مِنْ سِيرَةِ الشِّعْرِ
قَرَأْتُكَ فِي جِبينِ الصُّبْحِ طَلْعاً
وَنَعْنَاعاً، وَزَيْتُوناً، وبُرَّا
وَشَيْئاً مِنْ خُلاصَةِ ذِكْرَيَاتٍ
دَعَتْكَ لِأَنْ تَكُونَ بِهَا أَبَرَّا
جَمِيعاً قَدْ تَلاقَتْ فِي فُؤَادٍ
لِتتَّخِذَ الْفُؤادَ لَهَا مَمَرَّا
إِلَى قَلْبِ الْحَيَاةِ تَصُبُّ نَهْراً
ومِنْ قَلْبِ الْحَيَاةِ تَعُودُ نَهْرَا
لِتَطْرُقَهَا الليَالِيَ بَابَ عِشْقٍ
وَتَجْنِيَ مِنْ ثِمَارِ الْعِشْقِ خَمْرَا
وَتَمْشِيَ فِي شَوَارِعِنَا حَثِيثاً
لَعَلَّكَ تَتَّقِي بِالسَّيْرِ شَرَّا
عَلَى غَيْرِ احْتِمَالٍ شِمْتَ طِفْلاً
يَوَدُّ بِزَهْرَةٍ أَنْ يَسْتَقِرّا
فَحَالَتْ دُونَهَا فِكَرُ الليَالِي
وَفَضَّلَ أَنْ يَظلَّ الأَمْرُ ذِكْرَى
وَكَانَ إِذَا رَآهَا فِي خَيَالٍ
تَعَثَّرَ فِي الْمَكَانِ هَوَىً وَفِكْرَا
كَتَبْتُ قَصِيدَةً مِنْ أَلْفِ بَيْتٍ
وَأَنْتَ أَحَلْتَهَا نَاراً وَجَمْرَا
تَمَشَّتْ فِي الرِّكَابِ بِغَيْرِ قَصْدٍ
وَحَلَّ بَرِيقُهَا فِي النَّاسِ سِحْرَا
فَإِذْ طِفْلٌ لِوَرْدٍ قَدْ تَمَنَّى
تغَشَّاهُ الْقَصِيدُ فَصَارَ زَهْرَا
فَيَالَكَ حِينَ تُدْرِكَ غَيْرَ بَاغٍ
وَتَكْسِرُ قَيْدَهُ؛ لِيَصِيرَ حُرَّا!
وَتَمْنَحُهُ الْحَيَاةَ كَمَا تَرَاهَا
مَبَاهِـــجَ جَـــنّـــــةٍ لا دَارَ أَسْــــرَى
وَقَعْتَ عَلَى الطَّرِيقِ فَتىً جَرِيحاً
وَجِئْتَ كَمَا تَوَدُّ الرُّوحُ صَقْرَا
تُخَالِفُ مَنْ رَأَيْتَ ولا تُبَالِي
أَقَفْراً جِئْتَ أَمْ غَادَرْتَ قَفْرَا
وَتُسْلِمُنَا السَّمَاءَ عَلَى هَوَانَا
قَوَافِلَ حِنْطَةٍ لِجُمُوعِ مِصْرَا
نِهَايَتُهَا عَلَى حَدِّ ارْتِحَالٍ
وأَوَّلُهَا جَوَازُ الْعَصْرِ قَصْرَا
سَتَكْفِينَا إِلَى خَمْسِينَ عَاماً
وَيَنْبُتُ غَيْرُهَا أَلَقاً وَنَصْرَا
فَيَالَكَ حِيْنَ تَمْنَحُنَا اشْتِهَاءً
يُجَاوِزُ عُمْرُه دَهْراً ودَهْرَا!
جَفَوْتَ فَلَيْسَ فِيْنَا غَيْرُ شَاكٍ
حَنَوْتَ وكُنْتَ فِي الْحَالَيْنِ جِسْرَا
إِلَى بَابٍ مِنَ الأَبْوَابِ عَالٍ
تَخَيّلناهُ قَبْلَ اليَوْمِ قَصْرَا
سَعَيْنَا أَنْ يَكُونَ لَنَا نَصِيراً
فَأَسْرَعَ وَاهِياً وانْحَلَّ خُسْرَا
إِلَيهِ سَبَقْتَنَا بَطَلاً جَسُوراً
وَكُنْتَ بِمَا نَخَافُ تُحِيطُ خُبْرَا
طَعَنْتَ عَلَى احْتِكَارِ الرُّوحِ حَتَّى
تَبَدَّتْ فِي غُيُومِ اللَّيلِ فَجْرَا
فَصِــــرْنَا كُلّمَا اخْتَلَفَـــــتْ عَلَيْنَا
قُصُورُ الْمَارِقِيْنَ نَقُولُ شِعْرَا
فَيَالَكَ حِيْنَ تُسْكِتُ مَنْ تَلَظَّى
وتُفْرِغُ مِنْ هَشِيمِ النَّارِ صَبْرَا!
نَزَلْتَ مِن السَّمَاءِ ومِنْ ضُحَاهَا
وَمِنْ بَيْنِ الضُّلُوعِ تَخِذْتَ حِجْرَا
لِتَمْثُلَ فِي الْجِرَاحِ ضِمَادَ بُرْءٍ
تَمَنَّتْهُ الْجِرَاحُ لَهَا مَقَرَّا
فَمَا كُنْتَ ابْنَ مَاءٍ غَيرِ بَرٍّ
وَلَسْتَ وَإِنْ أَضَرَّ النَّاسُ ضُرَّا
قَضِيَّتُكَ انْسِحَابُ الشَّرِ حَتَّى
تَطِيبَ جَوَانِحُ الإِنْسَانِ طُرَّا
وَيَالَكَ حِينَ تُرْسِلُهُ شَفِيفاً
أَشَـــــــــــــدَّ صَلابَــــــــةً وأَرَقَّ دُرَّا!
وَيَالَكَ تُشْتَهَى مَيْتاً وَحيًّا
وَيَالَكَ تُرْتَجَى حُلْواً وَمُرَّا! ■