الوالدان... وضرورة الانتباه لاستخدام الأطفال للمحتوى الرقمي
في عام 2015، أظهرت دراسة نشرتها منظمة «كومون سينس ميديا»، أن الأطفال في سن المراهقة يقضون على مواقع التواصل الاجتماعي تسع ساعات يومياً في المتوسط. كما وجدت الدراسة أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثماني سنوات واثنتي عشرة سنة يقضون عليها ست ساعات يومياً في المتوسط.
والآن، وبعد مرور ثلاثة أعوام على نشر هذا التقرير، تُظهر دراسة جديدة نشرتها «كومون سينس ميديا»، أن مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال البالغون من العمر ثماني سنوات فأقل على مواقع التواصل الاجتماعي تضاعف من 15 دقيقة يومياً في عام 2013 إلى 48 دقيقة يومياً في 2017.
وإذا أضفنا إلى ذلك الدراسة والأنشطة الخارجة عن المنهج الدراسي والوقت العائلي والنوم، فيصعب علينا أن نستبين حتى كيف يجد الأطفال ساعات كافية في اليوم لهذا المقدار من استهلاك الوسائط الرقمية.
تعطيل الوظيفة الإدراكية
في ضوء هذه الإحصاءات، بدأ الباحثون يطرحون السؤال الآتي: «كيف يؤثّر هذا على الأطفال؟»، فكان ما وجدوه أن الإسراف في استخدام المحتوى الرقمي، شأنه شأن الإفراط في تناول المأكولات غير الصحية، يمكن أن تكون له آثار سلبية.
فعلى سبيل المثال، وجدت دراسات حديثة أن محض وجود جهاز رقمي (كالهاتف الذكي) يمكنه الاستحواذ على التركيز وتعطيل الوظيفة الإدراكية، سواء أكان الجهاز قيد التشغيل أم متوقفاً عن العمل.
وعلى سبيل المثال، إذا كان الطفل يؤدي اختباراً وكان هاتفه الذكي مضبوطاً على نمط الطيران ومحفوظاً داخل حقيبة ظهره الموضوعة تحت طاولته، فقد يتأثر تركيز الطفل ووظيفته الإدراكية على الرغم من ذلك بسبب قُرب الهاتف.
وعلى الرغم من أن الدراسة لم تقم بقياس نتائج الاختبارات بين تلاميذ المدارس الذين كانت لديهم هواتف ذكية موجودة بصحبتهم، فإنه يمكننا افتراض أن لتشويش الانتباه وتعطيل الوظيفة الإدراكية على الأرجح أثراً سلبياً على نتائج الاختبارات والعمل المدرسي بوجه عام.
وهناك دراسة أخرى، أجرتها جامعة ستانفورد الأمريكية، قامت باختبار الاستخدام المتزامن لوسائط إعلامية متعددة. فقد كان هناك اعتقاد سائد على نطاق واسع أن الاستخدام المتزامن لوسائط إعلامية متعددة يعتبر مهارة عملية، بل وربما مفيدة، لأن كثيرين منا يتنقّلون بسرعة في العادة بين الوسائط الإعلامية المختلفة، ومن ذلك على سبيل المثال كتابة تقرير يخص العمل والرد على رسالة دردشة من أحد زملاء العمل والتعامل مع مكالمة هاتفية تخص المبيعات.
يجسّد الأطفال والمراهقون فكرة الاستخدام المتزامن لوسائط إعلامية متعددة باعتبارها مهارة تعزيزية، حيث يعتقد كثيرون منهم أن مشاهدة التلفزيون أو تبادل الرسائل النصية أو التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي لا أثر له على قدرتهم على التركيز وتحقيق أداء جيد في واجباتهم المدرسية. لكن الدراسة وجدت أن من يُكثرون من الاستخدام المتزامن لوسائط إعلامية متعددة وجدوا صعوبة أكبر في تكريس انتباههم إلى مهام معينة، والتنقل بين المهام، وتحديد العناصر الأساسية بين المهام.
وعلى الرغم من أن الجوانب الإدراكية وجوانب الانتباه التي ينطوي عليها استخدام الوسائط الإعلامية يقيناً تستحق النظر، فإن أحد المخاوف الكبرى بشأن عافية الأطفال والمراهقين فيما يتعلق باستهلاك وسائط التواصل الاجتماعي يرتبط بحالتهم العقلية. فهناك دراسة حديثة أجراها خبراء اقتصاديون في جامعة شيفيلد وجدت أن استخدام وسائط التواصل الاجتماعي بين الأطفال يجعلهم أقل سعادة في الغالبية العظمى من جوانب حياتهم. بل إن قضاء مجرد ساعة واحدة يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي بإمكانه أن يقلل من شعور الطفل بالسعادة الكلية في مجالات العمل المدرسي والمدرسة التي يرتادها ومظهره وأسرته وحياته بوجه عام بنسبة 14 في المائة.
لكنهم وجدوا في الحقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي عادة ما تجعل الأطفال، في المتوسط، يشعرون بأنهم أكثر سعادة على صعيد صداقاتهم.
ومع كل ما نعرفه الآن عن الآثار السلبية المترتبة على استخدام الوسائط الإعلامية الرقمية بين الأطفال والمراهقين، يأتي التزام بأن نفعل شيئاً حياله. وهناك جزء من هذا الالتزام، وفق مفوضة شؤون الأطفال في إنجلترا آن لونجفيلد، ينبغي أن تتحمله شركات مواقع التواصل الاجتماعي ذاتها. فلا ننس أن مواقع التواصل الاجتماعي مصممة للاستحواذ على الانتباه وضمان انهماك المستخدمين مع تلك الشبكات أكبر قدر ممكن. وعلى الرغم من أن هذا الانهماك قد يكون مفيداً لشبكات التواصل الاجتماعي، فإنه ليس مفيداً بالضرورة للأشخاص الذين يستخدمونها.
خمس مرات في اليوم
في مقال نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، ساقت لونجفيلد مثالاً وهو خاصية «سناب ستريك» على تطبيق التواصل الاجتماعي «سناب شات»، لكي تبرهن على الطبيعة الاستغراقية لمنصات التواصل الاجتماعي. فبإمكان مستخدمي «سناب شات» إنشاء ما يسمى «ستريك» أو سلسلة عندما يتبادلون الصور بينهم وبين الأصدقاء لمدة ثلاثة أيام متتابعة. فإذا حدث لشخص في هذه السلسلة أن فاته الدور، انهارت السلسلة؛ مما يتمخض عن نوع من الضغط الاجتماعي لمواصلة التفاعل باستخدام التطبيق. ومع أن هذه الخاصية يمكن أن تكون مصدر بهجة للأصدقاء، فيمكن القول أيضاً إنها لا تراعي وقت المستخدمين.
لكن لونجفيلد تؤكد أيضاً أن المسؤولية عن حماية الأطفال من الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي لا تقتصر على شبكات التواصل الاجتماعي وحدها، بل يجب على الوالدين أيضاً أن يتسموا بالمبادرة في مساعدة أطفالهم على تطوير عادات صحية عندما يتعلق الأمر باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، تماماً مثلماً يجب عليهم التحلي بالمبادرة في تحديد نظام غذائي صحي لأطفالهم.
سيراً على خطى حملة «خمس مرات في اليوم» للطعام الصحي في إنجلترا، التي تقدم مبادئ توجيهية لتناول وجبات متوازنة، أطلقت لونجفيلد أخيراً حملة «خمس مرات في اليوم» رقمية تسعى إلى مساعدة الوالدين على تعليم أولادهم في سن الطفولة والمراهقة التمتع بحضور سليم صحياً على الإنترنت، بحيث يكون متوازناً مع حياة سليمة صحياً بعيداً عن الإنترنت في الوقت نفسه.
والمبادئ الخمسة المقترحة، هي:
1 - تواصَل: تبادَل الرسائل وامرح والعب مع الأصدقاء والأهل، على الإنترنت وبعيداً عن الإنترنت سواء بسواء.
2 - كن نشطاً: خذ عطلة بعض الوقت ومارس نشاطاً؛ فالحركة تساعد على تعزيز الصحة الانفعالية.
3 - كن خلاقاً: لا تكتف بتصفح الإنترنت بل استخدم الأدوات الرقمية لإنشاء المحتوى وبناء مهارات جديدة واكتشاف هوايات واهتمامات جديدة.
4 - كن معطاءً للآخرين: كن إيجابياً على الإنترنت، وأبلغ عن المحتوى السيئ وساعد الآخرين على إحداث توازن فيما يتعلق بمبادئ «خمس مرات كل يوم» الخاصة بهم.
5 - كن حاضر الذهن: إذا كان الوقت الذي تقضيه على الإنترنت يسبب لك ضغطاً نفسياً أو تعباً، فاحصل على راحة بعض الوقت من الاتصال بالإنترنت واطلب المساعدة عندما تحتاج إليها.
من خلال حملة خمس مرات في اليوم الرقمية، تجادل لونجفيلد بأنه لا ينبغي منع الأطفال بالكلية من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث صارت هذه المواقع جزءاً من واقع الحياة العصرية. وينبغي بدلاً من ذلك وضعها تحت إشراف، واستخدامها في حدود المعقول، لكي يتمتع هؤلاء الأطفال بخبرة اجتماعية رقمية وغير رقمية جامعة.
وللمساعدة على الإشراف على استهلاك الوسائط الرقمية، يستطيع الوالدان الاستفادة من عناصر تحكم الوالدين لفرض قيود على ماهية المواقع التي يستطيع أطفالهم مطالعتها، وماهية الخصائص التي يمكنهم استخدامها، والأوقات التي يمكنهم فيها الدخول إلى الإنترنت، والتي لا يمكنهم فيها ذلك.
تقترح لونجفيلد أيضاً أن يتكلم الأبوان مع أطفالهما عن الاستراتيجيات التي تستخدمها شبكات التواصل الاجتماعي للإبقاء عليهم منهمكين، والآثار المحتملة للإفراط في استخدام الوسائط الرقمية على نموهم. فهذا يعطي الأطفال الأدوات اللازمة للتعامل بفعالية مع حياتهم واتخاذ قرارات مستنيرة.
من المهم بوجه عام أن نضع في اعتبارنا أنه حتى مع عيشنا في عالم محاط بالوسائط الرقمية، فليس مستحيلاً أن يحتفظ الأطفال والمراهقون بعلاقة سليمة مع مواقع التواصل الاجتماعي ويقيموا توازناً بين حياتهم على الإنترنت وحياتهم بعيداً عنها■