭ ‬يقرر‭ ‬الاستمرار‭ ‬معها،‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬تحديات‭ ‬لا‭ ‬تختص‭ ‬بمجلـــة‭ ‬العــــربي‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬تنسحب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المادة‭ ‬المقـــروءة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬تعاني‭ ‬إكراهات‭ ‬تغيّر‭ ‬ذائقة‭ ‬الأجيال،‭ ‬وعزوفهم‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬الرصينـــة،‭ ‬وانجذابهم‭ ‬نحو‭ ‬السطحية‭ ‬والمباشرة‭ ‬التـــــي‭ ‬توفـــــرها‭ ‬عوالم‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

الله‭ ‬المستعان،‭ ‬وكل‭ ‬ستين‭ ‬قادمة‭ ‬أخرى‭ ‬و«العربي‮»‬‭ ‬هي‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬صانعة‭ ‬وحاضنة‭ ‬الوعي‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي■