الحلوى ذاكرة العسل والسُّكّر

الحلوى  ذاكرة العسل والسُّكّر

طعم‭ ‬العسل‭ ‬والسكر،‭ ‬لذة‭ ‬بريئة،‭ ‬نتذوقها‭ ‬فتنفتح‭ ‬أبواب‭ ‬مملكتنا‭ ‬الطفولية‭ ‬المنسية‭ ‬على‭ ‬تخوم‭ ‬أيامنا‭ ‬الأولى‭. ‬توقظ‭ ‬الحلوى‭ ‬ذكريات‭ ‬ولع‭ ‬مبكر‭..‬‭ ‬لذة‭ ‬أولى،‭ ‬وهدية‭ ‬مشتهاة،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬عنوان‭ ‬رضا‭ ‬ومحبة‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬ومذاق‭ ‬سعادة‭ ‬جائشة‭ ‬بحلول‭ ‬الأعياد‭ ‬والمناسبات،‭ ‬وبهجة‭ ‬زيارات‭ ‬الأقارب‭ ‬المتبادلة‭. ‬نعاود‭ ‬على‭ ‬مدار‭  ‬أعمارنا‭ ‬اقتراف‭ ‬بعض‭ ‬لذتها‭. ‬وكلما‭ ‬عرفنا‭ ‬نوعاً‭ ‬جديداً‭ ‬منها،‭ ‬تنمو‭ ‬داخلنا‭ ‬أبجديتها‭ ‬السديمية‭ ‬السحرية،‭ ‬موصولة‭ ‬بأخواتها‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭. ‬إنها‭ ‬قصة‭ ‬قديمة،‭ ‬نتقصى‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬بعيدة،‭ ‬ونتذوق‭ ‬ثمارها‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬ونلمس‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬أعيادنا‭ ‬وأفراحنا،‭ ‬لنكتشف‭ ‬طبيعة‭ ‬ذلك‭ ‬التراث‭ ‬اللذيذ‭. ‬

المكان‭ ‬بيت‭ ‬غامض‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬قرية‭ ‬نائية‭ ‬بين‭ ‬الوادي‭ ‬والصحراء،‭ ‬تسكنه‭ ‬سيدة‭ ‬مسنة،‭ ‬تقول‭ ‬الأسطورة‭ ‬الريفية‭ ‬إنها‭ ‬تخطت‭ ‬المئة‭ ‬عام‭. ‬والحكاية‭ ‬أشبه‭ ‬بخبيئة،‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬احتفظت‭ ‬بطعم‭ ‬مسكر،‭ ‬ممتزج‭ ‬بالرهبة،‭ ‬تؤرخ‭ ‬للمذاق‭ ‬الحلو‭ ‬في‭ ‬مفتتح‭ ‬الوعي‭. ‬

كان‭ ‬البيت‭ ‬مزاراً‭ ‬سرياً‭ ‬للأطفال،‭ ‬تلقيت‭ ‬الدعوات‭ ‬لأصحبهم،‭ ‬لكن‭ ‬التنبيهات‭ ‬الأسرية‭ ‬كانت‭ ‬صارمة‭ ‬بعدم‭ ‬الاقتراب،‭ ‬مدعومة‭ ‬بحواديت‭ (‬حكايات‭ ‬شعبية‭) ‬عن‭ ‬‮«‬الغولة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تغري‭ ‬الأطفال‭ ‬بالحلوى‭ ‬ثم‭ ‬تأكلهم‭. ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬مغامرة‭ ‬العصيان‭ ‬الأولى،‭ ‬حين‭ ‬ولجت‭ ‬متلصصاً‭ ‬مرتعداً‭ ‬عبر‭ ‬الباب‭ ‬الواطئ،‭ ‬متخطياً‭ ‬العتبة‭ ‬الغليظة،‭ ‬بدافع‭ ‬الفضول‭ ‬على‭ ‬الأرجح،‭ ‬وربما‭ ‬لمجاراة‭ ‬الأقران‭. ‬كانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬أنني‭ ‬رأيت‭ ‬السيدة‭ ‬الطاعنة،‭ ‬تجلس‭ ‬ومن‭ ‬حولها‭ ‬الأطفال،‭ ‬تقدم‭ ‬لهم‭ ‬ببطء‭ ‬طقوسي‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الخبز‭ ‬الجاف،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبلله‭ ‬بالماء،‭ ‬وتضع‭ ‬فوقه‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬السكر‭. ‬تقدم‭ ‬وجبتها‭ ‬الحلوة‭ ‬للأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يجلسون‭ ‬مستكينين‭ ‬في‭ ‬أدب،‭ ‬يقضمون‭ ‬الخبز،‭ ‬ويستحلبون‭ ‬لذة‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬سعادة‭ ‬آسرة‭. ‬كان‭ ‬معظم‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬تشبع‭ ‬قروشهم‭ ‬النادرة‭ ‬شغفهم‭ ‬لشراء‭ ‬السكاكر‭ ‬القليلة‭ ‬المتوافرة‭ ‬في‭ ‬الدكاكين‭. ‬

هكذا‭ ‬اكتشفت‭ ‬سر‭ ‬العجوز،‭ ‬وانطبعت‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭ ‬أبسط‭ ‬صورة‭ ‬للحلوى،‭ ‬فصرت‭ ‬أرى‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬أشكالها،‭ ‬وحتى‭ ‬أفخر‭ ‬أنواعها،‭ ‬مجرد‭ ‬تنويعات‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬اللذة‭ ‬البدائية‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬الخبز‭ ‬والسكر‭. ‬ومن‭ ‬الباب‭ ‬الواطئ‭ ‬للذاكرة‭ ‬أخرج‭ ‬باحثاً‭ ‬في‭ ‬وعاء‭ ‬اللغة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭ ‬اللذيذة،‭ ‬عن‭ ‬كنهها‭ ‬وسرها،‭ ‬فأجدها‭ ‬في‭ ‬معجم‭ ‬المعاني‭ ‬الجامع‭: ‬الحلوى‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عولج‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬بسكر‭ ‬أو‭ ‬عسل،‭ ‬وجمعها‭ ‬حلْوَيات‭ ‬وحلاوَى‭.. ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬غولة‭ ‬تغري‭ ‬بها،‭ ‬لتلتهم‭ ‬الأطفال‭.‬

 

في‭ ‬البدء‭ ‬كانت‭ ‬الحلوى

ليست‭ ‬اختراعاً‭ ‬حديثاً،‭ ‬ولا‭ ‬اشتهاؤها‭ ‬من‭ ‬الرغبات‭ ‬المعاصرة‭. ‬التاريخ‭ ‬يخبرنا‭ ‬بأن‭ ‬البشرية‭ ‬عرفتها،‭ ‬وتفننت‭ ‬في‭ ‬صنعها‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭. ‬الفراعنة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬برعوا‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬أنواعها،‭ ‬واستخدموا‭ ‬لذلك‭ ‬الدقيق‭ ‬والزبد‭ ‬والعسل‭ ‬والفاكهة،‭ ‬وكلها‭ ‬كانت‭ ‬متوافرة‭ ‬في‭ ‬دلتا‭ ‬النيل‭ ‬الخصبة‭ ‬وواديه‭. ‬دراسة‭ ‬حديثة‭ ‬تؤكد‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬المارشميلو‮»‬‭ ‬يرجع‭ ‬في‭ ‬صورته‭ ‬الأولى‭ ‬إليهم‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬يخلطون‭ ‬نسغ‭ ‬النباتات‭ ‬بالعسل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬طوره‭ ‬الفرنسيون‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬إلى‭ ‬شكله‭ ‬المعاصر،‭ ‬ثم‭ ‬أضاف‭ ‬له‭ ‬الأمريكيون‭ ‬الكثير‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬عرف‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬أيضاً‭ ‬فطائر‭ ‬العسل،‭ ‬والمربى،‭ ‬وصنعوها‭ ‬من‭ ‬فواكه‭ ‬عدة،‭ ‬كما‭ ‬وجدت‭ ‬أصناف‭ ‬من‭ ‬العصائد‭ ‬الحلوة‭ ‬في‭ ‬المقابر،‭ ‬حيث‭ ‬اعتقدوا‭ ‬أن‭ ‬الميت‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬عندما‭ ‬يعود‭ ‬للحياة‭. ‬وفي‭ ‬أول‭ ‬شهر‭ ‬‮«‬توت‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بداية‭ ‬السنة‭ ‬المصرية،‭ ‬كانوا‭ ‬يصنعون‭ ‬حلوى‭ ‬شبيهة‭ ‬بالهريسة‭ ‬المصرية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬ولقمة‭ ‬القاضي‭ ‬ويتهادون‭ ‬بها‭.‬

 

كنافة‭ ‬رمضان

مازلنا‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬تعشق‭ ‬الطقوس‭ ‬والاحتفالات،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شهر،‭ ‬وكل‭ ‬أسبوع‭ ‬مناسبة،‭ ‬ولكلٍ‭ ‬فرحة،‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بالطعام‭ ‬والحلوى‭. ‬أما‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬فهو‭ ‬ثلاثون‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬سعادة‭ ‬تنز‭ ‬سكرها‭ ‬ليلاً‭ ‬في‭ ‬أفواه‭ ‬صائمي‭ ‬النهار‭. ‬يبدأ‭ ‬التحضير‭ ‬بشغف‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬منذ‭ ‬نصف‭ ‬شعبان‭. ‬يشرع‭ ‬أشخاص‭ ‬معروفون‭ ‬سلفاً‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أفران‭ ‬الكنافة‭ ‬الأسطوانية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬غيرها‭. ‬تبدو‭ ‬مثل‭ ‬براميل‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الطين‭ ‬في‭ ‬الريف،‭ ‬ومن‭ ‬الأسمنت‭ ‬والحجارة‭ ‬في‭ ‬المدن‭. ‬يبنى‭ ‬الفرن‭ ‬الطيني‭ ‬على‭ ‬مراحل،‭ ‬ويتابع‭ ‬الأطفال‭ ‬العمل‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬بفرح‭ ‬غامر‭.‬

وفي‭ ‬اليوم‭ ‬الأخير‭ ‬يتجمعون‭ ‬ليراقبوا‭ ‬هبوط‭ ‬طبق‭ ‬طائر‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬القرية‭. ‬إنه‭ ‬يوم‭ ‬تثبيت‭ ‬القرص‭ ‬النحاسي،‭ ‬الذي‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬الصاج‮»‬،‭ ‬وحيث‭ ‬يكون‭ ‬الكائن‭ ‬الخرافي‭ ‬جاهزاً‭ ‬لصنع‭ ‬الحلوى‭ ‬الرمضانية‭ ‬المحببة‭. ‬عادة‭ ‬يبدأ‭ ‬الأمر‭ ‬ليلة‭ ‬الرؤية،‭ ‬فإذا‭ ‬انبعثت‭ ‬الصيحات‭ ‬مؤذنة‭ ‬بظهور‭ ‬الهلال،‭ ‬يوقد‭ ‬الحطب،‭ ‬ويمسح‭ ‬القرص‭ ‬النحاسي‭ ‬بالزيت،‭ ‬ثم‭ ‬يغرف‭ ‬صانع‭ ‬البهجة‭ ‬عجينه‭ ‬سائلاً‭ ‬لزجاً،‭ ‬في‭ ‬‮«‬كوز‮»‬‭ ‬الصب،‭ ‬ذي‭ ‬الثقوب‭ ‬المتراصة،‭ (‬إناء‭ ‬معدني‭ ‬صغير‭) ‬ويمررها‭ ‬فوق‭ ‬القرص‭ ‬المعدني‭ ‬الساخن،‭ ‬فيتحول‭ ‬العجين‭ ‬خلال‭ ‬ثوانٍ‭ ‬إلى‭ ‬خيوط‭ ‬لدنة،‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬يراقبها‭ ‬الأطفال،‭ ‬بفضول،‭ ‬مراقبة‭ ‬ساحر‭. ‬

إنها‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬الماضي،‭ ‬اختفت‭ ‬تقريباً‭ ‬تلك‭ ‬الأفران‭ ‬التقليدية‭ ‬الطينية،‭ ‬وحلت‭ ‬محلها‭ ‬آلات‭ ‬دوارة،‭ ‬تصب‭ ‬العجين‭ ‬آلياً،‭ ‬وتنتج‭ ‬خيوطاً‭ ‬أكثر‭ ‬انتظاماً‭ ‬ورقة،‭ ‬لكنها‭ ‬أفقدت‭ ‬الصنعة‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬سحرها‭ ‬القديم‭. ‬

نبدأ‭ ‬الجولة‭ ‬من‭ ‬حي‭ ‬الحسين،‭ ‬لنعثر‭ ‬على‭ ‬أقدم‭ ‬محل‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬عجين‭ ‬الكنافة‭ ‬والقطائف‭. ‬تمتلكه‭ ‬عائلة‭ ‬الشريف‭ ‬التي‭ ‬ورثته‭ ‬عن‭ ‬الجد،‭ ‬والذي‭ ‬بدأ‭ ‬نشاطه‭ ‬قبل‭ ‬ستين‭ ‬عاماً‭. ‬يطلعنا‭ ‬الحاج‭ ‬أحمد‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أسرار‭ ‬صنعته،‭ ‬وهي‭ ‬إضافة‭ ‬بعض‭ ‬العسل‭ ‬الأسود‭ ‬والسمن‭ ‬للعجين،‭ ‬ليزيد‭ ‬من‭ ‬قابليته‭ ‬لتشرب‭ ‬الشهد‭. ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬عجين‭ ‬القطائف‭ ‬يختلف‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬إضافة‭ ‬الخميرة،‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬البيكربونات‭. ‬

نواصل‭ ‬جولتنا‭ ‬إلى‭ ‬حي‭ ‬السيدة‭ ‬زينب،‭ ‬لنعثر‭ ‬على‭ ‬محل‭ ‬عرفة‭ ‬الكنفاني،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجامع،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬الحاج‭ ‬عتريس‭ ‬صالح‭ ‬عرفة،‭ ‬فإنه‭ ‬أُسس‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1870،‭ ‬ومنذ‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭ ‬ابتكر‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬لقمة‭ ‬عرفة‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬شكل‭ ‬شرقي‭ ‬من‭ ‬‮«‬الدونتس‮»‬،‭ ‬ويشبه‭ ‬أيضاً‭ ‬‮«‬البيني‮»‬‭ ‬المغربي‭.‬

 

تاريخ‭ ‬شرقي

ترجع‭ ‬عراقة‭ ‬الكنافة‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬بعيد،‭ ‬حيث‭ ‬يرجح‭ ‬أنها‭ ‬ولدت‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬خلال‭ ‬العصر‭ ‬الأموي‭. ‬قيل‭ ‬إنها‭ ‬قدمت‭ ‬إلى‭ ‬معاوية،‭ ‬ليستطيع‭ ‬مواصلة‭ ‬الصوم،‭ ‬ويرى‭ ‬آخرون‭ ‬أنها‭ ‬ابتكرت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالملك‭. ‬وأرجعها‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الفاطمي‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬لكنها‭ ‬ظلت‭ ‬لحقب‭ ‬طويلة‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬الملوك‭ ‬والأمراء،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬اسمها‭ ‬مشتق‭ ‬من‭ ‬‮«‬الكنف‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬معية‭ ‬السادة‭ ‬بالقصور‭.‬

أنواع‭ ‬فوق‭ ‬الحصر‭ ‬منها‭ ‬تملأ‭ ‬الآن‭ ‬محال‭ ‬بيع‭ ‬الحلوى‭ ‬الشرقية،‭ ‬شاهدناها‭ ‬خلال‭ ‬جولتنا‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة‭. ‬لكن‭ ‬عقوداً‭ ‬طويلة‭ ‬مرت‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬مصر‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬صورتها‭ ‬البسيطة‭ ‬‮«‬سادة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬بالمكسرات،‭ ‬في‭ ‬صوانٍ‭ ‬مدهونة‭ ‬بالزبد،‭ ‬مع‭ ‬حشو‭ ‬من‭ ‬الزبيب‭ ‬والفول‭ ‬السوداني‭ ‬وجوز‭ ‬الهند،‭ ‬وأحياناً‭ ‬المكسرات‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬حتى‭ ‬الأسر‭ ‬الفقيرة‭ ‬بشراء‭ ‬كمية‭ ‬قليلة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬لحشو‭ ‬الكنافة‭ ‬وأخواتها‭.‬

العسل‭ ‬أو‭ ‬القطر‭ ‬أو‭ ‬الشهد،‭ ‬وكلها‭ ‬أسماء‭ ‬للشيء‭ ‬نفسه،‭ ‬هي‭ ‬ماء‭ ‬محلى‭ ‬بالسكر‭ ‬والليمون،‭ ‬يمكث‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬حتى‭ ‬يعقد‭ ‬سكره،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يضاف‭ ‬للحلوى‭ ‬الساخنة،‭ ‬هذه‭ ‬الكنافة‭ ‬المنزلية‭ ‬أدخل‭ ‬عليها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الإضافات،‭ ‬مثل‭ ‬حشوها‭ ‬بالكريمة‭ ‬والمانجو‭. ‬

نعود‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬لنجد‭ ‬أن‭ ‬المماليك‭ ‬كانوا‭ ‬يتنافسون‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬للتقرب‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬بأشياء‭ ‬بسيطة،‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬الحلوى‭. ‬وقد‭ ‬خصص‭ ‬بيبرس‭ ‬نافذة‭ ‬في‭ ‬خنقاه‭ ‬أنشأها‭ ‬عند‭ ‬باب‭ ‬النصر‭ ‬بالجمالية‭ ‬لتوزيع‭ ‬الحلوى،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية،‭ ‬ومنها‭ ‬الكعك‭ ‬المحشو‭ ‬بالسكر‭ ‬والمكسرات‭. ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬سوق‭ ‬داخل‭ ‬باب‭ ‬زويلة‭ ‬وبوابة‭ ‬المتولي‭ ‬تعرف‭ ‬بالسكرية،‭ ‬تباع‭ ‬فيها‭ ‬أصناف‭ ‬من‭ ‬قمر‭ ‬الدين‭ ‬والياميش‭ ‬والكنافة‭.  ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬ذكر‭ ‬الكنافة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬وصف‭ ‬مصر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أعدته‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬كأحد‭ ‬أنواع‭ ‬الحلوى‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬

 

طعم‭ ‬الشهد

القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬معظم‭ ‬أصناف‭ ‬الحلوى‭ ‬الشرقية‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬عجين،‭ ‬يقلى‭ ‬أو‭ ‬يطهى‭ ‬داخل‭ ‬الأفران،‭ ‬ثم‭ ‬يسقى‭ ‬بالشراب‭ ‬الحلو‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الحاج‭ ‬محمود‭ ‬القرش‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭. ‬ويضيف‭: ‬ينطبق‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الحلوى‭ ‬الرمضانية‭ ‬الشهيرة‭ (‬القطائف‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬يقال‭ ‬إنها‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الخليفة‭ ‬الأموي‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالملك‭.‬

وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬فطائر‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬تطوى‭ ‬نصفين‭ ‬على‭ ‬حشو‭ ‬من‭ ‬المكسرات،‭ ‬وأحياناً‭ ‬القشدة،‭ ‬وتحمر‭ ‬في‭ ‬الزيت،‭ ‬ثم‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬الشراب‭ ‬المحلى‭. ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬تسميتها‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬تهافت‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬اقتطافها‭ ‬لحلاوتها‭.‬

‮«‬البقلاوة‮»‬‭ ‬أيضاً‭ ‬حلوى‭ ‬رمضانية‭ ‬شرقية،‭ ‬وهي‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬وتركيا،‭ ‬ولبنان‭ ‬ومصر‭ ‬والمغرب،‭ ‬وتصنع‭ ‬من‭ ‬رقائق‭ ‬العجين،‭ ‬ويتم‭ ‬حشوها‭ ‬بالمكسرات‭ ‬وطهوها‭ ‬بالزبد،‭ ‬ثم‭ ‬تحلى‭ ‬بمحلول‭ ‬السكر‭ ‬المركز‭. ‬أما‭ ‬لقمة‭ ‬القاضي‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أنواع‭ ‬الحلوى‭ ‬الشرقية‭ ‬رواجاً‭. ‬تتخصص‭ ‬بعض‭ ‬الأكشاك‭ ‬في‭ ‬بيعها‭ ‬منفردة،‭ ‬ويطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬زلابية‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬فيسمونها‭ ‬‮«‬عوامة‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬كرات‭ ‬من‭ ‬العجين‭ ‬المقلي‭ ‬بالزيت،‭ ‬والمحلى‭ ‬بالشراب‭. ‬ويسميها‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬اللقيمات‮»‬،‭ ‬وأغلب‭ ‬الظن‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬أصول‭ ‬يونانية‭ ‬نقلها‭ ‬العثمانيون‭ ‬إلى‭ ‬سورية‭ ‬ومصر،‭ ‬حيث‭ ‬توجد‭ ‬حلوى‭ ‬شهيرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬اليونان‭ ‬وقبرص‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬لوكوماديوس‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬بالسكر‭ ‬المطحون،‭ ‬ثم‭ ‬أضيف‭ ‬لها‭ ‬العسل‭ ‬في‭ ‬المشرق،‭ ‬وقد‭ ‬عرفتها‭ ‬الإسكندرية‭ ‬في‭ ‬نسختها‭ ‬اليونانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محل‭ ‬يدعى‭ ‬‮«‬تورنازاكي‮»‬‭ ‬بشارع‭ ‬البوسطة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الإسكندرية‭. ‬أما‭ ‬اسم‭ ‬لقمة‭ ‬القاضي،‭ ‬فيرجح‭ ‬أنه‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬للقضاة‭ ‬خلال‭ ‬انهماكهم‭ ‬في‭ ‬القضايا،‭ ‬ليستطيعوا‭ ‬مواصلة‭ ‬عملهم‭.‬

 

قمر‭ ‬الدين‭ ‬والخشاف

يقترب‭ ‬رمضان‭ ‬فتظهر‭ ‬ألواح‭ ‬قمر‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭. ‬ألواح‭ ‬المشمش‭ ‬المطهو‭ ‬بالسكر،‭ ‬والمجفف،‭ ‬يستخدم‭ ‬لصنع‭ ‬العصير‭ ‬المميز‭ ‬لمائدة‭ ‬الإفطار،‭ ‬كما‭ ‬تصنع‭ ‬منه‭ ‬‮«‬مهلبية‮»‬‭ ‬قمر‭ ‬الدين،‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬عصيره‭ ‬مع‭ ‬النشا،‭ ‬وتقدم‭ ‬باردة‭. ‬أما‭ ‬سبب‭ ‬التسمية‭ ‬فغير‭ ‬متفق‭ ‬عليه،‭ ‬ويرجعها‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بابتكاره،‭ ‬ويرى‭ ‬آخرون‭ ‬ارتباطها‭ ‬بهلال‭ ‬الرؤية‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان،‭ ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬فريق‭ ‬ثالث‭ ‬أنه‭ ‬تحوير‭ ‬لاسم‭ ‬قرية‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬صنعته‭ ‬وقدمته‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الأموي‭ ‬إلى‭ ‬الخليفة‭ ‬عبدالملك‭ ‬بن‭ ‬مروان‭. ‬ويزرع‭ ‬المشمش‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬غوطة‭ ‬دمشق،‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬تشتهر‭ ‬به‭ ‬قرية‭ ‬‮«‬العمار‮»‬‭ ‬بمحافظة‭ ‬القليوبية‭ ‬غير‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬القاهرة‭.‬

أما‭ ‬الخشاف‭ ‬فهو‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬التمر‭ ‬والتين‭ ‬المجفف‭ ‬وجوز‭ ‬الهند‭ ‬والمكسرات‭ ‬والزبيب‭ ‬و«القراصيا‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬البرقوق‭ ‬المجفف،‭ ‬والمشمشية،‭ ‬وتنقع‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬أو‭ ‬اللبن،‭ ‬وتقدم‭ ‬على‭ ‬الإفطار‭ ‬ليبدأ‭ ‬بها‭ ‬الصائم‭. ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬صنعه‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬الفاطمي‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬‮«‬ياميش‮»‬‭ ‬رمضان‭ ‬يباع‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬قوصون‮»‬‭ ‬عند‭ ‬باب‭ ‬النصر‭ ‬بالجمالية،‭ ‬وكانت‭ ‬معظم‭ ‬المكونات‭ ‬تأتي‭ ‬مع‭ ‬التجار‭ ‬من‭ ‬الشام،‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬تسجله‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭. ‬

 

سوريّة‭ ‬بامتياز

في‭ ‬دمشق‭ ‬الوادعة،‭ ‬وخلال‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬الحلوى‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬بمنزلة‭ ‬محطة‭ ‬لالتقاط‭ ‬أنفاس‭ ‬الزائرين‭ ‬للمدينة،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬أروع‭ ‬أصناف‭ ‬الحلوى‭ ‬الشرقية،‭ ‬والأكثر‭ ‬تنوعاً‭ ‬من‭ ‬مثيلاتها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬

خلال‭ ‬زيارة‭ ‬أولى‭ ‬للمدينة،‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬الذوق‭ ‬الرفيع‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬والتقديم‭ ‬وحسن‭ ‬التعامل‭ ‬من‭ ‬بائعي‭ ‬الحلوى‭ ‬الشاميين‭. ‬تهذيب‭ ‬شديد‭ ‬ومجاملات‭ ‬متواصلة،‭ ‬وترحيب‭ ‬صادق‭ ‬بلا‭ ‬حدود،‭ ‬يقابلك‭ ‬به‭ ‬الحلواني‭ ‬السوري،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬نظافة‭ ‬لافتة،‭ ‬تغريك‭ ‬لتناول‭ ‬أصناف‭ ‬الحلوى‭ ‬الأكثر‭ ‬تفضيلاً‭ ‬عربياً‭. ‬بالنسبة‭ ‬لزائر‭ ‬مصري‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الكنافة‭ ‬النابلسية‭ ‬معروفة‭. ‬وكان‭ ‬إغراؤها‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬الصنف‭ ‬الوحيد‭ ‬تقريباً‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬ساخناً‭. ‬يسألك‭ ‬البائع‭ ‬بود‭ ‬مخيِّراً‭ ‬لك‭: ‬‮«‬بقطر‭ ‬ولا‭ ‬بلا‭ ‬قطر‮»‬‭: ‬سؤال‭ ‬محبب‭ ‬يغريك‭ ‬لتجربتها‭ ‬وإعادة‭ ‬تجربتها،‭ ‬به‭ ‬ومن‭ ‬دونه‭. ‬إنها‭ ‬كنافة،‭ ‬ولكن‭ ‬معالم‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬عجينها‭ ‬تختفي،‭ ‬لأنها‭ ‬شبه‭ ‬مهروسة،‭ ‬مما‭ ‬يعطيها‭ ‬شكل‭ ‬البسبوسة‭ ‬المصرية،‭ ‬لولا‭ ‬طبقة‭ ‬الجبن‭ ‬أسفلها،‭ ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬تميزها‭. ‬الجبن‭ ‬مكون‭ ‬أساسي‭ ‬أيضاً‭ ‬لحلوى‭ ‬الجبن،‭ ‬التي‭ ‬يفتخر‭ ‬أهل‭ ‬حمص‭ ‬الطيبون‭ ‬بأنهم‭ ‬أهلها،‭ ‬وخير‭ ‬من‭ ‬يصنعها‭. ‬وتكتسب‭ ‬مذاقاً‭ ‬مميزاً‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬أنواع‭ ‬الحلوى،‭ ‬ومظهرها‭ ‬يشبه‭ ‬العجين‭ ‬غير‭ ‬المطهو‭.‬

تتنوع‭ ‬الحلوى‭ ‬السورية‭ ‬من‭ ‬البرازق‭ ‬والمشكل‭ ‬وأصابع‭ ‬الست‭ ‬والمحلاية‭ ‬والوربات‭ ‬بالقشدة،‭ ‬إلى‭ ‬هريسة‭ ‬الجزر‭ ‬والهريسة‭ ‬النبكية‭ ‬والمشبك‭ ‬الحلبي،‭ ‬والهليطية،‭ ‬والنمورة‭.‬

في‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينيات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلا‭ ‬محل‭ ‬واحد‭ ‬يعلن‭ ‬أنه‭ ‬يقدم‭ ‬الحلوى‭ ‬السورية‭. ‬وكان‭ ‬يقدم‭ ‬الكنافة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬طريقة،‭ ‬منها‭ ‬العثمانلية،‭ ‬والسادة،‭ ‬وبالكريمة،‭ ‬والمبرومة،‭ ‬والمفروكة،‭ ‬والبللورية،‭ ‬وعش‭ ‬البلبل،‭ ‬وفي‭ ‬رمضان‭ ‬حصرياً‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬متأخر،‭ ‬صاروا‭ ‬يقدمون‭ ‬النابلسية‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬تدفق‭ ‬السوريين‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬قبل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬انتشرت‭ ‬بسرعة‭ ‬أنواع‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬حلواهم‭ ‬المميزة،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬أضافوا‭ ‬لمسة‭ ‬مهمة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالطعام‭ ‬عموماً،‭ ‬والحلوى‭ ‬خصوصاً،‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬أثرها‭. ‬شوارع‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحياء‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مطاعم‭ ‬سورية،‭ ‬تتنوع‭ ‬أسماؤها‭ ‬بين‭ ‬ليالي‭ ‬الشام‭ ‬ووردة‭ ‬الشام‭ ‬وباب‭ ‬الحارة‭ ‬وغيرها‭. ‬

‮«‬البوظة‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬انتشرت‭ ‬أيضاً،‭ ‬وصارت‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬التنزه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق‭. ‬تقريباً‭ ‬كانت‭ ‬تباع‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬واحد‭ ‬بشارع‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الشهير‭ ‬بالمهندسين‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬التسعينيات‭.‬

 

كعك‭ ‬العيد

ينتهي‭ ‬رمضان‭ ‬ليأتي‭ ‬العيد،‭ ‬وتمتلئ‭ ‬المحال‭ ‬بالكعك،‭ ‬والذي‭ ‬بدأت‭ ‬قصته‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬الفراعنة‭ ‬أيضاً،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬زوجات‭ ‬الملوك‭ ‬والأمراء‭ ‬يقدمنه‭ ‬لحراس‭ ‬هرم‭ ‬خوفو‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬تعامد‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬حجرته،‭ ‬وكان‭ ‬يجري‭ ‬التفنن‭ ‬في‭ ‬صنعه‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة،‭ ‬منها‭ ‬الدائري‭ ‬والمستطيل‭ ‬وعلى‭ ‬شكل‭ ‬حلقات‭ ‬وأوراق‭ ‬شجر‭ ‬وزهور‭ ‬وأشكال‭ ‬تخطت‭ ‬المئة‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬مرسوم‭ ‬على‭ ‬مقبرة‭ ‬الوزير‭ ‬‮«‬خميرع‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأقصر،‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الأسرة‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة،‭ ‬أهم‭ ‬الأسر‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المصري‭. ‬

وتوضح‭ ‬الرسوم‭ ‬والكتابات‭ ‬أيضاً‭ ‬طريقة‭ ‬صناعة‭ ‬كعك‭ ‬الأعياد،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬عسل‭ ‬النحل‭ ‬الصافي‭ ‬يخلط‭ ‬بالسمن،‭ ‬ويوضع‭ ‬على‭ ‬النار،‭ ‬ويذر‭ ‬عليه‭ ‬الدقيق‭ ‬بالتدريج‭ ‬حتى‭ ‬يأخذ‭ ‬العجين‭ ‬القوام‭ ‬المناسب،‭ ‬فيتم‭ ‬تشكيله،‭ ‬ويحشى‭ ‬بالتمر،‭ ‬ويزين‭ ‬بالفواكه‭. ‬كذلك‭ ‬تم‭ ‬تصوير‭ ‬كعك‭ ‬العيد‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬إحدى‭ ‬الحجرات‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬الملك‭ ‬رمسيس‭ ‬الثالث‭ ‬بمدينة‭ ‬‮«‬هابو‮»‬‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬الغربي‭ ‬بالأقصر‭.‬

ومن‭ ‬الطريف‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬ينقشون‭ ‬عليه‭ ‬قرص‭ ‬الشمس،‭ ‬وهو‭ ‬النقش‭ ‬الذي‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬الإله‭ ‬رع،‭ ‬وآتون‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬وهو‭ ‬النقش‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشاراً‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وفي‭ ‬الريف‭ ‬المصري‭ ‬مازال‭ ‬الفلاحون‭ ‬يصنعون‭ ‬الكعك‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حلقات‭ ‬مفرغة‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬وهي‭ ‬عادة‭ ‬قديمة‭ ‬ارتبطت‭ ‬باعتقاد‭ ‬أنها‭ ‬تعلق‭ ‬في‭ ‬شجرة‭ ‬الحسنات‭.‬

ويسجل‭ ‬كعك‭ ‬العيد‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المصرية‭ ‬مبكراً،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يصنع‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬طولون،‭ ‬وينقشون‭ ‬عليه‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬كل‭ ‬واشكر‮»‬‭ ‬ويوزعونه‭ ‬في‭ ‬الطرقات،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬الآثار‭ ‬الإسلامية‭ ‬علاء‭ ‬عاشور،‭ ‬ويضيف‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭ ‬محمد‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬الإخشيدية‭ ‬صنع‭ ‬كعكاً‭ ‬في‭ ‬العيد‭ ‬وحشاه‭ ‬بالدنانير،‭ ‬وكان‭ ‬يقدمه‭ ‬للفقراء‭. ‬

وفي‭ ‬العهد‭ ‬الفاطمي‭ ‬كان‭ ‬الخليفة‭ ‬يرصد‭ ‬حوالي‭ ‬عشرين‭ ‬ألفاً‭ ‬من‭ ‬الدنانير‭ ‬لصناعته،‭ ‬ليوزع‭ ‬بالمجان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دار‭ ‬‮«‬الفُطرة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬تصنيعه‭ ‬وتخزينه‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رجب،‭ ‬ليوزع‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬الفطر،‭ ‬والمسمى‭ ‬أيضاً‭ ‬بعيد‭ ‬الحلل‭ (‬آنية‭ ‬الطبخ‭) ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬ارتبط‭ ‬بتوزيع‭ ‬الملابس‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭. ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬التكايا‭ ‬والأوقاف‭ ‬تخصص‭ ‬لصنع‭ ‬وتوزيع‭ ‬كعك‭ ‬العيد‭. ‬وفي‭ ‬العهد‭ ‬الأيوبي‭ ‬حاول‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬العادات‭ ‬الفاطمية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يتحقق،‭ ‬بل‭ ‬عاودت‭ ‬تلك‭ ‬العادات‭ ‬الازدهار‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬المملوكي‭. ‬واعتبر‭ ‬الكعك‭ ‬ضمن‭ ‬أنواع‭ ‬الصدقة،‭ ‬واستمر‭ ‬الوضع‭ ‬كذلك‭ ‬خلال‭ ‬العصر‭ ‬العثماني،‭ ‬وإلى‭ ‬الآن‭.‬

‮«‬حلاوة‭ ‬المولد‮»‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المولد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مدينة،‭ ‬ومعظم‭ ‬القرى‭ ‬مولد‭ ‬سنوي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لأحد‭ ‬الأولياء‭. ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬أيضاً‭ ‬موالد‭ ‬القديسين‭ ‬المسيحيين،‭ ‬وكلها‭ ‬تعتبر‭ ‬سوقاً‭ ‬متنقلة‭ ‬للحلوى‭. ‬أحد‭ ‬البائعين‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬يعيش‭ ‬حياته‭ ‬مرتحلاً،‭ ‬حيث‭ ‬يقضي‭ ‬أسبوعاً‭ ‬في‭ ‬مولد‭ ‬إسلامي،‭ ‬ويليه‭ ‬أسبوع‭ ‬في‭ ‬مولد‭ ‬مسيحي،‭ ‬وهكذا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام‭. ‬حتى‭ ‬أصناف‭ ‬الحلوى،‭ ‬لا‭ ‬تختلف،‭ ‬من‭ ‬أقراص‭ ‬الحمصية‭ ‬والسمسمية‭ ‬والفولية‭ ‬والعلف‭ ‬واللديدة‭. ‬بتتبع‭ ‬أصول‭ ‬هذه‭ ‬الحلوى‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬منها‭ ‬يصنع‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬طنطا‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬الدلتا‭ ‬ويزورها‭ ‬سنوياً‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شجع‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬مصانع‭ ‬الحلوى‭ ‬هناك‭.‬

نقوم‭ ‬بجولة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المصانع‭. ‬عشرات‭ ‬العمال،‭ ‬يقومون‭ ‬بتغليف‭ ‬الحلوى‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬شفافة،‭ ‬وباستخدام‭ ‬ماكينات‭ ‬بسيطة،‭ ‬تعمل‭ ‬يدوياً‭. ‬دخول‭ ‬منطقة‭ ‬التصنيع‭ ‬كان‭ ‬صعباً‭ ‬للغاية،‭ ‬لكننا‭ ‬ألقينا‭ ‬نظرة‭ ‬خاطفة‭. ‬يبدو‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬معظمه‭ ‬يدوياً‭. ‬يقول‭ ‬صاحبه‭ ‬إنهم‭ ‬يوردون‭ ‬الحلوى‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬محافظات‭ ‬مجاورة،‭ ‬وحتى‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬ويفتخر‭ ‬بأنه‭ ‬ورث‭ ‬الصنعة‭ ‬عن‭ ‬أجداده‭. ‬يقوم‭ ‬المصنع‭ ‬بعمل‭ ‬‮«‬الحلاوة‭ ‬الشعر‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬في‭ ‬مظهرها‭ ‬‮«‬الطحينية‮»‬،‭ ‬ولكنها‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حبيبات‭ ‬غير‭ ‬متماسكة‭. ‬كانت‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬الحلوى‭ ‬المحببة‭ ‬والمتاحة‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬حتى‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬هنا‭ ‬تصنع‭ ‬وتدخل‭ ‬أفراناً‭ ‬خاصة‭. ‬ينتج‭ ‬المصنع‭ ‬أنواعاً‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الحلوى،‭ ‬منها‭: ‬‮«‬القَصَّة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الجبن‭ ‬القريش،‭ ‬بحجم‭ ‬صغير،‭ ‬وحلوى‭ ‬‮«‬الألاجة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬حمراء‭ ‬اللون،‭ ‬و«الفنضام‮»‬‭ ‬و«التوفي‮»‬‭ ‬و«النوجا‮»‬‭ ‬و«الملبن‭ ‬الجيلي‮»‬‭ ‬والأبيض‭ ‬بالسكر‭ ‬و«ملبن‭ ‬حبل‮»‬‭. ‬

جولة‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬محافظات‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬ارتباط‭ ‬صناعة‭ ‬الحلوى،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الشعبية‭ ‬منها‭ ‬بالمدن‭ ‬ذات‭ ‬الموالد‭ ‬الكبيرة‭. ‬تشتهر‭ ‬مدينتا‭ ‬دسوق‭ ‬ومطوبس‭ ‬القريبة‭ ‬منها‭ ‬بالمشبك‭ ‬والهريسة،‭ ‬لارتباطهما‭ ‬بمولد‭ ‬إبراهيم‭ ‬الدسوقي‭. ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬حيث‭ ‬يقام‭ ‬بها‭ ‬عدة‭ ‬موالد‭ ‬سنوياً،‭ ‬أكبرها‭ ‬مولد‭ ‬المرسي‭ ‬أبي‭ ‬العباس،‭ ‬وقنا‭ ‬حيث‭ ‬مولد‭ ‬عبدالرحيم‭ ‬القنائي،‭ ‬والأقصر‭ ‬حيث‭ ‬مولد‭ ‬أبي‭ ‬الحجاج‭ ‬الأقصري‭. ‬وطبعاً‭ ‬القاهرة‭ ‬بموالدها‭ ‬المتعددة‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حلاوة‭ ‬المولد‮»‬‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تباع‭ ‬بجنيهات‭ ‬قليلة،‭ ‬فإن‭ ‬حلوى‭ ‬الفقراء‭ ‬الرخيصة‭ ‬هذه،‭ ‬تحولت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬بهجة‭ ‬البسطاء،‭ ‬ونفحة‭ ‬الدراويش‭ ‬إلى‭ ‬حلوى‭ ‬راقية‭ ‬وصل‭ ‬سعر‭ ‬العلبة‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الجنيهات‭ ‬أحياناً،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬بعض‭ ‬أكبر‭ ‬متاجر‭ ‬الحلوى،‭ ‬والتي‭ ‬صنعت‭ ‬منها‭ ‬نسخاً‭ ‬فاخرة،‭ ‬غنية‭ ‬بالعسل‭ ‬والمكسرات،‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬علب‭ ‬أنيقة‭. ‬وتتبارى‭ ‬المحال‭ ‬قبل‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬المولد‭ ‬النبوي‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬ما‭ ‬لديها،‭ ‬من‭ ‬عبوات‭ ‬تضم‭ ‬عشرات‭ ‬الأنواع،‭ ‬من‭ ‬لوزية‭ ‬وبندقية،‭ ‬وألوان‭ ‬من‭ ‬الملبن‭ ‬الفاخر،‭ ‬وأشكال‭ ‬من‭ ‬ابتكارات‭ ‬جديدة،‭ ‬كتنويعات‭ ‬على‭ ‬الحلوى‭ ‬التراثية‭.‬

تمثل‭ ‬سيرة‭ ‬حلوى‭ ‬الموالد‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والتي‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬ارتباطها‭ ‬بصعود‭ ‬طبقي‭ ‬لبعض‭ ‬الفئات،‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬السبعينيات،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تنقيح‭ ‬بعض‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترتبط‭ ‬بالبسطاء،‭ ‬والطبقات‭ ‬الشعبية،‭ ‬ودفعها‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة،‭ ‬بإعادة‭ ‬اعتبارها‭ ‬عنواناً‭ ‬للوجاهة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وكأن‭ ‬الطبقات‭ ‬الصاعدة‭ ‬تسحب‭ ‬ثقافتها‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬أعلى،‭ ‬بعد‭ ‬إدخال‭ ‬تعديلات‭ ‬عليها‭ ‬بما‭ ‬يناسب‭ ‬قدرتها‭ ‬المالية‭ ‬الجديدة‭. ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متشبثة‭ ‬بالذوق‭ ‬الغربي،‭ ‬وتترفع‭ ‬عن‭ ‬الموروثات‭ ‬المحلية،‭ ‬دخلت‭ ‬على‭ ‬الخط،‭ ‬واستهوتها‭ ‬بعض‭ ‬مفردات‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التجربة،‭ ‬وكسر‭ ‬الرتابة،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الموروثات‭ ‬تثبت‭ ‬نفسها،‭ ‬وتترسخ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الطبقات‭ ‬العليا‭.‬

 

الحلوى‭ ‬الشعبية

رغم‭ ‬كل‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬صناعة‭ ‬الحلوى،‭ ‬فإن‭ ‬أصنافاً‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬الشعبية‭ ‬بقيت‭ ‬على‭ ‬حالها‭. ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬جذورها‭ ‬يضيع‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬روافد‭ ‬شتى،‭ ‬شكلت‭ ‬عبر‭ ‬قرون‭ ‬طبيعتها‭. ‬في‭ ‬الريف‭ ‬وحتى‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬تلخصت‭ ‬الحلوى‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬الهريسة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تباع‭ ‬في‭ ‬الدكاكين‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وأقراص‭ ‬المشَبَّك‭ ‬التي‭ ‬تباع‭ ‬بقروش‭ ‬معدودة‭. ‬

‮«‬الدندورمة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬آيس‭ ‬كريم‭ ‬الريف‭ ‬والمناطق‭ ‬الشعبية،‭ ‬أُلّفت‭ ‬لأجلها‭ ‬الأغنيات‭ ‬في‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬دوق‭ ‬الدندورمة‮»‬‭ ‬لسعاد‭ ‬مكاوي‭ ‬وإبراهيم‭ ‬حمودة،‭ ‬وهو‭ ‬أوبريت‭ ‬إذاعي‭ ‬شهير،‭ ‬تقول‭ ‬كلماته‭: ‬‮«‬دوق‭ ‬دوق‭ ‬الدندورمة‭... ‬مصنوعة‭ ‬بذوق‭ ‬تروي‭ ‬العشاق‭ ‬وتطفي‭ ‬الشوق‭ ‬الدندورمة‮»‬‭. ‬

في‭ ‬الأعياد،‭ ‬وفي‭ ‬قرى‭ ‬الدلتا‭ ‬وحتى‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كان‭ ‬الصبية‭ ‬يتبارون‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬‮«‬المهلبية‭ ‬الملونة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬خليط‭ ‬النشا‭ ‬والماء،‭ ‬وبعض‭ ‬اللبن،‭ ‬مع‭ ‬لون‭ ‬طبيعي‭ ‬أو‭ ‬صناعي،‭ ‬الأحمر‭ ‬على‭ ‬الأغلب،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ليمتزج‭ ‬بشكل‭ ‬متجانس‭ ‬بالمادة‭ ‬الهلامية،‭ ‬فيرسم‭ ‬أحياناً‭ ‬خرائط‭ ‬لبلاد‭ ‬خيالية‭. ‬وكانت‭ ‬الأمهات‭ ‬يصنعنها‭ ‬في‭ ‬البيوت،‭ ‬ليبيعها‭ ‬الأبناء،‭ ‬فيضيفوا‭ ‬قروشاً‭ ‬إلى‭ ‬العيدية‭. ‬يضعون‭ ‬الصواني‭ ‬على‭ ‬مناضد‭ ‬خشبية،‭ ‬ويقفون‭ ‬خلفها‭ ‬في‭ ‬الساحات‭. 

من‭ ‬ذاكرة‭ ‬الحلوى‭ ‬الشعبية‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬وسبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أصناف‭ ‬فقدت‭ ‬شهرتها،‭ ‬وربما‭ ‬اندثر‭ ‬بعضها‭ ‬مثل‭ ‬الأرواح،‭ ‬والفنضام،‭ ‬والموز‭ ‬الهش‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬السكر،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يذوب‭ ‬في‭ ‬الفم،‭ ‬وكانت‭ ‬الشوكولاتة‭ ‬المتاحة‭ ‬قبل‭ ‬الانفتاح‭ ‬ماركة‭ ‬مؤممة‭ ‬بالكاد‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬ميزانيتنا‭ ‬‭- ‬أبناء‭ ‬الموظفين‭. ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالكرملّة‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬والملبّس‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬وهي‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬السكاكر‭ ‬الملونة‭ ‬بنكهة‭ ‬الفواكه‭. ‬مع‭ ‬أنواع‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬البسكويت‭... ‬هذا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

لكن‭ ‬الحلوى‭ ‬الشعبية‭ ‬دخلت‭ ‬معترك‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فخلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬صار‭ ‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التفاخر‭ ‬بين‭ ‬شباب‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬راقية‭ ‬بأنهم‭ ‬يترددون‭ ‬على‭ ‬محال‭ ‬بيع‭ ‬أصناف‭ ‬شعبية‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬حارات‭ ‬السيدة‭ ‬زينب‭ ‬أو‭ ‬باب‭ ‬الخلق‭. ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المحال‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬مظهرها‭ ‬القديم،‭ ‬وبعضها‭ ‬صار‭ ‬مشهوراً‭ ‬بأسماء‭ ‬فكاهية‭ ‬لا‭ ‬توحي‭ ‬بالنظافة،‭ ‬كأحد‭ ‬عوامل‭ ‬الجذب،‭ ‬وصارت‭ ‬تحاط‭ ‬في‭ ‬المساء‭ ‬بالسيارات‭ ‬الفارهة‭. ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬شعبية‭ ‬مثل‭ ‬باب‭ ‬الشعرية‭ ‬والسيدة‭ ‬زينب‭ ‬صارت‭ ‬بعض‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬الحلوى‭ ‬قبلة‭ ‬للشباب‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الطبقات‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬بعض‭ ‬المحال‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬الحلوى‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية،‭ ‬توسعت‭ ‬وافتتحت‭ ‬فروعاً‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬الأحياء،‭ ‬بل‭ ‬والقرى‭ ‬السياحية‭ ‬بالساحل‭ ‬الشمالي،‭ ‬ومنتجعات‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭.  

 

البليلة‭ ‬والعاشوراء

البليلة‭ ‬هي‭ ‬حبات‭ ‬القمح‭ ‬الكاملة‭ ‬والمطهوة،‭ ‬مع‭ ‬اللبن‭ ‬والسكر‭ ‬والمكسرات‭ ‬وجوز‭ ‬الهند،‭ ‬وهي‭ ‬واسعة‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الشعبية،‭ ‬ولها‭ ‬عربات‭ ‬خشبية‭ ‬جوالة،‭ ‬تطوف‭ ‬بها،‭ ‬ويعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬فطوراً‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬وهي‭ ‬تختلف‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬عن‭ ‬البليلة‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬والتي‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬الحمص،‭ ‬ولا‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬الحلوى،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬تحمل‭ ‬الاسم‭ ‬نفسه‭.‬

أما‭ ‬العاشوراء‭ ‬فهي‭ ‬حلوى‭ ‬ترتبط‭ ‬بليلة‭ ‬عاشوراء‭ ‬كمناسبة‭ ‬دينية‭ ‬يحتفل‭ ‬بها‭ ‬المصريون‭. ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬المطهو‭ ‬مع‭ ‬اللبن‭ ‬والسكر‭ ‬والمكسرات‭ ‬ويضاف‭ ‬لها‭ ‬النشا‭ ‬الذي‭ ‬يحوّلها‭ ‬من‭ ‬الحالة‭ ‬السائلة‭ ‬إلى‭ ‬المتماسكة‭. ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬للعاشوراء‭ ‬المصرية‭ ‬أصلاً‭ ‬تركياً،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬طبق‭ ‬شبيه‭ ‬كان‭ ‬يقدم‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬العثمانيين،‭ ‬لكنه‭ ‬يضم‭ ‬مع‭ ‬المكونات‭ ‬المصرية‭ ‬الحالية‭ ‬الفاصوليا‭ ‬والحمص‭ ‬وقطع‭ ‬الفاكهة‭. ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬مكونات‭ ‬العاشوراء‭ ‬التركية‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬النبي‭ ‬نوح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬سفينته،‭ ‬وإنها‭ ‬أول‭ ‬طبق‭ ‬تم‭ ‬إعداده‭ ‬بعد‭ ‬الطوفان‭ ‬بخلط‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬معاً،‭ ‬وفقاً‭ ‬للمعتقد‭ ‬الشعبي‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الأتراك‭ ‬يقومون‭ ‬بتوزيعه‭ ‬على‭ ‬المارة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الاحتفال‭. ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الخليط‭ ‬التركي‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬ساخناً،‭ ‬تقدم‭ ‬العاشوراء‭ ‬المصرية‭ ‬باردة‭. ‬

 

الجلَّاب‭ ‬الصعيدي

تمتد‭ ‬الجولة‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬الصعيد،‭ ‬وتحديداً‭ ‬الأقصر،‭ ‬حيث‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬الجلاب،‭ ‬وهو‭ ‬حلوى‭ ‬صعيدية،‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬قصب‭ ‬السكر،‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬منه‭ ‬أيضاً‭ ‬العسل‭ ‬الأسود‭ ‬وحلوى‭ ‬‮«‬العسلية‮»‬‭. ‬يطلق‭ ‬البعض‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الخلع‮»‬،‭ ‬ويصنع‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭ ‬فرشوط‭ ‬ونجع‭ ‬حمادي،‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬أفاد‭ ‬به‭ ‬معظم‭ ‬الباعة‭ ‬هنا‭.‬‭ ‬وتأخذ‭ ‬الحلوى‭ ‬شكل‭ ‬القمع‭ ‬الصغير‭. ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬كهدية‭ ‬يتم‭ ‬تبادلها‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ويؤكدون‭ ‬أن‭ ‬تاريخه‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬السنين،‭ ‬وأنه‭ ‬كان‭ ‬ينتج‭ ‬بشكل‭ ‬موسمي‭ ‬ارتباطاً‭ ‬بحصاد‭ ‬القصب،‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬إلى‭ ‬أبريل‭. ‬كما‭ ‬يذكرون‭ ‬أنه‭ ‬ارتبط‭ ‬بعائلات‭ ‬بعينها،‭ ‬توارثت‭ ‬الصنعة‭ ‬وأسرارها‭. ‬ويتم‭ ‬بيع‭ ‬الجلاب‭ ‬حالياً‭ ‬داخل‭ ‬قطار‭ ‬الصعيد،‭ ‬يحمله‭ ‬الصبية‭ ‬في‭ ‬مقاطف‭ ‬من‭ ‬الخوص،‭ ‬ويركبون‭ ‬القطارات‭ ‬بين‭ ‬المدن‭. ‬كما‭ ‬شاهدناه‭ ‬على‭ ‬عربات‭ ‬اليد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬قنا‭ ‬وأسوان‭ ‬والأقصر‭. ‬ورغم‭ ‬رخص‭ ‬ثمنه،‭ ‬فإنه‭ ‬غني‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الغذائية،‭ ‬وأهمها‭ ‬الحديد‭. ‬

 

السمنية‭ ‬والتمرية‭ ‬في‭ ‬بورسعيد

ومن‭ ‬الصعيد‭ ‬إلى‭ ‬بورسعيد،‭ ‬إحدى‭ ‬مدن‭ ‬القناة‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬المتوسط‭. ‬ونبدأ‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلوى‭ ‬خاصة‭ ‬بالمدينة،‭ ‬لا‭ ‬تصنع‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭. ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬التمرية‭ ‬والسمنية‭ ‬ونوع‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬الزلابية‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬محال‭ ‬بيع‭ ‬الحلوى‭ ‬يقوم‭ ‬الحلواني‭ ‬جمعة‭ ‬محمد‭ ‬بعمله‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭. ‬وهو‭ ‬يصنع‭ ‬الحلوى‭ ‬الشرقية‭ ‬بأنواعها،‭ ‬وفى‭ ‬المساء‭ ‬فقط‭ ‬يقدم‭ ‬التمرية‭ ‬والسمنية،‭ ‬لأنه‭ ‬يصنعها‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬ويتركها‭ ‬تتخمر‭ ‬حتى‭ ‬المساء‭. ‬بعض‭ ‬الأماكن‭ ‬الصغيرة‭ ‬تتخصص‭ ‬في‭ ‬عملهما‭ ‬وتقدمها‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬للموظفين‭ ‬والعمال‭ ‬المتجهين‭ ‬إلى‭ ‬أعمالهم‭ ‬كفطور‭. ‬يقول‭ ‬جمعة‭ ‬إن‭ ‬التمرية‭ ‬مأخوذة‭ ‬عن‭ ‬اليونانيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬بالآلاف‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬وأنه‭ ‬تعلمها‭ ‬من‭ ‬حلواني‭ ‬مصري،‭ ‬تعلمها‭ ‬بدوره‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬حلواني‭ ‬يوناني‭. ‬التمرية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سميد‭ ‬البسبوسة،‭ ‬يعجن‭ ‬مع‭ ‬دقيق،‭ ‬ويطبخ‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬مع‭ ‬ماء‭ ‬يغلي،‭ ‬ثم‭ ‬يعجن‭ ‬مع‭ ‬جوز‭ ‬الهند‭ ‬ويبرد،‭ ‬ويتم‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بعجين‭ ‬تهوية‭ ‬شبيه‭ (‬بالجلاش‭) ‬منفصلاً،‭ (‬الجلاش‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬رقائق‭ ‬الخبز‭ ‬المحشوة‭ ‬بالمكسرات‭) ‬ويغلف‭ ‬به‭ ‬عجينته‭ ‬الأصلية‭ ‬بعد‭ ‬التخمر،‭ ‬وتقلى‭ ‬في‭ ‬الزيت‭ ‬ثم‭ ‬تؤكل‭ ‬مع‭ ‬سكر‭ ‬‮«‬بودرة‮»‬‭. ‬أما‭ ‬‮«‬السمنية‮»‬‭ ‬فتصنع‭ ‬بالطريقة‭ ‬نفسها،‭ ‬لكن‭ ‬يوضع‭ ‬مع‭ ‬العجين‭ ‬سكر‭ ‬وتوضع‭ ‬في‭ ‬الفرن‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬السمن‭. ‬الزلابية‭ ‬في‭ ‬بورسعيد‭ ‬مختلفة،‭ ‬وهي‭ ‬شبيهة‭ ‬بحلوى‭ ‬سورية‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬زنجل‮»‬‭ ‬وحجمها‭ ‬كبير‭ ‬وغير‭ ‬منتظم‭.‬

 

مكرونة‭ ‬دمياط‭ ‬بالسكر

دمياط‭ ‬مدينة‭ ‬ساحلية‭ ‬مصرية‭ ‬تقع‭ ‬عند‭ ‬التقاء‭ ‬فرع‭ ‬النيل‭ ‬المسمى‭ ‬باسمها‭ ‬بالبحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬وتشتهر‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬بصناعة‭ ‬الأثاث‭ ‬والحلوى،‭ ‬وأهمها‭ ‬المشبك،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حبال‭ ‬من‭ ‬العجين‭ ‬المتشابك‭ ‬والمقلي،‭ ‬تحلى‭ ‬بشراب‭ ‬سكري‭ ‬مركز،‭ ‬ويمتاز‭ ‬بصلابته‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأنواع‭ ‬الأخرى،‭ ‬وبقدرته‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬لمدد‭ ‬طويلة‭. ‬وتشتهر‭ ‬دمياط‭ ‬أيضاً‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬المدينة،‭ ‬المكرونة‭ (‬أو‭ ‬المعكرونة‭) ‬الحلوة،‭ ‬والتي‭ ‬تطهى‭ ‬في‭ ‬اللبن‭ ‬مع‭ ‬السكر‭ ‬وجوز‭ ‬الهند،‭ ‬وتقدم‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مكعبات‭. ‬الحلوى‭ ‬نفسها‭ ‬وجدناها‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬رأس‭ ‬البر‭ ‬الشهيرة،‭ ‬والتي‭ ‬تبعد‭ ‬حوالي‭ ‬عشرين‭ ‬كيلومتراً‭ ‬عن‭ ‬دمياط‭.‬

 

كعك‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬الواحات

الواحات‭ ‬المصرية‭ ‬حالة‭ ‬ثقافية‭ ‬خاصة،‭ ‬ولها‭ ‬أيضاً‭ ‬حلواها‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬منذ‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬باحتفالاتها‭. ‬ومن‭ ‬الطقوس‭ ‬في‭ ‬الواحات‭ ‬الخارجة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬‮«‬الصباحية‮»‬‭ ‬يتم‭ ‬الاحتفال‭ ‬بما‭ ‬يعرف‭ ‬بكعك‭ ‬السعادة،‭ ‬والذي‭ ‬يوضع‭ ‬في‭ ‬سلال‭ ‬خاصة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬مرجونة‮»‬‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬سعف‭ ‬نخيل‭ ‬التمر‭ ‬والدوم،‭ ‬وتوضع‭ ‬بها‭ ‬الكعكات‭ ‬وتقدم‭ ‬للضيوف‭ ‬المهنئين،‭ ‬حيث‭ ‬يشترط‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬كل‭ ‬ضيف‭ ‬عدداً‭ ‬زوجياً‭ ‬منه،‭ ‬جلباً‭ ‬للفأل‭ ‬الحسن‭. ‬

ونذهب‭ ‬إلى‭ ‬الواحات‭ ‬الداخلة‭ ‬فنجد‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬الاستعداد‭ ‬للأعراس‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬ليلة‭ ‬الزفاف،‭ ‬وذلك‭ ‬بإعداد‭ ‬عدة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الكعك‭ ‬والفطائر‭ ‬الحلوة‭ ‬و«القرقوش‮»‬‭ (‬وهو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المعجنات‭ ‬يجفف‭ ‬في‭ ‬الفرن‭) ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تناوله‭ ‬مع‭ ‬الشاي‭. ‬وفي‭ ‬قرية‭ ‬تنيدة‭ ‬بالداخلة‭ ‬يتم‭ ‬إعداد‭ ‬‮«‬القلية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬حبوب‭ ‬القمح‭ ‬مع‭ ‬خميرة‭ ‬الخبز‭ ‬لمدة‭ ‬12‭ ‬ساعة‭ ‬تقريباً‭ ‬ثم‭ ‬تنشر‭ ‬لتجفف‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬وتؤكل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬السكر‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬واحة‭ ‬سيوة‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬غرب‭ ‬مصر،‭ ‬وحيث‭ ‬تسود‭ ‬ثقافة‭ ‬أمازيغية‭ ‬مصرية‭ ‬ثرية‭ ‬بالعادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬نجد‭ ‬أصنافاً‭ ‬مغايرة‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭.‬‭ ‬يعطينا‭ ‬محمد‭ ‬عمران‭ ‬أحد‭ ‬أبناء‭ ‬الواحة‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬حلوى‭ ‬سوداء‭ ‬اللون،‭ ‬ويقول‭: ‬هذه‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬لبسيس‮»‬،‭ ‬ومنها‭ ‬نوعان‭: ‬أسود‭ ‬وأبيض،‭ ‬الأسود‭ ‬يصنع‭ ‬من‭ ‬التمر‭ ‬المطحون،‭ ‬والأبيض‭ ‬من‭ ‬الحمص‭ ‬الجاف‭ ‬المطحون‭ ‬المحلى‭ ‬بالسكر،‭ ‬ويضاف‭ ‬له‭ ‬حليب‭ ‬الماعز‭ ‬والسمن‭. ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬لديهم‭ ‬حلوى‭ ‬أخرى‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬تانقوطعت‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تقدم‭ ‬عادة‭ ‬على‭ ‬الإفطار‭ ‬بمناسبة‭ ‬ولادة‭ ‬طفل‭ ‬جديد،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شرائح‭ ‬من‭ ‬العجين‭ ‬الجاف‭ ‬مع‭ ‬الحلبة‭ (‬مكرونة‭ ‬محلية‭ ‬الصنع‭) ‬وتخلط‭ ‬بالسمن‭ ‬والسكر‭. ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬لديهم‭ ‬خبز‭ ‬حلو‭ ‬يصنع‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬أنواع‭ ‬التمور‭ ‬التي‭ ‬تصحن‭ ‬وتخلط‭ ‬بالدقيق‭ ‬وتسوى،‭ ‬وتقدم‭ ‬عادة‭ ‬للضيوف‭ ‬في‭ ‬حفلات‭ ‬الزفاف،‭ ‬وللعروسين‭.‬

 

الحلو‭ ‬النوبي

النوبة‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المصرية‭ ‬المميزة‭ ‬أيضاً‭ ‬بعاداتها‭ ‬وتقاليدها،‭ ‬وتدخل‭ ‬الحلوى‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الطقوس‭ ‬الاحتفالية‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬والمناسبات‭ ‬الدينية‭. ‬في‭ ‬قرية‭ ‬غرب‭ ‬سهيل‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬جنوب‭ ‬أسوان،‭ ‬يقدمون‭ ‬طبقاً‭ ‬مختلطاً‭ ‬نصفه‭ ‬أحمر،‭ ‬ونصفه‭ ‬أصفر،‭ ‬يخبرنا‭ ‬المرافق‭ ‬النوبي‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬بأنه‭ ‬مصنوع‭ ‬من‭ ‬الجيلي‭ ‬والكاستر،‭ ‬ويسمى‭ ‬طبق‭ ‬الحلو،‭ ‬ويقدم‭ ‬في‭ ‬أطباق‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الألمنيوم‭ ‬بعد‭ ‬العشاء‭ ‬في‭ ‬الأعراس‭. ‬ومن‭ ‬الطقوس‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالحلوى‭ ‬وقوف‭ ‬الشباب‭ ‬النوبيين‭ ‬لتوزيع‭ ‬نوع‭ ‬منها‭ ‬صغير‭ ‬الحجم‭ ‬وملون‭ ‬ويكسو‭ ‬حبات‭ ‬من‭ ‬الحمص‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الصلاة‭ ‬يوم‭ ‬العيد‭. ‬وفي‭ ‬الأعياد‭ ‬والأعراس‭ ‬تقدم‭ ‬حلوى‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬كاروم‭ ‬مديد‮»‬‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬الدقيق‭ ‬والحلبة‭ ‬والمربى‭ ‬والعسل‭. ‬كذلك‭ ‬يتناولون‭ ‬التمر‭ ‬المغلي‭ ‬مع‭ ‬السكر،‭ ‬والحلوى‭ ‬نفسها‭ ‬تقدم‭ ‬في‭ ‬عاشوراء‭. ‬

ويحب‭ ‬النوبيون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالشكل‭ ‬وأسلوب‭ ‬التقديم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬الحلوى‭ ‬في‭ ‬سلال‭ ‬ملونة‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬خوص‭ ‬نخيل‭ ‬الدوم‭ ‬وأعواد‭ ‬القمح،‭ ‬دقيقة‭ ‬الصنع‭. ‬

‮«‬سلة‭ ‬جودان‭ ‬كونتي‮»‬،‭ ‬مخصصة‭ ‬لزجاجات‭ ‬‮«‬الشربات‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأعراس‭. ‬توجد‭ ‬أيضاً‭ ‬سلال‭ ‬للحلوى‭ ‬مثل‭ ‬طبق‭ ‬‮«‬الوليل‮»‬‭ ‬وسلة‭ ‬‮«‬الكرج‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬المولد‭ ‬توضع‭ ‬الحلوى‭ ‬في‭ ‬السلال‭ ‬مع‭ ‬حبات‭ ‬الفول‭ ‬السوداني‭. ‬وفي‭ ‬أسبوع‭ ‬المولود‭ ‬تشترك‭ ‬خمس‭ ‬بنات‭ ‬صغيرات‭ ‬مع‭ ‬صبي‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬حمل‭ ‬سلة‭ ‬من‭ ‬الخوص‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قارب‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬آدا‮»‬،‭ ‬ويضعون‭ ‬فيه‭ ‬سبعة‭ ‬أزواج‭ ‬من‭ ‬التمر،‭ ‬ويرفعونه،‭ ‬ويخفضونه‭ ‬سبع‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الشمس‭. ‬ويوضع‭ ‬في‭ ‬طبق‭ ‬مماثل‭ ‬سبعة‭ ‬أزواج‭ ‬من‭ ‬الخبز‭ ‬مع‭ ‬الحلوى‭ ‬والملح،‭ ‬وتحمل‭ ‬سبع‭ ‬سيدات‭ ‬الطفل‭ ‬المولود‭ ‬موضوعاً‭ ‬في‭ ‬طبق‭ ‬ثالث‭ ‬من‭ ‬الخوص‭ ‬أيضاً،‭ ‬ويؤرجحونه‭ ‬سبع‭ ‬مرات،‭ ‬ويحرقن‭ ‬الملح‭ ‬الرشيدي،‭ ‬ويؤخذ‭ ‬الطبق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وبه‭ ‬سبعة‭ ‬أرغفة،‭ ‬ويتم‭ ‬إشعاله،‭ ‬ويوضع‭ ‬في‭ ‬النيل‭ ‬ليمضي‭ ‬مع‭ ‬التيار،‭ ‬ويغسل‭ ‬وجه‭ ‬الطفل‭ ‬بماء‭ ‬النهر‭.‬

ويستعد‭ ‬النوبيون‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان‭ ‬بخبز‭ ‬‮«‬الإبريق‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬عجين‭ ‬من‭ ‬الدقيق،‭ ‬يخبز‭ ‬على‭ ‬‮«‬دوكة‭ ‬حديد‮»‬‭ ‬ويخزن‭ ‬في‭ ‬صناديق‭ ‬ورقية،‭ ‬وقبل‭ ‬الإفطار‭ ‬يكسر‭ ‬ويخلط‭ ‬بعصير‭ ‬الليمون،‭ ‬وهو‭ ‬المشروب‭ ‬المفضل‭ ‬لدى‭ ‬النوبيين،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬مظاهر‭ ‬الاحتفال‭ ‬الرمضاني‭. ‬وهناك‭ ‬أيضاً‭ ‬مشروب‭ ‬‮«‬الحلو‭ ‬مر‮»‬‭ ‬ولونه‭ ‬أحمر،‭ ‬ويخلط‭ ‬ببعض‭ ‬البهارات‭. ‬ومن‭ ‬الحلوى‭ ‬الرمضانية‭ ‬أيضاً‭ ‬الشعرية‭ ‬باللبن‭ ‬والسكر،‭ ‬وأيضاً‭ ‬حلوى‭ ‬‮«‬الفتي‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬فطير‭ ‬مخبوز‭ ‬بالسكر‭ ‬والزبادي‭.‬

 

حلوى‭ ‬القبائل

يسكن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأقاليم‭ ‬المصرية،‭ ‬ويبرز‭ ‬التمر‭ ‬ومشتقاته،‭ ‬وما‭ ‬يصنع‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬حلوى‭ ‬كملمح‭ ‬رئيس‭ ‬لديهم،‭ ‬حيث‭ ‬يقدم‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬صور‭ ‬للضيوف‭ ‬وفي‭ ‬الأعراس،‭ ‬منها‭ ‬أنه‭ ‬يحشى‭ ‬بعجائن‭ ‬المكسرات،‭ ‬أو‭ ‬بحبات‭ ‬اللوز‭ ‬الصحيحة،‭ ‬كما‭ ‬تقدم‭ ‬العجوة،‭ ‬التي‭ ‬تخلط‭ ‬أحياناً‭ ‬ببعض‭ ‬النكهات‭. ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬أبي‭ ‬رماد‭ ‬بمحافظة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬التي‭ ‬ينتشر‭ ‬بها‭ ‬قبائل‭ ‬العبابدة‭ ‬والبشارية‭ ‬والجعافرة،‭ ‬المعروفة‭ ‬بأصالتها‭ ‬وتراثها،‭ ‬نجد‭ ‬أيضاً‭ ‬أنواعاً‭ ‬من‭ ‬العصيدة‭ ‬الحلوة،‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬‮«‬الفيتريتا‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الذرة‭ ‬الصغيرة‭ ‬بحجم‭ ‬العدس‭ ‬تقريباً،‭ ‬كما‭ ‬يصنع‭ ‬منها‭ ‬‮«‬الحلو‭ ‬مر‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تبلل‭ ‬‮«‬الفيتريتا‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬تنبت‭ ‬فوق‭ ‬الخيش،‭ ‬ثم‭ ‬تجفف‭ ‬على‭ ‬حصير‭ ‬في‭ ‬الشمس،‭ ‬وتطحن‭ ‬ويضاف‭ ‬لها‭ ‬الكركديه‭ ‬والقرفة‭ ‬والكورينجال‭ ‬والحبهان‭ ‬والحلبة‭ ‬والزنجبيل‭ ‬والقرنفل‭ ‬وينقع‭ ‬الخليط،‭ ‬ويتم‭ ‬تناوله‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬الكسرة‮»‬‭ ‬و«الجبورية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الأصناف‭ ‬المحببة‭ ‬هنا‭.‬

 

حلوى‭ ‬الإسكندرية

باعتبارها‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬كوزمبوليتانية‮»‬‭ ‬التاريخ،‭ ‬فإنها‭ ‬تضم‭ ‬خليطاً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬تحتفظ‭ ‬المدينة‭ ‬العريقة‭ ‬ببقايا‭ ‬من‭ ‬عصرها‭ ‬الذهبي‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬كما‭ ‬تحفل‭ ‬بأصناف‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬المصرية‭ ‬الشعبية‭. ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬الساحلية‭ ‬الشهيرة‭ ‬لاقتفاء‭ ‬أثر‭ ‬الحلوى،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬سلاسل‭ ‬محالها‭ ‬يضم‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الفروع‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الشوارع‭. ‬وتعتبر‭ ‬هريستها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مشتريات‭ ‬الوافدين‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬لقضاء‭ ‬إجازة‭ ‬الصيف،‭ ‬وهي‭ ‬تباع‭ ‬بأرخص‭ ‬أسعار‭ ‬ممكنة‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬الكم‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬المبيعات،‭ ‬حيث‭ ‬يصل‭ ‬سعر‭ ‬بعض‭ ‬الأنواع‭ ‬المحشوة‭ ‬بالمكسرات‭ ‬إلى‭ ‬بضع‭ ‬وثلاثين‭ ‬جنيهاً‭ ‬للكيلو‭. ‬أما‭ ‬‮«‬الفريسكا‮»‬‭ ‬فهي‭ ‬أشهر‭ ‬حلوى‭ ‬سكندرية‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالشواطئ،‭ ‬حيث‭ ‬يحمل‭ ‬بائعوها‭ ‬صناديقهم‭ ‬الخشبية‭ ‬ذات‭ ‬الواجهات‭ ‬الزجاجية،‭ ‬ويطوفون‭ ‬الشواطئ،‭ ‬ليبيعوا‭ ‬حلواهم‭ ‬الرخيصة‭. ‬اسمها‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإيطالية،‭ ‬ويعود‭ ‬إلى‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬بالمدينة‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الجاليات‭ ‬الأوربية،‭ ‬ولكن‭ ‬الحلوى‭ ‬هي‭ ‬اختراع‭ ‬سكندري‭ ‬هجين‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الحلوى،‭ ‬حيث‭ ‬يشبه‭ ‬الحشو‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬الفول‭ ‬السوداني‭ ‬أو‭ ‬السمسم‭ ‬أو‭ ‬المكسرات‭ ‬الممزوجة‭ ‬بالعسل‭ ‬الحلوى‭ ‬الشرقية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬التركية‭ ‬والسورية،‭ ‬مع‭ ‬طبقة‭ ‬الويفر‭ ‬ذات‭ ‬الأصول‭ ‬الغربية‭. ‬ومن‭ ‬الإسكندرية‭ ‬انتشرت‭ ‬الفريسكا‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬المصايف‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الفترات‭ ‬إلى‭ ‬حلوى‭ ‬شعبية،‭ ‬ثم‭ ‬أعيد‭ ‬لها‭ ‬الاعتبار‭ ‬عند‭ ‬دخولها‭ ‬إلى‭ ‬القرى‭ ‬السياحية‭ ‬والمنتجعات‭ ‬الفاخرة‭. ‬والآن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يقتصر‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬الشواطئ،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬الصيف،‭ ‬حيث‭ ‬صارت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬نوادي‭ ‬القاهرة‭.‬

‮«‬ديليس‮»‬‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬أقدم‭ ‬محال‭ ‬بيع‭ ‬الحلوى‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬ويعني‭ ‬اسمه‭ ‬الفرنسي‭ (‬لذيذ‭) ‬وهو‭ ‬ذو‭ ‬طابع‭ ‬يوناني،‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬موستاكس‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬افتتحه‭ ‬عام‭ ‬1907،‭ ‬وهو‭ ‬المحل‭ ‬الذي‭ ‬صنع‭ ‬كعكة‭ ‬تتويج‭ ‬الملك‭ ‬فاروق‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬مصر‭ ‬أواخر‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬صاحبه‭ ‬ابتدع‭ ‬حيلة‭ ‬ترويجية‭ ‬عند‭ ‬الافتتاح،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬شعار‭: ‬‮«‬كل‭ ‬ما‭ ‬تريد،‭ ‬وادفع‭ ‬ما‭ ‬تستطيع‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬منح‭ ‬المكان‭ ‬شهرة‭ ‬سريعة‭. ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬مازالت‭ ‬حفيدة‭ ‬المؤسس‭ ‬تدير‭ ‬المحل‭ ‬محافظةً‭ ‬على‭ ‬طابعه‭ ‬الكلاسيكي،‭ ‬ليبقى‭ ‬أحد‭ ‬المعالم‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬بمحطة‭ ‬الرمل‭. ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬زبائنه‭ ‬السابقين‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬بالمدينة،‭ ‬كذلك‭ ‬الكاتب‭ ‬العالمي‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يكتفي‭ ‬بشرب‭ ‬القهوة‭ ‬وقراءة‭ ‬الجرائد‭ ‬به،‭ ‬ثم‭ ‬يأخذ‭ ‬معه‭ ‬قطعاً‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬ويغادر،‭ ‬وفقاً‭ ‬لمديرة‭ ‬المكان‭. ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬يتوافدون‭ ‬عليه‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬وجودهم‭ ‬بالإسكندرية‭ ‬لأجل‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية،‭ ‬أو‭ ‬لتصوير‭ ‬الأعمال‭ ‬السينمائية‭.‬

هكذا‭ ‬يتأكد‭ ‬لنا‭ ‬كلما‭ ‬خطونا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الحلوى‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬تاريخ،‭ ‬وتراث،‭ ‬وثقافة‭ ‬تشكلت‭ ‬عبر‭ ‬مئات‭ ‬بل‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬وهي‭ ‬تشي‭ ‬بالكثير‭ ‬عن‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬أبدعتها،‭ ‬والشعوب‭ ‬التي‭ ‬استقبلتها‭ ‬وطورتها‭. ‬

 

حلوى‭ ‬إفرنجية

‮«‬جروبي‮»‬‭ ‬و«سيموندس‮»‬‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬قريبا‭ ‬الشبه‭ ‬من‭ ‬‮«‬ديليس‮»‬‭ ‬الإسكندرية‭. ‬الجميع‭ ‬يؤرخ‭ ‬للحلوى‭ ‬الإفرنجية‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬واستمرت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬كانت‭ ‬في‭ ‬بداياتها‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالجاليات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬والفئات‭ ‬الميسورة‭ ‬من‭ ‬أمراء‭ ‬وباشاوات،‭ ‬ثم‭ ‬صارت‭ ‬متاحة‭ ‬للطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬العريقة‭ ‬تعتبر‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬الكلاسيكيات،‭ ‬ويرجع‭ ‬أغلب‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تذوق‭ ‬طعم‭ ‬زمن‭ ‬جميل‭ ‬مضى‭. ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بقاء‭ ‬معظمها‭ ‬في‭ ‬البنايات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الأوربي‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬التي‭ ‬أنشئت‭ ‬منذ‭ ‬الثلث‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬كذلك‭ ‬احتفظت‭ ‬بطابع‭ ‬تصميمها‭ ‬الداخلي‭ ‬وفاترينات‭ ‬العرض‭ ‬القديمة،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الأصناف‭ ‬التي‭ ‬احتفظت‭ ‬بشكلها‭ ‬ومذاقها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سحر‭ ‬التاريخ،‭ ‬والحكايات‭ ‬التي‭ ‬تروى‭ ‬عن‭ ‬مرتاديها‭ ‬من‭ ‬المشاهير،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬سينمائية‭ ‬قديمة‭.‬

 

حلوى‭ ‬بكل‭ ‬اللغات

في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬عودة‭ ‬الوعي‮»‬‭ ‬قال‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬‮«‬جروبي‮»‬‭ ‬صبيحة‭ ‬الثالث‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬عندما‭ ‬لاحظ‭ ‬تحركات‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬علم‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنها‭ ‬حركة‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار،‭ ‬والتي‭ ‬عرفت‭ ‬لاحقاً‭ ‬بثورة‭ ‬يوليو‭. ‬المكان‭ ‬ذو‭ ‬الطابع‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬أنشئ‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬السويسري‭ ‬جياكومو‭ ‬جروبي،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬صار‭ ‬قبلة‭ ‬للمشاهير‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬مجالات‭ ‬السياسة‭ ‬والفكر‭ ‬والفنون‭.‬

كان‭ ‬الملك‭ ‬فاروق‭ ‬يزور‭ ‬المكان‭ ‬باستمرار،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬أصحاب‭ ‬المحل‭ ‬يصنعون‭ ‬فنجاناً‭ ‬وطبقاً‭ ‬من‭ ‬الذهب،‭ ‬ويكتبون‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬الملك،‭ ‬ليقدموا‭ ‬له‭ ‬الشاي‭ ‬والحلوى‭ ‬التي‭ ‬يحبها‭ ‬حصرياً‭ ‬فيهما‭. ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬يشتري‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬حلواه‭ ‬ومنتجاته،‭ ‬ليهديها‭ ‬إلى‭ ‬أصدقائه‭ ‬من‭ ‬ملوك‭ ‬أوربا‭. ‬شهرة‭ ‬‮«‬جروبي‮»‬‭ ‬جعلت‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬الألماني‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬الجنرال‭ ‬روميل،‭ ‬يقول‭: ‬سأذهب‭ ‬لشرب‭ ‬الشاي‭ ‬في‭ ‬‮«‬جروبي‮»‬‭ ‬قريباً،‭ ‬كناية‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬انتصاره‭ ‬ودخوله‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭. ‬كان‭ ‬وقتها‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬العلمين‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬الشمالي‭ ‬الغربي‭ ‬لمصر‭.‬

أم‭ ‬كلثوم‭ ‬كانت‭ ‬تبدأ‭ ‬يومها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬بكوب‭ ‬من‭ ‬الشاي‭ ‬مع‭ ‬الحلوى‭ ‬في‭ ‬‮«‬جروبي‮»‬،‭ ‬وفقاً‭ ‬لأحد‭ ‬قدامى‭ ‬مرتادي‭ ‬المكان‭. ‬الفنان‭ ‬عمر‭ ‬الشريف‭ ‬أيضاً‭ ‬التقى‭ ‬المخرج‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬فيه،‭ ‬عندما‭ ‬ذهب‭ ‬بصحبة‭ ‬صديقه‭ ‬الممثل‭ ‬المبتدئ‭ ‬وقتها‭ ‬أحمد‭ ‬رمزي،‭ ‬ذلك‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬بترشيحه‭ ‬بالمصادفة‭ ‬لبطولة‭ ‬أول‭ ‬أفلامه‭ ‬‮«‬صراع‭ ‬في‭ ‬الوادي‮»‬‭ ‬مع‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬سبقته‭ ‬بخطوات‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬النجومية‭. ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬أيضاً‭ ‬زبوناً‭ ‬دائماً،‭ ‬تشتري‭ ‬الشوكولاتة‭ ‬من‭ ‬المحل‭. ‬المخرج‭ ‬عاطف‭ ‬سالم‭ ‬أيضاً‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المترددين‭ ‬على‭ ‬الحلواني‭ ‬الأشهر‭.‬

قدم‭ ‬المكان‭ ‬منذ‭ ‬إنشائه‭ ‬أنواعاً‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬الغربية،‭ ‬والآيس‭ ‬كريم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العصائر‭ ‬والشوكولاتة،‭ ‬والمخبوزات‭. ‬وأدخل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬أنواعاً‭ ‬جديدة‭. ‬كما‭ ‬بدأ‭ ‬بإنشاء‭ ‬فروع‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬القاهرة‭ ‬وضاحية‭ ‬مصر‭ ‬الجديدة‭. ‬وتعتبر‭ ‬حلوى‭ ‬‮«‬المارون‭ ‬جلاسيه‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬فروة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الكستناء‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬وأغلى‭ ‬الأنواع‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭.‬

 

غزل‭ ‬البنات

في‭ ‬الريف‭ ‬كان‭ ‬بائعو‭ ‬غزل‭ ‬البنات‭ ‬الجوالون‭ ‬يطوفون‭ ‬بحلواهم،‭ ‬التي‭ ‬يتضاءل‭ ‬حجمها‭ ‬كلما‭ ‬ساروا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الشمس،‭ ‬فيضطرون‭ ‬لتخفيض‭ ‬ثمنها‭. ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬حَلَبسَّة‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬الحلوى‭ ‬العالمية‭ ‬محببة‭ ‬خصوصاً‭ ‬للأطفال‭. ‬وتتنوع‭ ‬أسماؤها‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬وتشترك‭ ‬في‭ ‬مظهرها‭ ‬القطني،‭ ‬وطريقة‭ ‬تصنيعها‭ ‬من‭ ‬السكر‭ ‬بالطرد‭ ‬المركزي‭. ‬ترى‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬أنها‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬ويرجعها‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬لكن‭ ‬الماكينة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بصنعها‭ ‬هي‭ ‬اختراع‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬طبيب‭ ‬الأسنان‭ ‬وليام‭ ‬موريسون‭ ‬والحلواني‭ ‬جون‭ ‬وارتون،‭ ‬وكانت‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬خيط‭ ‬الجنيه‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حلوى‭ ‬القطن‮»‬‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬التي‭ ‬تحتفل‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬باليوم‭ ‬الوطني‭ ‬لها‭. ‬ومن‭ ‬أسمائها‭ ‬حرير‭ ‬الصبايا‭ ‬وحلوى‭ ‬العشاق‭.‬

 

حلاوة‭ ‬الطعم‭ ‬ومرارة‭ ‬الذكرى

‮«‬أم‭ ‬علي‮»‬‭ ‬حلوى‭ ‬بريئة‭ ‬صنعها‭ ‬الانتقام‭. ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬الأصناف‭ ‬المحببة،‭ ‬وهي‭ ‬تباع‭ ‬لدى‭ ‬المطاعم‭ ‬ومحال‭ ‬بيع‭ ‬الحلوى‭ ‬الشعبية،‭ ‬وتصنع‭ ‬بعدة‭ ‬طرق،‭ ‬لكن‭ ‬أساسها‭ ‬هو‭ ‬رقائق‭ ‬من‭ ‬عجين‭ ‬مطهو‭ ‬ولبن‭ ‬وسكر‭. ‬يصنعها‭ ‬البعض‭ ‬منزلياً‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬الخبز‭ ‬الإفرنجي،‭ ‬أو‭ ‬قطع‭ ‬‮«‬الكرواسون‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬رقائق‭ ‬خاصة‭ ‬تباع‭ ‬جاهزة‭ ‬خصيصاً‭ ‬لها‭. ‬ترجع‭ ‬تاريخياً‭ ‬إلى‭ ‬حقبة‭ ‬خاصة‭ ‬وحرجة،‭ ‬حيث‭ ‬ينسب‭ ‬الاسم‭ ‬إلى‭ ‬زوجة‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬أيبك‭ ‬أول‭ ‬سلاطين‭ ‬المماليك،‭ ‬وزوج‭ ‬الملكة‭ ‬الشهيرة‭ ‬شجرة‭ ‬الدر‭. ‬كانت‭ ‬المنطقة‭ ‬تعيش‭ ‬أهوال‭ ‬الحملات‭ ‬الصليبية،‭ ‬وكانت‭ ‬شجرة‭ ‬الدر‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬حياتها‭ ‬جارية‭ ‬للسلطان‭ ‬الأيوبي‭ ‬نجم‭ ‬الدين‭ ‬قد‭ ‬اعتلت‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجها،‭ ‬وخبأت‭ ‬خبر‭ ‬وفاته،‭ ‬وظلت‭ ‬تقود‭ ‬المعارك،‭ ‬وتصدر‭ ‬الأوامر،‭ ‬وتستعمل‭ ‬خاتمه‭ ‬الخاص،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬معنويات‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬المعارك‭. ‬ولكن‭ ‬أيبك‭ ‬تمرد‭ ‬عليها‭ ‬وتزوج‭ ‬غيرها،‭ ‬فكادت‭ ‬له‭ ‬وقتلته،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬الأولى‭ (‬أم‭ ‬علي‭) ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تخلصت‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬واقعة‭ ‬تتعدد‭ ‬حولها‭ ‬الروايات،‭ ‬أشهرها‭ ‬أنها‭ ‬قتلتها‭ ‬ضرباً‭ ‬بالقباقيب‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجواري‭ ‬في‭ ‬الحمام،‭ ‬فاحتفلت‭ ‬بصنف‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬يضم‭ ‬الدقيق‭ ‬واللبن،‭ ‬لتحمل‭ ‬الحلوى‭ ‬اسمها‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وتتنوع‭ ‬صورها‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬تعرف‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬العراق‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الخميعة‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬السودان‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬فتة‭ ‬اللبن‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬يعرفها‭ ‬السعوديون‭ ‬ويقدمونها‭ ‬في‭ ‬الاحتفالات‭ ‬والأعراس‭.‬

 

سوبيا

البوظة‭ ‬الحلوة‭ ‬هي‭ ‬بخلاف‭ ‬البوظة‭ ‬العربية‭ ‬المثلجة،‭ ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬البوظة‭ ‬المسكرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وتمتلئ‭ ‬بها‭ ‬روايات‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭. ‬البوظة‭ ‬التي‭ ‬نتحدث‭ ‬عنها‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬مادة‭ ‬بين‭ ‬الصلابة‭ ‬والسيولة‭ ‬طعمها‭ ‬حلو‭ ‬مع‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬اللذوعة،‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬في‭ ‬الموالد‭ ‬والأسواق‭ ‬الشعبية‭ ‬الأسبوعية‭. ‬ويرش‭ ‬عليها‭ ‬القرفة‭ ‬أحياناً،‭ ‬أو‭ ‬الكاكاو،‭ ‬وهي‭ ‬تصنع‭ ‬بتخمير‭ ‬عجين‭ ‬ما،‭ ‬يقال‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬الخبز‭ ‬الذي‭ ‬يعاد‭ ‬نقعه‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬وتركه‭ ‬حتى‭ ‬يتخمر،‭ ‬وهرسه‭ ‬جيداً،‭ ‬ثم‭ ‬يضاف‭ ‬السكر‭ ‬الذي‭ ‬يحفظ‭ ‬الخليط‭ ‬من‭ ‬التلف‭ ‬أو‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬كحول‭. ‬وكان‭ ‬يفضل‭ ‬تناولها‭ ‬بسرعة‭ ‬وعدم‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بها‭ ‬طويلاً‭ ‬لأنها‭ ‬تتخمر،‭ ‬وتزداد‭ ‬حجماً‭ ‬ولذوعة‭.‬

في‭ ‬منطقة‭ ‬السيدة‭ ‬زينب‭ ‬حلوى‭ ‬مميزة‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬سوبيا‭ ‬الرحماني‮»‬،‭ ‬ومنها‭ ‬نوعان‭ ‬‮«‬مزز‮»‬‭ (‬لاذع‭)‬و«حلو‮»‬‭ ‬الأول‭ ‬قريب‭ ‬الشبه‭ ‬لبوظة‭ ‬الريف‭ ‬تلك،‭ ‬أما‭ ‬الحلو‭ ‬فهو‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬المهلبية‮»‬‭ ‬الممزوجة‭ ‬بشرائح‭ ‬جوز‭ ‬الهند،‭ ‬ويشدد‭ ‬المحل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬لديه‭ ‬فروع‭ ‬أخرى‭.‬

 

الجميلة‭ ‬والفارس

العروسة‭ ‬والحصان‭ ‬هي‭ ‬قطع‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬المنحوتة‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬فنية،‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالمولد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬ترجع‭ ‬أصولها‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الفاطمي،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬الحاكم‭ ‬بأمر‭ ‬الله‭ ‬كان‭ ‬يخرج‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬ضمن‭ ‬موكب،‭ ‬ومعه‭ ‬زوجته‭ ‬التي‭ ‬تزين‭ ‬رأسها‭ ‬بطوق‭ ‬من‭ ‬الياسمين،‭ ‬وإن‭ ‬المصريين‭ ‬أبدعوا‭ ‬تماثيل‭ ‬الحلوى‭ ‬للعروس‭ ‬استلهاماً‭ ‬منها،‭ ‬أما‭ ‬الحصان‭ ‬الذي‭ ‬يعتليه‭ ‬الفارس‭ ‬فهو‭ ‬الحاكم‭ ‬نفسه،‭ ‬والذي‭ ‬تطور‭ ‬شكله‭ ‬وتماس‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭. ‬ولا‭ ‬يستبعد‭ ‬البعض‭ ‬وجود‭ ‬أصول‭ ‬قبطية‭ ‬للعروسة‭ ‬والحصان،‭ ‬حيث‭ ‬الشبه‭ ‬بين‭ ‬الفارس‭ ‬وصور‭ ‬القديسين،‭ ‬وهم‭ ‬يطعنون‭ ‬الشيطان‭ ‬بحرابهم‭. ‬وأشهرهم‭ ‬‮«‬مار‭ ‬جرجس‮»‬‭ ‬و«مار‭ ‬مينا‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬صورة‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬الديانة‭ ‬‮«‬الميثرية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬قبل‭ ‬ألفي‭ ‬عام‭. ‬أيضاً‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬العروس‭ ‬بعيدة‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬صور‭ ‬ارتبطت‭ ‬بعدة‭ ‬عقائد،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الأصول‭ ‬توارت،‭ ‬وأفسحت‭ ‬المجال‭ ‬للبعد‭ ‬الاحتفالي‭ ‬الشعبي‭.‬

وقال‭ ‬عميد‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬الشعبية،‭ ‬د‭. ‬سميح‭ ‬شعلان،‭ ‬معلقاً‭: ‬إن‭ ‬الحلوى‭ ‬الشعبية‭ ‬تحمل‭ ‬خصائص‭ ‬وأحلام‭ ‬كل‭ ‬مجموعة‭ ‬بشرية‭ ‬تصنعها‭. ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬العروسة‭ ‬الحلاوة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬مزينة‭ ‬وجميلة،‭ ‬وتجلب‭ ‬للفتيات‭ ‬الصغيرات،‭ ‬ليحل‭ ‬فيهن‭ ‬جمالها‭ ‬وزينتها‭. ‬نجد‭ ‬أيضاً‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬يشترون‭ ‬للذكور‭ ‬أحصنة‭ ‬الحلوى،‭ ‬تمنياً‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬الولد‭ ‬فارساً،‭ ‬ثم‭ ‬كسراً‭ ‬للرتابة‭ ‬والاعتياد‭ ‬ظهرت‭ ‬أشكال‭ ‬أخرى‭ ‬كالمدفع‭ ‬والسفينة‭ ‬والهدهد،‭ ‬لكن‭ ‬الأساس‭ ‬هو‭ ‬العروسة‭ ‬والحصان،‭ ‬كرغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬المأكول‭ ‬في‭ ‬الآكل‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬قوالب،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المحبذ‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬الأطفال‭ ‬السكر‭ ‬المخصص‭ ‬للبيت‭ ‬وللضيوف،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬عرائس‭ ‬وأحصنة‭ ‬السكر‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬تخصيص‭ ‬ذلك‭ ‬السكر‭ ‬للأطفال،‭ ‬لينأوا‭ ‬عن‭ ‬سكر‭ ‬الكبار‭.‬

وتفنن‭ ‬الفنان‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬ملامح‭ ‬الحلوى‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬عملاً‭ ‬نحتياً‭ ‬يتم‭ ‬عمل‭ ‬قوالب‭ ‬عليه‭ ‬ليعاد‭ ‬نسخه‭ ‬بمادة‭ ‬السكر،‭ ‬ويزين‭ ‬بالأوراق‭ ‬الملونة‭ ‬التي‭ ‬تناسب‭ ‬الأطفال،‭ ‬وتحقق‭ ‬المتعة‭ ‬البصرية‭. ‬والسكر‭ ‬يعتبر‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬التمتع‭ ‬بالحياة‭. ‬وتسعى‭ ‬الجماعة‭ ‬الشعبية‭ ‬لأن‭ ‬توفر‭ ‬لكل‭ ‬فئة‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬لها‭ ‬السعادة‭. ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬بأدوار‭ ‬اجتماعية‭ ‬وأحياناً‭ ‬سياسية‭. ‬سنجد‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬السلاطين‭ ‬كانوا‭ ‬يضعون‭ ‬قطعاً‭ ‬نقدية‭ ‬في‭ ‬الكعك‭ ‬المقدم‭ ‬للعامة‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التقدمات‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬رمزية‭ ‬العطاء‭ ‬من‭ ‬الحاكم‭ ‬للعامة‭. ‬وهناك‭ ‬أيضاً‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الفُطرة‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬تقدم‭ ‬للزائرين‭ ‬صبيحة‭ ‬عيد‭ ‬الفطر،‭ ‬وفي‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬الحكام‭ ‬يوزعونها‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬المصالحة‭. ‬

 

حلوى‭ ‬مغربية

من‭ ‬المشرق‭ ‬الشهير‭ ‬بحلواه،‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬مغايرة،‭ ‬أنتجت‭ ‬عبر‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬خصوصية‭ ‬مذاق،‭ ‬ارتبط‭ ‬أيضاً‭ ‬بالمناسبات‭ ‬السعيدة‭. ‬جولة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المغربية‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التقاوت‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الحلوى‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بشهر‭ ‬رمضان‭. ‬تصنع‭ ‬منزلياً‭ ‬في‭ ‬الأساس،‭ ‬ولكن‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭. ‬

تصنع‭ ‬حلوى‭ ‬التقاوت،‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬‮«‬السفوف‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬أخرى‭ ‬‮«‬السلو‮»‬‭ ‬من‭ ‬الدقيق‭ ‬المحمص‭ ‬في‭ ‬الفرن‭ ‬مع‭ ‬مسحوق‭ ‬اللوز‭ ‬المسلوق‭ ‬مع‭ ‬العسل‭ ‬وزيت‭ ‬الزيتون‭ ‬والزبد‭ ‬و«الجلجلان‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬السمسم،‭ ‬مع‭ ‬‮«‬النافع‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬الينسون‭. ‬البعض‭ ‬يفضله‭ ‬مسحوقاً،‭ ‬وآخرون‭ ‬يفضلونه‭ ‬متماسكاً،‭ ‬كما‭ ‬يضع‭ ‬البعض‭ ‬عليه‭ ‬جوزة‭ ‬الطيب‭. ‬ويؤكل‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬على‭ ‬الفطور‭. ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬يتعلق‭ ‬بحلوى‭ ‬‮«‬الشباكية‮»‬‭ ‬الشهيرة‭ ‬هنا،‭ ‬والتي‭ ‬تسمى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأماكن‭ ‬‮«‬المخرقة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬مع‭ ‬التقاوت‭ ‬ظلت‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭ ‬بمنزلة‭ ‬الفطور‭ ‬الرمضاني،‭ ‬مع‭ ‬المسمن،‭ ‬والشاي‭ ‬والحريرة‭. ‬

 

تقاوت‭ ‬وشباكية

يرجع‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الحلوى‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬المرابطي،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬كطعام‭ ‬للمسافرين،‭ ‬سواء‭ ‬الحجاج‭ ‬أو‭ ‬الجيوش‭ ‬وغيرها‭. ‬هذا‭ ‬الإفطار‭ ‬التقليدي‭ ‬بدأ‭ ‬يتغير‭ ‬وتنوعت‭ ‬الأصناف‭ ‬الآن،‭ ‬لكن‭ ‬البعض‭ ‬مازال‭ ‬يستغرب‭ ‬عمل‭ ‬وجبات‭ ‬عادية‭ ‬في‭ ‬الإفطار،‭ ‬ويصر‭ ‬على‭ ‬الطقس‭ ‬القديم‭. ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬وجبة‭ ‬تسمى‭ ‬العشاء،‭ ‬وتعقب‭ ‬صلاة‭ ‬التراويح،‭ ‬وهذه‭ ‬يؤكل‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬الأصناف‭ ‬الاعتيادية‭. ‬أما‭ ‬السحور،‭ ‬فكان‭ ‬أيضاً‭ ‬وجبة‭ ‬من‭ ‬التقاوت‭ ‬والشباكية‭. ‬

هناك‭ ‬أنواع‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬المغربية‭ ‬سواء‭ ‬المنزلية،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تباع‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭. ‬قمنا‭ ‬بجولة‭ ‬شملت‭ ‬عدة‭ ‬مدن،‭ ‬منها‭ ‬مراكش‭ ‬والصويرة‭ ‬والمحمدية‭ ‬وبن‭ ‬سليمان‭. ‬تتحدث‭ ‬النسوة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬المسكوتة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الكيكية‮»‬‭ ‬و«قريشلات‮»‬‭ ‬عاشوراء،‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬وماء‭ ‬الزهر‭ ‬والسكر،‭ ‬كقطع‭ ‬صغيرة،‭ ‬ويفرح‭ ‬الأطفال‭ ‬كثيراً‭ ‬بهذه‭ ‬الحلوى،‭ ‬حيث‭ ‬كانوا‭ ‬يخرجون‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬وهم‭ ‬يرتدون‭ ‬أجمل‭ ‬الثياب‭ ‬طارقين‭ ‬الأبواب،‭ ‬ومطالبين‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬حق‭ ‬بابا‭ ‬عاشورا‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬تقدمة‭ ‬مالية‭ ‬يجمعونها‭ ‬في‭ ‬‮«‬التعريجة‮»‬‭ ‬أي‭ ‬الطبلة،‭ ‬التي‭ ‬يضعون‭ ‬فيها‭ ‬أيضا‭ ‬بعض‭ ‬حلواهم‭. ‬وهو‭ ‬طقس‭ ‬شبيه‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬يفعلونه‭ ‬قبل‭ ‬عشرات‭ ‬السنين،‭ ‬حيث‭ ‬يطرقون‭ ‬الأبواب‭ ‬أيضاً‭ ‬وهم‭ ‬يغنون‭ ‬‮«‬إدونا‭ ‬العادة‮»‬‭ ‬جامعين‭ ‬حبات‭ ‬السكاكر‭ ‬والبونبون‭ ‬والفول‭ ‬السوداني‭ ‬والتوفي‭ ‬وأحياناً‭ ‬عملات‭ ‬صغيرة‭. ‬وكانت‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشهر‭ ‬رمضان‭.‬

هناك‭ ‬أيضاً‭ ‬حلوى‭ ‬‮«‬بشنيخة‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تصنع‭ ‬تقريباً‭ ‬من‭ ‬عجين‭ ‬الشباكية‭ ‬نفسها،‭ ‬ولكنها‭ ‬تصاغ‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬خيوط‭ ‬تتشابك‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة‭. ‬و«البشنيخة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬اسم‭ ‬للعصي‭ ‬الرفيعة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬لتنظيف‭ ‬الأسنان،‭ ‬ويضرب‭ ‬المغاربة‭ ‬المثل‭ ‬بها‭ ‬عندما‭ ‬يتهكمون‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬نحيف،‭ ‬فيقولون‭ ‬إنه‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬البشنيخة‮»‬‭. ‬

أما‭ ‬حلوى‭ ‬العيد‭ ‬هنا‭ ‬فهي‭ ‬شبيهة‭ ‬بما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ومعظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬‮«‬بيتيفور‮»‬‭ ‬ويطلقون‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الحلوى‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬يقدم‭ ‬‮«‬الفقاس‮»‬‭ ‬ويدخل‭ ‬في‭ ‬عجينه‭ ‬اللوز،‭ ‬والغريّبة‭ ‬أو‭ ‬‮«‬البهلة‮»‬‭. ‬ويعتبر‭ ‬اللوز‭ ‬معياراً‭ ‬لقيمة‭ ‬الحلوى‭ ‬هنا‭. ‬أما‭ ‬‮«‬السابلي‮»‬‭ ‬فهو‭ ‬أكثر‭ ‬أنواع‭ ‬الحلوى‭ ‬انتشاراً‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬ومنه‭ ‬أشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬كتنويعات‭ ‬تشبه‭ ‬الكعك‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬المشرق‭. ‬كما‭ ‬يباع‭ ‬‮«‬كعب‭ ‬الغزال‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬عجين‭ ‬اللوز‭ ‬مع‭ ‬ماء‭ ‬الزهر،‭ ‬وتوضع‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬عجين‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬هلال‭ ‬غالبا،‭ ‬وأحياناً‭ ‬تحشى‭ ‬بالتمر‭. ‬وهنا‭ ‬أيضاً‭ ‬حلوى‭ ‬‮«‬البشكيطو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬البسكويت،‭ ‬وتصنع‭ ‬من‭ ‬الزيت‭ ‬والبيض‭ ‬وعصير‭ ‬البرتقال‭ ‬والنافع‭ ‬والخميرة‭. ‬أما‭ ‬‮«‬الرزيزة‮»‬‭ ‬الحلوة‭ ‬فتشبه‭ ‬الشعرية،‭ ‬وتنقع‭ ‬في‭ ‬العسل،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الحلوى‭ ‬الريفية‭ ‬والبدوية،‭ ‬وتعرف‭ ‬أيضاً‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬رزة‭ ‬القاضي‮»‬،‭ ‬ويذكرنا‭ ‬اسمها‭ ‬بلقمة‭ ‬القاضي‭ ‬المصرية‭ ‬والشامية،‭ ‬لكنها‭ ‬تختلف‭ ‬عنها‭ ‬كلياً‭. ‬هنا‭ ‬أيضاً‭ ‬‮«‬المحنشة‮»‬‭ ‬المغربية،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬رقائق‭ ‬تلف‭ ‬على‭ ‬حشو‭ ‬من‭ ‬اللوز،‭ ‬لتشبه‭ ‬الحبل‭ ‬ثم‭ ‬يلف‭ ‬الحبل‭ ‬حول‭ ‬نفسه‭ ‬بشكل‭ ‬حلزوني‭. ‬كذلك‭ ‬البقلاوة‭ ‬المغربية،‭ ‬وهي‭ ‬رقائق‭ ‬تحشى‭ ‬بعجين‭ ‬من‭ ‬اللوز‭ ‬والفستق،‭ ‬وتبدو‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬البقلاوة‭ ‬المشرقية‭. ‬ويأتي‭ ‬التمر‭ ‬المعمر‭ ‬باللوز‭ ‬كأحد‭ ‬أنواع‭ ‬الحلوى‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بالمناسبات‭ ‬كالأعراس‭. ‬ومن‭ ‬طقوس‭ ‬استقبال‭ ‬العرائس‭ ‬كوب‭ ‬به‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬اللبن‭ ‬المعطر‭ ‬بماء‭ ‬الزهر‭ ‬مع‭ ‬التمر‭ ‬المعمر‭.  

 

الحلوى‭ ‬والنساء

تحب‭ ‬النساء‭ ‬الحلوى،‭ ‬ولكن‭ ‬العلاقة‭ ‬تتخطى‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬عدداً‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬أصناف‭ ‬الحلويات‭ ‬مسمى‭ ‬بأسماء‭ ‬نسائية‭. ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مثلاً‭ ‬نجد‭ ‬حلوى‭ ‬عزيزة‭, ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شرائح‭ ‬من‭ ‬جوز‭ ‬الهند‭ ‬مطهوة‭ ‬في‭ ‬الحليب‭ ‬مع‭ ‬النشا‭. ‬نجد‭ ‬أيضاً‭ ‬حلوى‭ ‬بسيمة،‭ ‬وتصنع‭ ‬من‭ ‬مسحوق‭ ‬جوز‭ ‬الهند‭ ‬مع‭ ‬السميد‭ ‬والزبد،‭ ‬وتوضع‭ ‬في‭ ‬الفرن،‭ ‬وتسقى‭ ‬بالشراب،‭ ‬وهناك‭ ‬أصابع‭ ‬زينب،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أصابع‭ ‬من‭ ‬العجين‭ ‬المقلي‭ ‬تسقى‭ ‬بالشراب‭. ‬وهناك‭ ‬رموش‭ ‬الست،‭ ‬وهي‭ ‬حلوى‭ ‬تصنع‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة‭ ‬وتسقى‭ ‬بالشراب،‭ ‬وتتميز‭ ‬بليونتها‭. ‬وقبل‭ ‬عقود‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حلوى‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬خد‭ ‬الجميل‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تفاحة‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم،‭ ‬يوضع‭ ‬بها‭ ‬عصا‭ ‬صغيرة،‭ ‬وتغطى‭ ‬بطبقة‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬السكرية‭ ‬الملونة‭ ‬بالأحمر‭ ‬غالبا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أم‭ ‬علي،‭ ‬وغزل‭ ‬البنات،‭ ‬والتي‭ ‬تسمى‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬شعر‭ ‬البنات،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬حلوى‭ ‬شعبية‭ ‬ملونة‭ ‬وصغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬براغيت‮»‬‭ ‬الست‭. ‬وفي‭ ‬سورية‭ ‬أيضاً‭ ‬توجد‭ ‬أصابع‭ ‬الست،‭ ‬وزنود‭ ‬الست،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬إلا‭ ‬استثناءات‭ ‬قليلة‭ ‬لحلوى‭ ‬تسمى‭ ‬بأسماء‭ ‬ذكورية،‭ ‬منها‭ ‬‮«‬نبوت‭ ‬الغفير‮»‬،‭ ‬وتصنع‭ ‬من‭ ‬العسل‭ ‬الأسود،‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬عصي،‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭ ‬اسم‭ ‬لحية‭ ‬الشايب‭ ‬على‭ ‬حلوى‭ ‬غزل‭ ‬البنات،‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أيضاً‭ ‬لحية‭ ‬جدي‭. ‬

 

مذاق‭ ‬الغواية

رغم‭ ‬كونها‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬اللذات‭ ‬البريئة،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬تمنحه‭ ‬من‭ ‬متعة‭ ‬ربطها‭ ‬بالغواية‭. ‬فهي‭ ‬المذاق‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬بحلاوة‭ ‬تفاحة‭ ‬الغواية‭ ‬الأولى،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قصصاً‭ ‬عدة‭ ‬للأطفال‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬بلاد‭ ‬وثقافات‭ ‬العالم‭ ‬تبرز‭ ‬الحلوى‭ ‬كلذة‭ ‬تغري‭ ‬بالمعصية،‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬بمنزلة‭ ‬فخ‭ ‬للسقوط،‭ ‬ربما‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الرمزية‭. ‬

إحدى‭ ‬الحكايات‭ ‬الأوربية‭ ‬والتي‭ ‬صيغت‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬أدبي‭ ‬للأطفال،‭ ‬للأخوين‭ ‬الألمانيين‭ ‬‮«‬جريم‮»‬،‭ ‬تحكي‭ ‬عن‭ ‬الطفلين‭ ‬هانزل‭ ‬وجريتل‭ ‬اللذين‭ ‬تطردهما‭ ‬زوجة‭ ‬أبيهما،‭ ‬فيهيمان‭ ‬على‭ ‬وجهيهما‭ ‬في‭ ‬الغابة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يعثرا‭ ‬على‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬الحلوى،‭ ‬يفرحان‭ ‬كثيراً‭ ‬به،‭ ‬ويدخلانه‭ ‬بولع‭ ‬طفولي‭ ‬بريء،‭ ‬لكنهما‭ ‬يجدا‭ ‬نفسيهما‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬ساحرة‭ ‬شريرة‭. ‬كذلك‭ ‬تعود‭ ‬التفاحة‭ ‬التي‭ ‬تكتنز‭ ‬الحلاوة‭ ‬وتخبئ‭ ‬السم‭ ‬للظهور‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬بياض‭ ‬الثلج‭ ‬والأقزام‭ ‬السبعة‭.‬

ومن‭ ‬الحكايات‭ ‬العربية‭ ‬الطريفة‭ ‬عن‭ ‬الحلوى‭ ‬ما‭ ‬يروى‭ ‬عن‭ ‬أعرابي‭ ‬قدم‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬جائعاً‭ ‬إلى‭ ‬مائدة‭ ‬عامرة‭ ‬للحجاج‭ ‬بن‭ ‬يوسف،‭ ‬فأخذ‭ ‬يأكل‭ ‬بشراهة‭ ‬لفتت‭ ‬الأنظار‭ ‬إليه،‭ ‬ولما‭ ‬أوشك‭ ‬على‭ ‬الانتهاء‭ ‬لمح‭ ‬طبقاً‭ ‬من‭ ‬حلوى‭ ‬شهية،‭ ‬فسأل‭ ‬الحجاج‭ ‬عن‭ ‬اسمها،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬إنها‭ ‬‮«‬الفالوذج‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬مددت‭ ‬إليها‭ ‬يدك‭ ‬سأقطع‭ ‬رأسك‭. ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نظر‭ ‬بحيرة‭ ‬إلى‭ ‬الطبق،‭ ‬ثم‭ ‬مد‭ ‬يده‭ ‬والتقطه،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬أوصيك‭ ‬خيراً‭ ‬بأبنائي‭. ‬فضحك‭ ‬الحجاج‭ ‬وعفا‭ ‬عنه‭. ‬

ومن‭ ‬أطرف‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬بالتراث‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬الوهراني‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مناماته‭ ‬من‭ ‬تعرضه‭ ‬للاحتيال‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬ابن‭ ‬طفيل‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬سلبه‭ ‬الرجل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يملك‭ ‬مقابل‭ ‬صينية‭ ‬حلوى‭ ‬شهية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تكرر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬عضد‭ ‬الدولة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬قد‭ ‬عوضه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭. ‬وكان‭ ‬الوهراني‭ ‬يعشق‭ ‬حلوى‭ ‬‮«‬المأمونية‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬مقامة‭ ‬لبديع‭ ‬الزمان،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬التراثية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬‮«‬البسيسة‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬حلوى‭ ‬الشتاء‭ ‬لدسامتها،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يقبل‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الصيف‭. ‬

وقد‭ ‬نسب‭ ‬إلى‭ ‬ابن‭ ‬إياس‭ ‬أبيات‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬عن‭ ‬القطائف‭ ‬والكنافة‭ ‬قال‭ ‬فيها‭:‬

وقد‭ ‬صرت‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬القطائف‭ ‬هائماً

تراني‭ ‬لأبواب‭ ‬الكنافة‭ ‬أقرع

فيا‭ ‬قاضياً‭ ‬بالله‭ ‬محتسباً‭ ‬عسى

ترخص‭ ‬لنا‭ ‬الحلوى‭ ‬نطيب‭ ‬ونرتع

ويبقى‭ ‬مذاق‭ ‬الحلوى‭ ‬لذّة‭ ‬ممتعة،‭ ‬ورمزاً‭ ‬أولياً‭ ‬للغواية،‭ ‬يقود‭ ‬في‭ ‬الحكايات‭ ‬والأساطير‭ ‬إلى‭ ‬المصاعب‭ ‬والفخاخ،‭ ‬ويقود‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬السمنة،‭ ‬ذلك‭ ‬الوحش،‭ ‬أو‭ ‬الساحرة‭ ‬الشريرة،‭ ‬والسيف‭ ‬البتار،‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬بالمرصاد‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬التحكم‭ ‬برغبتهم،‭ ‬وينساقون‭ ‬خلف‭ ‬غواية‭ ‬العسل‭ ‬والسكر■

فرن‭ ‬الكنافة‭ ‬الذي‭ ‬اكتسب‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬التحديث،‭ ‬ويوفر‭ ‬المادة‭ ‬الخام‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬والمحال‭ ‬لصنع‭ ‬الحلوى‭ ‬الشهيرة

في‭ ‬الأعياد‭ ‬تظل‭ ‬الحلوى‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يجسد‭ ‬فرحة‭ ‬الطفولة

بائع‭ ‬‮«‬الفريسكا‮»‬‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬نوادي‭ ‬القاهرة،‭ ‬يبيع‭ ‬حلواه‭ ‬المصنوعة‭ ‬منزلياً‭ ‬من‭ ‬الويفر‭ (‬رقائق‭ ‬هشة‭ ‬من‭ ‬البسكويت‭) ‬المحشو‭ ‬بالعسل‭ ‬وجوز‭ ‬الهند‭ ‬والفول‭ ‬السوداني