أوائل الدارسين الكويتيين في الأزهر الشريف

أوائل الدارسين الكويتيين  في الأزهر الشريف

يعتبر‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬المتنورة‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬ويتصف‭ ‬بالتنوع‭ ‬الفكري‭ ‬المتسم‭ ‬بالأصالة‭ ‬والمحافظة‭ ‬والتسامح،‭ ‬ويرجع‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬التميز‭ ‬للتنويع‭ ‬البارز‭  ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬أصول‭ ‬سكان‭ ‬الكويت‭ ‬القدامى،‭ ‬فالجذور‭ ‬لبعض‭ ‬الجماعات‭ ‬المؤسسة‭ ‬كالعتوب‭ ‬والعوازم‭ ‬وبني‭ ‬خالد‭ ‬مرجعها‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬بينما‭ ‬توافد‭ ‬إليها‭ ‬جماعات‭ ‬بشرية‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬متنوعة،‭ ‬أبرزها‭ ‬العراق‭ ‬وفارس‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وغيرها‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬التنوير‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬كويت‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬النفط‭ ‬كان‭ ‬بفضل‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬رجال‭ ‬العلم‭ ‬والدين‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬مجتمعهم‭ ‬عبر‭  ‬الدروس‭ ‬والمحاضرات‭ ‬التي‭ ‬يعقدونها‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬والمجالس‭.‬

استمدت‭ ‬هذه‭ ‬الكوكبة‭ ‬ثقافتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دراستها‭ ‬لدى‭ ‬الكتاتيب‭ ‬والمساجد‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتحالها‭ ‬لطلب‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭ ‬اشتهرت‭ ‬كالعراق‭ ‬والأحساء‭ ‬ومصر،‭ ‬وعادوا‭ ‬إلى‭ ‬وطنهم‭ ‬وساهموا‭ ‬مساهمة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬وتطويره‭.‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬كان‭ ‬قبلة‭ ‬للثقافة‭ ‬والعلم‭ ‬والأدب،‭ ‬وبرز‭ ‬منه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬وشيوخ‭ ‬الدين،‭ ‬الذين‭ ‬ذاع‭ ‬صيتهم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأرجاء‭ ‬بالوطن‭ ‬العربي‭ ‬آنذاك،‭ ‬وعرف‭ ‬علماء‭ ‬الأزهر‭ ‬بكونهم‭ ‬رجالا‭ ‬أفاضل‭ ‬تحصنوا‭ ‬بالعلم‭ ‬والخلق،‭ ‬فكانوا‭ ‬محل‭ ‬تقدير‭ ‬واحترام‭ ‬أينما‭ ‬حلوا،‭ ‬وفي‭ ‬رحاب‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬كان‭ ‬أهالي‭ ‬الكويت‭ ‬يلتقون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬شيوخ‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬والاستماع‭ ‬لخطبهم‭ ‬ودروسهم‭ ‬الدينية‭.‬

يعتبر‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المراكز‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬بناه‭ ‬جوهر‭ ‬الصقلي‭ ‬قائد‭ ‬المعز‭ ‬لدين‭ ‬الله‭ ‬الفاطمي‭ ‬سنة‭ ‬970‭ ‬هـ،‭ ‬فكان‭ ‬السفر‭ ‬لمصر‭ ‬والالتحاق‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنبر‭ ‬العلمي‭ ‬الجليل‭ ‬هو‭ ‬طموح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬العلم‭ ‬بمناطق‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭.‬

ولأن‭ ‬القاهرة‭ ‬بعيدة‭ ‬المنال‭ ‬آنذاك،‭ ‬لبعد‭ ‬المسافة‭ ‬ومشقة‭ ‬السفر‭ ‬وأخطاره،‭ ‬وكذلك‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬وسائل‭ ‬السفر‭ ‬الآمنة‭ ‬والطقس‭ ‬الحار،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مخاطر‭ ‬السفر‭ ‬كاللصوص‭ ‬ووحوش‭ ‬البر‭ ‬كالذئاب،‭ ‬حتى‭ ‬قيل‭ ‬في‭ ‬الأمثال‭ ‬الكويتية‭ ‬القديمة‭ ‬للأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬صعب‭ ‬التحقيق‭ ‬‮«‬أبعد‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬مصر‮»‬‭. ‬ويقول‭ ‬‮«‬الربان‮»‬‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬القطامي‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬دليل‭ ‬المحتار‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬البحار‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭:‬

لو‭ ‬علموني‭ ‬أهلي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬بيروت

لأبدع‭ ‬عجايب‭ ‬لهم‭ ‬تذكر‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬أموت

لذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الطموح‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬رجالات‭ ‬العلم‭ ‬والدين‭ ‬والأدب‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭.‬

 

مشقات‭ ‬وصعوبات

والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬والكويت‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي‭ ‬قبل‭ ‬المستوى‭ ‬الرسمي‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد،‭ ‬ومنها‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وكانت‭ ‬طلائع‭ ‬الطلاب‭ ‬الدارسين‭ ‬هم‭ ‬سفراء‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطر‭ ‬العربي‭ ‬الأصيل‭.‬

وسنتناول‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬الماضي‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬الكويتية‭ ‬التي‭ ‬قطعت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المسافات‭ ‬الطويلة‭ ‬وتحملت‭ ‬المشقات‭ ‬الكثيرة‭ ‬وتجاوزت‭ ‬الصعوبات‭ ‬الخطيرة‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭. ‬كما‭ ‬سيكون‭ ‬حديثي‭ ‬منصباً‭ ‬على‭ ‬أخبار‭ ‬الطلبة‭ ‬الدارسين‭ ‬على‭ ‬نفقتهم‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬ومطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬تأسيس‭ ‬مجلس‭ ‬المعارف‭ ‬عام‭ ‬1936م،‭ ‬وقام‭ ‬بدور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬ابتعاث‭ ‬الطلبة‭ ‬الكويتيين،‭ ‬وأسس‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬للطلبة‭ ‬الذي‭ ‬ترأسه‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حسين،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭. ‬وقد‭ ‬ضربت‭ ‬قصصهم‭ ‬أروع‭ ‬الأمثلة‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬العلم‭ ‬والاجتهاد‭ ‬والعطاء‭ ‬والبذل،‭ ‬وأخبارهم‭ ‬وتأثرهم‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ونقل‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬لمجتمعهم‭ ‬وإحداث‭ ‬نقلة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬النفط‭.‬

بادئ‭ ‬ذي‭ ‬بدء،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬المراجع‭ ‬التاريخية‭ ‬شحيحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬ولا‭ ‬تتعدى‭ ‬إشارات‭ ‬بسيطة‭ ‬متناثرة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬والمجلات،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الموضوع‭ ‬ودوره‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬تنوير‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬كويت‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬النفط‭.‬

ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬الجزم‭ ‬باسم‭ ‬أول‭ ‬طالب‭ ‬علم‭ ‬رحل‭ ‬لمصر‭ ‬للدراسة،‭ ‬أو‭ ‬أقدم‭ ‬تاريخ‭ ‬لأول‭ ‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لطلب‭ ‬العلم،‭ ‬لكن‭ ‬تشير‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬البعثة‮»‬‭ ‬في‭ ‬عددها‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1949م،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المراجع‭ ‬التاريخية‭ ‬المتوافرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لطلب‭ ‬العلم‭ ‬هو‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علوي،‭ ‬والمعلومات‭ ‬التاريخية‭ ‬المتوافرة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بشخصية‭ ‬قوية‭ ‬جداً‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الفشل‭ ‬مطلقا‭ ‬ويمتاز‭ ‬بالذكاء،‭ ‬وقد‭ ‬عمل‭ ‬بوظيفة‭ ‬حكومية‭ ‬في‭ ‬الرسومات‭ ‬بالكويت،‭ ‬ثم‭ ‬افتتح‭ ‬حانوتا‭ ‬للتجارة،‭ ‬وعن‭ ‬رحلته‭ ‬لمصر‭ ‬ذكر‭ ‬أنه‭ ‬سافر‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬ودرس‭ ‬الدين‭ ‬هناك،‭ ‬كما‭ ‬درس‭ ‬الطب‭ ‬عند‭ ‬أحد‭ ‬شيوخه‭ ‬وسكن‭ ‬مصر‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬للكويت‭, ‬حيث‭ ‬مات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ودفن‭ ‬فيها‭ ‬حوالي‭ ‬سنة‭ ‬1280هـ‭ (‬1863م‭). ‬

 

معلومات‭ ‬نادرة

أما‭ ‬ثاني‭ ‬الشخصيات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬درست‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬فهو‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الفارسي‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1255هـ‭ - ‬1839م،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬العلم‭ ‬والدين‭ ‬المشهورين‭ ‬بتاريخ‭ ‬الكويت‭ ‬ويصفه‭ ‬الشيخ‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬القناعي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬صفحات‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت‮»‬‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬كان‭ ‬آية‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬والحفظ،‭ ‬فصيح‭ ‬اللسان‭ ‬لا‭ ‬يتطرق‭ ‬لسانه‭ ‬إلى‭ ‬اللحن،‭ ‬حسن‭ ‬الصوت‭ ‬متوغلاً‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الأدب،‭ ‬ويحفظ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشعر،‭ ‬إذا‭ ‬جلس‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬كثر‭ ‬المستمعون‭ ‬لما‭ ‬ينثر‭ ‬من‭ ‬الأدب،‭ ‬وإذا‭ ‬وعظ‭ ‬امتلأ‭ ‬المسجد‭ ‬من‭ ‬الخلق‭ ‬لسماع‭ ‬وعظه،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الإقبال‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ينله‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬العلم،‭ ‬وأكثر‭ ‬علمه‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والوعظ‮»‬‭. ‬رحل‭ ‬الفارسي‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬العلم‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬سليمان‭ ‬البدر‭ ‬القناعي‭ ‬سنة‭ ‬1281هـ‭ (‬1864م‭)‬،‭ ‬وتعلم‭ ‬في‭ ‬كوهج‭ ‬ومسقط‭ ‬ومصر،‭ ‬ودرس‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1289هـ‭ (‬1872م‭)‬،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أول‭ ‬مبعوث‭ ‬كويتي‭ ‬لطلب‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬أحد‭ ‬المحسنين‭ ‬قبل‭ ‬البعثات‭ ‬الرسمية‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬الكويت‭. ‬وتوفي‭ ‬عام‭ ‬1933م‭ ‬ودفن‭ ‬بالمقبرة‭ ‬القبلية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭.‬

والشخصية‭ ‬الثالثة‭ ‬هو‭ ‬ماجد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬فهد‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬الجبور،‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المجهولة‭ ‬بتاريخ‭ ‬الكويت،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أدواره‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬للأمة‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬طاف‭ ‬بمدن‭ ‬الخليج‭ ‬واشتهر‭ ‬بكرهه‭ ‬للأجانب‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬تغزو‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬والحذر‭ ‬منهم‭, ‬وحث‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬التضامن‭ ‬والاتحاد‭ ‬لمواجهتهم،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الفكر‭ ‬بالكويت،‭ ‬وسافر‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬والآستانة‭ ‬وأقام‭ ‬فيها‭ ‬حقبة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬ثم‭ ‬قدم‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬ومكث‭ ‬مدة،‭ ‬وسافر‭ ‬إلى‭ ‬مسقط‭ ‬ومكث‭ ‬بينهم‭ ‬مرشدا‭ ‬وواعظا،‭ ‬ووجد‭ ‬الترحيب‭ ‬من‭ ‬سلاطين‭ ‬آل‭ ‬بوسعيد،‭ ‬وعرف‭ ‬باسم‭ ‬مجيد‭ ‬الكويتي‭.‬

‭ ‬وكان‭ ‬كثير‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬زنجبار‭, ‬ومن‭ ‬المقربين‭ ‬لدى‭ ‬السادة‭ ‬السعيديين‭ ‬سواء‭ ‬بإفريقيا‭ ‬أو‭ ‬بعمان‭. ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1337هـ‭ - ‬1918م،‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬البصرة‭ ‬أيام‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإنجليزي‭ ‬للعراق‭ ‬لتلقي‭ ‬العلاج،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬أن‭ ‬يطبع‭ ‬كتاباً‭ ‬ألفه‭ ‬عن‭ ‬الخليج،‭ ‬فقبضت‭ ‬عليه‭ ‬السلطة‭ ‬المحتلة‭ ‬آنذاك‭ ‬وسجنته،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬الكتاب،‭ ‬وتوفي‭ ‬في‭ ‬السجن،‭ ‬ويبقى‭ ‬موضوع‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يطبعه‭ ‬موضوع‭ ‬عناية‭ ‬واهتمام‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬بتاريخ‭ ‬الكويت‭ ‬لاقتناعهم‭ ‬بأنه‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

 

أول‭ ‬خريج‭ ‬أزهري

الشخصية‭ ‬الرابعة‭ ‬هي‭ ‬شخصية‭ ‬أول‭ ‬خريج‭ ‬كويتي‭ ‬من‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬لحصوله‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬العالمية‭ ‬منه،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الشيخ‭ ‬الحكيم‭ ‬مساعد‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬العازمي‭ ‬المولود‭ ‬عام‭ ‬1846م‭ ‬بحي‭ ‬العوازم‭ ‬بالكويت،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬وله‭ ‬قصة‭ ‬مشهورة،‭ ‬حيث‭ ‬تعرف‭ ‬على‭ ‬طلبة‭ ‬أزهريين‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬أثناء‭ ‬الحج‭ ‬وتأثر‭ ‬بحديثهم‭ ‬العذب‭ ‬وعلمهم‭ ‬الواسع،‭ ‬ومنى‭ ‬النفس‭ ‬بالدراسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجامع‭ ‬الشريف،‭ ‬لكن‭ ‬قلة‭ ‬الموارد‭ ‬كانت‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬طموحات‭ ‬هذا‭ ‬الشاب،‭ ‬لذلك‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬مغاصات‭ ‬سيلان‭ ‬وركب‭ ‬السفن‭ ‬للسفر‭ ‬إليها،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬1874م‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬أصحابه،‭ ‬وعند‭ ‬وصوله‭ ‬فوجئ‭ ‬بأنها‭ ‬معطلة‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬بأمر‭ ‬الإنجليز‭ ‬الذين‭ ‬يشرفون‭ ‬على‭ ‬مغاصات‭ ‬سيلان،‭ ‬لذلك‭ ‬لجأ‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬أصحابه‭ ‬الكويتيين‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬البواخر‭ ‬الأوربية،‭ ‬وعندما‭ ‬سافرت‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬ورست‭ ‬على‭ ‬البر‭ ‬غادرها‭ ‬الشيخ‭ ‬مساعد‭ ‬العازمي‭ ‬متوجها‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬لتحقيق‭ ‬حلم‭ ‬حياته‭ ‬بالدراسة‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬وسلم‭ ‬بعض‭ ‬أغراضه‭ ‬لصاحبه‭ ‬لتوصيلها‭ ‬لأهله‭ ‬بالكويت‭ ‬وجلس‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬حتى‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬1298هـ‭ (‬1881م‭) ‬وفقاً‭ ‬لقانون‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬بالجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬الخديو‭ ‬إسماعيل‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1871م،‭ ‬بعد‭ ‬تأثره‭ ‬بالأفكار‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬الدراسة‭ ‬وفي‭ ‬تقرير‭ ‬أداء‭ ‬الامتحان‭ ‬عند‭ ‬التخرج‭.‬

كما‭ ‬تعلم‭ ‬مهنة‭ ‬التطبيب‭ ‬ضد‭ ‬مرض‭ ‬الجدري‭ ‬في‭ ‬بعثة‭ ‬بلجيكية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬بإيعاز‭ ‬من‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر،‭ ‬ورجع‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وزار‭ ‬عدن‭ ‬ومسقط‭ ‬ورأس‭ ‬الخيمة‭ ‬ودبي‭ ‬والأحساء‭ ‬والبحرين‭ ‬والعراق،‭ ‬ومارس‭ ‬التعليم‭ ‬والتطعيم‭ ‬ضد‭ ‬الجدري‭ ‬والفتوى‭ ‬الدينية‭. ‬تولى‭ ‬الشيخ‭ ‬مساعد‭ ‬منصب‭ ‬المفتي‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الصباح‭ ‬واشتهر‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬زمنه‭.‬

أما‭ ‬الشخصية‭ ‬الخامسة،‭ ‬حسب‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية،‭ ‬فهو‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬الشيخ‭ ‬خالد‭ ‬العدساني،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬علمية‭ ‬توارثت‭ ‬منصب‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬لمدة‭ ‬تتجاوز‭ ‬القرن‭ ‬ونصف‭ ‬القرن،‭ ‬وطلب‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الأحساء‭ ‬ثم‭ ‬مصر،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يمكث‭ ‬فيها‭ ‬طويلا‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬سنة‭ ‬1324هـ‭ (‬1906م‭)‬،‭ ‬فعاد‭ ‬إلى‭ ‬الحجاز‭ ‬ودرس‭ ‬عند‭ ‬أحد‭ ‬الشيوخ‭ ‬ليزيد‭ ‬تحصيله،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬أصابه‭ ‬ألم‭ ‬ببطنه‭ ‬اضطره‭ ‬إلى‭ ‬السفر‭ ‬لأهله‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬فتوفي‭ ‬بعد‭ ‬وصوله‭ ‬بيوم‭ ‬واحد‭ ‬حوالي‭ ‬سنة‭ ‬1326هـ‭ (‬1908م‭).‬

 

باقة‭ ‬جميلة

كما‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬العلم‭ ‬الذين‭ ‬سافروا‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لأغراض‭ ‬أخرى‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬مدة‭ ‬إقامتهم‭ ‬فيها،‭ ‬وقد‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬وجودهم‭ ‬ونشروا‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬مقالات‭ ‬مهمة‭ ‬تعتبر‭ ‬سجلاً‭ ‬تاريخياً‭ ‬حول‭ ‬الكويت،‭ ‬ومنهم‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الرشيد‭ ‬صاحب‭ ‬أول‭ ‬مجلة‭ ‬كويتية‭ ‬وهي‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الكويت‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عام‭ ‬1928م،‭ ‬وقد‭ ‬سافر‭ ‬الرشيد‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬بعد‭ ‬افتتاح‭ ‬دار‭ ‬الدعوة‭ ‬والإرشاد‭ ‬لمؤسسها‭ ‬محمد‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬عام‭ ‬1912م،‭ ‬ولم‭ ‬تطل‭ ‬إقامته‭ ‬فيها‭ ‬ولم‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭, ‬إلا‭ ‬إنه‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬مجالسة‭ ‬رجال‭ ‬العلم‭ ‬والأدب‭ ‬ولم‭ ‬يقم‭ ‬طويلا‭ ‬فيها‭.‬

هذه‭ ‬الباقة‭ ‬الجميلة‭ ‬من‭ ‬الدارسين‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬والتي‭ ‬وصلت‭ ‬لنا‭ ‬أخبارها‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يسبقهم‭ ‬أو‭ ‬زاملهم‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬ولم‭ ‬ترد‭ ‬لنا‭ ‬معلومات‭ ‬عنه،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬شح‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬وندرة‭ ‬الروايات‭ ‬الشفهية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬تاريخنا‭ ‬الجميل‭ ‬لم‭ ‬تطلها‭ ‬أقلام‭ ‬المؤرخين‭ ‬وظلت‭ ‬منسية‭ ‬عن‭ ‬أذهاننا‭.‬

ختاماً،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬أوائل‭ ‬الدارسين‭ ‬الكويتيين‭ ‬الذين‭ ‬درسوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطر‭ ‬العربي‭ ‬الأصيل‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬لبنات‭ ‬وطننا‭ ‬الحبيب،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يجزيهم‭ ‬خير‭ ‬الجزاء‭ ‬لما‭ ‬قدموه‭ ‬من‭ ‬عطاء‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬أجدادنا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الفقر‭ ‬والصعاب■