هزيمة مبكرة

هزيمة مبكرة

لعل‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬برعت‭ ‬فيه‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭ ‬–‭ ‬الناجحة‭ ‬–‭ ‬أمران،‭ ‬توصيل‭ ‬أعمق‭ ‬الأفكار‭ ‬الفلسفية‭ ‬وأعقد‭ ‬النظريات‭ ‬والفرضيات‭ ‬العلمية‭ ‬بطريقة‭ ‬قابلة‭ ‬للهضم‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المشاهدين،‭ ‬والأمر‭ ‬الثاني‭ ‬تحفيز‭ ‬مناطق‭ ‬الأسئلة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمستقبل‭ ‬وشكل‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭.‬

كلما‭ ‬قرأت‭ ‬موضوعاً‭ ‬أو‭ ‬سمعت‭ ‬عن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬منع‭ ‬المشاهد‭ ‬السينمائية‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬المصفوفة‭  ‬The‭ ‬Matrix‮»‬‭ ‬و«المبيد‭ ‬أو‭ ‬الماحي‭ ‬The‭ ‬Terminator‮»‬‭ ‬من‭ ‬الحضور،‭ ‬وتذكيري‭ ‬بهواجس‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬تحكم‭ ‬الآلات‭ ‬بمصيره،‭ ‬أو‭ ‬تعرض‭ ‬الوجود‭ ‬البشري‭ ‬للإبادة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬الآلات‭ ‬من‭ ‬اكتساب‭ ‬خاصية‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬وتأمين‭ ‬مصدر‭ ‬دائم‭ ‬للطاقة‭.‬

وفي‭ ‬فيلم‭ ‬المصفوفة‭ ‬وقعت‭ ‬مفارقة‭ ‬عجيبة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬الآلة‭ ‬لبقاء‭ ‬الإنسان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حاجة‭ ‬الإنسان‭ ‬لها،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬وجد‭ ‬العقل‭ ‬الإلكتروني‭ ‬الرئيسي‭ ‬أن‭ ‬المصدر‭ ‬الوحيد‭ ‬للطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حجب‭ ‬دمار‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬والآلات‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬لألواح‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬وقد‭ ‬صنع‭ ‬ذلك‭ ‬العقل‭ ‬الاصطناعي‭ ‬حقولاً‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬تستوعب‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬وضعوا‭ ‬في‭ ‬كبسولات‭ ‬وأدخلوا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سبات‭ ‬دائم‭ ‬من‭ ‬الولادة‭ ‬حتى‭ ‬الموت،‭ ‬وتم‭ ‬ربط‭ ‬عقولهم‭ ‬ببرنامج‭ ‬حياة‭ ‬صناعية‭ ‬أخذت‭ ‬تفاصيلها‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬كانت‭ ‬حقيقية‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭.‬

إن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬إنساناً‭ ‬آلياً‭ (‬روبوت‭) ‬نخشى‭ ‬أن‭ ‬ينقلب‭ ‬علينا‭ ‬يوماً،‭ ‬ولكنه‭ ‬يمثل‭ ‬كل‭ ‬آلة‭ ‬وُجدت‭ ‬لكي‭ ‬تسهل‭ ‬حياة‭ ‬البشر،‭ ‬والشيء‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬الخشية‭ ‬هو‭ ‬انقلاب‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وتحوله‭ ‬لآلة‭ ‬بلا‭ ‬مشاعر‭ ‬تفضل‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬أقرب‭ ‬المقربين‭ ‬عبر‭ ‬رسالة‭ ‬نصية‭ ‬أو‭ ‬مقطع‭ ‬صوتي‭. ‬إن‭ ‬التطورات‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬البشر‭ ‬كما‭ ‬أثرت‭  ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحبو‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الذكاء،‭ ‬إنها‭ ‬بالفعل‭ ‬كسرت‭ ‬لنا‭ ‬حاجز‭ ‬الزمن‭ ‬والمكان‭ ‬وقلصت‭ ‬مشاعر‭ ‬الغربة‭ ‬لأدنى‭ ‬درجاتها،‭ ‬وتلك‭ ‬مميزات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنها،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬فعلنا‭ ‬بأنفسنا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تفعله‭ ‬هي‭ ‬بنا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬وأفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭.‬

في‭ ‬الختام‭ ‬لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استشراف‭ ‬مستقبل‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لأن‭ ‬الحاضر‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬هزيمة‭ ‬مبكرة‭ ‬أمام‭ ‬جهاز‭ ‬صغير‭ ‬يعتقد‭ ‬كثيرون‭ ‬أننا‭ ‬نتحكم‭ ‬فيه‭ ‬والعكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح،‭ ‬فقد‭ ‬امتصت‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬–‭ ‬بإرادتنا‭ ‬الحرة‭ ‬–‭ ‬أصوات‭ ‬جلساتنا‭ ‬وأفقدتنا‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬تركيزنا‭ ‬أثناء‭ ‬السير‭ ‬والقيادة،‭ ‬وفي‭ ‬الحوارات‭ ‬المهمة،‭ ‬لقد‭ ‬أصبحنا‭ ‬كالآلات‭ ‬نتواصل‭ ‬بالنغمات‭■‬