25 عاماً من الدراما الرمضانية
«بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد أن الشاطر مرجان... عندما أحب الأميرة نورهان...». ظل هذا هو المنطق الأبدي الذي تعاملت به الدراما مع الناس في شهر رمضان، سواء في زمن ازدهار الدراما الإذاعية، أو الآن في زمن ازدهار دراما التلفزيون. المنطق هو تسلية الناس، كل الناس، بعد الإفطار... وقبله أيضاً، وذلك من خلال التعامل مع المتفرج، باعتبار أنه صاحب الجلالة، الذي يجب أن تتم تسليته، وأن يكون مستمتعاً طوال الشهر، سعيداً، وأن يتم الحصول على رضائه بأي ثمن.
هذه الآلية تطورت، من مجرد إمتاع المتفرج والمستمع، إلى الحصول على قبول شركات الإعلان، التي تسعى بدورها إلى توصيل منتجاتها، وخدماتها إلى الناس في كل الأنحاء، وفيما قبل كانت المحطات الإذاعية تتنافس في اختيار المسلسلات وأوقات بثها، لتجذب آذان المستمعين، حرصاً على ولائهم الدائم.
وقبل زمن المحطات الفضائية، كان هناك تنسيق واضح بين المحطات الأرضية والفضائيات، لكن مع هذا العدد الضخم من القنوات العربية الفضائية الموجودة حالياً، فإن شهر رمضان ظل أكبر سوق منافسة، ليس فقط فيما يتعلق بإنتاج المسلسلات، بل أيضاً بشأن احتكار العروض، وزيادة الخصومة بين شركات الإعلان التي تتضخم يوماً وراء آخر.
وقد نتج عن ذلك استيراد ظاهرة حشر الإعلانات وسط العرض الرئيس للمسلسل، وهي ظاهرة بدت غريبة في أول الأمر، ثم صارت مألوفة، ومستحبة، وسط الزخم المحشود من كل هذه الشخصيات وسط القصص المتشابهة.
تحول المشاهد في شهر رمضان إلى شهريار، مدلل، تسعى القنوات إلى أن تقوم بدور شهرزاد الحكاءة، أن تجذبه طوال الليالي كي يستمع إلى المزيد الذي لا ينتهي، وأن ينتظر الليلة التالية، لا ليستمع إلى قصة واحدة، بل إلى عشرات من القصص المتداخلة، والحواديت المتنوعة، مما يعني أن مشاهد هذا العصر، أسعد حظاً مئات المرات من أشهر ملك في الحكايات القديمة؛ شهريار.
مسلسل واحد
منذ قرابة ربع قرن، كان هناك مسلسل واحد رئيس، مهم، يتم حشد كل الإمكانات لإنتاجه، مع وجود مسلسلات أخرى إضافية، وقد اخترت مسألة ربع قرن، لأنه في عام 1982، عرض مسلسل «صيام صيام»، من إخراج محمد فاضل، الذي حاول التلفزيون المصري، كمنتج، أن يستفيد من نجاح مسلسل «أبنائي الأعزاء شكراً»، كي يستعين بأغلب من عملوا به، لكن أهمية هذا المسلسل أن أحداثه تدور في أيام رمضان نفسها، فقد أذيعت الحلقة الأولى «ليلة الرؤية»، وكان عنوانها بالفعل هو «ليلة الرؤية»، وتركزت أحداث المسلسل في أن كل حلقة تدور في اليوم نفسه من الشهر الكريم، كأن نقول إنه في اليوم الخامس من رمضان، تدور الأحداث بين الإخوة بالفعل يوم 5 رمضان، وقد سمى بطل المسلسل الرئيسي «صيام» (يحيى الفخراني)، وهو الممثل الذي ظل منذ ذلك الحين البطل الرئيس للمسلسلات الرمضانية، ومنها «ليالي الحلمية» بأجزائها الستة.
وفي العام الماضي 2017، تكرر الحدث حين قدم المخرج سامح عبدالعزيز مسلسل «رمضان كريم»، بطولة روبي، وفيه رأينا مظاهر الحياة الاجتماعية كافة، كما يعيشها البسطاء طوال الشهر، بما فيها الشعائر، وما يعانيه رب أسرة لتدبير تكاليف المعيشة، وهو يستعد لتزويج ابنته في أيام عيد الفطر الأولى.
حصار الدراما الرمضانية
ربع قرن من المسلسلات، من الصعب حصر كافة الأعمال، ولياليها، أي عدد حلقاتها، التي تم عرضها على الناس، لكن لا شك في أن النجاحات ولدت نفسها في هذه الدراما، بمعنى أن نجاح مسلسل ما، سرعان ما يدفع شركات الإنتاج إلى عمل الجزء الثاني، بما أكد أننا بالفعل أمام ظاهرة «الأوبر الصابونية» التي اشتهرت بها المسلسلات الأمريكية، ومنها «ديناستي»، و«الجريء والجميلات»، و«دالاس».
لذا سوف نتحدث عن حصار الدراما التلفزيونية الرمضانية الأكثر حضوراً، من خلال مجموعة من السمات التي تجمع بينها، والتي تعرض تباعاً في القنوات العربية بأشكالها كافة.
فيما قبل كان المسلسل الرمضاني يقتصر إنتاجه على قطاع الإنتاج بوزارة الإعلام المصرية، وكان القطاع الاقتصادي هو الذي يتولى توزيع هذه المسلسلات وبيعها إلى المحطات الأرضية، وفيما بعد تغيّر الأمر كثيراً، فقد دخل المنتجون كقطاع خاص للمشاركة في الإنتاج أو التوزيع، وهذا يعني أن هذه المسلسلات تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لإنتاج مثل هذه الأعمال، حيث يختلف الأمر كثيراً عن السينما، وقد هدف قطاع الإنتاج دوماً إلى تحقيق ربح ملحوظ ببيع هذه المسلسلات إلى قنوات البث التي صارت تملك حق العرض لبعض الوقت.
وقد حظيت مسلسلات بعينها باهتمام قطاع الإنتاج، فرصد لها ميزانيات ضخمة، والحق أن وجود إدارة في قطاع الإنتاج عمل على ازدهار صناعة المسلسلات التلفزيونية، وكان ممدوح الليثي أبرز من تولوا هذا القطاع، وكي نعبّر عن الفارق بين الأزمنة، فإن الإنتاج التلفزيوني كان 4 مسلسلات عام 1983 في مصر، أما دولة الكويت فقد أنتجت في عام 2016 ستة عشر مسلسلاً.
مئة حلقة
في البداية، كان عدد حلقات كل مسلسل قليلاً، بعضه قد يصل إلى خمس عشرة حلقة، أي أن هناك مسلسلين يمكنهما العرض طوال الشهر، ثم لم يلبث الأمر أن تغيّر، فصار عدد الحلقات يصل إلى 33 حلقة، وهو عدد ليالي شهر رمضان وأيام عيد الفطر، وشيئاً فشيئاً تضاعف عدد الحلقات، وصارت المسلسلات الآن طويلة بشكل ملحوظ، حيث صارت شركات الإنتاج تقدم مسلسلات متعددة الحلقات بما يقارب المئة، ومنها «الأب الروحي» و«كلبش»، الذي سنشاهد بقية حلقاته هذا العام، وأيضاً «ظل الرئيس».
وبالنسبة إلى التلفزيون المحلي المصري، فإنه كان هناك مسلسلان على الأقل رئيسيان يعرضان طوال الشهر الأول على القناة الأولى، وهناك آخر على القناة الثانية، وأغلب هذا النوع ينتمي إلى المسلسل الاجتماعي، أما المسلسل الديني، وهو أساسي طوال شهر رمضان فكان يعرض قرابة الساعات الأولى من بزوغ الشمس. يعني كانت هناك توليفة أساسية يجب توافرها في المسلسلات الرمضانية على النحو التالي: اجتماعي، ديني، كوميدي، وذلك إضافة إلى الفوازير، وبرامج المنوعات، والمسابقات، التي تعتبر مسافات بينية بين العروض الرئيسية من المسلسلات.
ولم يفكر أحد في عمل الجزء الثاني من مسلسل ما، إلا بعد نجاح مسلسلات بعينها، خاصة «رأفت الهجان»، ولا شك في أن إنتاج الجزء الثاني، يعني العزف على المضمون، فطالما أن عملاً ما نجح، فلا شك في أن استعادته مرة أخرى أمر مضمون الرواج، لأنه مكتوب من الكاتب نفسه، ويعمل فيه طاقم العاملين الرئيسيين، وعلى رأسهم المخرج، والممثلون، الذين صارت المسلسلات تسمى بأسمائهم.
«رأفت الهجان»
ولو نظرنا إلى مسلسل «رأفت الهجان»، تأليف صالح مرسي، وإخراج يحيى العلمي، فلا شك في أن الرواية التي كتبها المؤلف كان يمكنه عملها في معالجة واحدة، لكن الجزء الأول، انتهى برحيل رأفت إلى إسرائيل، مما يعني أن هناك تكملة، وقد صار على الناس أن تنتظر أكثر من عام لاستكمال المغامرة، ثم جاء جزء ثانٍ وثالث ، وصورت رواية الكاتب تلفزيونياً في 61 حلقة كظاهرة غير مألوفة من قبل، إضافة إلى أن المسلسل راهن على وجود أبرز نجوم السينما، وعلى رأسهم محمود عبدالعزيز ويسرا.
في الأجزاء الثلاثة، كان على الممثلين أنفسهم أن يكونوا حاضرين، إضافة إلى الشخصيات الجديدة، التي التقى بها العميل المصري في إسرائيل، وأوربا، واختلفت شخصيات كانت لها جاذبيتها، مثل محسن ممتاز.
وقد حدث الشيء نفسه في مسلسل «ليالي الحلمية»، الذي تم إنتاج خمسة أجزاء منه على فترات متقاربة، عُرض بأكمله في شهر رمضان، ثم تم عمل الجزء السادس عام 2016 من دون المؤلف والمخرج، فولد عملاً باهتاً، وقد بدت الحلقات التالية دائماً أقل قيمة من الأولى، وخاصة في الجزأين الخامس والسادس، ولا شك في أن النجاح الذي تمتع به المسلسل كان بمنزلة مسؤولية حقيقية لكل من عملوا به، فاجتهدوا وأبقوه للحفاظ على درجة النجاح، وقد ساعد هذا كثيراً في الإبقاء على نجوميتهم في العمل نفسه، أو في أعمال أخرى كثيرة، سواء المؤلف أو المخرج أو الممثلون، وعلى رأسهم يحيى الفخراني، وصلاح السعدني، وصفية العمري، وإلهام شاهين، بل وكافة من اشتغل في هذا المسلسل بصفة خاصة، وهم الذين اعتذروا عن عدم المشاركة في الجزء السادس والأخير، ولا أعتقد أن أحداً ستكون له الجرأة يوماً لعمل حلقات إضافية.
«أرابيسك»
من بين المسلسلات الأخرى الرمضانية التي تم عمل أجزاء ثانية لها هناك «رحلة المليون» إخراج أحمد بدرالدين، وبطولة محمد صبحي، و«المال والبنون» عام 1995، ثم «ظل الرئيس 2018».
السمة المهمة البارزة في مسلسلات رمضان طوال ربع قرن، هي اعتمادها بقوة على نجوم السينما البارزين، فلا شك في أن هناك نجوماً بأعينهم يلمعون في التلفزيون أكثر من وجودهم في السينما، خاصة في السنوات الأخيرة، وقد اهتم المخرجون في هذه الأعمال بمحاولة خاصة بالحضور، ولا شك في أن قبول المغامرة يعني الكثير، مثل ضمان نجاح المسلسل، إضافة إلى الأجر، وقد استطاعت شركات الإنتاج الخليجية في دراما رمضان إقناع عادل إمام أكثر من مرة للعمل في مسلسلات أذيعت فقط وحصرياً علي شاشتها في رمضان، من أبرزها: «دموع في عيون وقحة»، وهو مسلسل وطني حول شاب مصري استطاع أن يخدع الاستخبارات الإسرائيلية، ولا شك في أن نجاح هذا المسلسل دفع بقطاع الإنتاج إلى تقديم عرض على الممثل نفسه لتأدية شخصية رأفت الهجان، لكن اختلافاً حول السيناريو المكتوب، دفع بالمسلسل إلى محمود عبدالعزيز، كي يقوم بالدور، ليؤدي واحداً من أعظم أدوار حياته. كي يظل متردداً سنوات طويلة قبل أن يعود مرة أخرى عام 2004 في «محمود المصري». وهو الذي شاهدناه في السنوات الأخيرة قبل رحيله يتفرغ فقط للدراما التلفزيونية، ومنها: «جبل الحلال»، و«باب الخلق»، و«رأس الغول»، بعد أن ابتعد تماماً عن السينما، وكانت الدنيا قد انقلبت تماماً بالعلاقة بين الأفلام والمسلسلات.
نور القمر
أثبتت التجربة أن نجوم السينما يتألقون بقوة في الدراما التلفزيونية كحل للوجود البديل، وقد تم تقديم العرض إلى فاتن حمامة، لتعمل مرتين في مسلسلين، كان وجودها وحده منقذاً للدراما، بمعنى أن الناس كانت تشاهد الفنانة بصرف النظر عن قوة النص، في «ضمير أبله حكمت» عام 1991، و«نور القمر» عام 1999.
ومن بين نجوم السينما الذين لمعوا في مسلسلات رمضان، سميرة أحمد، في «أميرة في عابدين» عام 2002، ونور الشريف الذي لمع كثيراً في عدد من المسلسلات منها «لن أعيش في جلباب أبي» عام 1996، و«رجل الأقدار» عام 2003، و«عائلة الحاج متولي»، و«الرجل الآخر».
وظل يعمل سنوياً بلا توقف في الدراما، ويمثل حضوراً ملحوظاً، بعد أن انحسرت عنه الأضواء والحيوية في الأفلام.
على جانب آخر، كان هناك نجوم بأعينهم يلمعون في التلفزيون والسينما بالقدر نفسه، ثم ما لبثوا أن تفرغوا لمسلسلات رمضان دون غيرها، ولعل يحيى الفخراني، هو حالة خاصة بحضوره وموهبته، فلا شك في أن حضوره الطاغي، وأداءه التمثيلي، قد جعلاه الحاضر دوماً في المسلسلات طوال ربع قرن، بشكل لم يعرف أي انقطاع، تباينت المستويات الفنية لهذه الأعمال، لكن الفخراني يظل دائماً محفوراً في وجدان المشاهدين.
تحوّل ملحوظ
هناك مجموعة من النجوم، ظلوا يتنقلون طوال هذه السنوات بين السينما والتلفزيون بالقوة نفسها، إلى أن حدث تغيّر واضح في خريطة السينما منذ عام 1997، بعرض فيلم «إسماعيلية رايح جاي»، وعلى رأسهم إلهام شاهين، وحسين فهمي، ويسرا، وهشام سليم، وليلى علوي، وخالد الصاوي، في مسلسلات عديدة.
ثم جاء العقد الحالي بنجومه المطلوبين بقوة، ومنهم هيفاء وهبي، ونيللي كريم، ويوسف الشريف، ثم كريم عبدالعزيز، إضافة إلى عمرو يوسف، وأمير كرارة، وطارق لطفي، وهي أسماء صارت نجوماً في سماء الدراما الرمضانية.
وفي السنوات الأخيرة، وبعد التحول الملحوظ لبعض النجوم اللامعين، اتجه كل من نادية الجندي، ونبيلة عبيد، وفيفي عبده، للعمل في الدراما التلفزيونية، في مسلسلات مثل «من أطلق الرصاص على هند علام؟»، و«العمة نور»، و«روض الفرج». وكانت سعاد حسني قد لمعت في مسلسل «هو وهي» عام 1986 في السنوات نفسها التي قلّ فيها حضورها السينمائي.
أما محمود مرسي، وكمال الشناوي، فقد تفرغا تقريباً للدراما التلفزيونية دون السينما قبل رحيل كل منهما، وبدت العبقرية أن كلاً منهما طوّع مرحلته السنية لتقديم ما يدهش الناس.
حضور قوي
قام نجاح هذه المسلسلات على الحضور القوي لكتّاب بأعينهم، ثم الرهان دوماً عليهم، وظلوا يعملون بلا توقف، بعضهم لأكثر من ربع قرن، ومنهم أسامة أنور عكاشة الذي لم تشهد الدراما التلفزيونية مثل عبقريته وحضوره، وغزارة إنتاجه، وبراعته في إدارة الشخصيات، واستطاع أن يؤرخ للتاريخ الحديث في القرن العشرين من خلال مسلسلات مهمة، مثل «الشهد والدموع»، و«ليالي الحلمية»، و«أرابيسك»، و«أميرة في عابدين»، و«ضمير أبله حكمت»، وغيرها، وعكس الكاتب رؤيته الاجتماعية، التي أعجب فيها بالمرحلة الناصرية، بشكل ملحوظ، وقد سببت له آراؤه هذه بعض المتاعب مع الرقابة، لكنه لم يمتثل إلا لرأيه.
ومثل هذا الخضم الهائل من مسلسلات رمضان لم يكن يكتفي بكاتب واحد، أو عدد قليل من الكتّاب، فقد كانت هناك أسماء أخرى مهمة، على رأسها وحيد حامد، الذي قدم رؤية فكرية جريئة، وانتقاداً للتطرف في الجزء الأول من مسلسل «الجماعة» في أواخر العقد الماضي، هذا الأمر تكرر مع عرض الجزء الثاني في العام الماضي، وهو المؤلف الذي قدم مسلسلات لها جرأتها، مثل «أوان الورد» عام 2000.
ومن بين الكتّاب الذين ظهروا في الوقت نفسه مصطفى محرم، القادم من السينما، والذي قدّم تجربته المهمة «لن أعيش في جلباب أبي» عام 1996، من الأدب، ثم قدّم نصوصه الدرامية الخاصة به، التي استطاع في أغلبها إثارة جدل اجتماعي وإعجاب ملحوظ، خاصة في مسلسل «عائلة الحاج متولي» عام 2001، حيث حاول العزف على النغمة نفسها في مسلسلات تالية له، منها «العطار والسبع بنات» عام 2002، كما قدم في العام نفسه مسلسل «ريا وسكينة»، الذي أثار أيضاً المزيد من الجدل عند عرضه.
«الضوء الشارد»
ومن هذا الجيل أيضاً محمد جلال عبدالقوي، صاحب مسلسلات عديدة منها «المال والبنون»، و«حضرة المتهم أبي» والذي بدا عزوفاً عن كتابة أي جديد، رغم أهمية كتاباته، ولمع اسم محمد صفاء عامر في وصف عالم الصعيد وتقاليده في «الضوء الشارد»، و«حدائق الشيطان».
ثم لمع مجدي صابر مع مسلسل «الرجل الآخر»، وصار حاضراً في كل عام من خلال أعمال مثل «للعائلة وجوه كثيرة»، وظهر في العقد الأول أيضاً مؤلفون مهمون؛ منهم يوسف معاطي الذي كتب مسلسلات لعادل إمام في السنوات الثماني الأخيرة، مثل «مأمون وشركاه» و«أستاذ ورئيس قسم».
وهناك تامر حببب، الذي لاقت كتاباته الإعجاب مثل «جراند أوتيل» و«لا تطفئ الشمس»، وأيضاً عبدالرحيم كمال الذي كتب أغلب المسلسلات الأخيرة للنجم يحيى الفخراني، مثل «الخواجة عبدالقادر» و«ونوس».
هؤلاء المؤلفون كتبوا أعمالهم من بنات أفكارهم، ولم تتم الاستعانة بأعمال أدبية لتقديمها إلى التلفزيون إلا في حدود ضيقة، مثل «كفر عسكر»، المأخوذ عن رواية لأحمد الشيخ، و«حديث الصباح والمساء»، و«أفراح القبة» عن نجيب محفوظ، و«لن أعيش في جلباب أبي»، و«لا تطفئ الشمس» عن إحسان عبدالقدوس، و«الزيني بركات» عن جمال الغيطاني، و«واحة الغروب» لبهاء طاهر، و«أنا عشقت» عن رواية لمحمد المنسي قنديل.
الأدب التلفزيوني
أما صالح مرسي فقد كتب سيناريوهات أعماله المأخوذة عن رواياته، عدا «الحفار».
وقد صرح أسامة أنور عكاشة أنه يكتب ما أسماه بالأدب التلفزيوني، أي أنه لم يكن في حاجة إلى الرجوع إلى آداب الآخرين، وهو الذي أحيا في أعماقه الكاتب الروائي، ونشر روايات لم تكن بالأهمية نفسها لأعماله الدرامية، وطبع الكاتب سيناريوهات مسلسلاته في كتب ورقية.
ومثلما صار مخرجو ومؤلفو هذه المسلسلات نجوماً، فإن النجومية قد مست أيضاً المخرجين الذين يقفون وراء هذه الأعمال، ولا شك في أن تكرار ظهور أسمائهم مع المؤلفين، في مقدمة الحلقات ونهايتها، قد ساعد على إبراز نجوميتهم، إضافة إلى جودة الأعمال، وكان على رأسهم محمد فاضل، ويحيى العلمي (رأفت الهجان - بنات أفكاري)، وجمال عبدالحميد (أرابيسك - ريا وسكينة)، ومجدي أبوعميرة (المال والبنون)، وهناك أيضاً أحمد صقر، وعمرو عابدين، وسامح عبدالعزيز.
كما جاء من السينما إلى الدراما التلفزيونية كل من أحمد نادر جلال، ومحمد النجار، وحسين كمال، وسمير سيف، وخيري بشارة، ومجدي أحمد علي.... والقائمة تطول.
وقد خلق عرض هذه المسلسلات في شهر رمضان ظاهرة جديدة، إعلامية واجتماعية، لم تكن موجودة من قبل، تتمثل في مناقشة هذه المسلسلات، في أماكن عديدة، تشهد تجمعات كثيرة من المواطنين، مثل النوادي الرياضية، والاجتماعية، وبعض المنظمات الأهلية، والمراكز الثقافية.
سيرة المشاهير
تنافست هذه المؤسسات وغيرها على استضافة العاملين بالمسلسلات، وأيضاً على أن تتابع وسائل الإعلام هذه الأنشطة، كما ساعد على ازدهار هذه الظاهرة، ارتباط كثير من المسلسلات بالمشكلات الاجتماعية، خاصة مثلما حدث عقب عرض مسلسل «الجماعة».
في السنوات الأخيرة، وفي شهر رمضان بشكل خاص، لمعت الدراما التلفزيونية التي تلقي الضوء على مسيرة المشاهير، وخاصة من المعاصرين، في مجالات عديدة، لاسيما الفنون، ورجال الدين، فبعد النجاح المدوي لقصة حياة «أم كلثوم»، كما أخرجتها إنعام محمد علي، وهي من تأليف محفوظ عبدالرحمن، اتجهت الأنظار إلى التوغل في الحياة الخاصة لمشاهير يحبهم الناس كثيراً.
وقد سبق لهذه الدراما في السبعينيات من القرن الماضي أن قدمت سيراً ناجحة لكل من عباس العقاد، وطه حسين، وبعد نجاح «أم كلثوم»، جسّد حسن يوسف شخصيات دينية معاصرة، مثل «الشيخ متولي الشعراوي»، و«الإمام المراغي»، وقد عرضت هذه الأعمال في شهر رمضان، كما أشرنا، وشاهد الناس معاً أكثر من مسلسل عن عبدالحليم حافظ، وعن سعاد حسني، وليلي مراد، وصباح، وأيضاً عن زعماء السياسة، وعلى رأسهم جمال عبدالناصر، الذي بدا له سحر درامي مميز لدى الجميع، كما شاهدوا مسلسلاً طويلاً كتبه محمد السيد عيد عن الحياة الخاصة والعامة للكاتب والمفكر قاسم أمين.
وقبل عامين كان هناك مسلسل حول إسماعيل يس، إلا أن هذه الظاهرة تقلصت في «رمضان» الفائت، وأيضاً في رمضان الحالي.
قنوات متخصصة
ساعد هذا الازدهار الرمضاني بشكل خاص على إنشاء قنوات تلفزيونية متخصصة لعرض المسلسلات، وتشهد هذه المحطات ازدهاراً ملحوظاً في شهر رمضان، حيث تتسابق على عرض المسلسلات قبل غيرها بأيام أو حتى ساعات، أو احتكار العرض، فيما يسمى «حصرياً» دون غيرها من المحطات.
وبث التلفزيون المصري قناة الدراما، كما توجد محطات مخصصة لبث المسلسلات في الأعمال الكوميدية لـكل من «ART»، و«أوربت» و«الحياة».
وهناك عشرات القنوات المتخصصة التي تبث من مدن الإعلام الخليجية في الفترة الأخيرة، لكن هذه القنوات ليست بالجاذبية نفسها التي تشهدها قنوات الأفلام، التي زاد عددها بشكل ملحوظ.
وفي شهر رمضان تنزوي الأفلام، في الوقت الذي تزدهر فيه عروض المسلسلات، ولا شك في أن كثرة هذه القنوات، قد ساعدت على بث المسلسلات الكلاسيكية ذات الأهمية، مثل «رأفت الهجان»، و«الأيام»، و«ليالي الحلمية»، وهو أمر لم يكن موجوداً من قبل.
موضوعات هذه المسلسلات اجتماعية في الغالب، وتتباين أماكن حدوثها، من صعيد مصر مثل «حدائق الشيطان»، إلى الولايات المتحدة في «أماكن في القلب»، والمدينة في «أوان الورد»، و«للعدالة وجوه كثيرة»، إلى المسلسلات التاريخية، مثل «رجل الأقدار»، و«الزيني بركات»، و«الخواجة عبدالقادر»، لكن السمة المهمة هي أن المسلسل الديني التاريخي، لابد من وجوده، حتى ولو من قبيل الضرورة، في عروض الدراما التلفزيونية الرمضانية، ونادراً ما وضع هذا النوع في توقيت عرض رئيس.
أما النوع الأكثر انتشاراً فهو عما حققه رجال الاستثمار في المجتمعات العربية، باعتبار أن كثيرين منهم وراء إنتاج المسلسلات، أو ترويج السلع التي يتم الإعلان عنها بين فقرات تلك المسلسلات.
نجوم «رمضان»
كما انتشرت الأعمال الكوميدية، والمسلسلات البوليسية التي تعتمد على الغموض، والحركة، واكتشفت نجومها الجدد مثل مصطفى شعبان، ويوسف الشريف، وظافر عابدين، وآسر ياسين.
كان شهر رمضان بمنزلة النجومية لكثير من الممثلين الذين لم يستطع أي منهم أن يلمع في السينما بالدرجة نفسها، حتى وإن تمت الاستعانة به، فآثروا البقاء في الدراما التلفزيونية، وحرصوا على أن يظهروا في المسلسلات الكبرى التي من المضمون أن تكون رمضانية، من هذه الأسماء توفيق عبدالحميد، ونهال عنبر، وسميرة عبدالعزيز، وماجدة زكي، وكمال أبو رية، ونيرمين الفقي، وإبراهيم يسري، وميرنا وليد، وبيومي فؤاد، ورشوان توفيق، وأنوشكا، وسوسن بدر، وروجينا، وجمال سليمان، والغريب أنه رغم شهرتهم كممثلين في التلفزيون، فإن أياً منهم لم يلمع بالدرجة نفسها في السينما، مما يعكس أن لكل دراما أصحابها الذين يلمعون فيها بدرجة ما.
في بداية هذا العقد، وقبل الربيع العربي، برزت الدراما السورية التاريخية بشكل خاص، وسحبت الانتباه من الدراما المصرية، خاصة في شهر رمضان، وبدت المنافسة لمصلحة الدراما السورية، وذلك من خلال الإقبال على عرضها في أولويات العروض بالقنوات الفضائية التي تتكاثر يوماً وراء يوم.
كما نجحت الدراما الاجتماعية، ومنها «باب الحارة»، الذي تم عمل 8 أجزاء لوقائعه الطريفة والمحببة للمشاهد العربي.
وإذا نظرنا إلى عدد المسلسلات العربية التي عرضت في القنوات الفضائية، والمحلية في شهر رمضان من العام الماضي، فسوف نلاحظ أن عدداً ضخماً من المسلسلات قد عرض من إنتاج دول عربية عديدة، ورغم أنه ليست هناك إحصاءات خاصة بالعدد، وساعات العرض، فإنه بملاحظة بسيطة سنكتشف أن المشاهد الرمضاني يحتاج إلى نحو اثنتين وسبعين ساعة يومياً لمتابعة ما يعرض كل يوم في القنوات المتعددة! ■