المطربة نور الهدى (1924 – 1998).. بين مشاهد السينما وميكروفون المسارح

المطربة نور الهدى (1924 – 1998).. بين مشاهد السينما وميكروفون المسارح

بدأت‭ ‬ألكسندرا‭ ‬نقولا‭ ‬بدران‭ (‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬لاحقاً‭)‬،‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬مطربات‭ ‬عصرها،‭ ‬مهتدية‭ ‬بالهواية،‭ ‬متكئة‭ ‬على‭ ‬الموهبة‭. ‬لم‭ ‬يتيسّر‭ ‬لها‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬تتلقّى‭ ‬درساً‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬موسيقي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتهيأ‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تبلغ‭ ‬دروساً‭ ‬كافية‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الأدب‭ ‬واللّغة‭ ‬وما‭ ‬إليهما‭. ‬وبعد‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬كان‭ ‬ممنوعاً‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تحترف‭ ‬الغناء،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الهوى،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬ميلي‭ ‬ما‭ ‬مال‭ ‬الهوى،‭ ‬ميلي‭ ‬يا‭ ‬عينيّ‮»‬‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬المرور‭ ‬بالمدارس‭ ‬والمعاهد،‭ ‬أن‭ ‬ألكسندرا‭ ‬بدران‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬عزها‭ ‬وشهرتها‭ ‬تعزف‭ ‬على‭ ‬العود‭ ‬في‭ ‬حدودٍ‭ ‬ضيّقة،‭ ‬وتقرأ‭ ‬وتكتب‭ ‬في‭ ‬سطور‭ ‬قليلة،‭ ‬إلّا‭ ‬أنها‭ ‬سطّرت‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬سطوراً‭ ‬كبيرة‭ ‬واضحة‭ ‬ومقروءة‭ ‬ومسموعة‭. ‬

وتوجهت‭ ‬ألكسندرا‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬نحو‭ ‬الغناء‭ ‬الصّعب‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصّوت‭ ‬الجميل،‭ ‬الدراية‭ ‬والمعرفة،‭ ‬كالموّال‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المقدرة‭ ‬على‭ ‬الارتجال‭ ‬والانتقال‭ ‬المتواصل‭ ‬بين‭ ‬المقامات،‭ ‬والدّور‭ ‬الغنائيّ‭ ‬الذي‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الصيغ‭ ‬الغنائية،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قيام‭ ‬بنائه‭ ‬اللحني‭ ‬على‭ ‬الترداد‭ ‬والتغيير‭ ‬التصاعدي‭ ‬في‭ ‬الألحان،‭ ‬والتبادل‭ ‬التلقائي‭ ‬في‭ ‬الجمل‭ ‬اللحنية‭ ‬بين‭ ‬المغني‭ ‬أو‭ ‬المغنية،‭ ‬والمذهبجية‭ ‬المردّدين،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالهنك‭ ‬والرنك‭ (‬الآهات‭ ‬وما‭ ‬إليها‭...)‬،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬الفتاة‭ ‬تخطّت‭ ‬تلك‭ ‬المصاعب‭ ‬بواسطة‭ ‬الرغبة‭ ‬والموهبة‭ ‬والتمرّس‭ ‬المبكر‭.‬

ومن‭ ‬دلائل‭ ‬توجّهها‭ ‬المبكر‭ ‬نحو‭ ‬الغناء،‭ ‬نصيحة‭ ‬الملحّن‭ ‬نقولا‭ ‬المنّي‭ ‬لذويها‭ ‬بضرورة‭ ‬انتظار‭ ‬‮«‬أن‭ ‬تكبر‭ ‬البنت‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬ضمّها‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬المغنيّات‭ (‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬قصدوا‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬غفلةٍ‭ ‬عن‭ ‬والدها،‭ ‬راغبين‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬رأيه‭ ‬بصوتها،‭ ‬وعن‭ ‬مدى‭ ‬استعداده‭ ‬لتشجيعها‭ ‬والتّلحين‭ ‬لها‭).‬

وقد‭ ‬كانت‭ ‬والدتها‭ ‬توافق‭ ‬الأقارب‭ ‬في‭ ‬السماح‭ ‬لها‭ ‬بالغناء،‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬والدها‭ ‬الرافض‭ ‬رفضاً‭ ‬تامًّا‭ ‬لمثل‭ ‬ذاك‭ ‬التوجه،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنّه‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الوالد‭ ‬المعاكس‭ ‬يترك‭ ‬مسكنه‭ ‬العائلي‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬البناء‭ ‬بأماكن‭ ‬بعيدة‭. ‬

ومن‭ ‬الدلائل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬التوجّه‭ ‬المبكر،‭ ‬نصيحة‭ ‬مماثلة‭ ‬من‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬الذي‭ ‬أحضروها‭ ‬للوقوف‭ ‬في‭ ‬حضرته‭ ‬بمدينة‭ ‬عاليه‭ ‬اللبنانية،‭ ‬في‭ ‬دارة‭ ‬ثريا‭ ‬بيضا،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يمضي‭ ‬إحدى‭ ‬صيفياته‭. ‬أمّا‭ ‬الدليل‭ ‬الثالث‭ ‬فهو‭ ‬الفستان‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬ترتديه‭ ‬حين‭ ‬غنّت‭ ‬لأول‭ ‬مرّة‭ ‬أمام‭ ‬الجمهور،‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬تحتفظ‭ ‬به،‭ ‬وكان‭ ‬والدها‭ ‬يتذكّره‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬ضبطها‭ ‬في‭ ‬غنائها‭ ‬ذاك،‭ ‬فانهال‭ ‬بالضرب‭ ‬المبرّح‭ ‬عليها‭... ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬الفستان‭.‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬النّصيحة‭ ‬بالترّوي‭ ‬من‭ ‬نقولا‭ ‬المنّي‭ ‬وعبدالوهاب،‭ ‬كانت‭ ‬اللّفتة‭ ‬المشجّعة‭ ‬التي‭ ‬أنارت‭ ‬الطريق‭ ‬وسهّلت‭ ‬المشوار‭ ‬لفتة‭ ‬الملحّن‭ ‬خالد‭ ‬أبوالنصر،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الملحّن‭ ‬سليم‭ ‬الحلو،‭ ‬والعوّاد‭ ‬إلياس‭ ‬القطريب،‭ ‬والرقاق‭ ‬رفّول،‭ ‬الذين‭ ‬أمسكوا‭ ‬بيدها‭ ‬مرحّبين‭ ‬مشجعين‭.‬

اللّحن‭ ‬الأوّل‭ ‬الذي‭ ‬صاغه‭ ‬أبوالنّصر‭ ‬لألكسندرا‭ ‬كان‭ ‬لكلمات‭ ‬قصيدة‭ ‬تمّ‭ ‬اقتطاعها‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف،‭ ‬عنوانها‭ ‬ليلى،‭ ‬ويقول‭ ‬مطلعها‭:‬

ليلاي‭ ‬إن‭ ‬هجرت‭ ‬لن‭ ‬أنساكِ‭ ‬

فلقد‭ ‬أخذتِ‭ ‬القلب‭ ‬يا‭ ‬بشراكِ

وقد‭ ‬أتبع‭ ‬أبوالنّصر‭ ‬لحنه‭ ‬ذاك‭ ‬بألحان‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬لكلمات‭ ‬الشاعر‭ ‬اللاذقاني‭ ‬نوفل‭ ‬إلياس،‭ ‬الذي‭ ‬توطّدت‭ ‬علاقته‭ ‬بها‭ ‬لاحقاً‭ ‬حين‭ ‬أصبحت‭ ‬تقوم‭ ‬بجولات‭ ‬فنيّة‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬بين‭ ‬دمشق‭ ‬وحلب‭ ‬واللاذقية،‭ ‬منشدةً‭ ‬الموشحات‭ ‬والأدوار‭ ‬والقصائد‭. ‬وكان‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الألحان‭ ‬قصيدة‭:‬

أهواكِ‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬لمَ‭ ‬أهواكِ‭ ‬

وسواكِ‭ ‬لن‭ ‬أهوى‭ ‬ولو‭ ‬برضاكِ

وقصيدة‭: ‬

أرى‭ ‬سلمى‭ ‬بلا‭ ‬ذنبٍ‭ ‬جفتني

وكانت‭ ‬أمس‭ ‬من‭ ‬بعضي‭ ‬ومنِّي

وقد‭ ‬شدت‭ ‬بهاتين‭ ‬القصيدتين‭ ‬المطربة‭ ‬زكيّة‭ ‬حمدان‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬لاحق،‭ ‬وكان‭ ‬تعاون‭ ‬أبوالنصر‭ ‬معها‭ ‬وثيقاً‭ ‬تماماً،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬ألكسندرا،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬انتقال‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭.‬

وأمام‭ ‬إصرار‭ ‬الفتاة‭ ‬الناشئة،‭ ‬وبعد‭ ‬ملاحظة‭ ‬نجاحاتها‭ ‬الأوليّة،‭ ‬وافق‭ ‬الوالد‭ ‬على‭ ‬توجّهها‭ ‬الفنّي،‭ ‬مشترطاً‭ ‬أن‭ ‬يرافقها‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬حلٍّ‭ ‬وترحال،‭ ‬أيّاً‭ ‬كان‭ ‬المكان‭ ‬أو‭ ‬الزّمان،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬شجّعها‭ ‬على‭ ‬إخراج‭ ‬رغبتها‭ ‬الرئيسة‭ ‬إلى‭ ‬العلن،‭ ‬وهي‭ ‬الرّغبة‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الكنانة‭.‬

وقد‭ ‬سنحت‭ ‬الفرصة‭ ‬أمامها‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬مدينتها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬حلب‭ ‬البعيدة‭. ‬ففي‭ ‬سنة‭ ‬1942‭ ‬كانت‭ ‬ألكسندرا‭ ‬تغنّي‭ ‬بحلب‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬فرق‭ ‬مصريّة‭ ‬عديدة‭ ‬تحضر‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬الأصيلة‭ ‬للتمثيل‭ ‬والغناء؛‭ ‬ومنها‭ ‬فرق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ببا‭ ‬عزالدّين،‭ ‬وليلى‭ ‬حلمي،‭ ‬ويوسف‭ ‬وهبي‭ (‬فرقة‭ ‬رمسيس‭ ‬المسرحية‭).‬

وقد‭ ‬حضر‭ ‬يوسف‭ ‬وهبي‭ ‬إحدى‭ ‬حفلات‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة‭ ‬اللبنانيّة‭ ‬فأعجب‭ ‬بفنّها،‭ ‬وسأل‭ ‬عن‭ ‬أهلها،‭ ‬فتولّى‭ ‬الطبيب‭ ‬الفنّان‭ ‬فؤاد‭ ‬رجائي‭ ‬تأمين‭ ‬اللقاء‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬حفلة‭ ‬تكريمية‭ ‬كانت‭ ‬الفنانة‭ ‬الشابة‭ ‬نجمتها‭. ‬

وثق‭ ‬وهبي‭ ‬بجمالِ‭ ‬صوتها‭ ‬وطلّتها،‭ ‬ولفتته‭ ‬جرأتها‭ ‬وحيويّتها‭ ‬ووضوح‭ ‬شخصيّتها،‭ ‬ووجد‭ ‬فيها‭ ‬المواصفات‭ ‬المطلوبة‭ ‬للعمل‭ ‬السينمائي‭ ‬الناجح،‭ ‬فاقترح‭ ‬عليها‭ ‬عقداً‭ ‬للعمل‭ ‬معه‭ ‬مدّة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬مقابل‭ ‬مئة‭ ‬وخمسين‭ ‬جنيهاً‭ ‬عن‭ ‬كلّ‭ ‬فيلم‭ ‬تشترك‭ ‬فيه،‭ ‬ووعدها‭ ‬بتأمين‭ ‬تأشيرة‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬وقد‭ ‬تولّى‭ ‬والدها‭ ‬التّوقيع‭ ‬على‭ ‬العقد‭. ‬

وهكذا‭ ‬كان،‭ ‬ففي‭ ‬أواخر‭ ‬نوفمبر‭ ‬1942‭ ‬وصلت‭ ‬ألكسندرا‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬بواسطة‭ ‬القطار‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬فلسطين،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬الانتظار‭ ‬يوسف‭ ‬وهبي‭ ‬والمنتجان‭ ‬السينمائيان‭ ‬غبرييل‭ ‬وإدمون‭ ‬نحّاس‭.‬

وبدأ‭ ‬التفتيش‭ ‬على‭ ‬الملابس‭ ‬في‭ ‬الحال،‭ ‬وكان‭ ‬اعتماد‭ ‬الاسم‭ ‬الفنيّ‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬نور‭ ‬الهدى‮»‬‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬وهبي‭ ‬ومحمد‭ ‬كريم‭ ‬وأحمد‭ ‬بدرخان‭ ‬ومخرجين‭ ‬وفنانين‭ ‬آخرين،‭ ‬بواسطة‭ ‬القرعة،‭ ‬ويقال‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬الأسماء‭ ‬المطروحة‭ ‬اسم‭ ‬صباح‭.‬

 

في‭ ‬السينما‭ ‬المصرية

كانت‭ ‬الإطلالة‭ ‬السينمائية‭ ‬الأولى‭ ‬لنور‭ ‬الهدى‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬جوهرة،‭ ‬وهو‭ ‬جوهرة‭ ‬أفلامها‭. ‬وقد‭ ‬تكوّنت‭ ‬فرصة‭ ‬اشتراكها‭ ‬فيه‭ ‬بعد‭ ‬الخلاف‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬بين‭ ‬يوسف‭ ‬وهبي‭ ‬من‭ ‬جهّة،‭ ‬والمخرج‭ ‬توجو‭ ‬مزراحي‭ ‬والفنانة‭ ‬ليلى‭ ‬مراد،‭ ‬من‭ ‬جهّةٍ‭ ‬أخرى‭.‬

وانسحبت‭ ‬ليلى‭ ‬مراد‭ ‬فحلّت‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬محلّها،‭ ‬وكرّت‭ ‬السبّحة‭ ‬من‭ ‬فيلمٍ‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬حتى‭ ‬الفيلم‭ ‬الثالث‭ ‬والعشرين،‭ ‬مع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬ومخرج‭ ‬وملحّن‭ ‬وممثّل‭ ‬وممثّلة،‭ ‬وقد‭ ‬أتبعت‭ ‬ذلك‭ ‬بفيلم‭ ‬أخير‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬سّنة‭ ‬1958‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬لمن‭ ‬تشرق‭ ‬الشمس‮»‬‭ (‬حوار‭ ‬شكيب‭ ‬خوري،‭ ‬وسيناريو‭ ‬نقولا‭ ‬حلاق،‭ ‬وتلحين‭ ‬شفيق‭ ‬أبوشقرا‭ ‬ويعقوب‭ ‬طاتيوس‭ ‬ويوسف‭ ‬فاخوري‭ ‬ويوسف‭ ‬فاضل،‭ ‬إخراج‭ ‬يوسف‭ ‬فهدة‭).‬

أمّا‭ ‬عناوين‭ ‬أفلامها‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬فكانت‭ ‬وفق‭ ‬تدرجّها‭ ‬الزمنيّ‭ ‬بين‭ ‬1943‭ ‬و1953،‭ ‬كما‭ ‬يأتي‭:‬

جوهرة،‭ ‬برلنتي،‭ ‬مدموزيل‭ ‬بوسة،‭ ‬أميرة‭ ‬الأحلام،‭ ‬مجد‭ ‬ودموع،‭ ‬لست‭ ‬ملاكاً،‭ ‬غدر‭ ‬وعذاب،‭ ‬المنتقم،‭ ‬قبّلني‭ ‬يا‭ ‬أبي،‭ ‬حياة‭ ‬حائرة،‭ ‬نرجس،‭ ‬المستقبل‭ ‬المجهول،‭ ‬مبروك‭ ‬عليكِ،‭ ‬هدى،‭ ‬أفراح،‭ ‬غرام‭ ‬راقصة،‭ ‬الشرف‭ ‬غالي،‭ ‬شباك‭ ‬حبيبي،‭ ‬ما‭ ‬تقولشِ‭ ‬لحدّ،‭ ‬مصري‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬عايزة‭ ‬أتجوّز،‭ ‬حكم‭ ‬الزمان،‭ ‬حكم‭ ‬قراقوش‭.‬

أما‭ ‬المخرجون‭ ‬فكانوا‭ ‬وفق‭ ‬الترتيب‭ ‬الهجائي‭: ‬صلاح‭ ‬أبوسيف،‭ ‬أحمد‭ ‬بدرخان،‭ ‬هنري‭ ‬بركات،‭ ‬أحمد‭ ‬جلال،‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬حسن،‭ ‬حلمي‭ ‬رفلة،‭ ‬أحمد‭ ‬سالم،‭ ‬حسين‭ ‬صدقي،‭ ‬فطين‭ ‬عبدالوهاب،‭ ‬جياني‭ ‬فرنوتشو،‭ ‬عباس‭ ‬كامل،‭ ‬محمد‭ ‬كريم،‭ ‬نيازي‭ ‬مصطفى،‭ ‬يوسف‭ ‬وهبي‭.‬

وناظمو‭ ‬الأغاني‭: ‬أبوالسّعود‭ ‬الإبياري،‭ ‬نقولا‭ ‬بدران،‭ ‬جليل‭ ‬البنداري،‭ ‬حسن‭ ‬توفيق،‭ ‬بيرم‭ ‬التونسي،‭ ‬أحمد‭ ‬جلال،‭ ‬صالح‭ ‬جودت،‭ ‬بديع‭ ‬خيري،‭ ‬شريفة‭ ‬خيري،‭ ‬أحمد‭ ‬رامي،‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬سلّام،‭ ‬حسين‭ ‬السيّد،‭ ‬مصطفى‭ ‬السيّد،‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬شلبي،‭ ‬كامل‭ ‬الشنّاوي،‭ ‬مأمون‭ ‬الشنّاوي،‭ ‬حسن‭ ‬عبدالوهاب،‭ ‬مرسي‭ ‬جميل‭ ‬عزيز،‭ ‬كمال‭ ‬عطيّة،‭ ‬فوزي‭ ‬العنتيل،‭ ‬محمود‭ ‬فهمي،‭ ‬فتحي‭ ‬قورة،‭ ‬عباس‭ ‬كامل،‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬مصطفى،‭ ‬أحمد‭ ‬منصور‭.‬

أمّا‭ ‬الملحّنون‭ ‬فلم‭ ‬يتأخر‭ ‬أيٌّ‭ ‬منهم‭ ‬عن‭ ‬التعاون‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬قدّمتها‭: ‬زكريّا‭ ‬أحمد،‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش،‭ ‬محمد‭ ‬البكّار،‭ ‬عزّة‭ ‬الجاهلي،‭ ‬موسى‭ ‬حلمي،‭ ‬رياض‭ ‬السّنباطي،‭ ‬محمود‭ ‬الشّريف،‭ ‬عبدالغني‭ ‬الشّيخ،‭ ‬يوسف‭ ‬صالح،‭ ‬أحمد‭ ‬صبرا،‭ ‬أحمد‭ ‬صدقي،‭ ‬فريد‭ ‬غصن،‭ ‬علي‭ ‬فرّاج،‭ ‬محمد‭ ‬فوزي،‭ ‬محمد‭ ‬القصبجي،‭ ‬محمد‭ ‬الكحلاوي‭.‬

يذكر‭ ‬أنّ‭ ‬ألحان‭ ‬السّنباطي‭ ‬والقصبجي‭ ‬توزّعت‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬أفلام‭ ‬المطربة‭ ‬نورالهدى،‭ ‬أما‭ ‬ألحان‭ ‬زكريّا‭ ‬أحمد‭ ‬فقد‭ ‬توزّعت‭ ‬بين‭ ‬الأفلام‭ ‬الآتية‭: ‬مدموزيل‭ ‬بوسة‭ (‬1945‭)‬،‭ ‬أميرة‭ ‬الأحلام‭ (‬1945‭)‬،‭ ‬نرجس‭ (‬1948‭)‬،‭ ‬حكم‭ ‬قراقوش‭ (‬1953‭). ‬

وتوزّعت‭ ‬ألحان‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش‭ ‬بين‭: ‬ما‭ ‬تقولش‭ ‬لحدّ‭ (‬1952‭)‬،‭ ‬عايزة‭ ‬أتجوّز‭ (‬1952‭)‬،‭ ‬اللذين‭ ‬تولّى‭ ‬تلحين‭ ‬أغانيهما‭ ‬كاملة،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬لحن‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬حكم‭ ‬الزمان‭ (‬1953‭): ‬يا‭ ‬ساعة‭ ‬بالوقت‭ ‬إجري‭ (‬نظم‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬سلّام‭). ‬أمّا‭ ‬ألحان‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬فتركّزت‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬لست‭ ‬ملاكاً‭ (‬1946‭)‬،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬لحنٍ‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الآتية‭: ‬

‭- ‬قبّلني‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ (‬1947‭): ‬الدنيا‭ ‬ساعة‭ ‬وصال‭ (‬نظم‭ ‬مأمون‭ ‬الشنّاوي‭).‬

‭- ‬المستقبل‭ ‬المجهول‭ (‬1948‭): ‬أقولك‭ ‬إيه‭ ‬وعينيّ‭ ‬كلّها‭ ‬نجوى‭ (‬نظم‭ ‬أحمد‭ ‬رامي‭).‬

‭- ‬حكم‭ ‬قراقوش‭ (‬1953‭): ‬قولوا‭ ‬لشاكي‭ ‬الهوى‭ (‬نظم‭ ‬بديع‭ ‬خيري‭).‬

‭ ‬ومن‭ ‬أغانيها‭ ‬السينمائية‭ ‬التي‭ ‬استمرّت‭ ‬علاقة‭ ‬المستمعين‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬عروض‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تضمّنتها‭: ‬

‭- ‬الدنيا‭ ‬ساعة‭ ‬وصال‭ (‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬ذكرها‭ ‬أعلاه‭).‬

‭- ‬يا‭ ‬أوتوموبيل‭ ‬يا‭ ‬جميل‭ ‬محلاك‭: ‬نظم‭ ‬التّونسي،‭ ‬تلحين‭ ‬السّنباطي‭ (‬فيلم‭ ‬جوهرة‭ ‬1943‭).‬

‭- ‬يا‭ ‬ربّ‭ ‬سبّح‭ ‬بحمدك‭ ‬كلّ‭ ‬شيءٍ‭ ‬حيّ‭: ‬نظم‭ ‬التّونسي،‭ ‬تلحين‭ ‬الكحلاوي‭ (‬فيلم‭ ‬جوهرة‭ ‬1943‭).‬

‭- ‬يا‭ ‬ساعة‭ ‬بالوقت‭ ‬إجري‭ (‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬ذكرها‭ ‬أعلاه‭).‬

‭- ‬يااللي‭ ‬تحب‭ ‬الفلّ‭: ‬نظم‭ ‬مأمون‭ ‬الشنّاوي،‭ ‬تلحين‭ ‬القصبجي‭ (‬فيلم‭ ‬قبّلني‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬1947‭).‬

‭- ‬يا‭ ‬نا‭ ‬يا‭ ‬وعدي‭: ‬نظم‭ ‬التّونسي،‭ ‬تلحين‭ ‬غصن‭ (‬فيلم‭ ‬جوهرة‭ ‬1943‭). ‬ومن‭ ‬دواعي‭ ‬الاستغراب‭ ‬ألّا‭ ‬يشتهر‭ ‬بصوت‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬أي‭ ‬لحن‭ ‬من‭ ‬ألحان‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬باعه‭ ‬ورسوخ‭ ‬أصالته‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إعجاب‭ ‬هذه‭ ‬المطربة‭ ‬بألحانه،‭ ‬وبتشجيعه‭ ‬الواضح‭ ‬لها‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تذكر‭ ‬دائماً،‭ ‬إذ‭ ‬إنّه‭ ‬كان‭ ‬يخفّض‭ ‬القيمة‭ ‬الماليّة‭ ‬التي‭ ‬يطلبها‭ ‬منها‭ ‬عن‭ ‬كلّ‭ ‬لحن،‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬كان‭ ‬يطلب‭ ‬ضعف‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المغنيّات‭ ‬والمغنّين‭ ‬الآخرين‭.‬

 

العودة‭ ‬إلى‭ ‬لبنان

في‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬عام‭ ‬1953‭ ‬اقتصر‭ ‬نشاط‭ ‬المطربة‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬أغنيات‭ ‬مختلفة‭ ‬لدى‭ ‬شركات‭ ‬الأسطوانات،‭ ‬كما‭ ‬أنّها‭ ‬أنشأت‭ ‬لنفسها‭ ‬شركة‭ ‬باسم‭ ‬نورفون،‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬لها‭ ‬النجاح‭ ‬ولم‭ ‬تستمر‭ ‬طويلاً‭.‬

وفي‭ ‬أواسط‭ ‬الستينيات‭ ‬ركّزت‭ ‬نشاطها‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬مسلسلات‭ ‬إذاعية‭ ‬لمصلحة‭ ‬القسم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ ‬BBC،‭ ‬تمّ‭ ‬بناء‭ ‬أغانيها‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬وإعداد‭ ‬سعيد‭ ‬الهندي،‭ ‬أمّا‭ ‬الملحّنان‭ ‬فكانا‭ ‬توفيق‭ ‬الباشا‭ ‬وزكي‭ ‬نصيف،‭ ‬وعناوين‭ ‬المسلسلات‭ ‬هي‭: ‬ملكة‭ ‬المسارح،‭ ‬طروب،‭ ‬حبابة‭.‬

وفي‭ ‬مطلع‭ ‬السبعينيات‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬مسلسلات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬لتلفزيون‭ ‬لبنان‭ ‬بعناوين‭:‬

ليالي‭ ‬الأندلس،‭ ‬الغريبان،‭ ‬نوّارة‭.‬

شاركها‭ ‬فيها‭ ‬إلقاءً‭ ‬وتنفيذاً‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬مجذوب،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬ميشال‭ ‬تابت‭.‬

الملحّنون‭ ‬في‭ ‬المسلسلات‭ ‬الثلاثة‭ ‬كانوا‭: ‬جورج‭ ‬أبيض،‭ ‬وشفيق‭ ‬أبو‭ ‬شقرا،‭ ‬ورياض‭ ‬البندك،‭ ‬وجورج‭ ‬تابت،‭ ‬وميشال‭ ‬خياط،‭ ‬وناصيف‭ ‬عرموني،‭ ‬ومحمد‭ ‬محسن،‭ ‬وسعيد‭ ‬الناشف‭. ‬

وكانت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬فترة‭ ‬تقاعد‭ ‬طويلة‭ ‬غابت‭ ‬فيها‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬عن‭ ‬مسرح‭ ‬الغناء‭.‬

 

لماذا‭ ‬تعثّرت‭ ‬مسيرتها‭ ‬الفنيّة؟

1‭ - ‬اقتصار‭ ‬حظّها‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬على‭ ‬الغناء‭ ‬في‭ ‬السينما‭:‬

النجاح‭ ‬الأشدّ‭ ‬وضوحاً‭ ‬لدى‭ ‬مطربتنا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬خصوصاً‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الغنائي،‭ ‬إذ‭ ‬إنّها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متخصّصة‭ ‬في‭ ‬التمثيل،‭ ‬سواء‭ ‬المسرحي‭ ‬أو‭ ‬السينمائي،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬متّجهة‭ ‬إليه‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الهواية‭ ‬ولا‭ ‬الاحتراف،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحريّة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مستبدلة‭ ‬عندها‭ ‬بالمحافظة‭ ‬والتزمّت‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬أسندت‭ ‬إليها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬رئيسة‭ ‬مئة‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬وهي‭ ‬شكت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المرّات‭ (‬ففي‭ ‬فيلم‭ ‬لست‭ ‬ملاكاً،‭ ‬كان‭ ‬دورها‭ ‬التمثيلي‭ ‬دور‭ ‬فتاة‭ ‬عمياء،‭ ‬وقد‭ ‬اضطرت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ترضى‭ ‬به،‭ ‬لأن‭ ‬حلمها‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬طريقها‭ ‬الفني‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬تغنّي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عبدالوهاب،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬بدوره‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تشاركه‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬في‭ ‬نصف‭ ‬بطولة‭ ‬الفيلم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الممثّلة‭ ‬راقية‭ ‬إبراهيم‭.‬

وهي‭ ‬كانت‭ ‬عاتبة‭ ‬عليه‭ ‬لسبب‭ ‬آخر‭ ‬أيضاً،‭ ‬وهو‭ ‬أنّها‭ ‬اعتبرت‭ ‬أنّه‭ ‬استردّ‭ ‬لحنه‭ ‬‮«‬شبكوني‭ ‬ونسيوني‭ ‬أوام‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬لحّنه‭ ‬لها‭ ‬خلال‭ ‬تحضير‭ ‬الفيلم،‭ ‬لكنّه‭ ‬عند‭ ‬التّصوير‭ ‬النهائي،‭ ‬ترك‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬المقطع‭ ‬الأوّل‭ ‬ليس‭ ‬إلّا،‭ ‬ثم‭ ‬تابع‭ ‬هو‭ ‬غناء‭ ‬اللّحن‭ ‬كاملاً‭.‬

وهكذا‭ ‬فإنّ‭ ‬توقّف‭ ‬المطربة‭ ‬عن‭ ‬الغناء‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬وفي‭ ‬المصريّة‭ ‬بالتحديد،‭ ‬وضع‭ ‬حدًّا‭ ‬لانطلاقتها‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحدّ‭ ‬الأوّل‭. ‬وقد‭ ‬تراجعت‭ ‬عروض‭ ‬الملحّنين‭ ‬بتقديم‭ ‬الألحان‭ ‬إليها،‭ ‬وتراجعت‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬تلك‭ ‬الألحان،‭ ‬والسّبب‭ ‬ماديٌّ‭ ‬هنا‭ ‬قبل‭ ‬كلّ‭ ‬شيء،‭ ‬أمّا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬ألحان‭ ‬الأفلام‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬المردود‭ ‬المادي‭ ‬مضموناً‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬بعيد،‭ ‬اللهم‭ ‬إلّا‭ ‬إذا‭ ‬فشل‭ ‬الفيلم‭ ‬أو‭ ‬ترافق‭ ‬عرضه‭ ‬مع‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعيّة‭.‬

والواضح‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الملحّنين‭ ‬الذين‭ ‬استمرّوا‭ ‬في‭ ‬التّعاون‭ ‬مع‭ ‬نورالهدى‭ ‬خارج‭ ‬الأفلام‭ ‬كان‭ ‬السّنباطي‭ ‬وفريد‭ ‬الأطرش،‭ ‬وممّا‭ ‬غنّت‭ ‬من‭ ‬تلحين‭ ‬الأوّل‭: ‬إلى‭ ‬الحبيبة،‭ (‬نظم‭ ‬الأخطل‭ ‬الصغير‭ ‬بشارة‭ ‬الخوري‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬مطلعها‭:‬

نم‭ ‬إنّ‭ ‬قلبي‭ ‬فوق‭ ‬مهدك‭ ‬كلما‭ ‬

ذكر‭ ‬الهوى‭ ‬صلّى‭ ‬عليك‭ ‬وسلّما

ومن‭ ‬ألحان‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش‭: ‬لأ‭ ‬مش‭ ‬كده‭ (‬نظم‭ ‬إسماعيل‭ ‬الحبروك‭). ‬وكان‭ ‬فريد‭ ‬مشجّعاً‭ ‬للمطربة‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬رجوعها‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استقرّت‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬ظروفها‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬بذلك،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬حساباتها‭ ‬لم‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬على‭ ‬الرّغم‭ ‬من‭ ‬رغبتها‭ ‬الدّفينة‭ ‬به‭. ‬

أمّا‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬فلم‭ ‬يبقَ‭ ‬على‭ ‬تجاوبه‭ ‬السابق‭ ‬معها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إيجابيّته‭ ‬تجاه‭ ‬صوتها‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬توجّهها‭ ‬نحو‭ ‬الفنّ،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يرافقها‭ ‬بالعزف‭ ‬على‭ ‬عوده‭ ‬عند‭ ‬تحفيظها‭ ‬أغاني‭ ‬الأفلام،‭ ‬وهي‭ ‬تذكر‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬ميّالاً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أيّ‭ ‬شيء‭ ‬عمّا‭ ‬يحضّره‭ ‬الآخرون‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ألحان،‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد‭.‬

2‭ - ‬الميل‭ ‬المفرط‭ ‬إلى‭ ‬العرض‭ ‬الصوتي‭:‬

ورثت‭ ‬نورالهدى‭ ‬ذلك‭ ‬الميل‭ ‬عن‭ ‬والدها‭. ‬صحيحٌ‭ ‬أنّه‭ ‬عارض‭ ‬بشدّة‭ ‬توجّهها‭ ‬نحو‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬منه‭ ‬أنواع‭ ‬وأساليب‭ ‬من‭ ‬القمع‭ ‬والمنع،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يضطرّ‭ ‬إلى‭ ‬المرافقة،‭ ‬مشترطاً‭ ‬مرافقتها‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬والإياب،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬طبعها‭ ‬الغنائي‭ ‬مستمدّ‭ ‬منه‭ ‬قبل‭ ‬غيره،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تحدّثت‭ ‬عن‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬صوت‭ ‬جميل،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الموّال‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬بالموّال‭ ‬البغدادي،‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬بأصوات‭ ‬كبيرة‭ ‬مثل‭ ‬أصوات‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬بعيون‭ ‬وإيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬وإلياس‭ ‬ربيز‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬ميلها‭ ‬الأوّل‭ ‬في‭ ‬أسلوبها‭ ‬الغنائي‭ ‬إلى‭ ‬مواويل‭ ‬فتحيّة‭ ‬أحمد،‭ ‬ومواويل‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وقصائده‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أجواء‭ ‬المواويل‭. ‬

لذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬ما‭ ‬أدّته‭ ‬من‭ ‬أغانيها‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬ألحانها‭ ‬كبار‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عصرها‭ ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬عصر،‭ ‬كان‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬خاصاً‭ ‬ملتصقاً‭ ‬بالأفلام،‭ ‬وكانت‭ ‬تنصرف‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأفلام‭ ‬لتؤدّي‭ ‬في‭ ‬جلساتها‭ ‬الخاصة‭ ‬وفي‭ ‬حفلاتها‭ ‬القليلة‭ ‬مع‭ ‬الجمهور‭ ‬ألحاناً‭ ‬ليست‭ ‬لها‭: ‬دور‭ ‬‮«‬أصل‭ ‬الغرام‭ ‬نظرة‮»‬‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يسبقه‭ ‬من‭ ‬ليالٍ،‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬يا‭ ‬جارة‭ ‬الوادي‮»‬،‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬يا‭ ‬ناعماً‭ ‬رقدت‭ ‬جفونه‮»‬،‭ ‬حتّى‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬غيري‭ ‬على‭ ‬السلوان‭ ‬قادر‮»‬‭ ‬‭(‬التي‭ ‬يتوزّع‭ ‬المؤرخون‭ ‬بين‭ ‬إعادة‭ ‬نصّها‭ ‬الشعري‭ ‬إلى‭ ‬ابن‭ ‬الفارض‭ ‬أحياناً،‭ ‬وإلى‭ ‬البهاء‭ ‬زهير‭ ‬أحياناً‭ ‬أخرى‭)‬،‭ ‬فإنّها‭ ‬لو‭ ‬مالت‭ ‬إلى‭ ‬أدائها‭ ‬في‭ ‬مناسبةٍ‭ ‬ما،‭ ‬فلا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تؤديها‭ ‬بلحنها‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬أبوالعلا‭ ‬محمد،‭ ‬مع‭ ‬أنّها‭ ‬أدّتها‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬شباك‭ ‬حبيبي‭ (‬1951‭) ‬بلحن‭ ‬رياض‭ ‬السّنباطي‭. ‬

والسّنباطي‭ ‬هو‭ ‬مَن‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التلحين،‭ ‬لكنّ‭ ‬لحنه‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬مخصّصاً‭ ‬للفيلم،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬لزوم‭ ‬للعرض‭ ‬الصوتي‭ ‬ولا‭ ‬لأجواء‭ ‬الليالي‭ ‬والمواويل‭. ‬بأيّ‭ ‬حال،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مطلوباً‭ ‬حينذاك‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬قضايا‭ ‬كبيرة‭ ‬ترتكز‭ ‬إلى‭ ‬روايات‭ ‬شائكة‭ ‬وألحان‭ ‬مشبعة‭ ‬بالطّرب‭ ‬تشغل‭ ‬الفكر‭ ‬والخيال،‭ ‬إنّما‭ ‬كان‭ ‬المطلوب‭ ‬تقديم‭ ‬دفعات‭ ‬متقطّعة‭ ‬من‭ ‬الغناء‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬قصصي‭ ‬مختصر،‭ ‬مبنيّ‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬الصّياغة‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬والتّمثيل‭ ‬والأداء‭ ‬والتّصوير‭.‬

 

بين‭ ‬مصر‭ ‬ولبنان

اضطرت‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬إلى‭ ‬توزيع‭ ‬شخصيتها‭ ‬بين‭ ‬الطابعين‭ ‬المصري‭ ‬واللبناني،‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬شكت‭ ‬من‭ ‬مضايقات‭ ‬مختلفة‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬ذكرتها‭ ‬بمرارة‭ ‬وأسى‭. ‬

وفي‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وجّهت‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالناصر‭ ‬عبر‭ ‬مجلّة‭ ‬الشّبكة‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬أبريل‭ ‬1956،‭ ‬قالت‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬الرقابة‭ ‬المصرية‭ ‬الصارمة‭ ‬علينا،‭ ‬نحن‭ ‬أهل‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسورية،‭ ‬تتنافى‭ ‬وروح‭ ‬الثّورة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬قيامها‭ ‬تقوية‭ ‬العلاقات‭ ‬الطبيعيّة‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وكلّ‭ ‬قطر‭ ‬عربي‭. ‬لماذا‭ ‬يا‭ ‬سيادة‭ ‬الرئيس‭ ‬يُفرض‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتوجّه‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬طلباً‭ ‬للموافقة‭ ‬على‭ ‬منحنا‭ ‬سمة‭ ‬دخول،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يَفرض‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬سوى‭ ‬طلب‭ ‬بسيط‭ ‬تتقدّم‭ ‬به‭ ‬الفنانة‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬السفارة‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬بلبنان»؟

وكتب‭ ‬سعيد‭ ‬فريحة‭ ‬في‭ ‬المجلّة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬مارس‭ ‬1965‭ ‬إن‭ ‬الفنانين‭ ‬الشّوام‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬إلّا‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬مرتبطين‭ ‬بعقد،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيعون‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬العقد‭ ‬إلّا‭ ‬إذا‭ ‬اتّضح‭ ‬أنّه‭ ‬ليس‭ ‬بين‭ ‬المصريّين‭ ‬من‭ ‬يحلّ‭ ‬مكانهم،‭ ‬وإذا‭ ‬اتّضح،‭ ‬وهذا‭ ‬قليل،‭ ‬قيل‭ ‬لهم‭: ‬تفضّلوا‭ ‬ادخلوا‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يقتصر‭ ‬عملكم‭ ‬على‭ ‬فيلمين‭ ‬اثنين‭ ‬في‭ ‬السنة‭.‬

إنّ‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬قاعدة‭ ‬الفنّ‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تخشى‭ ‬مزاحمة‭ ‬شقيقاتها‭ ‬الصغيرات‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬أو‭ ‬نور‭ ‬الصباح‭.‬

إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬إنّ‭ ‬المضايقات‭ ‬الفنيّة‭ ‬أمر‭ ‬ممكن‭ ‬الحصول،‭ ‬وقد‭ ‬يعانيها‭ ‬الفنان‭ ‬والفنانة‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانا‭ ‬داخل‭ ‬وطنهما،‭ ‬ففي‭ ‬لبنان‭ ‬أيضاً‭ ‬شكت‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬من‭ ‬الصدود‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬ومن‭ ‬الإعراض‭ ‬والمقاطعة‭. ‬

كما‭ ‬أنّها‭ ‬عند‭ ‬عودتها‭ ‬إليه‭ ‬وجدت‭ ‬أنّ‭ ‬الفنانات‭ ‬والفنانين‭ ‬الذين‭ ‬تركتهم‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الطريق‭ ‬قبل‭ ‬سفرها‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬قد‭ ‬استقرّ‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬الفنيّ‭ ‬واختار‭ ‬زاويته‭ ‬الفنيّة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬سهلاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬بابه‭ ‬لأيٍّ‭ ‬كان‭. ‬وهي‭ ‬بدورها‭ ‬كانت‭ ‬تنظر‭ ‬من‭ ‬عليائها‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬فتُعرض‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬أحيان،‭ ‬وتميل‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭.‬

أذكر‭ ‬هنا‭ ‬أنّه‭ ‬لدى‭ ‬تنظيم‭ ‬لائحة‭ ‬شاملة‭ ‬بأغانيها‭ ‬خلال‭ ‬إعداد‭ ‬كتابي‭ ‬عنها‭ ‬‮«‬من‭ ‬الأَرز‭ ‬إلى‭ ‬الهرم‭: ‬المطربة‭ ‬نور‭ ‬الهدى‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬ميالة‭ ‬إلى‭ ‬توثيق‭ ‬ما‭ ‬غنته‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بأكمله،‭ ‬وإلى‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬وتلك‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬التي‭ ‬غنتها‭ ‬أو‭ ‬سجّلتها‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭.‬

 

تعثّر‭ ‬إدارتها‭ ‬لنشاطها‭ ‬الفنّي

صحيح‭ ‬أنّ‭ ‬والد‭ ‬المطربة‭ ‬كان‭ ‬ملازماً‭ ‬لها،‭ ‬ومواظباً‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬ظلًّا‭ ‬دائماً،‭ ‬سواء‭ ‬عند‭ ‬شروق‭ ‬الشمس‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬غروبها،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬لدواعٍ‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬لا‭ ‬فنيّة،‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الرّغم‭ ‬من‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬الغنائية‭ ‬أو‭ ‬التمثيلية‭ ‬لها‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مصدر‭ ‬انتقاد‭ ‬متواصل‭ ‬من‭ ‬النّقّاد‭ ‬المتابعين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬شكوى‭ ‬المجتمع‭ ‬الفنّي‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬الحارس‭ ‬المراقب‭ ‬إلى‭ ‬جانبها،‭ ‬الواقف‭ ‬سدًّا‭ ‬منيعاً‭ ‬وحاجزاً‭ ‬مرتفعاً‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭. ‬وهكذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬المطربة‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬كانت‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬الفنيّ‭ ‬الشائك،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تكوّن‭ ‬فريقاً‭ ‬متخصّصاً‭ ‬يعمل‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭.‬

وبسبب‭ ‬استمرار‭ ‬غياب‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الفريق،‭ ‬فإنّها‭ ‬اعتادت‭ ‬على‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬سرّها،‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬الكبرياء‭ ‬والثّقة‭ ‬العارمة‭ ‬بالنفس،‭ ‬إنها‭ ‬ليست‭ ‬محتاجة‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬وإن‭ ‬إمكاناتها‭ ‬الصوتية‭ ‬كافية‭ ‬وشافية‭ ‬لضمان‭ ‬بلوغ‭ ‬المراتب‭ ‬العليا،‭ ‬وحجز‭ ‬المقعد‭ ‬الدّائم‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬الخلود،‭ ‬لكنّ‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يكفي‭ ‬بالتّأكيد‭ ■