الخصخصة ضغوط خارجية، أم دوافع داخلية؟ أحمد جمال الدين موسى

الخصخصة ضغوط خارجية، أم دوافع داخلية؟

(الخصخصة) مصطلح اقتصادي تردد في السنوات الأخيرة، شاع وأصبح عنوانا لسياسات اقتصادية وإجراءات تطبق على صعيد المال والاقتصاد. وإذا كان انتشاره قد يسر للناس قدرا من فهم معناه فإن دوافعه ومبرراته مازالت. موضعا للخلاف، وساحة للاجتهاد.

في العقد الأخير انتشرت على نطاق واسع في الدول الصناعية ودول العالم الثالث على حد سواء موجة سياسات الخصخصة (التخصيصية أو نقل ملكية الأصول والمنشآت من القطاع العام إلى القطاع الخاص). ويثور التساؤل عن أسباب الانتشار السريع والعالمي تقريبا لهذه السياسات: هل يرجع ذلك فقط للأسانيد النظرية التي تبرز تميز القطاع الخاص في مجال الكفاءة الاقتصادية؟ أم أن هناك دوافع أخرى أكثر تأثيرا وإلحاحا تبرر سرعة وعمومية انتشار هذه السياسات؟

نحن نعتقد في الواقع أن المبررات والأسانيد النظرية لم تكن لتكفي وحدها لدفع الحكومات خاصة في العالم الثالث للشروع في حركة شبه عالمية لخصخصة المشروعات العامة. فليس من الطبيعي أن تتجه السلطة السياسية بمحض إرادتها لتقليص. نفوذها الاقتصادي والتخلي عن بعض امتيازاتها التي اعتادت على التمتع بها منذ عدة عقود.

لقد كانت هناك في الواقع مجموعة من الدوافع التي أرغمت إلى حد كبير معظم حكومات العالم الثالث على تبني منهج الخصخصة، مع تفاوت في مدى هذا التبني بين الدول. ويمكننـا تقسيم هذه الدوافع إلى قسمين رئيسيين: دوافع خارجية ودوافع داخلية.

الدوافع الخارجية

ترجع هذه الدوافع أساسا إلى السياسات الجديدة التي تبنتها المؤسسات الماليـة الدولية، وعلى الأخص البنك الدولي وصندوق النقد الدولي منـذ أوائل الثمانينيات، بهدف تشجيع وتحفيز حكومات الدول الأعضاء على الشروع في سيـاسات واسعـة لخصخصة المشروعات العامة. وقد شاركت في الاتجاه ذاتـه بحماس هيئات المعونة الأجنبية الغربية.

فالدعوة إلى الخصخصة "بالطبل والمزمار" avec tambour et trompette - على حـد تعبير أحد الاقتصاديين الفرنسيين - إنما ترتبط بصلة وثيقة بالتدخلات المتعـددة لصندوق النقد I . M . F والبنك الدولي World Bank فبسبب دوافع أيديولوجية لا تخفى تمارس هذه المؤسسات ضغوطا على حكومات العالم الثالث المتلقية لمساعداتها كي تتخلى عن ملكية جانب مهم من القطاع العام لصالح القطاع الخاص، حيث تعتبر هذه المؤسسات الخصخصة وما تقود إليه من دعـم للمنافسة غاية في حـد ذاتها.

وقد تطور موقـف المؤسسات المالية الدولية من المشروعات العامة تطورا كبيرا في المرحلة الأخيرة. حيـث كانت النظرة السائدة خلال عقدي الستينيات والسبعينيات للمشروعات العامة هي أنها أداة جيدة لتركيز رأس المال في المجالات ذات المخاطر الكبيرة التي لا يقدم عليهـا رأس المال الخاص، وأنها وسيلة الاستثمار في مجالات الاحتكـار الطبيعي مثل الصناعات الاستخراجية والمواصلات والمرافق العامة، وأنها وحدها القادرة على النهوض بالصناعات الثقيلة. كذلك كانت مؤسسات الإقراض الدولية أكثر اطمئنانا لوجود أموالها في أيدي الحكومة منها في أيادي القطاع الخاص، وهو ما يفسر كونها كانت تتطلب دائما ضمانات حكومية عند الإقـراض للمشروعات الصناعية. ولهذه الأسباب يتجه بعـض المحللين الغربيين لاعتبار البنك الدولي أحد الشركاء الرئيسيين في عملية تضخيم حجم القطاع العام في العالم الثالث في هذين العقدين.

ولكن مع مطلع الثمانينيات أعاد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تقييم سياسات المساعدة لربطها بالتزام الحكومات المستفيدة بإجراء إصلاحات اقتصادية تتضمن تشجيـع القطاع الخاص وخصخصة القطاع العام. وقد تطور موقف البنك والصندوق في هذا الصدد تدريجيا من خلال بـرامج التثبيت Stabilization والتصحيح الهيكلي Structural Adjustment ثم برامج المساعـدة المباشرة لسياسات الخصخصة Privatization.

ففي البداية كان هدف برامج التثبيت محددا للمساعدة في القضاء على الاختلالات الاقتصادية العارضة مثل الضغـوط التضخمية الشديدة وعجز الميزانية العامة والحسابات الخارجية وتدهور أوضاع العملات المحلية عن طريق إجراءات مقيدة للطلب المحلي بخاصة الطلب العام بشقيه الاستهلاكي والاستثماري. وباعتبار أن سياسات التثبيت تندرج في المدى القصير فإن مسألة إعـادة النظر في أوضاع القطاعين العام والخاص لم تكن مطروحة صراحة، وإن لم يخل الأمر من نصائح للحكومات المعنيـة بانتهاج سياسة تقود إلى تحرير الاقتصاد وتشجيع القطاع الخاص، لأنها وحدها الكفيلة بضمان تحقيق برامج التثبيت لأهدافها.

التصدي للتشوهات الاقتصادية

أما سياسة التصحيح الهيكلي فقد استهدفت تشجيع بلاد العالم الثالث على اتخاذ إجراءات أكثر جذرية نحو إصلاح الإطار الاقتصادي المؤسسي والهيكلي لكي يعزز القوى التنافسية ويتيح قدرا أكبر من الحرية والمشاركة للقطاع الخاص ويقضي على القيود التي تحول دون سياسة آليات السوق. ولذا كان التركيز على تحرير أثمان السلع والخدمات وإزالة القيود على الاستيراد، وإلغاء الإعانات والقضاء على الاحتكار، والمعاملة التفضيلية التي كانت تتمتع بها المشروعات العامة، وتخفيف القواعد القانونية واللائحية التي تحكم النشاط الاقتصادي. فهدف سياسة التصحيح الهيكلي كان باختصار القضاء على جميع التشوهات الاقتصادية والمالية والسماح بإعادة ظهور المؤشرات المتناسقة والملائمة للأثمان والنفقات الحقيقية، مما ييسر اتخاذ القرار السليم في مجال الاستثمار المنتج. كل ذلك كفيل - في رأي البنك والصندوق - بزيادة كفاءة الاقتصاد الوطني وتشجيع إدماجه في الاقتصاد العالمي القائم على التخصص المبني على المزايا النسبية للدول.

وتعكس برامج التصحيح الهيكلي في حد ذاتها الشك المتزايد من جـانب خبراء البنك والصندوق في كفاءة الاقتصاد المختلط القـائم على الازدواجية بين القطاعين العام والخاص. فبرامج التصحيح الهيكلي تسعى في نهاية الأمر لتهيئة البيئة المشجعة لازدهار المشروعات الخاصة وتمكينها من شراء المشروعات العامة التي أخذت تدريجيا طريقها نحو الخصخصة.

وقد تطور موقف البنك الدولي وصندوق النقد في مرحلة تالية لدعوة الحكومات في العالم الثالث صراحة لانتهاج سياسات واسعة للخصخصة وتقديم مساعدات مباشرة لدعم هذه السياسات.

وفي مقدورنا متابعة التطور في سياسات البنك الدولي بشأن موقفه من مسألة الخصخصة، من خلال تقاريره السنوية ومن خلال مكونات برامج المساعدة التي قدمها لدول العالم الثالث في السنوات العشر الماضية.

ففي تقرير برج Berg Report الذي نشره البنك في عام 1981 عن التنمية المتسارعة في إفريقيا جنوب الصحراء جاء أن "التخلي عن وظائف السوق للمشروع الخاص قد يكون أكثر صعوبة في بعض أجزاء إفـريقيا حيث تتميز تقاليد الأعمال الخاصة بالضعف"، وإن حمل هذا التقرير السياسات الحكومية المسئولية الأساسية عن تردي الأوضاع الاقتصادية في هذه الدول. ويعترف تقرير البنك عن التنمية في العالم لعام 1983 بأن العامل الحاسم في تحديد كفاءة المشروع ليس كونه مملوكا ملكية عامة أو خاصة بل الكيفية التي يدار بها.. وفي البلاد الفقيرة تتسم المقدرة الإدارية بالضعـف في القطاعين العام والخاص على السواء.

وعلى العكس يعتبر تقريـر البنك عن التنميـة في العالم لعام 1989 الخصخصة تحديا Challenge ينبغي على دول العالم الثالث والمؤسسات المالية الدولية التكاتف معا لتحقيق النجاح فيه.

وبالنسبة للقروض التي قدمها البنك لدول العالم الثالث حتى عام 1986 لوحظ أن القليل منها قد خصـص لمشروعات معينة مملوكة للقطاع العام، وإن كانت النسبة الغالبة من إجمالي القروض قد تمت في إطار دعم سياسات تمس أوضاع القطاع العام ككل. فقد ارتبط 13% من هذه القروض صراحة بمتطلبات تحرير الأسواق الزراعية وخصخصة المشروعات الصناعية المملوكة للدولة، بينما كان من متطلبات الاستفادة من 62% من هذه القروض إلغاء القوانين واللوائح المقيدة لنشاط القطاع الخاص ووضع القواعد التي تسمح له بأن ينافس بحرية تامة القطاع العام.

دور البنك الدولي

وقد مول البنك الدولي حتى عام 1988 ثلاثين مشروعا للخصخصة في ثلاثين دولة من العالم الثالث يقع معظمها في إفريقيا. وفي أغلب الأحيان كانت هذه البرامج تنطوي على إعداد إطار ومنهاج واستراتيجية الخصخصة، وإعداد البيانات عن القطاع العام لاختيار المشروعات المرشحة للتحول للملكية الخاصة، ووضع خطط العمل والجداول الزمنية للتنفيذ، والمساعدة في تطوير أسواق رأس المال، وتعزيز القدرات المؤسسية بما فيها مساندة إنشـاء مؤسسة مركزية تتولى مسئولية تنفيذ عمليات الخصخصة، والمساهمة في استيعاب الآثار الاجتماعية المترتبة على نقل الملكية من خلال إنشاء صندوق لإعادة توظيف العاملين المستغنى عنهم أو صندوق اجتماعي لمساعدة الفئات المتضررة، هذا فضلا عن تقديم المشورة الفنية والقانونية اللازمة.

وتشارك المؤسسة المالية الدولية - وهي مؤسسة تابعة للبنك - مشاركة نشطة في عمليات الخصخصة في العالم الثالث بما فيها شراء أسهم بعض المنشآت المعروضة للبيع. وقد بلغت قيمة مشاركتها المباشرة نحو 22 مليون دولار في عام 1988 وحده، وذلك في دول مثل رواندا وتوجو وماليزيا.

وتستهدف هيئات المعونة الأجنبية - بناء على توجيهات حكوماتها - تشجيع حركة الخصخصة في العالم الثالث. فقد أنشأت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID منذ أوائل الثمانينيات مكتبا للمشروع الخاص THE BUREAU FOR PRIVATE ENTERPRISE لتقديم القروض المشروطة لبرامج الخصخصة في العالم الثالث. وفي أوائل عام 1986 طالب أحد المسئولين في الوكالة الأمريكية بعثاتها في العالم الثالث بأن تقدم كل منها على الأقل مشروعين جديدين للخصخصة في العام التالي. وبصورة عامة قدمت الوكالة معونات فنية وتقنية مهمة لمساعدة دول العالم الثالث في خصخصة مشروعاتها العامة، بل إن الاتجاه إلى الخصخصة كان شرطا للحصول على المعـونات المالية التي تقدمها هذه الوكالة. وفي حالة تقديم الوكالة المساعدات لمشروعات التنمية كانت تسعى للحث على اشتراك القطاع الخاص فيها أو اشتراط ذلك حيثما أمكن.

كما أن البنوك التجارية الدولية لها مصلحة مالية واضحة في تشجيع أنواع معينة من مشروعات الخصخصة وتتوافر المصلحة نفسها بالنسبة لكثير من الشركات الاستشارية الدولية في مجالات الإدارة والإدارة المالية، لأنه ليس بإمكان حكومات العالم الثالث أن تستغني عن خدماتها في تنفيذ برامجها للخصخصة. وهكذا نجد أن الضغـوط والدوافع الخارجية المشجعة لخصخصة مشروعات الدولة في العالم الثالث متعددة ومؤثرة. ولكن هذا لا ينفي وجود العديد من الضغوط والدوافع المحلية في الوقت ذاته.

الدوافع الداخلية

يرى عدد كبير من الاقتصاديين أن الخصخصة تشكل حلا مناسبا لمشكلة عجز الميزانية ونقـص السيولة النقدية في عدد كبير من دول العالم الثالث. فبيع المشروعات العامة أو الأصول المملوكة للدولة يمكنها من تدبير موارد إضافية، يمكن استخدامها في تخفيض عجز الميزانية، بدلا من اللجوء إلى البنك المركزي لطبع النقود وما يترتب عليه من ضغوط تضخمية تقود إلى البطالة والتدهور الاقتصادي، أو اللجوء لزيادة الأعباء الضريبية وما تؤدى إليه من انكماش في الأنشطة الاقتصادية، أو اللجوء أخيرا للقروض وما تقود إليه من تفاقم أزمة المديونية العامة محليا وخارجيا.

وفي هذا الصدد يلاحظ بعـض الاقتصاديين أن تحليل اقتصاديات دول العالم الثالث المعاصرة يظهر أن عجز الميزانية وعجز ميزان المدفوعات ينجم أساسا عن التوسع في القطاع العام لما وراء الحجم المقبول اقتصاديا. فقد اتجهت هذه الدول في الستينيـات والسبعينيـات لتحمل أعباء واسعة اجتماعية واقتصادية. وقد أدى العبء الضريبي المصاحب لها في بعض المراحل إلى تعميم مقاومة الضريبة بتجنبها والتهرب منها. وقد تمخض ذلك عن زيادة واضحة في عجز الميزانية لم يكن من الممكن تمويلها إلا من خلال ثلاث وسائل: الاقتراض الداخلي، الاقتراض الخارجي، أو إنشاء ضرائب على الدخول المتزايدة بفعل التضخم. ولكن الاقتراض الذي كان ممكنا حتى منتصف السبعينيـات عندما كانت معدلات الفائدة منخفضة بل وأحيانا سلبية لم يعـد يسيرا مع نهاية السبعينيات وفي الثمانينيات بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية. وقليلة كانت الدول التي تستطيع زيادة صادراتها وتحقيق فوائض في ميزانياتها بـالقدر الذي يمكنها من خدمة نفقات الفوائد العالية الداخلية والخارجية، ومن هنا نشأت أزمة المديونية. وقد يتصور الخروج من هذه الأزمة عن طريق إقناع الدائنين الأجانب بإعطاء المزيد من القروض، ولكن هؤلاء لن يسارعوا بتقديم القروض الجديدة ما لم يثقوا أن اقتصاد الدولة المدينة قادر على تحمل المزيد من القروض. ومن أهم العوامل الكفيلة بخلق هذه الثقة إعلان الدولة تبنيها لبرامج التصحيح الهيكلي والخصخصة. ففي الوقت الحالي يكون تبني هذه البرامج كفيلا بتوليد الثقة الدولية في الاقتصاد الوطني.

وفي حالة ما إذا رأت الدولة الالتجاء إلى ضرائب التضخم فإن ذلك لن يشكل وسيلة ناجحة في المدى المتوسط لأنه يقود إلى زيادة في حجم الاقتصاد التحتي (الموازي، غـير المنظم) وإحلال بعـض العملات أو الأصول الأجنبية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة محل العملة الوطنية كمخزن للقيمة.

للأسباب السابقة لم يكن متاحا أمام حكومات العالم الثالث لمواجهة أزمتي عجز الميزانية والمديونية الخارجية سوى أن تعلن عن تبنيها لبعض سياسات التحرر الاقتصادي وفي مقدمتها الخصخصة.

الضغوط التضخمية

ويرى اقتصاديون آخرون أن محصلة النموذج التقليدي للاقتصاد المختلط كانت مظلمة، فآليات التبعية المرتبطة بالتقسيم الدولي التقليدي للعمل لم تتعدل بطريقة ملموسة، وإمكانات الدولة المالية ظلت غير كافية لمواجهة الحاجات المرتبطة بالدور المركزي الذي أرادت أن تلعبه في تنمية البلاد. لقد ظلت الدولة خلال فترة طويلة تسير النظام الاقتصادي بموارد خارجية مصدرها الصادرات التقليدية والقروض الخارجية، إضافة إلى الإصدار النقدي المتسارع في الداخل. وقد مكنت هذه الأساليب الهشة دول العالم الثالث من تجنب طرح مسألة التراكم الرأسمالي والكفاءة الاقتصادية، ويسرت لها إرضاء الطلبات المتعارضة لمختلف الفئات الاجتماعية بفضل الموارد الخارجية والوهم النقدي في إطار اقتصاد متنام. ولكن التوقف المفاجئ للتسهيلات المالية المتاحة لدول العالم الثالث في سوق الإقراض الدولي وانهيار أسعار صادرات المواد الأولية في معظم البلاد قد أديا إلى ضغوط تضخمية كبيرة ساهم فيهـا أيضا التزايد الهائل في عجز الميزانية. ومثل هذا الموقف لم يكن ليستمر طويلا، الأمر الذي أرغم معظم دول العالم الثالث على تبني سياسات التثبيت والتصحيح والخصخصة.

وفي الدول الصناعية ينظر بعض الاقتصاديين للخصخصة كأداة أيسر من الناحيتين الفنية والسياسية، لخفض مستوى النفقات العامة بعدما أظهرت الأدوات المالية والاقتصادية الأخرى عجزها عن تخفيض نسبة الإنفاق العام والضرائب للناتج المحلي.

عوامل ومبررات أخرى

وبالإضافة إلى الأسباب السابقة توجد عوامل داخلية أخرى تدفع نحو الخصخصة. ومن بين هذه العوامل انتشار التقنيات الحديثة. فنتيجة للتطور التكنولوجي في الاتصالات أصبحت المعلومات متاحة على نطاق واسع مقارنة بالماضي. فيمكن للشركات الصغيرة الآن أن تجد طريقها إلى المعلومات التي كانت تقليديا متاحة فقط للدولة. وبالطبع يمكن للحكومة كرد فعل أن تزيد رقابتها على تدفق المعلومات ونظم الاتصال، ولكن مثل هذه الرقابة ستكون مكلفة للغاية وغالبا غير فعالة. ولا جدال في أن النفقة الاجتماعية التي تتحملها الأمة التي تحرم مواطنيها من الوصول إلى المعلومات المتاحة التي تؤمنها التكنولوجيا الحديثة للاتصالات سوف تكون عالية: خسارة جيل من المنظمين واستمرار التبعية للمبتكرات والاختراعات الأجنبية. ومن الأكيد أن مثل ذلك التهديد سوف يزيد من الضغوط نحو الخصخصة، فالنشاط الاقتصادي الحديث بطبيعته أصبح أكثر مرونة وتطورا وأصعب على سيطرة المسئولين الحكوميين.

ويضيف بعض الاقتصاديين للدوافع السابقة للخصخصة محاولة بعض دول العالم الثالث إعادة الرقابة على الاقتصاد الوطني الذي كان قد أخذ تدريجيا يستعصي على رقابة الحكومة بسبب التوسع المبالغ فيه في مجالات التدخل الحكومي وما أدى إليه من نمو متواصل في الاقتصاد التحتي في صوره المشروعة وغير المشروعة. وأيضا تكيف الدول المختلفة في الشمال والجنوب على حد سواء مع الاتجاهات المطالبة في السنوات الأخيرة باللامركزية والديموقراطية، وتقليل درجة التركز في السلطات السياسية والاقتصادية.

وهكذا نرى أن هناك مجموعة واسعة من الدوافع الخارجية والداخلية تكمن خلف سياسات الخصخصة التي أخذت في الانتشـار على نطاق واسع في العقد الأخير.

 

أحمد جمال الدين موسى

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




اللجوء للبنك المركزي لطبع النقود والضعوط التضخمية تقود إلى التدهور الاقتصادي والبطالة





الخصخصة ضغوط خارجية أو دوافع داخلية