تأثير الثقافة الرقمية في المنظومة التربوية

تأثير الثقافة الرقمية  في المنظومة التربوية

أضحت‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬ثقافة‭ ‬الصغير‭ ‬والكبير‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا،‭ ‬فالجميع‭ ‬راح‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬محتوياتها‭ ‬ويطلع‭ ‬عليها‭ ‬بنهم‭ ‬كبير،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬هذا‭ ‬بحذر‭ ‬وحيطة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بالأخذ‭ ‬الكلي‭ ‬منها‭ ‬دون‭ ‬تصفية‭ ‬أو‭ ‬تمحيص،‭ ‬فما‭ ‬معنى‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية؟‭ ‬وكيف‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬تلاميذنا‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬وطلابنا‭ ‬في‭ ‬الجامعات؟‭ ‬هل‭ ‬أخذوها‭ ‬بإيجابياتها‭ ‬وسلبياتها‭ ‬أم‭ ‬أنهم‭ ‬قاموا‭ ‬بتصفية‭ ‬محتواها؟‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نحاول‭ ‬الإجابة‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭  ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬تأثير‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‮»‬‭.‬

1‭ ‬ -الثقافة‭ ‬الرقمية

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نهمل‭ ‬الأساس‭ ‬الأوّل‭ ‬الذي‭ ‬شكّل‭ ‬ثقافة‭ ‬تلاميذنا‭ ‬وطلابنا‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬العالم‭ ‬الرقمي‭ ‬وظهور‭ ‬ثقافته،‭ ‬ونقصد‭ ‬به‭ ‬الثقافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬أو‭ ‬المطبوعة،‭ ‬فالكتاب‭ ‬بأنواعه‭ ‬المختلفة‭ ‬وبتخصصاته‭ ‬المتعددة‭ ‬قدّم‭ ‬رقياً‭ ‬فكرياً‭ ‬وحضارياً‭.‬

والملاحظ‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الثقافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬قد‭ ‬تضاءلت‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬للانتباه‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬المطالعة‭ ‬قيمة‭ ‬معرفية‭ ‬وإنسانية‭ ‬تشهد‭ ‬تراجعاً‭ ‬مؤلماً‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬القراءة‭ ‬بين‭ ‬الكبار‭ ‬والصغار‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬كما‭ ‬يُعاني‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬الوعي‭ ‬والتثقيف‭ ‬لأهمية‭ ‬القراءة‭ ‬والمطالعة‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬وقفنا‭ ‬عليه‭ ‬شخصياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مسارنا‭ ‬التدريسي‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي،‭ ‬وقد‭ ‬أقر‭ ‬بهذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬أيضاً‭ ‬باحثون‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬يُشير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬وعلماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬الطفل‭ ‬بالكتاب‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬مخيبة‭ ‬للآمال‭ ‬ومحبطة،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬ثقافة‭ ‬المطالعة‭ ‬معدومة‮»‬‭. ‬

ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬لا‭ ‬يمس‭ ‬الجزائر‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يمس‭ ‬كل‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬سيطرة‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحويه‭ ‬من‭ ‬إيجابيات‭ ‬وسلبيات‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬وسلوك‭ ‬الطفل‭ ‬والشاب‭ ‬العربي،‭ ‬فأصبحت‭ ‬تشكل‭ ‬إدماناً‭ ‬رهيباً‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بإمكان‭ ‬هذا‭ ‬المتلقي‭ ‬التخلص‭ ‬منه،‭ ‬و«المدمن‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬التوقف‭ ‬عنه،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬علق‭ ‬في‭ ‬مصيدة‭ ‬الإدمان،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬فظيعاً‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬المدمن،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬ممارسته‭ ‬الإدمانية‮»‬،‭ ‬ومهما‭ ‬كانت‭ ‬الملاحظات‭ ‬والتعليقات،‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬ظاهرة‭ ‬صحية‭ ‬هي‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬ضرورة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي‭ ‬‮«‬قادت‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬إلى‭ ‬تطورات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المختلفة‭ ‬ويُمكن‭ ‬وصف‭ ‬العصر‭ ‬الحالي‭ ‬بالعصر‭ ‬الرقمي‮»‬‭.‬

ولأننا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬لزاماً‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلحات‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬العلمية،‭ ‬ومنها‭ ‬مصطلح‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬تُشير‭ ‬إلى‭ ‬معطيات‭ ‬جديدة‭ ‬يفرضها‭ ‬عالم‭ ‬التطور‭ ‬العلمي‭ ‬والحضاري،‭ ‬فقد‭ ‬وحدت‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وجعلتها‭ ‬تتوق‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬معرفة‭ ‬واسعة،‭ ‬وأصبح‭ ‬يُطلق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬الموحد‭ ‬تسميات‭ ‬مختلفة،‭ ‬منها‭ ‬مجتمع‭ ‬المعرفة‭ ‬ومجتمع‭ ‬المعلومات،‭ ‬‮«‬حيث‭ ‬تُصبح‭ ‬المعرفة‭ ‬أهم‭ ‬مصادر‭ ‬التنمية،‭ ‬ويصبح‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل‭ ‬القومي‭ - ‬مجتمع‭ ‬المعلومات،‭ ‬حيث‭ ‬تُوفر‭ ‬كماً‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬مع‭ ‬توظيفها‭ ‬لصالح‭ ‬المجتمع‮»‬‭.‬

‭ ‬

2‭  - الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية

ارتبط‭ ‬الجميع‭ ‬بهذه‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬التلميذ‭ ‬المدرسي‭ ‬والطالب‭ ‬الجامعي،‭ ‬لتصبح‭ ‬هذه‭ ‬المعارف‭ ‬الجديدة‭ ‬ضرورية‭ ‬لهذين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وسنحدد‭ ‬أولاً‭ ‬إيجابيات‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة،‭ ‬لننتقل‭ ‬ثانياً‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬سلبياتها‭ ‬عند‭ ‬التلميذ‭ ‬والطالب‭ ‬باعتبارهما‭ ‬صورة‭ ‬للمنظومة‭ ‬التربوية‭.‬

 

التأثيرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬للثقافة‭ ‬الرقمية

 

1  ‬-الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬وتطوير‭ ‬المعارف

التحم‭ ‬التلميذ‭ ‬والطالب‭ ‬بالثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬التحاماً‭ ‬وثيقاً،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬سريع‭ ‬جداً‭ ‬ويومياً‭ ‬تُقدم‭ ‬لهذين‭ ‬الطرفين‭ ‬مكتسبات‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬وتُثري‭ ‬معارفهما‭ ‬السابقة‭ ‬وتُجددها‭ ‬‮«‬فهي‭ ‬قد‭ ‬وسّعت‭ ‬خبرات‭ ‬المتعلم‭ ‬وذللت‭ ‬له‭ ‬طريق‭ ‬بناء‭ ‬المفاهيم،‭ ‬فيتجاوز‭ ‬بذلك‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬المكانية‭ ‬والزمنية‭ ‬ممتطياً‭ ‬جسور‭ ‬المعرفة‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬لمسنا‭ ‬سعة‭ ‬هذه‭ ‬المعارف‭ ‬عند‭ ‬التلميذ‭ ‬المدرسي‭ ‬والطالب‭ ‬الجامعي‭ ‬عندما‭ ‬يُزودان‭ ‬الدرس‭ ‬بمعلومات‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬نتطرق‭ ‬إليها،‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أمر‭ ‬مهم‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬التلاميذ‭ ‬أو‭ ‬الطلاب‭ ‬قد‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬تزويدنا‭ ‬بمعارف‭ ‬جديدة،‭ ‬فنسبة‭ ‬المتعلم‭ ‬المتمكن‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬والوعي‭ ‬بها‭ ‬قليلة‭ ‬جداً،‭ ‬والأسباب‭ ‬متعددة،‭ ‬أهمها‭:‬

‭- ‬عدم‭ ‬امتلاك‭ ‬المتعلم‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬الجامعة‭ ‬للحاسوب‭ ‬وبالتالي‭ ‬للإنترنت‭.‬

‭- ‬نسبة‭ ‬جيدة‭ ‬من‭ ‬المتعلمين‭ ‬تقصد‭ ‬مقاهي‭ ‬الإنترنت‭ ‬لأمور‭ ‬غير‭ ‬معرفية‭ ‬كالارتباط‭ ‬بصفحة‭ ‬الصداقات‭ ‬المختلفة‭.‬

‭- ‬نسبة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬المتعلمين‭ ‬تأخذ‭ ‬المعارف‭ ‬الموجودة‭ ‬دون‭ ‬تمحيص،‭ ‬فلا‭ ‬تقرأها‭ ‬بتعمق،‭ ‬لتُقدمها‭ ‬دون‭ ‬وعي‭.‬

 

2‭  ‬-الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬تنويع‭ ‬للمعارف

لم‭ ‬يعد‭ ‬المتعلم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي‭ ‬متعلماً‭ ‬عادياً،‭ ‬يتلقى‭ ‬معارف‭ ‬محددة،‭ ‬فمع‭ ‬اطلاعه‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬الرقمية‭ ‬بشكل‭ ‬متواصل‭ ‬نوّع‭ ‬هذا‭ ‬المتعلم‭ ‬في‭ ‬معلوماته،‭ ‬فعالم‭ ‬الثقافة‭ ‬مفتوح‭ ‬أمامه‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬‮«‬يسهّل‭ ‬الإنترنت‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬جميع‭ ‬المواضيع‭. ‬يستفيد‭ ‬الأطفال‭ ‬والراشدون‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم‭ ‬والتعلّم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونه‭ ‬وسيلة‭ ‬ترفيهية‭ ‬رائعة‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬نسبة‭ ‬المتعلمين‭ ‬الذين‭ ‬احتكوا‭ ‬بهذا‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬احتكاكاً‭ ‬إيجابياً،‭ ‬اتضح‭ ‬تنوع‭ ‬معارفهم،‭ ‬فهم‭ ‬غير‭ ‬مرتبطين‭ ‬بحقل‭ ‬معرفي‭ ‬واحد،‭ ‬وهذا‭ ‬التنوع‭ ‬قد‭ ‬سمح‭ ‬بخلق‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬الحيوية‭ ‬والنشاط‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬الدرس،‭ ‬بل‭ ‬لمسنا‭ ‬أنهم‭ ‬اكتسبوا‭ ‬فعلاً‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬وأريحية‭ ‬كبيرة‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬زملائهم،‭ ‬ولتفعيل‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬لابدّ‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬المدرسة‭ ‬والجامعة‭ ‬وداخل‭ ‬قاعات‭ ‬التدريس‭ ‬أجهزة‭ ‬الحاسوب‭ ‬مدعّمة‭ ‬بالإنترنت،‭ ‬لينتفع‭ ‬بها‭ ‬المتعلمون‭ ‬ويُنّوعوا‭ ‬مداركهم،‭ ‬وإذا‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نستطيع‭ ‬‮«‬أن‭ ‬نتقدم‭ ‬خطوات‭ ‬للأمام‭ ‬ونحّفز‭ ‬المتمدرسين‭ ‬على‭ ‬التعلم،‭ ‬ونُضاعف‭ ‬قُدراتهم‭ ‬التحصيلية‭ ‬ونُيسر‭ ‬للمعلّم‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬تقوم‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬على‭ ‬المتعلّم‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تتأسس‭ ‬مع‭ ‬المعلّم‭ ‬أيضاً،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬عصر‭ ‬العولمة،‭ ‬فإذا‭ ‬أسس‭ ‬معارفه‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬المكتوبة،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يُطور‭ ‬معارفه‭ ‬هذه‭ ‬ويُنوّعها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تواصله‭ ‬مع‭ ‬جديد‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية،‭ ‬ومثلما‭ ‬يتدرب‭ ‬المتعّلم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة،‭ ‬فعلى‭ ‬المعلم‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يتدرب‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬خبيراً‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الوسائط‭ ‬الحاسوبية‭ ‬فيُحسن‭ ‬توصيلها‭ ‬للمتعلّم،‭ ‬فيغدو‭ ‬الدرس‭ ‬مقروءاً‭ ‬مكتوباً‭ ‬ومسموعاً‭ ‬ومرئياً،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬استثارة‭ ‬لحواس‭ ‬المتعلّم‭ ‬وطاقاته‭ ‬العقلية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُلغى‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ويُعوض‭ ‬بالتعليم‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التربوية‭ ‬اليوم‭ ‬تُشيد‭ ‬بالنوع‭ ‬الثاني‭ ‬للإيجابيات‭ ‬المرتبطة‭ ‬به،‭ ‬و«من‭ ‬إيجابيات‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬حصول‭ ‬المتعلم‭ ‬على‭ ‬تغذية‭ ‬فورية‭ ‬والاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الذهاب‭ ‬لمقر‭ ‬الدراسة‮»‬،‭ ‬لكننا‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬مازلنا‭ ‬بعيدين‭ ‬جداً‭ ‬عن‭ ‬تمثيل‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة،‭ ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬استمرارية‭ ‬تقديم‭ ‬الدروس‭ ‬بالطرق‭ ‬التقليدية‭. ‬

كما‭ ‬أنّ‭ ‬المتعلم‭ ‬وبنسبة‭ ‬غالبة‭ ‬مازال‭ ‬ينتظر‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬المعلم،‭ ‬فيتقيد‭ ‬بها‭ ‬حرفياً‭ ‬ليقدمها‭ ‬جاهزة‭ ‬في‭ ‬الامتحان،‭ ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬مازال‭ ‬المعلّم‭ ‬يُدرب‭ ‬متعلّمه‭ ‬منذ‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬على‭ ‬الحفظ‭ ‬والتلقين،‭ ‬ليبقى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الجامعية،‭ ‬فيكون‭ ‬هدف‭ ‬هذا‭ ‬المتعلّم‭ ‬واحداً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المراحل،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬النقطة‭ ‬الجيدة‭ ‬لتفادي‭ ‬الرسوب‭ ‬‮«‬والطلاب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬سلبيون‭ ‬هدفهم‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬لتفادي‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬الرسوب‭ ‬أو‭ ‬الحرج‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬من‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬درجات‭ ‬ضعيفة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التعليم‮»‬‭.‬

 

- ‬3‭  ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬وتفعيل‭ ‬دور‭ ‬القراءة‭ ‬

انتقلت‭ ‬علاقة‭ ‬المتعلم‭ ‬بالكتاب‭ ‬من‭ ‬المطبوع‭ ‬إلى‭ ‬الرقمي،‭ ‬ليرتبط‭ ‬بمحتواه‭ ‬وينتفع‭ ‬من‭ ‬معلوماته،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬جل‭ ‬المتعلمين‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬المكتبة‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬تُوفرها‭ ‬لهم‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬،‭ ‬ويقول‭ ‬نقاد‭ ‬‮«‬إنّ‭ ‬ثورة‭ ‬المعلومات‭ ‬لن‭ ‬تُلغي‭ ‬المكتوب‭ ‬وإنّما‭ ‬ستُغير‭ ‬في‭ ‬شكله،‭ ‬فالناس‭ ‬لن‭ ‬تقرأ‭ ‬جريدة‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬ولا‭ ‬كتاباً‭ ‬ولا‭ ‬قاموساً‭ ‬مصنوعاً‭ ‬من‭ ‬الورق،‭ ‬بعدما‭ ‬أصبح‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬صفحات‭ ‬إلكترونية‭ ‬تُقرأ‭ ‬على‭ ‬الشاشة‮»‬‭. ‬

ومع‭ ‬احتكاكنا‭ ‬بالمتعلم‭ ‬المتفاعل‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية،‭ ‬لاحظنا‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬كتب‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المكتبات‭ ‬العمومية،‭ ‬فساعده‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬إثراء‭ ‬بحثه‭ ‬بمعلومات‭ ‬جديدة‭. ‬

 

التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬للثقافة‭ ‬الرقمية

مثلما‭ ‬قدمنا‭ ‬التأثيرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬للثقافة‭ ‬الرقمية،‭ ‬فلابّد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نوضح‭ ‬تأثيراتها‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬النقاط‭ ‬الآتية‭:‬

 

1‭  ‬-ازدياد‭ ‬التبعية‭ ‬الثقافية

يجد‭ ‬المتعلم‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬له‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنها‭ ‬تركته‭ ‬تابعاً‭ ‬لها‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬فهو‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يُنتج‭ ‬معارف‭ ‬جديدة‭ ‬لأنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بالذكاء‭ ‬والرغبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬المجهول‭. ‬

والمتتبع‭ ‬للمنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬العربية‭ ‬يُلاحظ‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬غياب‭ ‬استغلال‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬وهذه‭ ‬الرغبة،‭ ‬فالمتعلم‭ ‬سُلمت‭ ‬مقاليده‭ ‬للثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تخطيط‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬التبصر‭ ‬بتصفية‭ ‬ما‭ ‬يُناسب‭ ‬هذا‭ ‬المتعلّم،‭ ‬فأُلغيت‭ ‬بذلك‭ ‬تنمية‭ ‬مهاراته‭ ‬وتطوير‭ ‬إمكاناته‭ ‬الرهيبة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نقول‭ ‬إنّ‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬أمام‭ ‬تحد‭ ‬كبير‭ ‬‮«‬للتركيز‭ ‬على‭ ‬المفاهيم‭ ‬وتنمية‭ ‬المهارات‭ ‬وكيفية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات‭ ‬واستخدامها‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬أساس‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬نُلقي‭ ‬باللائمة‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬وحدها،‭ ‬فالأسرة‭ ‬وباعتبارها‭ ‬المكمل‭ ‬الآخر‭ ‬لهذه‭ ‬المنظومة‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬إهدار‭ ‬ذكاء‭ ‬المتعلم‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية،‭ ‬فنجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬قد‭ ‬غيّبوا‭ ‬دورهم‭ ‬القيادي‭ ‬المنوط‭ ‬بهم،‭ ‬فاتحين‭ ‬المجال‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬أمام‭ ‬قيادة‭ ‬جديدة‭ ‬هي‭ ‬زخم‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭.‬

 

2  ‬-الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬والسلم‭ ‬القيمي

انتظار‭ ‬المتعلم‭ ‬لجديد‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتساءل‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬سيأخذها‭ ‬في‭ ‬مدرسته‭ ‬وفي‭ ‬جامعته،‭ ‬فالتماهي‭ ‬الموجود‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬جعله‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بقيم‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬بصلة‭ ‬لسلسلة‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭. ‬إن‭ ‬المتعلم‭ ‬يعيش‭ ‬أزمة‭ ‬هوية،‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬تفرض‭ ‬جديداً‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬فكيف‭ ‬للمتعلم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬هذا‭ ‬الجديد‭ ‬المتغير؟‭ ‬

أطلق‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬صراع‭ ‬الهوية‭ ‬وتغيرها‭ ‬‮«‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬الهوية‭ ‬والعالمية‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬كيف‭ ‬يُحافظ‭ ‬على‭ ‬الجذور‭ ‬والأصول‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الاتصال‭ ‬وسوق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحر‭? ‬ونتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬التغير‭ ‬القيمي‭ ‬لاحظنا‭ ‬أن‭ ‬المتعلم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يُقدر‭ ‬معلمه‭ ‬فيعتبره‭ ‬منارة‭ ‬العلم،‭ ‬بل‭ ‬أضحى‭ ‬اللاتقدير‭ ‬سمته‭ ‬الغالبة،‭ ‬لكننا‭ ‬نُشير‭ ‬لأمر‭ ‬مهم‭ ‬وهو‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬اكتسحت‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬المتعلمين‭ ‬فضاء‭ ‬المدرسة‭ ‬والجامعة،‭ ‬فلا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬غيابا‭ ‬كليا‭ ‬للمتعلم‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬متمسكاً‭ ‬بسلم‭ ‬قيمي‭ ‬أسري‭ ‬واجتماعي‭ ‬معين‭.‬

‭ ‬

3  -القراءة‭ ‬المشتتة‭ ‬

رغم‭ ‬ما‭ ‬تُقدمه‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬للمتعلم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قراءته‭ ‬لها‭ ‬لم‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬التأني‭ ‬والتعمق‭ ‬في‭ ‬معلوماتها،‭ ‬فكانت‭ ‬البحوث‭ ‬المقدمة‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬سطحية‭ ‬غير‭ ‬مترابطة‭ ‬في‭ ‬أفكارها،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬شخصية‭ ‬الطالب‭ ‬فيها،‭ ‬لتحضر‭ ‬هذه‭ ‬البحوث‭ ‬شكلاً‭ ‬وتغيب‭ ‬مضموناً‭.‬

 

خاتمة

لا‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬سيطرة‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬نرفض‭ ‬توظيفها‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬وباعتبارنا‭ ‬منتمين‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬مُسايرة‭ ‬التطور‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬لغرس‭ ‬سلوكها‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬متعلمينا‭■