عندما تنعكس الأدوار ويصبح الأهل محتاجين إلى رعاية أبنائهم

عندما تنعكس الأدوار  ويصبح الأهل محتاجين إلى رعاية أبنائهم

بين‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة‭ ‬والعمر‭ ‬المتقدم،‭ ‬قد‭ ‬نتوهم‭ ‬أننا‭ ‬سنبقى‭ ‬أقوياء‭ ‬طوال‭ ‬حياتنا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬ذواتنا‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬الحياة‭ ‬كلها،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يمرّ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬الآخرين‭.‬

فالتقدم‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬ضعف‭ ‬البصر‭ ‬والسمع‭ ‬وتراجع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬والمشي،‭ ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬المعاناة‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬القدرات‭ ‬العقلية،‭ ‬والإصابة‭ ‬بمرض‭ ‬الألزهايمر‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تقع‭ ‬مسؤولية‭ ‬رعاية‭ ‬الوالدين‭ ‬المسنين‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬أولادهم‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يشعرون‭ ‬بصعوبة‭ ‬هذه‭ ‬المهمة،‭ ‬لاسيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬إهمال‭ ‬أسرهم‭ ‬واحتياجاتهم‭ ‬وأهدافهم‭ ‬الشخصية،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬المسافة‭ ‬الجغرافية‭ ‬التي‭ ‬تفصلهم‭ ‬عن‭ ‬ذويهم‭ ‬بعيدة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭.‬

وإدراكاً‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بأن‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬العصرية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬الالتزامات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تكريسها‭ ‬لرعاية‭ ‬الآباء‭ ‬المسنين،‭ ‬فقد‭ ‬وضعت‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬قانوناً‭ ‬عُرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬قانون‭ ‬ضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المسنين‭ ‬لجمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬اهتمام‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬بكبار‭ ‬السن،‭ ‬ودعا‭ ‬الأبناء‭ ‬الذين‭ ‬يسكنون‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬آبائهم‭ ‬إلى‭ ‬زيارتهم‭ ‬والتواصل‭ ‬معهم‭ ‬بصفة‭ ‬مستمرة،‭ ‬وإلا‭ ‬فهناك‭ ‬عقوبة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭ ‬إذا‭ ‬تخلّفوا‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬والديهم‭. ‬كما‭ ‬نص‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬يوم‭ ‬9/9‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬وفقاً‭ ‬للتقويم‭ ‬القمري‭ ‬الصيني‭ ‬عيداً‭ ‬للمسنين‭. ‬

وفي‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق،‭ ‬يُجبر‭ ‬الأبناء‭ ‬على‭ ‬إظهار‭ ‬الاهتمام‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬لأهلهم‭ ‬المسنين،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشريع‭ ‬يسمح‭ ‬للوالدين‭ ‬المتقدمين‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬بمقاضاة‭ ‬أبنائهم‭ ‬لعدم‭ ‬تقديمهم‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬اللازم‭ ‬إليهم‭.‬

ومن‭ ‬المثير‭ ‬للاهتمام‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قوانين‭ ‬مماثلة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة‭ ‬بالكتب‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬حقبة‭ ‬ماضية،‭ ‬لكن‭ ‬معظمها‭ ‬غير‭ ‬مطبق‭. ‬ومع‭ ‬وجود‭ ‬قانون‭ ‬ينظم‭ ‬علاقة‭ ‬الأبناء‭ ‬بأهلهم‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬وجوده،‭ ‬فالالتزامات‭ ‬الأخلاقية‭ ‬لمساعدة‭ ‬الوالدين‭ ‬المسنين‭ ‬شائعة،‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬العاطفة‭ ‬البشرية،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬داخلة‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬الديانات‭ ‬السماوية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الديانة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬تشدّد‭ ‬على‭ ‬بر‭ ‬الوالدين،‭ ‬وتؤكد‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أوصى‭ ‬بالوالدين‭ ‬إحساناً‭.‬

 

الأبناء‭ ‬ودور‭ ‬الأبوة‭ ‬

وبينما‭ ‬تضج‭ ‬رفوف‭ ‬المكتبات‭ ‬بالكتب‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال‭ ‬وتزدهر‭ ‬المجلات‭ ‬والمقالات‭ ‬والدراسات‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬سبل‭ ‬التنشئة‭ ‬السليمة،‭ ‬فإنه‭ ‬قلّما‭ ‬توجد‭ ‬هناك‭ ‬دراسات‭ ‬وإرشادات‭ ‬لكيفية‭ ‬رعاية‭ ‬المسنين‭ ‬والاهتمام‭ ‬بهم،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أبنائهم‭. ‬ولكن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬والإرشادات‭ ‬ضرورية،‭ ‬لاسيما‭ ‬أنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬عديد‭ ‬منا‭ ‬تكون‭ ‬تجربة‭ ‬رعاية‭ ‬الوالدين‭ ‬جديدة‭ ‬وصعبة‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بسهولة‭. ‬

وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬الصعوبة‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬مقدمو‭ ‬الرعاية‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬لوالديهم،‭ ‬حيث‭ ‬يشعرون‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬انعكاساً‭ ‬للأدوار،‭ ‬إذ‭ ‬يشعر‭ ‬الأبناء‭ ‬بأن‭ ‬أهلهم‭ ‬قد‭ ‬تحوّلوا‭ ‬إلى‭ ‬أبناء‭ ‬لهم،‭ ‬ويجب‭ ‬عليهم‭ ‬رعايتهم‭ ‬والاهتمام‭ ‬بهم‭ ‬كالأطفال‭ ‬الصغار‭. ‬

وقد‭ ‬يُدخل‭ ‬الأبناء‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الأبوة،‭ ‬لأنه‭ ‬دور‭ ‬يبدو‭ ‬مألوفاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬الأبناء‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬المألوف‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬الحياة‭ ‬مرهقة،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬غريب‭ ‬وغير‭ ‬مألوف‭. ‬فدور‭ ‬الوالدين،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬جميعاً،‭ ‬هو‭ ‬النموذج‭ ‬الأصلي‭ ‬الذي‭ ‬يجسّد‭ ‬الحنان‭ ‬والرعاية‭ ‬والسلطة‭ ‬أيضاً،‭ ‬وهناك‭ ‬سهولة‭ ‬لأن‭ ‬نتعايش‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬والاهتمام،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬الأمل‭. ‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الوالدين‭ ‬والأطفال‭ ‬تتغير‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬من‭ ‬اعتماد‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬أبويهم‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬وامتلاك‭ ‬الأهل‭ ‬السلطة‭ ‬الكاملة‭ ‬عليهم،‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬والشعور‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬بشكل‭ ‬متكافئ‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل،‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬تتراجع‭ ‬فيها‭ ‬صحة‭ ‬الأهل‭ ‬ويحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬أبنائهم‭ ‬بطرق‭ ‬جديدة‭. ‬

 

مشاعر‭ ‬محيّرة‭ ‬

وهذا‭ ‬الوضع‭ ‬يفرض،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الصعوبة‭ ‬الجسدية‭ ‬التي‭ ‬يعانيها‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬آبائهم،‭ ‬تغيّر‭ ‬صورة‭ ‬أهلهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭. ‬فالشخص‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قوياً‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬أصبح‭ ‬ضعيفاً،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬يقدم‭ ‬الرعاية‭ ‬تحوّل‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها،‭ ‬والحامي‭ ‬أصبح‭ ‬ضعيفاً،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬يتحرك‭ ‬باستقلالية‭ ‬يحتاج‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭ ‬حول‭ ‬المنزل‭.‬

وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يدفع‭ ‬الأبناء‭ ‬إلى‭ ‬اختبار‭ ‬مشاعر‭ ‬مختلفة‭ ‬ومحيرة،‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬لخّصتها‭ ‬مود‭ ‬بورسيل،‭ ‬وهي‭ ‬معالجة‭ ‬نفسية‭ ‬ومديرة‭ ‬تنفيذية‭ ‬لمركز‭ ‬الحلول‭ ‬الحياتية‭ ‬بولاية‭ ‬كونيتيكت‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬عددت‭ ‬فيها‭ ‬المشاعر‭ ‬التي‭ ‬يحتمل‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الأبناء‭ ‬وهم‭ ‬يواجهون‭ ‬تراجع‭ ‬قدرات‭ ‬والديهم‭ ‬وتدهور‭ ‬صحتهم،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭:‬

‭< ‬الخوف،‭ ‬عند‭ ‬الإدراك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للأهل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬وأنهم‭ ‬بحاجة‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭.‬

‭< ‬الحزن،‭ ‬لأن‭ ‬قدرة‭ ‬الوالدين‭ (‬أحدهما‭ ‬أو‭ ‬كليهما‭) ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬قد‭ ‬تراجعت‭ ‬فجأة‭ ‬أو‭ ‬تدريجياً‭.‬

‭< ‬الغضب‭ ‬والإحباط‭ ‬ونفاد‭ ‬الصبر‭ ‬عندما‭ ‬تتداخل‭ ‬احتياجات‭ ‬أحد‭ ‬الوالدين‭ ‬مع‭ ‬حياة‭ ‬الأبناء‭ ‬الخاصة‭. ‬

‭< ‬الشعور‭ ‬بالذنب،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬قضاء‭ ‬وقت‭ ‬كافٍ‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭ ‬بسبب‭ ‬بُعد‭ ‬المسافة‭ ‬أو‭ ‬مطالب‭ ‬الحياة‭ ‬الأخرى‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أساس‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬النصيحة‭ ‬الأجدى‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعبّر‭ ‬عنها‭ ‬الكاتبة‭ ‬الأميركية‭ ‬Anne‭ ‬Morrow‭ ‬Lindbergh‭ ‬عندما‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬عندما‭ ‬تحب‭ ‬شخصاً‭ ‬ما،‭ ‬فإنك‭ ‬لا‭ ‬تحبه‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬بالطريقة‭ ‬نفسها،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬استحالة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬ويبقى‭ ‬أن‭ ‬الأمان‭ ‬الحقيقي‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬والحنين‭ ‬إلى‭ ‬الماضي،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والترقب،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الحالية،‭ ‬وأن‭ ‬نتقبلها‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬عليها‭ ‬الآن‮»‬‭. ‬

 

انعكاس‭ ‬الأدوار‭ ‬للطرفين

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انعكاس‭ ‬الأدوار‭ ‬يحدث‭ ‬لكلا‭ ‬الطرفين‭ ‬عندما‭ ‬يحتاج‭ ‬الوالدان‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭. ‬وهناك‭ ‬خيط‭ ‬رفيع‭ ‬تجب‭ ‬المحافظة‭ ‬عليه‭ ‬والموازنة‭ ‬بين‭ ‬السماح‭ ‬للوالدين‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الاستقلالية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ذلك‭ ‬آمناً‭ ‬لهم‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬أو‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬الاستقلالية‭ ‬بداعي‭ ‬السلامة‭. ‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬صعب،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الآباء‭ ‬المسنين‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراراتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬لكنهم‭ ‬يتخذون‭ ‬قرارات‭ ‬غير‭ ‬حكيمة‭ ‬وخطيرة‭ ‬أحياناً‭.  ‬وهنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬إعطاء‭ ‬المسن‭ ‬الاحترام‭ ‬الكافي‭ ‬ومنحه‭ ‬الثقة‭ ‬التي‭ ‬تحفظ‭ ‬عزته‭ ‬وكرامته‭ ‬واحترامه‭ ‬لنفسه‭ ‬وتضمن‭ ‬خصوصيته‭ ‬بقدر‭ ‬المستطاع‭. ‬

وقد‭ ‬أجرت‭ ‬أستاذتان‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬نيويورك،‭ ‬هما‭ ‬أستاذة‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬ماري‭ ‬غلانت،‭ ‬وعالمة‭ ‬الاجتماع‭ ‬غلينزا‭ ‬سبيتز،‭ ‬دراسة‭ ‬حاولتا‭ ‬فيها‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬الأهل‭ ‬المسنون‭ ‬في‭ ‬علاقتهم‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‭.‬

واستكشفتا‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقابلات‭ ‬مع‭ ‬مجموعات‭ ‬بؤرية‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬توصلت‭ ‬إليها‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬المشاركين‭ ‬فيها‭ ‬عبّروا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬رغبة‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الاستقلالية،‭ ‬في‭ ‬موازاة‭ ‬التواصل‭ ‬الجيد‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‮»‬‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يطرح‭ ‬تناقضاً‭ ‬معيناً،‭ ‬إذ‭ ‬عرّف‭ ‬أغلبهم‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬مستقلون،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يأملون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مساعدة‭ ‬أبنائهم‭ ‬لهم‭ ‬متاحة‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭. ‬كما‭ ‬عبّروا‭ ‬عن‭ ‬الشعور‭ ‬بالضيق‭ ‬من‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬الحماية‭ ‬التي‭ ‬يتلقونها‭ ‬من‭ ‬أبنائهم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يقدرون‭ ‬فيه‭ ‬القلق‭ ‬الذي‭ ‬يعبّر‭ ‬عنه‭ ‬أبناؤهم‭ ‬تجاههم‭. ‬وبالتالي‭ ‬يستخدم‭ ‬هؤلاء‭ ‬المسنين‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مشاعرهم‭ ‬المتناقضة،‭ ‬مثل‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬المساعدة‭ ‬التي‭ ‬يتلقونها،‭ ‬أو‭ ‬تجاهل‭ ‬أو‭ ‬مقاومة‭ ‬محاولات‭ ‬الأبناء‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬حياتهم‭.‬

 

نصائح‭ ‬للطرفين‭ ‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مفتاح‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات‭ ‬هو‭ ‬القبول‭ ‬والأمانة‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين،‭ ‬والتواصل‭ ‬الجيد‭. ‬يحتاج‭ ‬الأبناء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬التحدث‭ ‬بصراحة‭ ‬بشأن‭ ‬المخاوف‭ ‬التي‭ ‬يعيشونها،‭ ‬والتي‭ ‬تتعلق‭ ‬بصحة‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬الوالدين‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دورهم‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬إرضاء‮»‬‭ ‬الوالدين،‭ ‬بل‭ ‬بالأحرى،‭ ‬مساعدتهما‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬بفعالية‭ ‬مع‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬إليهم‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬العمر‭. ‬كما‭ ‬يحتاج‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬إلى‭ ‬تقبّل‭ ‬قيود‭ ‬جديدة‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬حياتهم،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬المساعدة‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭ ‬وقبولها‭ ‬بشجاعة‭. ‬

وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬أفضل‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬تقييم‭ ‬الوضع‭ ‬معاً‭ ‬أو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬علامات‭ ‬تحذيرية‭ ‬لتحديد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬طلب‭ ‬مساعدة‭ ‬خارجية‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأوضاع‭ ‬الجديدة‭. ‬وتبقى‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الدنيا‭ ‬سَلَفٌ‭ ‬ودَيْن‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يلخص‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأبناء‭ ‬ووالديهم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قدّمه‭ ‬الآباء‭ ‬لأبنائهم‭ ‬من‭ ‬رعاية‭ ‬واهتمام‭ ‬وهم‭ ‬أطفال،‭ ‬عليهم‭ ‬تقديمه‭ ‬لوالديهم‭ ‬في‭ ‬شيخوختهم‭. ‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الجميل‭ ‬استرجاع‭ ‬قول‭ ‬الكاتبة‭ ‬تيا‭ ‬واكر،‭ ‬صاحبة‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مقدم‭ ‬الرعاية‭ ‬الملهم‭... ‬إيجاد‭ ‬الفرح‭ ‬ونحن‭ ‬نقدم‭ ‬الرعاية‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬نحب‮»‬،‭ ‬عندما‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬تقديم‭ ‬الرعاية‭ ‬لمن‭ ‬كانوا‭ ‬يقدمون‭ ‬الرعاية‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬هو‭ ‬أعلى‭ ‬مرتبة‭ ‬من‭ ‬مراتب‭ ‬الشرف‮»‬‭ ‬■