بين سيمون دو بوفوار وسارتر

بين سيمون دو بوفوار وسارتر

يضعنا‭ ‬كتاب‭ ‬هازل‭ ‬راولي‭ ‬أمام‭ ‬سارتر‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً‭ ‬عما‭ ‬عهدناه‭. ‬فيستحسن‭ ‬بك‭ ‬أن‭ ‬تنسى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعرفه‭ ‬عن‭ ‬سارتر‭ ‬المفكر‭ ‬والسياسي‭ ‬والكاتب‭ ‬الملتزم‭. ‬ومرحبا‭ ‬بك‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬جديد،‭ ‬وسارتر‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬سارتر‭ ‬زير‭ ‬النساء‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مثير‭ ‬للجدل‭ ‬حقيقة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يعتبره‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬عشاق‭ ‬جيل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬ــ‭ ‬باعتباره‭ ‬زمناً‭ ‬جميلاً‭ ‬ــ‭ ‬بمنزلة‭ ‬تجديف‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬ثقافياً‭ ‬وفكرياً‭.‬

تكتب‭ ‬المؤلفة‭ ‬الأسترالية‭ ‬راولي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابها‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬سيرة‭ ‬حياة‭ ‬سارتر‭ ‬ودو‭ ‬بوفوار‭. ‬فأنا‭ ‬أترك‭ ‬للآخرين‭ ‬الحكم‭ ‬بإنصاف‭ ‬على‭ ‬كتاباتهما،‭ ‬وسياساتهما،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬حياتهما‭ ‬المعقدة‭ ‬والغنية‭. ‬هذه‭ ‬قصة‭ ‬حياة‭ ‬علاقة‭. ‬فقد‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أصور‭ ‬هذين‭ ‬الشخصين‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬في‭ ‬لحظاتهما‭ ‬الحميمية‮»‬‭.‬

 

سر‭ ‬الحميمية‭ ‬بين‭ ‬سارتر‭ ‬وسيمون

كان‭ ‬سارتر‭ ‬عبقرياً‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬الفلسفة،‭ ‬وكذلك‭ ‬كانت‭ ‬سيمون‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭. ‬وقد‭ ‬حضرا‭ ‬معا‭ ‬امتحان‭ ‬الأستاذية‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬عام‭ ‬1929،‭ ‬وحظي‭ ‬سارتر‭ ‬بالمرتبة‭ ‬الأولى،‭ ‬تلته‭ ‬سيمون‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نشأت‭ ‬علاقة‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الإعجاب‭ ‬الفكري‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬سارتر‭ ‬ودو‭ ‬بوفوار‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أفسح‭ ‬المجال‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬الفلسفية‭ ‬الوجودية‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬سارتر‭ ‬على‭ ‬سيمون،‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬الحرية‭ ‬والاختيار‭ ‬الحر‭ ‬والالتزام‭ ‬والتمرد‭ ‬على‭ ‬التقاليد‭ ‬‮«‬البرجوازية‮»‬‭ ‬حول‭ ‬الزواج‭ ‬التقليدي‭. ‬وهي‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬سيمون‭ ‬في‭ ‬مذكراتها‭ ‬بأنها‭ ‬أعجبت‭ ‬بها،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬بالفعل‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬مثيلاتها‭ ‬قبيل‭ ‬التعرف‭ ‬بسارتر‭.‬

تصف‭ ‬المؤلفة‭ ‬راولي‭ ‬شخصية‭ ‬سارتر‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬جان‭ ‬كو‭ (‬تلميذ‭ ‬سارتر‭ ‬وسكرتيره‭ ‬الخاص‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬كالبغل،‭ ‬ويدخن‭ ‬كالقطار،‭ ‬ويكتب‭ ‬بيده‭ ‬ونادراً‭ ‬ما‭ ‬يشطب‭ ‬شيئاً‭. ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يرض‭ ‬عما‭ ‬كتبه‭ ‬كان‭ ‬يفضل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬بيضاء‭. ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬المسودات‭ ‬المشوشة‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سارتر‭ ‬فقط‭ ‬يهب‭ ‬المال‭ ‬للآخرين،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬ينثره‭ ‬عليهم‭. ‬كان‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬شقته‭ ‬وفي‭ ‬جيوبه‭ ‬رزم‭ ‬من‭ ‬المال‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يترك‭ ‬الآخرين‭ ‬يدفعون‭ ‬الحساب‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬أبداً‭. ‬وكان‭ ‬يترك‭ ‬بقشيشاً‭ ‬كبيراً‭. ‬كانت‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬تعتمد‭ ‬ماليا‭ ‬على‭ ‬سارتر،‭ ‬ككثير‭ ‬من‭ ‬أصدقائه‭ ‬الآخرين‭. ‬وعندما‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬يطلب‭ ‬منه‭ ‬قرضاً،‭ ‬فنادراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يرده‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬سارتر‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬القروض‭ ‬أبداً،‭ ‬بل‭ ‬يدفع‭ ‬نقداً‭ ‬أو‭ ‬يوقع‭ ‬شيكاً‭ ‬للمقترض‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الشهر‭ ‬ينفد‭ ‬المال‭ ‬منه،‭ ‬فيتوجه‭ ‬إلى‭ ‬كو‭ ‬قائلاً‭: ‬كو‭ ‬ليس‭ ‬لدي‭ ‬نقود‭. ‬ألا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدبر‭ ‬لي‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكان؟‭ ‬فيجيبه‭ ‬كو‭: ‬لا‭ ‬يمكن‭. ‬فيرد‭ ‬سارتر‭: ‬حسناً‭. ‬سأستدين‭ ‬من‭ ‬يوجين‭ (‬الخادمة‭)‬‮»‬‭.‬

أكثر‭ ‬ما‭ ‬يشغل‭ ‬بال‭ ‬راولي‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬الحالي‭ ‬هو‭ ‬وصف‭ ‬علاقات‭ ‬سارتر‭ ‬النسائية،‭ ‬فهي‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬حمته‭ ‬نساؤه‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬فقد‭ ‬جعلنه‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬محبوب‭ ‬ومطلوب،‭ ‬وكان‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬صحبة‭.‬

كانت‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬تعرف‭ ‬كم‭ ‬كان‭ ‬سهلاً‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬أن‭ ‬يحاصرن‭ ‬سارتر‭. ‬‮«‬ذاك‭ ‬ضميره‭ ‬المذنب‮»‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭. ‬إذ‭ ‬شعر‭ ‬سارتر‭ ‬بأنه‭ ‬مدين‭ ‬بالشكر‭ ‬لنسائه‭ ‬لحبهن‭ ‬له‭. ‬وكان‭ ‬يتساءل‭ ‬دائماً‭: ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬كان‭ ‬مسؤولاً‭ ‬عن‭ ‬سعادتهن‭ ‬وإخفاقهن‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬إنجاز‭ ‬ما؟

عاشت‭ ‬نساء‭ ‬سارتر‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭ ‬من‭ ‬مسكنه،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬تجتمع‭ ‬الواحدة‭ ‬منهن‭ ‬مع‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولم‭ ‬تعرف‭ ‬أي‭ ‬واحدة‭ ‬منهن‭ ‬الحقيقة‭ ‬حول‭ ‬حياته‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬آرليت‭ ‬تعرف‭ ‬أنه‭ ‬يلتقي‭ ‬واندا،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬واندا‭ ‬تعرف‭ ‬أنه‭ ‬لايزال‭ ‬يلتقي‭ ‬ميشيل‮»‬‭.‬

ونلحظ‭ ‬أن‭ ‬راولي‭ ‬لا‭ ‬تستغرق‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المواقف‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬لسارتر،‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تستطرد‭ ‬وتستغرق‭ ‬فيه‭ ‬عند‭ ‬وصف‭ ‬أدق‭ ‬تفاصيل‭ ‬علاقاته‭ ‬العاطفية،‭ ‬فنجدها‭ ‬مثلاً‭ ‬تتناول‭ ‬تحول‭ ‬سارتر‭ ‬الخطير‭ ‬عن‭ ‬تأييده‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬إلى‭ ‬معارضته‭ ‬له،‭ ‬في‭ ‬فقرة‭ ‬قصيرة،‭ ‬تقول‭ ‬فيها‭: ‬

“في‭ ‬أغسطس‭ ‬عام‭ ‬1968‭ ‬اجتاحت‭ ‬الدبابات‭ ‬السوفييتية‭ ‬تشيكوسلوفاكيا‭. ‬وللمرة‭ ‬الثانية‭ ‬خلال‭ ‬12‭ ‬عاماً‭ ‬كان‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬هو‭ ‬المعتدي‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬صريح‭. ‬وفي‭ ‬روما‭ ‬رأى‭ ‬سارتر‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬أجريت‭ ‬معه،‭ ‬أن‭ ‬السوفييت‭ ‬مجرمو‭ ‬حرب‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬نوفمبر،‭ ‬ذهب‭ ‬سارتر‭ ‬مع‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬براغ‭ ‬ليظهرا‭ ‬تضامنهما‭ ‬مع‭ ‬التشيكيين،‭ ‬وكتب‭ ‬سارتر‭ ‬إلى‭ ‬زونينا‭ (‬مترجمته‭ ‬للغة‭ ‬الروسية‭) ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينوي‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭. ‬فقد‭ ‬قطع‭ ‬هو‭ ‬ودو‭ ‬بوفوار‭ ‬علاقتهما‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬السوفييتية‮»‬‭.‬

ويتضح‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬راولي‭ ‬أن‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬سارتر‭ ‬بالاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬كان‭ ‬قائماً‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬العاطفية‭ ‬بمترجمته‭ ‬السوفييتية‭ ‬أيضاً،‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬راولي‭ ‬تفصيلاتها‭ ‬عبر‭ ‬صفحات‭ ‬الكتاب‭.‬

وتقول‭ ‬راولي‭ ‬إن‭ ‬‮«‬نساء‭ ‬سارتر‮»‬‭ ‬كنّ‭ ‬يمثلن‭ ‬له‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬‮«‬العائلة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬اختار‭ ‬أعضاءها‭ ‬بنفسه‭. ‬وهذا‭ ‬يفسر‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬سارتر‭ ‬قد‭ ‬اختار‭ ‬أصغر‭ ‬أعضاء‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬العائلة‮»‬‭ ‬لتصبح‭ ‬بالفعل‭ ‬ابنته‭ ‬بالتبني،‭ ‬حيث‭ ‬تكتب‭ ‬راولي‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬بالنسبة‭ ‬لسارتر‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬سيمون‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬لتصبح‭ ‬وريثته‭ ‬في‭ ‬ملكيته‭ ‬الأدبية‭ ‬أو‭ ‬منفذة‭ ‬الوصية‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬موته‭. ‬فقد‭ ‬كانا‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬نفسه‭ ‬تقريباً‭.‬

لذا‭ ‬فقد‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬آرليت‭ ‬إيلكايم،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬أصغر‭ ‬أعضاء‭ ‬‮«‬العائلة‮»‬‭ (‬أصدقاء‭ ‬سارتر‭)‬،‭ ‬فقرر‭ ‬أن‭ ‬يتبناها‭ ‬قانونياً‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ثمة‭ ‬احترام‭ ‬بين‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬وإيلكايم،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬حسودة،

وكانت‭ ‬الأخيرة‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬إيلكايم‭ ‬مجرد‭ ‬متطفلة‭ ‬على‭ ‬سارتر،‭ ‬فقد‭ ‬سألته‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭: ‬‮«‬هل‭ ‬كنت‭ ‬ستوافق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتكل‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ (‬مثل‭ ‬سن‭ ‬إيلكايم‭)‬؟‭ ‬فأجابها‭: ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬لام‭ ‬فان‭ ‬جوخ‭ ‬على‭ ‬اعتماده‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬أخيه‭!‬‮»‬‭.‬

 

العهد‭ ‬بين‭ ‬سارتر‭ ‬وسيمون

ميز‭ ‬سارتر‭ ‬وسيمون‭ ‬بين‭ ‬نمطين‭ ‬من‭ ‬الحب‭: ‬نمط‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬الأساسي‭ ‬المطلق‭ ‬المؤسس‭ ‬لعلاقتهما‭ ‬وحبهما‭ ‬لبعضهما‭. ‬ونمط‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬الثانوي‭ ‬العابر‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬حولهما‭. ‬وبهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬استطاعا‭ ‬تأسيس‭ ‬علاقة‭ ‬حب‭ ‬‮«‬أساسية‮»‬‭ ‬بينهما،‭ ‬لكنها‭ ‬تفسح‭ ‬مكانا‭ ‬لوجود‭ ‬علاقات‭ ‬حب‭ ‬‮«‬ثانوية‮»‬‭ ‬مع‭ ‬آخرين‭. ‬وبذلك‭ ‬يمكن‭ ‬توصيف‭ ‬علاقة‭ ‬سارتر‭ ‬مع‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬بأنها‭ ‬علاقة‭ ‬تتبنى‭ ‬التعددية‭ ‬‮«‬البوليجامية‮»‬،‭ ‬وترفض‭ ‬الأحادية‭ ‬‮«‬المونوجامية‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬نمط‭ ‬العهد‭ ‬الذي‭ ‬تعاهدا‭ ‬عليه‭. ‬كان‭ ‬الاثنان‭ ‬لا‭ ‬يرغبان‭ ‬في‭ ‬إنجاب‭ ‬أطفال‭. ‬فقد‭ ‬كانا‭ ‬يكرهان‭ ‬الاعتناء‭ ‬بهم‭. ‬وكانا‭ ‬يعتبران‭ ‬حياتهما‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬إنجاز‭ ‬مهمة‭ ‬وجودية‭ ‬فكرية‭ ‬وفلسفية‭ ‬وسياسية‭ ‬وكتابية‭ ‬محددة‭. ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬فيها‭ ‬للأسرة‭ ‬أو‭ ‬للأطفال‭.‬

كانت‭ ‬سيمون‭ ‬تشعر‭ ‬بأنه‭ ‬يوجد‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬رجل‭ ‬أن‭ ‬يتقبله،‭ ‬فهي‭ ‬تكتب‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬أعلم‭ ‬الثمن‭ ‬المطلوب‭ ‬للحب‭. ‬لكنني‭ ‬أشد‭ ‬ذكاء‭ ‬وأكثر‭ ‬حرية‭ ‬وأشد‭ ‬تطلبا،‭ ‬بحيث‭ ‬يستحيل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬يحتويني‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬وبذا‭ ‬فيستحيل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬يحبني‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬سوى‭ ‬نفسي‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬سارتر‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬اعتبرته‭ ‬سيمون‭ ‬مكافئاً‭ ‬لها‭ ‬ولمتطلباتها‭ ‬الذهنية،‭ ‬فكانا‭ ‬يلتقيان‭ ‬يوميا‭ ‬لممارسة‭ ‬الكتابة،‭ ‬وكأنه‭ ‬طقس‭ ‬يومي‭ ‬مقدس‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إنجازه‭ ‬بكل‭ ‬التزام‭ ‬وتفانٍ‭. ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬يقرأ‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬الآخر،‭ ‬ويدلي‭ ‬بملاحظاته،‭ ‬ويشجع‭ ‬الآخر‭. ‬كتبت‭ ‬سيمون‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭: ‬‮«‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬أريدها‮»‬‭.‬

‮«‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬سارتر‭ ‬ودو‭ ‬بوفوار‭ ‬في‭ ‬علاقتهما‭ ‬عن‭ ‬العيش‭ ‬ككاتبين‭... ‬تعاهدا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يخبر‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬الآخر‭ (‬في‭ ‬إطار‭ ‬علاقتهما‭ ‬الأساسية‭) ‬بـ‭ ‬‮«‬كل‭ ‬شيء‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬أدق‭ ‬التفاصيل‭ (‬عن‭ ‬علاقاتهما‭ ‬الثانوية‭). ‬كان‭ ‬سارتر‭ ‬ودو‭ ‬بوفوار‭ ‬أشبه‭ ‬بشخصية‭ ‬روكنتان‭ ‬بطل‭ ‬رواية‭ ‬الغثيان‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬لكي‭ ‬يصبح‭ ‬الحدث‭ ‬التافه‭ ‬مغامرة‭ ‬كبيرة‭ ‬ينبغي‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تسرده‮»‬‭.‬

كان‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬معرفة‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬أكثر‭ ‬إرضاء‭ ‬لهما،‭ ‬أهو‭ ‬لذة‭ ‬التلصص‭ ‬المتولدة‭ ‬عن‭ ‬سماع‭ ‬تفاصيل‭ ‬العلاقات‭ ‬الثانوية‭ ‬مع‭ ‬العشاق‭ ‬الآخرين‭ ‬لكل‭ ‬منهما،‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬المتعة‭ ‬الحميمية‭ ‬المتولدة‭ ‬عن‭ ‬سرد‭ ‬التفاصيل‭ ‬بكل‭ ‬صدق‭ ‬ودون‭ ‬إخفاء‭. ‬كانا‭ ‬مهووسين‭ ‬بما‭ ‬يدعوه‭ ‬سارتر‭ ‬‮«‬وهم‭ ‬السيرة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬الفكرة‭ ‬القائلة‭ ‬إن‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تماثل‭ ‬الحياة‭ ‬المسرودة‭. ‬كتب‭ ‬سارتر‭: ‬‮«‬كنت‭ ‬واعياً‭ ‬بكوني‭ ‬الشاب‭ ‬سارتر،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يتكلم‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الشاب‭ ‬غوته‮»‬‭. ‬وكانت‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬تتخيل‭ ‬الناس‭ ‬يمعنون‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬حياتها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬فعلت‭ ‬هي‭ ‬مع‭ ‬حيوات‭ ‬إميلي‭ ‬برونتي‭ ‬وجورج‭ ‬إيليوت‭ ‬وكاثرين‭ ‬مانسفيلد‭. ‬وبذلك‭ ‬نزعا‭ ‬إلى‭ ‬صنع‭ ‬أسطورتهما‭ ‬الخاصة‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬يتم‭ ‬وفق‭ ‬أسلوب‭ ‬‮«‬الإخبار‭ ‬بكل‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فبالنسبة‭ ‬لهما‭ ‬كانت‭ ‬فكرة‭ ‬التكتم‭ ‬هي‭ ‬أثر‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬نفاق‭ ‬البرجوازية،‭ ‬فلم‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالأسرار؟‭ ‬كانت‭ ‬مهمتهما‭ ‬كمفكرين‭ ‬هي‭ ‬سبر‭ ‬ما‭ ‬تحت‭ ‬السطح‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أعماق‭ ‬التجربة‭ ‬وكشف‭ ‬زيف‭ ‬الخرافات‭ ‬وإيصال‭ ‬الحقيقة‭ ‬إلى‭ ‬قرائهما‮»‬‭.‬

كان‭ ‬مفهوم‭ ‬سارتر‭ ‬للحقيقة‭ ‬يستبعد‭ ‬المشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬والانهزامية‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭. ‬فجزء‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الالتزام‭ ‬والمسؤولية،‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬مسؤول‭ ‬بشكل‭ ‬تام‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬مشاعره‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فالمشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬والانهزامية‭ ‬هي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬تضييع‭ ‬الوقت‭ ‬وإهدار‭ ‬الطاقة‭. ‬وتذكر‭ ‬الكاتبة‭ ‬راولي‭ ‬أن‭ ‬إحدى‭ ‬صديقات‭ ‬سارتر‭ (‬سيمون‭ ‬جوليفيه‭) ‬أرسلت‭ ‬له‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬خطابا‭ ‬تقول‭ ‬فيه‭ ‬إنها‭ ‬حزينة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬قرعها‭ ‬برسالته‭ ‬التالية‭:‬

‮«‬أتتوقعين‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أعاملك‭ ‬بلطف‭ ‬نتيجة‭ ‬لإدلائك‭ ‬بهكذا‭ ‬تصريح‭ ‬بحالتك‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬أنت‭ ‬أن‭ ‬تسميها‭ ‬بالحزن،‭ ‬متوقعة‭ ‬أن‭ ‬تحصلي‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬التلطف‭ ‬إشفاقا‭ ‬على‭ ‬نفسك‭ ‬أولاً،‭ ‬ثم‭ ‬مني‭ ‬إشفاقا‭ ‬عليك؟‭ ‬ربما‭ ‬قد‭ ‬طرأ‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بفعل‭ ‬يشبه‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬لكني‭ ‬حاليا‭ ‬أصبحت‭ ‬أحتقر‭ ‬وأنفر‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يفعلون‭ ‬ما‭ ‬تفعلينه‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬الاستغراق‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬الحزن‭. ‬إن‭ ‬الحزن‭ ‬يمضي‭ ‬يدا‭ ‬بيد‭ ‬مع‭ ‬الخمول‭. ‬بل‭ ‬إنك‭ ‬تسمحين‭ ‬لنفسك‭ ‬بالكتابة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬وإرسال‭ ‬رسالة‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬لي‭. ‬اصمدي‭ ‬واصلبي‭ ‬قامتك،‭ ‬وتوقفي‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬المسرحية‭ ‬التافهة‭ ‬واشغلي‭ ‬نفسك‭ ‬بما‭ ‬يستحق‭... ‬اكتبي‮»‬‭. ‬

 

العبث‭ ‬بحياة‭ ‬الآخرين

تقول‭ ‬راولي‭: ‬‮«‬توفي‭ ‬سارتر‭ ‬عام‭ ‬1980‭ ‬ودو‭ ‬بوفوار‭ ‬عام‭ ‬1986،‭ ‬ولم‭ ‬يتلفا‭ ‬رسائلهما‭ ‬ويومياتهما‭ ‬الخاصة،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنهما‭ ‬خططا‭ ‬لتنشر‭ ‬بعد‭ ‬موتهما،‭ ‬وقد‭ ‬نشر‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬رسائلهما‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬عدة‭. ‬وكانت‭ ‬صدمة‭ ‬القراء‭ ‬شديدة،‭ ‬إذ‭ ‬تبين‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬هذين‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬قول‭ ‬الصدق‭ ‬كانا‭ ‬يكذبان‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬غير‭ ‬المستقرات‭ ‬عاطفياً‭. (‬كان‭ ‬سارتر‭ ‬يصنفها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أكاذيب‭ ‬بيضاء‮»‬‭ ‬و«أنصاف‭ ‬حقائق‮»‬‭ ‬و‮«‬أكاذيب‭ ‬كاملة‮»‬‭)‬،‭ ‬فلماذا‭ ‬هذا‭ ‬الاستخفاف‭ ‬الشديد‭ ‬بأولئك‭ ‬النساء‭ ‬الشابات؟‮»‬‭.‬

وتحمل‭ ‬المؤلفة‭ ‬راولي‭ ‬المسؤولية‭ ‬لسارتر‭ ‬عن‭ ‬العبث‭ ‬بحياة‭ ‬الفتيات‭ ‬اللاتي‭ ‬عرفهن‭ ‬–‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بشكل‭ ‬ضمني‭ ‬وغير‭ ‬صريح‭. ‬فبعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفتيات‭ ‬قد‭ ‬انتحرن‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬راولي‭ ‬لا‭ ‬تظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الانتحار‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬نتيجة‭ ‬تأثر‭ ‬الفتيات‭ ‬بأجواء‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬بل‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬تعدد‭ ‬علاقات‭ ‬سارتر،‭ ‬أمر‭ ‬كفيل‭ ‬بدفع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفتيات‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار،‭ ‬حين‭ ‬يدركن‭ ‬أن‭ ‬معبودهن‭ ‬قد‭ ‬فضل‭ ‬عليهن‭ ‬أخريات،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬حين‭ ‬يدركن‭ ‬أن‭ ‬حتى‭ ‬هذا‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الوجودي‭ ‬لايزال‭ ‬مجرد‭ ‬رجل‭ ‬عادي‭ ‬في‭ ‬رغباته‭ ‬وأكاذيبه‭.‬

 

التفسير‭ ‬النفسي‭ ‬الوجودي‭ ‬لشخص‭ ‬سارتر

تفسر‭ ‬راولي‭ ‬تعدد‭ ‬علاقات‭ ‬سارتر‭ ‬العاطفية،‭ ‬بكونه‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬وضعه‭ ‬وجودياً،‭ ‬فهو‭ ‬قبيح‭ ‬المنظر،‭ ‬وقصير‭ ‬القامة،‭ ‬وأحول‭ ‬العينين،‭ ‬ولا‭ ‬يتمتع‭ ‬بصفات‭ ‬جسدية‭ ‬رجولية‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تجتذب‭ ‬الفتيات‭ ‬للرجال،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يجتذب‭ ‬الفتيات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬لديهن‭ ‬الإعجاب‭ ‬الذهني،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الإعجاب‭ ‬الجسدي‭. ‬وتسرد‭ ‬راولي‭ ‬تفاصيل‭ ‬أول‭ ‬لقاء‭ ‬رفضت‭ ‬فيه‭ ‬سيمون‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬أن‭ ‬تقابل‭ ‬سارتر،‭ ‬وأرسلت‭ ‬أختها‭ ‬بدلا‭ ‬منها‭ ‬لتعتذر‭ ‬إليه،‭ ‬كما‭ ‬يلي‭:‬

‮«‬جلس‭ ‬سارتر‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬الشاي‭ ‬منتظرا‭ ‬دو‭ ‬بوفوار،‭ ‬يقرأ‭ ‬ويدخن‭ ‬غليونه‭. ‬وبوغت‭ ‬حين‭ ‬رأى‭ ‬شابة‭ ‬ذات‭ ‬شعر‭ ‬أشقر‭ ‬تتقدم‭ ‬نحوه‭ ‬وتقدم‭ ‬نفسها‭ ‬إليه‭ ‬بصفتها‭ ‬هيلين‭ ‬دو‭ ‬بوفوار،‭ ‬وتخبره‭ ‬بأن‭ ‬شقيقتها‭ ‬لن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الحضور‭. ‬سألها‭ ‬سارتر‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬عرفت‭ ‬بأنني‭ ‬سارتر؟‮»‬‭. ‬أجابته‭ ‬بخجل‭: ‬‮«‬لأنك‭ ‬تضع‭ ‬نظارة‮»‬‭. ‬عندئذ‭ ‬أشار‭ ‬سارتر‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬الأخرى‭ ‬ويضع‭ ‬على‭ ‬عينيه‭ ‬أيضا‭ ‬نظارة‭.‬

اعتقد‭ ‬سارتر‭ ‬بأنه‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬سيمون‭ ‬دو‭ ‬بوفوار،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يخمن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬وصفته‭ ‬بها‭ ‬لأختها‭ ‬الأصغر‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬حق،‭ ‬إذاً‭ ‬أخبرت‭ ‬سيمون‭ ‬شقيقتها‭ ‬بأنها‭ ‬ستتبينه‭ ‬بسهولة،‭ ‬فهو‭ ‬قصير‭ ‬جداً،‭ ‬يضع‭ ‬على‭ ‬عينيه‭ ‬نظارة،‭ ‬وقبيح‭ ‬جداً‭... ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬البداية‭ ‬مبشرة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬سارتر‭ ‬ليتحمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مرفوضا‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬فخلال‭ ‬حياته‭ ‬كلها‭ ‬لم‭ ‬يغفر‭ ‬لأمه‭ ‬خيانتها‭ ‬له،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يظن،‭ ‬نتيجة‭ ‬زواجها‭ ‬ثانية‭.‬

 

هل‭ ‬ظلمت‭ ‬المؤلفة‭ ‬سارتر‭ ‬وأنصفت‭ ‬دو‭ ‬بوفوار؟

تعتمد‭ ‬المؤلفة‭ ‬راولي‭ ‬على‭ ‬الشهادات‭ ‬الشخصية‭ ‬والاقتباس‭ ‬من‭ ‬المذكرات‭ ‬والرسائل‭ ‬الشخصية‭. ‬وفي‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬نجد‭ ‬أغلب‭ ‬الشخصيات‭ ‬تشهد‭ ‬لسارتر‭ ‬بطلاوة‭ ‬الحديث‭ ‬وحلاوة‭ ‬الروح،‭ ‬وبكونه‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬تحفيز‭ ‬محادثيه،‭ ‬ليحققوا‭ ‬كل‭ ‬إمكاناتهم‭ ‬الذاتية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أحبته‭ ‬دوبوفوار‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬سارتر،‭ ‬فنجدها‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬سارتر‭ ‬في‭ ‬مذكراتها،‭ ‬وكأنه‭ ‬كان‭ ‬محفزاً‭ ‬أساسياً‭ ‬لها‭ ‬لإنجاز‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أنجزته‭ ‬في‭ ‬حياتها،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نعجز‭ ‬عن‭ ‬الإمساك‭ ‬بهذه‭ ‬السمات‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬كتاب‭ ‬راولي،‭ ‬وكأنها‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬مهتمة‭ ‬ببذل‭ ‬الجهد‭ ‬الكافي‭ ‬لوصف‭ ‬سارتر‭ ‬وتأثير‭ ‬علاقته‭ ‬على‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬وعلى‭ ‬غيرها،‭ ‬وفق‭ ‬السمات‭ ‬التي‭ ‬يضيفها‭ ‬عليه‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الشهادات‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬متن‭ ‬الكتاب‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬تهتم‭ ‬راولي‭ ‬كثيراً‭ ‬بوصف‭ ‬مشاعر‭ ‬دوبوفوار،‭ ‬فهي‭ ‬ترينا‭ ‬سيمون‭ ‬أثناء‭ ‬بكائها‭ ‬على‭ ‬عجز‭ ‬سارتر‭ ‬وأزماته‭ ‬الصحية،‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬أي‭ ‬مشاعر‭ ‬لدى‭ ‬سارتر‭ ‬أثناء‭ ‬إصابته‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭. ‬فنحن‭ ‬كقراء‭ ‬نشعر‭ ‬بمشاعر‭ ‬سيمون‭ ‬وحبها‭ ‬لسارتر،‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نشعر‭ ‬بأن‭ ‬سارتر‭ ‬يستحق‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭. ‬وهذه‭ ‬إحدى‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬الغريبة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬راولي،‭ ‬فهي‭ ‬تطالعنا‭ ‬وكأنها‭ ‬تساند‭ ‬سيمون‭ ‬بأكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي،‭ ‬وتهمل‭ ‬سارتر‭ ‬بأكثر‭ ‬مما‭ ‬يستحق‭.‬

إن‭ ‬الإلماح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سارتر‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬مسؤولا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأخلاقي‭ ‬أو‭ ‬النفسي‭ ‬عن‭ ‬انتحار‭ ‬بعض‭ ‬صديقاته،‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬الكاتبة‭ ‬راولي‭ ‬بطرف‭ ‬خفي‭ ‬في‭ ‬كتابها،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬تفنده‭ ‬وترفضه‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬أبرز‭ ‬نساء‭ ‬سارتر‭ ‬وهي‭ ‬سيمون‭ ‬دو‭ ‬بوفوار‭ ‬نفسها‭ ‬لم‭ ‬تنتحر،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬استفادت‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬قربها‭ ‬الحميم‭ ‬من‭ ‬سارتر‭ ‬لتحقق‭ ‬ذاتها‭ ‬وتبلغ‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬بلغته‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬عصرها‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬وتميز،‭ ‬نتيجة‭ ‬لوجودها‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬سارتر‭ ■‬