الروائي ناصر عراق: المرأة بستان جميل يتألق المبدع إن طاف بممراته
ناصر عراق، روائي وكاتب وصحافي مصري، ولد في 21 مارس عام 1961، عمل بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة عام 1984 محرراً ثقافياً في عدد من الصحف المصرية، ثم سافر عام 1999 إلى دبي ليشارك في تأسيس دار الصدى للصحافة، حيث تولى رئاسة القسم الثقافي في مجلة الصدى الأسبوعية مدة ست سنوات، كذلك ساهم في تأسيس مجلة دبي الثقافية، وأصبح أول مدير تحرير لها، بدءاً من العدد الأول في أكتوبر 2004 ولمدة سبع سنوات، حيث أصدر منها 57 عدداً.
شارك ناصر عراق أيضاً في تأسيس «كتاب دبي الثقافية» عام 2008، وكان أول مدير تحرير لهذه السلسلة، حيث أشرف على تحرير وإصدار 33 كتاباً منها لكوكبة من كبار المبدعين والمثقفين العرب، أمثال: أدونيس، أحمد عبدالمعطي حجازي، عبدالعزيز المقالح، جابر عصفور، إبراهيم الكوني، واسيني الأعرج، صلاح فضل، كمال أبوديب، وغيرهم.
شارك في تأسيس جائزة البحرين لحرية الصحافة بالمنامة عام 2010، وكان أول منسق عام لها، وعمل مديراً لتحرير مجلة الثقافة الجديدة التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر من يوليو 2010 حتى مايو 2012.
أصدر الروائي ناصر عراق مؤلفات عدة من بينها: ملامح وأحوال... قراءة في الواقع التشكيلي في مصر (2000)، تاريخ الرسم الصحفي في مصر (2002)، أزمنة من غبار «رواية» (2006)، من فرط الغرام «رواية» (2008)، الأخضر والمعطوب في الثقافة والفن والحياة (2009)، العاطل «رواية» (2011)، تاج الهدهد «رواية» (2012)، نساء القاهرة دبي «رواية» (2014)، الأزبكية «رواية» (2015)، الكومبارس «رواية» (2016)، البلاط الأسود «رواية» (2017).
وصلت روايته «العاطل» إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها الخامسة عام 2012، وحصل على جائزة كتارا للرواية العربية عام 2016 عن روايته «الأزبكية».
هنا يفتح قلبه لمجلة العربي من خلال هذا الحوار:
• نتاجك الأدبي كبير، رغم أنك بدأت الكتابة في سن الأربعين؟!
- لم أبدأ الكتابة في الأربعين، لأنني أكتب بانتظام منذ كنت في الخامسة عشرة من عمري تقريباً، أكتب يومياتي وملاحظاتي وأحاكي القصائد التي تعجبني لشوقي وحافظ والبهاء زهير، كما أنني أصدرت مجلة ثقافية مع اثنين من أصدقائي مطلع عام 1981، أي وأنا في العشرين. كان اسمها «أوراق» مكونة من أربعين صفحة، وشعارها «أدب. فن. فكر»، حيث أصدرنا منها سبعة أعداد بأسلوب طباعة «الماستر»، الذي كان رائجاً آنذاك، وقد كتبت فيها عن المسرح والسينما والفنون التشكيلية، كما نشرت فيها حوارات أجريتها مع كثيرين مثل: مصطفى أمين وصلاح عبدالصبور. أي أن الكتابة ظلت هماً يومياً منذ اطلعت على «الأيام» لطه حسين عام 1976، ثم بعدها مباشرة قرأت ثلاثية نجيب محفوظ ذائعة الصيت.
ويجب الإشارة هنا إلى أننــــي من أسرة عاشقة للقراءة والثقافة والأدب والفن، فوالدي الراحل عبدالفتاح عراق كان مثقفاً عصامياً بامتياز، علّمنا جميعاً حب الحكمة واحترام الكلمة التي تخاطب العقل. أما بخصوص النشر، ففعلاً لم أبدأ نشر كتبي إلا عندما كنت على مشارف الأربعين، وكان أول كتبي هو «ملامح وأحوال... قراءة في الواقع التشكيلي المصري»، الذي صدر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2000.
• روايتك الأولى «أزمنة من غبار» استغرقت كتابتها ما يقرب من خمس سنوات، فهل هي عمل ملحمي؟
- كما تعلم، فالرواية الأولى تربك كاتبها، خاصة إذا كان ممن يحــتــرمون أنفســهم، ويقدّرون الإنجاز الروائي الذي صدر قبلهم، لذا ظل حلم الرواية يراودنــــي سنــوات طويلة منذ التهمت «أيــــام» طه حسين و«ثلاثـــــية» محفــــــوظ، كما سبقت الإشارة، لكنني كنت أخشى المغامرة وأهاب الإقدام، فلما بلغت الأربعين عام 2001 لم يعد ثمة مفر، فقررت خوض عباب بحر الرواية المتلاطم الأمواج، وليحدث ما يحدث، وهكذا شرعت في كتابة «أزمنة من غبار» بقلب مترع بالقلق الشديد، فظللت أعيد وأضيف وأحذف وأنقح لأعوام، حتى صدرت في فبراير عام 2006 عن دار الهلال.
• ما أهم العوامل التي جعلت منك أديباً؟
- الأسرة هي العامل الأول والحاسم، فقد كنت محظوظاً بوالدي، الذي كان مفتوناً بالآداب والفنون بجميع أنواعها، ولك أن تعلم أنه لم يحصل على أي شهادة دراسية، بسبب اضطراره إلى ترك المدرسة وهو في السابعة من عمره، نظراً لوفاة والده (جدي إبراهيم)، عام 1931، ومع ذلك كان يقرأ طه حسين وسلامة موسى والعقاد وتولستوي ودوستوفيسكي ودارون وماركس ولينين وتشيكوف وشوقي والمتنبي وحافظ وبيرم التونسي وغيرهم، فينفعل بآرائهم وأفكارهم وإبداعاتهم، كما أنه تولى تعليم والدتي القراءة والكتابة، وكان يتقن الرسم إتقاناً، وأذكر جيداً كيف كنت أحاكي رسومه، خاصة بورتريهات المشاهير التي كان يجيد رسمها ببراعة، مثل جمال عبدالناصر ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم ويوسف وهبي وأنور وجدي وأمينة رزق وزكي رستم، كما أن أشقائي الستة أسهموا بنصيب معتبر في تعزيز ذائقتي الأدبية وتطوير ملكاتي العقلية والفكرية، رغم أن دراساتهم كانت علمية في الأساس، فشقيقي الأكبر الراحل إبراهيم كان كبير المحاسبين بدار الكتب المصرية، وبعده المهندس فكري، الذي أطلق عليه والدي هذا الاسم تيمناً بالكاتب الكبير فكري أباظة، ثم الدكتورة الراحلة ماجدة، فخبير النسيج المهندس الراحل فوزي، ثم شقيقتي انتصار الموجهة السابقة بالتربية والتعليم، ثم أنا، والأخير المهندس صلاح الذي رحل قبل عام.
هؤلاء هم أشقائي الذين تعلمت منهم، ثم يبقى بعد ذلك العامل الشخصي، وهو الموهبة التي كانت مياهها العذبة تسري في جيناتي، بمعنى أنني ولدت مفتوناً بحب الأدب والفن وطرح الأسئلة التي تثير العقل وتثري الوجدان.
• تحويل الرواية إلى عمل درامي يسهم في انتشار اسم وأفكار المؤلف، هل من مشاريع مستقبلية لك في هذا الاتجاه؟
- أتفق معك بكل تأكيد على أن الدراما الجيدة تسهم في ترويج أفكار الكاتب واسمه، والمفروض أن روايتي «الأزبكية» يجري إعدادها الآن لتتحول إلى عمل درامي وفقاً للعقد الذي أبرمته معي جائزة «كتارا» للرواية، بعد حصول «الأزبكية» على المركز الأول لجائزة كتارا للرواية العربية/ الدورة الثانية عام 2016، كما أن السيناريست الشاب الموهوب خالد يوسف يعمل حالياً على تحويل روايتي «نساء القاهرة. دبي» إلى مسلسل درامي. على أي حال، يسعدني كثيراً أن يرى الجمهور رواياتي بعد أن تتحول إلى أعمال درامية، سواء سينما أو تلفزيون أو مسرح أو إذاعة.
• كيف يكون الروائي حياديًّا في تسيير شخصيات روايته؟
- ولماذا يكون حيادياً أصلاً؟ في ظني أن الحياد أمر غير موجود في الحياة، وإنما الانحياز هو القانون السائد، ولو بشكل خفيّ. بخصوص الرواية، فكل مؤلف يختار موضوعه من أجل هدف محدد، وهذا في حد ذاته انحياز محمود، ولكن عليه أن يبذل جهداً كبيراً ليبدو سلوك أبطال روايته منطقيًّا، يتوافق مع طبيعتهم النفسية ومستوى تعليمهم وبيئتهم الاجتماعية إلى آخره. باختصار, الروائي ينحاز للفكرة، للشخصيات، للحبكة... ولكن يجب عليه أن يضع ذلك كله في منظومة جذابة يقبلها منطق الفن الروائي.
• حصلت على عدة جوائز عربية مهمة، ما أهمية الجوائز بالنسبة للكاتب؟
- لم أفز بجوائز عربية فقط، وإنما حصلت على جائزة مصرية بالغة الأهمية، وأعتز بها كثيراً، وهي «جائــــزة أحمد بــهاء الدين» في دورتها الأولى التي تنظــــمها المؤسسة التي تحمل اسم الكاتب الراحــل، وكان ذلك عام 2000 عندما فاز كتابي «تاريخ الرسم الصحفي في مصر» بالجائـــــزة الأولى، وبالمناســــبة كانـــت لجنة التحكيم مكونة من خمــــسة من كبار مثقفينا هم المستشار طارق البشري رئيساً، وعضوية كل من د. جلال أمين ود. أحمد مستجير ود. رضوى عاشور والكاتب الصحفي الراحل مصطفى نبيل رئيس تحرير «الهلال» الأسبق، وتشرفت بأن أهداني الجائزة الكاتب الصحفي الكبير الأســـتاذ محمد حسنين هيكل.
عموماً... الجوائز تشعر المرء أن جهوده لم تضع سدى، وأن إصراره على تطوير ملكاته يلقى الحفاوة والتكريم، كما أن الجوائز تفرض على الفائز بها مسؤوليات أكبر، أولها أن يحافظ على ما وصل إليه، فيعزز مهاراته ويطور أداءه باستمرار.
• قلت من قبل إن روايتك «تاج الهدهد» الصادرة عام 2012 ظُلمت، لماذا؟
- في ذلك الوقت كان المصريون منهمكين تماماً في أحداث سياسية بالغة الحساسية عقب ثورة يناير 2011، الأمر الذي انعكس على اهتمامات الناس وأذواقهم، ويبدو لي أن الاستغراق في المشكلات الواقعية المصرية التي كانت سائدة آنذاك حال دون أن يلتفت القراء بالعناية الكافية إلى «تاج الهدهد»، لأنها رواية تنهض على الخيال والفانتازيا، أو بتعبير أدق، تمزج الواقع بالخيال في منظومة طريفة تستلهم عالم الحيوان والطيور. لكن من حسن الطالع أن الاهتمام بهذه الرواية يتزايد في الآونة الأخيرة، فها هو الناقد د. عايدي علي جمعة يكتب عنها دراسة مهمة في «بوابة الأهرام» قبل أيام، كما ينوي أن يعد عنها بحثاً يتقدم به لنيل درجة الأستاذية من الجامعة.
• عملت في مجال الصحافة لسنوات طويلة، إلى أي مدى أفادتك الكتابة الصحفية في الكتابة الروائية؟
- الصحافة أفادتني كثيراً في مجال الكتابة الروائية، لأن الصحافة تستلزم الدقة في نقل الخبر أو المعلومة، مع ضرورة الاقتصاد عند نشرها، وملتزمة بمساحات محددة، فلا تقبل الإسهاب والإطناب، فضلاً عن وجوب الاهتمام بالرشاقة اللغوية، حتى يقبل القراء على اقتناء الصحيفة ولا ينصرفوا عنها. وقد انعكس ذلك على رواياتي فيما أظن، أو كما أتمنى. ومع ذلك أرجو ألا يخطر في بال القارئ أنني أتعامل مع عملي الروائي بمنطـــق الكتابة الصحفية السريعة والشائعة، وإنما قصدت الإشارة فقط إلى فوائد العمل في الصحافة بجدية على النتاج الروائي، كما أن علاقتي العميقة بفنون المسرح والسينما والرسم والموسيقى والغناء أسهمت كلها في إثراء تجربتي مع الرواية، أو هكذا أتخيل.
• ما شروط الرواية الناجحة من وجهة نظرك؟
- هناك شروط كثيرة لكتابة رواية ناجحة يمكن تلخيصها في عبارة واحدة، وهي أن تكون ممتعة ومفيدة. طبعاً لا يغيب عن فطنة اللبيب أن المتعة والفائدة تختلفان من قارئ لآخر بحسب مستوى ثقافته واطلاعه وتاريخه مع عالم القراءة بشكل عام، وقراءة الروايات بشكل خاص.
• حدّثني عن دور المرأة في حياة ناصر عراق؟
- أنعمت عليّ المقادير بأم عاشقة للقراءة، وكما قلت لك فقد علَّمها والدي القراءة والكتابة، وكان يحرص على اصطحابها لحضور الصالون الفكري الذي كان يعقده سلامة موسى في فيلته بالفجالة في أربعينيات القرن الماضي، وكانت تقص عليّ وأنا طفل موجزاً للروايات التي تطلع عليها في سلسلة روايات الهلال، وأذكر أنها كانت معجبة بقراءة السّيَر الذاتية للملكات والأميرات، ولك أن تعلم أنها رحلت عن حياتنا في عام 1997 وتحت وسادتها في المستشفى رواية ماركيز الجميلة «سرد أحداث موت معلن».
كما أن شقيقتي الكبرى الراحلة د. ماجدة كانت مغرمة بالشعر العربي والإنجليزي وروايات إميل زولا وديكنز ونجيب محفوظ، رغم تخصصها العلمي، فقد حصلت على الدكتوراه في الفيزياء النووية من بريطانيا في ثمانينيات القرن الماضي، وكم شرحت لي وأنا صبي قصائد شوقي والمتنـــبي وأبو نواس، فضلاً عن القصائد التي كانت تشدو بها أم كلثوم. كذلك تعلمت أيضاً من ابنتي الأولى هديل، التي باشرت متابعتها باهتمام بالغ منذ لحظة ولادتها في 15 فبراير 1999، وحتى سفرها للدراسة بجامعة كنديــــة قبل عامين، أن المرأة بستان جميل لا يمكن للمبدع، ولا للرجل عموماً، أن يزدهر ويتألق إلا إذا طاف بممراته الباذخة وتنشق زهوره بحب واهتمام.
• ما تقييمك للمشهد الروائي العربي حالياً؟
- واضح جدًّا أن المشهد الروائي الـــعربي ينبئ بالخير، فقد اصطادت الرواية جمهــــوراً غفيراً وأوقعته في شباكها الساحرة، حتى أن كثيراً من الشعراء هجروا أبياتهم الشعرية وقرروا خوض عباب بحر الرواية رغــــم أمواجه العالية والخطـــــيرة، وهو أمر طـــيب، ولســـت ضد أي شخص يتـــــصدى لكتــــابة رواية، إذ يجب علينا تشجيع الناس على الكتابة والتعبير عن أفكارهم وآرائهم بلغة جميلة، والزمن سيحكم أي الأعمال كانت أكثر جاذبية وأهم شأناً.
• هل تشعر بوجود ناقد بداخلك؟
- بكل تأكيد، فالمثــقــف الحقيقي والمبدع الجاد يبحث دوماً عن الكمال ويطـــارده في أي مجال، ويتمــــثل ذلـــك بوضـــوح في كتـــاباتي ورواياتي، فأنا لا أتوقف أبداً عن نقد ما أكتبه ومراجعته وضبطه بالحذف والإضافـــة والتعديل، حتى ردودي على أسئلتــك هذه، أعاود مراجـــــعتها غير مرة، ليطمئن قلـــبي إلى صحة إجاباتي، ودقة التعبيرات التي أستخدمها.
• ما اسم عملك الروائي القادم؟
- أنهيت قبل أيام روايتي التاسعة، ولم أستقر على اسم نهائي بعد، وهذا جزء من قلق الناقد بداخلي. وأتوقع أن تصدر خلال يونيو الجاري■