البيت مملكة النعيم أو الجحيم الأرضي

البيت مملكة النعيم أو الجحيم الأرضي

لم‭ ‬أفهم‭ ‬معنى‭ ‬البيت‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬والدي،‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬جحيماً‭ ‬أعيش‭ ‬فيه،‭ ‬ضاقت‭ ‬جوانبه‭ ‬الرحبة،‭ ‬وتقلصت‭ ‬أرجاؤه،‭ ‬وضعفت‭ ‬رفوف‭ ‬مكتباته،‭ ‬وضغط‭ ‬سقفه‭ ‬على‭ ‬عقلي‭ ‬وقلبي،‭ ‬لذا‭ ‬قمت‭ ‬بتكوين‭ ‬بيت‭ ‬يتناسق‭ ‬مع‭ ‬أفكار‭ ‬والدي،‭ ‬حيث‭ ‬الهدوء‭ ‬والراحة،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬وبعض‭ ‬الموسيقى،‭ ‬ومكتبة‭ ‬متناسقة‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستقبلك‭ ‬وترحب‭ ‬بك‭ ‬وتطمئنك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭.‬

فلم‭ ‬يكن‭ ‬البيت‭ ‬بالاتساع‭ ‬أو‭ ‬الضيق،‭ ‬أو‭ ‬بالغنى‭ ‬والفقر،‭ ‬بل‭ ‬البيت‭ ‬أساسه‭ ‬من‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يصبح‭ ‬جنة‭ ‬أرضية‭ ‬أو‭ ‬جحيماً‭ ‬أبدياً‭.‬

البيت‭ ‬مملكة‭ ‬صغيرة‭ ‬يبنيها‭ ‬الأب‭ ‬ويسيطر‭ ‬عليها‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬قبل‭ ‬الانقلاب‭ ‬عليه‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬وسلطة‭ ‬الأم،‭ ‬وهكذا‭ ‬تصير‭ ‬البيوت،‭ ‬لديها‭ ‬ملك‭ ‬معلن‭ ‬وملك‭ ‬يحكم‭ ‬ويقود،‭ ‬يوجه‭ ‬ويُطعم‭ ‬ويتفنن‭ ‬في‭ ‬تغير‭ ‬مزاج‭ ‬البيت‭ ‬حسب‭ ‬رغباته،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬الأب‭ ‬هو‭ ‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬المراسلات‭ ‬وإيصالات‭ ‬النور،‭ ‬ودفع‭ ‬الإيجارات‭ ‬أو‭ ‬العوائد،‭ ‬وفي‭ ‬النداء‭ ‬أيضاً‭: ‬بيت‭ ‬عائلة‭ ‬فلان،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يصير‭ ‬البيت‭ ‬مجموعة‭ ‬بيوت‭ ‬متجاورة‭ ‬لعائلة‭ ‬كبيرة‭ ‬واحدة‭. ‬

ذلك‭ ‬هو‭ ‬البيت‭ ‬ذو‭ ‬الأربعة‭ ‬جدران‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬اتسع‭ ‬وأصبح‭ ‬قصراً‭ ‬أو‭ ‬ضاق‭ ‬وأصبح‭ ‬عشّاً‭ ‬أو‭ ‬شقة‭ ‬أو‭ ‬جُحراً‭ ‬أو‭ ‬كوخاً‭ ‬أو‭ ‬قبراً‭ ‬عندما‭ ‬يستقر‭ ‬بنا‭ ‬القرار‭. ‬فقد‭ ‬يصبح‭ ‬البيت‭ ‬غرفة‭ ‬واحدة‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفراد،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تشعر‭ ‬بالدفء‭ ‬والطمأنينة‭ ‬وراحة‭ ‬البال‭.‬

البيت‭ ‬هو‭ ‬المأوى‭ ‬والراحة‭ ‬التي‭ ‬نذهب‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬عناء‭ ‬العمل‭ ‬طوال‭ ‬اليوم،‭ ‬كبر‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬واتسع‭ ‬أو‭ ‬ضاق،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬البيوت‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬ولكن‭ ‬تضيق‭ ‬بالمشكلات‭ ‬والكراهية‭ ‬والعداء،‭ ‬سواء‭ ‬برجل‭ ‬غاضب‭ ‬أو‭ ‬زوجة‭ ‬‮«‬نكدية‮»‬،‭ ‬فيصبح‭ ‬البيت‭ ‬جحيماً‭ ‬لا‭ ‬يطاق،‭ ‬فلا‭ ‬نجد‭ ‬إلا‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬يصبح‭ ‬بيتاً،‭ ‬خاصة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء،‭ ‬وقد‭ ‬اشتهر‭ ‬البعض‭ ‬بألا‭ ‬بيوت‭ ‬لهم،‭ ‬بل‭ ‬الشارع‭ ‬بيتهم،‭ ‬يطرق‭ ‬بابك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬ويتكوم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬يجده‭ ‬لينام،‭ ‬وكان‭ ‬الملحن‭ ‬بليغ‭ ‬حمدي‭ ‬هكذا،‭ ‬والشاعر‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬أيضاً،‭ ‬وقد‭ ‬انتزع‭ ‬لقب‭ ‬شاعر‭ ‬الصعلكة‭ ‬الشاعر‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الديب‭ ‬لفقره‭ ‬وتسكعه‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭.‬

والبيت‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬ومن‭ ‬أسمائه‭ ‬البيت‭ ‬الحرام،‭ ‬وأهل‭ ‬البيت‭: ‬عائلة‭ ‬النبيّ‭ ‬محمد‭ ‬‭[‬‭ ‬وذرّيته،‭ ‬وبَيْتُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬الْمَسْجِدُ‭ ‬والكَنِيسَةُ،‭ ‬وبيت‭ ‬المقْدس‭ ‬حرم‭ ‬القدس‭ ‬الشَّريف‭ ‬وهو‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى،‭ ‬وبيت‭ ‬لحم‭ ‬مدينة‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وهي‭ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬المسيح‭ ‬‮«‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬مريم‮»‬،‭ ‬تضم‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬الكنائس،‭ ‬أهمها‭ ‬كنيسة‭ ‬المهد،‭ ‬التي‭ ‬بُنيت‭ ‬فوق‭ ‬كهف‭ ‬أو‭ ‬مغارة‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬الإسطبل‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬فيه‭ ‬المسيح‭. ‬بينما‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬من‭ ‬لحم‮»‬‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬للفذ‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس،‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬عن‭ ‬حجرة‭ ‬ضيقة‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬أربع‭ ‬نساء‭: ‬أرملة‭ ‬وبناتها‭ ‬الثلاث‭ ‬ورجل‭ ‬كفيف،‭ ‬وبيت‭ ‬العزة‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬الدنيا‭ ‬أنزل‭ ‬فيه‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬من‭ ‬اللوح‭ ‬المحفوظ‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬القدر‭.‬

 

بيت‭ ‬الحكمة

‭ ‬ويذكر‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سماء‭ ‬بيتاً‭ ‬حيال‭ ‬الكعبة،‭ ‬فالذي‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬السابعة‭ ‬يقال‭ ‬له‭ ‬البيت‭ ‬المعمور،‭ ‬والذي‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬الدنيا‭ ‬يقال‭ ‬له‭ ‬بيت‭ ‬العزة،‭ ‬والبيت‭ ‬المعمور‭ ‬أيضاً‭ ‬هو‭ ‬البيت‭ ‬المأهول‭ ‬بالعبّاد‭ ‬والمصلِّين‭ ‬والطَّائفين،‭ ‬بينما‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬العز‮»‬‭ ‬أغنية‭ ‬شهيرة‭ ‬للمطربة‭ ‬فايزة‭ ‬أحمد‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬مرسي‭ ‬جميل‭ ‬عزيز‭ ‬وألحان‭ ‬محمد‭ ‬الموجي‭.‬

وبيت‭ ‬الحكمة‭ ‬أو‭ ‬خزائن‭ ‬الحكمة‭ ‬أول‭ ‬دار‭ ‬علمية‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وأُسِّسَ‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد،‭ ‬واتخذ‭ ‬من‭ ‬بغداد‭ ‬مقراً‭ ‬له،‭ ‬وقد‭ ‬نشأ‭ ‬أولاً‭ ‬كمكتبة‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬مركزاً‭ ‬للترجمة،‭ ‬فمركزاً‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتأليف،‭ ‬وكان‭ ‬لبيت‭ ‬الحكمة‭ ‬أثر‭ ‬عظيم‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والآن‭ ‬صار‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة‭ ‬نقابة‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬بيت‭ ‬السلطان‭ ‬أو‭ ‬الحاكم،‭ ‬فهو‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬يتولى‭ ‬منه‭ ‬شؤون‭ ‬الحكم،‭ ‬وبيت‭ ‬العدالة‭ ‬المحاكم،‭ ‬وهي‭ ‬أكثر‭ ‬البيوت‭ ‬ازدحاماً‭ ‬وكراهية‭ ‬وضجيجاً‭ ‬لكثرة‭ ‬المشكلات‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وبيت‭ ‬الحب‭ ‬القلب،‭ ‬وبيت‭ ‬الفكر‭ ‬العقل،‭ ‬وبيت‭ ‬الداء‭ ‬المعدة،‭ ‬وبيت‭ ‬الأدب‭ ‬المرحاض،‭ ‬وبيت‭ ‬النـار‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تشتعل‭ ‬فيه‭ ‬النيران‭ ‬كالأفران،‭ ‬وتكره‭ ‬الصلاة‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬أيضاً‭ ‬المخزن‭ ‬الذي‭ ‬يطلق‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬البندقية‭ ‬أو‭ ‬المدفع،‭ ‬وفي‭ ‬الطعام‭ ‬حيث‭ ‬اللحوم‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬بيوتنا،‭ ‬يقف‭ ‬بيت‭ ‬اللوح‭ ‬أي‭ ‬الزند،‭ ‬وهو‭ ‬الكتف،‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬عمار‭ ‬البيت‭ ‬ويسر‭ ‬حاله‭.‬

ولأهمية‭ ‬البيت‭ ‬فقد‭ ‬احتل‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأمثال،‭ ‬فيقال‭ ‬‮«‬من‭ ‬كان‭ ‬بيته‭ ‬من‭ ‬زجاج،‭ ‬فلا‭ ‬يقذف‭ ‬الناس‭ ‬بالحجارة‮»‬،‭ ‬لأنهم‭ ‬لو‭ ‬بادلوه‭ ‬حجراً‭ ‬بحجر‭ ‬لانهدم‭ ‬البيت‭ ‬كله،‭ ‬ويُضرب‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬للذي‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬عيوب‭ ‬الناس،‭ ‬وهو‭ ‬كله‭ ‬عيوب‭. ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬منه‭ ‬الدكتور‭ ‬بطرس‭ ‬غالي‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬السابق،‭ ‬عنوان‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬زجاج‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يحكي‭ ‬فيه‭ ‬فترة‭ ‬عمله‭ ‬بها،‭ ‬بينما‭ ‬البيت‭ ‬الزّجاجيّ‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬من‭ ‬زُجاج‭ ‬تُزرع‭ ‬فيه‭ ‬النَّباتات‭ ‬الرقيقة‭ ‬والثمينة‭ ‬وسريعة‭ ‬العطب‭.‬

 

الجار‭ ‬قبل‭ ‬الدار

ولأهمية‭ ‬البيوت‭ ‬وثقافتها،‭ ‬يقال‭: ‬اشتر‭ ‬الجار‭ ‬قبل‭ ‬الدار،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬الإنسان‭ ‬بيتاً،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬أولاً‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬سيكون‭ ‬جاره‭ ‬فيه‭. ‬أو‭ ‬اسأل‭ ‬عن‭ ‬الجار‭ ‬قبل‭ ‬الدار،‭ ‬وكذلك‭ ‬يقال‭ ‬‮«‬نار‭ ‬زوجي‭ ‬ولا‭ ‬جنة‭ ‬والدي‮»‬،‭ ‬ويقال‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬عن‭ ‬الزوجة،‭ ‬لأنها‭ ‬لو‭ ‬تركت‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية،‭ ‬فلن‭ ‬تستقر‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أبيها‭ (‬مهما‭ ‬وجدت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬راحة‭)‬،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬بيت‭ ‬زوجها‭ ‬أفضل‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬متاعب‭. ‬

وكثير‭ ‬من‭ ‬البيوت‭ ‬أخذت‭ ‬شهرتها‭ ‬من‭ ‬لونها‭ ‬ليصبح‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المباني‭ ‬رمزية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬البيت‭ ‬الأبيض‮»‬‭ ‬المقر‭ ‬الرسمي‭ ‬لأقوى‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬رئيس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وقام‭ ‬بتصميمه‭ ‬المهندس‭ ‬المعماري‭ ‬جيمس‭ ‬هوبان‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬العمارة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬عام‭ ‬1782‮ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬واشنطن،‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬بيت‭ ‬تأتي‭ ‬سيرته‭ ‬في‭ ‬النشرات‭ ‬الإخبارية،‭ ‬وأشرف‭ ‬على‭ ‬بنائه‭ ‬الرئيس‭ ‬جورج‭ ‬واشنطن،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬فيه،‭ ‬والبيت‭ ‬الوردي‭ ‬أو‭ ‬‮«‬كاسا‭ ‬روسادا‮»‬‭ ‬بالإسبانية‭ ‬وتعني‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الحكومة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بوينس‭ ‬أيرس،‭ ‬وهو‭ ‬المقر‭ ‬الرسمي‭ ‬ومكتب‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأرجنتينية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬البيت‭ ‬يقابله‭ ‬المنزل،‭ ‬أو‭ ‬الدار،‭ ‬فإننا‭ ‬نحب‭ ‬كلمة‭ ‬البيت،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬راحة‭ ‬نفسية‭ ‬نشعر‭ ‬بها‭ ‬ونطلقها‭ ‬عندما‭ ‬تضيق‭ ‬الأمور‭ ‬بنا،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬نحاول‭ ‬اللجوء‭ ‬إليه‭ ‬للحماية‭ ‬والأمن،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يظل‭ ‬لفظ‭ ‬الدار‭ ‬له‭ ‬دلالات‭ ‬أخرى‭ ‬كبيت،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬دار‭ ‬ابن‭ ‬لقمان‮»‬‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المنصورة‭ ‬بمصر،‭ ‬أشهر‭ ‬دار‭ ‬ارتبط‭ ‬بها‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وهي‭ ‬الدار‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬أسر‭ ‬الملك‭ ‬لويس‭ ‬التاسع‭ ‬ملك‭ ‬فرنسا،‭ ‬وهي‭ ‬تنسب‭ ‬لصاحبها‭ ‬القاضي‭ ‬المصري‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬لقمان‭.‬

والبيت‭ ‬العامر‭ ‬أي‭ ‬الممتلئ‭ ‬بالبشر‭ ‬والروح‭ ‬والحب‭ ‬والبهجة‭ ‬برغم‭ ‬فقر‭ ‬أصحابه،‭ ‬والبيت‭ ‬الفقير‭ ‬بيت‭ ‬الكافر،‭ ‬والبيت‭ ‬المسكون‭ ‬أي‭ ‬توجد‭ ‬فيه‭ ‬روح‭ ‬شريرة‭ ‬أو‭ ‬جان،‭ ‬وتحدث‭ ‬فيه‭ ‬أحداث‭ ‬غريبة‭ ‬تثير‭ ‬الخوف‭ ‬والفزع،‭ ‬وأكثر‭ ‬البيوت‭ ‬ازدحاماً‭ ‬بيوت‭ ‬النحل‭ ‬وتسمى‭ ‬الخلية،‭ ‬يقابلها‭ ‬بيوت‭ ‬النمل،‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬جحراً‭ ‬أو‭ ‬القرية،‭ ‬وأوهن‭ ‬البيوت‭ ‬بيت‭ ‬العنكبوت،‭ ‬ويسمى‭ ‬الشباك،‭ ‬وقد‭ ‬استأثر‭ ‬الشعر‭ ‬بالبيت‭ ‬دون‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة،‭ ‬بينما‭ ‬بَيْتُ‭ ‬القصيد‭: ‬الأمر‭ ‬المهم‭ ‬وخلاصة‭ ‬الموضوع،‭ ‬وهو‭ ‬أهم‭ ‬أبيات‭ ‬القصيدة‭ ‬أيضاً‭.‬

وبيت‭ ‬المال‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬مال‭ ‬المسلمين‭ ‬أو‭ ‬بيت‭ ‬مال‭ ‬الله،‭ ‬وهو‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تُحفظ‭ ‬فيه‭ ‬الأموال‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬المنقولات،‭ ‬وموارده‭:‬‭ ‬الخراج،‭ ‬والزكاة،‭ ‬والجزية،‭ ‬والفيء،‭ ‬والغنيمة،‭ ‬والمكوس،‭ ‬ونحوها،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تُصرف‭ ‬في‭ ‬وجوهها‭. ‬والآن‭ ‬بيوت‭ ‬المال‭ ‬هي‭ ‬البنوك‭ ‬التي‭ ‬تتصرف‭ ‬في‭ ‬مصيرنا‭ ‬من‭ ‬استحقاقات‭ ‬وحوالات‭ ‬وتسلم‭ ‬مرتباتنا‭ ‬وأيضاً‭ ‬في‭ ‬الحجز‭ ‬على‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬منقولاته‭ ‬عند‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬السداد‭.‬

ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نُطلق‭ ‬على‭ ‬بيوتنا‭ ‬بيوت‭ ‬النهار‭ ‬برغم‭ ‬ما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬لهو‭ ‬وسمر‭ ‬وحب،‭ ‬التي‭ ‬نعيش‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬بيوت‭ ‬الليل،‭ ‬وهي‭ ‬بيوت‭ ‬اللهو‭ ‬والسمر،‭ ‬التي‭ ‬تمتلئ‭ ‬بعدد‭ ‬لا‭ ‬يٌحصى‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬ويأتي‭ ‬إليها‭ ‬راغبو‭ ‬المتعة‭. ‬

والإنسان‭ ‬منذ‭ ‬نشأته‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مأواه،‭ ‬فهو‭ ‬مطلب‭ ‬أساس‭ ‬لحياته‭ ‬كطعامه‭ ‬وشرابه‭ ‬وكسائه،‭ ‬والبيت‭ ‬لديه‭ ‬تطور‭ ‬من‭ ‬مغارة‭ ‬أو‭ ‬كهف‭ ‬أو‭ ‬جحر‭ ‬إلى‭ ‬شقق‭ ‬وفيلات‭ ‬ومنازل‭. ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬أساس‭ ‬البيت‭ ‬وقواعده‭ ‬الرجل‭ ‬ومياهه‭ ‬الجارية‭ ‬وبسمته‭ ‬المرأة،‭ ‬وزينته‭ ‬وبركته‭ ‬ووناسته‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يتقافزون‭ ‬في‭ ‬أرجائه‭ ‬ويحطمون‭ ‬محتوياته‭. ‬

وفلسفة‭ ‬أن‭ ‬البيت‭ ‬للسكن‭ ‬والنوم‭ ‬فقط‭ ‬فلسفة‭ ‬خاطئة،‭ ‬ويجب‭ ‬فهم‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬إنشائه،‭ ‬وأتذكر‭ ‬هنا‭ ‬عدم‭ ‬فهم‭ ‬فلسفة‭ ‬تكوين‭ ‬البيت‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬المهندس‭ ‬الراحل‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬ببناء‭ ‬بيوت‭ ‬للفلاحين‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬القرنة‭ ‬بالأقصر‭ ‬بجنوب‭ ‬مصر،‭ ‬فقد‭ ‬بنى‭ ‬البيوت‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬حظائر‭ ‬الحيوانات‭ ‬فهجرها‭ ‬الفلاحون‭ ‬ولم‭ ‬يعش‭ ‬فيها‭ ‬أحد،‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬الفلاح‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أن‭ ‬ينام‭ ‬وحيواناته‭ ‬بعيدة‭ ‬عنه‭.‬

ويظل‭ ‬أقوى‭ ‬مثل‭ ‬شعبي‭ ‬تم‭ ‬تنفيذه‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬‮«‬البيت‭ ‬بيت‭ ‬أبونا‭ ‬والغرب‭ ‬يطردونا‮»‬،‭ ‬وآثاره‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬المشكلة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬وتؤكد‭ ‬أن‭ ‬البيت‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬جحيماً‭ ‬أرضياً‭ ‬نسعى‭ ‬لاسترداده‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬العمر‭ ‬ليصير‭ ‬هو‭ ‬جنتنا‭ ‬الأرضية‭ ‬التي‭ ‬نحيا‭ ‬فيها‭ ‬وبها■