سيكولوجية السلوك المستدام

سيكولوجية  السلوك المستدام

نظراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السلوكيات‭ ‬البشرية‭ ‬وراء‭ ‬معظم‭ ‬المشكلات‭ ‬البيئية‭ ‬كتلوث‭ ‬الهواء‭ ‬والماء‭ ‬والتغير‭ ‬المناخي‭ ‬والتصحر‭ ‬وفقدان‭ ‬التنوع‭ ‬الـــحيوي‭ ‬وســــوى‭ ‬ذلك،‭ ‬تحاول‭ ‬البحوث‭ ‬والدراســات‭ ‬فـــي‭ ‬عـــلم‭ ‬النفس‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فهم‭ ‬دوافع‭ ‬السلوكيات‭ ‬غير‭ ‬المستدامــة،‭ ‬وتـــحديد‭ ‬مــــعوقات‭ ‬السلوكيات‭ ‬المستدامة،‭ ‬ووضع‭ ‬وتنفيذ‭ ‬استراتيجيات‭ ‬وسياسات‭ ‬لتحفيز‭ ‬التغيير‭ ‬ومناصرة‭ ‬البيئة‭. ‬

وتسعى‭ ‬تلك‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬مهمة‭ ‬مثل‭: ‬لماذا‭ ‬يتصرف‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬المسيء‭ ‬للبيئة،‭ ‬برغم‭ ‬معرفتهم‭ ‬بالتبعات‭ ‬السلبية؟‭ ‬ولماذا‭ ‬يتراجع‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬اقتنعوا‭ ‬بالتحول‭ ‬إلى‭ ‬سلوكيات‭ ‬مستدامة‭ ‬عن‭ ‬قراراتهم‭ ‬ليعودوا‭ ‬أدراجهم‭ ‬إلى‭ ‬أساليب‭ ‬حياة‭ ‬غير‭ ‬مستدامة؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬إثارة‭ ‬الحماس‭ ‬والدافعية‭ ‬لمساعدة‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مبادئ‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬قراراتنا‭ ‬منطقية‭ ‬دائماً؟

 

قرار‭ ‬بين‭ ‬نظامين

تقول‭ ‬د‭. ‬كريستي‭ ‬ماننيغ،‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬البيئية‭ ‬وعلم‭ ‬النفس،‭ ‬إن‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬قراراتنا‭ ‬يكون‭ ‬آلياً،‭ ‬أي‭ ‬عملية‭ ‬غير‭ ‬واعية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬معلومات‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬وعينا،‭ ‬ولا‭ ‬تعلم‭ ‬عقولنا‭ ‬المنطقية‭ ‬الكثير‭ ‬عنها‭.‬

فالتفكير‭ ‬ناتج‭ ‬نظامين‭ ‬منفصلين‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬الواعي‭: ‬نظام‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬القاعدة‭ ‬وهو‭ ‬واع،‭ ‬ومنطقي‭ ‬ومدروس؛‭ ‬ونظام‭ ‬ترابطي،‭ ‬غير‭ ‬واعٍ‭ ‬وتلقائي‭ ‬ومنقاد‭ ‬بالأحاسيس‭ ‬والمشاعر‭.‬

ويعمل‭ ‬هذان‭ ‬النظامان‭ ‬بصورة‭ ‬متوازية،‭ ‬غير‭ ‬أنهما‭ ‬لا‭ ‬يتفقان‭ ‬دائماً‭. ‬فالأول‭ ‬يعمل‭ ‬ببطء‭ ‬ويتخذ‭ ‬قراراته‭ ‬بعناية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الحقائق‭ ‬والأدلة؛‭ ‬بينما‭ ‬يكون‭ ‬النظام‭ ‬الثاني‭ ‬خارج‭ ‬سيطرة‭ ‬الوعي،‭ ‬واستجاباته‭ ‬وردود‭ ‬أفعاله‭ ‬انفعالية‭ ‬ومتأثرة‭ ‬بصور‭ ‬ذهنية‭ ‬زائلة‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬تخفي‭ ‬خبرتنا‭ ‬الواعية‭ ‬تأثير‭ ‬النظام‭ ‬الترابطي‭ ‬على‭ ‬قراراتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬ونشعر‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬نتخذ‭ ‬قراراتنا‭ ‬بعد‭ ‬تفكير‭ ‬مستند‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬لا‭ ‬ريب‭ ‬فيها؛‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬يلعب‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬غير‭ ‬الواعي‭ ‬دوراً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حركة‭ ‬نقوم‭ ‬بها‭. ‬

ومع‭ ‬الأسف،‭ ‬لا‭ ‬يروق‭ ‬له‭ ‬السلوك‭ ‬المستدام،‭ ‬فإذا‭ ‬عرف‭ ‬بعزمنا‭ ‬على‭ ‬هجر‭ ‬نوع‭ ‬مضر‭ ‬من‭ ‬الطعام،‭ ‬أو‭ ‬المشي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬السيارة،‭ ‬مثلاً،‭ ‬لن‭ ‬يتقبل‭ ‬الفكرة،‭ ‬وسيعترض‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.‬

وواحدة‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬تمكين‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬التصرف‭ ‬بإيجابية‭ ‬نحو‭ ‬البيئة،‭ ‬جعل‭ ‬السلوكيات‭ ‬المستدامة‭ ‬جذابة‭ ‬لهذا‭ ‬النظام‭ ‬الانفعالي؛‭ ‬وإثارة‭ ‬انتباه‭ ‬النظام‭ ‬الأول،‭ ‬المنطقي‭ ‬الواعي،‭ ‬حتى‭ ‬يؤكد‭ ‬نفسه‭ ‬ويصمد‭ ‬أمام‭ ‬رفض‭ ‬النظام‭ ‬الترابطي‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬للسلوك‭ ‬المستدام‭.‬

 

نصائح‭ ‬مشجعة

قدمت‭ ‬ماننيغ‭ - ‬وهي‭ ‬من‭ ‬مؤلفي‭ ‬كتاب‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬للاستدامة،‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬2016‭ ‬وأعيدت‭ ‬طباعته‭ ‬للمرة‭ ‬الرابعة‭ - ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النصائح‭ ‬لخلق‭ ‬الظروف‭ ‬المشجعة‭ ‬للتحول‭ ‬نحو‭ ‬أساليب‭ ‬حياة‭ ‬مستدامة‭ ‬كالتالي‭:‬

 

تشجيع‭ ‬السلوك‭ ‬المستدام‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجتمع

وذلك‭ ‬بتوفير‭ ‬فرص‭ ‬تمكّن‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬معنى‭ ‬الاستدامة‭ ‬والتعرف‭ ‬إلى‭ ‬السلوكيات‭ ‬المستدامة،‭ ‬ومواجهة‭ ‬ارتباك‭ ‬المتفرج‭ ‬الذي‭ ‬يسمع‭ ‬ويشهد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الممارسات‭ ‬المستدامة،‭ ‬ويكتفي‭ ‬بالفرجة‭ ‬إما‭ ‬لشك‭ ‬يسكنه‭ ‬أو‭ ‬لعدم‭ ‬معرفته‭ ‬بما‭ ‬يتعين‭ ‬عليه‭ ‬عمله‭.‬

وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تنظيم‭ ‬فعاليات‭ ‬وتجمعات‭ ‬كالمعارض‭ ‬والندوات‭ ‬والزيارات‭ ‬الخاصة‭ ‬للمدارس‭ ‬وجهات‭ ‬العمل‭ ‬لنشر‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬اتباع‭ ‬أساليب‭ ‬حياة‭ ‬مستدامة‭.‬

وربما‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬توزيع‭ ‬هدايا‭ ‬رمزية‭ ‬مشجعة‭ ‬وتشكيل‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمجموعات‭ ‬الافتراضية‭ ‬المروجة‭ ‬لتجارب‭ ‬ومبادرات‭ ‬الاستدامة‭ ‬الناجحة،‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬لاختلاط‭ ‬الأشخاص‭ ‬العاديين‭ ‬بمناصري‭ ‬الاستدامة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبراتهم‭ ‬عبر‭ ‬أنشطة،‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬طرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬وتلقي‭ ‬الإجابات‭ ‬الموضحة‭. ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬لأبعد‭ ‬من‭ ‬صفة‭ ‬الناشطين‭ ‬البيئيين،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التنمية‭ ‬لجميع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬

 

تأكيد‭ ‬العلاقة‭ ‬الشخصية

عادة‭ ‬ما‭ ‬نهتم‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بنا‭ ‬شخصياً،‭ ‬ولهذا‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نتحمس‭ ‬للتناول‭ ‬العلمي‭ ‬المنعزل‭ ‬لقضايا‭ ‬البيئة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬ننتبه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمسنا‭ ‬مباشرة‭ ‬كالهواء‭ ‬الذي‭ ‬نتنفس،‭ ‬والماء‭ ‬الذي‭ ‬نشرب،‭ ‬والموارد‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬نعتمد‭ ‬عليها،‭ ‬ومستقبل‭ ‬أولادنا‭ ‬وأحفادنا‭. ‬ولهذا‭ ‬ينبغي‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الألقاب‭ ‬الرنانة،‭ ‬وتجنب‭ ‬ربط‭ ‬المبادرات‭ ‬المستدامة‭ ‬بشخصيات‭ ‬غير‭ ‬محببة‭ ‬كالسياسيين‭ ‬والناشطين‭ ‬البيئيين‭ ‬المتعصبين‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الناس‭ ‬التورط‭ ‬معهم،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الربط‭ ‬بإحصاءات‭ ‬أو‭ ‬بمواطنين‭ ‬مهمومين‭ ‬بالأمر‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تفهّم‭ ‬الرؤية‭ ‬الكونية‭ ‬للجمهور،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬منا‭ ‬العالم‭ ‬بمنظوره‭ ‬الخاص‭ ‬ويفسره‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬خلفيته‭ ‬ومعتقداته،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تقبّل‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬نؤمن‭ ‬به،‭ ‬بينما‭ ‬نرحب‭ ‬بما‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬بداخلنا‭.‬

فمثلاً،‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬ألا‭ ‬يميل‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالرفاهية‭ ‬المادية‭ ‬لفكرة‭ ‬تقليل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والحياة‭ ‬البسيطة‭ ‬المتقشفة‭. ‬ولذا‭ ‬يجب‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الجماهير‭ ‬بفعالية‭ ‬وفقاً‭ ‬لاقتناعاتهم،‭ ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬تفصيل‭ ‬الرسائل‭ ‬وحملات‭ ‬التوعية‭ ‬وفقاً‭ ‬لطبيعة‭ ‬المشاركين‭ ‬أو‭ ‬المستهدفين،‭ ‬وإيجاد‭ ‬أطر‭ ‬جديدة،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الاعتماد‭ ‬كلياً‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الأدلة‭ ‬العلمية‭ ‬لإثبات‭ ‬جدية‭ ‬القضايا‭ ‬المطروحة‭.‬

فالأمر‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مرهون‭ ‬بكيفية‭ ‬عرض‭ ‬القضايا‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سلس‭ ‬ومؤثر،‭ ‬كتوضيح‭ ‬علاقة‭ ‬السلوك‭ ‬المالي‭ ‬المستدام‭ ‬بتوفير‭ ‬المال‭ ‬وتحسين‭ ‬الصحة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ومن‭ ‬الناجع‭ ‬أيضاً،‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬المحلية،‭ ‬بحيث‭ ‬يلمس‭ ‬الناس‭ ‬الآثار‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬السلوكيات‭ ‬غير‭ ‬المستدامة‭ ‬ويرونها‭ ‬في‭ ‬محيطهم،‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬مشاركتهم‭ ‬وإسهاماتهم‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأضرار‭.‬

‭ ‬

توضيح‭ ‬المعلومات‭ ‬الخفية

‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬البيئية‭ ‬يصعب‭ ‬علينا‭ ‬ملاحظتها،‭ ‬لأنها‭ ‬غير‭ ‬مرئية،‭ ‬أو‭ ‬لأنها‭ ‬تحدث‭ ‬ببطء،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬السهل،‭ ‬مثلاً،‭ ‬رؤية‭ ‬المواد‭ ‬السامة‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬والهواء‭ ‬والغذاء،‭ ‬ولهذا‭ ‬قد‭ ‬نعتقد‭ ‬بأننا‭ ‬غير‭ ‬متأثرين‭ ‬شخصياً‭. ‬ولهذا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬معوقات‭ ‬الفهم‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬إدراكنا‭ ‬المحدود‭ ‬بحواسنا‭ ‬الخمس‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الشعور‭ ‬بانبعاثات‭ ‬الغازات‭ ‬السامة؛‭ ‬ومن‭ ‬الجيد‭ ‬استخدام‭ ‬كلمات‭ ‬معبّرة‭ ‬ورسوم‭ ‬بيانية‭ ‬ومتحركة‭ ‬وصور‭ ‬وأشكال‭ ‬توضيحية‭ ‬وفيديوهات‭ ‬وأفلام‭ ‬مجسدة‭ ‬للقضايا‭ ‬البيئية،‭ ‬وضرب‭ ‬أمثلة‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬وتوزيع‭ ‬ملصقات‭ ‬للتذكير‭.‬

ويلعب‭ ‬بناء‭ ‬قنوات‭ ‬المعلومات‭ ‬والتغذية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الراجعة،‭ ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬الإيجابية‭ ‬كتقديم‭ ‬الشكر‭ ‬لإطفاء‭ ‬الأنوار‭ ‬غير‭ ‬المستخدمة؛‭ ‬والسلبية‭ ‬المحذرة‭ ‬من‭ ‬العقوبات،‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭. ‬فوفقاً‭ ‬لنظريات‭ ‬التعلم،‭ ‬تساهم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التغذية‭ ‬الراجعة‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الدماغ‭ ‬لروابط‭ ‬السبب‭/ ‬الأثر‭. ‬فإذا‭ ‬لمح‭ ‬شخص‭ ‬ملصقاً‭ ‬عليه‭ ‬ابتسامة‭ ‬عند‭ ‬مركز‭ ‬إعادة‭ ‬التدوير‭ ‬يتلقى‭ ‬تغذية‭ ‬إيجابية‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬سلوكه،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬السلوك‭ ‬غير‭ ‬المستدام‭ ‬إذا‭ ‬تعرّض‭ ‬لغرامة،‭ ‬أو‭ ‬قرأ‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬مميزات‭ ‬سلوك‭ ‬مستدام‭ ‬وآخر‭ ‬غير‭ ‬مستدام‭.‬

 

تشجيع‭ ‬اليقظة

‭ ‬وفقا‭ ‬لدراسة‭ ‬أعدتها‭ ‬ماننيغ‭ ‬وزملاؤها،‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يتمتعون‭ ‬باليقظة‭ ‬والوعي‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬احتمالاً‭ ‬للتصرف‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مستدام،‭ ‬مقارنة‭ ‬بغير‭ ‬الواعين‭ ‬الذين‭ ‬يتسوقون‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬ولا‭ ‬يقرأون‭ ‬الملصقات‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يشترون‭.‬

ولهذا‭ ‬ينصح‭ ‬باستخدام‭ ‬أمر‭ ‬مدهش،‭ ‬كمعلومات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬معبّر‭ ‬عنها‭ ‬بإحصاءات‭ ‬أو‭ ‬صور‭. ‬والاهتمام‭ ‬بأمر‭ ‬الانسجام‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الشخصية،‭ ‬أو‭ ‬التذكير‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬زحمة‭ ‬الحياة‭ ‬وضغوطها،‭ ‬فهذه‭ ‬طريقة‭ ‬محتملة‭ ‬لتشجيع‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬بقيم‭ ‬أعمق،‭ ‬وبطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬مهمة‭ ‬قبل‭ ‬الشراء‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬هل‭ ‬يتماشى‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬قيمي‭ ‬وأهدافي؟‮»‬‭ ‬وهنا،‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬المثالي،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬التحسن؛‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬قائمة‭ ‬السلوكيات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬إيجاد‭ ‬طريقة‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬مثل‭: ‬هل‭ ‬حقاً‭ ‬أريد‭ ‬هذا؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬شراء‭ ‬بديل‭ ‬مستعمل؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬المخلفات؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬طريقة‭ ‬لاستهلاك‭ ‬قدر‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الطاقة؟‭ ‬

 

إتاحة‭ ‬الفرص‭ ‬لبناء‭ ‬القدرات‭ ‬

وإكساب‭ ‬المهارات‭ ‬والمعرفة

يحتاج‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬وإلى‭ ‬توافر‭ ‬خيارات‭ ‬معقولة‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬مثل‭ ‬تعلّم‭ ‬إعداد‭ ‬السماد‭ ‬العضوي‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬الحافلة،‭ ‬أو‭ ‬زراعة‭ ‬الخضراوات‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة،‭ ‬مع‭ ‬توفير‭ ‬مصادر‭ ‬تشرح‭ ‬كيفية‭ ‬التعلم‭ ‬خطوة‭ ‬خطوة؛‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬عملية‭ ‬لتجريب‭ ‬السلوكيات‭ ‬الجديدة،‭ ‬ووسائل‭ ‬لتلقي‭ ‬الأسئلة‭ ‬والإجابة‭ ‬عنها،‭ ‬والتواصل‭ ‬وتبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬حول‭ ‬الممارسات‭ ‬الفعالة‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬مثل‭ ‬إعادة‭ ‬التدوير‭ ‬أو‭ ‬خفض‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة‭.‬

 

جعل‭ ‬التغيير‭ ‬ناتجاً‭ ‬مصاحباً‭ ‬لفعاليات‭ ‬أخرى

يمكن‭ ‬تكوين‭ ‬عادات‭ ‬مستدامة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬فعاليات‭ ‬تقدم‭ ‬خيارات‭ ‬مستدامة‭ ‬كفرض‭ ‬الانتقال‭ ‬بمواصلات‭ ‬جماعية‭ ‬أو‭ ‬تناول‭ ‬وجبات‭ ‬نباتية،‭ ‬أو‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬الظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬مثل‭ ‬مكان‭ ‬السكن،‭ ‬أو‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬السيارة،‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬المرض،‭ ‬أو‭ ‬الزواج،‭ ‬أو‭ ‬قدوم‭ ‬مولود‭ ‬جديد‭ ‬لكسر‭ ‬العادات‭ ‬القديمة‭ ‬وتكوين‭ ‬عادات‭ ‬جديدة‭ ‬مستدامة‭.‬

 

الموازنة‭ ‬بين‭ ‬الجوانب‭ ‬السلبية‭ ‬والإيجابية

لو‭ ‬اقتصر‭ ‬ما‭ ‬نسمع‭ ‬على‭ ‬المخاوف‭ ‬والمحاذير،‭ ‬ربما‭ ‬تتعطل‭ ‬آليات‭ ‬الدفاع‭ ‬النفسية‭ ‬ويتراجع‭ ‬احتمال‭ ‬حل‭ ‬المشكلات،‭ ‬ولهذا،‭ ‬يفضل‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الرؤية‭ ‬الإيجابية‭ ‬والحلول‭ ‬الواقعية‭ ‬المتاحة‭ ‬كالزراعة‭ ‬العضوية‭ ‬والطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬وتقديم‭ ‬أدلة‭ ‬على‭ ‬تحسُّن‭ ‬أوضاع‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬التدابير‭ ‬المستدامة‭. ‬

كما‭ ‬يساعد‭ ‬تقسيم‭ ‬الأهداف‭ ‬والمهمات‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬أجزاء‭ ‬صغيرة‭ ‬مشجعة‭ ‬على‭ ‬الإنجاز،‭ ‬ثم‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالانتصارات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة،‭ ‬فيشعر‭ ‬الناس‭ ‬أنهم‭ ‬مشاركون‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬عالمية‭ ‬كبرى‭.‬

وختاماً،‭ ‬يعد‭ ‬تركيز‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬على‭ ‬العوامل‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الفرد،‭ ‬سواء‭ ‬كفرد‭ ‬أو‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬المجموعة،‭ ‬لأن‭ ‬الاستدامة‭ ‬الفردية‭ ‬وسيلة‭ ‬لتعبيد‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬تغيير‭ ‬اجتماعي‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭. ‬فالتغيير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفراد‭ ‬يعد‭ ‬صغيراً،‭ ‬لكن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القليل‭ ‬كثير،‭ ‬فلو‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬زرع‭ ‬نبتة‭ ‬صغيرة،‭ ‬أو‭ ‬قلل‭ ‬استهلاكه‭ ‬من‭ ‬اللحوم‭ ‬بضع‭ ‬جرامات،‭ ‬فإن‭ ‬الحصيلة‭ ‬الكلية‭ ‬ستساهم‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون،‭ ‬ومن‭ ‬استهلاك‭ ‬المياه‭. ‬وكلما‭ ‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬أساليب‭ ‬حياة‭ ‬مستدامة،‭ ‬يعتاد‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬وتصبح‭ ‬عادية‭■.‬