صفحة من تاريخ الكويت «من مقاطعة إسرائيل إلى تأميم البريد»

صفحة من تاريخ الكويت «من مقاطعة إسرائيل إلى تأميم البريد»

يعتبر‭ ‬مكتب‭ ‬بريد‭ ‬الكويت‭ ‬آخر‭ ‬مكتب‭ ‬أقامته‭ ‬دائرة‭ ‬البريد‭ ‬الهندي‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬يناير‭  ‬عام‭ ‬1915‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مسقط‭ (‬1864‭)‬،‭ ‬البحرين‭ (‬1884‭)‬،‭ ‬دبي‭ (‬1909‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يعد‭ ‬أول‭ ‬مكتب‭ ‬للبريد‭ ‬تنتقل‭ ‬كامل‭ ‬خدماته‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬إلى‭ ‬الإدارة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬1958‭ ‬قبل‭ ‬بقية‭ ‬المكاتب‭ ‬البريدية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭.‬

بعد‭ ‬انفصال‭ ‬باكستان‭ ‬عن‭ ‬الهند‭ ‬وإعلان‭ ‬استقلالها‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬نوفمبر‭ ‬1947،‭ ‬واستقلال‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تلاه،‭ ‬تسبب‭ ‬ذلك‭ ‬الانفصال‭ ‬والاستقلال‭ ‬في‭ ‬انتقال‭ ‬تبعية‭ ‬المكاتب‭ ‬البريدية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الهندية‭ - ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬الإدارة‭ ‬الباكستانية،‭ ‬نظراً‭ ‬لكون‭ ‬‮«‬كراتشي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬مكتب‭ ‬البريد‭ ‬الرئيس‭ ‬للمكاتب‭ ‬البريدية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬السياسي‭ ‬الباكستاني‭. ‬

ودفع‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الجغرافي‭ ‬الجديد‭ ‬لإدارة‭ ‬البريد‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬التسريع‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬سيطرة‭ ‬الإشراف‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬عام‭ ‬1948م،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬إرثها‭ ‬البريدي‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج،‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬مؤقتة‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬5‭ ‬أشهر‭ ‬كانت‭ ‬باكستان‭ ‬فيها‭ ‬مسؤولة‭ ‬إدارياً‭ ‬عن‭ ‬البريد،‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬دبي‭ ‬والبحرين‭ ‬للطوابع‭ ‬الباكستانية‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬الكويت‭ ‬ومسقط،‭ ‬فاستمرتا‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الطوابع‭ ‬الهندية‭ ‬حتى‭ ‬استبدال‭ ‬الطوابع‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المكاتب‭ ‬البريدية،‭ ‬مع‭ ‬استبدال‭ ‬أختام‭ ‬الإلغاء‭ ‬الهندية‭ ‬بأختام‭ ‬إنجليزية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬1949م‭.‬

  ‬وجاء‭ ‬تولي‭ ‬الإنجليز‭ ‬لإدارة‭ ‬البريد‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬انتدابها‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬بتاريخ‭ ‬14‭ ‬مايو‭ ‬1948،‭ ‬بموجب‭ ‬قرار‭ ‬التقسيم‭ ‬الجائر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬نوفمبر‭ ‬1947،‭ ‬الذي‭ ‬أعطى‭ ‬لليهود‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬ويشكلون‭ ‬ثلث‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬56‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬فلسطين،‭ ‬مما‭ ‬حقق‭ ‬لإسرائيل‭ ‬إعلان‭ ‬دولتها‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬مايو‭ ‬1948‭.‬

‭ ‬وبعد‭ ‬حرب‭ ‬دامت‭ ‬ثمانية‭ ‬أشهر‭ ‬بين‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬وإسرائيل‭ ‬انتهت‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1949،‭ ‬نتيجة‭ ‬قبول‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬ولبنان‭ ‬والأردن‭ ‬وسورية‭ ‬بتوقيع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الهدنة‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بضغط‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬تقسيم‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مناطق‭: ‬منطقة‭ ‬تعادل‭ ‬70‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بزيادة‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬على‭ ‬الذي‭ ‬حدده‭ ‬قرار‭ ‬التقسيم‭. ‬أما‭ ‬المنطقتان‭ ‬الأخريان،‭ ‬فهما‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ويقع‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬الإدارة‭ ‬المصرية،‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وتشمل‭ ‬مدينة‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬ونابلس‭ ‬ورام‭ ‬الله‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناطق،‭ ‬وتقع‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬الإدارة‭ ‬الأردنية‭.‬

  ‬ونتيجة‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬أعلاه،‭ ‬واجهت‭ ‬الإدارة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬للبريد‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬معضلتين؛‭ ‬المعضلة‭ ‬الأولى‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬العدائي‭ ‬المتنامي‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬حيال‭ ‬سياسة‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وضلوعها‭ ‬في‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬عام‭ ‬1917،‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1936‭ ‬وتجاوب‭ ‬الكويتيين‭ ‬لها‭ ‬بمساندة‭ ‬الإضراب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جمع‭ ‬التبرعات‭ ‬وتهريب‭ ‬السلاح‭ ‬وإرسال‭ ‬البرقيات‭ ‬المنددة‭ ‬بالتقسيم،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬حاكم‭ ‬الكويت‭ ‬آنذاك‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬الجابر،‭ ‬الذي‭ ‬أبرق‭ ‬لوزير‭ ‬المستعمرات‭ ‬البريطاني‭ ‬يحذر‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬التقسيم‭. ‬

وفي‭ ‬ديسمبر‭ ‬1947‭ ‬نظمت‭ ‬حملة‭ ‬تبرعات‭ ‬من‭ ‬التجار‭ ‬وتبرع‭ ‬لها‭ ‬حاكم‭ ‬الكويت‭ ‬مع‭ ‬أقربائه،‭ ‬وبعد‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭ ‬شكلت‭ ‬لجنة‭ ‬لمساعدة‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ورصدت‭ ‬تبرعات‭ ‬كبيرة‭ ‬لنجدتهم‭. ‬أما‭ ‬المعضلة‭ ‬الثانية،‭ ‬فتمثلت‭ ‬في‭ ‬ضعف‭ ‬إدارتها‭ ‬للبريد‭ ‬بعد‭ ‬تنامي‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬مكتب‭ ‬واحد،‭ ‬مع‭ ‬زيادة‭ ‬وتيرة‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬النفط،‭ ‬وما‭ ‬يعانيه‭ ‬مكتب‭ ‬البريد‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الموظفين،‭ ‬مما‭ ‬سبب‭ ‬الازدحام‭ ‬عند‭ ‬شراء‭ ‬الطوابع،‭ ‬والتأخير‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬إرساليات‭ ‬البريد‭.‬

 

فكرة‭ ‬تأميم‭ ‬البريد

  ‬رصدت‭ ‬الكتابات‭ ‬الصحفية‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬الكويتية‭ ‬آنذاك‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المواطنين‭ ‬تجاه‭ ‬الخدمة‭ ‬البريدية،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬البعثة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬نشرة‭ ‬ثقافية‭ ‬كانت‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬بيت‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬عام‭ ‬1947،‭ ‬لكونها‭ ‬زامنت‭ ‬فترة‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الهندية‭ ‬للبريد‭ ‬إلى‭ ‬الإدارة‭ ‬الباكستانية،‭ ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الإدارة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬فعكست‭ ‬أغلب‭ ‬المقالات‭ ‬المنشورة‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬الانتقال‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬الخدمة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬للناس،‭ ‬وتكشف‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬المد‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي‭ ‬من‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬مطلب‭ ‬وجود‭ ‬بريد‭ ‬وطني‭ ‬بهوية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬البريد‭ ‬الأجنبي‭.‬

وقد‭ ‬نشر‭ ‬الطالب‭ ‬يعقوب‭ ‬الحميضي‭ ‬من‭ ‬ليفربول‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬فكرة‭ ‬إصدار‭ ‬طوابع‭ ‬خاصة‭ ‬للكويت،‭ ‬تُزيّن‭ ‬بصور‭ ‬الأمير‭ ‬وصور‭ ‬لآبار‭ ‬النفط‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬رمز‭ ‬آخر،‭ ‬وكتب‭ ‬الآتي‭: ‬‮«‬مما‭ ‬يجعلنا‭ ‬مستقلين‭ ‬عن‭ ‬غيرنا‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬لو‭ ‬فكرنا‭ ‬فيه‭ ‬وأخرجناه‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬أدعى‭ ‬لحفظ‭ ‬كراماتنا‭ ‬وأظهر‭ ‬لوجودنا‭ ‬وسمعتنا‮»‬‭.‬

  ‬ومقال‭ ‬آخر‭ ‬كتبه‭ ‬الطالب‭ ‬حامد‭ ‬عبدالسلام‭ ‬من‭ ‬أكسفورد‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬يناير‭ ‬1953‭: ‬‮«‬‭... ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬للغير‭ ‬فضلاً‭ ‬علينا‭ ‬حين‭ ‬أعارونا‭ ‬طوابعهم‭ ‬بعد‭ ‬طبع‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الكويت‮»‬‭ ‬عليها،‭ ‬وسعر‭ ‬الطابع‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬فقط‭. ‬نحن‭ ‬نشكر‭ ‬لهم‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬نحبّذ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فضلهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭. ‬فإننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نستغني‭ ‬عنه‮»‬‭. ‬

وأضاف‭: ‬‮«‬بلادنا‭ ‬عربية،‭ ‬وهذه‭ ‬الطوابع‭ ‬لنا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لأي‭ ‬بلد‭ ‬آخر،‭ ‬فمن‭ ‬الواجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لنا‭ ‬طوابعنا‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬أقوى‭ ‬الإيمان‭. ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬خاصة‭ ‬فنحن‭ ‬نرضى‭ (...) ‬تحمل‭ ‬الاسم‭ ‬والسعر‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬باللغتين‭ ‬العربية‭ ‬والإنجليزية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬أضعف‭ ‬الإيمان‮»‬‭.‬

  ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬دائرة‭ ‬البريد‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬مثل‭ ‬نقل‭ ‬المكتب‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1953‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬أوسع‭ ‬يقع‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الميناء‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الجمرك‭ ‬ويحتوي‭ ‬على‭ ‬250‭ ‬صندوقاً‭ ‬للبريد،‭ ‬وسبقه‭ ‬فتح‭ ‬مكتب‭ ‬للبريد‭ ‬بمدينة‭ ‬الأحمدي‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬1950،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬أصوات‭ ‬تنتقد‭ ‬دائرة‭ ‬البريد،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الإيمان‮»‬‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬النادي‭ ‬الثقافي‭ ‬القومي‭ ‬بالكويت‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬أبريل‭ ‬1953‭: ‬‮«‬عمت‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬طبقات‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬استهتار‭ ‬إدارة‭ ‬البريد‭ ‬بمصالح‭ ‬الجمهور،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬طوابع‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬حكومة‭ ‬الكويت،‭ ‬والذين‭ ‬يديرونها‭ ‬أجانب،‭ ‬وقسم‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أصحابه‭ ‬متأخراً،‭ ‬وبعضها‭ ‬يضيع‭ ‬ولا‭ ‬يصل‭ ‬لأصحابه‭. ‬وخير‭ ‬علاج‭ ‬لهذه‭ ‬الحالة‭ ‬المزرية‭ ‬هو‭ ‬إلحاق‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬بحكومة‭ ‬البلاد‭ ‬وإسناد‭ ‬أمرها‭ ‬إلى‭ ‬موظفين‭ ‬كويتيين‭ ‬بعد‭ ‬تغيير‭ ‬هذه‭ ‬الطوابع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬بأي‭ ‬صلة‮»‬‭.‬

  ‬وفي‭ ‬عدد‭ ‬مارس‭ ‬1954‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬البعثة،‭ ‬صدرت‭ ‬دعوة‭ ‬صريحة‭ ‬لتأميم‭ ‬خدمات‭ ‬البريد‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬وذلك‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬ملاحظة‭ ‬أبداها‭ ‬أحد‭ ‬القراء‭ ‬حول‭ ‬استفتاءات‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬دائرة‭ ‬البريد‭ ‬لتعرف‭ ‬مدى‭ ‬نجاح‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور،‭ ‬وكتب‭ ‬محررها‭: ‬‮«‬مهما‭ ‬أصلح‭ ‬البريد‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬تأييد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬فإن‭ ‬رأينا‭ ‬ينحصر‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نؤمن‭ ‬بأنه‭ ‬سيؤدي‭ ‬واجبه‭ ‬نحو‭ ‬الجمهور‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬تديره‭ ‬هيئة‭ ‬أجنبية،‭ ‬وليعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أننا‭ ‬نكتب‭ ‬وسنكتب‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الدائرة‭ ‬الأجنبية‭ ‬حتى‭ ‬تؤمم،‭ ‬وتصبح‭ ‬وطنية‮»‬‭.‬

‭ ‬

مقاطعة‭ ‬بريد‭ ‬إسرائيل

  ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬استقلالها،‭ ‬فإنها‭ ‬التزمت‭ ‬بقرار‭ ‬المقاطعة‭ ‬العربية‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬الذي‭ ‬بموجبه‭ ‬أنشئ‭ ‬مكتب‭ ‬‮«‬مقاطعة‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1951،‭ ‬وتولى‭ ‬الحاكم‭ ‬قرار‭ ‬المقاطعة‭ ‬الرسمية‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الشعبية‭ ‬بالوسائل‭ ‬المتاحة،‭ ‬مثل‭ ‬جمع‭ ‬التبرعات‭ ‬لنصرة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وحل‭ ‬مشكلة‭ ‬اللاجئين‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬عبر‭ ‬الحملات‭ ‬الصحفية‭ ‬في‭ ‬مجلات‭ ‬البعثة،‭ ‬وكاظمة،‭ ‬والرائد،‭ ‬والإيمان‭.‬

  ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬كانت‭ ‬الرسائل‭ ‬تصل‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإليها‭ ‬عبر‭ ‬مكتب‭ ‬بريد‭ ‬لندن،‭ ‬والسبب‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬البريد‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ملزمة‭ ‬بالتبادل‭ ‬البريدي‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفق‭ ‬المعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬لاتحاد‭ ‬البريد‭ ‬العالمي،‭ ‬وليست‭ ‬طرفاً‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ - ‬الإسرائيلي،‭ ‬وليس‭ ‬للكويت‭ ‬أي‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬إدارية‭ ‬تلزمها‭ ‬بوقف‭ ‬التعامل‭ ‬البريدي‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الضغط‭ ‬الحكومي‭ ‬والسخط‭ ‬الشعبي‭ ‬المتعاظم،‭ ‬تم‭ ‬خلق‭ ‬حصار‭ ‬حول‭ ‬إدارة‭ ‬البريد‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬ودفعها‭ ‬للتجاوب‭ ‬مع‭ ‬مقاطعة‭ ‬بريد‭ ‬إسرائيل‭.‬

  ‬وقد‭ ‬حذرت‭ ‬مجلة‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬فبراير‭ ‬عام‭ ‬1953م،‭ ‬عبر‭ ‬مقال‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬ماذا‭ ‬في‭ ‬البريد؟‮»‬‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬أثارني‭ ‬كثيراً‭ ‬رؤية‭ ‬الرسائل‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬حاملة‭ ‬للطوابع‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وعليها‭ ‬صورة‭ (‬ويزمن‭) ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬أسياد‭ ‬اليهود‭. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬تدخل‭ ‬الكويت‭ ‬بكثرة‭ ‬وانتظام،‭ ‬وعلى‭ ‬رؤوس‭ ‬الأشهاد،‭ ‬وزيارة‭ ‬واحدة‭ ‬لدائرة‭ ‬البريد‭ ‬تبرهن‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬محظور‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬عربي،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬وتحدث‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى‭ ‬سنطرقها‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬وأملنا‭ ‬في‭ ‬المسؤولين‭ ‬عظيم‮»‬‭. ‬

  ‬وتشير‭ ‬الوثائق‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1953‭ ‬إلى‭ ‬مخاطبة‭ ‬مدير‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ - ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتولى‭ ‬الرئاسة‭ ‬الفخرية‭ ‬للنادي‭ ‬الثقافي‭ ‬القومي‭ - ‬لمدير‭ ‬البريد‭ ‬يطلب‭ ‬منه‭ ‬تسليم‭ ‬البريد‭ ‬المرسل‭ ‬والواصل‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬لإخضاعه‭ ‬للرقابة‭. ‬وقد‭ ‬امتثل‭ ‬مدير‭ ‬البريد‭ ‬لبضعة‭ ‬أيام‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬المعتمد‭ ‬السياسي‭ ‬مدير‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬بضرورة‭ ‬تقديم‭ ‬طلب‭ ‬رسمي‭ ‬لحكومة‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الرقابة‭. ‬

وتقدم‭ ‬مدير‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬بطلب‭ ‬للمعتمد‭ ‬السياسي‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬عقب‭ ‬شهرين،‭ ‬لكن‭ ‬تم‭ ‬إبلاغه‭ ‬أنه‭ ‬يتعذر‭ ‬قبول‭ ‬طلبه‭.‬

‭ ‬

رقابة‭ ‬البريد

أدى‭ ‬تكرار‭ ‬وصول‭ ‬البريد‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬لندن‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬مشاعر‭ ‬الكويتيين،‭ ‬حكاماً‭ ‬ومحكومين،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬أكثر‭ ‬تشدداً‭ ‬لمقاطعته،‭ ‬فنشرت‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬الكويت‭ ‬اليوم‮»‬‭ ‬الرسمية‭ ‬بالعدد‭ ‬29‭ - ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬2‭ ‬يوليو‭ ‬1955‭ ‬عن‭ ‬رصد‭ ‬دائرة‭ ‬المطبوعات‭ ‬والنشر‭ ‬وصول‭ ‬رسائل‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬الكويت،‭ ‬وعرضت‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬العليا،‭ ‬وهي‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬آنذاك،‭ ‬وجاء‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬كتابهم‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬بحثت‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬موضوع‭ ‬البريد‭ ‬الوارد‭ ‬من‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والصادر‭ ‬إليها،‭ ‬فقررت‭ ‬أن‭ ‬تعهد‭ ‬إلى‭ ‬دائرتكم‭ ‬مراقبة‭ ‬جميع‭ ‬الرسائل‭ ‬ورزم‭ ‬البريد‭ ‬الواردة‭ ‬والصادرة‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬إسرائيل‭. ‬وعليه،‭ ‬يرجى‭ ‬اتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬تاريخه‭. ‬كما‭ ‬نلفت‭ ‬نظركم‭ ‬إلى‭ ‬وجوب‭ ‬تجهيز‭ ‬بطاقة‭ ‬مطبوعة‭ ‬تلصق‭ ‬بالرسائل‭ ‬بعد‭ ‬فتحها،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬مرورها‭ ‬على‭ ‬الرقابة‮»‬‭.‬

وبعثت‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬العليا‭ ‬وكذلك‭ ‬بكتاب‭ ‬مماثل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬مدير‭ ‬البريد،‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬يرجى‭ ‬اتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬الفعالة‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬تاريخه‭ ‬لإحالة‭ ‬جميع‭ ‬الرسائل‭ ‬وطرود‭ ‬البريد‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬والصادرة‭ ‬إليها‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬المطبوعات‭ ‬والنشر‭ ‬لأجل‭ ‬مراقبتها‭ ‬ثم‭ ‬إعادتها‭ ‬إلى‭ ‬دائرتكم‭ ‬لتوزيعها‭ ‬أو‭ ‬إرسالها‭ ‬للخارج‮»‬‭. ‬

ويفهم‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬العليا‭ ‬تكليف‭ ‬أمر‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬البريد‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬دائرة‭ ‬المطبوعات‭ ‬والنشر،‭ ‬وهي‭ ‬دائرة‭ ‬كويتية،‭ ‬ولم‭ ‬تخول‭ ‬أمرها‭ ‬لإدارة‭ ‬البريد‭ ‬الإنجليزية‭.‬

  ‬لقد‭ ‬دفع‭ ‬تسارع‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬مصر‭ ‬تأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬يوليو‭ ‬1956،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬من‭ ‬إنجلترا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬أكتوبر‭ ‬1956،‭ ‬واحتلال‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬نوفمبر‭ ‬1956،‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬المشاعر‭ ‬العدائية‭ ‬ضد‭ ‬الإنجليز‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬فنظمت‭ ‬التظاهرات‭ ‬الكبيرة‭ ‬المؤيدة‭ ‬لمصر،‭ ‬وعمت‭ ‬الإضرابات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬استنكاراً‭ ‬لهذا‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي،‭ ‬وقام‭ ‬عمال‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬الأحمدي‭ ‬بمقاطعة‭ ‬ناقلات‭ ‬النفط‭ ‬البريطانية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬مع‭ ‬إعلان‭ ‬الإضراب‭ ‬العام‭ ‬وتوقف‭ ‬التصدير،‭ ‬كما‭ ‬حدثت‭ ‬انفجارات‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬الأحمدي‭ ‬ومدينة‭ ‬الأحمدي‭ ‬والمقوع،‭ ‬مما‭ ‬استدعى‭ ‬السلطة‭ ‬لإعلان‭ ‬حظر‭ ‬التجول‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬داخل‭ ‬مناطق‭ ‬الحقول‭ ‬النفطية‭.‬

  ‬ويشير‭ ‬تقرير‭ ‬سري‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مكتب‭ ‬المعتمد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬بتاريخ‭ ‬2‭ ‬نوفمبر‭ ‬1956،‭ ‬إلى‭ ‬تعرضهم‭ ‬لضغوط‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الكويتية‭ ‬لفرض‭ ‬رقابة‭ ‬على‭ ‬البريد‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أو‭ ‬إيقاف‭ ‬الخدمة‭ ‬بالكامل،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬توجد‭ ‬صعوبات‭ ‬فنية‭ ‬وقانونية‭ ‬وسياسية‭ ‬شديدة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬تنفيذ‭ ‬رغبة‭ ‬الحكومة‭ ‬الكويتية‭. ‬ويلفت‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الإدراك‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬لقاء‭ ‬الحاكم‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ ‬وحل‭ ‬المشكلة،‭ ‬فسوف‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬لنقل‭ ‬الخدمة‭ ‬البريدية‭ ‬لإدارة‭ ‬وطنية‭ (‬تأميم‭). ‬

ويضيف‭ ‬التقرير‭ ‬أنه‭ ‬عمل‭ ‬ترتيبات‭ ‬لتدريب‭ ‬عناصر‭ ‬كويتية‭ ‬لتحويل‭ ‬خدمات‭ ‬البريد‭ ‬الداخلية‭ ‬بشكل‭ ‬منظم‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬كويتية،‭ ‬موصياً‭ ‬بإيقاف‭ ‬الخدمة‭ ‬البريدية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬عاجل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إسعاد‭ ‬الكويتيين،‭ ‬حكاماً‭ ‬ومحكومين‭. ‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬توصية‭ ‬المعتمد‭ ‬الإنجليزي‭ ‬لوزارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬جاء‭ ‬رد‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬نوفمبر‭ ‬1956،‭ ‬بموافقة‭ ‬مكتب‭ ‬البريد‭ ‬الإنجليزي‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬خدمات‭ ‬البريد‭ ‬بين‭ ‬الكويت‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬خطوة‭ ‬اتخذت‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬حاكم‭ ‬الكويت،‭ ‬وأن‭ ‬موافقة‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية‭ ‬تمت‭ ‬بسبب‭ ‬الضرورة‭!‬

‭ ‬وبعد‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬ديسمبر‭ ‬1956‭ ‬من‭ ‬بورسعيد‭ ‬نتيجة‭ ‬للضغط‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬قاده‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق،‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬وبفضل‭ ‬المقاومة‭ ‬الشرسة‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬المصري،‭ ‬حلت‭ ‬محلها‭ ‬قوة‭ ‬طوارئ‭ ‬دولية‭ ‬مؤقتة،‭ ‬وفي‭ ‬5‭ ‬مارس‭ ‬1957‭ ‬انسحبت‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وتوقف‭ ‬خلالها‭ ‬البريد‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬المكاتب‭ ‬البريدية‭: ‬غزة،‭ ‬خان‭ ‬يونس،‭ ‬رفح،‭ ‬ودير‭ ‬البلح،‭ ‬لفترة‭ ‬دامت‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭ ‬تقريباً،‭ ‬وحلت‭ ‬محلها‭ ‬مكاتب‭ ‬بريد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وبعد‭ ‬الانسحاب‭ ‬عاد‭ ‬البريد‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬وضعه‭ ‬السابق‭ ‬تحت‭ ‬الإدارة‭ ‬المصرية‭ ‬الملكية‭.‬

وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ -  ‬الإسرائيلي،‭ ‬صادقت‭ ‬ملكة‭ ‬بريطانيا‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬رسمياً‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1957‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬طوابع‭ ‬تحمل‭ ‬صورة‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬لاستخدمها‭ ‬للبريد‭ ‬المحلي،‭ ‬كمقدمة‭ ‬تمهيدية‭ ‬حققت‭ ‬انتقالاً‭ ‬سلساً‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬للإدارة‭ ‬الكويتية‭ ‬الوطنية،‭ ‬لتتسلم‭ ‬مسؤولية‭ ‬البريد‭ ‬على‭ ‬آلية‭ ‬انتقال‭ ‬تمت‭ ‬على‭ ‬فترتين‭ ‬زمنيتين،‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأولى‭: ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬1958‭ ‬تولت‭ ‬الإدارة‭ ‬الكويتية‭ ‬خدمات‭ ‬البريد‭ ‬الداخلي،‭ ‬أما‭ ‬الفترة‭ ‬الثانية‭ ‬فكانت‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬1959،‭ ‬واستكملت‭ ‬فيها‭ ‬الإدارة‭ ‬الكويتية‭ ‬توليها‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬خدمات‭ ‬البريد‭ ‬الخارجي،‭ ‬واستطاعت‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬تقلدها‭ ‬زمام‭ ‬الإدارة‭ ‬فتح‭ ‬سبعة‭ ‬مكاتب‭ ‬بريدية‭ ‬جديدة■