مسألة الهوية العروبة والإسلام والغرب

هذا الكتاب ألّفه المفكر المغربي محمد عابد الجابري، صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية، (الطبعة الرابعة سبتمبر 2012، عدد صفحاته 199).
تضمن الكتاب مدخلاً وثلاثة أقسام، وتجدر الإشارة إلى أن المفكر الجابري له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها «نقد العقل العربي»، الذي ترجم إلى عدة لغات أوربية وشرقية. كرّمته «اليونسكو» لكونه واحداً من أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه في طريقة خاصة بالحوار.
عمل الجابري أستاذاً للفلسفة والفكر الإسلامي بكلية الآداب، جامعة محمد الخامس بالرباط من 1967 إلى 2002. وتوفي في 3 مايو 2010.
في هذا العرض نتوقف مع أهم الأفكار الرئيسة، رغم أنه لا يمكن الاستغناء عن قراءة الكتاب المتميز.ش
في المدخل، تناول موضوع مهماً، وهو ما «العربي»؟، وهو سؤال في نظر المفكر لا يحتمل إجابة واحدة، بل إن الجواب سيختلف باختلاف من يُطرح عليهم السؤال، وهم أطراف متعددة مختلفة المصالح والرؤى.
فمثلاً يذكر الجابري أننا لو توجهنا بالسؤال إلى مؤرخين وسوسيولوجيين وسياسيين واقتصاديين واستراتيجيين ومثقفين، لكان هناك من يستوحي إجابته من التاريخ، فيبرز دور العرب كجسر انتقلت عبره الفلسفة والعلوم اليونانية إلى القارة الأوربية.
فكرة أخرى لا بد من الوقوف عندها، وهي المتعلقة بالفوارق الرئيسة بين مشروع الوحدة العربية ومشروع الوحدة الأوربية، ويرى أن الأولى تؤسسها وحدة اللغة والثقافة، أما الثانية فترتكز على الاقتصاد والمصالح. وبالتالي يخلص إلى أن الهوية الثقافية هي حجر الزاوية في تكوين الأمم، لأنها نتيجة تراكم تاريخي.
الهوية والثقافة
يطرح الجابري مسألة الوحدة العربية، مؤكداً أن الاستعمار لم يكن وحده سبب عدم تحقق الوحدة العربية، إذ كانت هناك تيارات فكرية عارضت الوحدة. ومع ذلك فـ «العربي» ليس وجوداً جامداً، ولا هو ماهية ثابتة جاهزة، بل هوية تتشكل وتصير. ولكي يكون الإنسان عربياً، عليه أن يحمل نزعة نحو تعزيز الوحدة الثقافية العربية.
وتناول في القسم الأول قضية العروبة والإسلام والوحدة القومية. ثنائية العروبة/ الإسلام هي قضية ينصرف التفكير فيها إلى الكيفية التي يجب أن ترتب بها العلاقـــــة بين العروبة والإســـلام؛ فأيهما يجب أن يكون المحدد الأول والأساس لهوية سكان المنطقـــة العربية؟ هل العروبة أولاً أم العكـــس؟ ويقول الجابري إن معظــــــم الذيـــــن يثــــيرون هذه القضية ينطلقون في الغالب من القول إنه لا تعارض بين العروبة والإسلام. هذه الثنائية في الخطاب العربي المعاصر، كل طرف يتحدث عنها من مرجعيته الخاصة. وداخل المرجعية التراثية، يرى أن التقسيم عروبة/ إسلام يعني أن العرب شيء والإسلام شيء، وهو تقسيم إيديولوجي.
وتوقف الجابري مع ثنائية أخرى هي العرب/ العروبة، وهما من المفاهيم التي يختلف مضمونهما بالانتقال من مرجعية إلى أخرى وداخل الفكر نفسه.
فمفهوم العرب في المرجعية النهضوية مفهوم جديد لا يتحدد بالانتساب إلى قحطان أو إلى عدنان، ولا بالتصنيف إلى عرب وأعراب.
مشروع المستقبل
بعبارة أخرى، وفق الجابري، فإن مفهومي العرب والعروبة في المرجعية النهضوية لا يتحددان من خلال الأصول اللغوية، بل من خلال نوع معيّن من العلاقة مع الآخر غير العربي.
وتطرق الجابري كذلك إلى مسألة الوحدة العربية، مؤكداً أنه رغم كل الإكراهات، فإن هذه الوحدة ستبقى مشروعاً للمستقبل، إذ لا يمكن أن تتحقق وحدة كاملة مرة واحدة، بل لا بد أن تمر عبر أجيال ومراحل وأشكال وصيغ.
وفي القسم الثاني عالج موضوع «نحن والآخر والمستقبل». إذ لا جدال في أن المستقبل أصبح في العصر الحاضر الشغل الشاغل للناس.
ويرى أنه كما أن «الأنا» يتحدد دوماً عبر الآخر، فإن تفكير الأنا في مستقبله - تفكير العرب في مستقبلهم - لا بد أن يدخل الآخر كمحدد. ويذكر أن هناك ثلاثة أنواع من التصور للمستقبل: هناك أولاً مستقبل الإنسان في حياته الراهنة. وثانياً مستقبل الإنسان بعد موته، وثالثاً التصور (العالم) للمستقبل من خلال المعرفة.
ويستحضر الجابري العلاقة مع الآخر من خلال التاريخ؛ فالفتوحات الإسلامية وما رافقها أو جاء بعدها من انتشار للإسلام، جعلت من «نحن» العرب والمسلمين في ذاكرة الغرب ذلك «الآخر» الذي نافسه على ماضيه، وبالتالي طرفاً خصماً، وهذا واضح فيما كُتب ويكتب عن العرب والمسلمين من طرف الغرب.
نقطة مهمة
يتساءل الجابـــــري: كيف نفكر في مستقبلنا؟ مجيباً بأنه لا بد مــن استحضار هذه البنية من العلاقات التي تقوم بيننا وبين الغرب التي يتداخل فيها الماضي والحاضر والمستقبل، ويتشابك فيها الثقافي بالسياسي والديني.
ينبه إلى نقطة مهمة، هي أن الغرب عندما يفكر في مصالحه العاجلة أو الآجلة، وعندما يرى أن الآخر الذي قد يضايقه أو ينافسه أو لا يطاوعه، بصورة من الصور، في تحقيقها، فإنه لا يفكر فيه، ولا يتعامل معه تحت توجيه القيم الليبرالية التي يؤمن بها كأساس للمعاملة، بل يفكر فيه ويتعامل معه بواسطة ما يختزنه في ذاكرته الثقافية الجماعية من ذكريات سلبية وتصورات عدائية.
وفي ظل التغيرات التي شهدها العالم في عصرنا، فإن آفاق المستقبل العربي مرهونة بالمعرفة الصحيحة بالواقع وبالإرادة المصممة على التغيير، وبتعبير الجابري، فإن التحليل المستمر للأوضاع والعمل المتواصل لتغييرها عنصران متلازمان، خاصة في عالم اليوم الذي يمتزج فيه فعل المعرفة وممارسة الفعل.
صورة غير موضوعية
في القسم الثالث، تناول الجابري موضوعاً حيوياً، وهو: صورة العرب والإسلام في وسائل الإعلام الغربية.
ويرى أن تلك الصورة في مخيال الغرب عموماً غير موضوعية، فمثلاً قضية المهاجرين يتم ربطها بالإسلام، فتزايد عددهم يخيف الغرب على مستوى الهوية والثقافة، إذ يرى في ذلك غزواً، مع العلم بأن الغرب في حاجة إلى اليد العاملة المهاجرة، نظراً إلى مشكل الشيخوخة.
وتوقف الجابري عند مسألة ذات أهمية، وهي أن الإسلام كدين وحضارة شيء، أما الصورة التي تروجها وسائل الإعلام الغربي فشيء آخر. وعن قضية التطرف التي تلصق بالمسلمين، يرى أن الإسلام غير مسؤول عن ذلك. وهنا نضيف أن التطرف والإرهاب لا يمكن البتة ربطهما بدين معين، والواجب معالجة التطرف بعيداً عن الاتهام والاتهام المضاد؛ لأن ذلك سيساهم في توسيع الهوة بين الدول بدل التقارب.
لا يمكن بالطبع إنكار أن السلبية التي يرسمها الإعلام الغربي تندرج في إطار أهداف يريد أصحابها استغلال ورقة الإسلام، كما هي الحال في الحملات الانتخابية.
بهذا التحليل الدقيق يكون الجابري قد وضع الأصبع على الجرح، فالهوية، العروبة، الإسلام، الآخَر، موضوعات حساسة تحتاج منا اليوم إلى التناول وفق رؤية معاصرة تتماشى والمتغيرات التي يعرفنا عالمنا، فهل نحن فاعلون؟■