أستاذي حسين نصار... وداعاً
شعرت بالألم عندما ودّعت أستاذي حسين نصار؛ فقد شعرت بأنني أودع أبي مرة أخرى، وآخر أستاذ من جيل الأساتذة الأجلاء الذين تتلمذت عليهم في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة القاهرة.
فقد رحل الأساتذة الذين تشرفت بالتلمذة عليهم بعد طه حسين؛ ابتداءً من سهير القلماوي، وشوقي ضيف، وخليل يحيى نامي، وعبدالعزيز الأهواني، وشكري عياد، وعبدالمحسن طه بدر، وغيرهم من الأساتذة الذين كان آخرهم أستاذي حسين نصار الذي ودعته في صباح الجمعة الموافق الأول من ديسمبر 2017.
الحق أن د. نصار فتح لي الأبواب التي لم أطرقها قبله، من علم اللغويات والدرس المعجمي وتحقيق النصوص والدراسة الأسلوبية للقرآن الكريم وإعجازه، فقد كان أستاذي نصار آخر الأساتذة الموسوعيين في قسم اللغة العربية؛ فهو مترجم ومحقق ودارس بارز في تخصصات متعددة، فقد كان صاحب أولى أطروحات الدكتوراه في دراسة المعجم العربي وتطوره،
ولا تزال هذه الدراسة نموذجاً للدراسات المنهجية إلى اليوم، ورغم إكمال د. حسين نصار للدراسات التي بدأها في أطروحة الدكتوراه بما أضافه إليها من بحوث عديدة ودراسات متواصلة وكشوف عن مجاهل تاريخ الأدب المصري، تواصلاً مع النظرية الإقليمية التي نقلها عن أستاذه أمين الخولي، فإنني أضيف إلى ذلك كله ما اقترن باسم حسين نصار من تحقيقات لدواوين شعرية، تشهد بمكانته العلمية الرفيعة في علوم التحقيق ونشر المخطوطات.
وحسبه فخراً أنه استكمل التحقيق الأول المتكامل والمدقق لديوان ابن الرومي بأجزائه الستة، باذلاً فيه من جهد مُضنٍ مع تلامذته ما يشهد بعلو كعبه ومكانته في عالم تحقيق المخطوطات القديمة.
وكان هذا التحقيق إضافته الكبرى إلى ما سبق أن نشره من دواوين حققها أو جمع نصوصها من كتب التراث القديم، وله في ذلك ديوان «ابن وكيع التنيسي... شاعر الزهر والخمر» (مكتبة مصر 1953)، وظافر الحداد الشاعر المصري البارز في العصر الفاطمي (هيئة الكتاب 1975)، إضافة إلى دواوين عبيد بن الأبرص، والخرنق، وابن مطروح، وسراقة البارقي، وجميل بثينة، وقيس بن ذريح، وابن الصوفي.
مكانة علمية رفيعة
أضف إلى ذلك تحقيق معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية، ورحلة ابن جبير، والجزأين السادس والثالث عشر من معجم تاج العروس للزبيدي.
وما ذكرته هو بعض لا كل تحقيقاته التي تجمع بين دواوين الشعراء ومعاجم اللغة والموشحات وكتب غريب اللغة والدراسات اللغوية للقرآن الكريم، مثل: الوقف على «كلا» و«بلا» في القرآن الكريم لمكي بن أبي طالب القيسي.
وقد أعد زميلنا د. حسام أحمد عبدالظاهر ببليوجرافيا وافية، قدم لها زميلي العزيز عبدالستار الحلوجي، وأصدرتها مطبعة دار الكتب منذ عامين. وهي ببليوجرافيا غزيرة تؤكد المكانة العلمية لأستاذي، الذي حالت بينه وبين عضوية مجمع اللغة العربية نوازع التعصب الذي يخلط العلم بالدين، وينحاز إلى خريجي «دار العلوم» من ذوي الميول الإخوانية الذين استبدلوا العصبية بالعلم، فما ربحت تجارتهم، وحالوا بين هذا العالم الجليل وعضوية المجمع الذي دخل تحت مظلة الإخوان وحلفائهم. وليس هذا سوى التفسير المعقول الوحيد لمنع هذا العالم الجليل من دخول مجمع اللغة العربية الذي كان سيشرفه وجود حسين نصار بين أعضائه.
وقد ظل هذا الأمر تاركاً أثراً من الحزن العميق في نفْس هذا العالم الجليل الذي تعوّد على نسيان حزنه بالعمل الذي لا يتوقف في المجالات القريبة إلى نفسه، ومنها الدراسات القرآنية التي ترك منها الكثير الذي نشره في أماكن عدة، وفي دراسات كثيرة في علوم القرآن، بما في ذلك إعجازه الذي نشر كتاباً خاصاً به في مكتبة مصر سنة 1999 (وهما كتابان في مجلد واحد) و«الصَّرْفَة والإنباء بالغيب»، الذي صدر سنة 2000، وبعده جاء «الإبهام في القرآن والإعجاز العددي» (سنة 2011)، وقبله «التكرار» (2002)، و«المتشابه» (2003)، وفي العام نفسه «فواتح سور القرآن» وقبله «الإعجاز العلمي في القرآن» (الهلال 2000) و«القسم» و«الأمثال» (2002)، وأخيراً «الناسخ والمنسوخ» (2011).
ولن أنسى أنه عندما جاوز الثمانين من عمره بعام أو عامين دعاني إلى لقائه بعد وعكة ألمّت به. وأدخلني إلى غرفة مكتبه وفتح أمامي عدة أدراج، ونظر إليّ في جدية قائلاً: هذه دراساتي عن الإعجاز القرآني، فتذكر موضعها، لأني أوصيك بنشرها إذا اختارني الله للرحيل عن دنياكم. فدعوت له بالعمر الطويل، وأن يتولى هو نشر هذه الأعمال. وبالفعل مد الله في عمره، ونشر كل مخطوطاته عن النص القرآني. وعندما جلست معه لآخر مرة في غرفة مكتبه، كانت الأدراج خاوية، وأرفف غرفة المكتب فارغة، وعرفت منه أنه أهدى كتبه كلها إلى مكتبة جامعة أسيوط، وفاءً للمدينة التي ولد فيها، وأكمل تعليمه قبل الجامعي في مدارسها.
انفتاح على الثقافات الأجنبية
والحق أن انفتاح نصار على الثقافات الأجنبية كان وراء رحابة أفقه ومرونته في تقبّل الجديد. ولذلك لم يتردد في الترجمة التي أثرت المكتبة بدراسات عن الموسيقى العربية إجمالاً والموسيقى والغناء في ألف ليلة لـ «فارمر»، كما ترجم عن ابن الرومي لـروفون جست، وعن المؤرخين لمرجليوث، وعن المغازي الأولى ومؤلفيها لهوروفنتس، وأرض السّحرة لبرنارد لويس، الذي لم يكن يخفى عليه تعصبه.
وهو الأمر الذي يكشف عن صفة أخرى كانت تشدني إلى عقلية حسين نصار، وهي احترامه لاختلاف الآخرين عنه أو اختلافه هو عنهم. ولذلك علّمنا على نحو عملي أن الحكمة كالمعرفة هي ضالة المؤمن ومقصده، مهما تباعدت المسافات الجغرافية، أو الحدود الزمنية.
ولن أنسى تواضعه الجم في هذا السياق، وهو التواضع الذي جعله يشير إلى الإفادة مني في مقدمة كتابه عن «الطبيعة والشاعر»، وكنت وقتها معيداً لم أحصل بعد على درجة الدكتوراه. وما أكثر ما تعلمت من تواضعه، وأدركت أنه بزيادة التعمق في المعرفة يزداد تواضع الإنسان وشعوره بأن أمامه الكثير ليتعلم. وكم أحببت تواضعه وزهده في الحياة التي تبعده عن كتبه.
ولذلك يصعب أن أنسى خوفه الحقيقي عندما أخبرته بقبولي منصب وزير الثقافة، فقد كان يخشى أن يقضي «الوزير» على «الجامعي» الذي يُؤثر العمل العلمي والبحث الأدبي في صمت بعيداً عن الضجيج. لذلك استقبلني بفرحة الأب الذي عاده ابنه إلى دياره، بعد أن تركت الوزارة وبريقها الزائل.
وقد تعلّمت من هذا العالم الجليل النزاهة العلمية والحياد الأكاديمي والاحتكام الدائم إلى العقل المنهجي الذي لا يأبه بمتغيرات السياسة أو تقلبات الأمزجة الشخصية، بل يسعى دائماً وراء الحقيقة المنهجية، كاشفاً عن كل ما يظل في حاجة إلى الكشف.
وقد علَّمنا د. نصار أن البحث المنهجي يحتاج دائماً إلى مواجهة الباحث لأفكاره هو، قبل أفكار غيره، وتصفية وعيه من بقايا ما ظل عالقاً به من تقاليد بالية، دون خوف من أحد إلا الله الذي كان يعرفه نصار، الذي كنا نقدر فيه إيمانه العميق وإحساسه الديني القويم، وإعزازه لكل ما هو إسلامي أصيل؛ ولذلك ظللت على إعجابي بهذا الرجل، منذ أن عرفته في السنة الثالثة من دراستي الجامعية الأولى، عندما كنت طالباً في قسم اللغة العربية، وظل الرجل يرعاني رعاية الأب الحاني طوال سنوات دراستي، ويشجع جهودي المتواصلة على التفوق، إلى أن أصبحت معيداً في القسم الذي تولى رئاسته بعد ذلك لسنوات، وبعدها أصبح عميداً للكلية التي ينتسب إليها هذا القسم.
وكان طوال السنوات التي عرفته فيها أستاذاً ورئيساً للقسم وعميداً للكلية نموذجاً رفيعاً للخلق الكريم وللدأب العلمي النادر، منطوياً في كل الأحوال على روح العالم المدقق، وحرص المحقق الذي لا تفوته كلمة أو حرف في أي نص يقرأه، فضلاً عن حنو الأب الذي لم يكف عن رعايتي والاهتمام بأحوالي، حتى بعد أن شببت عن الطوق، فهو والمرحومة زوجه اللذان أسهما في انتقالي إلى عمارة جامعة القاهرة، كي أكون قريباً منهما.
تشجيع دائم ورعاية علمية
لا أنسى أنه اشترك في المناقشة العلنية لأطروحتي لدرجة الدكتوراه التي كانت تشرف عليها المرحومة سهير القلماوي، وكان معهما في لجنة المناقشة المرحوم الأستاذ الدكتور عبدالقادر القط. وكان موقف د. نصار في المناقشة هو موقف الأب الذي يتحمس دائماً لإنجازات ابنه التي كانت نزعة الأبوة المتأصلة فيه تدفعه إلى التسامح مع الأخطاء، وإلى الدفاع عما قد يظنه الآخرون أخطاء منهجية في أطروحة الابن الذي هو أنا.
واستمرت العلاقة بيننا على امتداد السنوات الطويلة تجمع بين حنو الأب ورعاية الأستاذ الجليل الذي يريد لتلميذه أن يصل إلى درجات الكمال. وظل على تشجيعه الدائم لي ورعايته العلمية التي جعلته لا يبخل عليّ بمشورة، ولا يحجز عني كتاباً طلبته من مكتبته العامرة.
وقد كانت الصفة الأساسية التي يتميز بها حسين نصار هي رحابة الأفق التي تجعله أسرع إلى تقبّل الجديد من غيره، وأكثر تسامحاً مع جذرية «الحداثة» عن أقرانه الذين حال تمسكهم بالتقاليد الجامدة دون أي تعاطف مع الجديد.
وأعتقد أن السبب في ذلك هو معرفته بلغة أجنبية واحدة على الأقل هي الإنجليزية، تلك التي ترجم عنها كتباً عدة، سواء في مجال الاستعراب أو في مجال الدرس التاريخي للتراث الموسيقي العربي. وأظن أنه أول من عرف القراء بما كتبه فارمر عن الموسيقى العربية، وذلك في مدى الانفتاح الرحب الذي جعله مرناً بما يتصل بقضايا التجديد وتحديات الحداثة على السواء.
ولا أزال أذكر أنني داعبته يوماً بأن قرأت عليه عبارات الجاحظ التي تقول: إن المتكلم لا يصير متكلماً بارعاً في فنون الكلام، إلا إذا كان ما يحسنه من علوم الدين في وزن ما يحسنه من علوم الفلسفة. وكنت أقول له يا أستاذي إنك تشبه «المتكلم» الذي يتحدث عنه الجاحظ، فأنت تحسن من علوم العرب بقدر ما يسمح لك بالإحسان في علوم الأجانب والاطلاع على دراسات المستشرقين، وتجمع بين التحقيق والتأريخ وعلوم العرب والعجم أو الفرنجة، بما يجعلك أفضل من متكلمي الجاحظ.
وأذكر أنه قابل مداعبتي له بتواضع مبتسماً، وقد ظل على ما عهدته عليه محسناً كل الإحسان في علوم التراث القديم، وذلك بالقدر الذي كان يتسم فيه بمرونة بالغة في تقبّل الجديد أو التفهم له، سواء قبله أو لم يقبله.
والحق أن هذا ما كان يجذبني إليه دائماً، فقد كان تجسيداً حياً للعقل الخلاق الذي يتميز بمرونة عالية تتيح له الاطلاع على كل ما هو جديد ومحاولة تفهّمه دون أن ينزع قدميه الثابتتين والراسختين في جذور تراثه العربي والإسلامي على السواء، ولهذا كان من القلائل الذين يجمعون في إهابهم بين الأصالة والمعاصرة، وبين الجدة في البحث عن أفكار مبتكرة، والحرص على التقاليد الراسخة في الوقت نفسه.
ولذلك لم يقف مرة واحدة في وجه كل ما حاولته من محاولات لتجديد الدراسة المنهجية في النقد العربي قديماً أو حديثاً، ولم ألمح على وجهه نظرة استنكار واحدة لكل اختلاف لي مع بعض آرائه، بل كان دائماً يتقبل اختلافي معه بوجهه السمح واتزانه المتعقل وعقلانيته السمحة التي ترحب بكل جديد، شريطة ألا يقضي على الجذور العربية الراسخة، والأصيلة التي علّمنا الإيمان بها والحفاظ عليها.
جوائز وأوسمة
علمت من خلال معرفتي الوثيقة به، أنه ولد في مدينة أسيوط في الخامس والعشرين من أكتوبر سنة 1925، وأنه حصل على الليسانس مع مرتبة الشرف من قسم اللغة العربية واللغات الشرقية بجامعة القاهرة سنة 1947، ولم يكن قسم اللغة العربية قد انفصل عن قسم اللغات الشرقية، كما حدث فيما بعد. والحق أنني حسدته كما حسدت جيله على أنهم تتلمذوا على جيل طه حسين وأحمد أمين ومحمد كامل حسين وغيرهم من أبناء الرعيل الأول المؤسس لقسم اللغة العربية.
وهو الرعيل الذي لحق حسين نصار بأحد أعلامه، وهو المرحوم مصطفى السقا الذي أشرف على أطروحته للماجستير عن «نشأة الكتابة الفنية في الأدب العربي» سنة 1949، وعلى الدكتوراه عن «المعجم العربي... نشأته وتطوره» سنة 1953، متابعاً مسار الأدب القومي الذي أسس له محمد حسين هيكل، وجعله أمين الخولي «الأدب المصري» الذي أصبح كرسياً مستقلاً، ارتقى إليه أستاذي على درجات السلم الجامعي عندما أصبح «أستاذ الأدب المصري في العهد الإسلامي» سنة 1969.
وقد حصل أستاذي على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى سنة 1986، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب في السنة نفسها، وجائزة الملك فيصل العالمية في الأدب واللغة سنة 2004، وجائزة النيل سنة 2007، وقد وصلت كتب أستاذي إلى ما يماثل سنوات عمره أو يزيد، فقد منحه الله عمراً مديداً، فلم يفارقنا إلا بعد أن جاوز الثانية والتسعين من عمره، تاركاً عشرات الكتب المؤلفة، وعشرات الدواوين المحققة، وكُتباً مترجمة، وعدداً لا حصر له من المقالات التي حاول حصرها الكِتاب التذكاري الذي أصدره مركز تحقيق التراث، في مصر، في أثناء احتفاله بعيد ميلاده التسعين.
وقد ظللت على علاقة وثيقة بالرجل الذي كنت أعده أباً لي، فعلاً لا مجازاً، وصوتاً للعقل المتزن والمرجع العلمي الهادئ المدقق الذي أستند إليه.
فما من مرة من المرات واجهت مشكلة من المشكلات العلمية أو العملية إلا وكنت أذهب إليه، وأجلس في حضرته، وأفتح له صدري؛ لكي أرتوي من نصائحه وآرائه التي لم يبخل عليّ بها. وقد زاد من حميمية العلاقة بيننا أننا نسكن في عمارة واحدة، هو بالدور السادس، وأنا بالدور الثاني عشر.
وما أكثر ما كان حسين نصار يدلني على المصادر القديمة التراثية في الموضوعات التي كنت أهتم بها كل الاهتمام! وكانت خبرته في المخطوطات العربية القديمة لا تقل موسوعية وعمقاً عن خبراته بكتابات التراث المطبوعة والمحققة.
وقد تتلمذ على الجيل الرائد لكبار المحققين، وعلى رأسهم المرحوم مصطفى السقا الذي كان أستاذاً له، وظل على علاقة وثيقة وحوار متصل بكبار المحققين في التراث من الذين فقدهم زماننا، ولا نزال نذكر تحقيقاتهم بكل الإجلال والتقدير، وأعد منهم - على سبيل المثال لا الحصر - المرحوم عبدالسلام هارون، والأستاذين أحمد ومحمود شاكر، والأستاذ فؤاد السيد، والدكتور محمد عبده عزام، ومحمد أبوالفضل إبراهيم، والأستاذ حسن كامل الصيرفي، والسيد أحمد محمد صقر وغيرهم من العلماء الأجلاء الذين ندين لهم بتحقيق كنوز التراث العربي، ونتأمل حولنا فلا نجد إلا القلة القليلة من تلامذتهم الذين يؤكدون أهمية الحاجة إلى العناية بتراثنا المخطوط وتحقيقه في طبعات دقيقة ترى النور، لكي تعرف الأجيال الجديدة تراثها على نحو علمي دقيق.
ولا أزال أذكر المرة الأولى التي صحبني فيها أستاذي للقاء الأستاذ محمود شاكر، وكنا في ذكرى المولد النبوي الشريف. وكانت حلوى المولد تملأ صينية كبيرة معروضة للزائرين. وكان يصحب المرحوم محمود شاكر الأستاذ الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، والأديب الكبير يحيى حقي، وكان المرحوم محمود شاكر يقرأ عليهما إحدى المعلقات، وهما جالسان منه مجلس التلميذ من الأستاذ، فجلست مذعوراً محتمياً بأستاذي حسين نصار الذي قدّمني تقديماً أرضى محمود شاكر الذي أخذ في طرح الأسئلة عليّ إلى أن رضي عني، فابتسم ودعاني إلى تناول حلوى المولد.
ومنذ ذلك الوقت البعيد أصبحت تلميذاً لمحمود شاكر، ومن حقي أن أذهب إلى بيته الذي كان مفتوحاً لكل طلاب العلم وأساتذته الذين يحترمهم شاكر، وعلى رأسهم أستاذي حسين نصار، رحمه الله.
ولن أنسى الساعة التي عرفت فيها بخبر وفاته، فنزلت إلى حيث يسكن، وفتح لي ابنه الكبير د. أيمن الباب وعيناه مملوءتان بالدموع؛ فاحتضنته وسألته عن أبيه الذي هو أبي، ودخلت إلى الغرفة التي كان جسده مسجى فيها، وأنا أقرأ القرآن مترحماً عليه ومودعاً إياه الوداع الأخير، قائلاً لنفسي:
كل الأحبة يرتحلون
فترحل عن العين - شيئاً فشيئاً - ألفة هذا الوطن
رحمك اللهُ رحمةً واسعةً يا أُستاذِي؛ فَقَدْ كُنْتَ نِعْمَ المُعَلِّم والأب والصَّديق والزميل الأكبر، وجزاك الله خير الجزاء عن كل ما علّمتنا من معارف، وما أورثتنا إياه من قيم. و«إنَّا لله وإنَّا إليه رَاجِعُون» ■
د. حسين نصار خلال ترأسه مناقشة إحدى رسائل الدكتوراه