وصارت الكويت لـ «العربي» منزلاً

وصارت الكويت لـ «العربي» منزلاً

«آثر الأشياء عندي حب الخير لبلدي وللعرب» 
(الشيخ عبدالله السالم الصباح)
«أدعو الكفاءات العربية في أرجاء وطننا الكبير إلى المساهمة بقدراتها إثراءً لمجلة العربي»
 (صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح)

 

استغرق الإعداد لولادة «العربي» نحو أربع سنوات، وكان اللقاء الأول للعلّامة د. أحمد زكي بالمغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح في عام 1955، إذ قال له أثناء اللقاء: سعيد بلقاء سموّكم... إنّي إلى العلم أنتسب، فقال له: «أنا رجل، إن فاتني أن أكسب الكثير، فقد كسبت شيئًا هو آثر الأشياء عندي، ذلك حب الخير لبلدي وللعرب». وقال: «إننا نُعين ونُعاون ولا نتدخل في أعمالكم».
أما حاضن «العربي» وراعيها منذ أن أنشئت فهو سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، عضو اللجنة التنفيذية العليا في 19/7/1959، ترأس عام 1955 دائرتي الشؤون الاجتماعية والعمل، والمطبوعات والنشر، واكتسب خبرة عالية في الدبلوماسية والإعلام، وأُطلق على سموّه لقبا «صانع الدبلوماسية الكويتية»، و«عميد الدبلوماسية العربية». 
يقول الأستاذ بدر خالد البدر في كتابه: «رحلة مع قافلة الحياة» (الجزءان الثاني والثالث 1942 إلى سنة 1971):
«عند الحديث عن مجلة العربي، لابد من الحديث عن المجلة الرسمية (الكويت اليوم) في عام 1954، فهي التي أوحت بفكرة إصدار مجلة العربي»، وهي المجلة الرسمية التي تعلن عن إنجازات حركة الدوائر الرسمية وقوانين أعمالها.
وجاء في كتاب البدر صفحة 53:
«كان مولد فكرة إصدار مجلة أدبية، في الجلسة التي عقدتها أسرة تحرير الجريدة الرسمية في 13/12/1954، وتم بحث إصدار ملحق أدبي يكون تابعًا لإدارة الجريدة الرسمية، وظلت الفكرة تتفاعل مع مرور الأيام، إلى أن كان موعد صدور العدد الأول من مجلة العربي في ديسمبر عام 1958».
ومن حسن المصادفة أن وافق ذلك الوقت انعقاد مؤتمر الأدباء العرب في الكويت، وتم طبع ثلاثين ألف نسخة من العدد الأول، وزعت على مختلف البلاد العربية.

هدف «العربي»
ووفق هدف المجلة، واسمها «العربي»، كان موضوعها الأول عن الجزائر وصراعها في تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي، وعنوان التحقيق «تحية إلى جيش التحرير الجزائري»، وما حمله التحقيق من صور المجاهدات وهنّ يحملن الأسلحة الثقيلة، وصور لكتائب جيش التحرير، الذي شمل كل المدن والأرياف الجزائرية، واشتمل العدد على أحاديث عن «القومية العربية كما ينبغي أن نفهمها» للدكتور محمد أحمد خلف الله.
وجاء التحقيق الثاني عن العراق الشقيق ليحمل عناوين عدة منها:
«قصة 32 مليون نخلة تنتج أحلى تمور العالم»، و«النخلة والإنسان»، و«صادرات التمور»، وعلى مدى قرنين من الزمان تولى أهالي الكويت شراء جملة ما ينتجه العراق من التمور والإبحار به إلى شرق وجنوب إفريقيا والهند الكبرى والجزر المحيطة بها، وكانت عائلة الإبراهيم تصدّره إلى إنجلترا بالسفن البخارية العملاقة.
وهكذا، حتى امتلك الكويتيون كل أراضي الجنوبيات من الفاو إلى «القرنة» مركز لقاء النهرين العظيمين ليكوّنا شط العرب.
ولعل سبب استمرار «العربي» هو انفتاحها على الوطن العربي دون تقييدها بمنزلها الكويت، أما سبب تعثّر الكثير من المجلات الأدبية والثقافية، فهو ارتباطها برموزها السياسية وأحزابها وصور ساستها، هكذا حتى صارت «العربي» مرجعًا ثقافيًا وأدبيًا لقرّائها العرب.

العقاد ومحفوظ
كان يسعدني كثيرًا، وأنا أجوب عالمنا العربي، وألتقي أدباء العرب ورؤساءهم، بصفتي الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين لفترة، عندما أسمع المديح والثناء على الأهمية الثقافية والعلمية التي تلقّوها من المجلة، وكتب قادة الفكر العربي في «العربي»، ومن الأعلام الأدبية العربية المصرية. شارك الأديب الكبير عباس محمود العقاد في مقالة بعنوان: «صلاح الدين الأيوبي» في العدد الأول (ديسمبر 1958)، والأساتذة كامل عياد من سورية، بالإضافة إلى كاتب وفيلسوف عربي آخر من سورية أيضًا، والمؤرخ د. فيليب حتّي من لبنان، كما ورد في العدد الأول مقال عن دولة البحرين حضارتها وتاريخها العريق. وشارك الأكاديمي د. زكي المحاسني، وكانت هناك قصة للأديب محمود تيمور، وموضوع عن ليالي القاهرة والمسرح العربي.
وهكذا عرجت «العربي» على الأقطار العربية واحتوت على أفكارها وآدابها وفنونها، واستطاعت الأعداد الأولى من المجلة أن تعرّفنا بعلماء وأدباء الأمة ومفكريها، من أمثال ميخائيل نعيمة، وهو أديب ومفكر وفيلسوف من لبنان.
وكما شارك العقاد في العدد الأول، شارك في «الثاني» بمقال عن أسامة بن منقذ، وكتب مدير جامعة دمشق الأستاذ حكمت هاشم، كما كتب د. صلاح الدين المنجّد عن المغرب العربي، وكتب أمين يوسف غراب في القصة، والمفكر العملاق رائد القصة والرواية الأستاذ نجيب محفوظ، والشاعرة القديرة فدوى طوقان، والأستاذ الفنان المسرحي زكي طليمات.

منبر رفيع
ظهرت زوايا عدة في الأُسرة والطب والمواضيع العلمية وما في الاختراعات من جديد. وكتبت د.عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) عن «المرأة عند أحمد شوقي». ورثت مجلة العربي منبرًا عربيًا رفيعًا متمثلاً في مجلة الرسالة لأحمد حسن الزيات التي استمرت 20 عامًا من عام 1933 إلى 1953.
وكانت «الرسالة» تستقطب كُتاب «العربي» من الخليج العربي والعراق وسورية ولبنان والأردن والبلاد المغاربية، لكنها أَفلت، كالنجم الذي سطع 20 عامًا في سماء الوطن العربي، بتاريخ 23 فبراير 1953، بعد أن صدر منها 1025 عددًا، بعد أن أنهكتها ظروفها المادية.
وسطع في سماء القاهرة نجم آخر، أضاء معرفة وثقافة وعلمًا، وهي مجلة «البعثة»، التي ألزمها قانون الطباعة أن تحمل اسم «نشرة».
وسايرت منارات الثقافة المصرية، وتولى رئاستها الأستاذ عبدالعزيز حسين، ثم عبدالله زكريا الأنصاري، وقد أصدرها بيت الكويت في القاهرة، وكانت ترعى شؤون البعثات الطلابية الكويتية في القاهرة وغيرها من مدن مصر.
وكانت «البعثة» في عهد المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح، إذ صدر العدد الأول في ديسمبر 1946، وكانت تعنى بشؤون إمارة الكويت، وشارك في تحريرها والكتابة فيها أساتذة وكتّاب من مصر والكويت، التي كانت تعيش فقرًا مدقعًا، وكانت حال الأقطار العربية خيرًا منها، ومع ذلك لم تصدر أي دولة مجلة في مصر.
وفي عددها الأخير حملت «البعثة» على غلافها صورة لقاء رفيع بين الرئيس المصري محمد نجيب، والشيخ عبدالله السالم الصباح، والعاهل السعودي جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز عند زيارته لمقر بيت الكويت والتقائه طلبة الكويت في شهر يوليو 1954، واحتجبت المجلة في أغسطس 1954، وفقدت الكويت باحتجابها منارة ثقافية علمية واجتماعية ■