الذكاء الاصطناعي مستقبلنا المجهول

الذكاء الاصطناعي مستقبلنا المجهول

يحذر‭  ‬هراري؛‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬موجز‭  ‬تاريخ‭ ‬البشرية‮»‬،‭ ‬من‭ ‬تشبّه‭ ‬الإنسان‭ ‬بالخالق‭ ‬مطلق‭ ‬القدرة‭. ‬لأن‭ ‬البشرية‭ ‬تتعرض‭ ‬الآن‭ ‬لتحول‭ ‬جذري‭.‬

حتى‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬الحالية‭ ‬خضع‭ ‬الإنسان،‭ ‬كسائر‭  ‬المخلوقات‭ ‬لعملية‭ ‬الانتقاء‭ ‬الطبيعي،‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬في‭ ‬بيئتها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭  ‬أو‭ ‬تخطط‭ ‬أو‭ ‬يخطط‭ ‬لها،‭ ‬وفق‭ ‬نظرية‭ ‬داروين‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬صحيحاً‭ ‬الآن،‭ ‬لقد‭ ‬تخطى‭ ‬الإنسان‭ ‬حدوده،‭ ‬وبدأ‭ ‬بكسر‭ ‬قوانين‭ ‬الانتقاء‭ ‬الطبيعية،‭ ‬كي‭ ‬يُحِل‭ ‬محلها‭ ‬قوانين‭ ‬تصميمات‭ ‬الذكاء‭. ‬

حصل‭ ‬الشرخ‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الطبيعي‭ ‬منذ‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬سنة،‭ ‬خلال‭ ‬الثورة‭ ‬الزراعية‭. ‬حلم‭ ‬الإنسان‭ ‬بدجاجة‭ ‬سمينة‭ ‬وبطيئة،‭ ‬واكتشف‭ ‬أن‭ ‬بإمكانه‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬بتزويج‭ ‬الدجاجات‭ ‬السمينات‭ ‬للديوك‭ ‬البطيئة،‭ ‬وبتزويج‭ ‬من‭ ‬تتوافر‭ ‬فيه‭ ‬المواصفات‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهكذا‭... ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬عرق‭ ‬من‭ ‬الدجاجات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجوداً‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭. ‬إنه‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬تصميم‭ ‬الذكاء‭.‬

في‭ ‬تشبّهه‭ ‬بالخالق‭ ‬مطلق‭ ‬القدرة،‭ ‬ظل‭ ‬للإنسان‭ ‬حدوده‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬قادراً‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬إدخال‭ ‬مواصفات‭ ‬جديدة‭ ‬كلياً‭ ‬وغائبة‭ ‬عن‭ ‬التركيبة‭ ‬الجينية‭ ‬للدجاجات‭ ‬البرية‭.‬

حالياً،‭ ‬نظامنا‭ ‬الانتقائي‭ ‬المستمر‭ ‬منذ‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬سنة‭ ‬معرّض‭ ‬لتحدّ‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً‭. ‬ففي‭ ‬جميع‭ ‬مختبرات‭ ‬العالم،‭ ‬يعالج‭ ‬الباحثون‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭. ‬يكسرون‭ ‬قوانين‭ ‬الانتقاء‭ ‬الطبيعية‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رادع‭ ‬أو‭ ‬عقاب‭. ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يوقفهم،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬مواصفات‭ ‬الجسم‭ ‬الأصلية‭. ‬

في‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬ابتكر‭ ‬البيو‭ - ‬فنان،‭ ‬إدوادو‭ ‬كاك،‭ ‬نوعاً‭ ‬جديداً‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭: ‬أراد‭ ‬أرنباً‭ ‬أخضر‭ ‬مضيئاً‭ ‬fluorescent،‭ ‬وطلب‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مختبر‭ ‬فرنسي،‭ ‬مقابل‭ ‬المال‭. ‬انتقى‭ ‬الباحثون‭ ‬جنين‭ ‬أرنب‭ ‬أبيض‭ ‬وزرعوا‭ ‬في‭ ‬DNA‭ ‬خاصته‭ ‬جينة‭ ‬من‭ ‬قنديل‭ ‬البحر‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬أخضر‭ ‬مضيء،‭ ‬وحصل‭ ‬كاك‭ ‬على‭ ‬مطلبه‭! ‬وأسماه‭ ‬Alba‭.‬

يستحيل‭ ‬تفسير‭ ‬وجود‭ ‬‮«‬ألبا‮»‬‭ ‬جراء‭ ‬القوانين‭ ‬الطبيعية‭ ‬للانتقاء‭. ‬إنه‭ ‬نتاج‭ ‬تصميم‭ ‬ذكاء‭. ‬وهو‭ ‬بشير‭ (‬البعض‭ ‬يراه‭ ‬نذيراً‭) ‬للأشياء‭ ‬القادمة‭.‬

فإذا‭ ‬ما‭ ‬استغل‭ ‬الاحتمال‭ ‬الذي‭ ‬يمثّله‭ ‬‮«‬ألبا‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬سيتبيّن‭ ‬أن‭ ‬الثورة‭ ‬العلمية‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬ثورة‭ ‬علمية‭. ‬

إنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الثورة‭ ‬البيولوجية‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬منذ‭ ‬ظهور‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬وإذا‭ ‬حصل‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وبالاستدراك‭ ‬المتأخر،‭ ‬قد‭ ‬يعاد‭ ‬تأويله‭ ‬كسيرورة‭ ‬من‭ ‬التجريب‭ ‬والتعلّم‭ ‬التي‭ ‬ثوّرت‭ ‬لعبة‭ ‬الحياة‭ ‬نفسها‭.‬

‭ ‬

الذكاء‭ ‬الاصطناعي

هو‭ ‬علم‭ ‬هدفه‭ ‬إنتاج‭ ‬آلة‭ ‬يمكنها‭ ‬القيام‭ ‬بالمهام‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬مستخدماً‭ ‬ذكاءه‭. ‬أما‭ ‬المعلوماتية‭ ‬فهي‭ ‬علم‭ ‬معالجة‭ ‬المعلومات‭ ‬آلياً‭ ‬وعقلانياً‭.‬

التعريف‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬دراسة‭ ‬النشاطات‭ ‬الفكرية‭ ‬للإنسان،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تعرفها‭ ‬أي‭ ‬منهجية‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬وهو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُعمل‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬المعلوماتية،‭ ‬التي‭ ‬بفضلها‭ ‬يمكن‭ ‬لبرنامج‭ ‬ذكي‭ ‬حل‭ ‬مسائل‭ ‬أسرع‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭.‬

لكن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬يهتم‭ ‬بجميع‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معالجتها‭ ‬بواسطة‭ ‬منهج‭ ‬أو‭ ‬طريقة‭ ‬سهلة،‭ ‬واضحة‭ ‬ولوغاريتمية‭. ‬إنه‭ ‬مجموع‭ ‬النظريات‭ ‬والتقنيات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬معلوماتية‭ ‬معقدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقليد‭ ‬بعض‭ ‬جوانب‭ ‬الذكاء‭ ‬الإنساني‭ ‬وطريقة‭ ‬عمل‭ ‬الدماغ‭ ‬الإنساني،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬منطقه‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬باتخاذ‭ ‬القرارات‭.‬

إنه‭ ‬إذن‭ ‬برنامج‭ ‬معلوماتي‭ ‬أو‭ ‬روبوت‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬وإعمال‭ ‬المنطق‭ ‬من‭ ‬نفسه،‭ ‬وفيما‭ ‬يتعدى‭ ‬برنامجه‭ ‬الأصلي‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬اليوم‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬بل‭ ‬برامج‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬مهام‭ ‬معقدة‭ ‬معتمدة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬تطبيقية‭. ‬

وعلى‭ ‬الرّغم‭ ‬من‭ ‬تفاؤل‭ ‬مؤسِّس‭ ‬شركة‭ ‬فيسبوك،‭ ‬مارك‭ ‬زوكربيرغ،‭ ‬بأنّ‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬سيحسّن‭ ‬حياة‭ ‬الناس‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬اضطر‭ ‬أخيراً‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ ‬أحدث‭ ‬برنامج‭ ‬لتعلّم‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طوّر‭ ‬ذلك‭ ‬البرنامج‭ ‬نفسه‭ ‬تلقائياً،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أمر‭ ‬ولا‭ ‬توجيه‭ ‬بشري،‭ ‬لغة‭ ‬خاصّة‭ ‬للتواصل؛‭ ‬فلقد‭ ‬استطاع‭ ‬برنامجان‭ ‬التواصل‭ ‬بينهما‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬اللّغة،‭ ‬واتفقا‭ ‬على‭ ‬مهمّة‭ ‬لم‭ ‬يطلبها‭ ‬المبرمجون‭ ‬ولا‭ ‬استطاعوا‭ ‬تحديدها،‭ ‬فألغي‭ ‬البرنامج‭. ‬

 

حلم‭ ‬قديم

حلم‭ ‬الآلات‭ ‬الذكية‭ ‬يراود‭ ‬البشر‭ ‬منذ‭ ‬الزمن‭ ‬القديم‭. ‬في‭ ‬النشيد‭ ‬XVIII‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الإلياذة‮»‬‭ ‬بنى‭ ‬إله‭ ‬النار‭ ‬هيبوتايوس‭ ‬طاولات‭ ‬بثلاث‭ ‬أرجل‭ ‬لخدمته‭. ‬وفي‭ ‬التقليد‭ ‬اليهودي،‭ ‬الغولم‭ ‬هو‭ ‬أوتوماتي‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬أو‭ ‬فخار‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬إنسان‭. ‬الرابان‭ ‬يتلو‭ ‬كلمة‭ ‬سحرية‭ ‬فيتحرك‭ ‬ويخدمه‭. ‬

في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬الطب‭ ‬ومعرفة‭ ‬قوانين‭ ‬عمل‭ ‬الأعضاء،‭ ‬بدأ‭ ‬التفكير‭ ‬بإنجاز‭ ‬الآلات‭. ‬وقد‭ ‬أدخل‭ ‬ديكارت‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬الحيوان‭ ‬–‭ ‬الآلة‮»‬‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭.‬

وبرزت‭ ‬فكرة‭ ‬الذكاء‭ ‬المصطنع‭ ‬أو‭ ‬الآلي‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬لعالم‭ ‬الرياضيات‭ ‬Alan‭ ‬Turing،‭ ‬طارحاً‭ ‬فكرة‭ ‬Computing‭ ‬Machinery‭ ‬and‭ ‬Intelligence،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬حمل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬إلى‭ ‬الآلات‭.‬

لكن‭ ‬جون‭ ‬مكارثي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬استخدم‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬في‭ ‬دارتموث‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬مختصرها‭ ‬‮«‬A‭.‬I‮»‬‭.‬

 

مدرَستان‭ ‬لالتماس‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي

واحدة‭ ‬تشبهه‭ ‬بالذكاء‭ ‬الإنساني،‭ ‬وأخرى‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬نموذج‭ ‬ومثال‭ ‬للذكاء‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إنسانياً،‭ ‬بل‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬العقلانية‭.‬

ويعود‭ ‬الاختلاف‭ ‬إلى‭ ‬تعريف‭ ‬الذكاء،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬اللاتينية‭ ‬Intellegencia،‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬موهبة‭ ‬الفهم‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬التعبير‭ ‬موضع‭ ‬نقاشات‭ ‬متعددة‭ ‬لجهة‭ ‬تحديده‭ ‬بدقة‭. ‬فبينما‭ ‬يعتبره‭ ‬البعض‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التقاط‭ ‬المعلومة‭ ‬ومعالجتها‭ ‬والعمل‭ ‬نتيجة‭ ‬ذلك‭ (‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الحاسوب‭ ‬العادي‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬إنها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحليل،‭ ‬والفهم،‭ ‬والمنطق‭ ‬والتكيف‭ ‬المضاف‭ ‬إليها‭ ‬المعرفة‭ ‬والذاكرة‭ (‬المواهب‭ ‬الخاصة‭ ‬بالإنسان‭).‬

وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يتساءل‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭: ‬هل‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬المستقل‭ ‬هذا‭ ‬لن‭ ‬ينقلب‭ ‬ضد‭ ‬الكائن‭ ‬الإنساني،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي؟‭ ‬هذا‭ ‬حالياً‭ ‬أحد‭ ‬مواضيع‭ ‬النقاش‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يأخذها‭ ‬البعض‭ ‬باستخفاف‭. ‬ويقدر‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬المستقل‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬قد‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2040‭.‬

 

الذكاء‭ ‬الضعيف‭ ‬والقوي

لايزال‭ ‬التعامل‭ ‬الآن‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الضعيف‭. ‬وهو‭ ‬عكس‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬القوي،‭ ‬ينفذ‭ ‬ما‭ ‬يُطلب‭ ‬منه‭ ‬فقط‭.‬

بينما‭ ‬القوي‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬قرارات‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬الأصح،‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬تماماً‭. ‬وبمعزل‭ ‬عن‭ ‬الانفعالات‭ ‬والأحاسيس‭ ‬البشرية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكّل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬وظيفة‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬مهمة‭ ‬تحسين‭ ‬العالم،‭ ‬بينما‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬يهدمون‭ ‬العالم؛‭ ‬فيمكن‭ ‬عندها،‭ ‬بالفعل،‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬تدمير‭ ‬البشرية،‭ ‬لأنها‭ ‬تشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

‭ ‬

ميادينه‭ ‬التطبيقية

تطور‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬بسيطة‭ ‬عامة‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬عام‭ ‬لإدارة‭ ‬الصناديق‭ ‬المالية‭ ‬الآلية،‭ ‬وللمساعدة‭ ‬على‭ ‬التشخيص‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬وتقييم‭ ‬مخاطر‭ ‬القروض‭ ‬البنكية‭ ‬أو‭ ‬التأمين‭ ‬والإدارة‭ ‬الممكنة‭ ‬والسيارات‭ ‬ذات‭ ‬القيادة‭ ‬الذاتية‭ ‬ولصنع‭ ‬القرارات‭ ‬الميدانية‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬واستخدام‭ ‬‮«‬الدرون‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬أقل،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعدد‭ ‬المساعد‭ ‬الشخصي‭ ‬المستخدم‭ ‬في‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬مثل‭ ‬Siri‭ ‬وgoogle‭ ‬Assistant‭. ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬تتطور‭ ‬باستمرار‭ ‬وتعتمد‭ ‬على‭ ‬تعلّم‭ ‬عاداتنا‭ ‬كي‭ ‬توفر‭ ‬لنا‭ ‬معلومات‭ ‬مناسبة‭ ‬حسب‭ ‬السياق‭.‬

خروج‭ ‬توصيل‭ ‬حمالات‭ ‬موصولة‭ ‬من‭ ‬نوع‮ ‬Google‭ ‬Home‮ ‬ou‮ ‬Amazon‭ ‬Echo‮ ‬‭(‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حالياً‭ ‬فقط‭) ‬سيحمل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬تفاعلات‭ ‬أكبر‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬وآلاتهم‭.‬

 

الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والسوق‭ ‬

قابلية‭ ‬تطور‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ستجعله‭ ‬بسرعة‭ ‬سوقاً‭ ‬مهمة‭ ‬واعدة‭ ‬يسيل‭ ‬لها‭ ‬اللعاب‭. ‬تتنافس‭ ‬الشركات‭ ‬بقوة‭ ‬الآن‭ ‬لجلب‭ ‬المهندسين‭ ‬والمطورين‭ ‬المختصين‭ ‬للأنظمة‭ ‬بالملايين‭.‬

والسيليكون‭ ‬فالي‭ ‬هي‭ ‬أغزر‭ ‬مكان‭ ‬للإنتاج‭ ‬بهذه‭ ‬السوق‭. ‬العمالقة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬غوغل‮»‬‭ ‬و«أبل‮»‬‭ ‬و«فيسبوك‮»‬‭ ‬و«أمازون‮»‬‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬تنافسية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تقنية‭ ‬جديدة‭ ‬لشرائها‭ ‬قبل‭ ‬المنافسين‭ ‬الآخرين‭. ‬إنه‭ ‬اقتصاد‭ ‬جديد‭ ‬رأى‭ ‬النور‭ ‬مع‭ ‬تشغيل‭ ‬المساعدات‭ ‬الصوتية،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تتعرف‭ ‬إلى‭ ‬الوجوه‭.‬

وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬600‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬التوظيفات‭ ‬وضعت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬في‭ ‬‮«‬سيليكون‭ ‬فالي‮»‬‭. ‬رقم‭ ‬مذهل‭ ‬سيزداد‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2020‭.‬

 

محاذير‭ ‬عسكرية

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بعيداً‭ ‬عما‭ ‬تصوره‭ ‬الأفلام،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقلق‭ ‬بشأنه‭ ‬من‭ ‬العلميين‭ ‬أمثال‭ ‬بيل‭ ‬غيتس‭ ‬وستيف‭ ‬هوكنغ‭ ‬وألون‭ ‬موسك،‭ ‬خصوصاً‭ ‬تجاه‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬الرقابة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحرب‭ ‬السايبرية‭ ‬والقرصنة‭ ‬والروبوتات‭ ‬القاتلة‭ ‬وانفجار‭ ‬البطالة‭.‬

في‭ ‬تقرير‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬النوفيل‭ ‬أوبسفاتور‮»‬‭ ‬أن‭ ‬بوتين‭ ‬أعلن‭ ‬أخيراً‭ ‬أن‭ ‬‮«‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬سيتفوق‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬العالم‮»‬‭. ‬فضيلة‭ ‬بوتين‭ ‬أنه‭ ‬يقول‭ ‬علناً‭ ‬ما‭ ‬يفكر‭ ‬به‭ ‬الآخرون‭ ‬سراً‭.‬

غالباً‭ ‬ما‭ ‬يذكر‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬إما‭ ‬التطور‭ ‬الإيجابي،‭ ‬كإسهاماته‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الصحي،‭ ‬أو‭ ‬السلبي‭ ‬كالبطالة‭ ‬التي‭ ‬يسببها‭ ‬إحلال‭ ‬الآلة‭ ‬محل‭ ‬الإنسان‭. ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي،‭ ‬حيث‭ ‬يمتلك‭ ‬الروبوت‭ ‬الوعي‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭.‬

لكن‭ ‬نادراً‭ ‬ما‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الجيوبوليتيك،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬اعتقاد‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬المنافسة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التفوق‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ستكون‭ ‬السبب‭ ‬المرجح‭ ‬للحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثالثة‭. ‬

الدرس‭ ‬التطبيقي‭ ‬أتى‭ ‬من‭ ‬كوريا،‭ ‬أوردت‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬بيونغ‭ ‬يانغ‭ ‬النووي‭ ‬الصاروخي‭ ‬صار‭ ‬خارج‭ ‬السيطرة،‭ ‬وأن‭ ‬قراصنة‭ ‬إلكترونيين‭ ‬سرقوا‭ ‬وثائق‭ ‬عسكرية‭ ‬سرية‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تتضمن‭ ‬خطط‭ ‬عمليات‭ ‬حربية‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭... ‬فتعطلت‭ ‬الخطة‭. ‬

يذهب‭ ‬هراري‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬نمو‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والتقنيات‭ ‬البيولوجية‭ ‬قد‭ ‬يؤديان‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬‮«‬رجال‭ ‬متفوقين‮»‬‭ ‬يحكمون‭ ‬العالم‭ ‬ويحوّلون‭ ‬بقية‭ ‬البشر‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬طبقة‭ ‬غير‭ ‬نافعة‮»‬‭.‬

ويتنبأ‭ ‬بأن‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬سيولد‭ ‬لامساواة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات،‭ ‬لكن‭ ‬أيضاً‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭. ‬

وستزداد‭ ‬الهوّة‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وتلك‭ ‬المحرومة‭ ‬منها،‭ ‬لدرجة‭ ‬ستصبح‭ ‬معها‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للردم‭ ‬لاحقاً‭.‬

الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬الكسا‭ ‬وأمازون‭ ‬وروبوت‭ ‬الأعمال‭ ‬المنزلية،‭ ‬إنه‭ ‬أيضاً‭ ‬وسيلة‭ ‬للسيطرة‭. ‬وأكبر‭ ‬مستثمرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬هما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬غوغل‮»‬‭ ‬و«مايكروسوفت‮»‬‭ ‬و«علي‭ ‬بابا‮»‬‭ ‬و«بايدو‮»‬‭ ‬و«تنسنت‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬احتساب‭ ‬مراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬الضخمة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بأنظمة‭ ‬الدفاع،‭ ‬والتي‭ ‬تغدق‭ ‬عليها‭ ‬البلدان‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أكبر‭ ‬الميزانيات‭. ‬وإسرائيل‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬هذا‭ ‬الميدان‭ ‬بتطويرها‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬المسوّقة‭ ‬بنجاح،‭ ‬لحاجات‭ ‬عسكرية‭.‬

وروسيا‭ ‬غير‭ ‬الطليعية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬يمكنها‭ ‬عرقلة‭ ‬التفوق‭ ‬الأميركي‭ ‬عبر‭ ‬توسيع‭ ‬قوة‭ ‬قرصنة‭ ‬مهمة‭ ‬تتسلل‭ ‬إلى‭ ‬التجهيزات‭ ‬النووية‭ ‬أو‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬زرعت‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأميركية‭. ‬

 

مخاطر‭ ‬مستقبلية

يثير‭ ‬ميدان‭ ‬الهندسة‭ ‬الجينية‭ ‬أو‭ ‬الوراثية،‭ ‬أي‭ ‬التدخل‭ ‬البشري‭ ‬المتعمد‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬البيولوجي‭ ‬بهدف‭ ‬تعديل‭ ‬شكل‭ ‬جسم‭ ‬ما،‭ ‬قدراته،‭ ‬حاجاته‭ ‬أو‭ ‬رغباته‭ ‬لتحقيق‭ ‬فكرة‭ ‬ثقافية‭ ‬معدة‭ ‬سلفاً‭ ‬كفكرة‭ ‬إدواردو‭ ‬كاك؛‭ ‬كمّاً‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأيديولوجية‭. ‬المؤمنون‭ ‬ينظرون‭ ‬إليها‭ ‬نظرة‭ ‬سلبية،‭ ‬لأنها‭ ‬تعتدي‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الخالق‭. ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المؤمنين‭ ‬مَن‭ ‬هو‭ ‬مصدوم‭ ‬أيضاً‭.‬

إن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التلاعب‭ ‬بالجينات‭ ‬تحصل‭ ‬بوتيرة‭ ‬أسرع‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التبصر‭ ‬بحكمة‭ ‬بما‭ ‬سيحصل‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬استخدامها‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬تخوّف‭ ‬مناضلو‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬تخليق‭ ‬بشر‭ ‬متفوقين‭ ‬يصنعون‭ ‬منّا‭ ‬عبيداً‭. ‬وفي‭ ‬رؤية‭ ‬كارثية‭ ‬أخرى‭ ‬هناك‭ ‬تخوّف‭ ‬من‭ ‬تخليق‭ ‬بيو‭ - ‬دكتاتور‭ ‬يخلق‭ ‬عسكراً‭ ‬غير‭ ‬قابلين‭ ‬للخوف‭ ‬وعمالاً‭ ‬خنوعين‭.‬

كما‭ ‬يتخوف‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬التعديل‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬الانفعالات‭ ‬والرغبات،‭ ‬مثل‭ ‬تعديل‭ ‬الجينات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالرغبات‭ ‬الجنسية،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬التركيبة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بمجملها‭. ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬يستخدم‭ ‬إلا‭ ‬قدر‭ ‬ضئيل‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬الهندسة‭ ‬الوراثية،‭ ‬فميدانها‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬‮«‬لوبي‮»‬‭ ‬سياسياً‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬التلاعب‭ ‬بجيناته‭: ‬مثل‭ ‬النباتات‭ ‬والطحالب‭ ‬والبكتيريا‭ ‬والحشرات‭. ‬

لكن‭ ‬هناك‭ ‬أيضاً‭ ‬مَن‭ ‬يريد‭ ‬إعادة‭ ‬تخليق‭ ‬الكائنات‭ ‬المنقرضة‭: ‬النيندرتال‭ ‬والماموث‭ ‬وغيرها‭.‬

ولاتزال‭ ‬العوائق‭ ‬كثيرة‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو؛‭ ‬منها‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والسياسي،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عوائق‭ ‬تقنية‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتغلب‭ ‬عليها‭ ‬تفصلنا‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬بشر‭ ‬متفوقين‭.‬

ومنذ‭ ‬الآن‭ ‬تطرح‭ ‬معرفة‭ ‬الجينوم‭ ‬اليوم‭ ‬إمكان‭ ‬لجوء‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬مَن‭ ‬لديه‭ ‬‮«‬دي‭ ‬إن‭ ‬إيه‮»‬‭ ‬أفضل،‭ ‬ويتوقع‭ ‬خبراء‭ ‬أن‭ ‬يغيّر‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬اختيار‭ ‬الموظفين‭ ‬الملائمين‭ ‬لأي‭ ‬عمل‭. ‬وقد‭ ‬يتحوّل‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬تستغل‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬آلية‭ ‬اختيار‭ ‬الموظفين‭ ‬وتحديد‭ ‬معايير‭ ‬انتقائهم‭.‬

 

أمثلة‭ ‬تطبيقية

بالإمكان‭ ‬الآن‭ ‬زرع‭ ‬ذراع‭ ‬بيونية‭ ‬يحركها‭ ‬الدماغ‭ ‬كالذراع‭ ‬الحقيقية،‭ ‬أو‭ ‬شبكة‭ ‬عين‭ ‬ترجع‭ ‬البصر‭ ‬إلى‭ ‬المكفوف،‭ ‬أو‭ ‬شريحة‭ ‬بيونية‭ ‬مكان‭ ‬عصب‭ ‬السمع‭... ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬وضعها‭ ‬لكائن‭ ‬طبيعي‭ ‬لتحسين‭ ‬قدراته‭ ‬وجعله‭ ‬متفوقاً؟‭ ‬بما‭ ‬يعرف‭ ‬بالجسم‭ ‬المزيد،‭ ‬وقِس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬

في‭ ‬متلازمة‭ ‬Linked‭- ‬in‭ ‬عند‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتمكنون‭ ‬من‭ ‬تحريك‭ ‬أي‭ ‬عضو‭ ‬من‭ ‬أعضائهم‭ (‬سوى‭ ‬حركة‭ ‬العـــين‭ ‬مثلاً‭) ‬مع‭ ‬احتفاظهم‭ ‬بقدراتهم‭ ‬العقلية‭ (‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬حالة‭ ‬ستيف‭ ‬هوكينغ‭)‬،‭ ‬وضعــــوا‭ ‬مجسّات‭ ‬تنقل‭ ‬الإشارات‭ ‬الدماغية‭ ‬لتسهيل‭ ‬تواصلهم‭ ‬مع‭ ‬العالم‭. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬تطـــوير‭ ‬حاسوب‭ ‬يتفاعل‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬الدماغ،‭ ‬فيقرأ‭ ‬الإشارات‭ ‬وينقلها‭ ‬إلى‭ ‬حاسوب‭ ‬آخر،‭ ‬أليست‭ ‬قراءة‭ ‬أفكار‭ ‬يمكن‭ ‬تطويرها؟‭ ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬نقلت‭ ‬إلى‭ ‬دماغ‭ ‬آخر؟‭ ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬جمعت‭ ‬أدمغة‭ ‬عدة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض؟‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬ذكريات‭ ‬آخر،‭ ‬وصارت‭ ‬كأنها‭ ‬ذكريات‭ ‬الشخص؟‭ ‬كيف‭ ‬ستفرق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أنت‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬آخر؟

كل‭ ‬ذلك‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬الهوية‭ ‬والأنا‭ ‬والنوع‭ ‬الجندري‭... ‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬مشروع‭ ‬عمل‭ ‬دماغ‭ ‬اصطناعي،‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬التمويل‭ ‬المناسب‭. ‬سيكون‭ ‬بالإمكان‭ ‬حينها‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬دماغ‭ ‬اصطناعي‭ ‬داخل‭ ‬حاسوب‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬ويتصرف‭ ‬كالبشر‭ ‬خلال‭ ‬عقد‭ ‬أو‭ ‬عقدين‭. ‬تلقّى‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬مليار‭ ‬يورو‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭.‬

ونجاح‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬سنة‭ ‬مضت‭ ‬تسارعت‭ ‬فيها‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬صغير‭ ‬عضوي،‭ ‬ستنبثق‭ ‬الحياة‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الواسع‭ ‬اللاعضوي،‭ ‬وجاهزة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬أشكال‭ ‬تتخطى‭ ‬أحلامنا‭ ‬الأكثر‭ ‬جنوناً‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بما‭ ‬سيصير‭ ‬عليه‭ ‬العالم‭ ‬عند‭ ‬تطبيقها‭.‬

 

حياة‭ ‬أخرى

الطريق‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬يغيّر‭ ‬قوانين‭ ‬الحياة،‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬كائنات‭ ‬لا‭ ‬عضوية‭ ‬تماماً‭. ‬والمثل‭ ‬الحي‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬برامج‭ ‬الفيروسات‭ ‬المعلوماتية‭ ‬التي‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل،‭ ‬حلم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المبرمجين‭ ‬باتخاذه‭ ‬مثالاً،‭ ‬وتخليق‭ ‬برنامج‭ ‬تعلّم‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬التطور‭ ‬بمفرده‭ ‬ودون‭ ‬مَن‭ ‬أوجده‭.‬

وبهذه‭ ‬الحالة‭ ‬يكون‭ ‬المبرمج‭ ‬هو‭ ‬المحرك‭ ‬الأول‭ ‬أو‭ ‬الدافع‭ ‬الأول،‭ ‬لكن‭ ‬يمكن‭ ‬لما‭ ‬صنعه‭ ‬أن‭ ‬يتطور‭ ‬بالاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬أوجده‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬آخر‭.‬

الفيروس‭ ‬المعلوماتي‭ ‬هو‭ ‬النموذج‭ ‬الأول‭ ‬لبرنامج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭. ‬فهو‭ ‬عندما‭ ‬ينتشر‭ ‬في‭ ‬الشبكة،‭ ‬يتكاثر‭ ‬ملايين‭ ‬المرات،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬مُلاحق‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬مفترسة‭ ‬مضادة‭ ‬للفيروس،‭ ‬وتتعارك‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬السايبر‭. ‬ربما‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬وبينما‭ ‬يتكاثر‭ ‬الفيروس‭ ‬تحصل‭ ‬طفرة،‭ ‬بمناسبة‭ ‬خطأ‭ ‬بالمصادفة‭. ‬وإذا‭ ‬استطاع‭ ‬الفيروس‭ ‬المعدل‭ ‬أن‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬المضادة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التسلل‭ ‬في‭ ‬الحواسيب،‭ ‬فسينتشر‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفضاء‭ ‬السايبري‭ ‬كله‭.‬

سوف‭ ‬تتكاثر‭ ‬هذه‭ ‬الفيروسات،‭ ‬ومع‭ ‬الوقت‭ ‬تتغلغل‭ ‬وتولد‭ ‬فيروسات‭ ‬لم‭ ‬يبرمجها‭ ‬أو‭ ‬يفبركها‭ ‬أحد،‭ ‬فتتابع‭ ‬تطورها‭ ‬اللا‭ ‬عضوي‭.‬

هل‭ ‬هي‭ ‬مخلوقات‭ ‬حية؟‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬نقصده‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬مخلوقات‭ ‬حية‮»‬‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬هي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬منتجات‭ ‬جديدة‭ ‬لها‭ ‬سيرورة‭ ‬تطور‭ ‬مستقلة‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬قوانين‭ ‬وحدود‭ ‬التطور‭ ‬العضوي‭.‬

التحديات‭ ‬السابقة‭ ‬بسيطة‭ ‬أمام‭ ‬التداعيات‭ ‬المتعلــقة‭ ‬بالنــتـــــائج‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬إن‭ ‬شرعة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والبرامج‭ ‬الطبية‭ ‬الرسمية‭ ‬والبرامج‭ ‬الوطنية‭ ‬للضمان‭ ‬الصحي‭ ‬ودساتير‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬تعــترف‭ ‬جميعها‭ ‬بأن‭ ‬المجتمع‭ ‬الإنساني‭ ‬الجدير‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يؤمّن‭ ‬لجميع‭ ‬أعضائه‭ ‬علاجاً‭ ‬طبياً‭ ‬عادلاً،‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬بصحة‭ ‬جيدة‭ ‬نسبياً‭.‬

وكل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬حسناً‭ ‬مادام‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالوقاية‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬سيحصل‭ ‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬هدف‭ ‬كليات‭ ‬الطب‭ ‬تحسين‭ ‬المواهب‭ ‬البشرية؟‭ ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬هذا‭ ‬حقاً‭ ‬للجميع،‭ ‬أم‭ ‬ستتشكل‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬المتفوقين؟‭ ‬

هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يتباهى‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬بأنه‭ ‬اعترف‭ ‬بالمساواة‭ ‬الفعلية‭ ‬لجميع‭ ‬البشر‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬إيجاد‭ ‬أكبر‭ ‬‮«‬لا‭ ‬مساواة‮»‬‭ ‬عرفت‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭. ‬

 

‮«‬سيبورغ‮»‬‭ ‬

هذا‭ ‬ليس‭ ‬خيالاً‭ ‬علمياً‭. ‬جميع‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬تقدم‭ ‬سيناريوهات‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬مشابهين‭ ‬لنا،‭ ‬لكنهم‭ ‬يتمتعون‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬متقدمة؛‭ ‬مركبات‭ ‬فضائية‭ ‬تنقل‭ ‬بسرعة‭ ‬الضوء‭ ‬وأسلحة‭ ‬ليزر‭.‬

والتحديات‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬يصادفونها‭ ‬مأخوذة‭ ‬عن‭ ‬عالمنا،‭ ‬ويكررون‭ ‬نفس‭ ‬التوترات‭ ‬الانفعالية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬مستقبلية‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬يمكن‭ ‬للتقنيات‭ ‬المستقبلية‭ ‬أن‭ ‬تغيّر‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬مركباته‭ ‬وأسلحته‭. ‬فما‭ ‬هي‭ ‬المركبة‭ ‬الفضائية‭ ‬مقابل‭ ‬سيبورغ‭ ‬cyborg‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬الكائن‭ ‬بشرياً‭ ‬أو‭ ‬عضوياً‭ ‬تماماً،‭ ‬يصبح‭ ‬شيئاً‭ ‬آخر‭ ‬مختلفاً‭ ‬تماماً؛‭ ‬يظل‭ ‬شاباً‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬ولا‭ ‬يتوالد‭ ‬ولا‭ ‬حياة‭ ‬جنسية‭ ‬له،‭ ‬ويمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتشارك‭ ‬أفكاره‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬الكائنات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وقدراته‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬والتذكر‭ ‬أكبر‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬مما‭ ‬لدينا،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يغضب‭ ‬ولا‭ ‬يحزن،‭ ‬ولديه‭ ‬انفعالات‭ ‬ورغبات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬تخيّلها؟‭ ‬كائن‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬نقدّر‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يشكله‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬فلسفية‭ ‬وسيكولوجية‭ ‬وسياسية‭.‬

نادراً‭ ‬ما‭ ‬تصف‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭ ‬مستقبلاً‭ ‬كهذا،‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬هو،‭ ‬بالتعريف،‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭. ‬إن‭ ‬إنتاج‭ ‬فيلم‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬super‭ ‬cyborg‭ ‬هو‭ ‬كمثل‭ ‬إعطاء‭ ‬مسرحية‭ ‬هاملت‭ ‬أمام‭ ‬جمهور‭ ‬من‭ ‬النيندرتال‭ ‬أو‭ ‬الشمبانزي‭. ‬

 

نبوءة‭ ‬فرانكشتاين

في‭ ‬عام‭ ‬1818‭ ‬نشرت‭ ‬ماري‭ ‬شيللي‭ ‬قصة‭ ‬فرانكشتاين،‭ ‬حكاية‭ ‬العالِم‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬خرق‭ ‬كائن‭ ‬متفوق‭ ‬وخلق‭ ‬مسخ‭. ‬منذ‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بالإمكان‭ ‬تعداد‭ ‬منوعات‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬الموضوع‭ ‬الأساسي‭ ‬لأسطورتنا‭ ‬العلمية‭ ‬الحديثة‭. ‬

من‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى،‭ ‬تبدو‭ ‬حكاية‭ ‬فرانكشتاين‭ ‬تحذرنا‭: ‬إذا‭ ‬حاولنا‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬الإله‭ ‬وتلاعبنا‭ ‬بالحياة،‭ ‬فسوف‭ ‬نعاقب‭ ‬بقسوة‭. ‬

لكن‭ ‬للحكاية‭ ‬مغزى‭ ‬أعمق‭. ‬أسطورة‭ ‬فرانكشتاين‭ ‬تذكر‭ ‬الهومو‭ ‬سابينس‭ ‬بأن‭ ‬أيامه‭ ‬الأخيرة‭ ‬تقترب‭ ‬بسرعة‭. ‬إن‭ ‬وتيـــرة‭ ‬التطوير‭ ‬التقني‭ ‬ستقود‭ ‬قريباً‭ ‬إلى‭ ‬استبدال‭ ‬السابينس‭ ‬بكائنات‭ ‬جديدة‭ ‬لها‭ ‬مظهر‭ ‬مختلف،‭ ‬وعالمها‭ ‬المعرفي‭ ‬والانفعالي‭ ‬أيضاً‭ ‬شديد‭ ‬الاختلاف‭. ‬معظم‭ ‬البشر‭ ‬يجدون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التوقع‭ ‬محيّر‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬

لأننا‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬في‭ ‬المستقـــــبل‭ ‬بشراً‭ ‬مثلنا‭ ‬يسافرون‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬مركبات‭ ‬فضائية‭. ‬لا‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬إمكان‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬كائنات‭ ‬لهم‭ ‬انفعالاتنا‭ ‬وهوياتنا،‭ ‬وأن‭ ‬يأخذ‭ ‬مكاننا‭ ‬أشكالاً‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬حيث‭ ‬تسحق‭ ‬إمكاناتهم‭ ‬إمكاناتنا‭.‬

هذا‭ ‬التفكير‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬افتراضنا‭ ‬أنه‭ ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬كائنات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أفضل‭ ‬منا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬لدينا‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نسلّم‭ ‬بأنه‭ ‬يمكن‭ ‬للعلماء‭ ‬أن‭ ‬يعالجوا‭ ‬الذهن‭ ‬مثل‭ ‬الجسد،‭ ‬وأن‭ ‬الدكاترة‭ ‬الفرانكشتايين‭ ‬المستقبليين‭ ‬يمكنهم‭ ‬أن‭ ‬يوجدوا‭ ‬كائناً‭ ‬يتطلع‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬ويعاملنا‭ ‬كالنيندرتال‭. ‬

ورثتنا‭ ‬سيكونون‭ ‬أشبه‭ ‬بآلهة■